بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على قَائِدِ الغُرِّ
المُحجَّلينَ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في دَرسٍ من دروسِ كتاب "آدابُ المشي إلى
الصَّلاة".
ضيف هذا اللقاء وهذا الدَّرس هو سماحة العلامة الشَّيح/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو
هيئة كبار العلماء، وعضو اللَّجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشَّيخ صالح مع الإخوة والأخوات}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{قبل أن نبدأ بالمتن وقراءة مَا تبقى مِنَ الدَّرسِ السَّابق، نسألُ عن الأجر
المترتِّب على المحافظة على السُّننِ الرَّواتب؛ لأنَّ بعضَ النَّاسِ يكتفي فقط
بالفروض ولا يأتي بهذه السُّنن طوال حياته}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
ينبغي المحافظة على السُّنن الرَّواتب مَعَ الفَرائضِ؛ لأنَّ النَّبيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَثَّ عليها؛ ولأنَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان يُحافظ عليها، وأخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ هَذه
الرَّواتب تُكمَّل مِنها الفَرائض يَوم القيامة، فإذا كان في الفرائضِ نقصٌ فإنه
تُكمَّل من هذه الرَّواتب، فيُحافظ عليها، إِلَّا إِذَا كان مُسافرًا يَقصر
الصَّلاة؛ فإنه لا يأتي بهذه الرَّواتب، قال ابن عباس -رضي الله عنه: "لَوْ كُنْتُ
مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ"[21]، يعني: لو كُنت مُتنفلًا لأتممت الصَّلاة، إِلَّا
راتبة الفجر فإنَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا كَان يَتركها لا
حَضرًا ولا سفرًا.
{أحسن الله إليكم يا شيخ...
سائل يقول: سأسافر مع أخي للعلاج، وقدَّر الأطباء مُدَّة العلاج مِن الأيام بستَّة
أشهر، هل يقصر ويجمع؟}.
لا، الإقامة التي تزيد على أربعةِ أيَّامٍ أثناء السَّفر لا يجوز أن يقصر فيها، ولا
أن يُفطر في رمضان؛ لأنَّ السَّفر انقطع بهذه الإقامة الطَّويلة، فيتم الصَّلاة
ويصوم رمضان في إقامته أثناء السَّفر إذا كان هناك إقامة طويلة.
{نعود إلى المتن...
قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (قَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ
الْخَيْرِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ؛ يَقُولُونَ: إِذَا خَتَمَ
أَوَّلَ النَّهَارِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِذَا
خَتَمَ أَوَّلَ اللَّيْلِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ)}.
المراد بالختم هنا: إكمالُ القرآن الكريم تلاوة.
ويُستحبُّ له الدُّعاء نهاية الخَتم، فكان الصَّحابة يجتمعون عند قَارئ القُرآن
إِذَا أراد أن يدعو للختم، ويؤمِّنونَ على دعائِه ليُشاركوه في الأجرِ.
ووقت الختم إن كان في الشِّتاء يكون في أوِّل الليلِ، وإن كان في الصَّيفِ يكون
أوَّل النَّهار، وذلك لأنَّ الليل يطول في الشِّتاء، فيطول استغفار الملائكة له،
ويطول النَّهار في الصَّيف فيطول دعاء الملائكة له، فكانوا يختمون في الصَّيفِ في
أوَّلِ النَّهار؛ِ لأجلِ أن تصلِّي عليهم الملائكة حتى تغرب الشَّمسُ، ويكون الختم
عندهم في الشِّتاءِ في أوَّلِ الليل؛ لأجل أن تستغفر لهم الملائكة إلى أن يصبحوا،
والليل يطول في الشِّتاء كما هو معلوم، فيطول استغفار الملائكة لهم.
{قال المؤلف: (وَيُحَسِّنُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ وَيُرَتِّلُهُ)}.
نعم، يُحسِّن صوته بالقرآن؛ لأنَّ تحسين الصَّوت بالقرآن مَطلوب، وقد حَثَّ عليه
النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان يستمع -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقراءة أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- في الليل إِذَا مَرَّ
ببيته، حيث كان يقف ويستمع لقراءته، وأخبره بذلك وقال: «لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا
أَسْمَعُ قِرَاءَتَكَ الْبَارِحَةَ»[22]، قال -رضي الله عنه: "لَوْ عَلِمْتُ
أَنَّكَ تَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهَا لَكَ تَحْبِيرًا"[23]، أي: زيَّنته
بصوتي تزيينًا، وفيه دليل على استحباب تحسين الصَّوت بقراءة القرآن.
والتَّرتيل معناه: التَّرسُّل في القراءة، فلا يَهذُّ القُرآن هَذًّا كهذِّ
الشِّعرِ، ولا يُمطِّطه تمطيطًا زائدًا عن المألوفِ كما يفعله الذي يُطبِّقون
التَّجويد، فهذا التَّجويد أمر اصطلاحي، والمطلوب من الإنسان أن يُتقنَ القراءة،
وأن يُرتِّل القِراءة، ولو لم يتعلَّم أحكامَ التَّجويد والمدود والتَّنوين وما
أشبه ذلك، فهذه مُكمِّلات إن حصلت فإنَّه يستعملها من غيرِإسرافٍ، وإن لم تحصل
فإنَّه يقرأ على طبيعته التي أعطاه الله -عز وجل- إيَّاها، ويُحاول تحسينَ الصَّوت
والتَّرتيل، بحيث لا يهذُّ القرآن هذًّا كهذِّ الشِّعر.
{بعض الشَّباب مِن أئمة المساجد في رمضان يُبالغ في المدود وفي القراءة، ويُتعِب
مَن خلفه. فما الحكم؟}.
هذا لا يجوز، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ
لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ مِنْهُمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ،
وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ»[24]، فالإمام
يُراعي أحوال المأمومين، وَيَنْزِلُ على مَا يُريحهم خَلفه.
{قال: (وَيَقْرَأُ بِحُزْنٍ وَتَدَبُّرٍ)}.
يقرأ قراءة حزينٍ مُتأثِّرٍ بالقرآنِ، حتى ولو لم يكن هذا بباعثٍ من نفسِهِ، فينبغي
له أن يتحزَّن في تلاوة القرآن ليعتاد ذلك ويسهُلَ عليه، وهذه قراءة الخشوع.
{قال: (وَيَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ، وَيَتَعَوَّذُ عِنْدَ
آيَةِ الْعَذَابِ)}.
كذلك مِن آداب تلاوة القرآن أنَّه يقف عند آية الرَّحمة ويسأل الله، ويقف عند آية
ذكر العذاب ويستعيذ بالله كما كان النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يفعل ذلك.
{قال: (وَلا يَجْهَرُ بَيْنَ مُصَلِّينَ أَوْ نِيَامٍ أَوْ تَالِينَ جَهْرًا
بِحَيْثُ يُؤْذِيهِمْ)}.
لا يجهر بالقراءة إذا كان جهره يؤثِّر على مَن حوله ويشوِّش عليهم مِن النَّائمين
أو المصلِّين، أو التَّالينَ للقرآن، بل يراعي ذلك، خرج النَّبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أصحابِه وهم يُصلُّون مِن الليل، فقال -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم: «كلكم مناج ربه، فلا يؤذ بعضكم بعضاً، ولا يرفعن بعضكم
على بعض بالقراءة»[25].
{قال: (وَلا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَرَاكِبًا
وَمَاشِيً)}.
يعني: في غَيرِ الصَّلاة، فلا بأس بقراءة القرآن جالسًا، وقائمًا وقاعدًا وماشيًا؛
فيقرأ على ما تيسر له وما سهُلَ عليه، ويكون في هذا مُلازمًا لتلاوةِ القرآنِ
ليعتاد عليه ويألَفَه، ويتلذَّذ به.
{قال: (وَلا تُكْرَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَلا مَعَ حَدَثٍ أَصْغَرَ)}.
ولا تُكرَه التِّلاوة في الطَّريقِ وهو يمشي، ولا تُكره أيضًا القراءة وهو على غيرِ
وضوءٍ من الحدثِ الأصغرِ، لكن عن ظهرِ قلبٍ، أو يقرأ مِن المصحف لكن لا يمسُّه إلا
من وراء حائلٍ، أو بواسطةِ آلة.
{قال: (وَتُكْرَهُ فِي المَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ)}.
تُكره قراءة القرآن في المواضع القذرة، مثل محلات قضاء الحاجة، ومحلات الوضوء، فلا
يقرأ القرآن فيها.
{قال: (وَيُسْتَحَبُّ الاجْتِمَاعُ لَهَ)}.
يُستحبُّ الاجتماع لقراءةِ القرآن، بأن يقرأه واحدٌ والبقيَّة يستمعون، أو يقرؤونه
بالدَّور، كل يقرأ إذا وصل إليه الدَّور، فهذا مما يسبب عظمة الأجر، والمشاركة في
الأجر، والتَّعاون على البرِّ والتَّقوى.
{قال: (وَالاسْتِمَاعُ لِلْقَارِئِ)}.
يُستَحَبُّ الاستماع للقارئ؛ لأنَّ النَّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان يستمع لقراءة أبي موسى الأشعري، وكان حسن الصَّوت -رضي الله عنه- وكذلك غير أبي
الحسن ممن كان له صوت حسن، فيستحب الاستماع إليه إذ يتلذذ بتلاوته ويتأثَّر.
{قال: (وَكَرِهَ أَحْمَدُ السُّرْعَةَ فِي الْقِرَاءَةِ)}.
والسرعة في القراءة تسمى "قراءة الهذِّ والهذْرَمَة" فهذا مكروه، بل يقرأه
مُرتِّلًا مُترسِّلًا في تلاوته.
{قال: (وَكَرِهَ قِرَاءَةَ الأَلْحَانِ)}.
قراءة الألحان بأن يجعل القُرآن يشبه الغناء، فيُغنِّي به، أما "يتغنَّى به" يعني
يُحسِّن صوته، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ
يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ»[26]، فيُحسِّن صوته، لكن لا يحوله إلى مثل صوت الأغاني
بالتَّمطيط وما أشبه ذلك.
{قال: ( وَلاَ يُكْرَهُ التَّرْجِيعُ. وَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ
وَبِمَا لاَ يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)}.
قوله: (وَلاَ يُكْرَهُ التَّرْجِيعُ)، يعني: ترديد الآيات ليتدبرها ويتأملها.
ويحرم أن يُفسِّر القرآنَ برأيهِ، القرآنُ إنما يُفسَّر بالقرآنِ، أو يُفسَّر
بسنَّةِ الرَّسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو يُفسَّر القرآن باللغة
العربيَّة التي نزل بها، فهذه وجوه التَّفسير، فتفسير القرآن بالقرآن؛ لأنَّ القرآن
يُفسِّر بعضه بعضًا، فإن لم يجد فيفسره بما ثبت عن الرَّسول -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأحاديث التي فسَّر بها النَّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- القرآن، فإن لم يجد في السُّنَّة فيُفسَّر باللغة العربية التي نزل بها.
{شكرَ الله لكم شيخ صالح، وباركَ الله فيكم على تفضُّلكم بشرح هذه الدُّروس المفيدة
من كتاب آداب المشي إلى الصَّلاة.
أشكر فريق العمل الذين قاموا بتسجيل هذا اللقاء، ويتجدَّد اللقاء -إن شاء الله- في
دروسٍ قادمةٍ، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
------------------------
[21] رواه مسلم (698)
[22] رواه مسلم (793)
[23] رواه أحمد والبزار.
[24] رواه البخاري (671)
[25] أحمد (3/ 94)، وأبو داود (1332).
[26] رواه البخاري