الدرس الثاني عشر

فضيلة الشيخ د. سهل بن رفاع العتيبي

إحصائية السلسلة

5236 12
الدرس الثاني عشر

العقيدة الطحاوية (1)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رَبَّ العَالمين.
اللَّهمَّ عَلمنا مَا يَنفعنا، وانفعنا بما عَلَّمتنا يا حيُّ يا قَيُّوم، اللَّهمَّ ارزقنا الفِقه في دينك، وارزقنا التأسي بنبيك محمد -صلى الله عليه وسلم.
أمَّا بَعد، فأرحب بكم أيُّها الأبناء هُنا في الأكاديمية الإسلامية العالمية المفتوحة، وأرحب كذلك بالأبناء الطُّلاب والطَّالبات الذين يُتابعون دُروس هذا البرنامج، برنامج البناء العلمي، وفي دروس شَرح العَقيدة الطَّحاوية، ونحن الليلة في الدرس الثاني عشر والأخير في هذا المستوى، نسأل الله لنا ولكم حُسن الخِتام.
كذلك أرحب بالإخوة والأخوات المُشاهدين عَبر البث المباشر لهذه الدروس العلمية، وكذلك عبر تسجيل هذه الحلقات، وأسأل الله لنا ولهم العلم النَّافع والعمل الصَّالح.
في هذا الدرس نُكمل بتوفيق الله قَول الإمام الطحاوي -رحمه الله- في بَيان مُعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في المعراج والحوض والشَّفاعة.
تفضل يا شيخ سعيد، اقرأ كلام الإمام الطحاوي -رحمه الله- في العقيدة الطَّحاوية.
{بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رَبِّ العَالمين، وصلَّى الله وسَلَّم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللمستمعين، ولجميع المسلمين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى: (وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْعُلَا وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ [النجم: 11]، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى.
وَالْحَوْضُ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ غِيَاثًا لِأُمَّتِهِ حَقٌّ، وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)
}.
جزاك الله خيرًا.
قال الإمام الطحاوي -رحمه الله- في عَقيدته التي هي عَقيدة فُقهاء الملة: (وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ) وهذا الموضوع يتعلق بالإيمان باليوم الآخر والإيمان بالرسل، هذه الموضوعات التي ذكرها هنا فيما يتعلق بالمعراج والحوض والشفاعة، تتعلق بالإيمان بالرسل ومن ذلك الإيمان بالخصائص التي خَصَّ اللهُ بها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإيمان بأحوال الآخرة.
 والمصنف -رحمه الله- كما تلاحظون في عقيدته، العقيدة الطحاوية أنه لم يعتنِ بالترتيب المعروف في كُتب العَقائد، بل إنَّه يُكَرِّر أحيانًا، فَذَكَرَ مَسائل القَدر في مواضع مُتفرقة، وهكذا مَا يتعلق بالرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- ذكره سابقًا، ثُمَّ عَاد هُنا وَذَكَرَ مَا يَتَعلق بالإسراء والمعراج، وهو يتعلق بخصائص النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، ثُمَّ ذَكَرَ مَسائل تتعلق بالإيمان باليوم الآخر، مثل:الحوض والشَّفاعة ونحوها مِن المَسائل.
قال هنا: (وَالْمِعْرَاجُ حَقٌّ) المعراج المقصود به عُروج النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى سِدرة المُنتهى، فأصل العُروج هو الصُّعود، وَمُراده هُنا عُروج النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، ثُمَّ ذَكَرَ أيضًا الإسراء؛ لأنَّ الإسراء كانَ قَبل المِعراج، ولهذا يبوب أهل العلم في كُتب العَقَائد لهذه المسألة بالإسراء والمعراج.
وقوله: (حَقٌّ) أي: هو ثابتٌ في الكتاب وفي سنة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وَيَعتَقده المؤمنون حقًا تصديقًا لكلام الله -تعالى، وتصديقًا لكلام النَّبي صلى الله عليه وسلم، فهو حق ثابتٌ لا شَكَّ فِيه ولا مِرية فيه، فهذا هو مُعتقد أهل السنة.
والمِعراج دَلَّ عَليه في أصل اللغة وكذلك في الاصطلاح الشَّرعي كقوله -تبارك وتعالى- في وصف الملائكة: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: 4] والعُروج مَعناه الصُّعود إلى أعلى، وَدَلَّ عَليه أيضًا قوله -تبارك وتعالى- في أول سورة "النجم": ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم: 1- 5] وهو جبريل -عليه والسَّلام-﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ [النجم:6- 7] وهذا فيه دليل على المعراج. ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم: 8- 10] وَوَصْفُ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- هنا بالعبودية دليل على أنَّه عَبد لا يُعبد، ولهذا قلنا: إنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- وصَفَه بهذا الوصف الشَّريف في أعلى مَقامات التَّشريف ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾.
وليلة الإسراء والمعراج هي أشرف ليلة حصلت للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وهي أشرف ليلة بالنسبة للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- لما فيها مِن إِظهار فَضْلِه -عليه الصَّلاة والسَّلام- ومع ذلك فقد وصفه ربه في هذه الليلة الشريفة بوصف العبودية.
﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ وهذا أيضاً دليل على أنَّ في المعراج حَصَلَ له نَوع مَن أنواع الوحي، وهو كلام الله -تبارك وتعالى- له مُباشرة مِن غَير واسطة، وهذا نوع مِن أنواع الوحي.
قال -عز وجل: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [النجم: 11- 13] أي: رأى جبرائيلَ -عليه السَّلام، وقد رآه النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة المعراج على صورته الملكية، وله ستمائة جناح قَد سَدَّ الأفق، ورآه المرة الأخرى في مَكة، فقوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ أي: رأى جبريل -عليه السَّلام- على صورته الملكية في ليلة المعراج.
﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى﴾ [النجم: 13- 14] وهذا فيه دليل على المعراج. إذن المعراج دَلَّ عَليه قول الله -تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ [النجم: 13- 18] أي: أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة الإسراء والمعراج، رَأى مِن آَيات رَبِّه الكبرى الدالة على عظمته -تبارك وتعالى.
هذا ما يتعلق بالمعراج، قال الإمام الطحاوي: (وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْعُلَا وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ [النجم: ١١]، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى).
الإسراء دَلَّ عَليه قوله -تعالى- في أول سُورة الإسراء التي تُسمى بسورة بَني إسرائيل، وسَمَّى الله هذه السورة بهذه الكرامة العظيمة التي حصلت للنَّبي صلى الله عليه وسلم ولذا فقد سميت هذه السورة بسورة الإسراء.
قال في أولها: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1]، ﴿سُبْحَانَ﴾ نَزَّه الله -تبارك وتعالى- نفسه عَن كل نقص وعيب ومشابهة للمخلوقين وعن النقص في صفات الكمال، مما يَدُل على أنَّ هذا الذي حصل للنَّبي -صلى الله عليه وسلم- آية عظيمة، فَنَزَّه -سبحانه وتعالى- نفسه بقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ وأيضًا هنا وَصَفَه بوصف العُبودية، فهو عَبد لا يُعبد، ووصفه بالعبودية في أعلى مقامات التشريف.
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلً﴾ والإسراء هو المَسير ليلاً، والمراد هو مَسير النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مِن المَسجد الحرام إلى المَسجد الأقصى ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ وهذا فيه بيان مكانة المسجد الأقصى، ولهذا ميز بهذه الميزة العظيمة وهذا التشريف العظيم، وهو أنَّ عُروج النَّبي صلى الله عليه وسلم كان مِن المسجد الأقصى ببيت المقدس إلى سِدرة المنتهى.
ذَكَرَ أهل العلم حِكَمٌ في كون النَّبي صلى الله عليه وسلم عُرج به مِن المسجد الأقصى ولم يعرج به مِن المسجد الحرام، فذكروا مِن هَذه الحِكم وهي على جِهة الاستنباط، أنَّ قُريشًا استعظمت هذا، فطلبت مِن النَّبي صلى الله عليه وسلم الدليل، فوصف لهم المسجد الأقصى، فقيل من الحكم: فيه إشارة إلى دلائل صِدق النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، ولله الحكمة البالغة في كون المعراج كان مِن المسجد الأقصى، فأسرى الله -تبارك وتعالى- بنبيه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى عُرج به -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى سِدرة المنتهى، فقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ وهذا دليل على أنَّ هذه آية عظيمة ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَ﴾ وهذا دليل على أنَّ في الإسراء والمعراج مِن الآيات العظيمة الدالة عَلى عظمة الله -تبارك وتعالى.
﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ هُنا مَسائل تتعلق بالإسراء والمعراج، هل الإسراء كان يَقظة أم مَنَامًا؟ وهل الإسراء والمعراج كان بجسده -عليه الصَّلاة والسَّلام- وروحه؟ أم كان بالروح فقط؟
والجواب على السؤال الأول، نقول: إنَّ الإسراء كانَ يَقظة لا مَنَامًا، بدليل أنَّ المُشركين مِن قُريش أنكروا ذلك واستعظموه وهم لا ينكرون المنامات، فلو كان الإسراء والمعراج مَنَامًا لما أنكرته قريش؛ لأنَّها لا تُنكر المنامات، ولهذا استعظمته وأنكرته، فكان  دليلاً على أنه كان يقظة لا منامًا.
ثم نقول: إنَّ الإسراء والمعراج كان بجسده -عليه الصَّلاة والسَّلام، ولهذا قال المؤلف: (وَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ) والدليل على أنه بجسده والروح أنَّ الله -تبارك وتعالى- قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ والعبد يُطلق على الجسد والرُّوح لا على الرُّوح فقط، ولهذا قال: (وَعُرِجَ بِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ).
 فقوله: (بِشَخْصِهِ) يدل على أنَّ الإسراء والمعراج كان بالجسد والرُّوح، وفي قوله: (فِي الْيَقَظَةِ) دليل على أنه يَقظة لا منامًا، وأكرمه الله -عز وجل- بما أكرمه به كما دَلَّت عَليه آية الإسراء وكما دلت عليه آية النَّجم، في أنَّ الله -عز وجل- أراه مِن آياته العُظمى، وأكرمه الله -عز وجل- بهذه الليلة الشَّريفة، فَقَدَّمَه على الأنبياء وصَلَّى بهم إمامًا، وكذلك كلمه الله -تبارك وتعالى- وأظهر مكانته بين الأنبياء والمرسلين.
الإسراء فيه من الآيات والعبر الدالة على عظمة الله -تبارك وتعالى- وعلى عظمة مخلوقاته، وكذلك فيه إظهار مكانة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، ولهذا قال -عليه الصَّلاة والسَّلام- كما جاء في صحيح مسلم، لما استعظمت قريش ذلك، لما أخبرهم بالإسراء والمعراج وأخبرهم بخبره، وأخذوا يسألونه عن أوصاف بيت المقدس، يقول -عليه الصَّلاة والسَّلام: «فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ»[73] يعني: مِن شدة مَا كُرِبَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- مِن إنكارهم عَليه، وهذا دليل على أنَّه لو كان مَنَامًا لما أنكرت قريش ذلك، ولا مَا كُرِبَ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام.
قال: «فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ، إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ»[74] من الآيات التي حصلت في ليلة الإسراء والمعراج، ومن الفوائد والحِكم التي تُستنبط مِن قِصة الإسراء والمعراج، في ذلك إثبات العلو لله -تبارك وتعالى، ما وجه إثبات العلو لله -تبارك وتعالى؟
المقصود العلو الذاتي الذي يُنكره المُعَطلة، فيثبتون عُلو القَدر وعُلو القَهر ولكنهم يُنكرون عُلو الذَّات.
مَا الدليلُ على هذه الآية في قصة المعراج؟
نعم يا شيخ سعيد.
{أحسن الله إليك.
أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- رُفِعَ به إلى السَّماء السَّابعة، واللوح المحفوظ هُناك والملكوت}.
لما نقول المعراج والعُروج، المعراج هو الصُّعود إلى الأعلى، أي: هو الصُّعود إلى سِدرة المنتهى، ففي المعراج إثبات العلو لله -تبارك وتعالى، العلو الذاتي، وفيه رَدٌّ على مَن يُنكر عُلو الله -تبارك وتعالى- الذاتي على مخلوقاته، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقول المُعَطِّلة عُلوًا كبيرًا.
وفيه أيضًا من الآيات والعبر إثبات صفة الكلام لله -تبارك وتعالى؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- كَلَّمَ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ففيه إثبات صفة الكلام، وأنَّ الله -تبارك وتعالى- يتكلم متى شاء، كيفما شاء، فإذا شاء بحرف وصوت مَسموع، سَمِعَه مِنه مُوسى، وَسَمِعَه محمد -صلى الله عليه وسلم.
ولهذا كان مِن فضائل النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه شَارك مُوسى بهذه الصفة، فَكَلَّمَه الله تكليمًا، ومُوسى -عليه السَّلام- كَلَّمَهُ الله تكليمًا، فَيُسَمَّى مُوسى بكليم الرحمن، وهكذا كَلَّمَ الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، وَشَارَك إبراهيم في صِفة الخُلة، فالله -تبارك وتعالى- اتخذ إبراهيم خليلاً، واتخذ محمدًا صلى الله عليه وسلم خليلاً.
فيه أيضًا مِن الآيات والعِبر والفوائد ما يدل على فضيلة نبينا -عليه الصَّلاة والسَّلام، حيث إنَّ الله -عز وجل- بَيَّنَ شَرَفَه وَمَكَانته حيث أمَّ بالأنبياء والمُرسلين في بَيت المَقدس، وكان -عليه الصَّلاة والسَّلام- مَا يَمر بالسَّماء وَيستفتح إلا وَيُفتَح له، ثم يسأله مَن في السَّماء وَيَرُد -عليه السَّلام- كما جاء في الحديث، أنَّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- عُرج به مِن بيت المقدس في تلك الليلة إلى السَّماء الدُّنيا، فاستَفتَحَ له جبريل، ففتح لهم، فَرَأى هُناك آدم -أبو البشر- فَسَلَّمَ عَليه، فَرَدَّ عليه السَّلام ورحبَ به، وقال: مرحبًا بالابن الصَّالح والنَّبي الصَّالح، وَأَقَرَّ بنبوته -عليه الصَّلاة والسَّلام، ثُمَّ عُرج به -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى السَّماء الثَّانية، فاستَفْتَحَ، فَفُتِح له، فَرَأى فِيها يَحيى ابن زكريا وعِيسى ابن مريم، وهما ابنا الخالة، فَرَحَبَا به -عليه الصَّلاة والسَّلام وأَقَرَّا بنبوته.
ثُمَّ عُرِجَ به إلى السَّماء الثَّالثة، وفيها رَأى يُوسُف -عليه السَّلام- فَسَلَّم عَليه وَرَحَّبَ بِه، وأَقَرَّ بنبوته، ثُمَّ عُرِجَ به إلى السَّماء الرَّابعة، فَرَأى بها إدريسَ، فَسَلَّم عَليه، وَرَحَّبَ بِه، ثُمَّ عُرِجَ بِهَ إلى السَّماء الخامسة، فَرَأى فيها هَارون ابن عِمران، فَسَلَّم عَليه وَرَحَّبَ بِه، ثُمَّ عُرِجَ بِهَ إلى السَّماء السَّادسة، فَرَأى فِيها مُوسى -عليه السَّلام- فَرَحَّبَ به وسلم عليه، ثُمَّ عُرِجَ بِهَ.
ولما غَادَرَ صلى الله عليه وسلم بَكى مُوسى -عليه السَّلام- فَسُئل مَا الذي أبكاك؟
فقال: إنَّ غلامًا بَعده يَدخلُ الجنَّةَ مِن أُمته أَكثر ممن يَدخلها مِن أُمَّةِ مُوسى -عليه السَّلام.
ثُمَّ عُرِجَ بِهَ إلى السَّماء السَّابعة، وفيها لَقِيَ إبراهيم -عليه السَّلام- فَرَحَّبَ بِهِ وَسَلَّمَ عَليه وَأَقّرَّ بنبوته، ثُمَّ رُفِعَ إلى سِدرة المنتهى وَرُفِعَ له البيت المعمور، وقد رَآه -عليه الصَّلاة والسَّلام- يَطوفُ بِه كُل يَوم سَبعون ألف ملكٍ، «لَمْ يَعُودُوا آخَرَ مَا عَلَيْهِمْ»[75].
وَسُمي بالبيت المعمور؛ لأنَّ الملائكة تَعمره، وهذا يَدل على عَظمة الملائكة وكرامة الملائكة، حيث يطوف بالبيت المعمور كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودن إليه.
ثم إنَّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- عُرج بِه إلى الجَبَّار جل جلاله وتقدست أسماؤه، وهناك في أعلى مكان وصل إليه بَشر، وفَرَضَ الله عليه الصَّلوات الخمس، فرضها الله -تبارك وتعالى- في أول الأمر خمسين صلاة، ثم إنَّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- عَادَ، فَلَمَّا مَرَّ عَلى مُوسى سَأله بما أَمَرَكَ ربك؟ فبين -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه فَرَضَ عليه خمسين صلاة.
 فقال موسى -عليه السَّلام- وهذا مِن شفقته ورحمته: إنَّ أمتك لا تَطيق ذلك، فارجع إلى رَبك وسله التَّخفيف، فنظر -عليه الصَّلاة والسَّلام- فألتف إلى جبرائيل، كأنه يستشيره، فأشار إليه أي: نعم، فانطلق -عليه الصَّلاة والسَّلام- مع جبرائيل حتى أتى الجبار -جل جلاله- ثُمَّ وَضَعَ عنه عَشرة، ثُمَّ عَادَ، فلمَّا أتى على مُوسى، قال: ارجع إلى ربك فسله التَّخفيف، فمازال -عليه الصَّلاة والسَّلام- بين ربه وبين موسى.
 وفي كل مَرة يُشير عَليه مُوسى -عليه السَّلام- وهذا مِن شفقته ورحمته بأمَّة محمد -عليه الصَّلاة والسَّلام، في كل مرة يشير موسى -عليه السَّلام- أن يرجع إلى ربه، فيسأله التخفيف، حتى جعلها الله خمسة، فأمره موسى -عليه السَّلام- بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام: «اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ»[76] وهذا فيه صفة الحياء مِن الله، قال -عليه الصَّلاة والسَّلام: «اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ».
فلمَّا نَفَّذَ مَا نَفَّذَ، «نَادَى مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي»[77]، فهي في الفعل خمس ولكن في الميزان خمسون، من باب المضاعفة، أو من باب مَن صَلَّى خَمس صلوات فكأنما صَلَّى خَمسين، ليست مِن باب المضاعفة، بل مَن صَلَّى الخمس فكأنما صَلَّى الخمسين، ثم بعد ذلك تكون المضاعفة، فالحسنة بعشر أمثالها، فهي خمس في الفعل ولكنها في الميزان خمسون صَلاة، ثُمَّ بَعد ذلك تكون المضاعفة، الحسنة بعشرة أمثالها.
في ليلة المعراج بيان فضيلة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام؛ لأنَّه قَبْلَ عُروجه، لما أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى صلَّى بالأنبياء إمامًا، ثُمَّ عُرج به -عليه الصَّلاة والسَّلام- فَمَا مَرَّ عَلى أهل سماء إلا رَحبوا به وأقروا بنبوته -عليه الصَّلاة والسَّلام.
كما فيه من الفضائل في قصة الإسراء والمعراج مشاركته -عليه الصَّلاة والسَّلام- لموسى -عليه السَّلام- في صفة التكليم.
فيه أيضًا من الفوائد شَفقة مُوسى ورحمته بهذه الأمة، حيث أَمَرَ نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- التخفيف لأمته في الصَّلاة.
وفيها أيضًا العبر من الآيات والعبر من عظم مخلوقات الله -تبارك وتعالى- وسعتها، ولا شك أنَّ الخَالِق العظيم عَظيم، وفيها أيضًا مِن الفوائد مُعجزة الرَّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام، فإنَّ الإسراء والمعراج آية مِن الآيات الدالة على صدق الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام.
وأيضًا مِن الفوائد استشارة أهل الفضل والصَّلاح، حيث إنَّ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أشار عليه موسى واستشار جبرائيل، فالإنسان مَهمَا بَلَغَ في مقامات الفضل، فهو بحاجة إلى المَشورة واستشارة أهل الفضل والصَّلاح والتُّقى.
 فهذا نبينا -عليه الصَّلاة والسَّلام- وفي أشرف ليلة له، وقد أمَّ بالأنبياء في بيت المقدس ومع ذلك يَقبَلَ المشورة من موسى -عليه السَّلام- وينظر إلى جبريل فيستشيره، فالإنسان مهما بلغ في مقامات الفضل والعلم، فهو بحاجة إلى المشورة من أهل الفضل والنصح والصَّلاح.
من الفوائد أيضًا: بيان فضل بيت المقدس، أعاده الله للمسلمين وطَهَّره مِن أَرجَاس اليهود، حيث إنَّ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- عُرج به مِن بيت المقدس إلى سدرة المنتهى، في أعلى مكان وصل إليه بشر، وهناك سمع -عليه الصَّلاة والسَّلام- صريف الأقلام.
فيه أيضًا من الفوائد: بيان مكانة الصَّلاة وفضل الصَّلاة، حيث إنَّ الله -تبارك وتعالى- فرضها على نبيه -عليه الصَّلاة والسَّلام- أي: من الله مباشرة من غير واسطة.
وأين فرضها؟
عند سدرة المنتهى، مما يدل على عِظم هذه الصَّلاة، التي جعلها النَّبي -صلى الله عليه وسلم- الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، فقال: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»[78]، وقال: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»[79] وهي آخر وصية أوصى بها النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام؛ ولأجل ذلك انظروا كيف فرضت في أول الأمر؟ وأين فرضت؟
فهذا يدلك على مكانة هذه العبادة العظيمة.
بخلاف بقية الأحكام والشرائع فإنها تُفرض على الأرض وبواسطة جِبريل، أمَّا الصَّلاة فلأهميتها ومكانتها في الإسلام، أُسرِيَ بالنَّبي -صلى الله عليه وسلم- لأجلها، ثُمَّ عُرِجَ به إلى سِدرة المُنتهى هناك في أعلى مكان وصل إليه بشر.
وقد فرض الله عليه هذه الصَّلاة مباشرة بغير واسطة، مما يدل على مكانتها وعظمتها، والصلاة صلة بين العبد وربه.
ولهذا مِنَ العجب أن تجد مِن المُسلمين مَن يَحتفي بليلة الإسراء والمعراج، فيحيي هذه الليلة، مع أنه لم يثبت تاريخ معين لليلة الإسراء والمعراج؛ لأنَّ الإسراء والمعراج كان في مكة قبل الهجرة، فلم يثبت في أي ليلة كانت تلك الليلة، ومع ذلك تجد من المسلمين مَن يَحتفي بها كما يَحتفي بالمولد النَّبوي، وربما يُحيي تلك الليلة بالمدائح التي فيها شيئًا مِنَ الشِّرك، وبأمور مَا أَنزل الله بها من سلطان، والنَّبي صلى الله عليه وسلم لم يَحتفي بتلك الليلة، ولم يَحتفي صحابته بتلك الليلة.
وَمِنَ العَجب أن تجد هؤلاء الذين يَحتفون بإحياء ليلة الإسراء والمعراج هُم مَن يُهملون الصَّلاة ويُقصرون في الصَّلاة، وهذا مِن العَجب، كما أنَّك تَجد أحيانًا ممن يَحتفون بالمولد النَّبوي هم مِن أَكثر النَّاس تَقصيرًا في سُنَّة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، بل تجد ممن يَحتفي بالمولد النَّبوي إِذا جَاء في الاحتجاج بالأحاديث، قال: أحاديث آحاد لا يُحتج بها، فَيَرُدَّ أحاديث النَّبي صلى الله عليه وسلم، ومَع ذلك تجده يتمسك بمثل هذه البدع التي مَا فعلها النَّبي صلى الله عليه وسلم ولا فعلها الصَّحابة.
وهكذا تجدُ في الأمَّة مَن يَحتفي بالليلة بِزَعْمِهِ أنَّ ذلك يعد تعبيرًا عَن حُبه للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ونقول: دليل المحبة الحقيقية هي اتباع النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- والاهتداء بهديه، ومِن ذلك المحافظة على هذه الصَّلاة التي كانت لها هذه المكانة العظيمة في هذه الليلة التي رأى فيها النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- مِن آيات الله الدالة على عظمته.
قال: (فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) صلاة الله على نبيه -عليه الصَّلاة والسَّلام- هي ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، وأمَّا صلاة الملائكة وصلاة المؤمنين فهي الدعاء له بأن يُثني الله عليه في الملأ الأعلى، فَصَلَّى الله عليه وسلم.
والنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- يُجمع له بين الصَّلاة والسَّلام، كما قال الله -تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾ [الأحزاب: 56]، (فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) أي: في الآخرة والدنيا.
هذا مَا يَتَعَلق بمعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في الإسراء والمعراج، التي هي من الآيات الدالة على نبوة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام.
قال في الموضوع السادس في هذه العقيدة: (وَالْحَوْضُ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ غِيَاثًا لِأُمَّتِهِ حَقٌّ) الحوض يقصد به الحوض الذي يكون في عرصات القيامة، والحوض في اللغة هو مَجمَع الماء، ويختلف الحوض عن النَّهر، فالنَّهر يجري، والنَّهر في الجنَّة، مثل: نهر الكوثر في الجنَّة، وأمَّا الحوضُ فهو في عَرصات القِيامة، بدليل أنَّه يُزاد عنه أقوام، وهذا دليل على أنَّ الحوض في عرصات القيامة، ولكن الحوض يستمد ماءه مِن نَهر الكوثر، يَصب فيه ميزابان، ميزاب مِن ذهب، وميزاب مِن فِضة، فالحوض في عرصات القيامة، بدليل أنه يُزاد عنه أقوام، وأمَّا الكوثر فهو نهر في الجنة.
قال: (وَالْحَوْضُ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ) فهو كرامة للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، (وَالْحَوْضُ الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ) أكرم الله به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم (غِيَاثًا لِأُمَّتِهِ حَقٌّ) أي: يشربون منه، (لِأُمَّتِهِ حَقٌّ) أي: ثابت لا شك فيه ولا مِرية فيه.
وقد تواترت الأحاديث في إثبات الحوض للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- حتى جاءت الأحاديث عَن أكثر مِن خمسين من الصحابة، فأكثر من خمسين صحابي رووا أحاديث الحوض وما يتعلق بصفات الحوض، كما جاء في السنة.
يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في كتابه البداية والنهاية: "ذكر ما ورد في الحوض المحمدي، سقانا الله منه يوم القيامة -اللهم أمين- من الأحاديث المشهورة المتعددة مِن الطُّرق المأثورة الكثيرة المتضافرة، وإن رغمت أنوف كثير مِن المبتدعة المكابرة" الذين يُنكرونه تقليدًا للمعتزلة الذين ينكرون أخبار الآحاد، وكذلك العقلانين الذين يتبعون المعتزلة في إنكار هذه المُغيبات والكرامات للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام.
يقول: "وإن رغمت أنوف كثير من المبتدعة المكابرة القائلين بجحوده المنكرين لوجوده، وأَخْلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده" فمن أنكر هذه الكرامة العظيمة، فهو حَرِّيٌ بِحرمانها وحَرِّيٌ بالطرد عَن الحوض, "كما قال بعض السلف: مَن كَذَّبَ بكرامة لم يَنَلها، ولو اطَّلَعَ المُنكِرُ للحوض على ما سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يَقلها" يعني مِنَ الذين أنكروا الحوض هم حَري بحرمانه، كما أنَّ مَن أنكر رؤية الله -تبارك وتعالى- في الجنَّة، فهو حَرِيٌ بحرمان هذه الكرامة العظيمة، أعظم نعيم يتنعم به أهل الجنة رؤيتهم لربهم -تبارك وتعالى، فيأتي مَن يُنكرها ويقول إنَّ الله لا يَرَى، فهو حَرِيٌ بحرمانه هذه الكرامة العظيمة وهذا الثواب العظيم، وهكذا مَن أَنكر الحوض وَزَعَمَ أنَّ الأحاديث لم تَثْبُت أو أنَّه لا يَعقِل، فهو حَرِيٌ بأن يُحرم هذه الكرامة العظيمة.
ويقول: "مَن كَذَّبَ بِكَرَامَةٍ لم يَنلها"، مَن أَنْكَر الشَّفاعة فهو حَرِيٌ بأن لا يُنَال الشَّفاعة، ومَن أَنْكَرَ رؤية المؤمنين لربهم -تبارك وتعالى- في جَنَّاتِ النَّعيم، فهو حَرِيٌ بحرمانها، وَمَنْ أَنْكَر الحَوضُ فَهو حَرِيٌ بالطَّردِ عَن الحَوض -عياذًا بالله.
قال: "ولو اطلع المُنكِر للحوض على مَا سَنُورده مِن الأحاديث قبل مقالته لم يَقُلها" إن كان في قلبه إيمانًا وتعظيمًا لقول النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام.
ابن أبي العِز الحَنَفِي وهو تلميذ لابن كثير، يقول في شَرحه للعقيدة الطحاوية: "الأحاديث الواردة في ذِكرِ الحَوض تَبْلُغ حَدَّ التَّواتر، رواها مِن الصَّحابة بضع وثلاثون صحابي، ولقد استقصى طرقها شيخنا الشيخ عِمَاد الدين بن كثير" وهذا يدل على أنَّ ابن كثير هو شيخ لابن أبي العز الحَنَفِي -تغمده الله برحمته- في آخر تاريخه الكبير المسمى بالهداية والنهاية.
مِن هذه الأحاديث مَا جَاء في الصحيحين أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ»[80] والفرط هو السَّابق للماء، ولهذا يُقال للطفل الصَّغير إنَّه فَرَط، أي: سابق لوالديه وَيَشْفَعَ لهم، فيقول -عليه الصَّلاة والسَّلام:
«إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدً»[81] وهذا يَدُلُّ على أنَّ مَن شَرِبَ من الحوض فإنَّه داخلٌ الجنَّة، بفضل الله وَمَنِّه وَكَرَمِه؛ لأنَّ مَن شَرِبَ مِنْهُ لا يظمأ أبدًا، وهذا دليلٌ عَلى أنَّ مَن شرب مِن الحوض فقد نجا، فلا يحتاج بعد ذلك  إلى الشُّرب مِن ظمأ وإنما يشرب تَلَذذا؛ لأنَّ مَن شرب مِنه لم يَظمأ أبدًا.
في بعض الكتب أو في بعض الأدعية يقولون: ونسأل الله أن نشرب بيده الشريفة، وهذا لم يَرد، هذا القيد "بيده الشريفة"، وإنما الذي وَرَدَ: "مَن شَرِبَ لم يظمأ أبدًا".
ثم قال -عليه الصَّلاة والسَّلام: «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي»[82] أي بأوصافهم من أمته «ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» وهذا يدل على أن ليس جميع الأمة ترد الحوض، وإنما هنا من يمنع من الورود على الحوض من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، بدليل قوله: «ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي» أي: مِن أُمتي «فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» وكلمة لا تدري فيها دليل على أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لا يَعلم الغَيب، وأنَّه بعد مَوته لا يَعلم بحال أمته، ولهذا لا يُسأل مِن دُون الله، ولا يُستغاث به بعد موته -عليه الصَّلاة والسَّلام- ولا بدعائه، لماذا؟ لأنه لا يَدري.
«فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» وهذا دليل على أنَّ مَن أحدَثَ في الدين حدث، فهو يُطرد عَن الحوض «فَأَقُولُ: سُحْقًا، سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي» فكل مَن أَحدَثَ في الدين وابتدع في الدين، فإنه يُعاقب بأنَّه لا يَرِد على حوض النَّبي -صلى الله عليه وسلم- إذا مَات مِن غَير توبة.
يقول ابن أبي مليكة: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا" أي نرتد وننتكس عن ديننا "أَوْ نُفْتَنَ" والحديث رواه البخاري ومسلم.
هل الحوض خاصٌ بالنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام؟ أم أنَّ لكل نبي حوض؟
قد جاء في بعض الأحاديث ومن الأحاديث ما رواه الترمذي، أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لكلِّ نبيٍّ حَوضً»[83] ويتباهى الأنبياء بأحواضهم، والنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- يمتاز حوضه بأنه أعظم أحواض الأنبياء وأحلاها وأكثرها ورودًا، فلكل نبي حوض فيتباهون ويتفاخرون، وأكثر الأنبياء ورودًا على الحوض، أي: أكثر مَن يَرد من الناس هم على حوض النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- فيمتاز حوضه -عليه الصَّلاة والسَّلام- بأكثرها ورودًا وأحلاها.
 وقد جاء بالسنة أوصاف الحوض وفي طوله وفي عرضه وفي عدد آنيته، أحلى من العسل وأبيض مِن اللبن، وآنيته كعدد نجوم السماء، إلى غير ذلك مِن الأوصاف التي جاءت في الأحاديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه العقيدة مُستقرة عند المسلمين، سلفًا وخلفًا، حتى قال أنس وهو أحد رواة أحاديث الحوض: "ولقد أدركْتُ عَجائِزَ بالمدينةِ لا يُصَلِّينَ صلاةً إلا سألْنَ اللهَ تعالى أن يورِدَهنَّ حَوْضَ مُحَمَّدٍ"، وأنس هو خادم النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنه يحكي عَن كبار الصَّحابة ويقول: أدركت عجائز، وفيه دليل على أنَّها عَقيدة مُستقرة عندهم، حتى إنهم يسألون الله -تبارك وتعالى- في الصَّلاة الورود على الحوض، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلني وإيَّاكم وإخواننا المشاهدين والمستمعين ممن يردون حوض النَّبي -صلى الله عليه وسلم.
هذا ما يتعلق بمعتقد أهل السنة والجماعة في حوض النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، أخيرًا قال الإمام الطحاوي -رحمه الله: (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ) الشَفاعة التي ادخرها، أي: النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- فهي حَق وَصِدق وثابتة، كما دَلَّ عليها كتاب الله وكما دَلَّ عَليها حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
جاء في الحديث المتفق عليه، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[84] وهذا معنى قوله في أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم (ادَّخَرَهَ) أي: لأمته «وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئً» وهذه فيه إثبات الشَّفاعة لأهل الكبائر مِن الموحدين.
الشَّفاعة دَلَّ عَليها القرآن ودلت عليها السُّنَّة، ومِن أدلة القرآن على الشَّفاعة، قوله -تبارك وتعالى: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودً﴾ [الإسراء: 79] والمقام المحمود هو شفاعته -عليه الصَّلاة والسَّلام- في أهل الموقف، وهي الشَّفاعة العُظمى في أهل الموقف، للفصل والقضاء.
هذه الشفاعة التي يعتذر عنها الأنبياء، يعتذر عنها آدم، ويعتذر عنها نوح وهو أول الرسل، ويعتذر عنها إبراهيم وهو خليل الرحمن، ويعتذر عنها موسى وهو كليم الرحمن، ويعتذر عنها عيسى، ثم يأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم فيقول: «أنا لها أنا له»[85] فيشفع في أهل الموقف.
 هذه الشَّفاعة التي قَال عنها النَّبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاة الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، إِلا حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[86] وهذا فيه دليل على أنَّ المحافظة على الدُّعاء بعد سماع الأذان مِن أَسباب نيل شفاعة النَّبي صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يرزقنا وإيَّاكم شفاعته.
أيضًا جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة، "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لا يَسْأَلَني عَنْ هذَا الْحَدِيِثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ لِما رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ خَالِصَاً مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ»[87] يعني شك الراوي هل قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مِن قلبه أو قال من نفسه؟
وفيه دليل على أنَّ الإخلاص والتَّوحيد وقول لا إله إلا الله بإخلاص مِن أسباب نيل شفاعة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ خَالِصَاً مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ» فهؤلاء هم أسعد الناس بشفاعة النَّبي -صلى الله عليه وسلم.
الشَّفاعة التي جاءت في القرآن جاءت مُثبتة وجاءت مَنفية، فالشَّفاعة المنفية هي التي تُسأل مِن غَير الله، أو بغير إذنه أو بغير رضاه، وأمَّا الشفاعة المثبتة فهي التي تُسأل بإذنه، وبرضاه عن الشَّافع وعن المشفوع فيه، فالشَّفاعة العُظمى التي هي في أهل الموقف والتي هي المقام المحمود، لا يَتَقَدم النَّبي صلى الله عليه وسلم بطلبها وإنما يؤذن له ابتداءً، وهكذا الشفاعات يُؤذن للشَّافع أن يَشْفَع، ففيها إظهار كرامة الشَّافع وفيها مَنفعة في المشفوع فيه.
الشَّفاعات في الآخرة أنواع: هناك شفاعات خاصة بالنَّبي صلى الله عليه وسلم ومنها:
-       شفاعته في أهل الموقف التي هي المقام المحمود.
-       وشفاعته في دخول أهل الجنة الجنة، هذه خاصة بالنَّبي -صلى الله عليه وسلم.
-       وهناك شفاعة خاصة به وهي شفاعته -عليه الصَّلاة والسَّلام- بعمه أبي طالب، ليخفف عنه العذاب فقط.
-       وبقية الشفاعات في أقوام استحقوا النار ِمن أهل التوحيد أن لا يدخلوا النَّار، وفي أقوام دخلوا النَّار أن يخرجوا مِن النَّار، وفي أقوام دخلوا الجنَّة في رفع درجات في الجنة، فهذه تكون للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتكون لغيره من النَّبيين والملائكة والشهداء والصالحين.
والقرآن يَشفع والصيام يَشفع، والشُّهداء يشفعون، ولهذا يأتي القرآن شفيعًا لأصحابه يوم القيامة، إلا أنَّ هناك صنف مِن المؤمنين لا تُقبل شفاعتهم.
من هم الذين لا تقبل شفاعتهم؟
اللاعنون كما جاء في حديث صحيح من حديث أم الدرداء عن أبي الدرداء، أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَكُون اللَّعَّانُونَ شُهَدَاء وَلا شُفَعَاء يَوْم الْقِيَامَة»[88] أعاذنا الله وإيَّاكم مِن هَذا الوصف، فكثير اللعن يوم القيامة لا تُقبل شفاعته ولا شهادته.
هذا ما يتعلق بموضوع الشَّفاعة والأسباب التي بها يَنال العبد الشَّفاعة، ومنها:
-       إخلاص التَّوحيد لله -تبارك وتعالى.
-       المحافظة على الأدعية بعد الأذان.
-       كثرة الصَّلاة على النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام.
-       قد جاء أيضًا في سكن المدينة أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وعد مَنْ صَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، إلا كان له شفيعًا يوم القيامة.
قال صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[89].
-       كثرة الصَّلاة على النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أيضًا من الأسباب التي ينال بها العبد شفاعة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام.
بهذا يكون انتهى هذا الموضوع السَّابع بالعقيدة الطحاوية ونُنْهِي به المقرر في هذا المُستوى في برنامج البناء العلمي.
ابتداءنا بقول الإمام الطحاوي -رحمه الله: (هَذَا ذِكْرُ بَيَانِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى مَذْهَبِ فُقَهَاءِ الْمِلَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ الْكُوفِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَمَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَيَدِينُونَ بِهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ).
إذن نهينا هذه عقيدة هؤلاء الأئمة، وكذلك جميع أئمة الإسلام، ماذا يعتقدون؟ يقول أولاً: (نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ، وَلَا شَيْءَ يُعْجِزُهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ) فتحدث عن التَّوحيد وحقيقة التَّوحيد، وأنواع التَّوحيد، وأَدخَل في موضوع التَّوحيد مَا يَتَعَلق بمسائل القدر؛ لأنَّها مِن توحيد الربوبية ومن توحيد الأسماء والصفات.
ثم انتقل إلى الموضوع الثاني المتعلق بالنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، وأنَّهم يعتقدون (أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُصْطَفَى، وَنَبِيُّهُ الْمُجْتَبَى، وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضَى) ثم الموضوع الثالث المتعلق بعقيدتهم في القرآن وأنَّه كلام الله المنزل منه بدأ وإليه يعود، تكلم الله به حقيقة، سمع منه جبريل وتكلم به، ونزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كلام الله حقيقة.
أيضاً في الرؤية لأهل الجنة وأنها حق بغير إحاطة ولا كيفية، وكذلك في المعراج.
وأخيرًا ختم بالحوض الذي أكرمه الله -تعالى- به غياثاً لأمته، ثم ختم بالشَّفاعة التي ادخرها لهم، فهي حق كما رُوي في الأخبار.
أسال الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا وإيَّاكم ممن يرد الحوض، وممن ينال شفاعة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام.
أسأله -تبارك وتعالى- أن يعلمنا وإيَّاكم العِلم النَّافع والعَمَلَ الصَّالح، وأن يجعلنا وإيَّاكم هُداة مُهتدين غَير ضالين ولا مُضلين، وأن ينفع بكم الإسلام والمسلمين، وأسأله -تبارك وتعالى- أن يرزقنا وإيَّاكم العِلم النَّافع والاهتداء بهديه -عليه الصَّلاة والسَّلام- وأن يَرزقنا التَّوحيد والإخلاص.
 وأسأله -تبارك وتعالى- أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يُعيد المسجد الأقصى إلى ديار الإسلام مُطَهَرًا مِن أرجاس اليهود، وأن يجعل هذا البلد الطيب المبارك محفوظًا بحفظه -تبارك وتعالى- ناصرًا للسُّنَّة والتَّوحيد كما هو، وأسأله –عَزَّ وَجَلَّ- أن يوفق عُلماء المُسلمين لإحياء سنة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ونشرها بين عموم المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 


[1] صحيح البخاري (7321).
[2] صحيح البخاري (6260).
[3] صححه الألباني في الكلم الطيب (206).
[4] متفق عليه بلفظ: "إنَّكَ تَقدَمُ على قومٍ أهلِ الكِتابِ. فلْيَكُنْ أولَ ما تَدعوهم إليه عِبادَةَ اللهِ عزَّ وجَلَّ. فإذا عرَفوا اللهَ ، فأخبَرهم أنَّ اللهَ فرَض عليهِم خمسُ صلَواتٍ في يومِهِم وليلَتِهِم. فإذا فعَلوا ، فأخبَرَهم أنَّ اللهَ قد فرَض عليهِم زَكاةً تؤخَذُ مِن أغنِيائِهِم فتُرَدُّ على فُقَرائِهِم. فإذا أطاعوا بها ، فخُذْ منهم وتوَقَّ كَرائِمَ أموالِهم"
[5] سنن أبي داود (2711) وصححه الألباني.
[6] صحيح ابن حبان ، صحيح النسائي، وصححه الألباني
[7] متفق عليه بلفظ: "إنَّكَ تَقدَمُ على قومٍ أهلِ الكِتابِ. فلْيَكُنْ أولَ ما تَدعوهم إليه عِبادَةَ اللهِ عزَّ وجَلَّ. فإذا عرَفوا اللهَ ، فأخبَرهم أنَّ اللهَ فرَض عليهِم خمسُ صلَواتٍ في يومِهِم وليلَتِهِم. فإذا فعَلوا ، فأخبَرَهم أنَّ اللهَ قد فرَض عليهِم زَكاةً تؤخَذُ مِن أغنِيائِهِم فتُرَدُّ على فُقَرائِهِم. فإذا أطاعوا بها ، فخُذْ منهم وتوَقَّ كَرائِمَ أموالِهم"
[8] الترمذي عن أبي هريرة وصححه الألباني
[9] الصحيح المسند عن عبدالله بن عباس، وقال الوادعي: صحيح على شرط الشيخين | انظر شرح الحديث رقم 84207
[10] حديث: "تفترقُ أمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةٍ، كلُّها في النَّارِ إلَّا واحدةٌ، قالوا وما تلكَ الفرقةُ؟ قالَ: ما أنا عليْهِ اليوم وأصحابي" [رواه ابن حجر في لسان الميزان، وقال عنه: (محفوظ)].
وورد بلفظ: "ليأتينَّ على أمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حَذوَ النَّعلِ بالنَّعلِ، حتَّى إن كانَ مِنهم من أتى أُمَّهُ علانيَةً لَكانَ في أمَّتي من يصنعُ ذلِكَ، وإنَّ بَني إسرائيل تفرَّقت على ثِنتينِ وسبعينَ ملَّةً، وتفترقُ أمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ ملَّةً، كلُّهم في النَّارِ إلَّا ملَّةً واحِدةً، قالوا: مَن هيَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أَنا علَيهِ وأَصحابي" [الترمذي عن عبدالله بن عمرو وصححه الألباني]
[11] صحيح مسلم (2713).
[12]سنن ابن ماجه عن أبي هريرة وصححه الألباني.
[13] سنن ابن ماجه عن أبي هريرة وصححه الألباني
[14] سنن ابن ماجه عن أبي هريرة وصححه الألباني
[15] جواب الإمام مالك رحمه الله ثابت عنه من غير وجه، فقد أخرجه جماعة منهم: الدارمي في (الرد على الجهمية) (ص55) والبيهقي في (الأسماء والصفات) (ص408) واللالكائي في (شرح أصول الاعتقاد) (664) والصابوني في (عقيدة السلف) (24 ـ 26).
[16] صحيح مسلم (132).
[17] صحيح مسلم (133).
[18] سنن أبي داود (5112)، وصححه الألباني.
[19] صحيح البخاري (6664).
[20] صحيح البخاري (3276).
[21] صحيح مسلم عن أبي هريرة
[22] الترمذي عن أبي هريرة وصححه الألباني
[23] صحيح البخاري
[24] صحيح ابن ماجة عن أبي موسى الأشعري وصححه الألباني.
[25] البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[26] صحيح أبي داود عن أنس بن مالك وصححه الألباني.
[27] صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري
[28] صحيح ابن حبان عن حذيفة رضي الله عنه وفي صحيح أبي داود وصححه الألباني، وهو -أيضًا- في مسلم عن البراء بن عازب بلفظ: نَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا أخذ مضجعَه ، قال " اللهمَّ ! باسمِك أحيا وباسمك أموتُ " . وإذا استيقظ قال " الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا ، وإليه النشورُ " .
[29] البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو بلفظ: لا يَتمنَّينَّ أحدُكمُ الموتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ ، فإن كانَ لا بدَّ فاعِلًا ، فليقُلْ اللَّهُمَّ أحيِني ما كانتِ الحياةُ خَيرًا لي ، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خَيرًا لي.
[30] البخاري 6981
[31] مسلم والترمذي
[32] قال ابن القيم: (وقال الإمام أحمد: القدرُ قدرة الله. واستحسن ابن عقيل هذا الكلام جداً، وقال: هذا يدل على دقة أحمد وتبحره في معرفة أصول الدين، وهو كما قال أبو الوفاء، فإن إنكاره إنكار لقدرة الرب على خلق أفعال العباد وكتابتها وتقديره) وقد صاغ ابن القيم لهذا المعنى شعراً فقال:
واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد   لمـا حكاه عن الرضا الربان
فحقيقة القدر الذي حار الورى    في شأنه هو قدرة الرحمـــــن
 
[33] قال شيخ الإسلام في الفتاوى، كتاب الصلاة: "قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي الْقَدَرِيِّ: إنْ جَحَدَ عِلْمَ اللَّهِ كَفَرَ وَلَفْظُ بَعْضِهِمْ نَاظَرُوا الْقَدَرِيَّةَ بِالْعِلْمِ فَإِنْ أَقَرُّوا بِهِ خَصَمُوا وَإِنْ جَحَدُوهُ كَفَرُوا"
[34] تقدم في (1)
[35] صحيح مسلم (2653).
[36] يقصد حديث مسلم السابق (4) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ"
[37] سنن أبي داود (4708) وصححه الألباني في صحيح أبي داود
[38] متفق عليه
[39] يقصد حديث البخاري ومسلم «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
[40] يقول الطحاوي: "يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا وإن لم تبر كذا، لما هو دون ذلك، وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا، وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا، وإن عملت كذا حرمت كذا، وإن لم تعمله رزقت كذا، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه" انتهى . "بيان مشكل الآثار" (7 / 202)
[41] المصدر السابق (6)
[42] صحيح البخاري (15757).
[43] صحيح البخاري (31169).
[44] صحيح البخاري (4949).
[45] واه البخاري (4896) ومسلم (2354)
[46] صحيح البخاري (6471)
[47] صحيح البخاري (7440) من حديث أنس بن مالك
[48] صحيح البخاري (3213).
[49] أخرجه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ"
[50] مسند الإمام أحمد، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ".
[51] صحيح البخاري (4712).
[52] صحيح مسلم (2278).
[53] صحيح مسلم (3992).
[54] صحيح البخاري (6216).
[55] صحيح مسلم (4822).
[56] صحيح مسلم (832).
[57] صحيح البخاري (4209)، صحيح مسلم (2407).
[58] صحيح مسلم (153).
[59] رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/441) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 408) وصححه الذهبي وشيخ الإسلام والحافظ ابن حجر. انظر: مختصر العلو (ص 141)، مجموع الفتاوى(5/365)، فتح الباري (13/501) بألفاظ متقاربة ومعنى متحد.
[60] مجموع الفتاوى (63/203).
[61] أخرجه مسلم عن خولة بنت حكيم
[62] البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب
[63] البخاري ومسلم
[64] مسلم (1628)
[65] مسلم (266) عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ.
[66] تقدم تخريجه في (2)
[67] متفق عليه
[68] البخاري (543) ومسلم (1011)
[69] البخاري (1326) ومسلم (632)
[70] أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ"
[71] رواه البخاري 1 /122 (315)، ومسلم 1 /265 (335)، وهذا لفظه.
[72]
[73] البخاري: (172) عن أبي هريرة
[74] تقدم تخريجه في (1)
[75] متفق عليه- عَن مَالك بن صعصعة
[76] رواه البخاري ( 342 ) ومسلم ( 163 )
[77] البخاري (3674)
[78] رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه
[79] أخرجه مسلم.
[80] رواه البخاري (6212) ومسلم (2290)
[81] تقدم تخريجه في (8)
[82] تقدم تخريجه في (8)
[83] السلسلة الصحيحة عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  إنَّ لكلِّ نبيٍّ حَوضًا، وإنهم يتباهَون أيهم أكثرُ وَارِدَةً، وإني أرجو اللهَ أن أكون أكثرَهم واردةً.
[84] البخاري (5970 ) ومسلم (330)
[85] السلسلة الصحيحة (2817)
[86] البخاري (583)
[87] البخاري (6115)
[88] مسلم من حديث أبي الدرداء
[89] مسلم (1363) عن سَعْدٍ بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ، أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا ، وقَالَ: الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك