{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على قائدِ الغُرِّ المُحجَّلين،
نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم -أَيُّها الإخوة والأخوات- إلى درسٍ من دُروس كتاب "آداب المشي إلى
الصلاة".
ضيف هذا اللقاء هو سماحة العلامة الشَّيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار
العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
باسمكم جميعًا -أيُّها السَّادة- نُرحب بسماحته، ونشكر له تفضله بتلبية الدعوة في
شرح هذه الدروس من كتاب "آداب المشي إلى الصلاة" فأهلًا ومرحبًا سماحة الشيخ}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{بقيَ أسئلة في الدَّرسِ السَّابق في موضوعنا.
يقول: ما معنى التعدِّي في الدُّعاء؟ وما هو الدليل مِن الكِتاب والأحاديث؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رَبِّ العَالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
قال الله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف:55].
الاعتداء في الدعاء: أن يدعو على إنسان بِشَرٍّ وهو لا يَستحق ذلك، ولم تحصل مِنه
خَطيئة تُوجِب الدُّعاء عليه، ولم يَحصل مِنه تجاوز على غَيره يَستحق به الدُّعاء
عليه، إنما يجوز الدُّعاء على مَن ظلمَ، فدعوةُ المظلوم مُستجابةٌ ولو كانَ
كَافرًا، أمَّا الدُّعاء بغير حقٍّ فإنَّه اعتداء وعُدوان، ولا يجوز.
{بعض الناس يُسمَع دعاؤهم بصوتٍ أثناء السجود. فما حكم ذلك؟}.
لا ينبغي هذا، بل يدعو سرًّا بحيث لا يُشوِّش على مَن بجانبه، فيدعو سرًّا بقدرِ ما
يُسمِعُ نفسَه.
{ما حكم تكرار الفاتحة للمصلي في ركعة واحدة؟ وهل تبطل الصلاة بذلك؟}.
إذا تعمَّد ذلك فإنَّ صلاته باطلة؛ لأنَّه زَادَ في الصَّلاةِ ركنٌ، فالفاتحة ركنٌ
مِن أركانِ الصَّلاة، وتكرار الركن يُبطل الصلاة.
{يقول السائل: أرجو من سماحة الشيخ صالح أن يُوجِّه المصلين في كثرة الحركة، فالبعض
مثلًا يُخرج منديلًا، أو يعبث بجوَّاله، ويُدخله في جيبه، وهكذا حتى تنتهي الصلاة}.
الحركة لحاجة لا بأس بها، كأن يأخذ شيئًا أو يُعطي شيئًا، أو يرفع شيئًا، فإذا كانت
الحركة لحاجة في الصَّلاة فلا بأس بها بقدر الحاجة.
{في فصل الشتاء قد تُوضع المدفئة أو غيرها أمام المصلين، فما حكم ذلك؟}.
لا بأس بذلك للحاجة، وهي ليست نارًا توقد بالحطب.
{علامَ يدلُّ هذا الحديث «لا صَلاةَ بحَضرةِ الطَّعامِ»}.
نعم حديث «لا صَلاةَ بحَضرةِ الطَّعامِ، ولا هو يُدافِعُه الأخبثانِ»[33] البول
والغائط؛ لأنَّ هذا يُشغله عَن الصَّلاة، وقد قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَءُوا
بِالْعَشَاءِ»، وذلك من أجل ألا تتعلق نفسه بالطعام فيُفكِّر فيه وهو يصلي.
{هل مس الحصى خاص بالجمعة، أو في غيرها من الصلوات؟}.
في كل الصلوات، ولا سيما في الجمعة، فمسُّ الحصى معناه: أنَّه إذا أرد أن يسجد على
الأرض يواسيها ويُحركها، فهذا إذا كان لغير حاجة فإنَّه مَكروه، أمَّا إذا كان
لحاجة فيُواسي الذي يسجد عليه لئلا يتأذَّى بالشَّوكِ أو بالحصى فلا بأس بذلك.
{بعض المصلين يُزعِجُ مَن حوله برفع صوته بتلاوة القرآن، فنجد أنه يأتي قبل
الصَّلاة ويقرأ بصوتٍ مرتفعٍ لكتاب الله. فما حكم ذلك؟}.
لا يجوز ذلك إذا كان يُشوِّش على غيره، وقد نهى الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فقد خرج -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أصحابه وهم يتهجَّدون في
المسجد فقال لهم: «أَلا إِنَّ كُلَّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلا يُؤْذِي بَعْضُكُمْ
بَعْضًا، وَلا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ قَالَ :
فِي الصَّلاةِ»[34].
{هل يجب منع الطفل إذا مرَّ بين يدي المصبي؟}.
لا بأس أن يستصحبه المصلي وأن يرفعه ويضعه، ولا بأس أن يمر بين يديه؛ لأنَّ الطفل
لا يدري.
{بعض الحيونات مثل: القطط إذا مرَّت من أمام المصلي، فما حكمها؟}.
كل ما لا يستطيع الإنسان منعه فلا يؤثر عليه.
{قال المؤلِّف -رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى: (وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّ
المُصْحَفِ)}.
لا يجوز للمُحدِث ببولٍ او غائطِ مَس المصحف مُباشرة مِن غَيرِ حائلٍ، لقوله تعالى:
﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة:79]، أي: القرآن. والمطهرون: يعني
الملائكة، وهو يدل بدلالة الإشارة على أنَّ الآدميين كذلك، فلا يمسه أحدٌ إلا وهو
على طهارة مِن الحدثين الأكبر والأصغر.
والمراد: مسُّه مباشرة، كأن يضع يده على الحروف، أو على الكتابة، أو ما يتعلق
بالمصحف من جلده وما يصحب المصحف، فلا يمسُّه إلا وهو على طهارة.
{قال: (وَلَهُ حَمْلُهُ بِعِلاقَةٍ)}.
إذا كانَ المُصحف بكيس فله أن يحمله، ولا يمس المصحف.
{قال: (أَوْ فِي خُرْجٍ فِيهِ مَتَاعٌ، وَفِي كُمِّهِ)}.
إذا كان مسافرًا يجعل المصحف في خِرجه ويجمله معه، أو في كُمِّه إذا كان طويلًا،
لأنهم كانوا يجعلون أكمامهم طويلة ويعقدونها من ورائهم.
{قال: (وَلَهُ تَصَفُّحُهُ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ)}.
وللمسلم تصفُّح المصحف بعودٍ يكون بيده، فيكون المصحف مفتوحًا ويقرأ فيه ويَستعمل
العود -أو المسطرة، أو القلم- للمرور على الآيات من أجل ضبطها.
{قال: (وَلَهُ مَسُّ تَفْسِيرٍ وَكُتُبٍ فِيهِا قُرْآنٌ)}.
غَير المصحف مِن كُتُبِ العِلم والتَّفسيرِ والحديث وشرحه فلا بأس على المُحدِث أن
يمسها؛ لأنَّها لا تُسمى قُرآنًا ولا تُسمى مُصحفًا.
{قال: (وَيَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ كِتَابَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ)}.
يجوز للمحدث كتابة القرآن بالقلم أو بالعود من غير مسٍّ للمكتوب.
{قال: (وَأَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَى نَسْخِهِ)}.
يجوز أخذ الأجرة على نسخ القرآن وعلى تديسه وتعليمه، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ»[35].
{قال: (وَيَجُوزُ كَسْيُهُ الْحَرِيرَ)}.
يجوز كسيه بالحرير بأن يكون له جراب من حرير أو كيس من حرير، لأن الحرير إنما
حُرِّم على ذكور هذه الأمة، وأما مسألة جعل الكيس منه يضع فيه نقوده او يضع فيه
المصحف أو ما أشبه ذلك من حاجاته فلا بأس.
{قال: (وَلاَ يَجُوزُ اسْتِدْبَارُهُ)}.
لا يجوز استدبار المصحف بان تجعله خلفَ ظهرك، إنما تجعله أمامك أو ترفعه على
مرتفعٍ.
قال: (أَوْ مَدُّ الرِّجْلِ إِلَيْهِ)}.
لا يجوز إذا كان المصحف أمامك على صندوق أو على شيء مرتفع، فلا تمدَّ رجلكَ إلى
المصحف، لأن هذا فيه إهانة للمصحف.
{قال: (وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَرْكُ تَعْظِيمِهِ)}.
ترك كل ما فيه ترك تعظيم المصحف من الأفعال فإنه لا يجوز.
قال: (وَيُكْرَهُ تَحْلِيَتُهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ)}.
لأنَّ هذا إسراف، أمَّا أن يُذهَّب غلافه فلا بأس بذلك، وأمَّا أن يُكتب المصحف
بمدادٍ مِن ذهبٍ فهذا لا يجوز؛ لأنَّه إسراف، وهو استعمال للذهب من غيرِ حاجٍة.
{قال: (وَكِتَابَةُ الأَعْشَارِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ، وَعَدَدِ الآيَاتِ)}.
يجوز في المصحف أن تُكتب أسماء الأعشار، وأرقام الآيات، فلا بأس بذلك؛ لأنَّ هَذا
مِن الإعانة على ضبط القرآن وحفظه وتلاوته.
{قال: (وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ)}.
كان الصَّحابة مَعهم مَصاحف، وكانوا يضعون عليها علامات يعرفون بها الأعشار
والأجزاء، وما أشبه ذلك، وهذا مما يُعينهم على حفظ القرآن وتلاوته.
{قال: (فَإِنْ كُتِبَ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَجَبَ غَسْلُهُ)}.
إن كُتِبَ بغيرِ طاهرٍ، أو كان على غلافه كتابة بغير طاهر؛ فإنه تجب إزالته تعظيمًا
للقرآن وتطهيرًا له.
{قال: (وَإِنْ بَلِيَ المُصْحَفُ أَوِ انْدَرَسَ دُفِنَ)}.
المصاحف المندرسة والمُستغنَى عنها التي لا تصلح للاستعمال إمَّا أن تُحرق، وإمَّا
أن تُدفَن في مكان طاهر، وكلا الأمرين فَعَلَه الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
{قال: (لأَنَّ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- دَفَنَ المَصَاحِفَ بَيْنَ
الْقَبْرِ وَالمِنْبَرِ)}.
عثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لمَّا وحَّد المصحف؛ لأنهم في عهده كلٌّ صار له مصحف،
واختلفت مَصاحفهم، فشكا له حذيفة بن اليمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ذلك، وقال له:
"يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا
فِي الْكِتَابِ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى"[36]، فعثمان -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- وحَّدهم على مُصحفٍ واحدٍ، وجمع المصاحف الأخرى المخالفة له فشيءٌ أحرقه
وشيءٌ دفنَه في قِبلَة المسجد.
{ما واجبنا نحو صحابة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟}.
واجبنا نحو صحابة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: محبتهم، والاقتداء
بهم، واحترامهم، وعدم الوقوع في شيءٍ مما فيه تنقٌّص لهم أو لبعضهم، قال -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا
نَصِيفَهُ»[37]، يعني لو تصدَّق غير الصَّحابي بمثل أحدٍ مِنَ الذَّهبِ ما يبلغ في
الأجر مثلما يتصدَّق الصَّحابي بمُدٍّ أو نصفِ المُدِّ لفضلهم ومكانتهم.
{سوف نستكمل ما تبقى من هذه الدروس في اللقاء القادم -بإذن الله- مع سماحة العلامة
الشيخ صالح الفوزان، جزاكم الله عنَّا وعن أمَّةِ الإسلام خيرَ الجزاء، وشكرًا
لفريق العمل الذي سجَّل هذا اللقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
-------------------
[32] رواه مسلم (428)
[33] رواه مسلم (560)
[34] مسند أحمد، صحيح ابن خزيمة
[35] رواه البخاري (5429)
[36] رواه البخاري (4702)
[37] رواه أبو داود (4658)