الدرس الثاني عشر

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

2957 12
الدرس الثاني عشر

آداب المشي إلى الصلاة (3)

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاةُ والسَّلام على قائدِ الغُرِّ المحجَّلينَ، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أَيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ من دُروس كتاب "آداب المشي إلى الصلاة"، ضيف هذا اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عُضو هيئة كبار العلماء، وعُضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء، باسمكم جميعًا أيُّها السَّادة نُرحب بسماحتهِ، ونشكرُ له تفضُّلَه بتلبيةِ الدَّعوة في شَرح هذه الدُّروس المهمَّة للأمَّة، فأهلًا ومرحبًا بالشَّيخ صالح}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{أحد الإخوة يسأل ويقول: أنا لا أصلِّي صلاة الضُّحى، ولكن عندما أصلِّي الظُّهر؛ أصلِّي ركعتين بنيَّة صلاة الضُّحى، فهل يُجزئني ذلك؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وقت صلاة الضُّحى: من ارتفاع الشَّمس بعد طلوعها قيدَ رُمح، إلى أن تتوسَّط في كبدِ السَّماء وقت دخول الظُّهر، وينتهي وقتها بدخول وقت الظَّهر.
 
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ)}.
أوقات النَّهي التي نهى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صلاة النَّافلة فيها خمسة.
{قال: (بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ)}.
الوقت الأول: بعد صلاة الفجر وحتى تطلع الشَّمس، فلا يُصلَّى فيها صلاة نافلة.
{قال: (وَبَعْدَ طُلُوعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ)}.
الوقت الثاني: عند طلوع الشَّمس وبزوغها حتى ترتفع قيدَ رُمح، فهذا الوقت لا يُصلَّى فيه أيضًا.
{قال: (وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَبَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ)}.
الوقت الثالث: عند قيامها  في وسط السَّماء حتى تزول إلى جهة الغرب، وهو وقت قصير لا يتَّسع للصَّلاة.
{قال: (حَتَّى تَدْنُوَ مِنَ الْغُرُوبِ)}.
الوقت الرابع: من بعد صلاة العصر حتى تدنو من الغروب.
{قال: (وَبَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى تَغْرُبَ)}.
الوقت الخامس: بعدَ تضيُّفها، أي: قربها من الغرب ، حتى تغرب.
{قال المؤلف: (وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ فِيهَ)}.
يجوز قضاء الفرائض في أوقات النَّهي؛ لأنَّ الفرائض لا تُؤخَّر، بل يُبَادر بصلاتها عند ذكرها، ولا يؤخِّرها ويقول حتى ينتهي وقت النَّهي؛ بل يصليها في وقتِ ما يتنبَّه من نومه، أو ما يُنبَّه من نسيانه.
 
{قال: (وَفِعْلُ المَنْذُورَاتِ)}.
الأمر الثاني ممَّا يجوز صلاته في وقت النهي: الصَّلاة المنذورة، فإذا نذر أن يُصلِّي؛ فإنَّه يجب عليه الوفاء بالنَّذر، فيُصلِّي ما نذره في أي وقت.
{قال: (وَرَكْعَتَيِ الطَّوَافِ)}.
يُستثنى فعل ركعتي الطَّواف في وقت النَّهي؛ لأنَّها متعلِّقة بالطَّواف، فمتى طاف فإنه يُصلِّي ركعتين ولو في وقت النَّهي، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا اَلْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ»[59].
 
{قال: (وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ إِذَا أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ)}.
يعني: أنه إذا حضر إقامة المسجد فإنَّه لا يليق به أن ينصرف؛ بل يُصلِّي مَعهم تلك الصَّلاة، وتكون له نافلة.
{قال: (وَتُفْعَلُ صَلاةُ الْجَنَازَةِ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ)}.
مما يُستثنى فعله في وقت النَّهي: صلاة الجنارة في الوقتين الطَّويلين:
الوقت الأوَّل: بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشَّمس، فيُصلَّى على الجنازة في هذا الوقت ولو كان وقت نهي؛ لأمر النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإسراع في الجنازة، وعدم حبسها.
والوقت الثَّاني: من بعد العصر، فيُصلَّى عليها بعد العصر، ولا تُؤخَّر إلى غروب الشَّمس؛ لأن هذا يضر بالجنازة.
 
{ما حكم الدفن ليلًا؟}.
الدَّفن ليلًا جائز، فلا تُؤخَّر الجنازة ويُقال: انتظروا إلى الصباح؛ بل تُدفَنُ ليلًا؛ لأنَّه ثبت أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء مع جنازة بعد صلاة العشاء، ومعهم مصباح يُنيِّر لهم الطريق.
 
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (بابُ صَلاة الجماعَة)}.
يعني: حكم صلاة الجماعة، وفضلها، وهي واجبة في الصَّلوات المفروضة الخمس.
{قال: (وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ، فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ وعِيدٍ)}.
أقلُّها: رجلان بالغان، وما زاد فهو أكثر، وذلك في غير الجمعة والعيد، فالجمعة يُشترط لها ثلاثة فأكثر، وكذلك العيد يُشترط الحضور له ثلاثة فأكثر.
 
{هل لابد أن يكون الثاني بالغًا؟ وما الحكم لو كان صغيرًا}.
لا يُحتَسب الصغير، إنما يلزم أن يكون بالغًا.
{قال: (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ حَضَرًا وَسَفَرً)}.
صلاة الجماعة واجبة على الأعيان، أي: على كل شخصٍ بعينه، وليست واجبة على الكفاية، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ»[60]، وقال عبد الله بن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ"[61].
 
{هناك مَن يقول: إن صلاة الجماعة ليست واجبة، إنما إذا صلاها في البيت أجزأته ذلك. فما الحكم؟}.
الأقوال كثيرة، ولكن المعتمد هو الدَّليل، وهذا قول لا دليل عليه، بل هو تخرُّص بدون دليل -نسأل الله العافية.
{قال: (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ حَضَرًا وَسَفَرًا حَتَّى فِي خَوْفٍ)}.
واجبة على الأعيان في الحضر وفي السفر، سواء كان في بلده مُقيمًا أو كان مُسافرًا، فيصلون جماعة؛ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يُصلي بأصحابه في الأسفار جماعة ويأمر المؤذن فيؤذن ويُقيم، ثم يُصلُّون جماعة مَعه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى في وقت الخوف تُقام صلاة الجماعة، قال الإمام أحمد -رحمه الله: "ثبتت صلاة الخوف بستِّ صفات -أو سبع صفات- كلها جائزة".
 
{قال: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ الآيَةَ)}.
هذا دليل صلاة الخوف.
قوله: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ﴾: يعني: في حال الخوف.
﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ...﴾، هذا دليل صلاة الخوف، وهذا إذا كان العدو في غير جهة القبلة، أمَّا إذا كان في جهة القبلة فكلُّهم  صلُّوا مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإذا سجد النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد معه الصَّف المقدَّم، ويبقى الصَّف المؤخَّر في وجه العدو، فإذا قام إلى الثَّانية تأخر الذين كانوا معه فصاروا هم الصَّف الثَّاني، وتقدم الذين كانوا هم الصَّف الثَّاني في الركعة الأولى وصاروا هم الصَّف الأوَّل، وأكملوا الصَّلاة على هذا المنوال.
{قال: (وَتَفْضُلُ عَلَى صَلاةِ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً)}.
تفضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد بسبعٍ وعشرين درجة ، يعني بسبعٍ وعشرين صلاة، فلها فضل سبع وعشرين صلاة، وهذا فضل عظيم.
{قال: (وَتُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ)}.
تُفعل صلاة الجماعة في المساجد؛ لأنَّ سنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّهم كانوا يحضرون صلاة الجماعة والجمعة في المساجد، ولا يُصلونها في بيوتهم.
{قال: (وَالْعَتِيقُ أَفْضَلُ)}.
أي أنَّ المسجد القديم -العتيق- أفضل من الجديد، لتقدُّم الطَّاعة والعبادة فيه.
{قال: (وَكَذَلِكَ الأَكْثَرُ جَمَاعَةً)}.
ومن بعد العتيق -القديم- الأفضل الأكثر جماعة.
{قال: (وَكَذَلِكَ الأَبْعَدُ)}.
وكذلك المسجد البعيد أفضل في الصَّلاة لكثرة الخطوات.
{قال: (وَلا يَؤُمُّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إِمَامِهِ الرَّاتِبِ إِلاَّ بِإِذنِهِ)}.
لا يجوز أن يؤمَّ أحدٌ الجماعة في مسجدٍ قبل إمامه الرَّاتب إلا بإذنه، فإذا أذِنَ فلا بأس، أو لعذرٍ، كأن يكون الإمام مريضًا ولا يستطيع الحضور، فينوب عنه مَن يُصلِّي بالجماعة كما فعل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا اشتدَّ به المرض، فقال: «مُرُوا أَبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ»[62].
 
{قال: (إِلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ)}.
إلا أن يتأخَّر الإمام تأخُّرًا يضرُّ بالجماعة؛ فإنَّهم يصلُّون ولا ينتظرونه.
{قال: (فَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ)}.
لأنَّهم كانوا في غزوة تبوك -أو غيرها- لما تأخَّر النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد خرج يُصلح طائفتين من الأنصار بينهما نزاع، فتأخَّر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلَّى بهم ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وحضر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأدرك بعض الصَّلاة، فصلَّى خلف ابن مسعود.
{قال: (وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلاَ يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي نَفْلٍ)}.
إذا أُقيمَت الصَّلاة فلا يجوز الشروع في نافلة، بل يجب عليه أن يصلِّي هذه الصَّلاة التي أُقيمَ لها مع الجماعة، ولا يتأخَّر ويقول أصلِّي راتبة المغرب؛ لا، بل يصلِّي معهم، والرَّاتبة يصلِّيها بعد ذلك.
{قال: (وَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا خَفِيفَةً)}.
إذا أُقيمَت الصَّلاة وهو في صلاة نافلة أتمَّها خفيفة ولا يقطعها، فيُتمها خفيفة حتى يُدرك الجماعة.
 
{شكر الله لكم سماحة الشيخ على تفضُّلكم بشرح هذه الدروس الطيبة المباركة، والتي يتابعها مجموعة من المسلمين، جزاكم الله عنا وعن أمة الإسلام خير الجزاء، ويتجدد اللقاء في دروسٍ قادمة، أنقل لكم تحيات زملائي الذين سجلوا هذا اللقاء، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
--------------------------------
[59] رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ
[60] رواه ابن ماجه ( 793 ) والطبراني في ( المعجم الكبير ) ( 3 / 154 / 2 )
[61] رواه مسلم (654)
[62] رواه البخاري

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك