بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلام على قائد الغُرِّ المحجَّلين،
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
مرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في لقاء مبارك، وفي درس من دروس كتاب "آداب المشي
إلى الصلاة".
ضيف اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء،
وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
باسمكم جميعًا -أيها السادة- نرحب بسماحته، ونشكر له تفضله بتلبية الدَّعوة لشرح
هذا الكتاب، فأهلًا ومرحبًا سماحة الشيخ صالح}.
حياكم الله وبارك فيكم.
{نستكمل المتن وما تبقى من "باب ما جاء في صلاة التطوع".
بعضُ النَّاس يقول: أنا سأكتفي بأداء الفروض في أوقاتها، وأترك السنن الرواتب،
وأترك التطوع!
أرجو أن تتحدثوا عن فضل ذلك مأجورين}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله
وأصحابه أجمعين.
الذي شرع الفرائض هو الذي شرع النوافل والرواتب، وهو أعلم بحاجة العبد إلى ذلك،
وكما جاء في الحديث أنَّ الرواتب -أو التطوع- يُكمَّل به نقص الفرائض يوم القيامة،
فيقول الله -جل وعلا- كما في الحديث القدسي: «انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ
تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ؟»[1].
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَعَنْ أَحْمَدَ: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ
الأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّت نِيَّتُهُ)}.
هذا كلام صحيح، طلب العلم هو أفضل الأعمال؛ لأن الأعمال لا تصح إلا إذا بُنيَت على
العلم النَّافع، قال الله -جلَّ وعَلا: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا
اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد:19]،
فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
{(وَقَالَ: تَذَاكُرُ بَعْضِ لَيْلَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِحْيَائِهَ)}.
تذكُّر بعض ليلة بالعلم أحب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- من إحياء هذه الليلة
بالعبادة، والانشغال بالعلم أفضل من الانشغال بنوافل العبادة، أما الفرائض فلابدَّ
منها.
{(وَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ الرَّجُلُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ
دِينُهُ)}.
(وَقَالَ)، يعني الإمام أحمد.
قال: يجب على الرجل أن يتعلم ما يقوم به دينه، والعمل لا يقوم إلا بالعلم، فيعرف
كيف يصلي، كيف يزكي، كيف يصوم، كيف يحج، فلابد أن تُأسَّس الأعمال على العلم.
{(قِيلَ لَهُ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: الَّذِي لاَ يَسَعُهُ جَهْلُهُ،
صَلاَتُهُ وَصَوْمُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ)}.
قال الإمام أحمد لما سُئل: مثل أي شيء؟ قال: (الَّذِي لاَ يَسَعُهُ جَهْلُهُ)،
فيتعلم من العلم ما لا يجوز له جهله ممَّا يقوم به دينه، ويصح به عمله، فالعبادة لا
تكون على جهل، وإنما تُؤسَّس على علمٍ وعلى أدلَّةٍ من الكتاب والسُّنَّة، ولذلك
بدأ الله بالعلمِ قبل القول والعمل - كما سبق.
{(ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّلاةُ؛ لِحَدِيثِ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُو»[2])}.
يُخَصُّ بزيادة اهتمامٍ الصَّلاة، الفريضة لابدَّ منها، والنافلة أيضًا يكمَّل بها
الفريضة إذا حصل فيها نقص، وإن لم يكن في الفريضة نقص كانت النوافل زيادة في عمل
المسلم ينال بها الأجر من الله -سبحانه وتعالى.
{(قال: «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاةُ»)}.
وهذا كما في قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت:45]، ففيها
النهي عن الفحشاء والمنكر، وفيها ذكر الله؛ وهذا أكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، ففيها ذكر الله كالتسبيح، والتهليل، والتكبير، وتلاوة القرآن؛ فهذا كله في
الصلاة.
{(ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ)}.
ثم بعد ذلك من العلم: ما يتعدَّى نفعه إلى الآخرين بإفتائهم وتعليمهم وتوجيههم،
وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ فهذا من العلم الذي يتعدَّى نفعه إلى الآخرين من
المسلمين، فتعدَّى صاحبه إلى الآخرين.
{(مِنْ: عِيَادَةِ مَرِيضٍ، أَوْ قَضَاءِ حَاجَةِ مُسْلِمٍ)}.
ممَّا يتعدَّى نفعه: عيادة المريض. وهذا من حقوق المسلم على المسلم، أنه إذا مرض
يعوده إخوانه؛ لأجل أن يستأنس بهم، ومن أجل أن يدعون له بالشفاء والعافية.
{(أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)}.
ثم بعد عيادة المريض: الإصلاح بين الناس، وهذا من أجلِّ أعمال البر.
الإصلاح: هو تسوية النزاع بين المتنازعين، وإذهاب ما بينهم من العداوة وحقد بعضهم
على بعض، قال تعالى: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ
أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ
ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً﴾
[النساء:114].
{(لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ
أَعْمَالِكُمْ وَبِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ؟ إِصْلاحُ ذَاتِ
الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ»[3])}.
النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأفضل الأعمال التَّطوعيَّة والواجبة، فمن أفضلها:
إصلاح ذات البين، فالذين بينهم نزاع وخصومات، فيأتي ويصلح بينهم ويسوي نزاعهم،
ويرجع بعضهم إلى بعض بالتآلف والمحبَّة، فهذا نفع متعدٍّ، وهو أفضل من العمل الذي
يقصر على صاحبه مثل الصلاة والصيام.
{(وَقَالَ أَحْمَدُ: اتِّبَاعُ الْجَنَازَةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلاةِ)}.
اتِّباع الجنازة وتشيعها أفضل من نافلة الصلاة؛ لأن هذا من حقوق المسلم على أخيه
المسلم، أنه إذا مات يتبع جنازته، ويحضر دفنه، ويقوم على قبره بعد الدَّفن، فيستغفر
له ويدعو له، «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ
قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ»، قِيلَ: وَمَا
الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ»[4].
{(وَمَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ يَتَفَاوَتُ)}.
يعني: بعضه أكثر نفعًا من بعض، فيتفاوت في النفع.
{(فَصَدَقَةُ قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقٍ)}.
قوله (صَدَقَةُ قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ): يعني اجتمع فيه وصفان: قريب في النَّسب،
ومحتاج؛ ففيها أجران:
- أجر الصِّلة.
- وأجر الصَّدقة.
{(وَهُيَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، إِلاَّ فِي زَمَنِ
مَجَاعَةٍ، ثُمَّ حَجٌّ)}.
يعني: الصَّدقة على القريب المحتاج أفضل من الصَّدقة على الأجنبي المحتاج من
المسلمين؛ لأنها تجمع الأجرين -الصَّدقة والصِّلة.
{(وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ
اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ)}.
يعني: من خرج في طلب العلم فله أجر المجاهد في سبيل الله؛ لأن هذا يتعدَّى نفعه
للمسلمين، فيقوم بإفتائهم وتعليمهم ودعوتهم إلى الله -سبحانه وتعالى- فينفعهم بذلك،
فنفعه متعدٍّ، والعمل الذي يتعدَّى نفعه أفضل من العمل الذي يقصر نفعه على صاحبه،
ولذلك كان طلب العلم أفضل من قيام الليل؛ لأن قيام الليل نفعه مقصور على صاحبه، أما
طلب العلم فنفعه يتعدى إلى الآخرين.
{(قَالَ الشَّيْخُ: تَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ يَدْخُلُ فِي الْجِهَادِ،
وَأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ)}.
تَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ يَدْخُلُ فِي الْجِهَادِ في سبيلِ اللهِ لِما
فيه من النَّفع المتعدِّي، وما فيه من نشر الخير، كما أنَّ الجهاد في سبيل الله فيه
نشر الإسلام، وفيه عز المسلمين، وفيه إذلال للكفار، وطلب العلم من الجهاد في سبيل
الله، ولذلك جاء في الحديث «وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ
الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ»[5]
{(وَعَنْ أَحْمَدَ: لَيْسَ يُشْبِهُ الْحَجَّ شَيْءٌ؛ لِلتَّعَبِ الَّذِي فِيهِ،
وَلِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ، وَفِيهِ مَشْهَدٌ لَيْسَ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلُهُ)}.
الحج عمل عظيم لِما فيه من التعب ووعثاء السفر، وما فيه من تطلب النفقات على
الحاجِّ، ولما فيه من الوقوف في المشاعر العظيمة، وأعظمها الوقوف في عرفة، قال -صلى
الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»[6]، يعني أعظم أركان الحج: هو الوقوف بعرفة.
{(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ
لاَ مِثْلَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ)}.
هذا يدل على فضل الصوم، فالصوم فيه مشقَّة على النفس، وفيه ترك للشهوات والمألوفات،
وفيه صبر على الجوع والعطش، فهو عبادة عظيمة.
{(وَقَالَ الشَّيْخُ: قَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ أَفْضَلَ فِي حَالٍ؛ لِفِعْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ
وَالْمَصْلَحَةِ)}.
تزيد الفضيلة إذا جاءت الحاجة من الناس فيسدها، فهذا يورثه أجرًا عظيمًا من الله
-سبحانه وتعالى- لتعدِّي هذا النَّفع، وانتشاره على الآخرين.
{(وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ: انْظُرْ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِقَلْبِكَ
فَافْعَلْهُ)}.
ويجمع ذلك أن تنظر في الأعمال، فأيُّها تجد أصلح لقلبك فإنك تفعله، ويكون هو
الأفضل.
{شكر الله لكم شيخ صالح، سوف نستكمل ما تبقى من هذا المتن -إن شاء الله- في الدرس
القادم نظرًا لانتهاء وقت البرنامج.
وشكرًا لحضراتكم أنتم -أيها السادة- على متابعتكم لهذا البرنامج "كتاب آداب المشي
إلى الصلاة"، ويتجدد اللقاء -إن شاء الله- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
-------------------------
[1] روى أبو داود (864) ، والترمذي (413) ، والنسائي (465) وصححه الألباني في "صحيح
سنن الترمذي" عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ
الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ
أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ
فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ
تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ
سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ .
[2] رواه أحمد والحاكم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا،
وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاةُ"
[3] رواه أبو داود ( 4273 ) والترمذي ( 2433 ) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
[4] صحيح مسلم (945).
[5] رواه الترمذي: 5 /48، وابن ماجه: 1 /81، وأحمد: 5 /196، الدارمي: 1 /110،
والحديث صحيح.
[6] أخرجه أحمد فى مسنده ورواه أبو داود والترمزى والنسائى وابن ماجه فى السنن ..
كما رواه ابن حبان والحاكم وصححاه.