الدرس السابع

سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

إحصائية السلسلة

16616 10
الدرس السابع

شرح الأصول الثلاثة

{بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.. نبدأ درسنا لهذا اليوم مع سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في "الأصول الثلاثة" وقد توقفنا على الأصل الثاني.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
(الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالأدلة، وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب:.. )}
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد..
انتهى الشيخ من الأصل الأول، وهو: (أن يعبد ربه) ومر الكلام في ذلك، وهو المعنى الذي تقتضيه عبادة الله، وإخلاص الدين له، والذبح له والدعاء له، والنذر له إلى آخر ذلك، وأنه الأصل الذي من أجله خلق الخلائق، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل إلى آخر ذلك..
الآن مع الأصل الثاني من هذه الأصول الثلاثة.
الأصل الثاني: (وهو أن نعرف دين الإسلام بالأدلة)، دين الإسلام، المراد بالإسلام هنا هو الإسلام الخاص، الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإنَّ الإسلام إسلامان:
إسلامٌ عامٌ، جميع الرسل دعوا إليه، وكل رسولٍ دعا قومه خاصةً، كما قال صلى الله عليه وسلم: «وكان النبي يبعث لقومه خاصةً، وبعثت للناس عامةً»، فكل رسولٍ دعا إلى توحيد الله كما قال الله جلَّ وعلَا: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 59]، ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 65]، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 73] الآيات.
فكل رسولٍ دعا قومه إلى عبادة الله، وإخلاص الدين لله، فأتباع كل نبيٍ هم الذين اتبعوا نبيهم وآمنوا وصدقوا به واتبعوه، وهذا إسلام كل نبيٍ.

الإسلام الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم إسلامٌ أشمل وأكمل، وهو عامٌ في توحيد العبادة وتوحيد المعاملة؛ لأن الله يقول: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِين﴾ [المائدة: 3].
إذا قلنا مسلمون في زمن إبراهيم كما قال عزَّ وجلَّ عنهم: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 136]، وقال عن إبراهيم: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ﴾ [البقرة: 131]، الآيات.
فالدين هنا الذي نتكلم عليه هو دين الإسلام الخاص الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأصله إخلاص العبادة لله وإفراده بالعبادة، ثم يعم جميع شرائع الدين من الصلاة والزكاة والحج والصوم إلى غير ذلك.
والإسلام قد يكون عامًّا لكل المخلوقات، قال جلَّ وعلَا: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْه﴾ [آل عمران: 83]، أي: خضع وانقاد، ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْد﴾ [مريم: 93].
أما الإسلام هنا هو الاستسلام لله بالتوحيد، أي: الانقياد لله بالتوحيد، فالمسلمون من وحد الله جلَّ وعلَا، فلابد في الإسلام من التوحيد والبراءة من الشرك، فلا يستسلم إلا بالتوحيد، ويخلص توحيده لله جلَّ وعلَا، ويتبرأ من الشرك وأهله، وأعمالهم، قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة: 4].
فإبراهيم عليه السلام تَبَرَّأَ من أبيه وقومه، قال إبراهيم: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف: 26، 27]؛ لأنهم يعبدون الله ويعبدون غيره، فتبرأ إبراهيم مما عُبد سوى الله، قال: ﴿إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي﴾، فاستثنى من المعبودات ربه، أما غير ربه فإنه بريءٌ منهم ومن أعمالهم.
فالدين الإسلامي هو الاستسلام والانقياد له بالتوحيد، والبراءة من الشرك، بأن تعتقد أنَّ من عَبَدَ غَير اللهِ، وَذَبَحَ لغيرِ الله، وسجدَ لغيرِ الله، وَنَذَرَ لغير الله، واستغاثَ بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله، أن هذا كفرٌ وضلالٌ، ينافي الدين؛ لأنه لابد من الاستسلام إلا بالتوحيد، أن تعتقد حقًا أنك خُلقتَ لعبادة الله، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، وأن الرسل بعثوا بهذا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25].
{أحسن الله إليك.
قال المؤلف رحمه الله: (وهو ثلاث مراتب: الإسلام والإيمان والإحسان)}
يعني: دين الإسلام له ثلاث مراتب، بعضها أعلى من بعض، الإسلام والإيمان والإحسان، فالإسلام في الأعمال الظاهرة، من توحيدٍ وصلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ وحجٍ، والإيمان الأعمال الباطنة، من إيمانٍ بالله حقًا، إيمانٍ برسوله، إيمانٍ بكتبه، إيمانٍ برسله، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالقضاء والقدر، وهذه أمورٌ باطنةٌ، لا يعلمها إلا الله.
والإحسان هو أعلى المراتب، وكل مرتبةٍ من هذه المراتب، فإن لها أركانًا، فأركان الإسلام خمسة.. نعم.

{أحسن الله إليك.
(فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام.
فدليل الشهادة قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18] ، ومعناها لا معبود بحقٍ إلا الله وحده، لا إله، نافيًا جميع ما يعبد من دون الله، إلا الله، مثبت العبادة لله وحده، لا شريك له في عبادته، كما أنه ليس له شريكٌ في ملكه)
}.
يقول فأركان الإسلام خمسةٌ، كما قال صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمسٍ، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلً».
فهذه أركان الإسلام، أولها التوحيد، وهو إخلاص الدين لله، وإفراد الله بجميع أنواع العبادة، بأن تشهد أن لا إله إلا الله، شهادة حقٍ أنه لا معبود حقٌ إلا الله، وأن كل من عُبد من دون الله فقد عُبد بهوى الباطل، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ [الحج: 62].
فيشهد أنه إله بحق إلا الله، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله، كما قال جلَّ وعلَا: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ﴾ [آل عمران: 18]، فأشهد الله العلماء والملائكة على أعظم مشهود عليه، وهو توحيده جلَّ وعلَا ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ﴾ [آل عمران: 18]، فالله وملائكته وأولوا العلم شهدوا أنه لا معبود حقٌ إلا الله.
ومعنى أن يشهد أن لا إله إلا الله.. نعم.
{(ومعناها لا معبود بحقٍ إلا الله)}
ومعناها لا معبود بحقٍ إلا الله، فإن هناك معبوداتٍ لكنها بالباطل، أما المعبود بحقٍ هو رب العالمين، أما البدوي وفلان وفلان وأشكالهم، هذه عبادةٌ باطلةٌ، لأنها عبادةٌ لغير الله. نعم.
{قال: (لا إله نافيا جميع) }
لا إله إلا الله نافيًا جميع العبادة لغير الله، إلا الله مذعنًا لله جلَّ وعلَا، فقوله: "لا إله إلا الله"، لا إله، نافيًا كل العبادة سوى الله، ومثبتها لله، فكما أن الله لا شريك له في ملكه، فلا شريك له في عبادته، إذا كنا متفقين أن خالقنا رب العالمين، أن رازقنا رب العالمين، الذي بيده إحياؤنا وموتنا رب العالمين، أن بيده الخير، إذن لماذا نصرف العبادة لغيره، ونعطيها مخلوقًا مثلك كما قال الله جلَّ وعلَا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوَهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأعراف: 194].

لماذا ننصرف عن رب العالمين الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ، إلى أشجارٍ وأحجارٍ، وغائبين وسكان القبور، نستشفع بهم، ونستمد منهم الغوث، والله جلَّ وعلَا يقول ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55]، ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
إذن نشهد أن لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، كما أن الله لا شريك له في ملكه، كما قال الله جلَّ وعلَا: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون: 91].
فالله جلَّ وعلَا لا شريك له في ملكه، ولا في خلقه، وإيجاده، فإذا كان لا شريك له في ملكه، فيجب ألا شريك له في عبادةٍ، وأن نخصه دون سواه لأن هذا هو الحق الذي خلقنا لأجله، وبعث الرسل لأجله، ومن عبد غير الله وصرف العبادة لغير الله فقد ضل ضلالًا مبينًا.

{أحسن الله إليك..
قال رحمه الله: (وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: 26- 28])}
يقول: تفسيرها الذي يوضحها قول الخليل: ﴿لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ من كلٍّ سوى الله، ﴿إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي﴾، فإن كنتم تعبدون الشمس والقمر والكواكب وتعبدون الله، فأنا بريءٌ من كل ما يُعبد سوى الله، وأنا أعبد الله وحده لا شريك له، نعم..
{(وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64])}
آية الممتحنة ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف: 26، 27]، فيوجه على هذه الكلمة "لا إله إلا الله" باقية في عقبه لعلهم يرجعون، قال جلَّ وعلَا: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِد﴾ [البقرة: 133] الآية.
الرسل جميعًا بُعثوا لهذا الأصل، فالبراءة من الشرك وأهله واعتقاد كفرهم وضلالهم هو من أصل هذا الدين.
أمَّا مَن وَحَّد الله لكنه عَبَدَ مَعَه غَيره، أو أَقَرَّ المشركين، أو قال: عبادتهم لربي كافيةٌ، وإن عبدوا غيره، هذا ضلالٌ لابد أن نلزم كل فردٍ من الناس أن يعبد الله ولا يعبد سواه، وأن عبادة غير الله ضلالٌ مبينٌ. نعم.

وقوله: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ﴾ [آل عمران: 64]، يعني: يا أهل الكتاب تعالوا واجتمعوا إلى كلمةٍ، قال: (الكلمة هي لا إله إلا الله)، ﴿أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئ﴾ [آل عمران: 64]، فالخلق مأمورون بهذا كله، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ من هذه الأمة ثم لا يؤمن إلا دخل النار».
فلابد أن نجتمع على كلمةٍ سواء، هي كلمة: "لا إله إلا الله"، إفراد الله بجميع أنواع العبادة. نعم.

{أحسن الله إليك..
(ودليل شهادة أن محمدًا رسول الله، قول الله جلَّ وعلَا: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128])}
أمَّا دليل شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، قول الله جلَّ وعلَا: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]، معروفٌ حسبه ونسبه، عزيزٌ عليه عنتكم وإعراضكم، حريص على هدايتكم، ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، وقال جلَّ وعلَا: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]، وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرً﴾ [سبأ: 28]، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيع﴾ [الأعراف: 158].
فمحمدٌ بن عبد الله خاتم أنبياء الله ورسله، أخذ الله الميثاق على الأنبياء، أن من أدرك محمدًا وجب عليه أن يؤمن به ويتبعه، ويأخذ كل نبيٍّ على قومه، من أدرك محمدًا أن يتبعه، قال الله جلَّ وعلَا: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81].
فكل نبيٍّ آمن بمحمدٍ وآخرهم عيسى بَشَّر به، ﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: 6].

{أحسن الله إليك..
(ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله، طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد إلا الله بما شرع)}
"أشهد أن محمدًا رسول الله"، يقتضي التالي:
أولاً: طاعته فيما أمر، الإيمان أنه رسول الله حقًا، خاتم الأنبياء والمرسلين، طاعته فيما أمر به؛ لأن الله يقول: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: 80]، ويقول: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [المائدة: 92]، ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: 24].
فطاعة الرسول طاعةٌ لله، ومعصية الرسول معصيةٌ لله، قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم يدخل الجنة إلا من يأبى»، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله، قال: «من أطاعتي دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».
ثانيا: وتصديقه فيما أخبر، فكل خبرٍ يخبر به عن الله، عن خلق الله، وعن عذاب الله ونعيمه، نصدقه بذلك، لأن الله يقول: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3، 4]، وقال: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ﴾ [الحاقة: 44- 46]، الآيات.
الثالث: اجتناب ما عنه نهى وزجر، قال جلَّ وعلَا: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ﴾ [الحشر: 7]، فنطيعه فيما أمر، ونتبع أمره ونجتنب نهيه، لأنه إنما يبلغ عن الله جلَّ وعلَا، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة: 67].
وهو الذي أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة، فما توفي إلا وقد كانت الشريعة كاملةً، يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من شيءٍ يقرب إلا الله إلا بينته لكم»، فقد بيَّن كل طرق الخير، فلا طريق للجنة إلا بينه لنا، ولا طريق للنار إلا بينه لنا، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالكٌ، فلما أكمل به الدين، وأتم به النعمة، اختاره إلى جواره، فتوفي صلى الله عليه وسلم ومات كما يموت غيره، ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر: 30، 31]، بعد أن أكمل الدين، وأتم النعمة، ووضح المحجة، صلوات الله وسلامه عليه..

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ