الدرس الثالث

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

5748 12
الدرس الثالث

عمدة الفقه (5)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أُرَحِبُّ بكم إخواني وأخواتي المُشَاهدين الأَعِزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وكما لا أنسى أن أُرَحِبَ باسمي وباسمكم فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الحكيم بن محمد العجلان. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
أهلًا وسهلًا، حيَّاكُم الله، وَحيَّا الله الإخوة المُشاهدين والمشاهدات.

{أنهينا في اللقاء الماضي باب "المكاتب" من كتاب عُمدة الفقه، وأخذنا بعض المسائل المتفرقة}.
لعلي أبدأ مباشرة حتى نختصر الوقت.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رَبِّ العَالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وَسَلِّم تَسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فأسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يَرفعنا وإيَّاكم بالعِلم، وأن يجعله لنا مَنارًا صحيحًا، وطريقًا مُستقيمًا، وسُلَّمًا إلى العِلم والهُدى، وأن يُعقبنا فيه التَّعليم والتُّقى، وأن يجعلنا مِن أَهله، وأن يَحشرنا مع زُمرة العُلماء، وأن يجعلنا مِن وَرَثَةِ الأنبياء، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
ما أحسن أن يعيش الإنسان في العلم وفي رحاب أهله، وأن يُدارس مسائله، وأن يفتح كتبه، وأن يحيا به؛ فهو حياة للقلوب، وهو أُنسٌ للنفوس، وهو سِلوةٌ في هذه الدنيا إذا عمَّت ظُلماتها، أو كثُرَ بلاؤها، أو اشتدت فِتَنُها، فالعِلم هو ما يُنير القلوب، ويُنير النفوس، ويُذهب ما يلحق بالإنسان من الهمِّ والغمِّ.
كان أصحابُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كما يقول ابن القيم: ينزل بنا الأمر العظيم فنأتي إلى شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- فيُجلِّي الله عنَّا كأنَّه لم ينزل أمر لا قليل ولا كثير، فإنَّ العِلم يُعطي أَهله مِنَ الطُّمأنينة والسَّكينة، ويُعطيهم خيرًا كثيرًا.
أيُّها الإخوة، كنَّا في باب المكاتب قد ابتدأنا، وشرعنا في مسائله، وذكرنا مَن هو المكاتب، وأنَّ العبد يُكاتِبُ سيده، فيكون بينهما كتاب على أن يُعطيه كلَّ شهر كذا وكذا، حتى إذا أمضى هذه المدة المتفق عليها فإنه يُعتق ويكون حُرًّا لله -جلَّ وعَلا.
وقلنا: إنَّ هذا العَقد مِن حيثُ أصله فهو سُنَّة إذا كان العبد يَقوى على التَّكسُّب؛ لأنَّه إِذا تُركَ فيُمكن أن يفوت عليه النَّفقة ونحوها التي كان يقوم بها سيده، أمَّا إذا كان يَقوى على التَّكسُّب فخير له أن يُعتق وأن يكون حُرًّا لله -جلَّ وعَلا- وأن يتخلص مِن ربقة العبوديَّة وحُكم الرِّق، وما يتبعه من ذُلٍ وبلاءٍ وَمَسكَنَةٍ.
فقوله: (اسْتُحِبَّ لَهُ إِجَابَتُهُ إِلَيْهَ)، هذا كما قال الله -جلَّ وعَلا: ﴿وَالَّذِيْنَ يَبْتَغُوْنَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوْهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيْهِمْ خَيْرً﴾ وهذا الأَمرُ على الاستحبابِ في قَول جماهير أهل العلم؛ لأنَّ الأصل أَنَّه لا يَحل مَال امرئ مسلمٍ إلا بِطيبِ قَلبٍ منه، فلا يجوز أن يُغصَب على ذلك، ولا يُجبر عليه.

ثم قال: (وَيُجْعَلُ الْمَالُ عَلَيْهِ مُنَجَّمًّ)، يعني: مُقسَّطًا. النجوم: نسبة إلى الطوالع التي تطلع كل ستة وعشرين يومًا، فيطلع نجم ويعقبه آخر، وهكذا..، فكان النَّاس يُؤرخون بها، ولكن سواء جُعلت إلى شهرٍ أو إلى شهرين، المُهم أَنَّها أَقساط مُقسَّطةٍ إلى مُدة.
والعبد إذا كُوتبَ يَذهب ويتكسَّب، ويبيع ويشتري ويُحاول، وقد يُعينه فلان وفلان، ولذلك كان مِن السُّنَّة أن يُعينه سيده، فيطرح عنه الرَّبع -كما يقول جمع من أهل العلم.
ولذلك جاء في الحديث أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ»، وذكر منهم «وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ» ، فيُعطى في ذلك ما يكون عونًا له، ولأجل ذلك قال: (فَمَتَى أَدَّاهَا، عَتَقَ، وَيُعْطَى مِمَّا كُوْتِبَ عَلَيْهِ الرُّبُعُ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالى: ﴿وَآتُوْهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِيْ آتَاكُمْ﴾ )، فَأَمَرَ اللهُ -جَلَّ وعَلا- بإيتائهم وإعطائهم والإحسانِ إليهم، وهذا على سبيل الاستحباب أيضًا -كما قُلنا.

والإيتاء هنا، هل يُعطيه هو ثم يأخذ منه أو يُسقط عنه؟
الأمر في ذلك يسير، ولكن بعضهم -امتثالًا لظاهر الآية- قال: يُعطيه، ثم يَستوفي منه هذا المال، فيكون كأنَّه أَعانه مِن مالِ الله الذي آتاه وأفاض عليه.
ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَاْلمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ)، المقصود: أنَّ المُكَاتَب إذا عُقِدَ لَه عَقْدُ الكِتَابَة.
وهنا سؤال: خلال هذه المرحلة: أي مِنْ وَقتِ عَقْدِ الكِتَابة إلى أن يَتم مِنهُ السَّداد، هل يكون حُكْمُه حُكمَ العبيد أو حكم الأحرار؟
يقول المؤلف: (وَاْلمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ)؛ لأنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك في الحديث: «وَاْلمُكَاتَبُ قنٌّ -يعني: العبد- مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ، فمعنى ذلك أنَّ أحكام العبيد تأتي عليه؛ ولأنَّه يُمكن أن يُعجز نفسه، يعني: لما يبدأ يبيع ويشتري يَرى أنَّ ذلك ليس أحسن له، وأن عَيشَه في ظِلِّ سيده أرحم وأحسن، فيُعجز نفسه، ما عاد يعمل ولا يسدد لسيده، فيعود عبدًا كما كان.
فبناء على ذلك أنَّه مَا دَامَ لم يَنْتَه مِن السَّداد فَأصله هو أنه عبد مَا بقي علي شيء ولو كان قليلًا كما جاء بذلك ظاهر النَّص.

ثم قال: (إِلاَّ أَنَّهُ يَمْلِكُ اْلبَيْعَ وَالشِّرَاءَ)، هذه الأحكام التي يختص بها المُكَاتب عَمَّنْ سِواه من العبيد؛ لأنَّ الأصل أنَّ العبدَ محكوم بسيده، ولا يجوز له أن يفعل شيئًا مِن تِلقاء نفسه إِلَّا أن يأذن له السَّيد، ولكن المكاتب بمجرد العقد يجوز له البيع والشراء، ولا يحل لسيده أن يَمنعه مِن ذلك، ولذلك قال: (يَمْلِكُ اْلبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالسَّفَرَ، وَكُلُّ مَا فِيْهِ مَصْلَحَة)، والسَّفر هنا إشارة إلى ما يقوله الحنابلة -رحمهم الله تعالى: أنَّه إذا كان الإنسان غريمًا، فَلِدَائِنه أَن يَمنَعَه مِن السَّفر؛ فكأنه يقول: المُكاتب لا يُمنع من ذلك، ولهم في مثل هذه المسألة كلام هل يُمنع أو لا يُمنع؟.
المهم أنَّ المؤلف هنا نصَّ على أنه يجوز له ذلك.
قال: (وَكُلُّ مَا فِيْهِ مَصْلَحَةُ مَالِهِ)، فَكُلُّ مَا فِيه مَصلحةُ مَالِه من أنواع التَّعاملات ونحوها فإنه جائزٌ له؛ لأنَّ ذلك هو طريق سداده، والسبيل إلى وفائه وإعطاء سيده؛ فكان ذلك جائزًا.

قال: (وَلَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ)؛ لأنَّه لم يَمْلِك نَفْسَه مِلْكًا مُطلقًا؛ ولأنَّه قَد يَعْجَز فَيَرجِع هُو وَمَا مَلَك إلى سَيده، فَإِذا تَبَرَّع في تلك الحال فكأنه افْتَاتَ عَلَى مُلكِ سَيده، ففعل شيئًا لا يحل له فعله، فنقول: لا يجوز له أن يَتَبرع إلَّا بعد كمالِ عِتقِه وتمام عقد كتابته، وذلك بعد أن يُسدد لسيده كل ماله، ويُحكم بحريته من كل وجه.

قال: (وَلاَ التَّزَوُّجُ وَلاَ التَّسَرِّيْ)؛ لأنَّه عبدٌ، والعبدُ لا يتزوج إلا بِإذنِ سَيده، «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» ، أو «زانٍ» كما جاء ذلك في الأحاديث.
ومن جهة أخرى: نجد أنَّ الزواج سيلحقه تبعةً ونفقة، وسيقطعه عن السَّداد والوفاء، فلأجل ذلك يُمنع، إلا أن يَأذن له سيده، فكما أنَّ السَّيد يأذن للعبدِ الخالص، فكذلك له أن يَأذنَ للعبدِ المكاتب، فيجوز له في تلك الحال.
قال: (وَلاَ التَّسَرِّيْ)، يعني: التَّسرِّي بالإيماء؛ لأنَّ المكاتب لمَّا جَازَ لَه البيع والشِّراء جَازَ لَه أن يَشْتَري أَمَةً؛ لأنَّها مِن ضِمنِ الأمتعةِ التَّي يَشتريها، وشراؤه لها قد يكون للتكسب، وقد يكون للإعانة في العمل، ونحو ذلك.
فإِذا مَلَكَ أَمَةً، هل يجوز له أن يتسرَّى بها؟
الجواب: لا؛ لأنَّ مِلكه عليها ليس بتامٍّ، بمعنى أنَّه يُمكن أن يَعجز عَن ذلك، فيكون هو وأمته التي مَلَكَها مِلكٌ لسيده، فلأجل ذلك ليس له أن يتسرَّى في تلك الحال.
قال: (إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ)، فإذا أَذِنَ لَه سَيده فيجوز له ذلك؛ لأنَّ الحَقَّ لَه، وقد أَذِنَ لَه، فلا يعدو أن يكون الحق لهما، فإذا أذن له بالتزوج تزوج وهكذا..

قال: (وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ اسْتِخْدَامُهُ)، مع قولنا إنَّه عبد؛ فإنَّه ممَّا يفترق فيه حكم العبد الخالص عن العبد المكاتب: أنَّ العبدَ الخَالِصَ يستخدمه سيده بلا شك، وأمَّا المكاتب فليس لسيده استخدامه؛ لأنَّه لو استخدمه لأفضى ذلك إلى أن يُفوِّت عليه البيع والشِّراء وتحصيل ما يكون به الوفاء، فبناء على ذلك ليس له.
إِلَّا أن يَستأجره السيد، فيقول: أنا أستأجرك بقيمة كذا وكذا، ويوفيه ما يريد أن يدفعه إلى السيد، أو يستأجره لمدة معيَّنة مِنَ الصَّباحِ إلى الظُّهر، ويكون للعبد أن يعمل في غير ذلك، فإذا كان باستئجارٍ فهذا شيء آخر، كما يَستأجره غيره ممن يتعامل معهم، لكن لَيسَ لِسيده أن يستخدمه مجَّتنًا.
قال: (وَلاَ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ)، كذلك ليس له أخذ شيءٍ من ماله في حال الكتابة، لأننا وإن قلنا أنه يُمكن أن يعود إلى سيده هو وما ملك؛ لكنه في حال الكتابة له مِلكيَّة وله تصرُّفٌ، وله أن يعمل، وهذا مما جاء به الشرع، فليس لسيده أن يتجاوز عليه، لأنه قد يحول بينه وبين التحصيل إلى الوفاء، إذا كان كلما جمع مالًا أخذه منه سيده؛ ما استفاد من الكتابة شيء.

قال: (وَمَتَى أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ أَوْ عَلى مَالِهِ، فَعَلَيْهِ غَرَامَتُهُ)، عليه غرامته لِما ذكرنا، لأن هذا المكاتب يريد أن يعمل حتى يجمع فيستوفي من السيد ليكون حرًّا لله -جلَّ وعَلا.
قال: (وَيَجْرِيْ الرِّبَا بَيْنَهُمَا،كَاْلأَجَانِبِ).
ما الحاجة إلى هذه المسألة؟
المسألة هذه: أنَّ المُكاتب يُعدُّ مَالًا للسيد، والسيد مَالكٌ لهذا المكاتب، فإذا جرى بينهما معاملة فهذا مال الإنسان مع مال نفسه، لكن مع ذلك في حال المُكاتب نأخذ باب الاحتياط هنا؛ ولأنَّ المكاتب يؤول إلى الحرية؛ ولأنَّه مأذونٌ له في الاتِّجار، وله حُكْمُ التَّملُّك الخاص بنفسه، فبناء على ذلك تعامله مع سيده يَدْخُلُهُ الرِّبا.
فلو أنَّ السيد أعطاه خمسة آلاف لِيَرُدَّها ستَّةً، وقلنا: إنَّ هذا مال السيد وهذا ماله فلا ربا بينهما؛ نقول: لا، مادام مُكاتبًا فله حُكمه الخاص، فبناء على ذلك يجري بينهما الرِّبا، وفي هذا ردٌّ على قول بعض الفقهاء الذين يقولون: لا يجري بينهما الرِّبا. فما عليه المؤلف -وهو قول الحنابلة وجمهور أهل العلم: أنَّه يجري بينهما الرِّبا.

قال: (إِلاَّ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَجِّلَ لِسَيِّدِهِ، وَيَضَعُ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ)، يعني: لو أنَّه جَمَعَ مالًا كثيرًا في مُدة قصيرة، وهذا المال الذي جمعه أكثر مِن النُّجوم التي يُسددها والأقساط التي يبذلها، فأراد السيد أن يخفف عنه، فقال: أعطني ما معك وأسقط عنك خمسة أشهر، أو نحو ذلك.
فنقول: هذه جائزة، وهي من مسائل ضع وتعجَّل، وإن كان بعض الفقهاء ومنهم رأي عند الحنابلة أن ذلك لا يجوز وأنه داخل في الرِّبا، إلا أنهم سهَّلوا فيه في هذا الجانب، فأجازوا للمكاتب، أو للسيد مع مكاتبه أن يفعل ذلك لما فيه من الإسقاط وتسهيل الحرية عليه.

ثم قال: (وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ)، يعني: لو أنَّ السيد كاتب أَمَةً فليس له وَطؤها؛ لأنَّها وإن كانت أمةً له، إِلَّا أَنَّها آَلت إلى الحرية، ففيه شُبهة، ولذلك يُمنع منها، إِلَّا أَن يَكون قد اشترط ذلك؛ فله.
قال: (وَلاَ بِنْتِهَ)، يعني: بنتها التي تبعها، ودخلت معها في عقد الكتابة.
قال: (وَلاَ جَارِيَتِهَ)، يعني: لو أنَّ هذه الأمة المكاتبة اشترت جارية، فليس له أن يَطأها.
قال: (فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَ)، فإن فعل مع جارية مُكاتبته فعليه مهر مِثلها؛ لأنَّه إتلاف، والفقهاء يعتبرون الجماع إتلافًا، فبناء على ذلك يَلزمه ما يَلزم في الجنايات من الرد.

ولِمَ لم يقولوا من أن عليه الحد هنا؟
قالوا: لأنَّ له شُبهة مِلك، فلما كان مالكًا للأمَةِ المُكاتبة، والأمَة مَالكة لذلك، وكل مَا مَلَكَ المكاتَب يَؤول إلى السَّيد فيما إِذَا عَجَزَ؛ فكأنه استمتع بملكه، أو بما له فيه شُبهة، والحدود تُدرأ بالشبهات.
قال: (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ، صَارَت أُمَّ وَلَدٍ)، إذا ولدت المكاتبة منه صارت أم ولد، بمعنى: أنه لو استمتع بها بعد أن اشترط عليها وَقْتَ عَقْد كتابتها، ثم وُلِدَ لَه مِنْهَا؛ صارت أم ولد.
ما الحكم إذا صارت أم ولد؟
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى: لا يَعني ذلك أنَّها تنقطع كتابَتُها؛ بل الأسرع منهما، إن مات السيد عُتقت؛ لأنها صارت أم ولد، وإن أدَّت عُتِقَت لأنها مكاتبة وأدَّت ما عليها، فيكون لها الأسرع في تحصيل حريتها.
قال: (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا قَبْلَ أَدَائِهَا، عَتَقَتْ، وَمَا فِيْ يَدِهَا لَهَ)، يعني: ما جمعت في وقت الكتابة من مال لِتؤديه لِسيدها يكون مالًا لها؛ لأنَّها تُعتق بمجرد موت سيدها.
قال: (إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ قَدْ عَجَزَتْ)، فيكون ما في يدها للورثة.
عَجَزَ -بالفتح- أفصح منه بالكسر -عَجِزَ- يُقال: عَجَزَ يَعْجِزُ، وهي أحسن من عَجِزَ يَعْجَزُ؛ وإن كان التصريفان صحيحان، ولكن عند أهل اللغة أنَّ "عَجَزَ" أفصح، ولهم في ذلك تفصيل ليس هذا محل بيانه.
فنقول: (إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ قَدْ عَجَزَتْ)، فيكون ما في يدها للورثة؛ لأنَّها لمَّا عجزَت عجزة وهي أمة، فبناء على ذلك ما في يد هذه الأمة ملك لسيدها، فبناء على ذلك سيكون مالًا يرثه ورثة السيد، فيوزَّع على الورثة، فهي وإن لم تعتق بالكتابة عُتقت بكونها أم والد فتحررت من العبودية، ففي كلا الحالين هي حُرَّةٌ لله -جلَّ وعَلا.
ثم يقول المؤلف -رحمه الله: (وَيَجُوْزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ)، لو أنَّ شخصًا كاتب عبدًا ثم باعه جاز، والدليل على ذلك قصَّة عائشة -رضي الله عنها- فإنه اشترت بَرِيْرَةَ من أهلها، وكانوا قد كاتبوها، لكن مَن اشترى مُكاتبًا بقي على كتابته، فيؤدي للسيد الجديد ما كان يؤديه إلى السيد الأول، فإذا أتمَّ مَا بقي فإنه يُعتق عليه ويكون ولاؤه للسيد الجديد؛ لأنَّه عتق وهو في مُلكه، ولذلك قال: (لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا اشْتَرَتْ بَرِيْرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، بِأَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، وفي ذلك قصة معروفة مشهورة.
قال: (وَيَكُوْنُ فِيْ يَدِ مُشْتَرِيْهِ مُبْقًى عَلى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ)، كما ذكرنا، يعني: من اشترى هذا المكاتب هو عند سيده الثاني يبقى على ما عليه من الكتابة، فإذا كان قد اشتراه وبقي عليه عشرة أشهر يدفع كل شهر مائة ألف أو عشرة آلاف؛ فإنه يدفع لهذا السيد الجديد مدة هذه العشرة أشهر عشرة آلاف، فإذا دفعها عتق، وإذا لم يدفعها أو عجز في الشهر الثاني أو الثالث أو التاسع فيكون عبدًا لسيده الجديد الذي اشتراه.

قال: (فَإِنْ أَدَّى، عَتَقَ وَوَلاَؤُهُ لِمُشْتَرِيْهِ)، يعني: الثاني. قال: (وَإِنْ عَجَزَ، فَهُوَ عَبْدٌ لَهُ)، يعني: سيده الثاني الذي هو عنده وتحت يده.
لقائل أن يقول: ما فائدته من الشِّراء في هذه الحال وهو يعرف أنه سيعتق؟
إمَّا أنَّه أَرادَ أن يُخفف عليه ويُساعده، أو ظنَّ أنه سيعجِز فلا يستطيع السَّداد، فأمَّل أن يكون كذلك فاشتراه لأجل هذا، أو أنه اشتراه بثمنٍ أقل مما بقي عليه من دين الكتابة، فيكون الأمر دائرًا بين اثنين:
- إمَّا أن يؤدي إلي، فيكون مالًا أكثر مما دفعت.
- وإما أن يَعجَز، فأكون قد حصلت هذا العبد بثمن قليل.
قال: (وَإِنِ اشْتَرَى اْلمُكَاتَبَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اْلآخَرَ، صَحَّ شِرَاءُ اْلأَوَّلِ وَبَطَلَ الثَّانِيْ، فإن جُهِلَ الأول منهما بَطَل البيعان)، طبعًا باعتبار أنَّ هذا مُكاتب وهذا مُكاتب، والمكاتب يجوز له أن يَشتري عبدًا، فيجوز له أن يَشتري مُكاتبًا، فلو اشترى مُكاتبًا آَخرًا جاز، لكن لئلا يعود الأمر إلى دور؛ فلا يجوز للثاني أن يشتري الأول.
على كل حالٍ هذه من المسائل التي فيها نوع تفننٍ للفقهاء، يعني: في تحرير الملكة الفقهية، لكن أحيانًا هذه بالنسبة للمجالس العامة قد يكون في فهمها صعوبة أو ووعورة قليلة، وقد تحتاج إلى وقتٍ طويل، فنكتفي بما ذكرناه في هذا المعنى، ولا نُعرج عليها كثيرًا.
قال: (وَإِنْ مَاتَ اْلمُكَاتَبُ، بَطَلَتِ اْلمُكَاتَبَةُ)؛ لأنه هو محل العقد وقد فات، فبطلت الكتابة.
قال: (وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَهُ، فَهُوَ عَلى كِتاَبَتِهِ يُؤَدِّيْ إِلى اْلوَرَثَةِ)، يعني: لو أنَّ السيد الذي كاتب عبده مات فإن ورثته لا يمكن أن يقولوا: لا، أنت لستَ بمكاتب؛ بل هم يرثوا عن مورثهم ما له من حقٍّ ومال، ومن الحقوق التي ورثها: حق الكتابة؛ فهو مُبقًى على ما هو عليه، فإذا أدى لورثته ما كان يؤديه إلى السيد حتى تمَّت النجوم والأقساط فيعتق، فإن لم يستطع أو عجز عن ذلك فإنه يعود عبدًا لهم ويقتسمونه كما يقتسمون سائر الميراث.
قال: (وَوَلاَؤُهُ لِمُكَاتِبِهِ)، الذي هو والدهم.
قال: (وَاْلكِتَابَةُ عَقْدٌ لاَزِمٌ)، كأنه أراد بذلك أنه ليس لواحدٍ من المتعاقدين أن يفسخ، فالعقود ثلاثة على ما هو مشهور، وقد ذكرها الفقهاء في باب الوكالة:
- عقد لازم: كالبيع والإجارة والكتابة: فيلزم كل واحدٍ من المتابعين والمؤجر والمستأجر، والمكاتِب والمكاتَب أن يوفي، ولا يجوز له أن يفسخ ذلك العقد.
- عقود جائزة: يجوز لكل واحد من المتعاقدين أن يفسخها، مثل: الوكالة، الشركة، المزارعة، المساقاة، ونحو ذلك من العقود.
- عقود لازمة من جهة وجائزة من جهة، مثل: عقد الرهن، عقد الضمان، عقد الكفالة؛ فإنه من جهة الراهن -الذي رهن- لازم، أمَّا من جهة المرتهن -الذي له رهن- فله أن يقول: لا أحتاج منك رهنًا، فيسمح له، فهو جائز من جهة، لازم من جهة.
فعقد الكتابة لازمٌ من الجهتين، فليس للمكاتِب -الذي هو السيد- أن يرجع ويقول: أنا رجعت؛ فما دام أنَّ العبد قد وفَّى له فيلزمه أن يمضي في الكتابة حتى ينتهي.
والعبد كذلك، لا يقول: فسخت العقد، ولكن لو عجَّزَ نفسه -يعني: ما سدَّد- فالأمر يؤول إلى سيده.
ولذلك قال: (لَيْسَ لِأَحَدِهِمَ) يعني: لا السيد ولا العبد المكاتّب فَسْخُهَا.
قال: (وَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ فَلَمْ يُؤَدِّهِ، فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيْزُهُ)، متى نحكم أنَّ المكاتب عَجَزَ عَن السَّداد فاستحق سيده أن يحكم بانتهاء عقد الكتابة ورجوع الرق والعبودية عليه؟
يقول المؤلف: (وَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ فَلَمْ يُؤَدِّهِ)، فانتهى، فإذا ما أدى القسط الذي عليه ينتهي العقد، فله أن يُعجِّزه.
وبعض الفقهاء يقول: لا نقول بمجرد العجز في أول شهر حتى يتم له شهران، يعني: يحل القسط الثاني فنحكم بأنه عجز عن القسط الذي قبله، وهذا فيه شيء من الوجاهة.
قال: (وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ، بُدِئَ بِجِنَايَتِهِ)، يعني: لو أنَّ المكاتب عليه جناية وعليه أداء لسيده، فأيهما أسبق في الأداء ولزوم البذل؟
الجناية؛ لأنها مُتعلقة برقبته، فلأجل ذلك لزم أن يُبدأ بها.
قال: (وَإِنِ اخْتَلَفَ هُوَ وَسَيِّدُهُ فِيْ اْلكِتَابَةِ، أَوْ عِوَضِهَا، أَوِ التَّدْبِيْرِ، أَوِ اْلاِسْتِيْلاَدِ، فَاْلقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِيْنِهِ)، هذه المسائل من جهة الأصل يذكرها الفقهاء في آخر كل باب، وهي راجعة إلى كتابة الدعاوى والبينات، وأصل ذلك: البينة على المدعي واليمين على مَن أنكر؛ لكن مع ذلك جرت عادة الفقهاء على ذكرها تفصيلًا في الأبواب تمرينًا لتلك القاعدة العامة، وتقريبًا لحال الاختلاف؛ لأنَّ مسائل الاختلاف وما يَنبني عليها تتشعب فيها الأمور، فربما يصعب على القاضي أو مَن وليَ الحكم في واحدة من هذه المسائل القطع فيها بحال، فأراد المؤلف أن يُبين مَن الذي تلزمه البينة، ومن الذي عليه الحال.
قال هنا: (فَاْلقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِيْنِهِ)، ليس معناها أنَّ المكاتب إذا أقام حجَّة وبيِّنة لا تنفع، ولكن الكلام يحمل على إذا ما وُجد الاختلاف ولم توجد البينة، أمَّا إذا وُجدت البينة قُضيَ بها، سواء كانت للمكاتب أو للسيد، لكن إذا انتفت فالقول قول السيد؛ لأنَّ الأصل عدم هذه الأشياء، والأصل معه، فهو مُستصحب للأصل، فلأجل ذلك كان القول قوله، ولما كان القول قوله فإنه لا يُعتب قوله إلا بيمين، ويُستنثى من ذلك مسائل قليلة عند الفقهاء، ومنها الحكام؛ فالحاكم إذا كان له قوله فإنه لا يعتبر يمينه، لئلا يُفضي ذلك إلى أن يحلف في كل شيء؛ لأنه يلي أمورًا كثيرة للناس، فلأجل ذلك قالوا: إنه لا يحتاج إلى يمين.
ولكن كما قال الفقهاء أنَّ القولَ قوله؛ فالأصل أنه مع يمينه، إلا في مسائل مُستثناة، وهي قليلة جدًّا.

{قال المؤلف -رحمه الله: (بَابُ حُكْمِ أُمَّهَاتِ اْلأَوْلاَدِ
إِذَا حَمَلَتِ اْلأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا فَوَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ فِيْهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اْلإِنْسَانِ صَارَتْ بِذَلِكَ أُمُ وَلَدٍ. تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا، وَمَادَامَ حَيًّا، فَهِيَ أَمَتُهُ، أَحْكَامُهَا أَحْكَامُ اْلإِمَاءِ، فِيْ حِلِّ وَطْئِهَا وَمِلْكِ مَنَافِعِهَا وَكَسْبِهَا وَسَائِرِ اْلأَحْكَامِ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ بَيْعَهَا وَلاَ رَهْنَهَا وَلاَ سَائِرَ مَا يَنْقُلُ اْلمِلْكَ فِيْهَا أَوْ يُرَادُ لَه، وَتَجُوْزُ اْلوَصِيَّةُ لَهَا وَإِلَيْهَا. وَإِنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا، فَعَلَيْهَا اْلقِصَاصُ، وَإِنْ قَتَلَتْهُ خَطَأً، فَعَلَيْهَا قِيْمَةُ نَفْسِهَا، وَتَعْتِقُ فِي اْلحَالَيْنِ. وَإِنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلاً، عَتَقَ اْلجَنِيْنُ وَلَهُ بَيْعُهَ)
}.
هذا بَابٌ في أحكام أُمَّهَاتِ اْلأَوْلاَدِ
والمقصود بأحكامهن هنا: أحكام الانتفاع بهنَّ، وأحكام تحريم بيعهنَّ، والاستمتاع بهنَّ، واستخدامهنَّ، وما يلحق ذلك من أحكام.
من هي أم الولد؟
هي التي وَلَدَتْ مِن سَيدها، يعني: استمتع بها السيد فَأَوْلَدَهَا، فلا يَدخل في ذلك مَن زوَّجها سيدها فولدت؛ لأنَّها إِذَا وَلَدَت مِن زوجٍ آَخر سواء كان حرًّا أو عبدًا؛ فولدها نماء مِلكه فيكون عبدًا له، لكن إِذَا أَوْلَدَهَا السَّيد فَالولَدُ حُرًّا؛ لأنَّه وَلد السَّيد، فبناء على ذلك فهذه الأم -أم الولد- التي كان ولدها حُرًّا، وهو ولد للسيد تؤول إلى الحرية إذا مات سيدها.
فبناء على ذلك يتجاذبها أحكام: أنها تعتق، وأنها الآن أمة.
فهي الآن بين حالين، فهل نُجري عليها أحكام الإيماء أو نجري عليها أحكام الحرائر؟
فلأجل ذلك بحث الفقهاء هذا الباب فقالوا: باب أحكام أمهات الأولاد.
يُقال "أُمَّهات" و "أمَّات" كلاهما جمع أم، والهاء زائدة.
وبعضهم يفرق فيقول: إنَّ "أمهات" يُطلق للعقلاء، و"أمَّات" يُطلق لغير العقلاء، كالبهائم والجمادات ونحوها، فيُقال: أمَّات الكتب، وأُمَّات العلم، وأُمَّات الإبل، ولكن يُقال: أُمهات الرجل، أو نحو ذلك.
هذا الباب مما جرى فيه خلاف بين أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه فائد جليلة، وهذه ينبغي أن تُلحظ، فالصَّحابة كان لهم مَسلكان وهما:
- منهم مَن أَجَازَ بيعهنَّ، وجاء ذلك في أول الأمر عن أبي بكر -رضي الله عنه- ثم انتهى الأمر إلى عمر وعثمان، وهو أيضًا رأي لعلي بمنع بيعهنَّ.
لمَّا جَاءَ المنع من بيعهن عنهم، أي: عن أبي بكر وعمر وعثمان؛ تبين أنَّ مثل هذه المسائل التي تتعلق بعموم الناس لا ينبغي أن يخوض فيها إِلَّا مَن لَه شَأن في عموم الناس، كمن له ولاية شرعية، أو إِمَامة النَّاس، أَو هو أمير فيهم، أو نحو ذلك.
ولذلك ترى أنه لم يُذكر إلا أقوال مَن وَليَ أمر المسلمين، ولأجل هذا لمَّا آَلَ الأمر إلى علي -رضي الله عنه- اختلف رأيه، فرأى بعد ذلك أنهن يُبعنَ، يقول الرواي: رأيه مع الجماعة أحب إلينا من رأيه وحده.
لكن انظر إلى عليّ -رضي الله عنه- لما كان محكومًا بغيره لم يكن له ليظهر المخالفة، ولا ليبدي المعارضة، فكذلك ينبغي في كلِّ مسألة مما لها حكم عام ألا تُظهر المخالفة من آحاد النَّاس، وأنَّ من له ولاية أو إفتاء أو حكم عام في ذلك فأجْرَاه، وهي مما يسع فيها الكلام، فإنه لا يجوز لآحاد الناس أن يُشغبوا ويُظهروا الخلاف، حتى ولو كان قولًا يُظنُّ أنه أقرب إلى النظر، وأتم في الدليل، وأقوى في المستند.
نشرع فيما ذكره المؤلف -رحمه الله- يقول: (إِذَا حَمَلَتِ اْلأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَ).
إذن متى تكون الأمَةُ أُمُّ ولد؟
إذا حملت من سيدها، فإذا حملت من سيدها فلا يخلو:
- إمَّا أن تضع ولدًا كاملًا: فهذا لا إشكال فيه.
- وإمَّا أن تضع ولدًا ميتًا: فهي أيضًا أم ولد، حتى لو مات هذا الولد، فإنها تؤول إلى الحرية، يقول الفقهاء: لأنَّ دماء هذا السيد اختلطت بدمائها، فصارا كالشيء الواحد، فلا يمكن أن يكون بعض دمه عبدًا وبعضه حُرًّا؛ لأنَّ وَلَدها منه حر، فكيف تبقى أمة؟!
- لو وَضَعَت مَا يتبين فيه خلق الإنسان، وهذا له حالان:
* إمَّا أن تضع يدًا، أو رِجلًا، أو نحو ذلك، فهذا معلوم.
* لو وضعت ما يتبين فيه الخلقة الخفية التي تعرفها القوابل فقط، يعني: لو رأيتَ هذا الذي وضعته، أو رَأيتُه أنا أو آحاد الناس يظنونه مُضغة لا شيء، لكن القوابل لحذقهن وممارستهن يعرفن أنَّ هذا مُبتدأ خلق الإنسان، فينظرن فيقلن: انظر إلى هذه مبدأ قدمٍ، أو مبدأ يدٍ، أو نحو ذلك.
فإذا حكمت القوابل بأنَّ هذا مبدأ خلق الإنسان حَكَمنَا بِأنَّها وضعت ولدًا من سيدها، فتكون أم ولد، فيؤول حُكمُها إلى أحكام أمهات الأولاد.

ولذلك قال: (فَوَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ فِيْهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اْلإِنْسَانِ صَارَتْ بِذَلِكَ أُمُ وَلَدٍ)، فيُفهم أنها لو وضعت مُضغة لم يتبين فيها شيء أو ما قبل المضغة، فلا حُكم له، ولا تكون أم ولد، ولا يلحق سيدها ما يلحق أحكام أمهات الأولاد.
قال: (صَارَتْ بِذَلِكَ أُمُ وَلَدٍ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ)، وهذا هو أهم الأحكام المترتبة على أم الولد، أنه إذا مات السيد عُتِقَت.
وهذا كما قلنا: مما جرى فيه خلاف بين أصحاب النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لكنه هو الذي استقر عليه العمل، وهو حُكْمُ عُمَر بن الخطاب وجرى في محضر الصَّحابة، وتتابعوا عليه، وهو أيضًا من جهة المعنى ظاهر، وله أصل في السُّنَّة النَّبوية لمَّا قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم: «أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَ» ، يعني: سيدها؛ لأنَّ الوَلَد يكون حرًّا، فهو بمثابة السيد لها، ولذلك عتقت عليه.
قال: (وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَ)، كأن المؤلف -رحمه الله تعالى- يقول: لا يُقال في أمهات الأولاد ما قيل في المدبر أنه يخرج من الثلث؛ لا، بل أم الولد تخرج من رأس المال، حتى ولو لم يكن له مال إلا ذلك، والدليل على هذا ما رواه أحمد وغيره أنه قال: «من كانت له أمة فولدت له عتقت دبر حياته أو بعده» ، كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان ذلك دليلًا على الحكم بإعتاقهن بذلك.
قال: (وَمَادَامَ حَيًّا، فَهِيَ أَمَتُهُ)، أمَّا حالُ الحياة؛ فتجري عليها أحكام الإيماء.
قال: (فِيْ حِلِّ وَطْئِهَا وَمِلْكِ مَنَافِعِهَ)، له أن يستخدمها، وله أن يؤجرها، وله أن يُعيرها لتخدم غيره.
قال: (وَكَسْبِهَ)، فلو أنَّه أَجَّرَهَا، فما يكون لها مِن كَسبٍ يأخذه، فلو كانت حاذقة في الطبخ، أو تحسن الرَّضاعة وتقوم على حضانة الصِّغار أو نحو ذلك؛ فتحصل بذلك مالًا كثيرًا، فالمال لِسيدها، وسائر الأحكام التي تلحق الإيماء، فإنها تلحقها.
قال: (إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ بَيْعَهَ)، إذن الحكم الذي يُستثنى مِن كونها أمة: أنه لا يملك بيعها؛ لأنَّها تؤول إلى الحرية بموته.
قال: (وَلاَ رَهْنَهَ)؛ لأنَّ الرَّهن فرعٌ عَن البيع، فما يصح بيعه يَصِح رهنه، وما لا يصح فلا، فبناء على ذلك لما كان لا يصح بيعها، فإنه لا يصح رهنها؛ لأنه لا يُستفاد من الرَّهن في هذه الحالة شيء.
قال: (وَلاَ سَائِرَ مَا يَنْقُلُ اْلمِلْكَ)، أي شيء يكون طريقًا لنقل مِلكها فلا يصح ولا يسري، ولو تعاطاه السيد فإنه يعتبر لاغٍ، ولا يكون له أثر في ذلك.
قال: (وَلاَ سَائِرَ مَا يَنْقُلُ اْلمِلْكَ فِيْهَ)، نقول: المِلك -بكسر الميم- أمَّا بالضَّمِّ فله معنًى آخر:
المِلك -بالكسر- هو: تملك الشيء، فأقول: هذا مِلكي، وهذا مِلكُكَ.
أما المُلك -بالضم- فمعناه: السُّلطان والحُكم، ولذلك يقول الله -جلَّ وعَلا- عن فرعون: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِ﴾ [الزخرف:51]، فالمقصود أنَّ له سلطانها وحكمها، لا أنه يملك آحادها، فقد يكون هذا البيت لفلان، وهذه الأرض لفلان؛ لكن المقصود هنا: الحكم والسلطان.
قال: (مَا يَنْقُلُ اْلمِلْكَ فِيْهَا أَوْ يُرَادُ لَه)، سواء كان هذا بالوصية بها، أو نحوه؛ فإنه لا يكون، لأنَّه سبب لنقل الملك، وهي ممن لا يصح نقل المِلك فيها، بل تعتق بموت سيدها.
قال: (وَتَجُوْزُ اْلوَصِيَّةُ لَهَ)، أمَّا لو أوصى لها شخص بمال أو بشيء فجائز؛ لأنَّ الوصية جائزة في حق العبد، وهي من باب أولى.
قال: (والوصية وَإِلَيْهَ)، الوصية إليها بأن تخدمها فلانة، أو أن يكون لها منفعة هذا البيت، أو أن تقوم على أطفال فلان، سواء الوصية لها في منفعة بيتٍ أو نحو ذلك، أو الوصية إليها في الولاية على أيتام أو صغار أو سفهاء، أو نحو ذلك.
قال: (وَإِنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا، فَعَلَيْهَا اْلقِصَاصُ)، يعني: لا نقول من أنها مثل مَن يمتنع منه القصاص من أجل أن بينه وبينه دمًا؛ لا، بل عليها اْلقِصَاصُ.
قال: (وَإِنْ قَتَلَتْهُ خَطَأً، فَعَلَيْهَا قِيْمَةُ نَفْسِهَا، وَتَعْتِقُ فِي اْلحَالَيْنِ)؛ لأنها إذا قتلته كأنها تقحَّمت أو قصدت إعتاق نفسها، فلأجل ذلك قالوا: عليها قيمة نفسها، وتعتق في الحالين، يعني: سواء قتلته عمدًا، أو قتلته خطأً؛ فيُحكم بعتقها، ولا يمنع القتل جريان العتق عليها.
قال: (وَإِنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ)، يعني: لو أنَّ شخصًا تزوج أمة فوطئها، ثم صار له مال كثير، فاشترى هذه الأمة، فإذا اشترى هذه الأمة اجتمع له مِلكٌ عليها ونكاح، فيدخل الأضعف في الأقوى، والمِلك أقوى من النِّكاح؛ لأنَّ النِّكاح يكون فيه حل الانتفاع بالبُضع، أمَّا المِلك يكون له مِلك الاستخدام ومِلك البضع، فلأجل ذلك كان المِلك أقوى، فينفسخ النِّكاح ويبقى الملك، وله أن يستمتع بها، لكن لكونها أمة له، وليس لكونها زوجة، فيتسرَّى بها.
لماذا سُميت الأمة "سُرِّية"؟
سُمِّيَت سُرِّية من السِّرُّ وهو الجماع، ولذلك قال الله -جلَّ وعَلا: ﴿وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفً﴾ [البقرة:235]، المقصود هُنا الجماع.
ثُّم هو مِنَ النِّسبة إلى السِّريَّة، ولكن للفرق بين الأَمَةِ والحُرَّة، قيل في الأمة سُرِّيَّة، وقيل في الحرة: سِرِّيَّة -بالكسر.
قال: (وَإِنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ، ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلاً، عَتَقَ اْلجَنِيْنُ وَلَهُ بَيْعُهَ)؛ لأنَّها حينما حملت لم تكن أمة له، بل هي حملت حال كونها زوجة له، فبناءً على ذلك لم يؤثر مِلكه اللاحق على حملها السَّابق، فحملها السَّابق لم يكن له أثر في دخولها في أحكام أمهات الأولاد؛ لأنَّ أمهات الأولاد، أي: مَن تحمل من سيدها حال كونه مالكًا لها، وهذه لم يكن الأمر كذلك، فلأجل ذلك قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَلَهُ بَيْعُهَ).
وأنا أعتذر من الأخوة؛ لأنَّه ربما يكون في شرحنا لهذه الأبواب استعجال، ولكن نحن ذكرنا سبب ذلك، وقلنا: إنَّ المقصود هو إيضاح هذه الأبواب، وليس بالضرورة أن نقف مع كل مسألة، ولا أن نحررها، وإنما المقصود جعل إضاءات وإشارات تكون معرفة بهذه الأبواب، وهي أبواب فيها غموض لعدم تداول أحكام هذه الأبواب، وإرجاع مسائلها، ولعل إيرادها في هذه المجالس فيه نوع نفعٍ وإذكاء لهذه الأبواب، وإظهار لأهم أحكامها، وإن كان ذلك لا يأتي على جميع التفاصيل، ولا يأتي على دقائق وتفريعات المسائل أيضًا، لكن حسبنا أن نكون أتينا على أُمَّات المسائل.

{قال المؤلف -رحمه الله: (كِتَابُ النِّكاَحِ.
النِّكَاحُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ التَّخَلِّيْ لِنَفْلِ الْعِبَادَةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ عَلى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُوْنٍ التَّبَتُّلَ، وقال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ اْلبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجَ،فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ،وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»)
}.
قول المؤلف: (كِتَابُ النِّكاَحِ)، هذا شروع في أحكام الأسرة وما يتعلق بها، وهذه الأحكام وما جاء في الشريعة من تفاصيلها، ودقائق مسائلها، وتكميلها، معرفة الحقوق فيها على الأزواج وعلى الزوجات، وللأبناء والبنات، وفي حال الاتفاق، وفي حال الاختلاف، وما يكون سببًا لزيادة ألفتهما، وما يكون من حالٍ في إصلاحٍ أو رأب صدعٍ يكون بينهما، أو نشوز زوجة، أو إعراض زوجٍ، أو غير ذلك؛ فهي أحكام جليلة، ومسائل عظيمة، كلها تدل على كمال هذه الشريعة وتمامها، وأنها جاءت بمصالح العباد الدينيَّة والدنيوية.
ولما كان النِّكاح تترتب عليه مصلحة عظيمة مِن حِفظِ النَّسل، وبقاء هذا الجنس البشري، وأيضًا إقامة دين الله -جلَّ وعَلا- وولادة مَن يحمل الخير والهُدى، فإنَّه كان من أعظم ما يُؤمَرُ بِهِ ويُحثُّ عليه، ولذلك تكاثرت بذلك النُّصوص، وتتابعت بذلك الأدلة، وبهذا أَمَرَ الله -جلَّ وعَلا- حتى قال: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [النور:32]، والنَّبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن مسعود قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ»، وقال: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ» ، إلى غير ذلك من الأحاديث.
فالأدلة إذن على النِّكاح كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع، والفطرة داعية إلى ذلك.
وفي النكاح قضاء للوطر، وتمام للشهوة، ومنعٌ لاختلاط الأنساب، والبهيميَّة في تعاطي الشهوات، وما يكون تبعًا لذلك من الفوضى، أو ما يتقطع به المجتمع، ويحصل فيه التشرذم والضياع، فيختلط ماء هذا بذاك، فيكون بذلك بلاء كثير وشر مُستطير، فجاء الشَّرع بتنظيم هذه الأحكام، وتلبية رغبة الإنسان، وجعل ما يتبع ذلك من الحقوق وحفظها على أصل صحيح، فلا يكون فيها بهيميًّا، ولا يُمنع الإنسان من شيء لا يَستغني عنه، بهذا جاء كتاب الله، وجاءت سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.
أيضًا إذا أردنا أن ننتقل قليلًا إلى الأحكام الفقهية إلى مكمَّلات ذلك، والحاجة داعية إليه؛ فإنَّ مِن أَهم ما ينبغي أن يُلحَظ في هذا: أنَّ مسائل النِّكاح وما يتعلق بها لم تأخذ حقها عند النَّاس في الحثِّ عليها وتعظيم شَأنها، والعناية بها؛ إذا نكح الإنسان وتزوج فليعلم أنَّ ذلك ديانة، وليعلم أنَّه في عبادة، وليعلم أنَّ كل ما يتعلق به من الإحسان إلى زوجه والقيام بحقها مما يطلب به رضى الله -جلَّ وعَلا- فإنَّ ذلك أَدعَى له لأن يَستشعر هذا في كل قليل وكثير، فبه يحصل الخير، وبه يستقيم السِّر، وبه يتلذذ في الإنفاق، وفي التعب، وفي العطاء، وفي البذل، ولذلك كان أعظم ما يُنفق الإنسان ما يضعه في فيِّ امرأته، ولما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الرجل وما يعطيه من الدنانير، قال: «أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك» ، أو كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
وأعظم من هذا أنَّه لمَّا كَثُرت هذه القنوات، وتعاطى مَن تعاطى هذه المسائل؛ فإنما يدرسونها بشيءٍ من الإنحراف، ويتعاطونها بشيْ من الزلل؛ بل شُوِّهَت أمور النكاح حتى كأنها علاقات حب، أو طرائق لإفراغ الشهوة، فصُوِّرت بتصويرات مشوهة حتَّى عذب النَّاس عن أمرِ النَّكاح، أو سلكوا به مسلكًا مُنحرفًا، ولو علم النَّاس ما فيه من الرأفة، وما فيه بين الزوجين من المودة، وما يطلب فيه من الخير؛ وما يكون مكمِّلًا للعبدِ في عبادته والإعانة على طاعة ربِّه، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم:21]، فإنَّ هذا أعظم أن تُجعل هذه الشِّرعَة في محلِّها، وأن يتداعى النَّاس إليها، لذلك صار أمر النِّكاح تفاخر، أو تكاثر، أو صِبغة اجتماعية، إلى غير ذلك.
وفاض في النَّاس أمر الطَّلاق بعد النِّكاح، والفراق بعد الزَّواج، وشاعت الخلافات، وسوَّغ مَن سوَّغ عبر قنواتٍ مُختلفة أمر تطاول الزوجة على زوجها، أو تقصير الزوج في حق زوجته، وإظهار ذلك بمظاهر سيئة تقشعر منها الأبدان، ويتخالف لأجل ذلك الزوجان.
فلو أنهم لمَّا تَحصُل مثل هذه الأمور يُرشدون إلى ما يكون بِه رَأبِ الصِّدع، وجمع الشَّمل، وتحمُّل كل واحدٍ منهما ما على صاحبه؛ لكان ذلك أولى، لكنَّ الواقع في هذا خلاف ذلك، ويا حسرة مَا تَرتب على ذلك مِن مَفاسد، وَعَظُم لأجل ذلك من البلايا!
وشرع الله أَتم، والرجوع إليه أكمل، والنظر فيه أفضل وأنجح وأنجع، عسى الله أن يَدلنا للخير.

أسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يُتمَّ علينا وعليكم نعمه، وللحديث بقيَّة، وجزى الله الإخوة القائمين على هذا البناء خيرًا، وجعله بناءً تامًّا، وصرحًا مشيدًا، لا يُخرَم ولا يَنقص، ولا يأتي عليه خلل بوجهٍ من الوجوه، إن ربنا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

{أشكركم يا شيخ على تفضلتم به وأجدتم، ولا أنسى أن أشكركم أنتم أيُّها المُشَاهدون على حسن إنصاتكم واستماعكم، إلى أن نلقاكم في الحلقة القادمة، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك