الدرس التاسع

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

11542 13
الدرس التاسع

الأربعون النووية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أمَّا بعد،
فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعمر أوقاتنا بذكره، وأن يجعلنا من أهل العلم به، وتحقيق توحيده، واتباع سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم.
أهلًا وسهلًا بكم أيها الإخوة المشاهدون والمشاهدات، في مجلسٍ نرجو أن يجعله الله -جلَّ وعلَا- من مجالس العلم والموعظة، واتباع الأثر والسنة، واقتفاء هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله أن يسددنا للحق، وأن يشرح قلوبنا به، وأن يعيننا عليه، وأن يثبتنا حتى نلقاه، وأن يجعلنا على ذلك متواصين، وبه عاملين، وله معلمين، إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
لعلنا -بإذن الله جلَّ وعلَا- أن نكمل ما كنا توقفنا عنده، من الحديث السابع عشر، لولا أنَّ الطالب صهيب قال: إنَّا كنا قد وعدناكم أن نتحدث بآخر مسألةٍ في الحديث السادس عشر، في قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب»، لمَّا ذكرنا دواء الغضب، ولعلنا نذكر ذلك على سبيل الاستعجال.
لاشك أنَّ الغضب، من أشد ما يكون سببًا لحصول البلاء على المرء، فبالغضب يُطَلِّقُ المرء زوجته، وبالغضب يتعدى الإنسان على صاحبه، وبالغضب يحصل للإنسان أحيانًا ورطاتٍ وبلياتٍ في دينه، وفي دنياه، وكم تكلم أناسٌ بكلامٍ لا يرتضونه لأنفسهم، لكنهم لما غضبوا تكلموا، وكم اعتدى إنسانٌ على غيره لمَّا غضب.
إذن كان لزامًا على الإنسان أن يعلم أنه لابد أن يحجم بنفسه عن مواطن الغضب، ولذلك ذكرنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصُّرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
وذكرنا أنَّ المرء ينبغي له يعرف الأشياء التي تحرك نفسه، وتغيظ قلبه، وتدعوه إلى حظوظ النفس وشهواتها ورغباتها، فيبعد عنها؛ لئلا يستدعيه ذلك إلى أن يغضب، وإلى أن يخرج عن اعتداله وحسن مزاجه، ومن أعظم ما يكون به ذلك ذكر الله ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، ومن اطمئن قلبه فإنه لن يغضب، وإذا غضب فإنه يُحفظ -بإذن الله سبحانه وتعالى.
لكن لا ينفك الإنسان من أنه قد يأتيه إما في حال ضعف نفسه، أو تسلط شيطانه، أو غفلته إلى غير ذلك مما يجري، فيغضب، إذا غضب الإنسان ماذا يفعل؟ هذا قد جاءت به الأحاديث النبوية، وليس أتم من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في علاج النفوس، وما يحصل به دواء دائها وبلائها وشرها، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى الرجلين، يتخاصمان، قال: «إني لأعلم كلمةً لو قالها هذا لذهب ما به، أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، فلما قيل له: ألا تسمع إلى ذلك؟ قال: أبي جنونٌ؟! فانظر كيف فعل به الغضب، والخروج عن سيطرته على نفسه، واستقباله لوصية نبيه -عليه الصلاة والسلام.
وجاء أيضًا من أعظم الأشياء التي يُدفع بها الغضب، ما يكون من الوضوء، فإنه جاء في الحديث عند أحمد وغيره، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، فإذا غضب أحدكم فليتوض»، فإنه يذهب عنه ما يجده، ويضعف عنه ما يأتي عليه، إذا توضأ بذلك.
أيضًا من الأشياء التي تُذهب عن الإنسان غضبه، أنه إذا كما جاء ذلك أيضًا في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب وهو قائمٌ، فليلزق بالأرض، فليجلس، فإن لم يذهب عنه، فليضطجع»، لماذا؟ لأن حظوظ النفس، وغليان الدم، إنما يكون في حال القيام، أكثر منه في حال الجلوس، وهو في حال الجلوس، أكثر منه في حال الإضطجاع، لأجل ذلك فإنه إذا جلس تسكن نفسه، وإذا اضجع تكون أكثر سكونًا، فيكون بذلك دواء غضبه، وحفظ نفسه من لأواء النفوس وبلائها، واعتدائها وظلمها، وطغيانها.
هذه جملةٌ من المسائل التي أرجو أن تكون نافعةً في هذه الوصية النبوية العظيمة، لعلنا بعد ذلك أن ننتقل إلى الحديث التالي، وأيضًا ربما نكون أسرع، وفي الدرس القادم -إن شاء الله- يكون الأمر أكثر سرعةً، لا لأننا نفوت الفوائد، لكننا نجملها، وكثيرٌ من الفوائد التي سيأتي الكلام عليها، ربما كنا قد عرجنا عليها في مبتدأ الأحاديث، وأول الكلام على الشروحات، مما تقدم ومما مضى من الدروس الماضية.

نكمل الحديث السابع عشر، تفضل.
{الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، فاللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين، وللمشاهدين، ولجميع المسلمين.
أورد النووي -رحمه الله- في كتابه الأربعين، الحديث السابع عشر: (عن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» رواه مسلم)}.
نعم، كما ترون هذا الحديث من الأحاديث العظيمة، وربما يرى البعض أنه جاء في مسألةٍ دقيقةٍ، أو في مسألةٍ غريبةٍ، لكن هذا يدل على كمال هذه الشريعة وعظمها، فإنها لم تترك شيئًا إلا وقد أتت عليه، ولا مسألةً إلا وقد وفتها حقها، حتى ما يكون في حال القتيل إذا أُريد قتله، والذبيح إذا أُريد ذبحه.
لأجل ذلك كما تقدم معنا، قول أبي ذر: "لقد توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما طائرٌ في السماء يقلب جناحيه، إلا ذكر لنا منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمًا".
فهذا الحديث يدل على عظم هذه الشريعة وكمالها، فقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان» المكتوب هو في الشرع المفروض، وذلك جاء في آياتٍ كثيرةٍ من كتاب الله -جلَّ وعلَا- ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾ [المائدة: 45] وآياتٌ مثل ذلك كثيرٌ، وقد يكون "كتب" أي: بالكتاب القدري، الذي هو حاصلٌ لا محالة، وواقعٌ لا مفر منه، بأن الله -جلَّ وعلَا- قدَّره وقضاه، وأيضًا دلت على ذلك دلائل، وجاءت بذلك النصوص.
والمقصود هنا: «كتب الإحسان»، والذي يظهر أن الإحسان هنا يقصد به مطلق الشرع، يعني: أن الله شرع الإحسان، والإحسان منه ما هو واجبٌ لازمٌ، ومنه ما هو مستحبٌ وليس بمفروضٍ، أو مستحبٌ مندوبٌ، فأما الواجبات مثل:
ما كتب الله -جلَّ وعلَا- من الإحسان في الاعتبار، وكمال الإيمان بالله -جلَّ وعلَا، وأداء حق الله، وحق رسوله -صلى الله عليه وسلم، الإحسان في الصلاة وإقامتها كما أمر الله -سبحانه وتعالى، الإحسان إلى الوالدين، كما نصت على ذلك الآية ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانً﴾ [الأنعام: 151]، ومسائل كثيرةٌ تتعلق بذلك من أداء الحقوق، والابتعاد عن النواهي، فيكون الأمر في ذلك واجبًا.
وقد يكون الإحسان مستحبًا، ومندوبًا، كما لو كان ذلك في نحو الصدقة، وبذلها، والتبرع بها، وما يكون أيضًا من الإحسان إلى الناس، بحسن الخلق، وبإعانة الملهوف، وبإعانة أيضًا من يريد حمل متاعٍ، أو غير ذلك مما جاءت به السنن، ودلت عليه أيضًا الأحاديث، ودعت إليه هذه الشريعة.
أيضًا قد يدخل الإحسان حتى في ترك النواهي، فإن الله -جلَّ وعلَا- قال: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: 121]، قالوا: فالإحسان في ترك النواهي أن يُترك ذلك كله، إذن الإحسان يدخل في هذه كلها.
«كتب الإحسان على كل شيءٍ» ما من أمرٍ من أمور الشريعة، إلا ودخله الإحسان، فيُعلم بهذا علمًا مقطوعًا به، علماً يقينيًّا أن هذه شريعةٌ حسنةٌ محسنةٌ، كاملةٌ مكملةٌ، تامةٌ متممةٌ، لا نقص فيها بوجهٍ من الوجوه، وذلك بأن الله -سبحانه وتعالى- قد بيَّن ذلك بأنه كتب الإحسان في كل شيءٍ، فقوله: «فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» هذا ليس إعراضٌ أو انتقادٌ، بل هو أنه لما تتصور أن الإحسان مكتوبٌ في الأمور العظيمة، أو فيما يتعلق بحق الله، أو بالفرائض، مثل الصلاة والزكاة والحج، فحتى الأمور الخفية، فقد كتب فيها الإحسان ووجد، حتى حال القتل، الذي إنما تنفر إليه النفوس، للحاجة إليه، إما أن يكون ذلك باستحقاق ذلك بقصاصٍ، أو بردةٍ، أو بنحو ذلك، أو بأذيةٍ، كما إذا كان لقتل صائلٍ، أو حيوانٍ، أو نحو ذلك، ومع ذلك يُطلب الإحسان فيها.
«فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة»، ولذلك تكلم الفقهاء -رحمهم الله تعالى- فيما يتعلق بالقتل وأحكامه، وهل يقتل بالسيف، «لا قود إلا بسيف»، وهذا قال به أبو حنيفة، وروايةٌ عند أحمد -رحمه الله تعالى، أو أنه يكون القصاص بالمثل، فإذا قتل بحصاةٍ، قتل بمثلها، كما جاء ذلك في قصة اليهودي، وأهل العلم في ذلك مُفَصِّلُون لهذه المسائل.
على كل حالٍ، نهوا عن المثلة، نهوا عن الاعتداء، نهوا أن يُفعل ما قد لا يجوز شرعًا، كأن يُفعل به أفعالٌ شنيعةٌ، كأن تُجعل العصا في دبره، أو نحو ذلك.
إذن ثم إحسانٌ، وألا يُقتل من لا يستحق القتل، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «ولا تقتلوا امرأةً، ولا وليدًا، ولا شيخًا، ولا راهبً» ونحو ذلك.
إذن هذا ما يتعلق بالإحسان في القتلة، ولأجل هذا قال أهل الإيمان: أعف الناس في القتل، أو في القتلة، كما جاء ذلك به الأثر، حتى للمرتد، الذي كفر بعد إيمانه، وانتكس بعد إسلامه، فإنه يُحسن في قتله، ولذلك نُهي عن الظلم له والعدوان في حال قتله، إذا حُكم عليه بالقتل. وما جاء في بعض الآثار، أنه يحرق، أو نحوها، ونقل ذلك عن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، فإن ذلك جاء في أثريْن، كلها قد حكم عليها أهل العلم بالانقطاع، ولم يصححوا ذلك، وما جاء أيضًا عن عليٍّ أنه حرق، فإنه قد أنكر عليه ابن عباس -رضي الله عنه، وجاء بذلك الحديث الذي في البخاري «أنه لا يعذب بالنار إلا الله -سبحانه وتعالى»، ولأجل ذلك ما يفعل بعض ضلال المسلمين، والخارجين عليهم في التشنيع في القتلة، والتوحش في ذلك، هو خارجٌ عن دائرة الشرع، وعما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم.
حتى قال: «وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» والذبح متوجهٌ في الغالب إلى ما يكون من ذبح البهائم والأنعام ونحوها، حتى هي فإنه يُحسن ذبحها، ولذلك جاء عن مطرف بن عبد الله قال: إن الله ليرحم برحمة العبد للعصفور، ولما جاء ذلك الرجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: إني لآتي بالشاة، أذبحها فأرحمها، قال: «إن رحمتها رحمك الله». ولما رأى عمر -رضي الله تعالى عنه- رجلًا يجر شاةً يذبحها، قال: "قدها قودًا جميلًا". كل ذلك من أثر هذا الحديث، والكلام عليه.
وهنا قال: «وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» فيه إشارةٌ لطيفةٌ، وهو أن كل شيءٍ يؤتى على سُننه وأصله، فما كان من أمور البناء، فإنه يؤتى على أصول الهندسة وقواعدها وضوابطها، لا يخرج عنها، فلما كان أمر الذبحة إنما يؤتى بالشفرة وتحد، وحدها له أصولٌ، ويعرفه أهله، فإنه لابد أن يكون كذلك، فاستدل بهذا على أن كل ما كان له اعتبارٌ ويؤتى من خلال أصله، فإنه لا يتجاوز أصله، ولا ينتقل إليه ما فيه إلى ما عداه، حتى في الأمور الإدارية، حتى في الأمور المالية والاقتصادية.
هذا الحديث دالٌّ على أنها تؤتى على وجهها، ويطلب لها أسبابها، ولذلك أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى شيءٍ من ذلك، في الذابح، أو القصاب، أو الجزار، الذي يذبح ذبيحته، ويأتي على ما يريد الخلاص منه من الذبيحة ونحوها.
هذا أظنه ما يتعلق بجملةٍ يسيرةٍ من الكلام على هذه الأحاديث، حتى نبين لكم أننا سنختصر قدر الاستطاعة، حتى ننهي بإذن الله هذه الأربعين، فلننتقل بإذن الله إلى الحديث الذي بعده، والله الموفق.

{الحديث الثامن عشر: (عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقِّ الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالقِ الناس بخلقٍ حسنٍ»، رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ، وفي بعض النسخ، حسنٌ صحيحٌ)}.
هذا الحديث حديثٌ عظيمٌ، ومهما قلنا إننا سنختصر إلا أن نجد أن الحديث يتشعب بنا لعظم سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- إنها لوصيةٌ عظيمةٌ لو ادركناها، وإنها لكلماتٌ بليغةٌ لو استشعرناها، وإنها لمنهج حياةٍ يصلحنا الله -جلَّ وعلَا- به لو كنا له من المتمعنين، ولما يتعلق بمثل هذه الجمل من المتفكرين، وننتقل بعد ذلك إلى أن نكون من العاملين، لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبلٍ وأبي ذرٍّ: «اتق الله حيثما كنت» فيه إشارةٌ إلى أن أعظم ما يكون هو الوصية بتقوى الله ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131]، والوصية بتقوى الله -جلَّ وعلَا- أوصاها النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ الذي هو أعلم الناس بالحلال والحرام، فإن الوصية بتقوى الله لا ينفك عنها أحدٌ، إن كان ملكًا، إن كان عالمًا، إن كان رئيسًا، إن كان وزيرًا، إن كان من الصلحاء والعباد، إن كان من الفجار أو الفساق، فكل مطالب بأن يتقي الله -جلَّ وعلَا- في حاله وفي نفسه، ولا نجاة له في كل يوم من أيامه ولياليه إلا بتقوى الله -سبحانه وتعالى-، فلأجل ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت» وعلى هذا تتابع الصحابة، أبو بكر في كتابه قال: أوصيكم بتقوى الله، وقال لعمر لما حضرته الوفاة: اتق الله يا عمر، وكتب عمر إلى ابنه عبد الله اتق الله، وجاء عن عليٍّ -رضي الله تعالى عنه- مثل ذلك، وجاء عن عمر بن عبد العزيز، فهي طريقة الأولين والآخرين ممن أرادوا السلامة في الدنيا والدين.
وتقوى الله -جلَّ وعلَا- حقيقتها جَعْل وقايةٍ بينك وبين عذاب الله، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وقد تنوعت عبارات السلف في التعريف بها، كلها تدور على معنى متقاربٍ ودلالةٍ واحدةٍ، فلما يقول بعضهم التقوى هي: إخلاص العبادة لله وترك الإشراك به، وهذا رأسها وهذا أسها، وهذا أصلها، وهذا فكاكها وخلاصها، لا يكون إلا بتقوى الله -جلَّ وعلَا- بتوحيده والإيمان به، وتحقيق ذلك في كل حياة المرء حتى يلقى به ربه ويخلص به من دنياه.
جاء طلق بن عليّ لما قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، أن تترك معصية الله على نورٍ من الله، تخاف عقاب الله، جاء عن عليٍّ -رضي الله تعالى عنه- أيضًا كلمة جميلة في تعريف التقوى هي: العمل بالتنزيل والخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرحيل والرضا بالقليل، يعني في الدنيا.
وجاء عن ابن مسعود أنه قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وأن يذكر فلا ينسى، كلها عباراتٌ تدل على التقوى، التقوى لله والتقوى من الله -جلَّ وعلَا- من عقابه، ومن عذابه، ومن شرِّ نكاله، ومن وعيده -سبحانه وتعالى-، ولذلك كان الملجأ إلى الله والمرتجى هو الله، والخوف والفزع من الله -سبحانه وتعالى.
أكثر ما تكون التقوى في البعد عن المعاصي والسيئات، لكنها تكون هنا وهناك، ولو تكلمنا عن التقوى لطال بنا الحديث في فوائدها وعظيم أجرها، فهي النجاة في الآخرة ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْ﴾ [مريم: 72]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدً﴾ [الأحزاب: 70].
وأصل القول السديد هو التقوى، قال تعالى: ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الأحزاب: 71] ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201] كلها تدل على عظائم أثر التقوى، ﴿واتقوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله﴾، فما يحصل للعبد من النجاة والخلاص والفكاك في الدنيا وفي الآخرة إنما هو بتقوى الله -سبحانه وتعالى.
ثم قال: «اتق الله حيثما كنت» لن نطيل في الكلام على ما يدخل في التقوى، كل الأعمال تدخل فيها، كل الأوامر تدخل فيها، كل النواهي تدخل فيها، فالتقوى الأوامر باقتفائها والمسارعة إليها، والنواهي باجتنابها ومباعدتها، والتقوى تتعلق بالمرء في خاصته وبأهله وبكل من حوله ومن تحت يده ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6].
لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت» دلَّ على أنَّ التقوى ملازمةٌ للعبد في كل شئونه وفي كل أحواله، إن كان في بَرٍّ أو في بحرٍ أو في جوٍّ، إن كان في حضرٍ أو في سفرٍ أو كان في ليلٍ أو نهارٍ أو كان في حربٍ أو سِلمٍ، في خاصته أو مع زوجه أو مع ولده أو مع والده أو مع عدوه أو مع صاحبه، في كل ذلك، في جلوته أو في خلوته، حتى إذا ما خلى بنفسه، ولذلك قال: «التقوى في سرك وعلنك»، كما جاء في بعض الأحاديث، فلابد أن يكون الإنسان كذلك.
وجاء عن السلف التحذير عن الانتهاك للحرمات في حال الخلوات، ولذلك يقول سليمان التيمي: ما أسر عبدٌ ذنبًا إلا أظهره الله عليه مذلته في نهاره أو في كل أحواله، وجاء في بعض الآثار ما أثر عبدٌ سريرةً إلا ألبسها الله إياه أو ألبسها رداءًا إن خيرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشرٌّ.
«اتق الله حيثما كنت» فينبغي للإنسان أن يعلم أن هذا من أعظم ما توزع به النفوس على حفظ العبد في حقوق الله -جلَّ وعلَا- في كل أحواله وشئونه، ولهذا يقول:
"إذا ما خلوتَ الدهر بريبةٍ فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيبٌ، ولا تظن أن الله يغفل ساعةً ولا أنما يخفى عليه يغيب" -سبحانه وتعالى.
ومن استحضر ذلك في كل شئونه، فإنه يوشك أنه لا يتعدى حرمات الله -سبحانه وتعالى- وما أكثر الحرمات التي ننتهكها في الخلوات، وجاء في هذا وعيدٌ عظيمٌ، فسيأتي أناسٌ يوم القيامة بحسناتٍ كجبال تهامة، فيجعلها الله هباءً منثورًا، فلما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: «إنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوه»، فما أكثر ضعفنا في ذلك الأمر وإسرافنا على أنفسنا، ولذلك قال بعض السلف: ما تخاف أن تفعله في نادي القوم أو في اجتماع القوم، فلا تفعله في خلوتك أو فاجتنبه في سرك، وعباراتٍ كثيرةً نحو هذا.
الكلام على هذا طويلٌ لكن كما قلنا سنختصر، لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أتبع السيئة الحسنة تمحه» هذا من أعظم التعابير ومن أكملها ومن أحسنها، أن أتتْ هذه بعد هذه، لما كان حال المتقين أنهم يجتهدون في ذلك، ومع ذلك لا ينفك الإنسان من أن يقع في خلةٍ أو يقع في عذرةٍ أو يوافق سيئةً، أو تضعف نفسه في ساعةٍ أو في خلوةٍ أو جلوةٍ، فأمره الله -جلَّ وعلَا- بأمرٍ يسيرٍ، أن يتبع السيئة بالحسنة تمحوها، فيذهب عنه بلاؤها ويحصل لها خير الحسنة وأجرها عند الله -جلَّ وعلَا-، وأتبع السيئة الحسنة تمحها فيه إصلاح للنفوس، وإعانة لها على الخير، وفي ذلك يقول الله -جلَّ وعلَا: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114] وهذه الآية نزلت في ذلك الرجل الذي قبَّل امرأةً، فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم: إني قبَّلتُ امرأة، فقال: «صلِّ معن» فلما صلى معه أنزل الله هذه الآية ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، قال: لي خاصةً؟ قال: بل للناس عامةً أو كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض ألفاظه وروايته.
وأتبع السيئة الحسنة، ما المقصود بالحسنة هنا؟
ربما يراد بها التوبة ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحً﴾ [مريم: 60] وهذه قد جاء ما يدل عليها في آياتٍ كثيرةٍ من كتاب الله -جلَّ وعلَا- والتوبة تجب ما قبلها، أذنب عبدي ذنبًا ثم يستغفر، فيغفر الله له، كما جاء ذلك، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «ولا يمل الله حتى تملو»، وهذا معنى ظاهرٌ لا غبار عليه ومقصودٌ، في أن الإنسان يتوب من السيئة، فيكون ذلك محوها وذهابها، وأيضًا يكون ذلك بفعل الحسنة، بدليل الآية التي معنا ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، وكما جاء في الوضوء، أن الإنسان إذا توضأ خرجت ذنوبه مع قطر الماء أو مع آخر قطر الماء، «من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين، غفر له» فيه أحاديث كثيرةٌ تدل على ذلك.
لكن هل السيئة المقصود بها مطلقًا أنها تذهبها الأعمال الصالحة سواءً كانت صغائر أو كبائر؟
أما الصغائر فتذهبها الأعمال الصالحة، وهذا قد جاءت به الأحاديث «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة، ورمضان إلى رمضان مكفراتٌ لما بينها إذا اجتُنبت الكبائر»، لكن هل تُكفَّر الكبائر بفعل الصالحات؟
المشهور عند عامة أهل العلم، بل نقل ابن عبد البر إجماع أهل العلم، أن الكبائر لا تُكفَّر إلا بالتوبة، استثنى من ذلك ما نقل عن أهل الظاهر، وإلا فعامة أهل العلم على ذلك، فلا بد من أن واقع كبيرةً أو اقترف سيئةً عظيمةً أن يتوب إلى الله -جلَّ وعلَا.
ثم ذكر بعض أهل العلم ما يدل على أنه قد يذهب بعضها، لكن ليس في ذلك شيءٌ صريحٌ، بل قال أهل العلم: إن المقصود بذلك الموازنة، لا أنها تكفرها لكن تكون الموازنة، فتقابل السيئات بهذه الحسنات، فما يساويها يسقط، وما يبقى يثاب عليه الإنسان من الحسنات، وإلا فلا.
فهذا ما يتعلق بـ «واتبع السيئة الحسنة تمحه»، الحديث أيضًا في هذا يحتاج إلى تفصيلٍ لكن نكتفي بهذا «وخالقْ الناس بخلقٍ حسنٍ» ما أحسن هذه الجملة أيضًا بعد الجملتين قبلها، كيف ذلك؟
يقول أهل العلم: إنه لما كان أهل التقوى أو بعض من يظن أن التقوى إنما هي في فعل الأوامر وأداء حق الله جلَّ وعلَا، ثم لعل بعضهم أن يخلط أو أن يسيء أو أن يجفو الناس ويسيء إليهم، ولا يحتمل أذاهم، ولا يحترم جوارًا، أو لا يحترم صحبةً، أو لا يحترم حقًّا، أو لا يحترم ما يكون للمسلم على المسلم، أو عهدًا أو غير ذلك.
فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن مخالقة الناس بخلقٍ حسنٍ هي داخلةٌ في حقيقة الإيمان، فلا يتكثر الناس فقط بفعل الصلوات والواجبات، ويتركون الأخلاق، ومعاملة الناس بالحسنى، فإن هذا من أعظم أبواب البر، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقً»، «بيتٌ في أعلى الجنة لمن حسن خلقه»، «أثقل ما يوضع في الميزان: الإيمان وحسن الخلق»، إلى غير ذلك من أحاديث كثيرةٍ دالةٍ على هذا.
ولذلك جاء في الحديث: «إن المؤمن ليبلغ بإيمانه درجةً، وإنه لينقص بشيءٍ من خلقه» أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما أحسن أن يتفقد الإنسان نفسه، وليس جمال الأخلاق في أن تبادل من صنع لك أحسن الألفاظ وأجملها، وعاملك.. بل من أساء إليك وأخطأ في حقك، فاحتملت أذاه وقابلته بضد ذلك، وأحسنت إليه، ولذلك قيل أو جاء في بعض الأثر: أفضل الأعمال أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتحسن إلى من أساء إليك.
قال: «وخالق الناس بخلقٍ حسنٍ»، فما أحسن أن يصبر الإنسان على الأخلاق وأن يتجمل فيها، وأن يطلب تمامها وحسنها، ذاك بابٌ واسعٌ، ذاك بابٌ عظيمٌ، يطلب للقلة القليلة من الناس، فهنيئًا لمن دخل بابه، وهنيئًا لمن حمل لوائه، وهنيئًا لمن كان بين الناس مضيئًا بحسن خلقه، وطيب فعله، وجميل منطقه، وكرمه، وصلته لأحبته والإحسان لمن حوله جميعًا، أسأل الله أن يحسن أخلاقنا، اسأل الله أن يحملنا على أتم الأخلاق وأحسنها، مع أحبابنا وأهلينا وأزواجنا وذرياتنا ومع المسلمين، ومع أعدائنا، ومن اختلف معنا ومن عارضنا أو ناكفنا وأخطأ في حقنا إن ربنا جوادٌ كريمٌ.
هذه جملةٌ من المسائل أنا أجد نفسي في حرجٍ في أن نعْبر هكذا، لكن أرجو أن يكون فيما ذكرناها كفايةٌ، ننتقل إلى الحديث الذي بعده، وأيضًا على عجلٍ حتى لعلنا إن شاء الله أن نأتي على جملته.

{الحديث التاسع عشر:
(عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «يا غلام إني أعلمك كلماتٍ، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعتْ الأقلام وجفَّتْ الصحف» رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وفي رواية غير الترمذي: «احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرً»)}
هذا الحديث حديثٌ عظيمٌ، وهو وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس، وكان ابن عباس صغيرًا، مما يدل على أنه ينبغي أن توجه الوصايا والعظات والتنبيهات والتأديبات للصغار كما توجه للكبار، وأن في ذلك لركيزةٌ لهم ترتكز في قلوبهم، وتقوم بها نفوسهم، ويحيون بها، ويشبون عليها.
«يا غلام» كان غلامًا صغيرًا «يا غلام إني أعلمك كلماتٍ» والمقصود بالكلمات جملٌ يسيرةٌ، وهي جميلٌ يسيرةٌ في لفظها عظيمةٌ في معناها، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك» ما أحسن هذه العبارة، كما يقول بعض السلف: تأملت هذا الحديث فأدهشني وكاد عقلي أن يطير، أو أن يطيش.
لعظم ما فيه من الجملة، وعظم ما فيه من المعنى، «احفظ لله يحفظك» فالجزاء من جنس العمل، حفظ العبد لله جلَّ وعلَا، المقصود به حفظ أوامره، المسارعة إليها، وإتيانها، وفعلها غير ناقصةٍ ولا مخلٍّ بها، ولا مضيعٍ لها، واجتناب النواهي، والبعد عن حدود الله جلَّ وعلَا، وحرماته أن ينتهكها أو أن يواقعها أو أن يرتكس فيها، هذا حفظ العبد لله جلَّ وعلَا.
يحفظ، فالله جلَّ وعلَا يحفظ من حفظه، وقال أهل العلم: إن حفظ الله -جلَّ وعلَا- لعبده الذي حفظ أمور دينه أن يحفظه في أموره الدينية وفي أموره الدنيوية، ولذلك يقول الله -جلَّ وعلَا: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: 11]، فهذا فيه إشارةٌ إلى حفظ الله للعبد في مصالحه ودنياه وما يتعلق أموره الدنيوية.
لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب: «واحفظني فيما تحفظ به عبادك الصالحين»، فدل على أن لهم حفظًا في صلاحهم واستقامة دينهم، ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: 24]، فدل على أن الصلاح والإخلاص، وأن الاستقامة وإتيان الأوامر سببٌ للحفظ في الدين وصرف الفحشاء والمنكرات والخطايا والسيئات، وأي حفظٍ أعظم من ذلك الحفظ، أن يُحفظ على العبد دينه، وأن يُحفظ من شهواته، وأن يُحفظ من شبهاته، فيبقى قلبه صافيًا، وإلى الله متوجهًا، وله مخلصًا، وإنما ذلك بأن يحفظ العبد حق الله جلَّ وعلَا، وأعظم ما يدخل في توحيده الصلاة بر الوالدين صلة الأرحام حق الجوار، ما يكون أيضًا من الحقوق المالية، ما يتبع ذلك من حقوق الناس بعامةٍ، وحق الطريق، أداء الأمانات في الأعمال إلى غيرها، حتى حق المعاهدين والكفار فإن العبد لا يضيع من ذلك شيئًا قليلًا ولا كثيرًا.
«احفظ الله يحفظك»، وحفظ الله لعبده أتم ما يكون، ولأجل هذا مَن حفظ الله فإنه يوشك أن لا يذهب في بلاءٍ، لا يحصل له شرٌ، فيذكر أن أبا الطيب الطبري -رحمه الله تعالى- وقد بلغ المائة، قفز قفزةً بعيدةً، فلما قيل له، قال: تلك جوارح حفظناها في الصغر، فحفظها الله لنا في الكبر، وهذا قصةٌ مشهورةٌ لكن فيها دلالةٌ عظيمةٌ ما أحسن أن يستشعرها المرء وأن ينظر إليها بنظرة تأملٍ واقتداءٍ.
قال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»، وفي الرواية الثانية: «تعرَّف على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة» كل ذلك يدل على معنى واحدٍ أو معنى متقاربٍ، وأنه مهما كان الإنسان مع الله -جلَّ وعلَا- فإن الله معه، معية الله لعبادة معيةٌ عامةٌ تقتضي الإحاطة، ومعيةٌ خاصةٌ لأهل الإيمان تقتضي النصر والتأييد والحفظ والإعانة والتسديد، ﴿أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 194]، إن الله مع المحسنين، فتلك معيةٌ أخص وحفظ لعباده المحسنين، ووقايةٌ لهم من البلايا والشرور، وهذا هو الذي في هذا الحديث لما قال: «احفظ الله تجده تجاهك» «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة».
ومعرفة الله تكون بمعرفة حدوده وأحكامه، وأيضًا تزيد بأن يكون الإنسان يعرف الله -جلَّ وعلَا- بعظيم لطفه، وبقوة انتقامه، فيكون أكثر مراقبةً له، وملاحظةً لأمره ونهيه، وحفظًا لحق الله -سبحانه وتعالى- في كل أحواله.
ثم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: «وإذا سألتْ فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله»، هذا كقول الله -جلَّ وعلَا: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، هي السؤال سواء سؤال العبادة أو سؤال الدعاء، فكل ذلك إلى الله، وكل ذلك إنما يرفع إلى الله.
وإذا سألتَ فاسأل الله، ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، كل مسألةٍ لغير الله ففيها مذلةٌ، وكل مسألةٍ لغير الله ففيها انقطاعٌ، وكل مسألةٍ إلى الله جلَّ وعلَا فهي عزٌّ وفرحٌ وخيرٌ وإجابةٌ وأجرٌ ومثابةٌ عند الله سبحانه وتعالى.
فأي الأمرين تختار؟ ولذلك جاء عن بعض السلف أنه قال: لا تسأل من أغلق دونك بابه، وأظهر بين ذلك حجابه، واسأل من بابه مفتوحٌ كل وقتٍ وكل حينٍ إلى يوم القيامة.
وإذا كان الناس يسأمون بدعائهم، فإن الله يفرح بدعاء عباده، ويجيبهم ويعطيهم، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
والله -سبحانه وتعالى- يجيب من سأله، وكل ما تعرض الإنسان لأسباب ذلك وطلب ما يكون سببًا مقتضيًا للإجابة فيكون ذلك أدعى إذا جاء في ثلث الليل فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا يقول: «هل من داعٍ فأستجيب له، هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له»، من أدى حق الله فإنه يوشك أن يكون أسرع لإجابته، إذا دعى الله بقلبٍ حاضرٍ لا غافلٍ، من يعرف الله ويدعوه في الرخاء فإن الله يجيبه في الشدائد بدلالة هذه الجمل وهذه العبارات.
«وإذا استعنت فاستعن بالله» كم من الناس الذين يستحضرون في أيامهم وحياتهم ما يكون عندهم من عدةٍ أو عددٍ ومن سلاحٍ ومن قوةٍ ومن مالٍ أو صحةٍ، فيذهبها الله -جلَّ وعلَا، لكن من يستعين بالله ومن يستحضر أنه لا إعانة إلا من الله -جلَّ وعلَا، فإن الله يسدده ويوفقه ويبارك له في قوته، وصحته، وعافيته، وماله، وولده، وكل أحواله، وفي أوقاته وشؤونه، حتى يغنيه قليل المال عن كثيره، وحتى يفرح بقليل الأمور عن كثيرها، وحتى يسعد في كل حالٍ من أحواله، لأن المستعان هو الله، والله هو المعين لعباده، ولذلك يقول القائل:
إذا لم يكن عون من الله للفتى
.:. فأول ما يجني عليه اجتهاده

فهذه من أعظم مسائل التوحيد أن السؤال لله، سواءً سؤال العبادة بالدعاء والذبح والصلاة وأنواع العبادات من التوكل والخوف والرجاء، أو دعاء المسألة الذي هو سؤالٌ واستغاثةٌ وتوجهٌ وانقطاعٌ لله سبحانه وتعالى.
وكذلك الاستعانة إنما تكون بالله، فمن توجه إلى غير الله جلَّ وعلَا فإنه توجه إلى ضعفٍ، فيكون أمره في وبالٍ وخسرانٍ، سواء توجه إلى قبرٍ، توجه إلى وليٍّ، إلى صالحٍ، إلى أحدٍ صغيرٍ أو كبيرٍ، «من تعلق شيئًا وُكِل إليه».
فما الفرق بين من يتوجه إلى مسبب الأسباب، ورب الأرباب، الله -سبحانه وتعالى- خالق الأرض والسموات، وبين من يتوجه إلى مخلوقٍ ضعيفٍ مربوبٍ لله -سبحانه وتعالى.
الفرق بينهما كالفرق بين الخالق والمخلوق، كالفرق بين الله وعباده -سبحانه وتعالى.
ثم قال: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك»
فيه إشارةٌ عظيمةٌ بليغةٌ جميلةٌ إلى أن الخلق أضعف ما يكون، وأن العبد أسعد ما يكون بتعلقه بالله، وارتباطه به في كل ضوائقه، وفي كل شؤونه، وفي كل أحواله، المرأة إذا طلقت، والعبد إذا أحاط به الدين، والمرء إذا سجن، والأمور إذا اشتدت، والجسم إذا سقم، فاعلم أن الأمر بالله، واعلم أن الأمر من الله، فلا تتوجه إلى إلا الله، وما أسهل ذلك على قلوب أهل الإيمان، أن تخلص عقيدتها وتوجهها ويصفو قلبها في التعلق بالله -سبحانه وتعالى.
وهنيئًا لمن انقطع عن البشر والخلق والأسباب المادية وانقطع إلى الله -سبحانه وتعالى، وكان ذلك هو مجأره في ليله ونهاره وجميع أحواله.
ثم يقول: «رفعت الأقلام وجفت الصحف» وهي إشارةٌ إلى القدر، وإيمان العباد به، وأن ما من شيءٍ إلا قد كتبه الله جلَّ وعلَا وقدره، وهذا فيه كنايةٌ لطيفةٌ في أن الأمور بيد الله، وأن الله قد كتبها، وأحاط بها، وقدرها، فما أصابك وما نزل بك من ضر، وما اشتد بك من حالٍ، فإن ذلك مكتوبٌ عند الله -جلَّ وعلَا، فلم يبقى إلى الرضا والتسليم.
والرضا هو أعلى الدرجات في درجات الإيمان بالقدر، وهو من أعظم خصال أهل الإيمان، ﴿وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: 11]، قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
أما الدرجة الثانية فهي الصبر، وذلك بأن يحبس نفسه عن الجذع والتسخط، والشكاية والاعتراض على حكم الله جلَّ وعلَا، وقضائه وقدره.
ويا إخوان سبق أن قلنا: إن من أعظم ما جاء به الشرع هو الإيمان بالقدر، فهو يورث النفوس من الطمأنينة ما لم يجده الإنسان في شيءٍ من الأشياء، ولذلك أعجبتني كلمةٌ قالها بعض الكفار المعاصرين وهي امرأةٌ تقول: لو كان الإيمان بالقدر كذبةً لكانت أجمل كذبةٍ في الدنيا.
لما يحصل بها من طمأنينة النفس، فكيف ونحن نعلم أنها حقيقةٌ وأنه أمرٌ صادقٌ وأمرٌ واقعٌ دلت بذلك الأدلة من الكتاب والسنة، أخبرنا الله جلَّ وعلَا بذلك في كتابه، وأخبرنا به رسوله صلوات ربي وسلامه عليه.
فلتطب نفوس أهل الإيمان بالإيمان بالقدر، ولا يكون ذلك معيقًا لهم عن العمل، فإن الله جلَّ وعلَا أمرهم به، وحثهم عليه، والله جلَّ وعلَا يثيبهم ويجزيهم به، وقد تقدم كثيرٌ من الكلام المتعلق بما يتعلق بالإيمان بالقدر، أم لا؟
تقدم معنا أظن في الحديث الثاني حديث جبريل، نعم.
ثم قال: «واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك»، وفي هذا أيضًا تحقيقٌ لهذه المسألة، وإظهارٌ لها، فإذا كان الإنسان قد تجرد حتى علم هذه الأمور فذلك تمام العلم وما يكون من أحسن الفقه، أن يعلم أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، واعلم أن النصر مع الصبر، النصر مع الصبر ليس شيءٌ أعظم من المصابرة، لذلك أمر الله بالصبر والمصابرة والمرابطة، قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 189]، فجعل ذلك سبب الفلاح.
ولذلك قال عليّ: رأس الأمر الصبر.
وجاء الأمر بالصبر في كتاب الله جلَّ وعلَا في آياتٍ كثيرةٍ، فالصبر سواءً كان على جهاد الأعداء، أو جهاد الشيطان، فإنما يحصل للإنسان الخلاص والتغلب بالصبر والمصابرة، ولذلك ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 249]، و ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: 65]، وآيات في كتاب الله جلَّ وعلَا كثيرةٌ، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا.
ما أعظم هذا الكلام لو تأمله المكلومون، والموجوعون، والملهوفون، والمدينون، والمسجونون، وكل الخلق أجمعين، فإنهم لو تأملوا ذلك لعلموا عظمه، واعلم أن الفرج مع الكرب،اقترانهما أعظم ما يكون في النفوس، لأنه كلما اشتد الكرب وتناهى تخلصت النفوس من التعلقات الدنيوية وتوجهت إلى خالقها، فيكون الله جلَّ وعلَا أقرب لعبده لأنه أخلص في التوجه إليه.
ولذلك كان الله جلَّ وعلَا مع عباده وأصفياء خلقه، وأنبيائه من رسله، فكان مع نوحٍ حتى أنجاه، وكان مع إبراهيم الخليل حتى خلصه من عدوه، وأنجا ابنه من الحكم بذبحه، وحصل ذلك لموسى حتى أنجاه من عدوهم، وكان ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في أحوالٍ كثيرةٍ، ﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَ﴾ [التوبة: 40]، وأن مع العسر يسرًا، جاء ذلك في سورة الانشراح، ﴿فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْر﴾ [الشرح: 5، 6]، قال أهل العلم: لن يغلب عسرٌ يسريْن، يقولون: حتى لو دخل عسرٌ جحر ضبٍّ لظننا أن اليسر يلحقه، لعظم ما يجعل الله جلَّ وعلَا من الفرج واليسر بعد حصول العسر.
لكن مناط الأمور إنما هو في التعلق بالله جلَّ وعلَا، والتوجه إليه، كما قلت لكم والله يا إخوان هذه الجمل تحتاج لوقفاتٍ عظيمةٍ، لكن الوقت معنا يسير، ولم يبق في هذا الفصل إلا القليل ونحتاج أن ننتهي من هذه الأربعين، فعلنا أن نمشي قليلًا.

{الحديث العشرون:
(عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» رواه البخاري).}
إذن هذا الحديث في خصلةٍ من الخصال الحميدة، وخصال الأخلاق، وواحدٍ من أعظم أنواع الأخلاق وأتمها.
فجاء فيه أحاديث كثيرةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، لما ذكر أن من خصال الإيمان الحياء وجاء أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحياء لا يأتي إلا بخيرٍ»، «إن فيك خصلتيْن يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة»، والأناة فيها شيءٌ من ذلك.
الحياء إذن من أعظم ما جاءت به الشريعة، ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى» مما يدل على أن هذا مما ظهر وتكلم به الأنبياء قبله لعظم فضله، وكبير ما يتعلق به من درجته.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم هنا: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» ما المقصود بذلك؟
قال أهل العلم: فيه إشارةٌ إما إلى أن هذا فيه تنبيهٌ إلى من يتخلص أو يتخلى عن الحياء فإنه متوعدٌ بالوعيد الشديد، فتكون تلك «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» فإنه وعيدٌ وتهديدٌ في ذلك، وفي هذا جملٌ كثيرةٌ في الشرع دالةٌ على هذا المعنى، فيكون كالوعيد، وأن الذي لا يستحي يصنع ما يشاء من الرذائل والفواحش ويجاهر بها، ولا يستنكف عنها.
وقالوا: في المعنى الثاني أن يقصد أنه إذا لم يكن الأمر داخلًا في حدود الحياء، فإن للإنسان فيه سعةً أن يفعله، وأن يأتيه، وأنه لا غضاضة عليه في ذلك ولا حرج، وكلا المعنيين صحيحٌ، وداخلٌ في دلالة هذا الحديث، فينبغي للإنسان أن يحمل نفسه على الحياء، وما دخل الحياء في قلب امرئٍ حتى حمله على الخير، وحجبه عن كثيرٍ من الشرور.
وقد يكون ذلك جبلةً جبله الله جلَّ وعلَا عليها، فذلك من عظيم مننه، كما ينعم على هذا بالمال وهذا بزوجه، وهذا بكذا وهذا بكذا، وقد يكون شيئًا يكتسبه، فكلما زاد الإنسان من صلاحه، وأقبل على الله جلَّ وعلَا بكليته، رزقه الله جلَّ وعلَا الخشية منه والحياء من أن يفعل شيئا يزري به.
وأبواب الحياء كثيرةٌ، مبنى ذلك أن يحافظ على الأوامر، وأن يتقي الله جلَّ وعلَا أن يقطع رحمًا، أو أن يسيء إلى قريبٍ، أو أن يفعل شيئًا من الأمور التي تذري به، من فاحش القول، أو غير ذلك.
هذا إذن ما يتعلق بقوله: «إذا لم تستح فأصنع ما شئت».
وكما قلنا وهذه أشرنا إليها، أن الإنسان لا يفعل ذلك في مجموع القوم، فلا يفعله في سره، ويكون نحو المعنى الذي ذكرناه فيما مضى، ولذلك جاء نحو من ذلك عن السلف، أنهم يقولون إن العبد إذا لم يستح أو أنك إذا كنت تكره أن يراك عليه القوم في علانيتك، فلا تفعله في سرك، فإن هذا من الحياء.
وأعظم ما يستحي العبد منه، أن يستحي العبد من ربه، وأن يستحي من خالقه، وأعظم ما يكون فيه ذلك، أن يحقق ما يكون به صلاح إيمانه، وألا ينتهك حرماته، فإن الله جلَّ وعلَا مطلعٌ على العبد في خلوته، وأن الله سبحانه وتعالى لا يغيب عليه شيءٌ من أمر عبده، فإذا كنتَ تخشى من الناس ولا تخشى من الله، يستحيون من الناس ولا يستحيون من الله، ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: 108] سبحانه وتعالى.
فلا شك أن العبد مأمورٌ بأن يكون أحق أن يحرص عليه أن يكون حياؤه من ربه، وإقباله على مولاه، ولذلك كم من الناس الذين ربما كان لهم بعض سوءٍ، لكن عندهم شيء من الحياء، فستر الله عليهم، فغفر لهم وعفا عنهم.
نسأل الله أن يتم علينا نعمته، وأن يزيدنا من فضله، كان بودنا أن نأتي على الحديث الذي بعده، لكن حتى هذا الحديث ما أتممنا بعض المسائل المتعلقة به، لكن لعل فيما ذكرناه كفايةٌ.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، أسأل الله أن يبارك فيما قلناه من الأقوال، وأن يعيننا حتى يكون ذلك سببًا إلى الأعمال، وأن يتم علينا وعليكم نعمته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك