الدرس الحادي عشر

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

2072 11
الدرس الحادي عشر

العقيدة الطحاوية (3)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المُشاهدين الأَعِزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأُرحبُ بفضيلة الشَّيخ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد، فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
حيَّاكم الله، وحيًّا الله الإخوة جميعًا.
{نبتدئ في هذه الحلقة -بإذن الله- من مَتن العقيدة الطَّحاويَّة لأبي جعفر الطَّحاوي، من قوله -رحمه الله: (وَدِينُ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاحِدٌ؛ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران:19]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً﴾ [المائدة:3]، وَهُوَ بَيْنَ الْغُلُوِّ، وَالتَّقْصِيرِ، وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ، وَبَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَبَيْنَ الْأَمْنِ وَالْإِيَاسِ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه، أمَّا بعدُ:
فهذه الجمل في خِتام العقيدة الطَّحاوية، يقول فيها الطَّحاوي -رحمه الله: (وَدِينُ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاحِدٌ؛ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ).
دين الله -جَلَّ وعَلَا- في الأرض: يَعني الذي شَرَعَه لعباده وأوجبه عليهم هو الإسلام.
وقوله: (فِي السَّمَاءِ)، يعني: الذي هو مَقبولٌ عند ربِّ العَالمين، فلا يَقبل الله -جَلَّ وعَلَا- من أحدٍ دينًا غيرَ هذا الدِّين، فهذا معنى قوله: (وَدِينُ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاحِدٌ)، وإِلَّا فالملائكة -عليهم الصَّلاة والسَّلام- ليسوا مُكلَّفينَ بما كُلِّفَ به الإنس والجن، فالرُّسل بُعثوا لأهلِ الأرضِ من الإنسِ والجنِّ، وهم المخاطبون بالدِّين، وهم الذين يجبُ عليهم طاعة رُسُلِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- واتِّباع دينه.
والإسلام: هو الاستسلام لله بالتَّوحيد، والانقياد له بالطَّاعة، والبراءة من الشِّرك وأهله.
هذا هو معنى الإسلام، وقد دلَّ على هذا المعنى آياتٌ كثيرة، قال تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهً﴾ [آل عمران: 83].
إذن الإسلام: هو الاستِسلَام لله، والانقيَاد له -سبحانه وتعالى- بالطَّاعة، والبَراءة من الشِّرك وأهله، وهكذا عرَّفه شيخ الإسلام ابن تيمية، ونقلَ هذا الشَّيخُ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في "الأصول الثلاثة" في الأصل الثَّالث: التَّعريف بدين الإسلام، فقال: "هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله".
وبهذا المعنى تصيرُ طَاعة كُلِّ رسولٍ في زمنهِ إسلامًا، فالذين بُعث فيهم آدم -وهم ذريته- هم مُسلمون، ثم كان النَّاس بين آدم ونوحٍ على مدار عشرة قرونٍ -كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما- على إسلام، ثم وقعَ الشِّركُ وحدثَ في قومِ نوح، فأوَّل رسول إلى أهلِ الأرض بعد حدوثِ الشِّرك هو: نُوحٌ -عليه الصَّلاة والسَّلام.
فالذين آمنوا بنوحٍ وأسلَموا هم مُسلمون، وقد ذكرَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- عنهم وصف الإسلام كما في سورة يونس وغيرها.
وهكذا مَن جاءَ بعدَ نوحٍ من الرُّسلِ، فكلُّ مَن أطاعَ رسلَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- فقد أسلم، فالرَّسول الذي بُعث في زمنٍ ومكانٍ يجبُ على أهل ذلك الوقت وأهل ذلك المكان طاعة الرسول، فهؤلاء يكونون مُسلمين -أعني من اتَّبع الرَّسول في زمنه ومكانه.
أمَّا بعدَ مَبعثِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد ختمَ الله به الرِّسالات، ونسخَ به الأديان السَّابقة، وجعل القُرآن الذي أوحيَ إليه مُهيمنًا على جميع الكتب السَّابقة، فالواجب على الجن كلِّهم وعلى الإنس كلِّهم في شرقِ الأرض وغربِها: طاعة الرَّسول محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والدُّخول في دين الإسلام.
أمَّا مَن استمرَّ على مَا كان عليه أهل المللِ السَّابقة، كالذين استمرُّوا على اليهوديَّة أو استمرُّوا على النَّصرانيَّة أو استمرُّوا على غيرها مِن الأديان؛ فهؤلاء بعدَ مَبعث النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكونون كفَّارًا بِحُكمِ القُرآن، وبحكم السُّنَّة وبإجماع الأمة. قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]، وقال -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]، وقال تعالى كما في هذه الآيات: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينً﴾ [المائدة: 3]، وكذلك قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعً﴾ [الأعراف: 158] .
فالرُّسل كانوا يُبعثون إلى قومهم خاصَّة، أمَّا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد بُعث إلى جميع أهل الأرض جنِّهم وإنسهم.
وفي هذا ورد الحديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيثُ قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»[133]، وهذا صريح في أنَّ مَن استمرَّ على اليهوديَّة أو النصرانيَّة مِن هذه الأمَّة فهو كافر.
وقوله: «مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ»، يعني: أمَّة الدَّعوة؛ لأنَّ المخاطَبين داخلون في دعوتِه، فهو يدعو جميعَ أهلِ الأرض بشتَّى أصنافِهم وأجنَاسِهم إلى الإسلام.
أمَّا الذين أسلَموا واتَّبعوا، فيُقال لهم: أمَّة الإجابة.
فالأمَّة أمَّتان:
-       أمَّة الدَّعوة: كل مَن وُجد ووُلد بعد مبعث النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
-       أمة الإجابة: هم الذين أسلَموا ودَخَلوا في دينِ الإسلامِ.
فقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»، هذا يُوجب على كل إنسيٍّ وكلِّ جنِّيٍّ أن يتَّبع الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذا كانَ نصرانيًّا حتى لو كان مُتدينًا في نصرانيَّتهِ، أو يهوديًّا مُتديِّنًا في يَهودِيَّته؛ فالواجب عليه أن ينخَلِع من هذا الدِّين المحرَّف المبدَّل، وأن يتَّبع الرَّسول الخاتم محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيؤمن به، وينقَاد لشَرعِه، ويُسلم له، ويستَسلِم لله -عَزَّ وَجَلَّ- ويتَّبع رسوله محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهذا هو دين الإسلام، وهو دين الله الذي لا يرضى غيره في الأرض ولا في السَّماء.
والإسلام بالمعنى العام تقدَّم، وقد عرَّفه بعضُ العلماء بتعريفٍ آخرٍ مقارب، وهو قولهم: ما شرعَه الله -عَزَّ وَجَلَّ- لعباده على ألسنةِ رُسله، وآخرُ الرُّسل هو محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلُّ ما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو الإسلام.
ودينُ الإسلام ظاهرٌ في غاية الظُّهور -ولله الحمد- قال تعالى في سورة التوبة وكذلك في سورة الصَّف: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: 33]، فالحمدُ لله، دين الإسلام ظَاهر في غاية الظُّهور، لا يخفى، ومَن طلبه وجدَه، فيجب على كل مَن عَقَلَ أن يبحثَ عن الحقِّ، وأن يبحثَ عن الإسلامِ، فهذا هو الواجب على جميعِ أهل الأرضِ، ثم مِن فضل الله -عَزَّ وَجَلَّ- علينا أن جعلَ هذا الدين مُيسَّرَا سمحًا، كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»[134]، ورفعَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- الآصارَ الأغلالَ عن هذه الأمَّة، وكانت مِن قبلُ موجودة على مَن سبقنًا مِن الأمم السَّالفة، ولهذا يُمكن لكلِّ مميِّز من صَغيرٍ أو كبيرٍ، وفصيحٍ وأعجميٍّ، وحضريٍّ وبدويٍّ، وذكيٍّ وبليدٍ؛ أن يدخلَ في هذا الإسلام بأقصرِ زمانٍ، ولا يحتاجُ إلى تكلُّف، ولا يحتاجُ إلى أن يدرس براهين عقليَّة أشهرًا؛ لا، بل يدخلُ فيه بأقصر زمان، فإذا انخلع من الشِّركِ وأهلهِ ومِن الكفرِ وأهلِهِ، وتبرَّأَ منه، وأذعنَ لله، وشَهِدَ الشَّهادتين، وانقاد للإسلام وأركانِه؛ فهذا هو الإسلام، يشهدُ أنَّ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، عارفًا بمعناها، إذا كان أعجميًّا تترجم له المعاني حتى يفهمها، وينقاد لها عن علم.
ومع هذه السُّهولة واليُسر -ولله الحمد- إلا أنَّ الخطرَ موجودٌ، فالمسلم يخافُ على دينه، ويخافُ على عقيدتِه، ويخافُ على نفسِه؛ لأنَّه يقعُ الخروج منه أيضًا بسببِ الردَّة عن الإسلام، أو الاستهزاء بالدِّين، أو بفعلِ الشِّرك الأكبر، والكفر الأكبر، أو التَّكذيب، أو المعارضة لله -عَزَّ وَجَلَّ- ولرسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو الكَذبِ على الله -عَزَّ وَجَلَّ- أو الشَّك فيما أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- به في القُرآن، فكما أنَّه يقع الدُّخول فيه بأقصر زمان فكذلك الخروج من هذا الدِّين بالرِّدَة عن الإسلام يقع بأسرع ما يُمكن -نسأل الله العافية والسَّلامة.
ولهذا يجب علينا أن ندعوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- بما كان يُكثر منه الدُّعاء -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه كان يُكثر أن يقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»[135]، ونسأل الله أن يثبتنا وإيَّاكم على الدين.
إذن الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام- كلُّهم مُتَّفقون على طاعةِ الله، والانقياد لشرعِه، والاتباع لما جاء بهِ، ولما أوحى الله إليهم، فلهذا هم مُتَّفقون في الأصول، ومُتَّفقون في أمور الإيمان، وفي عبادةِ الرَّحمن، والإخلاصِ لله -عَزَّ وَجَلَّ- والبراءة من الشِّرك، مُتَّفقونَ في هذه الأصول الكبيرة، فأركانُ الإيمان جميع الرُّسل قد جاؤوا بها، وكذلك أصول العبادات لله -عَزَّ وَجَلَّ- ولكن يختلف كلُّ نبيٍّ عَن غيرهِ، فإنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- يَشرع لكلِّ نبيٍّ ما يُناسب قومَه، وما يُناسب ذلك الزَّمان وذلك المكان مِن العباداتِ والأحكامِ، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجً﴾ [المائدة: 48]، وجاء في الحديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ»[136]، وفي حديث آخر قال: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ»[137]،
والإخوة ثلاث أنواع:
-       إخوة أشقاء: من أب وأم.
-       وإخوة لعلَّات: لأب واحد، والأمهات شتى.
-       والإخوة الأخياف: أمهم واحدة وأباؤهم شتَّى.
فهنا قال: «إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ»، يعني: الأب واحد والأمهات شتَّى، والمراد هنا التَّقريب، يعني الدِّين واحد، أي أنَّ أصول الدِّين مُتَّفقونَ عليها، «وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى»، يعني: أنَّ الشَّرائع تختلف ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجً﴾ .
وأمَّا مَن أرادَ أن يُروِّج لتعدِّد الأديانِ وأنَّ هذا التَّعدُّد مَقبول في الإسلام، وأنَّه لا بأسَ به، وأنَّ الذين دانو بغيرِ دينِ الإسلام يَصلون إلى اللهِ ويدخلونَ الجنَّة؛ فهذا خالفَ القُرآن وخالفَ السُّنَّة، وخالفَ إجماع عُلماء المسلمين، وقد حَكى جماهيرُ العلماء الإجماعات الكثيرة في كُفرِ مَن قال بهذا، وأنَّه لا يصح ولا يُقبل عندَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَّا دين الإسلام، فنسألُ الله -جَلَّ وعَلَا- أن يثبتنا على هذا الدِّين.
ثم قال -رحمه الله: (وَهُوَ بَيْنَ الْغُلُوِّ، وَالتَّقْصِيرِ، وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ، وَبَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَبَيْنَ الْأَمْنِ وَالْإِيَاسِ).
يعني: أنَّ هذا الدِّين -ولله الحمد- وسطٌ، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطً﴾ [البقرة: 143]، فهذا الدين ليس فيه غلو؛ بل الغلو مِن الكَبائر ومن المحرَّمات التي حرَّمها الإسلام، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [النساء: 171]، وقال: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 77]، وقال -جَلَّ وعَلَا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: 87]، فالتَّحريم هنا غلو -نسأل الله العافية والسَّلامة- فنَهى الله عن هذا الغلو، قال تعالى: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ [المائدة 87، 88].
والنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ»[138]، وهذا له سبب، وهو أنَّه في حجَّة الوداع أمرَ بالتِقَاطِ الحصَيَات ليرميها في جمرةِ العَقَبَة، فالتُقِطَت له سبعُ حَصَياتٍ -صلوات الله وسلامه عليه- مثل حبَّة الفولِ أو نحوها، فقال: «بمثل هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو، فإن أهلك من كان قبلكم الغلو»، فإذا كانَت الزيادةُ في حجم الحجر غلوًّا وكذلك في عدده غلوًّا؛ فهمنا مِن هذا أنَّ الزِّيادَةَ في كلِّ ما شَرَعه الله -عَزَّ وَجَلَّ- وجاءَ عن رسوله يعتبر غلوًّا مهلكًا، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فإنما أهلك من كان قبلكم الغو»، فبعض النَّاس يتَسَاهل ويقول: هذه زيادة خير، وأنا أريد الخير، وهذ أقرب...، لا تستحسِن بعقلِكَ، فدين الإسلام بين الغُلو والجَفَاء، وسنشرح الجفاء بعدَ قليل.
ومثل الثَّلاثة الذين جاؤوا إلى بيوتِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسألوا عن عبادته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكأنهم تقالُّوها، وقالوا: إنَّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد غفرَ الله له ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ وما تأخَّر، فقالَ أحدهم: أصلِّي الليلَ ولا أرقد. وقال الآخر: أصومُ ولا أفطر. وقال الثَّالث: لا أتزوج النساء. وفي رواية "قال رابع: ولا آكل اللحم" لماذا قالوا هذا؟
لأنَّهم يُريدون الخير، فهم صحابة، ولكنَّهم تابوا وتركوا هذا لما نبَّههم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولما بلغ ذلك النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ كَذَا، وَكَذَا لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَقُومُ وَأَنَامُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ»، وفي رواية «وَآكُلُ اللَّحْمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»[139]، وهذ يبين لك أن بعض ما يُنقل عن بعض المتعبِّدين من الاجتهادات الزَّائدة عن المشروع أنَّها غير صحيحة، وأنَّه لا يُقتدى بهم في هذا.
وأيضًا ذكر في سبب نزول الآية التي في سورة المائدة: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: 87]، أنَّ بعضَ الصَّحابة تبتَّلوا، فجَلَسُوا في البيوتِ واعتزلوا النِّساءَ، ولَبسوا المسوح، وحرَّموا الطِّيبات مِن الطَّعامِ واللِّبَاس، وأرادوا السِّياحة في الأرضِ، وهمُّوا بالاختصاء حتى لا يشتهون النِّساء، وأجمعوا لقيام الليل، وأجمعوا للصِّيام؛ فأحيانًا تأتي النُّفوس بهذه الانفعالات؛ فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- هذه الآيات العظيمة: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُو﴾ ، يقول المفسرون في معناها: أي: لا تسيروا بغير سُنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتحريم النِّساء واعتزالهم، وتحريم الطَّعام، وتحريم اللحم، وتحريم اللباس الجيد الذي ليس بمحرَّمٍ، ومواصلة القيام دون نومٍ، ومواصلة الصِّيام دون إفطار؛ فهذا ليس من سنَّة الرَّسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا غلو.
والنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال أيضًا: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»، قالها ثلاثًا، فإذا تأمَّل المسلم هذا، وأعاده على قلبه هلك، هذا يتعبَّد ويقوم الليل من العشاء إلى الفَجر كل ليلة، هلك! سبحان الله! آمنَّا بما قاله الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن هذا هالك، ولا يَغرنا هذا الغلو الذي هو عليه.
والتَّنطُّع: هو التَّشدُّد والتَّكلُّف، ويُقال أيضًا عن التَّقعُّر في الكلام وتفخِيمِه، فيُخرجه من نَطعِ الحلقِ -يعني أقصاه- على هيئةِ المفتخرِ والمتكبِّر والمتشدِّق بكلامه.
فالتَّشدُّد في العبادة بأن يُشدِّدَ على نفسِهِ أو يُشدِّدَ على غيره بغير حقٍّ ولا دليلٍ ولا سنَّة، والتَّكلُّف يدخلُ فيه هذا، ويدخلُ فيه التَّكلُّف في الأمور العلميَّة، ومسائل العلم، كأن يبحث عمَّا لا يُشرَع، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ [المائدة: 101]، فهذا يعتبر مِن التَّنطع. وكذلك الذي يتكلَّم بالغريب والوحشي مِن الكلام، ليتفاخَر ويُظهِر قُدراته ويتبَختَر على النَّاس، فهذا منهيٌّ عنه.
وعلى كل حالٍ؛ فدين الإسلام وسطٌ بين الغلو والجفاء.
الجفاء: يعني التَّهاون والتَّلاعب، والإعراض عن الواجبات، والانحلال عن الدِّين، فكما أن الغلوَّ ضلالٌ، فكذلك الجفاء ضلال، والواجب هو القيام بالشَّرع والعمل بما أمر الله والاستقامة على شرعه فعلًا للواجباتِ وتركًا للمحرَّماتِ، وأمَّا الانحلال بتركِ الواجبات والانهماك في المحرمات ودعوى أنَّ هذا لا يضر، وما دام أنَّ الإيمان مَوجودٌ فلا يضر معه شيء؛ فهذا كلامُ المرجئة، وقد سبقَ بيانُ ضلالهم، وغير المرجئة ممَّن يتكاسَل ويتلاعَب بالدِّين، فلا يقيم الصَّلاة، ولا يؤدِّي الزَّكاة، ولا يقومُ بما أمر الله، فهؤلاء هم المنحلُّون عن الشَّريعة -نسأل الله العافية والسَّلامة- فدين الله وسطٌ بينَ هؤلاء وهؤلاء، وكلا الطَّرفين مذموم.
قال: (وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ).
أي: في باب الأسماء والصِّفات، فهذا الباب العظيم يجبُ أن نؤمنَ بما أخبرنا الله -عَزَّ وَجَلَّ- به من أسمائِهِ وصِفاتِه، ونُقرَّ بذلك، فنجتنب ضلالاتين عظيمتين خطيرتين:
-       الأولى: تشبيه الله بخلقه.
-       والثانية: تعطيل الله عن صفاته.
فالأولى: التَّشبيه -وهو التَّمثيل- وهو أن يجعل صِفاتِ الخالق مثلَ صِفات المخلوقِ، فيقول: سَمْعُ الله مثل سَمْعِ الإنسان، فهذا كافرٌ، وهذا ليسَ من دين الإسلام في شيءٍ، فهذا إثبات مع التَّمثيل؛ لأنَّه أثبت لله السَّمع ولكنَّه مثَّل الله بخلقه؛ وهذا كفر.
الثَّانية: التَّعطيل، وهو أن يقول: إنَّ الله لا يَسمع، ولا يوصف بالسَّمع.
سُمِّيَ تعطيلًا لأنَّ التَّعطيل هو التَّخلية، أي: التَّرك والإنكار، قال تعالى: ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: 45]، مُعطلة: يعني متروكة مخلَّاة.
ويُقال في لغة العرب: جِيدٌ معطَّل. الجِيدُ: هو العُنُق، يعني إذا لم تلبس المرأة الحُليَّ يُقال عنها: "جِيدٌ مُعطَّلٌ" يعني: عنقٌ متروكٌ وما عليه شيءٌ.
فالتَّعطيل: هو التَّرك، أي: إنكار أسماء الله وصفاته. وهذا الإنكار:
-       قد يكون كاملًا كما يفعلُه الجهميَّةُ، والفلاسِفَةُ، وكفَرةَ الصَّابئة، والبَاطنيَّة، فهم يُعطِّلون تَعطيلًا كاملًا.
-       وقد يكون تَعطيلًا للصِّفات مع إثباتِ الأسماءِ، كما يفعله المعتزلة.
-       وقد يكون تَعطيلًا لبعضِ الصِّفات دونَ بعضٍ: كما يفعله الأشَاعرة والماتريدية.
وكلُّ هذه المذاهب غلطٌ، ولكن بعضَها أشد مِن بعضٍ، وقد تقدَّمَ هذا في موضعه.
والواجب: أن نُثبت أسماء الله -عَزَّ وَجَلَّ- وصفاته الواردة في الكتاب والسنَّة كما جاءت من غير تمثيلٍ ومن غيرِ تشبيهٍ، وأن ننزِّه الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن مماثلة خلقه مِن غيرِ تعطيلٍ، كما تقدَّم شرحُ هذا.
قال: (وَبَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ)، هذا تقدَّم أيضًا في مسائلِ القَدرِ، وهو أنَّ العبدَ غيرَ مجبورٍ على أفعالِهِ، ولا على أقوالِه؛ بل خَلَقَهُ الله -عَزَّ وَجَلَّ- وجعلَ فيه قدرةً واختيارًا، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَ﴾ [الشمس:7-10]، وقال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: 28].
فمذهب الجبريَّة مذهبٌ باطلٌ، فالذين يقولون إنَّ العبد مجبورٌ كالآلة ولا إرادة له، وأفعاله كلها مجبورٌ عليها، وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله كما الريشة في مَهبِّ الرِّيح، وكحركات المرتعش، وأنَّ صلاتَه وصيامَه وحجَّه، والبعيدُ الذي يَزني ويسرق؛ كل هذه الأفعال مجبورٌ عليها، فهؤلاء هم: "الجبريَّة" الضُّلال.
وعكسهم: "القدريَّة". ومذهبهم: "نفي القدر"، وسمُّوا بالقدريَّة؛ لنفيهم القدر.
فالجبريَّة: يغلون في إثبات القدر لله -عَزَّ وَجَلَّ- وينفون أفعال العباد، فينفون أنَّ العبدَ مختارٌ، بل يقولون: إنَّ العبدَ ليس له اختيار ولا إرادة، ولا قُدرة.
وفي مُقابل هؤلاء: القدريَّة، ينفون عِلمَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- ومشيئته النَّافذة، فيقولون: إنَّ العبدَ مُستقلٌّ بفعله، عنده قُدرة على أفعاله، وهو مُستقلٌّ بذلك، وليس لله في أفعاله أي تصرُّفٍ، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يقدر على أن يهديَ ضالًّا، ولا أن يُضلَّ مهتديًا، ولا يقدر الله أن يجعل هذا يشاء الخير أو لا!
فقولهم هذا أخبث؛ لأنَّهم جعلوا مع الله خالقين وليس خالق واحدٍ، فجعلوا كل إنسان يخلق فِعلَ نَفسه.
أمَّا أهل السُّنَّة والجماعة فيقولون كما قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير:28]. فأثبت للعبد المشيئة، فقال: ﴿أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ ، ثم قال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير:30]، بيَّنَ أنَّ مَشيئةَ العبدِ ليست مُستقلَّة؛ بل هي تابعة لمشيئة الله تعالى، فمشيئة الله هي النَّافذة، ومشيئة العبد ليست نافذة، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- هو الذي خلق العبد بصفاتِه، هذا أبيض، وهذا أسود، وهذا أحمر، هذا طويل، وهذا قصير.
ومن صِفَات العبد صفتان مُهمَّتان ينتج عنهما أفعاله، فأيُّ فعلٍ يقوم به الإنسان لابدَّ فيه من وجود الصِّفتين حتى يتم الفعل، هما:
Ø   الصفة الأولى: القدرة.
Ø   الصفة الثانية: المشيئة -أو الاختيار.
فالإنسان يستطيع أن يحمل هذا الكأس ويضعه، وهذه هي القُدرة، يحمل الكتاب ويضعه، هذه قدرة، يذهب للمسجد أو إلى أي مكانٍ آخر، فهذه قُدرة.
أمَّا المشيئة أو الاختيار: فكأن يختار أن يرفع هذا ولا يرفع هذا.
إذن هذا يُسمَّى التَّمييز، ولهذا فإنَّ المميِّز يُطالب بالعمل، أمَّا غير المميِّز فلا يُطالَب بشيءٍ ولا يُكلَّف بشيء، وكذلك فاقد العقل هو فاقد للاختيار وإن كان يستطيع أن يتحرك وعنده قُدرة، ولكنه فاقد للصفة الثَّانية وهي الاختيار.
والله -عَزَّ وَجَلَّ- هو الذي خلق في العبد القُدرة والاختيار، وخلق صفاته، وما ينتج عن هاتين الصفتين من جميع أفعاله وأقواله هو محاسبٌ عليه، فتُضاف إليه كسبًا، قال تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة:286]، فصارت الأفعال تُضاف إلى العبدِ كسبًا وتسبُّبًا.
الله -عَزَّ وَجَلَّ- هو الذي خلقَ العبدَ وخلقَ صِفاتَه وخلقَ هذه الأشياء فيه؛ إذن تُضاف أفعال العباد وما ينتج عنها إلى الله خلقًا وإيجادًا، فالله تعالى هو خالقُ العبد، وخالق أفعاله، وكل ما يَنتج من أفعاله فهو مخلوق لله -عَزَّ وَجَلَّ- ولكنها تُضاف إلى العبد كسبًا وتسبُّبًا، فهذا مصلٍّ وذاك ساقٌ، وهكذا..، فهذا دين الإسلام، بينَ الجبرِ والقدرِ.
قال المؤلف: (وَبَيْنَ الْأَمْنِ وَالْإِيَاسِ).
هذا من عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو التَّوسط بين الأمن والإياس، فلا يأمن من مكرِ الله، ولا ييأس من روحِ الله، كما قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف:87]، وقال تعالى: ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر:56]، وقال تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف:99].
فالمؤمن يجمع بين الخوف والرجاء، فإذا خاف من الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يأمن أن يُسلَب الدِّين بسبب الذُّنوب؛ بل يخاف على دينه، ويخاف على نفسه، ويسأل الله الثَّبات، ولا يأمن أن تكون تكثر ذنوبه، خاصَّة محقَّرات الذُّنوب؛ فيؤاخذ عليها، وبعض النَّاس ما ينتبَّه حتى للكبائر -نسأل الله أن يَغفر لنا ولجميع إخواننا المسلمين- فيخافُ العبد مِن ذنوبه وتقصيره في فعل الواجبات، هل أدَّى الصَّلاة كما ينبغي أولا، وفي نفس المقام يرجو الله، فلا ييأس من روحِ الله ويقول: أنا صلاتي غير مَقبولة أو أعمالي غير مقبولة، وأنا ذنوبي أحاطت بي، وأنا في النار!
هذا حرامٌ ومن أكبر كبائر الذنوب، كما ثبت ذلك عن ابن مسعود أنَّ من أكبر الكبائر: الأمن من مكر الله والإياس من روح الله.
ولهذا يقول العلماء: الخوف والرجاء للمؤمن كجناحي طائر.
والإنسان أيضًا لا يقول عن نفسه: أنا رجل صالح، أنا الحمد لله كذا وكذا...!
ما دُمتَ في الحياة ولم تنتقل إلى الدَّار الآخرة فأنتَ على خطرٍ؛ فاسأل ربَّكَ -عَزَّ وَجَلَّ- الثبات، وأن يُثَبتك على الإسلام.
وهذا يُشير إلى مذهب المرجئة، كما يُشير إلى مذهب الخوارج:
فالمرجئة: يُغلِّبون جانبَ الأمن مِن مَكر الله، يقولون: افعل ما شئت من الذنوب وليس عليك مشكلة، حتى لو انحللت من الدِّين فما دمتَ أنَّك تقول الشهادتين، فما عندك مشكلة، فهذا مذهب المرجئة الضُّلال، وهو مذهب رديء خبيث.
وعكسهم: الخوارج الغلاة، كلاب النار، الذين يُشدِّدون على المسلمين فيُخرجونهم من الإسلام بالذنوب والمعاصي، ودين الإسلام وسطٌ بينَ الأمنِ والإياس.
فهذه جُملٌ عظيمة، ذكر فيها الطحاوي وسطيَّة أهل الإسلام، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مُقدمة "العقيدة الواسطيَّة" وسطيَّة أهل السُّنَّة والجماعة، وذكر هذه المسائل، وأضاف إليها المسألة الخامسة وهي: وسطيَّتهم في أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الرَّوافض والخوارج والنَّواصب.
والطَّلاب وبعض المهتمِّين يستفيدون مما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" من وسطية أهل الإسلام بينَ أهل الملل، فذكر محاسن الدِّين الإسلامي مُقابل ما عليه ضُلَّال النَّصارى وضُلَّال اليهود، فمَن أراد أن يرجع إلى هذا فليرجع إلى مقدمة الكتاب.
{قال -رحمه الله: (فَهَذَا دِينُنَا وَاعْتِقَادُنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَنَحْنُ بُرَآءُ إَلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَخْتِمَ لَنَا بِهِ، وَيَعْصِمَنَا مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْآرَاءِ الْمُتَفَرِّقَة ِ، وَالْمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ، مِثْلَ الْمُشَبِّهَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَالْجَهْمِيَّة ِ، وَالْجَبْرِيَّة ِ، وَالْقَدَرِيَّة ِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الَّذِينَ خَالَفُوا السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَحَالَفُوا الضَّلَالَةَ، وَنَحْنُ مِنْهُمْ بُرَآءُ، وَهُمْ عِنْدَنَا ضُلَّالٌ وَأَرْدِيَاءٌ، وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ)
}.
هذه الجُمَل هي ختام رسالة العقيدة الطحاوية، قال: (فَهَذَا دِينُنَا وَاعْتِقَادُنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنً)، قوله: (هَذَ)، يعني المُشار إليه هو كلُّ ما تقدَّم من أوَّل العقيدة الطَّحاوية إلى هنا.
قال: (فَهَذَا دِينُنَا وَاعْتِقَادُنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنً)، يعني: أهل السُّنَّة والجماعة ليس عندهم عقيدة خاصَّة ببعض النَّاس دون بعض، وليس هناك شيء يُبطنونه ويُخفونه عن النَّاس، فما أظهرونه هو ما يُبطنونه، وما أبطنوه هو ما يتكلَّمون به من العقيدة، خلافًا للباطنيَّة الذي يُبطنون الضَّلالات ويُخفونها عن العوام -كما يقولون.
وبعضهم يقول: لا تسأل عن هذه الأشياء، لأنَّه سرٌّ لا يعرفه إلا الفقيه كما يُسمونه! فهؤلاء ليسوا من أهل السُّنَّة والجماعة، بل هم على ضَلالات.
والشَّيخ الطَّحاوي -رحمه الله- في بيان عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة اجتهد اجتهادًا طيِّبًا، وبذل كلامًا عظيمًا نافعًا في أغلبه ومجمله، سوى موضع أو موضعين سبق التَّنبيه عليهما:
-       في مسألة الإيمان والإرجاء، وإخراج العمل من الإيمان، وَتَمَّ التنبيه على ذلك.
-       كذلك في بعض الألفاظ اليسيرة.
ولكن في الجُملَةِ فإنَّ هذه العقيدة الطحاوية عقيدةٌ صحيحةٌ وجيِّدةٌ في مجموعها.
ثم قال: (وَنَحْنُ بُرَآءُ إَلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ)، يعني: نتبرَّأ إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- ونَبرأ إليه من كلِّ العَقائد الفاسدة، وقد تقدمت الإشارة إلى كثيرٍ من هذه العقائد الفاسدة.
ثُمَّ دعا الله -عَزَّ وَجَلَّ- بهذا الدُّعاء، فقال: (وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَخْتِمَ لَنَا بِهِ)، هذا من الأدب مع الله -سبحانه وتعالى- وهذا حال عالمٍ جليل مثل الطَّحاوي، وهذا درسٌ لنا ولكل مُسلم، أنَّ العُلماء من أشد النَّاس تعظيمًا لله، وحرصًا على الثَّبات، وإبعادًا لأنفسهم عن الغرور، فيدعو الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالثَّبات، وهكذا يكون كل مُسلم وكل طالب علمٍ وكل عالم؛ فيدعو الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يُثبته على الدِّين، وأن يُثبته على الإيمان، وأن يُثبته على الإسلام، وأن يَختم له به؛ لأنَّ الإنسان قد يكون عَارفًا بالحقٍّ، ثُمَّ يزيغ عنه بسببِ الدُّنيا، أو بسببِ شُبهةٍ، أو بغيرِ ذلك من الأمور -نسأل الله العافية والسَّلامة، وأن يحسن خاتمتنا جميعًا.
ثم قال: (وَيَعْصِمَنَا مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْآرَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ).
الأهواء: جمعُ هوى، والهوى هو الرأي، ولذا قال: (وَالْآرَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ)، والمراد به هنا: ما خالف الكتاب والسنَّة.
فهذه الأهواء هي التي حذَّر منها النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحدثت بعد مماته بمدَّة، وأوَّلُ الأهواء حدوثًا: الخوارج، ثم الشِّيعة؛ فبدعة الخوارج وبدعة الشيعة حدثتا في زمنِ علي بن أبي طالب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وأنكرهما أشدَّ الإنكار، ثُمَّ بعد خمس وعشرين سنة تقريبًا حدثت فتنة القدريَّة، ثم بعد نحو عشر سنوات حدثت بدعة المرجئة؛ فهذه أصول الأهواء الضالَّة:
-       أولها: الخوارج.
-       ثانيها: الشيعة.
-       ثالثها: القدريَّة، وهذه قبل سنة سبعين بحوالي خمس سنوات، أدركها ابن عباس في كِبَرِ سنِّهِ لمَّا عَمِي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وكان في الطَّائف، وأدركها عبد الله بن عمر لمَّا كبر، وأدركها واثلة بن أصقع؛ كلُّهم سمعوا بها، وأول ما بدأت بدعة القدر وقولهم أن الله لا يعلم الأمور ولم يقدرها كانت بالعراق، وهؤلاء القدريَّة النُّفاة وهم غلاة القدريَّة.
-       رابعها: بدعة المرجئة، وكانت بعد بدعة القدريَّة بحوالي خمسة عشر سنة تقريبًا، وهي إخراج العمل عن الإيمان، والزَّعم بأنَّ الذُّنوب لا تضر مع وجود الإيمان باللسان وبالقلب، فيُكتفَى في ثبوت الإيمان قوله باللسان واعتقاده بالقلب.
فهذه هي الأهواء المختلفة، وسُمِّي "هَوَى"؛ لأنَّه يهوي بصاحبه؛ أو لأنَّه فراغ ولا شيء، فهو إمَّا من الفراغ أو من الهَويِّ، قال تعالى: ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج:31].
ثُمَّ ضربَ المؤلف أمثلة على هذه الآراء المتفرقة والمذاهب الرَّديَّة، قال: (وَالْمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ، مِثْلَ الْمُشَبِّهَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَالْجَهْمِيَّة ِ، وَالْجَبْرِيَّة ِ، وَالْقَدَرِيَّة ِ، وَغَيْرِهِمْ)، هو لم يُرِد الحصر؛ لأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر أنَّها أكثر من سبعين، فقال: «ثلاثا وسبعين فرقة».
فالمشبِّهة: هم الذين شبَّهوا الخالق بالمخلوق، وقد تقدَّمت الإشارة إليهم.
المعتزلة: الذينَ اعتزلوا حلقةَ الحسن البصري، ورئيسهم واصل بن عطاء، وكذلك عمرو بن عُبيد، ومعبد بن عويمر الجهني، وآخرون شاركوهم، وكان أول أَمْرُهُم سنة مائة وما حولها، وكان أول أَمْرُهم نفي القَدر، ثُمَّ دخلت عليهم بدعة القول بـ "المنزلة بين منزلتين"، وبعد ذلك بحوالي سبعين سنة في زمن هارون الرشيد دخلت عليهم بدعة "تعطيل الصِّفات"، ويسموه عندهم "التَّوحيد" ولهذا يقول العلماء: أصول المعتزلة خمس؛ كلها باطلة، ولكن سمُّوها بأسماء برَّاقة:
Ø   الأصل الأوَّل: التَّوحيد، وأرادوا به نفي الصِّفات.
Ø   الأصل الثَّاني: العدل، وأرادوا به نفي القدر، ونفي أنَّ مشيئة الله -عَزَّ وَجَلَّ- نافذة.
Ø   الأصل الثَّالث: إنفاذ الوعيد، وأرادوا به أنَّ أصحاب الكبائر مخلَّدون في نار جهنَّم.
Ø   الأصل الرَّابع: المنزلة بينَ المنزلتين، وأرادوا به أنَّ المسلم إذا ارتكبَ الذَّنبَ والكبيرةَ فإنَّه ليس بكافرٍ ولا بمسلمٍ، وهذه بدعة ما أتى بها أحدٌ غيرهم!
Ø   الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وأرادوا به الخروج على الأئمَّة الظَّلَمَة، وهذا مذهب فاسد.
والجهميَّة: هم أتباع الجهم بن صفوان، وقد تقدَّم ذكره. وكذلك الجبريَّة والقدريَّة؛ وغيرُ هؤلاء من أهل الضَّلال وأهل البدع.
فالواجب على أهل الإسلام: الثَّبات على منهج النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومنهج الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- ومَن كانَ على مثل ما كان عليه النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه. هذا هو الذي جاء به الحديث، وهذا هو الذي يسلم دينه، فكل مسلم يجتهد ويسأل على الحق حتى يصل إليه.
وهذه الرسالة رسالة عظيمة ونافعة -كما ترون- واشتملت على جُمل مفيدة جدًّا، وشروحها من أميَزِ الشُّروح، كشرحِ ابن أبي العز الحنفي للعقيدة الطَّحاوية، وهناك شرح مختصر لمعالي الشَّيخ صالح الفوزان، وشرح لمعالي الشَّيخ صالح آل الشَّيخ، وشرح للشَّيخ عبد العزيز الرَّاجحي.
وعلى كلِّ حالٍ ندعوا بالمغفرة والرَّحمة للطَّحاوي، ونسأل الله -جَلَّ وعَلَا- أن يجزيه خير الجزاء على ما بيَّنَ ووضَّح، ونسأل الله -جَلَّ وعَلَا- أن يُثبتنا على السُّنَّة.
كلمة أخيرة:
لَمَّا عرفنا هذه الأهواء والآراء وهذه البدع المشهورة؛ يجب أن نعرف أيضًا أننا يجبُ علينا أن نبرأ إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- مِمَّن يقول: إنَّ "الفِرَق" تُعَدُّ مِن التَّعدُّديَّة، ويجب أن نتغاضَى عن هذه الفِرَق ونسكت عنها؛ لأنَّه لابدَّ من حُريَّة الكلمة، وحُريَّة الرأي!
لأنَّ هذا مذهبٌ خطيرٌ، ومذهبٌ فاسدٌ وضالٌّ، فالإنسان ليس حُرًّا في كلمته يقول ما شاء حتى لو عارضَ الدِّين وعارضَ القرآن وعارضَ السُّنَّة، لا؛ بل هو عبدٌ لله -عَزَّ وَجَلَّ- ويجب أن يكون مُنقادًا في كلامه وعقيدته لشرعِ ربِّ العالمين، مُقيَّدًا بما كان عليه السَّلف الصَّالح، فيتَّبع الكتاب والسنَّة، وما كان عليه سلف هذه الأمَّة.
أمَّا إذا أخطأ الإنسان وغلط، فقد قال الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَ﴾ [البقرة:286]، فيُناصَح ويُنبَّه مِن المختصِّين مِن أهلِ العلم، والمسلمون يأخذُ بعضُهم بيد بعضٍ إلى الخير.
وبهذا انتهى شرح هذه العقيدة والتَّعليق عليها، نسأل الله -جَلَّ وعَلَا- أن يغفر لنا ولكم، ولجميع المسلمين، ثُمَّ أيضًا نشكر القائمين على هذه الأكاديميَّة، نسأل الله -جَلَّ وعَلَا- أن يَجزيهم خيرًا، ونشكركم معاشر الإخوة المستمعين، وكذلك الأخوات المستمعات، ونسأل الله -جَلَّ وعَلَا- أن يجعل هذا مِنَ العِلم النَّافع الذي ننتفع به جميعًا، وأن يأخذ بأيدينا إلى رضاه -سبحانه وتعالى.
ونسأل الله -جَلَّ وعَلَا- أن يُصلح قُلوبنا وأعمالنا، وأن يُثبِّتنَا على دِينه حتَّى نلقاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسَلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{وفي ختام هذا الفصل المبارك نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما قدمتموه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
 هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر.
إلى أن نلقاكم في الفصل القادم -بإذن الله- إلى ذلكم الحين نَستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه}.
 -----------------------------------
[133] رواه مسلم (153) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[134] رواه الديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عائشة في حديث الحبشة ولعبهم ونظر عائشة إليهم، قالت : فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم : لتعلم يهود أن في ديننا فسحة وإني بعثت. وذكره، وهكذا هو عند أحمد في مسنده من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه قال: قال لي عروة: أن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ - تعني يوم الحبشة لتعلم وذكره - بلفظ: إني أرسلت، وسنده حسن ، وفي الباب عن أبي بن كعب، وأسعد بن عبد اللَّه الخزاعي، وجابر، وابن عمر، وأبي أمامة، وأبي هريرة ، وغيرهم، وترجم البخاري في صحيحه، أحب الدين إلى اللَّه الحنيفية السمحة، وساق في الأدب المفرد من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس: قيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أي الأديان أحب إلى اللَّه؟ قال: الحنيفية السمحة، وله طرق. حديثه رواه الحاكم، وابن عساكر في تاريخهما.
[135] رواه الترمذي: 2140، وأحمد: 12128، وصححه الألباني فيمشكاة المصابيح: 102.
[136] مُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[137] رواه البخاري (3443)، ومسلم (2365).
[138] أخرجه أحمد:1/215، والنسائي:268، وابن ماجه:3029
[139] البخاري ومسلم

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك