بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاةُ والسَّلام على قائدِ الغُرِّ المحجَّلينَ،
نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أَيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ من دُروس كتاب "آداب المشي إلى
الصلاة"، ضيف هذا اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عُضو هيئة
كبار العلماء، وعُضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء، باسمكم جميعًا أيُّها السَّادة
نُرحب بسماحتهِ، ونشكرُ له تفضُّله بتلبيةِ الدَّعوة في شَرح هذه الدُّروس المهمَّة
للأمَّة، فأهلًا ومرحبًا بالشَّيخ صالح}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{أحدُ الإخوة يسأل: أُصلِّي الفرائض في أوقاتها، ولكن نادرًا ما آتي بالسُّنن
الرَّواتب أو النَّوافل، فهل يكفي هذا؟ وبماذا توجِّهونني مأجورين؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى
آله وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد؛ فإنَّ الفرائض كافيةٌ إذا أتى بها المسلم كما أمر الله -سُبْحَانَه
وَتَعَالَى- وأمرَ رسوله، فهي كافيةٌ وللهِ الحمد، ولكن النَّوافل من سُنَّة النبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد فعلها وحافظ عليها، وأخبر -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ أوَّل ما يُحاسَب عليه العبد من عمله يوم القيامة:
الصلاة؛ فإن كانت تامَّة فالحمد لله، وإن كان فيها نقص يقول الله -جلَّ وعَلا-
لملائكته: «نْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ»[54]، فيُجبَر بها ما نقصَ مِن
الفرائض.
فالنَّوافل -ولا سيما الرَّواتب مع الفرائض- لها أهميَّة كُبرى، والعبدُ بحاجةٍ
إليها، وهي -والحمد لله- خفيفةٌ، ولا تأخذ وقتًا على المسلمِ، ففيها نفعٌ عظيمٌ
وفائدةٌ كبيرةٌ، فليحرص عليها المسلم، وهي عشرُ ركعاتٍ:
Ø ركعتانِ قبلَ الفجرِ.
Ø ركعتانِ قبلَ الظُّهرِ.
Ø ركعتانِ بعدَ الظُّهرِ.
Ø ركعتانِ بعدَ المغربِ.
Ø ركعتانِ بعد العشاء.فهذه هي السُّنن الرَّواتب مع الفرائض.
{ما الرَّاجح في حقِّ المسافر؛ هل يأتي بالسُّنَن الرَّواتب، أم يتركها إلى أن يعود
إلى أهله وبلده؟}.
إذا كان يَقصُر الصَلاة فإنَّه لا يأتي بالرَّواتبِ إِلَّا راتبة الفجر، فإنَّ
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يدَع راتبةَ الفجر لا في حضرٍ ولا
في سفرٍ، وحثَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فِعلها، وأمَّا إذا قَصَر
الصَّلاة في سَفَرهِ فإنَّه لا يأتي ببقيَّة الرَّواتب، قال ابن عباس -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُما- "لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا -يعني متنفِّلًا مع الفريضة- لَأَتْمَمْتُ
"[55].
{هل يثبت حديث «سنة الفجر خير من الدنيا وما عليه»[56]؟}.
نعم، فَرَاتِبَةُ الفجرِ لها مكانةٌ عظيمةٌ وفضلٌ عظيمٌ، والنَّبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «لَا تَدَعُوهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ»[57]،
فهي متأكِّدَةٌ ولا يتركها المسلم، فإن تركها صلَّاها بعد الفجر، فلو لم يتمكَّن من
صلاتها قبل الفجر فيُصلِّيها بعد الفجر مُباشرة، أو بعد ارتفاع الشمس قيد رُمح،
وهذا أفضل.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَتُسَنُّ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَسُنَّةُ
الْوُضُوءِ)}.
تحيَّة المسجد: هي الصَّلاة التي يُؤديها المسلم إذا كان يُريد الجلوس في المسجد.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا
يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ»[58]، هذه تحية المسجد، وهي من السنن
المؤكَّدة. وأمَّا سنَّة الوضوء كان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحافظ
عليها.
{قال المؤلف: (وَإِحْيَاءُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ)}.
من السُّنَن المؤكَّدَة إحياء ما بين العِشائين –أي: المغرب والعشاء- بالصَّلاة،
فهذه صلاة الأوَّابين -كما جاء في الحديث.
{قال: (وَسَجْدَةُ التِّلاوَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ)}.
من النَّوافل المؤكَّدة: سجدةُ التِّلاوة، فإذا مرَّ بآية فيها سجدة فإنَّه يسجد
بعد قراءتها.
{قال: (وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ)}.
سجدةُ التِّلاوةِ ليست واجبة، ولكنَّها مستحبة.
{قال: (لِقَوْلِ عُمَرَ: مَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلاَ
إِثْمَ عَلَيْهِ)}.
هذا هو الدَّليلُ على أنَّها ليست واجبة، قال: (مَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ
لَمْ يَسْجُدْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ)، فهي من السُّنَن المؤكَّدة.
{قال: (رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّ)}.
رواه الإمام مالك في كتابه "الموطَّأ".
{شيخ/ حدِّثونا عن كتاب الموطَّأ؛ لأنَّ كثيرًا مِن طلبةِ العلمِ قد لا يَعرف شيئًا
عن هذا الكتاب العظيم}.
هذا الكتاب ألَّفهُ الإمام مالك -رحمه الله- بمشورة الخليفة في وقته، فأشارَ على
الإمام مالك أن يؤلِّف كتابًا في الحديثِ، وأن يوطِّئَه توطئةً -يعني يُسهِّلَهُ-
للنَّاسِ، وكانَ ذلك بمشورة أبي جعفر المنصور.
{قال: (وَتُسَنُّ لِلْمُسْتَمِعِ)}.
يُسنُّ سجود التِّلاوة للقارئ -وهذا عرفناه- ويُسنُّ للمستَمِع الذي يَستمع إلى
قراءته ويُتابعه، أمَّا السَّامع الذي يَسمع بدون قصدٍ ولا ارتباط له بتلاوة القارئ
فلا سُجودَ عليه.
{قال: (وَالرَّاكِبُ يُومِئُ بِسُجُودِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ)}.
إذا كان يقرأ القرآن في سفره وهو راكبٌ على راحلته، ومرَّ بآيةِ سجدة فإنَّه يسجُدُ
إلى الجهةِ التي توجَّهت إليها راحلته في سفره.
{قال: (وَالْمَاشِي يَسْجُدُ بِالأَرْضِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلاَ يَسْجُدُ
السَّامِعُ)}.
أمَّا الذي يقرأ القُرآن وهو يمشي على قدميهِ فإذا مَرَّ بآية سجدة فإنَّه يَسجدُ
على الأرض، وأمَّا مَن يَسمع القُرآن وهو غير قاصدٍ للاستماعِ فليسَ عليه سُجود
تلاوةٍ ولا يُسنُّ له.
{قال: (لِمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِلْقَارِئِ
وَهُوَ غُلاَمٌ: اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَ)}.
ابن مسعود أمرَ القارئ وهو غلام -يعني صغير- فقال له: (اسْجُدْ فَإِنَّكَ
إِمَامُنَ)، أي: أنَّهم سيسجدون معه ويكون إمامًا لهم في هذا السُّجود.
{قال: (وَتُسْتَحَبُّ سَجْدَةُ الشُّكْرِ)}.
تُستحبُّ سجدة الشُّكر عندَ تجدُّدِ نعمةٍ له أو للمسلمين، أو اندفاعِ نقمَة عنه أو
عن المسلمين؛ فيسجد للشُّكر، وهذا سجودٌ مُستحبٌّ، وقد فعله داود -عليه السلام- قال
تعالى: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ
رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ [ص:24].
{ما هي سجدات التِّلاوة في القُرآن؟}.
أربع عشرة سجدة، في سورة الحج منها اثنتان.
{قال: (وَيَقُولُ إِذَا رَأَى مُبْتَلًى فِي دِينِهِ أَوْ بَدَنِهِ: الْحَمْدُ للهِ
الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثْيرٍ مِمَّن
خَلَقَ تَفْضِيل)}.
يُستحبُّ إذا رأى مُبتلًى في جسمه بنقصٍ أو مرضٍ أو عجزٍ، أو مُبتلًى في دينه ببدعة
أو مخالفةٍ؛ أن يقول: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ،
وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثْيرٍ مِمَّن خَلَقَ تَفْضِيل)، لكنَّه لا يُسمِع المبتلى
بهذا الدُّعاء، وإنَّما يقوله بينه وبينَ نفسه.
{شيخ صالح نختم هذا اللقاء بسؤال حول شكر النِّعم، فكثير من النَّاس يتغافل أو ينسى
هذا الشُّكر لما أتمَّ الله عليه بنعمٍ كثيرةٍ لا تُحصَى ولا تُعدّ}.
شُكرُ الله على نِعمِه واجبٌ، فالله -جلَّ وعَلا- يُحبُّ من عباده الشَّكور، وقال
عن نوحٍ -عليه الصلاة والسلام: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورً﴾ [الإسراء:3].
وشُكر النِّعمة له ثلاثة أركانٍ لا يتمُّ إلا بِهَا:
Ø التَّحدُّثُ بها ظاهرًا، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾
[الضحى:11].
Ø الاعترافُ بها باطنًا، أي: في قرارةِ نفسهِ يعترف أنَّ هذه النِّعمَة من الله.
Ø صرفُ هذه النِّعمَة في طاعة الله والاستعانة بها على طاعة الله -عَزَّ وَجَلَّ.
{بقيَ علينا "أوقات النهي" سوف نرجئها -إن شاء الله- إلى الدِّرس القادم مع سماحة
العلامة الشيخ صالح الفوزان، وقد شرح لنا هذا المتن في كتاب "آداب المشي إلى
الصلاة" شكرًا لفضيلته، وشكرًا لكم أنتم أيُّها السَّادة على تواصلكم واستماعكم إلى
هذه الدُّروس المهمَّة للأمَّة.
وشكرًا للزُّملاء الذين ساهموا في تسجيل هذا الدَّرس، والسَّلام عليكم ورحمة الله
وبركاته}.
------------------------
[54] مسند أحمد (9290)، سنن أب دود (734)
[55]صحيح مسلم (689).
[56]صحيح مسلم بلفظ " رَكْعَتَا الْفَجْرِ ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"
(1199).
[57]أخرجه أبو داود (1258)، وأحمد (9253) باختلاف يسير.
[58]صحيح البخاري (1103).