الدرس الرابع

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

5503 12
الدرس الرابع

آداب المشي إلى الصلاة (3)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قَائدِ الغُرِّ المحجَّلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أَيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ مِن كتاب "آداب المشي إلى الصَّلاة".
ضيفُ هذا اللقاء وهذا الدرس هو سماحة العلامة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللَّجنة الدَّائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس}.
حيَّاكم الله وبَارك فيكم.
 
{وردت بعضُ الأسئلة فيما ورد من الإخوة والأخوات عن الدُّروس السَّابقة.
يقولُ أحدُ الإخوة: هل القنوت ثابت؟ وهل القنوت قبلَ الركوعِ أو بعدَ الركوعِ؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العَالمين، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعين.
المراد بالقُنُوت هُنا: الدُّعاء الذي يُقال في ركعةِ الوتر، وهو ثابت عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عليه وسلم- في الوتر، وثابت أيضًا وقت النَّوازل، فإذا نزلت بالمسلمين نازلةٌ غيرَ الطَّاعونِ؛ فإنَّهم يقنتون في كلِّ صلاة مِنَ الصَّلوات الخمس؛ لِرَفعِ هذه النَّازلة عَن المُسلمين، ويكونُ بعد الركوعِ، وأجازَ بعضُهم أن يكونَ قبلَ الركوعِ.
 
{أحسن الله إليكم.
هل للإنسان أن يُزيد على الدُّعاء الثَّابت في القنوتِ؟}.
نعم، يزيد عليه بالدُّعاء برفعِ مَا أصابَ المسلمين.
 
{مَا حُكمُ مَسْح الوجه بعدَ الدُّعاء}.
هذا وردَ ولكنَّه لم يثبت عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يمسح وجهه.
 
{لماذا كانت لصلاة الليل أفضيلة على صلاة النَّهار، وماذا ورد عن السَّلف في ذلك؟}.
صلاةُ الليل أفضل من صلاة النَّهار في التَّطوع؛ لأنَّ الليل تَسْكُن فيه السَّواكن، ويكونُ الخشوع فيه أكثر مِن صلاة النَّهار، ولذلك صارت صلاةُ الليلِ أفضلَ مِن صَلاةِ النَّهار.
 
{حفظكم الله.
إذا نسِيَ الإنسانُ صلاةَ الليلِ هل له أن يَقضيها بعد الظُّهر؟}.
يَقضيها فيما بين ارتفاع الشَّمسِ إلى قبيل دخول وقت الظُّهر، إلى أن تتوسَّط الشَّمس في كبدِ السَّماء، فله أن يقضي الوترَ في هذه الفترة؛ لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان إِذَا فَاتَه الوتر مِن الليلِ قضاه في النَّهار فيما بين ارتفاع الشَّمسِ إلى قُبيل دخول وقت الظُّهر، ويشفعه -صلى الله عليه وسلم.
 
{ما ثواب المحافظة على السُّنن الرَّواتب؟ وهل هي مُكملة للفرائض؟}.
نعم، صلاة الرَّواتب التي مع الفرائض وهي عشر ركعات:
- ركعتان قبل الظهر.
- ركعتان بعد الظهر.
- ركعتان بعد المغرب.
- ركعتان بعد العشاء.
- ركعتان قبل صلاة الفجر، وهما آكد الرواتب.
فهذه يُحافظ عليها المسلم، أمَّا إِذَا قَصَرَ الصَّلاة في السَّفر فإنه لا يأتي بالرَّواتب، قال ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما: "لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي"[19] يعني: لو كنت متنفِّلًا لأتممت.
 
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرً»)}.
هذا أَمْرٌ مِنَ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم- أن يُختم التَّهجد في الليل بالوتر، فيكون هو آخر صلاة الليل.
 
{قال: (فَإِنْ أَحَبَّ مَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ مُتَابَعَةَ الإِمَامِ قَامَ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَجَاءَ بِرَكْعَةٍ)}.
هذا في رمضان، إِذَا صَلَّى التَّراويح مع الإمام وأوترَ معه، فإنه يكتفي بهذا الوتر، ويقوم من آَخِرِ الليل فيُصَلِّي مَا تَيَسر له، ويكتفي بالوتر الذي أداه في أول الليل.
قوله -صلى الله عليه وسلم: «لَا وِتْرَان فِي لَيْلَةٍ»[20]، أما قوله: «اشفعوه بركعة آخر الليل» فهو محل نظر ولم يَثْبُت.
 
{(لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ». صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ)}.
قوله «مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ»، يعني: في صلاة التراويح.
قوله: «حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»، وهذا فَضْلٌ مِنَ اللهِ -سبحانه وتعالى- ويدل على أنَّ المسلم يُصلي صَلاة التَّراويح مع المُسلمين إلى آخرها ولا ينصرف قبل إتمامها، لأجل هذا الوعد مِن الله، من أنَّ الله يَكْتُب لَه قِيام ليلةٍ كاملةٍ.
 
{(وَيُسْتَحَبُّ حِفْظُ الْقُرْآنِ إِجْمَاعًا، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الذِّكْرِ)}.
يُستحب حِفْظُ الْقُرْآنِ عن ظَهر قلبٍ إجماعًا، فأجمع العُلماء على استحباب حفظ القرآن، من أجل أن يتلوه ويقرأه ويتلذذ به في صلاته، وخارج الصَّلاة. وأمَّا إذا كان لا يحفظ القرآن؛ فإنه تثقل عليه التِّلاوة مِن المصحف، فالحفظ أفضل.
 
{(وَيَجِبُ مِنْهُ مَا يَجِبُ فِي الصَّلاةِ)}.
يجب أن يَحفظ مِنَ القُرآنِ مَا يَكفيه لِصَلاةِ الفَريضة مِن قِصارِ السُّور، فيكفي حفظ قصار السُّور من أجلِ أن يقرأ بها في صلاته.
 
{(وَيَبْدَأُ الصَّبِيَّ وَلِيُّهُ بِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ، إِلاَّ أَنْ يُعْسِرَ)}.
وَلي الصَّبي الصَّغير يُحفِّظه القُرآن قَبل البَداءة بِطلب العِلم، ثُمَّ بعد حفظ القرآن يُلحقه بحلقات طلب العلم.
 
{(وَيُسَنُّ خَتْمُهُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ)}.
يُسنُّ خَتْمُهُ في كل أسبوع -سبعة أيام- والسَّلف متباينون في هذا، فبعضهم يختمه لعشر، وبعضهم يختمه لسبعٍ، وبعضهم يختمه لثلاثٍ، وبعضهم يختمه كل ليلة كما فَعَل عثمان -رضي الله عنه.
 
{(وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ إِنْ خَافَ نِسْيَانَهُ)}.
ينبغي تكرار حفظ القرآن خشية النِّسيان، فإذا خشيَ نِسيانه فإنه يجب عليه أن يقرأه لأجل إبقائه في ذاكرته.
 
{(وَيَتَعَوَّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ)}.
هذا من آداب القراءة، أن يَستعيذ مِن الشَّيطان قبلَ شروعِه في قِراءةِ القُرآن، قال تعالى:  ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:98]، يعني: إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله أولًا من الشَّيطان الرَّجيم، وليس المعنى أنَّك إذا فرغتَ مِن القراءة تستعيذ من الشَّيطان الرَّجيم.
 
{( وَيَحْرِصُ عَلَى الإِخْلاصِ وَدَفْعِ مَا يُضَادُّهُ)}.
يحرص على الإخلاص في تلاوة القرآن، ويدفع ما يُضَادُّ الإخلاص مِن الرِّياء والسُّمعة والطَّمع في أمور الدُّنيا.
قيل للإمام أحمد: رجلٌ يقول: أُصلِّي بكم في رمضان بكذا وكذا.
قال -رحمه الله: أعوذ بالله، ومَن يُصلي خلف هذا!
 
{(وَيَخْتِمُ فِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ)}.
يختار أطولهما، ففي الشِّتَاءِ يختم أول الليل لتُصَلِّي عليه الملائكة حتى يُصبح؛ لأنَّ ليل الشِّتاء طويل، فتكثر صلاة الملائكة عليه، وأمَّا في الصيف فيختم في أَوَّل النَّهار؛ لأنَّ نهار الصِّيف أطول مِن ليله.
 
{(قَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْخَيْرِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ")}.
طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ كان مِن خِيرة عُلماء وقته وعبَّادهم، قال: "أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْخَيْرِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ"، أي: يستحبون أن يُختم القرآن في أول النَّهارِ في الصَّيف، وأول الليل في وقتِ الشِّتاء؛ لأنَّ النَّهار أطول من الليل في وقت الصَّيف، والليل أطول مِنَ النَّهار في وقت الشِّتَاء.
 
{(يَقُولُونَ: إِذَا خَتَمَ أَوَّلَ النَّهَارِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ)}.
هذا هو السَّبب في كونه اختار أن يُختم القرآن في أوَّلِ النَّهارِ في الصَّيف؛ لأنَّ الملائكة تُصلِّي عليه حتى يُمسي، ونهار الصِّيف أطول مِن لَيله، فتكثر صلاة الملائكة عليه.
 
{(وَإِذَا خَتَمَ أَوَّلَ اللَّيْلِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ)}.
هذا في الشِّتاء، فإذا ختم في أول الليل تُصلي عليه الملائكة حتى يُصبح؛ لأنَّ ليل الشِّتاء أطول مِن نهار الشتاء، فتكثر صلاة الملائكة عليه.
 
{(رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ)}.
رواه الإمام الدارمي في مسنده عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- الصحابي الجليل.
 
{حدِّثونا عن الإمام الدارمي يا شيخ}.
الإمام الدارمي صَاحب المسند المشهور بـ "بمسند الدَّارمي" وهو مِن أَكَابِر المحدثين في وقته -رحمه الله.
 
{شَكَرَ اللهُ لكم وبارك فيكم وفي عِلْمِكُم، ونفع بكم أُمَّة الإسلام على تفضلكم بشرح هذا الكتاب، كتاب "آداب المشي إلى الصَّلاة".
شكرًا لحضراتكم أنتم أيُّها السَّادة، ويتجدد اللقاء مع الدروس القادمة مع سماحة الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-------------------
[19] البخاري (4636)، مسلم (689)
[20] رواه الترمذي (432) والنسائي (1661).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك