الدرس العاشر

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

2072 11
الدرس العاشر

العقيدة الطحاوية (3)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المُشاهدين الأَعِزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأُرحبُ بفضيلة الشَّيخ الدكتور: فهد بن سليمان الفهيد، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
أهلًا وسهلًا بكم وبالإخوة جميعًا، وحيًّاكم الله.
{سنبدأ في هذه الحلقة -بإذن الله- من قول أبي جعفر الطَّحاوي -رحمه الله: (وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابً)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذه الجملة من أواخر الجُمَل في العقيدة الطَّحاوية، يقول الطَّحاوي -رحمه الله: (وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابً).
يعني: أنَّ أهل السُّنَّة والجماعة الموافقونَ لكتابِ الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما عليه سَلَف الأمَّة؛ يرون ويعتقدون عقيدةً جازمة راسِخَة لُزوم جماعة المسلمين وإمامهم، (وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابً).
والدليل على هذا من القُرآن، ومن السُّنَّة، ومن حالِ سَلف الأمَّة.
أمَّا القرآن: فيقول الله -سبحانه وتعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَ﴾ [آل عمران: 103]، فحبلُ اللهِ الذي أمَرنا الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالاعتصام به هو: الإسلام، وهو القرآن، وهو النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي: سنَّته -صَلوات ربي وسلامه عليه؛ فهذه تجمع كلمة المسلمين، وبها تأتَلِف قلوبهم، وتتوحَّد كلمتهم.
ومن الأدلَّة: قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 32].
وقال تعالى في سورة الأنعام: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: 159].
فجعلَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- المتفرقين في الدين الذين فرقوا الدِّين وصَاروا شيعًا وأحزابًا ليسُوا من النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس منهم، فقال: ﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ ، وهذا وعيدٌ شديدٌ، لأنَّ كونَ الذي ينتسب للإسلام يُقال له: إنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليسَ منك في شَيء؛ فهذا وعيدٌ شديدٌ جدًّا، يعني: أنتَ لستَ من النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أي شيء، حتى لو ادعيت أنَّك مِن أتباعه، وهذا يدلُّ على أنَّ الفِرقَة زيغٌ وعذابٌ، وأمَّا الجماعة فهي حقٌّ وصوابٌ ورحمةٌ.
واللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قال: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [البقرة: 176]، نسأل الله العافية والسلامة.
والنَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر افتراق اليهود والنَّصارى على بضعٍ وسبعين فرقة، ثم قال: «وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً». قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»[123]، فهذا الحديث يدلُّ على وجود هذا الافتراق، وأنَّ كثيرًا من أفراد هذه الأمَّة يترك منهاج النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إمَّا عنادًا واستكبارًا، وإمَّا تقليدًا أعمى وتعصُّبًا، وإمَّا جَهلًا، نسأل الله العَافية مِن هذه الأهَواء كلها.
والصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- لم يسألوا عن الطَّوائف الضَّالة لكثرتها؛ ولأنَّ السُّؤال عنها ليس بكثيرٍ فائدة؛ لأنَّ السُّؤال المهم الذي ينفع الإنسان هو معرفة الحقِّ، ولزوم الحقِّ، والعمل بالحقِّ، ولهذا قالوا للنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من هي؟)، أي: الفِرقة التي سَتنجُوا وتَسلم، والفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة التي قال فيها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»[124].
وإذا نظرتَ إلى القرآن؛ فإنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47]، فوعدهم بالنَّصر.
وفي موضع آخر قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88]، فوعدهم بالنَّجاة؛ فعُلم من هذا أنَّ الطَّائفة المنصورة هي الفِرقة النَّاجية، وأنَّ الفِرقة النَّاجية هي الطَّائفة المنصورة، وهذه الفِرقة النَّاجية ليست مختصَّة ببلد، أو بقبيلة، أو بجنسٍ من البشر، فالذي يقوم بأمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويتمسَّك بحبل اللهِ وهو القرآن والسُّنَّة، ويسير على نهج سلفِ الأمَّة هو مِن هذه الطَّائفة ومن هذه الفِرقَة، فكلُّ مسلمٍ على وجهِ الأرضِ كان على هذا النحو يُرجَى له هذا الفضل العظيم «عَلَى مِثْل مَا أَنَا عَليهِ وَأَصْحَابِي»، فمَن تحرَّى نهج النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه -رضي الله تعالى عنهم- كان مِن أهلِ النَّجاة والنُّصرة، وهذا يُبين لنا عدم صحة من يَرمي أهل السُّنَّة والجماعة بأنهم يتعصَّبونَ لبلدٍ مُعيَّنٍ، أولجنسيةٍ مُعيَّنةٍ، أو لقبيلةٍ مُعيَّنةٍ، أو لأرضٍ مُعيَّنةٍ ويقول: أنتم تدَّعونَ أنَّ الأرضَ الفُلانية وأهلها هم النَّاجون وأنَّ النَّاس كلُّهم في النَّار!
نقول: إنَّ هذا كلام غير صحيحٍ، ولم يقلْه عالم!
وإنَّما الموعود بالنَّجاة والنُّصرة هم المتمسِّكون بالكتاب والسُّنَّة السَّائرون على نهج سَلفِ الأمَّة من جميع أقطار الأرض، فبينهم مِن الولاء والمحبَّة والأخوَّة في الله كما قال النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»[125]، فرابط الإيمان ورابطة الإسلام أقوى رابطة، وهي مُقتضى الولاء للمؤمنين، الولاء للمؤمنين، والبراء من الكافرين.
فالولاء للمؤمنين يَقتضي: أن يُحب المؤمن كلَّ مسلمٍ وكلَّ مؤمنٍ على وجهِ الأرضِ، وأن يبغضَ كلَّ كافرٍ على وجهِ الأرضِ، حتى لو كانَ مِن أقربِ النَّاس إليه.
وهنا مسألة أخرى: ما المراد بالجماعة؟
إنَّ لفظَ الجماعة لفظٌ شرعيٌّ، والألفاظُ الشَّرعيَّة يجبُ قبولها والإيمان بها حتى ولو لم نعرف معناها على شمولِهِ، ولكن -ولله الحمد- قد وُضِّح معناها في الكتابِ والسُّنَّة توضيحًا كافيًا وشافيًا، لكن مِن الأغلاطِ أنَّ بعضَ النَّاسِ يأخذُ اللفظَ الشَّرعيَّ فينزله على أمورٍ من البدعِ، أو من الضَّلالاتِ أو مِن الأخطاء التي عندَ النَّاس.
مثال ذلك: أنَّ بعضَ النَّاس يتصوَّر أنَّ الجماعة يُراد بها جماعته هو، فبعض النَّاس يُشكِّل جماعة، أو يضعُ جماعةً تبدأ بشخصٍ، ثم مجموعة، ثم يتجمَّعونَ ويسمُّونَ أنفسَهم "الجماعة" ويقولون: نحن جماعة كذا...، بعضهم يُطلق "جماعة الإخوان المسلمين" أو "جماعة التَّبليغ والدَّعوة" و"الأحباب" أو جماعة كذا...، فيسمونَ أنفسَهم جماعةً، ثم يظنُّ أنَّ النُّصوصَ في لزومِ الجماعة، أي: لزوم جماعتهم هم، وهذا مِن الأخطاء الفَاحشة؛ لأنَّه لا يجوز أن تُنزَل النُّصوص على فَهمك أنت الخاطئ في المراد بالمصطلحات الشرعية، فالمراد بالمصطلحات الشَّرعية يُرد إلى الكتاب والسُّنَّة حتى يُفهم على وجهه.
فالنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديثِ السَّابق قال: «عَلَى مِثْل مَا أَنَا عَليهِ وَأَصْحَابِي»، وفي حديث «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»، هذا كلام النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «وهم الجماعة على الحق»، يعني: المتمسِّكون بالحقِّ، وبالكتاب والسُّنة، السَّائرون على نهج الصَّحابَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
ومسألة السَّائرون على نهج الصَّحابة أو على فهم سَلفِ الأمَّة؛ تُخرج طوائف المبتدعة؛ لأنَّ أغلبَ المبتدعة وأغلب الفِرق يقولون: نحن نحبُّ الكتابَ والسُّنَّة، ونتَّبعُ الكتاب والسنَّة! ولكن لو جاءت الآية أو جاء الحديث قال: لا، هذا الفهم غير صحيح، وأنا لا أقبل هذا! أنا أقبل كلام شيخي، وكلام فلان، وكلام علان...!
الحَكَم هو ما فَعَلَه الصَّحابَة بهذه الآيات، وما آمنوا به، وما اعتقدوه؛ لأنَّهم هم قدوتنا، وهذا القيد المهم يَقضي على كثيرٍ مِن البدعِ التي أحدثها المُحدِثُون، وابتدعها المبتدعون.
هذا الأمر المهم وهو أنَّ الجماعة لا يُمكن أن تفسر بغير ما فسَّره النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبغير ما ورد في الكتاب والسُّنَّة.
والجماعة في الشرَّع تُطلَق على جماعتين، وردت النُّصوص فيهما، وكلاهما معنًى صحيح:
الجماعة الأولى: الجماعة العلمية، جماعة العلم، جماعة لزوم الكتاب والسنة والحق. وهذا مثلما تقدم في الحدث «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»، فكونهم على الحقِّ يعني تمسَّكوا بأدلَّة الكتابِ والسُّنَّة. إذن هذه جماعة العلم الذين تمسَّكوا بما كان عليه سلف الأمَّة وساروا عليه، وبهذا يخرج المبتدعة الذين ابتدعوا بدعةَ الرَّفضِ كالرافِضَة، أو بدعة الخوارجِ، أو بدعة الإرجَاء، أو بدعة القَدر، أو بدعة الاعتزال، أو بدعة القول بالجبر، أو بدعة نفي الصِّفات أو الأسماء، وغير ذلك من البِدَع التي أحدثها المحدثُون، فخرجوا مِن الجماعة؛ لأنَّهم خَالفوا الحقَّ في هذه المسائل.
إذن هذا المعنى الأوَّل مِن معاني الجماعة، وهي لزوم الحقِّ، والجماعة هنا بمعنى جماعة العلم.
فالإنسان يكونُ في أي بلدٍ ولكن يلزم الحقَّ ويعمل به، ويدعو إليه، وبهذا يكون على الجماعة، يعني على الحق، وعلى الكتاب والسنة، ومنهج سلف الأمة.
المعنى الثَّاني من معاني الجماعة: جماعة الأبدان، أو جماعة السُّلطَان، وهذا جاء في حديث ابن عباس في صحيح البخاري وفي غيره، ولكن هذا اللفظ أقرأه على الإخوة في الباب الثَّاني من كتاب الفتن من صحيح البخاري، وأورد عدة أحاديث، ومن هذه الأحاديث: حديث ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[126].
ثم أورد البخاري نفسه -رحمه الله- حديثًا عن ابن عباس عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، فعلم أنَّ الجماعة هو السُّلطَان، والسُّلطَان هو الجماعة.
ما المراد بالجماعة على أنها هي السُّلطَان؟
أي: عدم الخروج عليه، الاجتماع على الحق، الاجتماع على ولاة الأمور، وعلى إقامة الجُمَع والجماعات، وعلى السَّمع والطَّاعة في غير مَعصية الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهذا المعنى يأباه الخوارج والمعتزلة، وكثير من أهل الأهواء ويخرجون عن هذا، وكذلك قطاع الطرق والبغاة، وكذلك غيرهم من أهل البدع.
فالخروج على السُّلطَان خروجٌ عن جَماعَةِ المسلمين، ولهذا مَن سَلَّ السَّيف على جَماعَة المسلمين وإمامهم يُقال: خَرجَ عن جَماعَة المسلمين.
وفي حديث حذيفة بن اليمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وعن أبيه قال: يا رسول لله، فما تأمرني إن أدركني ذلك. فقال النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»[127]، فالمراد بجماعة المسلمين هنا: المجتمعون على أمير أو على حاكم، أو على ملك؛ فتلزمهم، ولا تخرج عليهم، ولا تسلّ السَّيف، أو تعتقد بطلان حالهم، وتشذَّ عنه وتنشقّ عنهم وتعارضهم، لا، ما دام أنَّ المسلمين مجتمعون على هذا فحتى لو كان عنده تقصير ومعاصي؛ فإنَّك لا تطيعه في المعصية، ولا ترضى بالمعصية، ولكن لا تنزع يدًا من طاعة، فهذا المعنى معنًى صحيح وشَرعي.
فجماعة العلم: تعني لزوم الحق، ولزوم الكتاب والسُّنَّة.
وجماعة السُّلطَان: أي لزوم السُّلطَان في طاعة الله ورسوله، وذلك في غير معصية، أما إذا صار فيه معصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
يقول: (وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابً)، فلزوم الجماعة بهذين المعنيين هذا رحمة وحق وصواب.
لو اجتهد ولي الأمر اجتهادًا خاطئًا وأمر النَّاس بهذا الاجتهاد، أو أمر بمعصية؛ فأنت في هذه الحال لا تخرج عن الجمَاعة ولا تتمرَّد، ولا تشقَّ العَصَا، ولا ترفع السَّيف على أمَّة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأجلِ خطأ هذا الحاكم ومعصيته أو اجتهاده، وإنَّما تَلزم الحقَّ في نفسِك، وتعتقد الحقَّ، وتدعو إليه بالطَّريقة الشَّرعيَّة الصَّحيحة، وتنصح إذا تمكَّنت من النَّصيحة بالطَّريقة الرَّاشدة؛ لأنَّ النَّصيحة لابدَّ أن تكون في محلِّها وبالطَّريقة الشَّرعيَّة، فهذا هو المشروع للمؤمن، وإذا كان الحاكم على حالٍ طيِّبة فهذه نعمة من الله -عَزَّ وَجَلَّ- على المسلمين، وإذا كان الحاكم في بعضِ البلدان على حالٍ أسوأ وأسوأ حتى لو كان داعيةً إلى البدع؛ فإنَّه يُصبَر عليه، ولا يُخرَج عليه، وإذا تمكَّنَ أهل الخير والعلم من مناصحته يُناصحونه بحكمة حتى يرجع إلى السُّنَّة وإلى الحق، وإذا لم يسَتجِب فإنَّهم يَصبرون حتى يستريحَ برٌّ -يعني يموت- أو يُستراح مِن فاجرٍ -يعني يموت هذا الفاجر الذي آذى النَّاس بهذه الأمور.
فالمقصود أنَّ لزومَ الجماعة يقتضي عدم الخروج والتَّمرُّد وعدم سلِّ السَّيف، كما أنَّ لزوم الجماعة يقتضي لزوم الحقِّ، وعدم متابعة البَاطل وأهله حتى ولو كانَ حاكمًا، فإذا أمرَ بباطلٍ فلا يُطاع فيه، فالإنسان يلزم الجماعة ولا يُطيع في البَاطل ولا يُؤيِّده، وفي نفس المقام لا ينزع يدًا من طاعة ولا يخرج عليه. (وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابً).
هنا يقودنا المقام إلى مسألةِ الاختلافِ الواقع بين الأمَّة والتَّنازع، ولاشكَّ أنَّ الجميعَ يعلم كثرة التَّفرُّق والتَّحزُّب والعداوات التي حدثت في القُرون المتأخِّرَة، وهذا شيءٌ مُقدَّر لحكمةٍ بالغةٍ حتى يبتلي الله -عَزَّ وَجَلَّ- العباد، فالواجبُ على كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة أن يُطيع الله ورسوله، وأن يجتهد في فهم معاني الكتاب والسُّنَّة، والعمل بمقتضاها، والدَّعوة إلى ذلك، والصَّبر على ذلك حتى يلقى الله -عَزَّ وَجَلَّ- ومحبَّة الخير للمسلمين، ويعتقد المسلم أنَّ المسلم أخو المسلم في أي مكانٍ في الأرض، المسلم أخو المسلم لا يَظلمه ولا يَهضِمه، ولا يخذله، ولا يحقره، ولا يَحقد عليه، ولا يحسده على خير؛ فكلُّ هذا لا يجوز، وهذه المحبَّة بين المسملين مِن لزوم الجماعة، والتَّآلف بينهم، وبث روح الخير والألفَة والمحبَّة، وتقريبِ القلوب من بعضها.
كذلك أن يُعطِّفَ قلب الرَّاعي على الرَّعية، فبعض النَّاس قد يكون قريبًا من السُّلطَان أو الحاكم، فيأتي عند الحاكم يُجالسه، فالواجب عليه أن يُعطِّفَ قلبه تجاه رعيَّته المسلمة، ويقول: هؤلاء ارحمهم، واصبر على جَهلهم، وأحسن إليهم، واستمع لنصائحهم، ويُذكره بالأشياء الطَّيبة حتى يُعطِّف قلبَ الحاكم على الرعيَّة.
والعكسُ كذلك؛ أن يُعطِّف قلوب الرَّعيَّة على الراعي والحاكم، فيأتي عند الرعية والنَّاس ويقول لهم: الحاكم فيه خير، وادعوا له بظهرِ الغيب، وأبشروا بالخير، وما نظنُّ به إلا كلَّ خيرٍ، وإن شاء الله كلَّ خيرٍ قريب، وهكذا يُقرِّب القلوب َحتى تجتمع الأمَّة.
أما إذا صارت الأمور محل حدَّة وغضب لا حد له؛ فتتصاعد الفتن وتكثر -نسأل الله العَافِية والسَّلامة.
والواجبُ على المسلمين أن يكون أمرهم واحدًا، واجتماعهم واحدًا، ويدهم واحدة على مَن عاداهم، ويجب عليهم أن يَتنَاصَحوا فيما بينهم، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»[128]، فكلٌّ يحتاج إلى نصيحة، حتى أئمَّة المسلمين وعامتهم.
أمَّا إذا استمرَّت الأمور على الإحَن وعلى إيغارِ الصُّدورِ، فبعضُ النَّاس يأتي إلى المنكرات في بعضِ البلدان ويأتي عند العامَّة ويقول: انظروا لهذه المنكرات، فإنَّ سبب هذا هو الحاكم! ويوغر صدورهم على ولي الأمر، فتكون النتيجة إذا احتنقت القلوب وصار فيها غيظٌ لم تستجب لهذا الحاكم، وصار فيها التَّمرد، وتكون العاقبة أن إذا أمرهم بأمر لا يستجيبون إذا كان في مصحلة لهم، أو إذا أحسنَ لهم يظنُّون به السُّوء لِمَا أورَثه ذلك الإيغار الشَّديد، وهناك الآن حملات إعلاميَّة لإيغار صدور المسلمين بعضهم على بعض، وإيغار صدور المسلمين على ولاة أمورهم، وهذا من الشَّيطان وأعوانه، ولا يجوز مثل هذا، لأنَّ الأمور إذا استمرت على التَّصعيد ستكون هناك فتن وخروج، ودماء تُهرق بغير حقٍّ.
أمَّا جمعُ الكلمة وتأليفُ قلوبِ المسلمين فيما بينهم، وتأليفُ المسلمين على الرَّاعي؛ فهذا تُحقَن به الدِّماء، وتُحفَظ به النُّفوس، وتُصَان به الأموال، وكذلك تأمَن المجتمعات، ويأمَن النَّاس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
فالواجب أن نجتَمِع على طَاعة الله ورسوله، وأن نتآلف، وأن نبثَّ المحبَّة فيما بين المسلمين، خصوصًا فيما بينهم وبين ولاة أمرهم، وفيما ينشب بينهم مِن خلافات ونزاعات، نسعى في الصُّلح والإحسان، لأنَّ هذا مِن تمامِ لُزوم الجماعة.
وكذلك مِن تَمام لزوم الجماعة: لزومُ الجُمَع والجماعات والأعياد، وشهودها مع المسلمين، وأن نشارك المسلمين في سرورهم، نفرح لفرحهم، ونحزن لحزنهم، وأن يُعادَ المرضى، وأن تُتَّبَع الجنائز، وأن يُنصَح المسترشد، كما قال النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حق المسلم على المسلم خمس»، وذكرها، فهذه كلها من حقوق المسلمين بعضهم على بعض.
ثم يقودنا الحديث إلى الاختلاف الدَّائر، فبعضه اختلاف مأذون فيه شرعًا، وبعضه اختلاف محرم شرعًا.
فأمَّا الاختلاف المأذون به شرعًا: فهو اختلاف التَّنوُّع.
ومن هذا الباب:
- صِفة الأذَان، فقد وردَ الأذَان عن نبيِّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصِيغَة بلال بن رباح -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وبصِيغَة أذان أبي محذورة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وهذا الأذان سُنَّة.
- كذلك دعاء الاستفتاح في الصَّلاة، فأدعية الاستفتاح في الصَّلاة وردت على عدَّة أوجه عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكلها صَحيحة ومأثورة عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمَن فعل هذا فلا حرج، ومَن فعل هذا فلا حرج.
- كذلك صيغ التَّشهُّد الأوَّل: هناك صِيغَة عبد الله بن مسعود وهي مشهورة، وكانَ يعلمها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحَابِهِ كما يُعلِّمهم السُّورة من القرآن. وهناك صِيغة عبد الله بن عباس، ثابتة في صَحيح سلم، فصِيَغ التَّشهد والاستفتاح في الصَّلاة، وكذلك التَّكبيرات في الجنازة، وكذلك صِفة صَلاة الخَوف؛ وما جرى على هذا المجرى يعتبر مِن خلاف التَّنوع، لا يجوز أن يَبغي بعضُ النَّاس على بعض، فإذا أخذَ بعض المسلمين في بعض المناق بسنَّة، ومضوا عليها، وتعارفوا عليها، ومَشوا عليها، كأن يؤذِّنونَ أذانَ أبي محذورة؛ فلا يُنكَر عليهم، ولا يَأتي واحدٌ يقول: أيشٍ هذا الأذان؟!
نقول: هذا سُنَّة مأثورة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالبَغيُ لا يجوز في هذا.
ومِن ذلك أيضًا ما يكونُ فيه اجتهاد، ويأتي الشَّرع بتقريرِ واستحسانِ وحَمدِ الطَّرفين، مثال ذلك: في سورة الأنبياء: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ [الأنبياء: 78]، يعني: رعت ليلًا، فرَعَت الغنم ليلًا في مزرعة فيها عنب، فأتلَفَت المزرعة، فصاحبُ الزَّرع تضرَّرَ، فالعنب تَلِفَ والزَّرع تَلِفَ، والعريش الذي للعنب تَلِف بسبب دخول الغنم ليلًا، فحكم فيها نبيُّ الله داود بحكمٍ، وابنه سليمان حَكَم فيها بحكم، قال تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمً﴾ [الأنبياء: 78 - 79]، انظر لقوله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ ، أثنى على حكم سليمان، وأثنى على الطَّرفين بقوله ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمً﴾ ، وهذا دليل على أنَّ داود حكمه صحيح، وسليمان حكمُه صحيح، ولكن سليمان أدق؛ لأنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ .
وكذلك قطعُ النَّخيل في غزوةِ خيبر، قالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- في سورة الحشر: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [الحشر: 5]، فكله بإذن الله وبشرعه، القطع جائز للتعزير والعقوبة، والترك جائز لمصلحة المسلمين، لأنَّها إذا صارت غنائم تكون مصلحةً للمسلمين، ولهذا فإنَّ الصَّحابة اختلفوا، فبعضهم رأى قطعَ الأشجَارِ، وبعضُهم رأى عدمَ قَطعِها، فقال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [الحشر: 5]، فكله بشرع الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهذا تَساوى فيه الطَّرفين.
ومِن ذلك أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»[129]، فالصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- صاروا إلى بني قريظة في الغزوِ طَاعة للنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأدركتهم الصَّلاة وهم في الطَّريقِ، فطائفةٌ قالت: إنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُرد منَّا أن نؤخِّرَ صَلاة العَصرِ إلى الليل، وإنَّما أراد منَّا أن نُبادِر بالمسيرِ، فأخذوا بالمعنى، فصلُّوا العصر في وقتِها وساروا.
وآخرون قالوا: لا، النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرَنا أَلَّا نُصلِّيَ إِلَّا إذا وَصَلنا إلى بني قريظة، فأخذوا بالظَّاهر.
فالنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا بَلَغَه هذا لم يُعنِّف إحدى الطَّائفتين، فهذا مما يُسمى بالاختلاف في الاجتهاد، وهو محل قبول في الشَّريعة، ومحل حمدٍ وثناءٍ.
ومنه قول النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»[130]، فهذا الاختلاف بنوعيه -اختلافُ التَّنوع أو الاختلاف النَّاتج عن الاجتهاد ولم يُخالف الدَّليل- هذا اختلاف يُعتبر محمودًا، ومُقرًّا في الشَّريعة.
أمَّا الاختلاف المذموم: فهو اختلاف التَّضاد، وهو النَّاتِج عن التَّعصُّب، وعن ترك الدليل، والعناد، ومخالفة الحق لهوًى، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة: 253]، وقوله تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ﴾ [الحج: 19]، فهذا اختلاف تضاد، وهو اختلاف في العقيدة.
أيضًا الاختلاف في العمل إذا نتج عن تعصُّبٍ، وليسَ عن اتِّباع للدَّليل، فبعض الناس يسمع الآيات ويسمع الأحاديث ويقول: أنا لا آخذ بها لأجل قول فلان!
حتى أنَّ أحدهم في القرن الثاني عشر في حاشية الجمل على الجللين، في سورة الكهف في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدً﴾ [الكهف: 23]، لما ذكر الخلاف في الاستثناء في قول: "إن شاء الله" هل هو في المجلس أو بعده بيوم...، إلى آخره، وذكر الأقوال، فهذه مسألة خلافيَّة.
ولكن المشكلة لما قال هذه العبارة الخطيرة: "لا يجوز الأخذ بقول الصحابي إذا خالف المذاهب الأربعة" ثم قال: "بل لا يجوز الأخذ بالآية والحديث إذا خالفت المذاهب الأربعة"! فهذا تعصُّب مقيت.
ثم جاءت الطَّامَّة الثَّالثة والأشد، لما قال: " الأخذ بالظواهر من أصول الكفر"!!
يعني جعلوا كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- من أصول الكفر -نسأل الله العافية والسلامة!
فهذا الاختلاف الذي نتج عن التَّعصُّب، حتى صار بعضهم يُفتي أنَّه لا يجوز للشافعي أن يُصلي خلف الحنفي، ولا المالكي يُصلي خلف الحنبلي، بل لا يجوز أن يتزوج شافعي من حنبلية، أو مالكي من حنبلية، ونحو ذلك من التَّعصبات التي نتجت عن التَّقليد، والتَّعصب الشَّديد، فنتج عنها العداوات والتفريق بين المؤمنين، وتفريق جماعة المسلمين بمثل هذا، ففرقوا الجماعة، ولذلك فنحن نرى (الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابً)، فهذا من الافتراق؛ لأنَّه غير ناتج عن اجتهاد مقبول، ولكن ناتج عن تعصُّب للرأي، وتعصُّب للمذهب إذا خالف الدليل -نسأل الله العافية والسلامة.
فالاختلاف بين الفُقَهاء تقدَّم معنا أنَّنا نعذر الفقهاء، والاختلاف بين الفقهاء محل اجتهاد بينهم -رحمة الله عليهم- مع محبَّتنا وتقديرنا لجميع الفقهاء، وسبق أن ذكرنا أنَّ ابن تيمية ذكرَ الأعذار لأهل العلم في كتابه المشهور "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" وذكرنا أنَّ الأعذار العشرة التي ذكرها الشيخ إلى ثلاثة، ويمكنكم مراجعة الدرس في أعذار العلماء، لما ذكر العلماء السابقين ومحبَّتهم.
ومع هذا لا يجوز لنا أن نتَّبعهم إذا خالفوا الدَّليل، فإذا لم يظهر للإنسان شيء؛ فإنه لا بأس أن يأخذ بقول العالم، فإذا ما عرف الترجيح لكونه جاهلًا، أو بعيدًا عن الأدلة، أو مشغولًا بدنياه فلا يتفرَّغ للنَّظر في الأدلَّة؛ فلا بأس أن يسأل أهل العلم الذين يثق بعلمهم ودينهم؛ وحينئذٍ يكون هذا من الاتِّباع، لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، ولكن بشرط أن يسأل أهل الثِّقة والرُّسوخ في العلم، ولا يكون للتَّشهِّي أو لتَتبُّع الرُّخص.
فهذا الكلام العظيم (وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابً)، يقول عبد الله بن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وَأَنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ"[131].
يعني: بعض الناس إذا صار مع جماعة المسلمين في البلد، قد يرى أحيانًا نقصًا في الأموال، أو يرى أحيانًا بعض الظلم على بعض الناس، أو يرى بعض الأشياء التي يضيق منها صدره ويضطرب فؤاده؛ فيتخيَّل أنَّه يُهاجر إلى بلاد أخرى، وبعضهم يذهب إلى بلاد الكفار، وبعضهم يظن أنه لا بيعة لولي الأمر، ولا سمعَ ولا طاعة، فيخرج عن جماعة المسلمين حتى ولو كان معهم، لقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً»، فهو يظن بجهله أنَّه إذا فعل هذه الأشياء، كأن يخرج ويهرب، أو تمرَّد، أو صار من المعارضين؛ يظنُّ أنَّه حاز على خيراتٍ كثيرة، ولا يدري هذا المسكين الجاهل أنَّه باعَ دينه، وأنه تعرض للفتن الأعظم والأخطر، وهذا معنى قول ابن مسعود "وَأَنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ".
والجميع يذكر أنَّ كثيرًا من البلدان التي وقع فيها ما وقع حتى بلادنا قبل مائة سنة لما حدث فيها بعض القلاقل وزالت عنها الجماعة؛ ماذا حدث للقبائل؟ وماذا حدث لأهل القرى والمدن؟ والبلدان الآن الذي حدث اختلال فيها، ماذا حدث لها لما زالت الجماعة؟
حدث قلاقل عظيمة، لا يأمن الناس على أنفسهم، ولا على أموالهم، ولا على أعراضهم -نسأل الله العافية والسلامة وأن يلطف بالمسلمين في كل مكان.
فاجتماع المسلمين ووجود الجمعة، ووجود الحاكم يجتمعون عليه؛ هذه نعمة كبيرة، فإذا كان هذا الحاكم يحكم بالشريعة الإسلاميَّة -كما في المملكة العربية السُّعودية-ولله الحمد- هذه نعمة عظيمة جدًّا، فنحمدُ الله على هذا، ونشكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- على هذه النِّعمَة، ونحافظ عليها، وندعوا لولاة الأمر ببالهداية والصلاح والمعافاة.
وكذلك البلدان الأخرى، نسأل الله -جَلَّ وعَلَا- أن يوفق حكامها، وأن يجمع قلوب الجميع على طاعة الله ورسوله، وأن يوفق حكام جميع البلدان المسلمة للحكم بالشريعة الإسلامية وبالكتاب والسنة؛ فهذا ما نرجوه، وندعو الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يهيئه للمسلمين ولحكَّامهم، حتى تجتمع كلمتهم، وتقوى شوكتهم بإذن الله، ويندحر عدوهم.
فمقتضى الجماعة: محبَّة الخير للمسلمين.
والفرقة خطر عظيم، وأنها الفرقة الاعتقاديَّة، يعني أن تُفارق الحق، فبسق أن ذكرنا أن الجماعة لها معنيان:
§       المعنى الأول: جماعة العلم، وهي جماعة لزوم الحق.
§       المعنى الثاني: عكس جماعة العلم؛ وهي أن تفارق منهج أهل السنة والجماعة، فتقع في الأهواء.
قد يقول قائل: هذه الفِرَق الضالَّة هل سيدخلون النار كلهم؟
نقول: هذا الحكم قاله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كلها في النار إلا واحدة»، ولكن انتبه أن هذا حكم مطلق، أمَّا التعيين كأن تقول: إنَّ فلان بن فلان من هذه الجماعة أو تلك كافر؛ فهذا ليس لنا، وسبق معنا الدروس أنَّ أهل السُّنَّة والجماعة لا يحكمون على مُعين لا بجنةٍ ولا بنارٍ إِلَّا مَن شهد له النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهد له الكتاب، وشهدت له السنَّة.
ما الموقف من هؤلاء؟
نقول: هؤلاء فيهم المعاند الذي يعلم أنَّه خالف النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بصيرةٍ، هو يدري ويعتقد أنَّ طريق النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هنا، وهو لا يريده، فهذا متوعَّد بالنار، لأنه يعلم الحق فعاند.
وفيهم المتأوِّل الذي تأويله باطل وغير مَقبول، فهذا يلتحق بهذا.
وفيهم المتأوِّل المخطِئ الذي يلحق بالجاهل، أو الذي يُقلِّد، فهذا أقرب إلى اهل السنَّة، وقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ»[132]، وفي القرآن يقول ربنا -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَ﴾ [البقرة: 286]، فهؤلاء إذا تبيَّنَ لهم الحق وبُيِّنَ لهم ثم أصرُّوا؛ فحينئذٍ هم توعَّدون بهذا الوعيد، فمن عرف طريقة الني -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجب عليه أن يلزمها، فهذه مسألة مهمَّة جدًّا، وليس معنى أنَّنا نقول: إن هذه الفِرَق ضالَّة أنَّنا نحكم على كل واحدٍ من أفرادهم أنَّه في نار جهنَّم؛ لا؛ بل هذا أمر غيبي، ولكن نقول: إنَّ هذه الفِرَق الضَّالة فيها رؤساء، وفيها أُناس معاندون، وفيها أُناس مجتهدون مخطئون ضالون ولا شك، صحيح وإن كانوا مجتهدين ولكنهم ضلُّوا السبيل، ولكن هذا الضَّال المجتهد غير الضَّال المعاند، ثم هذا الذي ضلَّ عن اجتهادٍ ما درجة المخالفة لديه؟ هل وقع في الشِّرك الأكبر؟ هل عبدَ غير الله؟ فيكون خرج عن السُّنَّة وعن الإسلام.
لو كان فقط غلط في بعض مسائل الأسماء والصِّفات، أو بعض مسائل الإيمان والإرجاء، كأن يكون وقع في بعض مسائل الإرجاء في الإيمان، أو نحو ذلك؛ فهذا لا يُكفَّر إذا كان عن تأويل سائغ، كما عليه عامَّة أهل السنة والجماعة.
وإن كان قال هذا الشيء عن خطأ ولو نُبِّهَ رجع عنه؛ فهذا لا يؤاخذ، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَ﴾ [البقرة: 286]، فهم ليسوا في منزلة واحدة ولا درجة واحدة، وبالتالي إذا قيل لك: قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كلها في النار»، هل نحكم على كل الفِرِقِ بأنها كلها في النار؟
نقول: هذا فيه تفصيل:
أولًا: هذا وعيدٌ، فكل مَن اتَّبعَ فرقةً غير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصحابة والسلف الصَّالح هو متوعَّدٌ بهذا الوعيد.
والواجب على كل مسلم إذا سمع هذا الوعيد من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن يُخاطب كل الإنسان نفسه، في غرب الأرض، وفي شرقها، وفي شمالها، وفي جنوبها؛ إذا سمعَ أن النَّاجي هو مَن كان على ما كان عليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه أن يقول لنفسه: عليَّ أن أجتهد في تحري اتِّباع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصحابة.
إذا صدق في هذا الاتِّباع وُفِّقَ، ولو عقد نيَّته على هذا ثم وقعَ منه غلط، ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَ﴾ ، وإذا عقدَ نيَّته ثم نكص على عقبيه، وقال: لا أخالف الآباء والأجداد وأسير على طريقتهم، ولا ألتفت إلى ما كان عليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصحابة؛ فهنا يكون متوَعَّد بالنَّار -نسأل الله العافية والسلامة.
فكلام النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوضَع على موضعٍ ولا يُغالَى فيه بحيث أن نحكم على المعيَّنين، ولا يُتساهل فيها بأن يُقال أن الحديث لا يشمل أحد، وكل الناس بخير!
إذا عقد الإنسان نيَّته على طاعة الله ورسوله، واتِّباع الصحابة فهو على خير، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرً﴾ [النساء:115]، لو تأمَّلتَ هذه الآية في سورة النِّساء، وأعدتَّ قراءتها وتفسيرها من كتب التفسير المعتمدة، ثم راجعت هذا الحديث؛ تبيَّن لك أن الحديث موافق للآية، وأن الآية تُبيِّن معنى الحديث.
الحديث يقول: «وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً». قالوا: مَن هي الواحدة؟ قال: «مَن كَان عَلى مِثلِ مَا أَنَا عَليه وأصحابي»، قال تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ المؤمنون هنا هم الصَّحابة، فأوَّل مَن يدخل في هذا الخطاب هم الصَّحابة، فهم لهم سبيل وطريق، فيترك هذا الطريق ويتَّبع غيره ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
ما العقوبة؟
قال: ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرً﴾ .
إذن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتبع الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن يطلب الهدى الذي جاء به الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويتبع سبيل المؤمنين -وهم الصحابة- ومَن سار على منهاجهم قدرَ طاقته، ولا يُكلف الله نفسا إلا وسعها، ومَن اتقى الله أعانه، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 282]. فهذا الأمر عظيم!
فنحذر من الفرقة، ومن متابعة الفرق الضَّالَّة، وننتبه إلى مسائل التكفير، فإنَّها مسائل منضبطة عند أهل السنَّة والجماعة، فلا يتجرأ عليها الإنسان إلا بعدَ أن يتعلم، ويلزم طريقة الرَّاسخين في العلم، فليست الطوائف الضَّالة والفرق الضالة -الثَّلاثة وسبعين- كلها كافرة؛ لا، ولا نقول: إن ليس فيهم كافر، لا؛ بل قد يكون فيهم الكافر المرتد عن دين الله مثل المنافقين نفاقًا اعتقاديًّا، وهذا موجود في غلاة الرافضة وغلاة الجهميَّة، فذكر عنهم العلماء أشياء عظيمة من الخروج عن شريعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والخروج عن الإسلام، حتى قال الإمام أبو عبد الله البخري صاحب الصحيح: "والله ما أبالي صليت خلف اليهود والنصراني، أم صليت خلف الجهمي والرافضي"، فهذه كلمة عظيمة، تدل على أن هؤلاء يكونف يهم من الزندقة والكفر والخروج عن شريعة الله، والخروج عن شريعة الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعاندة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن علم ومشاقَّة الدِّين -نسأل الله العافية والسلامة.
وأهل السنة والجماعة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم وأن يثبتنا على طريقتهم، وأن يهدينا سبيل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسبيل المؤمنين والصحابة والتَّابعين؛ فهؤلاء هم الجماعة، (وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابً).
نسأل الله -جَلَّ وعَلَا- أن يهدينا وسائر إخواننا المسلمين، كما نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلنا دعاة إلى الحق، وأن يهدينا للتي هي أقوم، وأن يسلك بنا سبيل السلف الصالح، وأن يُجري الحق على ألسنتنا وأقلامنا، وأن يجعلنا وإيَّاكم وسائر إخواننا المسلمين هداة مهتدين، غير ضالِّينَ ولا مُضلِّين، كما نسأله -سبحانه وتعالى- أن يهدي ولاة أمورنا، وأن يصلح ولاة أمور المسلمين، وأن يرزقهم البطانة الصالحة النَّاصحة، إنه -سبحانه وتعالى سميعٌ مجيب الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{وفي الختامِ نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ اللهَ أن يجعلَ ذلك في موازينِ حَسَناتِكُم، هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر.
إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه}.
--------------------
[123] رواه الترمذي (2641) وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " (3 /432) ، والعراقي في "تخريج الإحياء" (3/284) والألباني في "صحيح الترمذي".
[124] مسلم (1920)
[125] رواه البخاري (6011)، ورواه مسلم (2586), واللفظ له.
[126] رواه البخاري (6645)
[127] رواه البخاري (6673) ولفظه: عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا قَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ.
[128] رواه مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ
[129] رواه البخاري (3893)
[130] رواه مسلم (1716)
[131] رواه الحاكم ولفظه: الْزَمُوا هَذِهِ الطَّاعَةَ وَالْجَمَاعَةَ فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ ، وَأَنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا جَعَلَ لَهُ مُنْتَهًى ، وَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ تَمَّ وَإِنَّهُ صَائِرٌ إِلَى نُقْصَانَ ، وَإِنَّ أَمَارَةَ ذَلِكَ أَنْ تُقْطَعَ الْأَرْحَامُ ، وَيُؤْخَذَ الْمَالُ بِغَيْرِ حَقِّهِ ، وَيُسْفَكَ الدِّمَاءُ وَيَشْتَكِي ذُو الْقَرَابَةِ قَرَابَتَهُ ، وَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، وَيَطُوفُ السَّائِلُ بَيْنَ الْجُمُعَيْنِ لَا يُوضَعُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَارَتْ خُوَارُ الْبَقَرِ يَحْسَبُ كُلُّ النَّاسِ إِنَّمَا خَارَتْ مِنْ قِبَلِهِمْ ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ كَذَلِكَ إِذْ قَذَفَتِ الْأَرْضُ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، لَا يَنْفَعُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ .
[132] رواه البخاري (2528) ومسلم (127)

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك