{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على قائدِ الغُرِّ المحجَّلين،
نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أَيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ جديد من كتاب "آداب المشي إلى
الصَّلاة".
ضيف هذا اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار
العلماء، وعضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء.
باسمكم جميعًا -أيُّها السَّادة- نُرحب بسماحته، ونشكر له تفضله بشرح هذا الكتاب
المفيد، أهلًا ومرحبًا بكم شيخ صالح}.
حياكم الله وبارك فيكم.
{وقف بنا الحديث عند (حديث أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «عَلَيْكَ
بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ
حَسَنٍ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله رَبِّ العَالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
لما سُئلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الأعمال -أي: أعمال التطوع- قال -صلى
الله عليه وسلم: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ»، يعني: صوم
التطوع.
قوله: «فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ»، أي: لا عديل له في الأعمال الصِّالحة؛ وذلك
لأنه تجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة:
- الصبر على طاعة الله.
- الصبر عن محارم الله.
- الصبر على أقدار الله المؤلمة.
فالصائم يَصبِرُ على أَلم الجُوع والعَطش طاعةً لله -عزَّ وجلَّ- ويصبر عن مألوفاته
التي أَلِفَها واعتادها.
{(وَقَالَ الشَّيْخُ -رحمه الله: قَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ أَفْضَلَ فِي حَالٍ؛
لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ بِحَسَبِ
الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ)}
قد يَتَرجح العمل الصَّالح إِذَا دَعْتْ الحاجة إليه أكثر مِن غيره، فالصَّدقة في
وقت المجاعة لا شَكَّ أنها من أفضل أعمال التطوع، وكذلك الصَّوم أيضًا أفضل فإنه لا
مثل له في التطوع؛ لأنه يجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة.
{قال: (وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ: انْظُرْ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِقَلْبِكَ
فَافْعَلْهُ)}.
وهذا مُرجِّحٌ آخر للعمل، قال الإمام أَحْمَدَ: (انْظُرْ مَا هُوَ أَصْلَحُ
لِقَلْبِكَ فَافْعَلْهُ)، فإن كان الأفضل لقلبك الصدقة فتصدق، وإن كان الأفضل الصوم
فصُمْ، وإن كان الأفضل صلاة التطوع فصلِّ.
{قال: (وَرَجَّحَ أَحْمَدُ فَضِيلَةَ الْفِكْرِ عَلَى الصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ،
فَقَدْ يَتَوَجَّهُ مِنْهُ أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ
الْجَوَارِحِ، وَأَنَّ مُرَادَ الأَصْحَابِ عَمَلُ الْجَوَارِحِ)}.
عمل القلب بالخوف والخشية والصبر والتوكل على الله يكون أفضل من ناحية، وأعمال
الجواح تكون أفضل من ناحية أخرى بحسب تعدي نفعها؛ لأنَّ عمل القلب قاصر على صاحبه،
وأمَّا أعمال الجوارح من الصدقة والجهاد؛ فهذه يتعدى نفعها إلى الآخرين، فهي بهذا
الاعتبار أفضل من غيرها.
{قال: (وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ: الْحُبُّ فِي
اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ»)}.
أَحَبُّ الأعمال إلى الله -جَلَّ وعلا: الحب في الله والبغض في الله -الولاء
والبراء- فَيُحِبُّ أَهلَ الإيمان، ويكره أهل الكفر والطُّغيان، فيتولى المؤمنين،
ويتبرأ من الكافرين.
{قال: (وَحَدِيثُ: «أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ وَتُبْغِضَ
فِي اللهِ»)}.
هذا يدل على أنَّ الولاء والبراء هو أوثق عُرى الإيمان، يعني: أقوى عُرى الإيمان
التي يتمسك بها العبد المسلم.
{قال: (وَآكَدُ التَّطَوُّعِ الْكُسُوفُ)}.
آكد التطوع صلاة الكسوف، وبعض العلماء يَرى وُجُوبها، حينما يحصل الكسوف للشمس أو
الخسوف للقمر؛ تُصلى صلاة الكسوف كما بادر إليها النَّبي -صلى الله عليه وسلم-
وَأَمرَ بذلك في قوله: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ
يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ
أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا
اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ»[7] يعني: الكسوف والخسوف. قال: «فَصَلُّوا
وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ».
{قال: (ثُمَّ الْوِتْرُ)}.
آكد التطوع: الكسوف، ثم الوتر، وهو ما يكون بعد صلاة العشاء، ووقته: من صلاة العشاء
إلى طلوع الفجر، لقوله -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ
الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ»[8].
فآكد أنواع التطوع بعد صلاة الكسوف: صلاة الوتر.
{قال: (ثُمَّ سُنَّةُ الْفَجْرِ)}.
ثم بعد الوتر: سنة الفجر، وهي نافلة الفجر؛ لأنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ما
كان يدع ركعتي الفجر لا سفرًا ولا حضرًا.
{قال: (ثُمَّ سُنَّةُ الْمَغْرِبِ)}.
صلاةُ المغرب هي وتر النهار، فيصلي بعد المغرب ركعتين راتبة تطوعًا.
{قال: (ثُمَّ بَقِيَّةُ الرَّوَاتِبِ)}.
بقية الرواتب التي مع الفرائض، كالتي مع الظهر، ومع المغرب، ومع العشاء؛ وأمَّا
صلاة العصر فلا راتبة لها، لا قبلها ولا بعدها.
{قال: (وَوَقْتُ صَلاَةِ الْوِتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ
وَالأَفْضَلُ آخِرُ اللَّيْلِ لِمَنْ وَثَقَ بِقِيَامِهِ)}.
الأفضل أن يختم الليل بالوتر لمن يثق بقيامه، أمَّا مَن لم يثق بقيامه فإنه يُوتر
أول الليل بعد صلاة العشاء، وإذا أراد الله وَقَامَ آَخِرَ الليل فإنه يُصلي ما
تيسر له ويكتفي بالوتر الذي صَلَّاه بعد العشاء، ولا يكرر الوتر، لقوله -صلى الله
عليه وسلم: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»[9].
{قال: (وَإِلاَّ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ
إِحْدَى عَشْرَةَ)}.
أقل الوتر: ركعة واحدة.
وأدنى الكمال: ثلاث ركعات -ركعتا الشفع وركعة الوتر.
وأعلى الكمال: إحدى عشرة، أو ثلاثة عشرة، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي
الوتر بهذا العدد، ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة أو ثلاثة عشرة.
{قال: (وَالأَفْضَلُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُوتِرُ
بِرَكْعَةٍ)}.
إن سَرَدَ ركعات الوتر بسلام واحد فلا بأس، وإن أفردها ركعتين ركعتين وأوتر بواحدة
فهذا أفضل.
{قال: (وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَنٌ)}.
إن فعل كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل فحسن، فإنه كان يُصلي أربعة ويسلم،
ثم يصلي أربعة لا تسأل عن حسنهن وطولهنَّ، ثم يُسلم، ثم يقوم ويصلي واحدة وترًا.
{قال: (وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلاَثٌ)}.
أدنى الكمال في الوتر -كما ذكرنا: ثلاث ركعات.
{قال: (وَالأَفْضَلُ بِسَلاَمَيْنِ، وَيَجُوزُ بِسَلاَمٍ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ
كَالْمَغْرِبِ)}.
إذا أوتر بثلاث فالأفضل أن يُسَلِّمَ من الركعتين الأوليين -وهما الشفع- ثم يوتر
بواحدة، وإن سَرَدهما بدون جلوسٍ واحد في آخرها؛ فلا بأس بذلك، وإن جلس في الثانية
ثم قام وأتى بالثالثة بعدما يسلم فهذا أحسن.
{قال: (وَالسُّنَنُ الرَّاتِبَةُ عَشْرٌ)}.
السنن الرواتب بعد الفرائض عشرٌ:
- ركعتان قبل الفجر.
- ركعتان قبل الظهر.
- ركعتان بعد الظهر.
- ركعتان قبل المغرب.
- ركعتان بعد العشاء.
{قال: (وَفِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ)}.
فِعلُ الرَّواتب في البيت أفضل، وإذا جاء إلى المسجد ينتظر الصَّلاة؛ فإنه يُصلي
تحيَّة المسجد ثُمَّ يجلس.
{قال: (وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا،
وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَا
الْفَجْرِ)}.
هذا تفصيلها:
- الظهر لها راتبتان: ركعتان قبلها، وركعتان بعدها.
- العصر ليس لها راتبة، لا قبلها ولا بعدها.
- ركعتان بعد المغرب.
- ركعتان بعد العشاء.
- ركعتان قبل الفجر.
{سؤال: (ورد حديث أنَّ «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ»[10])}
هذا يعني الرواتب، يعني ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وإن اقتصر على عشر فهذا لا
بأس!
{قال: (وَيُخَفِّفُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ)}.
السُّنَّة أن نخفف ركعتي الفجر، تقول عائشة: "لا أدري هل قرأ أم لم يقرأ"[11] من
سرعته -صلى الله عليه وسلم- فيهما.
{قال: (وَيَقْرَأُ فِيهِمَا بِسُورَةِ الإِخْلاصِ)}.
يعني: يقرأ في الركعة الأولى من راتبة الفجر: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾
[البقرة:254]، وفي الثَّانية بسورة الإخلاص وهي: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾
[الإخلاص:1].
{قال: (أَوْ يَقْرَأُ فِي الأُولَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ
وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَ﴾ الآيةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ)}.
يقرأ في الرَّكعة الأولى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَ﴾ إلى
آخر الآية، وهذه في توحيد الربوبيَّة.
وفي الثانية قوله: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران:64]، وهذه في توحيد العبادة.
فيقرأ في ركعتي الفجر بهاتين الآيتين، أو بسورة ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾
وهي في توحيد العبادة، و ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وهي توحيد الربوبية والأسماء
والصفات.
{نكتفي بهذا القدر من هذا الدرس، ونستكمل إن شاء الله- ما تبقى في الحديث في هذا
الموضوع في الدرس القادم -إن شاء الله.
شكر الله لكم شيخ صالح الفوزان على تفضلكم بشرح هذا المتن من كتاب "آداب المشي إلى
الصلاة".
وشكرًا لحضراتكم أنتم -أيُّها السَّادة- على تواصلكم مع سماحة الشيخ، ومع شرح هذا
الكتاب المفيد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
------------------
[7] البخاري (1041) ومسلم (911) – واللفظ له - عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الْأَنْصَارِيِّ
[8] رواه أحمد (1/144) (1224)، وأبو داود (1416)، والترمذي (453) واللفظ له، وابن
ماجه (1169)، ، والحاكم (1/441). والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه الترمذي وابن
حجر في ((هداية الرواة)) (2/57)، وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (2/290):
إسناده صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (453).
[9] رواه النسائي وأبو داود وصححه الألباني
[10] رواه مسلم (728)
[11] رواه البخاري (1112) ونصه: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ
اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ
الْكِتَابِ.