الدرس الحادي عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

3323 12
الدرس الحادي عشر

عمدة الفقه (5)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المُشاهدين الأَعِزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأُرحبُ بفضيلة الشَّيخ الدكتور: عبد الحكيم بن محمد العجلان، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
يا هلا فيك وفي الإخوة المشاهدين والمشاهدات، وأسأل الله لنا التَّوفيق والقبول.
{سنبدأ في هذه الحلقة -بإذن الله من باب العيوب التي يُفسَخ بها النِّكَاح.
قال المؤلف -رحمه الله: (باَبُ اْلعُيُوْبِ الَّتِيْ يُفْسَخُ بِهَا النِّكاَحُ.
مَتَى وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الآخر مَمْلُوْكًا، أَوْ مَجْنُوْنًا، أَوْ مَجْذُوْمًا، أَوْ أَبْرَصَ، أَوْ وَجَدَهَا الرَّجُلُ رَتْقَاءَ، أَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوْبًا فَلَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ ذلِكَ قبل العقد، وَلاَ يَجُوْزُ اْلفَسْخُ إِلاَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ)
}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ: فأسأل الله -سُبْحَانَه وَتَعَالَى- أن يُصلح لنا أعمالنا، وأن يَشرح لنا صدورنا، وأن يُتم علينا نعمته، وأن يُذهب عنَّا البلاء والمحنة، وأن يُعقبنا الخير والمنَّة، وأن يُصلح أحوال العباد والبلاد، وأحوال المسلمين والمسلمات، وأن يُظهر العِلم والهُدى والبِرَّ والتُّقى، وأن يَقينا شَرَّ الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
أيُّها الإخوة الكرام، يقول الإمام ابن قدامة -رحمه الله تعالى: (باَبُ اْلعُيُوْبِ الَّتِيْ يُفْسَخُ بِهَا النِّكاَحُ).
هذا باب من الأبواب المهمة التي يحتاج إليها الأزواج، وترد فيها الإشكالات، فكان مفصل النزاع فيما ذكره الفُقهاء هذه العيوب التي جمعوها بالتَّتبُّعِ والنَّظر والاستقراء، ورتَّبوها على أي عيبٍ يكون منه منعًا من حقيقة النِّكاح، فلمَّا كان حقيقة النِّكاح هو الإعفاف والاستمتاع، فأي شيءٍ يمنع مِن ذلك كان طريقًا إلى أن يُعتبر عيبًا من عُيوبه، فاجتهدوا في جمع ذلك.
وأصل هذا: أنَّ القول بالعيوب التي تَفسخ النِّكاح قد جاء عن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وجاء عن ابن عباس، وجاء عن غير واحدٍ مِنَ الصَّحابة والتَّابعين، وبه قال جمهور الفقهاء -رحمهم الله تعالى- وعلى ذلك العمل عندنا، وهو المستقر عند أهل المذاهب.
يقول المؤلف -رحمه الله: (مَتَى وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الآخر مَمْلُوْكً)، لا شك أنَّ كونه مملوكًا يكون عيبًا، ويترتَّب عليه فوات مصالح كثيرة، فإذا كان الزَّوج عبدًا فإنَّ منافعه مملوكة لسيده، وانتفاعه بها واستمتاعها به يكون بحسبه، فيلحقها بسبب ذلك من فوات المصلحة شيئًا كثيرًا، لها أن تفسخ النِّكاح..
وكذلك العكس بالعكس، فإذا وجدها مملوكة، فإنَّ الحُرَّ لا يجوز له أن يتزوج الأمة، ولأنه يترتب على ذلك رقٌّ لأولاده، فكان له أن يفسخ النِّكاح.
قال: (أَوْ مَجْنُوْنًا، أَوْ مَجْذُوْمًا، أَوْ أَبْرَصَ)، هذه من العيوب المشتركة التي تكون في الزوج وتكون في الزوجة، فلو كان مجنونًا أو كانت مجنونة، سواء كان هذا الجنون جنونًا مُطبقًا -أي: مُستمرًا- أو كان جُنونًا مُتقطِّعًا، والناس اليوم لا يعرفون الجنون المتقطع، ولكنهم يعرفونه بأسماء مختلفة، يسمه أهل الطب "انفصام الشخصية" وأحيانًا يُسمونه أمراضًا نفسيَّة، ونحو ذلك؛ وإن كانت هذه الأمراض لها درجات، بعضها يدخل في دائرة الجنون، وبعضها يقصر دونه.
وكلامنا الآن عن الجنون غير المطبِق -أو الجنون المتقطع- أو ما يسمى بالانفصام في الشخصية، فإنَّ منه درجات يفوت بها العقل، ويحصل بها على الزوجين الضَّرر، فلو كان كذلك حتى ولو كان شيئًا قليلًا فإنَّه ممَّا يُستحقُّ به فسخ النِّكاح، وهذا -وللأسف الشديد- يكثر في أحوالٍ -نسأل الله السَّلامة والعافية- وأن يصلح أحوال المسلمين وشبابهم ونساءهم فيمَن يتعاطون بعض المخدرات ونحوها، فإنها تُفضي بهم إلى هذا الجنون المتقطع، أو الهوَس، أو ذهاب العقل ونحوه، وما كان مبدأه حرامًا يلحق به إثم كل شيء، من فوات الصلوات، وتضييع الأحكام، والوقوع في الحرام وما يتبع ذلك، ويُمكن أن يكون سبب المرض سببًا مُباحًا -ليس مُحرمًا- فيُبتَلى به بعض الناس -نسأل الله العافية- وفي كلا الحالين يكون ممَّا يجوز به فسخ النِّكاح، سواء وُجدَ في المرأة أو وُجدَ في الزوج على حدٍّ سواء.
وكذلك لو كان أبرصًا، وهو مرضٌ يقع في الجلد، سواء كان قليلًا أو كثيرًا؛ فإنه يكون عندهم ممَّا تعافه النفوس، وتنفر منه، فلذلك لا يكون بين الزَّوجين من تمام العشرة ما يكون، فلو وُجدَ هذا المرض فأراد أحد الزَّوجين أن يفسخ النِّكاح فإنَّ له ذلك على ما قرَّرَ الفقهاء -رحمهم الله تعالى.
وكذلك الجُذام، وهو الآكلة، وللناس في هذا الوقت أسماء، فينبغي معرفة ذلك على ما ذكروا، فإذا وُجد في الرجل أو المرأة فإنَّه ممَّا يُعدِي، وأحيانًا تسقط معه أهداب العينين ونحو ذلك، فيعرفون أنَّ هذا الجذام قد استحكمَ فيه، وأنه يُمكن أن يُعديَ المرأة أو الرجل، فيُلحَق بذلك.
العيوب السَّابقة عيوب مُشتركة، ولذلك متى وجد في أحد الزوجين "العبودية - الجنون - البرص- الجذام" فهذه أربعة عيوب تعمُّ الزَّوجين جميعًا.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- العيوب التي تختص بالمرأة، أي: توجد في المرأة ولا توجد في الرجل.
قال: (أَوْ وَجَدَهَا الرَّجُلُ رَتْقَاءَ)، والرَّتق هو: أن يكون الفرج مَسدودًا، فإذا كان كذلك فإنه لا يُمكن الاستمتاع، سواء كان الرَّاتق انسدادٌ بلحمة، أو كان العفل، أو كان انسداده بعظمٍ، أو كان بالرَّغوة التي تمنع الاستمتاع، فجعلوا هذه العيوب ممَّا يستحق به الزوج فسخ النِّكَاح.
هنا مسألة: لو أمكن إزالة الرتق وعلاجه، ففي الزمان الأول ما كان يوجد من العمليات والتدخل الجراحي، فهل يُعدُّ ذلك من العيوب؟
الذي يظهر: ما دام أنه لا يكون مانعًا من الاستمتاع ويُمكن علاجه وذهابه فإنَّه لا يكون عيبًا، ويؤول الأمر إلى العلاج، وتذهب التَّبعة في ذلك، ويحصل الخير.
ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (أَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوْبً).
المجبوب: هو مَقطوع الذَّكر، فإذا كان مقطوع الذكر فإنَّه لا يُمكن أن يُعاشرها ويُجامعها، وذلك مقصود النِّكاح الأعظم، فبناء على ذلك لها فسخ النِّكاح؛ لأنَّ المرأة يُعجبها من الرجل ما يُعجب الرجل منها، ويكون لها من الرغبة في الجماع ما يكون عند الرجل، وإن كانت رغبتها خفيَّة أو دفينة، ولكن لابدُّ منها، وتلك خِلقة الله التي خلق عليها الخلق، ويكون بسببها قوام الدنيا، وتتكاثر الخليقة، وتتابع الأيام على وجود عمارة الدنيا.
فقال: (فَلَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ)، إذن هذه العيوب كلٌّ يُستحق به فسخ النِّكَاح.
قال: (إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ ذلِكَ قبل العقد)، أمَّا إذا علم به قبل العقد ورضيَ به فكأنَّه رضي بالعيب وأسقط حقه في الرجوع، فليس له بعد ذلك أن يطلب فسخ النِّكاح، فإذا وجد الرجل زوجته بها أحد هذه العيوب طلَّقها، ولكن لا يفسخ النِّكاح؛ لأنَّ أحكام الفسخ تترتب عليها مسائل، وأمَّا الطلاق فله أحكام أخرى من ثبوت المهر أو إرجاعه، ومسائل تتعلق بذلك.
وكذلك الرجل إذا رضيَ من المرأة أن تكون رتقاءَ أو فيها العَفَل أو القَرَن ونحوه؛ فكل ذلك يُسقط حقه فيها.
قال: (وَلاَ يَجُوْزُ اْلفَسْخُ إِلاَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ)، هذه قاعدة عند الفقهاء: وهي أنَّ المسائل التي يكون فيها الأمر غير ظاهرٍ، والمناط فيها غير مُتحقق ويُمكن الحكم به أو بعدمه؛ فيُحتاج إلى حُكم الحاكم حتى يقطع النِّزاع، أمَّا إذا كانت المسائل من المسائل المقطوع بها، والتي لا خلاف يترتب عليها؛ فإنَّ الفسخ لا يُحتاج فيه إلى حُكم حاكم.
مثال: لو عُتِقَت المرأة وَزَوجُهَا عبدٌ فإنَّ لها أن تفسخ النِّكاح بدون حُكمِ حاكمٍ؛ لأنَّ هذا لا خلاف فيه، وليس فيه موضع للنَّزاع، فهو شيءٌ واحدٌ ظاهرٌ لا إشكال فيها، ولكن لمَّا كان ثبوت هذه العيوب وثبوت ما يترتب عليها محل خلاف، فربما تقول الزوجة: فسخت النِّكاح، وهو يقول: لا أنا ليس بي عيب، هذه زوجتي، ثم لو تزوجت هي لجاء الزوج الأول يُطالب بها، ويكثر النزاع، ولكن إذا رُجع إلى الحاكم فإنَّه يقطع النِّزاع، فإمَّا أن يُثبتَ عيبَه ويُحقق الفسخ، وتتزوج المرأة، وإمَّا أن يمنع الفسخ ويثبت النِّكاح، ولا يكون لها بعد ذلك أن تنتقل لتتزوج سواه.
إذن حُكم الحاكم هُنا محتاج إليه، وهو من الأهميَّة بمكان، ولذلك قال المؤلف: (وَلاَ يَجُوْزُ اْلفَسْخُ إِلاَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ).
{قال -رحمه الله: (وَإِنْ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ زَوْجَهَا عِنِّيْنٌ لاَ يَصِلُ إِلَيْهَا، فَاعْتَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا أُجِّلَ سَنَةً مُنْذُ تُرَافِعُهُ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا، خُيِّرَتْ فِي الْمَقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ، فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهَ، فَرَّقَ اْلحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ قَدْ عَلِمَتْ عُنَّتَهُ قَبْلَ نِكَاحِهَا، أَوْ قَالَتْ: رَضِيْتُ بِهِ عِنِّيْنًا فِيْ وَقْتٍ، وَإِنْ عَلِمَتْ بَعْدَ اْلعَقْدِ وَسَكَتَتْ عَنِ الْمُطَالَبَةِ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا، وَإِنْ قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ عُنَّتِيْ أَوْ رَضِيَتْ بِيْ بَعْدَ عِلْمِهَا، فَأنْكَرَتْ فَاْلقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ أَصَابَهَا مَرَّةً، لَمْ يَكُنْ عِنَّيْنًا، وَإِنِ ادَّعَى ذلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ، فَإِنْ كَانَتْ عَذْرَاءَ، أُرِيَتِ النِّسَاءَ الثِّقَاتِ وَرُجِعَ إِلى قَوْلِهِنَّ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَاْلقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ)}.
هذا عيبٌ من العيوب، ولكن المؤلف أخَّرَ الكلام فيه لما يحتاج فيه من التفصيل، أو لما اختص به من الحكم.
العُنِّين: هو الزَّوج الذي له آلة، فله ذكر وخصيتين، ولكن لا ينتشر ذكره ولا يقوم، حتى إذا أراد أن يُجامع زوجته عَنَّ الذّكر -يعني اعترض- عنِّين من الاعتراض، وبعضهم يقول: عنِّين يعني عنَّ، باعتبار أن يذهب يمينًا وشمالًا، فلا يكون منه ولوج.
المجبوب معروف، يُمكننا أن نقطع من أنه لا يُمكنه الجِماع، فينتهي أمره، ولكن العُّنين آلته موجودة، ولا يُمكن أن نَفرق بين هذا الرَّجل وهذا الرَّجل ونقول: هذا يُجامِع وهذا لا يُجامِع؛ لا نستطيع أن نعرف ذلك.
وقد يكون من النَّاس مَن خِلقته كاملة وظاهره القوَّة، وهو لا يُحرِّكُ عند النِّساء شعرة، ومن الرجال مَن يكون دون ذلك بكثير حتى لربما علقت به من الزَّمانة والشَّللِ وغير ذلك، ولكنه أقوى ما يكون على الجماع وعَركِ النِّساء، إذن هذا ليس له قاعدة، فلمَّا لم يكن له قاعدة فكان مَرَدُّ ذلك إلى النَّظر، فالصَّحابة -رضوان الله عليهم- حكموا في العنِّين بأنَّه يؤجَّل سنةٍ، فجاء عن عمر وعن غيره ذلك.
أصل ذلك: قالوا: إنَّ النَّفس تختلف باختلاف الشُّهور وباختلاف الفصول، فربما تضعف النَّفس عن الجماع في وقت، وتنشط له في وقتٍ آخر، فلا يُمكننا الحكم بذلك حتى يمر عليه سنة، فإذا مرَّ عليه سنة فلم يُصبها عرفنا أنَّه عنِّين، وأنَّه لا ينشط، وأنَّ الأمر ليس بعارض، فبناء على ذلك يُحكَم بالفسخ؛ لأنَّ المرأة تتضرَّر ببقائها معه من جهةِ أنَّها تذهب عليها عفَّتُها ويفوت عليها ولدها ونحو ذلك.
قال: (أُجِّلَ سَنَةً مُنْذُ تُرَافِعُهُ)، فلا يُنظر إلى ما كان قبل ذلك؛بل منذ ترافعه إلى الحاكم، كما جاء ذلك عن أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: (فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا، خُيِّرَتْ فِي الْمَقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ)؛ لأنَّ الحقَّ لها، ولأنها يُمكن أن تتنازل وتصبر، ومن النِّساء مَن لا تتطلع إلى الوطء كثيرًا، وترضى من ذلك باستقرار بيتها، وحصول أُنسها مع زوجها ونحو ذلك، ومن النِّساء -وهنَّ الأكثر- مَن لا يُرضيها إِلَّا أن يكون مِن زَوجها ما يكون من الأزواج من أنه يُمتعها ويُؤنسها ويُعفُّها.
قال: (فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهَ، فَرَّقَ اْلحَاكِمُ بَيْنَهُمَ)؛ لأنَّ الحق لها، ولأنه ثبتت عُنَّته في تلك الحال، والعُنَّة -وإن كان الخطأ في ذلك عند كثير من النَّاس- يقولون عِنَّة، فالصواب ضبطها "عُنَّة" بضمِّ العين.
قال: (إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ قَدْ عَلِمَتْ عُنَّتَهُ قَبْلَ نِكَاحِهَا، أَوْ قَالَتْ: رَضِيْتُ بِهِ عِنِّيْنًا فِيْ وَقْتٍ)، فإذا كانت قد رضيت به فكأنها هي التي أسقطت حقها، فلم يكن لها أن تُطالب بذلك بعده.
هنا مسألة مُهمَّة وإن كان بعض هذه المسائل ممَّا يُستحيى من ذكره، ولكن لا حرج في الدين، ولما يترتب عليه من المسائل العظيمة، وسُئل عن ذلك الإمام أحمد فاشتدَّ عليه، وهي: من النساء مَن تقول: "لا بأس، رضيت"، فيقول أهل العلم: لا ينبغي للولي أن يُقرَّ المرأة دائمًا على ذلك، لأنها لا تعلم من حالها ما يكون بعد نكاحها، ولا تدري ما يتحرك لها من شأنها لقلة خبرتها، فتظن أنها ستبقى على هذه الحال من إعراضها عن الرجال ونحو ذلك، والأمر ليس كذلك!
وإن كان الحق إليها، لكن ينبغي له ألا يتركها إلى رأيها مجردًا؛ بل يُبيِّن لها، ويذكر لها ذلك، ومن المعلوم أنَّ النساء عكس الرجال، فكلما كبرت المرأة زادت نهمتها، وأقبلت شهوتها، بخلاف الرجل الذي كلما كبر حصل منه ضعفٌ وتوانٍ، ولذلك فقد قرأ بعض الطلاب عند بعض أشياخنا فقال: (أو عجوزٌ لا تَشْتَهِي)، والصواب: (لا تُشتَهَى)، قال الشيخ: فإنَّها تَشْتَهي حتى تموت!
وكذلك الرجل، ولكن الفرق بين الرجل والمرأة: أنَّ الرجل يأتيه وقت وإن اشتهى لكنه لا يقدر، ولكن المرأة إذا اشتهت وأمكن أن يكون من زوجها وقوع قدرت؛ لأنَّه ليس منها إلا استقبال ذلك، وليس منها فعله.
إذن رضا المرأة بالعُنَّة هو لها، ولكن ينبغي لمَن وليَ شيئًا من ذلك أن يُنبِّهها، وأن يزيد في تنبيهها؛ لأنَّ بعض الأولياء ربما أراد أن يتخلص منها، ولا يشعر بما ستشعر به هي بعد ذلك وما يجدُّ لها في حياتها، فربما أفضى ذلك إلى أن تطلب الفسخ والفراق، أو أن يَؤول بها الأمر إلى أمرٍ مَشينٍ كالوقوع في الفواحش، أو طلب أنواع من الحرام، أو تعاطي ما هو دون ذلك مما يقضي نهمتها بنفسها وهو غير جائزٍ ولا مشروع.
قال: (وَإِنْ عَلِمَتْ بَعْدَ اْلعَقْدِ وَسَكَتَتْ عَنِ الْمُطَالَبَةِ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَ)؛ لأنَّ بعد العقد استقرَّ حقها في كونه مَعيبًا، والعيب يكون على التَّراخي ما دام أنَّه لم يظهر من رضا، فإذا سكتت وقتًا والعيب قائمٌ فإنَّ الأمر لم يتغيَّر، فبناء على ذلك لو سكتت شهرًا أو شهرين، أو سنةً وقالت: أنا كنت مشغولة، أو كنت أنتظر لعلَّ الله أن يُحدث شيئًا أو غير ذلك، أو حتى لو لم تذكر لا ذا ولا ذاك؛ فما دام أنه لم يكن منها رضا فإنَّ حقها في طلب الفسخ في ذلك باقٍ ولو طالت المدة، ما لم يكن منها رضا قبل النِّكاح، أو رضا بعد النِّكاح بأن قالت: أسقطتُ حقي، أو لا حاجة لي في هذه الأمور، ويكفيني منك كذا وكذا، وغير ذلك ممَّا يدلُّ على رضاها.
قال: (وَإِنْ قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ عُنَّتِيْ أَوْ رَضِيَتْ بِيْ بَعْدَ عِلْمِهَ)، هذه المسائل تُسمَّى عند الفقهاء "مسائل الاختلاف"، وأصلها في الدعاوى والبينات، ولكن لم ينفك الفقهاء من ذكر في باب ما يليق به تقريبًا للقضاة ومَن في حكمهم، فيقولون: إذا أنكرته فالقول قولها؛ لأنَّ الأصل عدم قبولها، والبينة على المدعي، واليمين على مَن أنكر، فإمَّا أن يُقيم بيِّنة، فإذا أقام البينة قَطَعَتْ جَهِيْزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيْبٍ، ولكن إذا لم يُقم بيِّنةً -وهي من الأمور الخفية- فتحلف أنَّها لم ترضى به، ويكون القول قولها.
وإذا قال الفقهاء: "القول قول كذا..."، فالمقصود أن يكون مع اليمين.
قال: (وَإِنْ أَصَابَهَا مَرَّةً، لَمْ يَكُنْ عِنَّيْنً)، يعني: أنَّ العُنَّة ترتفع بالمرة الواحدة، ولا يحتاج أن يطأها كل شهرٍ أو نحو ذلك، ولكن كون الإنسان يضعف أو يتجدَّد له حال فهذا شأنٌ آخر، وليس له إلا حصول الطَّلاق من جهته، أو الخلع من جهتها.
قال: (وَإِنِ ادَّعَى ذلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ، فَإِنْ كَانَتْ عَذْرَاءَ -يعني بكرًا- أُرِيَتِ النِّسَاءَ الثِّقَاتِ وَرُجِعَ إِلى قَوْلِهِنَّ)، يعني: مثلًا بعد ما أُجِّلَ سنة قالت: لم يطأني. وقال هو: قد وطئتُها.
فإن كانت عذراء: فإنها تُعرض على النِّساء، ويُرجع إلى قولهنَّ، فإن قُلنَ هي بكر، فمعنى ذلك أنه لم يتحقق منه وطءٌ، ويُحكَم بعُنَّته، ويُفسخ نكاحه.
قال: (وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَاْلقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ)؛ لأنَّ هذا لا يُعلَم إِلَّا من جهته، فإمَّا أن يُقر، وإمَّا أن تُثبت هي بالبينة -وهو صعب، ورُوي عن فاطمة بنت قيس لما كان زوجها عبد الرحمن بن الزبير، قالت: يا رسول الله، إنما معه مثل هُدبَة الثوب"، تعني بذلك أنه عنينًا، فإنَّ هُدبة الثوب لا تستقر. فقال هو: "يا رسول الله، لقد كنت أعركها عرك الأديم"، الأديم هو الجلد. فهذا شيء لا يُمكن ثبوته، فإن كانت ثيبًا فالقول قوله مع اليمين، وأمَّا إذا أقرَّ فإنَّه يُحكم بإقراره، وتترب عليه من المسائل من تأجيله سنة، ثم الحكم بما ذكر الفقهاء -رحمهم الله.
{قال -رحمه الله: (فَصْلٌ فِيْ التَّفْرِيْقِ لِلْعِتْقِ
وَإِنْ عَتَقَتِ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا عَبْدٌ، خُيِّرَتْ فِيْ الْمُقَامِ مَعَهُ وَفِرَاقِهِ، وَلَهَا فِرَاقُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ)
}.
هذا الفصل يتعلق بالزوجين إذا كانا مملوكين فعتَقَ أحدهما، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَإِنْ عَتَقَتِ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا عَبْدٌ، خُيِّرَتْ فِيْ الْمُقَامِ مَعَهُ وَفِرَاقِهِ، وَلَهَا فِرَاقُهُ)، وأصل ذلك حديث بريرة، فإن بريرة لما عتقت كان زوجها مغيثًا عبدًا، فاختارت فراقه، فقال لها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ»، فقالت: تَأْمُرُنِي بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ» ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، فأقبلت على نفسها، قيل: فكان يُرى في الأسواق يتبعها وهو يبكي من شدَّة حبه لها-رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأرضاهم.
قال: (مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ)، لما ذكرنا قبل قليل من أن هذا محل إجماع ولا خلاف فيه، فلا يُحتاج إلى حكم القاضي، أمَّا لو كانت المسألة محل خلاف فيُحتاج فيها إلى حكم الحكام، وهذه المسألة من المسائل التي لا يُحتَاج فيها إلى حكم الحاكم، لأنه لا اختلاف فيها.
{قال المؤلف: (فَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلِ اختيارهَا أَوْ وَطْئِهَا بَطَلَ خِيَارُهَ)}.
يعني لو أُعتِقَ قبل أن تقول: اخترتُ نفسي، أو أُفكر يومين؛ فعلم سيده فمن برِّه بعبده أعتقه، فنقول: ذهب خيارها، لأن السبب الذي اقتضى الخيار قد فات، فإذا كانت حرَّة فهو حر كذلك، فلم تستحق الفسخ.
{قال: (وَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهَا، أَوْ عَتَقَ كُلُّهَا وَزَوْجُهَا حُرٌّ، فَلاَ خِيَارَ لَهَ)}.
لأنَّ أحسن أحوالها أنها تكون قد ساوَت زوجها.
متى يعتق بعضها ولا يعتق جميعها؟
هذه مسألة مرَّت بنا في كتاب "العتق" وهي أن تكون بين شريكين، فيُعتق أحدهما شقصَه، وهو معسر، فلا يسري العتق إلى باقيه؛ لأنَّه لابد أن يُعطيه قدرَ حقِّه، فإذا لم يُمكن فإنه يبقى هذا القدر حرٌّ، وذاك عبد؛ فيكون هذا مبعَّض، كالمسألة التي ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا.
{قال -رحمه الله: (كِتاَبُ الصَّدَاقِ.
كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُوْنَ ثَمَنًا، جَازَ أَنْ يَكُوْنَ صَدَاقً)
}.
الصَّداق: هو ما يُعطَى للمرأة مقابل نكاحها، يُسمى صادقًا، ويسمى مَهرًا، ويسمى نِحلة، ويسمى عُلقةً، ويسمى عقرًا، ويسمى حباءً؛ فله أسماء كثيرة ذكرها الفقهاء، وكَثْرَة أسماء الشيء عند العرب دليلٌ على أهميَّته، ولذلك ذكروا للأسد أسماء كثيرة، وكذلك السيف ذكروا له أسماء كثيرة، ولله المثل الأعلى فإنَّ لله أسماء لا تُعدُّ ولا تُحصَى، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ» ، وما علم الخلق من أسماء إلا قليل، «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
فعلى كل حالٍ، فإنَّ الصَّداق أصله في الكتاب، قال تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء:4]، وقال: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء:20].
والسُّنَّة دالة على هذا، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زوج بناته على اثنتي عشرة أوقيَّة ونشًّا -يعني نصفًا- وتزوَّج بذلك ؛ فكل هذا يدل على اعتبار المهر، وهو محل إجماع واتفاق، فالصَّداق حق للمرأة في النِّكَاح، ولا يُختلف في ذلك.
ومسائل الصَّداق وما يتعلق بها يكثر فيها الكلام خاصَّة في زماننا هذا، فمن النَّاس من اتَّسعت أمورُهم فغَالُوا في الصَّداقِ والمكاثرةِ بالمهورِ ونحو ذلك، فهذا ليسَ بمأمور ولا بمطلوب، فإنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث عائشة يقول: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً، أَيْسَرُهُنَّ مَؤْنَةً» ، ولذلك كلما رأينا أناسًا قد غَالوا في أمرِ الصَّداق والنِّكَاح والفرحِ إِلا أعقبَهم بعد ذلك شرًا، وحصلت تبعة أكثر من ذلك، وكلما كان الأمر أيسر كان تحصيل مَصلحة النِّكَاح أظهر، فينبغي للنَّاس أن يتخففوا من ذلك، وإن كان لمن وجدَ فسحة ففيه له مندوحة، فإنَّ الله -جل وعلا قال: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارً﴾ [النساء: 20]، والقنطار قد اختُلف فيه، كالتالي:
 فقال بعض أهل العلم: إنَّه المال الكثير.
 ومنهم مَن قال: سبعين ألف مثقال.
 ومنهم مَن قال: مِلء جلد ثورٍ ذهبًا. وذكروا في ذلك أشياءً كثيرةً.
فعلى كل حالٍ؛ فالأمر فيه فُسحة، وكلما كان أقل كان أحسن، ولذلك لما تزوَّج عبد الرحمن بن عوف، قال له النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟»، قال: "وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ" . وفي حديث آخرٍ أنَّ رجلًا تزوَّجَ امرأة من الأنصار، فقال له النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟» ، قَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ، فقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ، كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ» ، يعني: أنكرَ عليه النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو عاتبة على الزِّيادة في المهر.
وأُصدقت أم حبيبة للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأربعة آلاف درهمٍ -أو ثلاثة- لما أصدقها له النَّجاشي وهي بالجبشة، فكانَ الأمرُ فيه فُسحة.
هنا مسألة: وهي ما يسمَّى بتحديدِ المهور.
وهذه مِن المسائل المشكِلَة، فإنَّ تحديد المهور هو تفويتٌ للمرأة في حقِّها، ويجنَحُ إلى ذلك أُناسٌ يريدون الإحسان إلى عموم الخلقِ وإلى الشَّباب ومَن لا يستطيع النِّكَاح ونحوه؛ لكن لا ينبغي أن يكون ذلك؛ لأنَّه فيه إقصاء لحق المرأة، فإنَّ مِنَ النِّساء من يتطلَّع إليها الرِّجال كلُّهم، ويُمكن أن يبذلوا لها بذلًا كثيرًا، فلا يُفوَّت عليها حقُّها، وينبغي أن يُشجَّع على تيسير المهورِ، ويذكر ما فيه من الفضلِ، لكن لا يُحمل النَّاس على ذلك حملًا حتى يُمنع!
وأمَّا إذا كان ذلك بالأعراف القَبَليَّة ونحوه فهو أشد؛ لأنَّه ربما يكون حاكم القَبِيلة أصعب عليه مِن حاكم الشَّرع، فيكون ذلك من التَّحاكم إلى غيرِ شرعِ الله -جَلَّ وَعَلا- وفي ذلك شرٌّ كثير، ولكن يتعاونون على البرِّ، ويتآمرون به، ويتداعَون إلى التَّسهيل، فهذا لا غضاضة فيه، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك تفويت لحقِّ المرأة فيما جعل الله -جَلَّ وَعَلا- لها مِنَ الخير والصَّداق.
ثُمَّ قال المؤلف -رحمه الله: (كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُوْنَ ثَمَنًا، جَازَ أَنْ يَكُوْنَ صَدَاقًا قَلِيْلًا كَانَ أَوْ كَثِيْرً)، يعني: من القليلِ أو الكثيرِ، فإذا أمهرها جوالًا أو ساعة، أو جهاز كمبيوتر، أو ألف ريالًا، أو ألف درهمًا ونحو ذلك؛ فكل ذلك يكون صحيحًا.
{قال -رحمه الله: (لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِيْ قَالَ لَهُ: زَوِّجْنِيْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، «اْلتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيْدٍ»)}.
هذا الحديث له قصة طويلة، لَمَّا وهبت امرأة نفسها للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يمِلْ إليها، فدخل هذا الرجل فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجني إيَّاها، فقال: «ما معك؟»، إلى أن قال: «اْلتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيْدٍ»، فخاتم الحديد لا قيمة له كبيرة، فدلَّ ذلك على أنَّه يصح بشيء قليل.
ولما لم يجد أحد الصَّحابة إِلَّا نعلين يتزوَّج بهما، فلمَّا رُفع الأمر إلى النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال للمرأة: «أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟» .قَالَتْ : "نَعَمْ".
فدلَّ هذا على أنَّه يصح المهر ولو كان بالشيء الحقير أو اليسير، وحصول النِّكَاح بالشيء اليسير مُؤذنٌ -بإذن الله جَلَّ وَعَلا- بحصول الخير الكثير؛ فإنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً، أَيْسَرُهُنَّ مَؤْنَةً» .
{قال: (فَإِذاَ زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ بِأَيِّ صَدَاقٍ كَانَ جَازَ، وَلاَ يَنْقُصُهَا غَيْرَ اْلأَبِ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا إِلاَّ بِرِضَاهَ)}.
يعني أنَّ الأب شفيق على ابنته، فإنه لا يُنقصها من صداق مثلها إِلَّا لسببٍ صحيحٍ، فينبغي أن يُعلم أنَّ ما تنازل به أو تغاضى عنه إِلَّا لطلبِ الخير في أنَّ هذا الزَّوج لا يُفوَّت لقلَّة ما بذل، أو لنقصِ ما أعطى.
وإن كان ينبغي التَّنبيه على أنَّه مَهما كان الأمر كذلك فإنَّه ينبغي للنَّاس ألا يَحُولوا بين ما تطلب بناتهنَّ من صداق، فإذا كان لها طِلبَة أو نَهمة، فإن كان الوالد يُرضيها أو يُعطيها لِسَعةٍ عنده فذاك؛ وإن لم يكن يُعطيها فلا يحُلْ بينها وبين ما يُعطيها زوجها، فبعض الأزواج يُعطي زوجته مالًا، حتى يُقال: إن فلانًا شريفًا وفلانًا كريمًا، وهو في نفس الأمر لا يُعطي ابنته ما تقوم به حاجتها، وما يحصل بها صداقها، فينبغي أن يُعلم أنَّ هذا ليس بوجهٍ صحيح، ولكن إن حمله عليه أي: أن يكون إنقاصه للمهر لمصلحتها؛ فذلك صحيح.
أمَّا غير الأب فلا يُزوجها إلا بمهرِ مثلها، فلو زوجها أخوها أو عمها أو ابن عمها، أو أحدٌ سواهم؛ فإنهم لا يبلغون من الشَّفقة ما يبلغه الأب، فبناء على ذلك إمَّا أن تكون قد رضيت فيكون الأمر لها، ولو تنازلت بالمهر كله أو ردَّته على زوجها فذلك لها، أمَّا أن يُفوَّت عليها حقها، أو ينقصها هذا أو ذاك فلا؛ فيُنظر حينئذٍ إلى مهر مثلها، فإن كان مثيلاتها يُعطون مثلا ستين ألفًا أو سبعين ألفًا؛ فيطلب لها مثل ذلك، فإن أنقصَها فإنه يتحمَّل ما نقص.
{قال: (وَإِذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَوَجَدَتْهُ مَعِيْبًا،خُيِّرَتْ بَيْنَ أَرْشِهِ وَرَدِّهِ وَأَخْذِ قِيْمَتِهِ)}.
لما كان الصَّداق هو معاوضة في النِّكَاح وإن لم يكن معاوضة تامَّة، من جهةِ أن البيع معاوضة شيء بشيء، ولكن النِّكَاح هو ليس شيء بشيء من كل وجه، وإنما فيه نوع معاوضة، فبناء على ذلك ما كان فيه عيبفإنه يُرد بعيبه أو يثطلب أرشه، ولذلك قال: (خُيِّرَتْ بَيْنَ أَرْشِهِ وَرَدِّهِ).
الأرش عند الفقهاء: هو قيمة ما بين قيمته صحيحًا ومعيبًا، فيُقوَّم صحيحًا ويُقوَّم معيبًا، ويُنظَر إلى الفرق بين القيمتين، ثم تُنسب إلى الثّمن إن كان في البيع، وإذا كان في النِّكَاح فلا يُعطى ما بينَ ذلك فحسب.
فلو حسبناه صحيحًا بمائة ألف، ومَعيبًا بثمانين ألفًا، فتُعطَى الزوجة الفرق في ذلك عشرين ألفًا.
أمَّا في البيع فيُنظَر في الخمس، ثم يُنظَر إلى الثمن، فيُقارَن الخُمُس بالثُّمُن، وتلك مسألة قد تقدمت بكم في باب البيع، ولا أريد أن أعيدها.
قال: (وَأَخْذِ قِيْمَتِهِ)، يعني لو قالت: لا أريد هذا العبد المعيب، ولا تعطوني الأرش. نقول: لكِ قيمته، فهو يأخذه ويعطيها قيمته، سواء باعه وجاء بقيمته، وبما باع به وكمَّل ثمنه، أو كيفما فعل.
{قال: (وَإِنْ وَجَدَتْهُ مَغْصُوْبًا أَوْ حُرًّا، فَلَهَا قِيْمَتُهُ)}.
لأنَّ الأصل أنَّه مُعيَّن، فلما كان معيًّنًا واستُحقَّ؛ فإنَّه يجب بدله، وقد لا يكون هو الذي غصبه، فقد يكون اشتراه من غاصبٍ، فلما علمنا أنَّه مغصوبٌ فإنَّه سيرجع عليه ويأخذه ومبلغَه، ويُرجع العبد إلى صاحبه، ونقول: ما دام أنَّ العقد وقع على مثل هذا العبد فننظر كم يساوي هذا العبد، ثم تُعطَى قيمته.
قوله: (أَوْ حُرًّ)، كأن يدَّعي رجلًا العبوديَّة على شخصٍ، ثُمَّ باعه لهذا الزوج، فأعطاه الزوج لزوجته مهرًا، فظنَّت أنه عبدًا فأخذته، ثم تبين أنَّه حر؛ فبناء على ذلك يُرجع على البائع فيه، ويُنظر لو كان عبدًا كم كان يُساوي، ثم يُبذل لها مثل قيمته لو كان عبدًا.
{قال -رحمه الله: (وَإِنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ غَصْبِهِ حِيْنَ اْلعَقْدِ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَ)}.
إذا علمت بحريته أو بِغَصْبِهِ؛ ففي الحقيقة أن الصَّداق ما انعقد على ذلك، لأنَّه ليس محلًا للعقد، فيكون كما لو كان النِّكَاح انعقد بدونِ صداق، فبناء على ذلك يُرجع إلى مهر المثل، فكأنما سمَّينا شيئًا ليس بشيء.
فلو قال مثلًا: زوجتك على هذا الهواء. فقالت: قبلت؛ فكأنها تزوجت بدون صداق، فهذه مثلها، إذا تزوجت على هذا العبد وهما يعلمان أنَّه مغصوب، فكأنهما تزوجا على غيرِ مَهر، وبناء على ذلك يُنتقل إلى مَهر مثلها.
{قال -رحمه الله: (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ أَوْ طَلَبَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيْمَتِهِ، فَلَهَا قِيْمَتُهُ)}.
قوله: (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ)، يعني تعذَّر تحصيله لها، فبناء على ذلك لها قيمته، لأنه إذا تعذر الأصل رُجع إلى البدل، والبدل في مثل هذا هو القيمة.
قال: (أَوْ طَلَبَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيْمَتِهِ)؛ لأنَّ في مثل هذا يكون فيه ضرر على الزوج في شرائه، فيكون لها قيمة ذلك.
{قال -رحمه الله: (فَصْلٌ فِيْ اْلمُفَوَّضَةِ.
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، صَحَّ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُوْلِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلاَّ الْمُتْعَةَ، عَلى الْمُوْسِعِ قَدَرُهُ وَعَلى الْمُقْتِرِ قَدَرُه، وَأَعْلاَهَا خَادِمٌ، وَأَدْنَاهَا كِسْوَةٌ يَجُوْزُ لَهَا الصَّلاَةُ فِيْهَ)
}.
هذا الفصل عقده المؤلف -رحمه الله تعالى- في النِّكَاح بدون صداق، والنِّكَاح بدون صداق جائز، وسيذكر المؤلف قصة بروع بنت واشق لما مات زوجها ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقًا، فحصل خلافٌ بين الصَّحابة في ذلك، فشهد ابن مسعود أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى في بروع بنت واشق بأنَّ لها مهر مثلها، لا وكس ولا شطط -أي لا زيادة ولا نقص- فأخذ من هذا أهل العلم أن النِّكَاح بدون صداقٍ صحيح.
ولأنه من جهة المعنى: أنَّ الصَّداق وإن كانَ فيه مُعاوضة، ولكن لما لم يكن النِّكَاح معاوضة محضة، وإنما ما فيه من المصالح وحصول الأنس والمودة، وكمال الرحمة بين الزوجين أعظم؛ فإنَّه لم يكن يُرتبون المعاوضة شيئًا بشيء وسواء بسواء كما يكون في البيوعات والإجارة ومسائل المعاوضات كافة، فبناء على ذلك نقول: يصح النِّكَاح، ثم يُعاد إلى مهر المثل.
ويقول الفقهاء -رحمهم الله تعالى: يُسنُّ تسمية الصَّداق، فإن ذلك أقطع للنِّزاع، وأمنع من الشقاق.
فإذا لم يصدقها شيئًا، فقالت: لم يُصدقني شيئًا...، وفلانة أصدقها زوجها بكذا...، ثم نشبت بينهما الخلافات وقد تصل إلى الحاكم، وتكون بينهما مُقاضاة، وذلك مفسد للزواج، أو سبب لحصول الفجوة والنفرة بينهما، أو ربما لم تُصله إلى الحاكم، ولكن ستبقى ما بقيت على وجه الأرض كلما خاصمها قالت: أنت ما أصدقتني إلا كذا...، أو ما فعلت إلا كذا...!
فلمَّا كان الأمر كذلك قال الفقهاء: إنَّ تسمية الصَّداق أقطع للنزاع وأمنع من الشقاق، فينبغي أن يُسمَّى الصَّداق، ولكن لو حصل النِّكَاح بدون تسمية للصداق لكان جائزًا، وسواء قال: زوجتك بلا مهر -وهي تُسمَّى عند الفقهاء: مُفوِّضَةُ بُضعٍ، كالتي فوضت بُضعها- أو قال: زوجتك على أي مهر شئت -وهذه تُسمَّى: مُفَوِّضَةُ مَهرٍ- وكلاهما يستويان في الحكم، في أنَّ لها مهر مثلها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُوْلِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلاَّ الْمُتْعَةَ).
يعني هذه التي عقد عليها بدونما صداق، ثم طلقها قبل الدخول؛ فإن الأصل إذا طلقها قبل الدخول أن يكون لها نصف المهر، لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة:237]، هذا إن كان قد سمى لها مهرًا، أما إذا لم يُسمِّ لها فإنَّه لا يكون لها نصف المهر؛ لأنه لم يُسمِّ لها، ويكون لها المتعة، فيعطيها شيئًا بحسبه، وذلك أنَّ الله -جل وعلا- قال: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ [البقرة:236]، ففيها دلالة على أنَّه إذا طلقها ولم يفرض لها صداقًا أن لها المتعة.
ولذلك يقول المؤلف: (لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلاَّ الْمُتْعَةَ، عَلى الْمُوْسِعِ قَدَرُهُ وَعَلى الْمُقْتِرِ قَدَرُه)، يعني كل بحسبه، ويختلف الحال باختلاف حال الزَّوج، فإن كان الزوج في سَعة فينبغي أن يوسِّع على المرأة إذا طلقها قبل الدخول ولم يكن قد سمى لها مهرًا، وأمَّا الفقير والمسكين فكذلك.
يقول الفقهاء: إذا طلقها ولم يكن قد دخل بها، فإن كان قد سمى لها مَهرًا، فيكون لها نصف المهر، فيجبر ما انكسر من قلبها في تطلعها إلى النِّكَاح، أمَّا إذا لم يكن لها مهر وطُلِّقَت ولم يكن منه إكمال لهذا النِّكَاح، فكيف يحصل لها من ذهاب الزَّوج، وحصول الطَّلاق، وانكسار النَّفس، ونحو ذلك، ولا شيء لها؟!
فجاء الشَّرعُ بمشروعيَّة المتعَة في مثل هذه الحال، وهي على الوجوب عند طائفةٍ من أهل العلم في هذه المسألة، وهو إذا طلقها ولم يكن قد دخل بها ولم يُسمِّ لها مهرًا، جبرًا لما انكسر من قلبها بالطلاق وعدم حصول النِّكَاح الذي تطلعت إليه.
قال المؤلف -رحمه الله: (وَأَعْلاَهَا خَادِمٌ، وَأَدْنَاهَا كِسْوَةٌ يَجُوْزُ لَهَا الصَّلاَةُ فِيْهَ).
هذا مبناه على ما جاء عن ابن عباس-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فإنه قال: (وَأَعْلاَهَا خَادِمٌ، وَأَدْنَاهَا كِسْوَةٌ يَجُوْزُ لَهَا الصَّلاَةُ فِيْهَ)، وهل ما ورد عن ابن عباس على سبيل التَّحديد أو على سبيل التَّمثيل باعتبار أن حياتهم كانت كذلك فيكون ذلك ليس فيه حدٌّ محدود؟
لو قلنا الآن خادم يخدمها، فربما ظنَّ الناس إن وُجد عبيد الآن أن يكون ثمنهم رخيص؛ لا، ربما يكون قيمته السبعين ألفًا أو الثمانين ألفًا، مائتي ألف، ثلاثمائة ألف، وقد يكون أكثر من ذلك.
قوله: (وَأَدْنَاهَا كِسْوَةٌ يَجُوْزُ لَهَا الصَّلاَةُ فِيْهَ)، هذا بالنسبة للفقير، فإذا اشترى لها شيئًا بمائتين أو ثلاثمائة أو بألف ريال عندنا في بلدنا، وكلٌّ بحسبه؛ فلا غضاضة في ذلك.
ولو حُمِلَ قول ابن عباس على المعتاد من حال كل بلدٍ باعتبار حال الغني من الفقير، فيكون ذلك قريبًا، وهو أسهلُ في النَّسبةِ والمعرفةِ، وهو محتملٌ من جهةِ النَّظرِ والأثرِ على ما جاءَ عن ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرضاه.
{قال -رحمه الله: (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُوْلِ وَاْلفَرْضِ، فُرِضَ لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا، لاَ وَكْسَ وَلاَ شَطَطَ، وَلِلْباَقِيْ مِنْهُمَا الْمِيْرَاثُ، وَعَلَيْهَا اْلعِدَّةُ، وَلاَ وَكْسَ وَلاَ شَطَطَ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى فِيْ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، لَمَّا مَاتَ زَوْجُهَا، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها، أن لها مهر نسائها وَلاَ وَكْسَ وَلاَ شَطَطَ، وَلَهَا الْمِيْرَاثُ، وَعَلَيْهَا اْلعِدَّةُ)}.
قوله: (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُوْلِ وَاْلفَرْضِ، فُرِضَ لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَ)، هذا إذا خصلت الفرقة عند الموت، فلها مهرها كاملًا لقصة بروع بن واشق، فإنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى لها بالمهر كاملا، فيُحكَم بذلك، فيُنظَر كم مهر مثلها، ثم هي زوجة من الزوجات، فلها الميراث، قال: (وَلِلْباَقِيْ مِنْهُمَا الْمِيْرَاثُ، وَعَلَيْهَا اْلعِدَّةُ)، لأنها زوجة مات عنها زوجها، فوجب عليها أن تعتدَّ عليه.
وإذا ماتت هي فلها المهر، وله ميراثها، ولا عدة على الزوج من زوجته.
{قال: (وَلَوْ طَالَبَتْهُ قَبْلَ الدُّخُوْلِ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا، فَلَهَا ذلِكَ، فَإِنْ فَرَضَ لَهَا مَهْرَ نِسَائِهَا أَوْ أَكْثَرَ، فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، وَكَذلِكَ لَوْ فَرَضَ لَهَا أَقَلَّ مِنْهُ فَرَضِيَتْهُ)}.
لو طالبت قبل الدخول أن يفرض لها فهذا حقها، فلو أنها في أول الأمر قالت: رضيتُ بدون مهر، ثم قالت: أعطني مهرًا...، نقول: لها ذلك، لأن هذا حقٌّ لها، وما رضيت به في أول الأمر لها أن تطالب به بعد ذلك.
قال: (فَإِنْ فَرَضَ لَهَا مَهْرَ نِسَائِهَ)؛ لأنَّ هذا أكثر ما تستحقه.
قال: (أَوْ أَكْثَرَ، فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ)، لأنَّه زادها، فلا طريق لها عليه.
أما إن فرض لها أقل فلها أن تعترض وتقول: لا، لي مهر مثلي؛ لأنَّه بمجرد أن تزوجها بدون مهر يثبت لها مهر المثل، ولو توافقا على أقل من ذلك فالحق إليهما، وما رضيت به فقد تنازلت عن كامل حقها، فيكون ذلك على ما اتفقا عليه، وأسقطت ما عليه، فلا يجوز لها المطالبة بعد ذلك، وهي مأجورة في هذا، ولكن من جهة النظر لو ندمت أو حُسِّفت أو قال لها قائل: لماذا تزوجت بدون مهر؟...، أو كذا...، نقول: ما دمتِ قد رضيتِ فقد ذهب حقك.

أسأل الله لنا ولكم التَّوفيق والسَّداد، وأسألُ الله أن ينفعكم وأن ينفع بكم، وأن يزيدكم من العلم والهدى، وأشكرُ لك حرصك، والإخوة معك، وأسألُ الله أن يعيننا على إظهار العلم والمسير عليه، وأن يسددنا للهدى والصواب.
{جزاك الله خيرًا يا شيخ.
وفي الختامِ نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ اللهَ أن يجعلَ ذلك في موازينِ حَسَناتِكُم، هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر.
إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك