{بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا
محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه أسئلةٌ وردت إلينا، نود أن نسألكم عليها فضيلة الشيخ.
يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شيخنا الفاضل، بارك الله فيكم، أنا مقصرٌ
بزيارة أرحامي، وسبب كثرة انشغالي، وطلب العلم، فبماذا تنصحوني بارك الله فيكم؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللَّهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك
ورسولك محمدٍ، أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من
تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الأخ المبارك يذكر أنه مقصرٌ في صلة رحمه؛ لاشتغاله بأمور دنياه، فكيف الحال؟
نقول: يا أخي صلة الرحم من واجبات الإسلام، قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [النساء: 1]، وقال -جلَّ وعلَا:
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾
[البقرة: 83]، وقال تعالى مادحًا الصلة: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ
بِهِ أَن يُوصَلَ وَيخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ [الرعد:
21]، وقال ذامًا لقاطع الرحم: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا
فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: 22، 23]، لما خلق الخلق،
قالت الرحم: يا رب، أنت الرحمن، وأنا الرحم، قال: أترضين أن أصل من وصلك؟ وأقطع من
قطعك؟ قالت: نعم، وذلك لك.
ويقول -صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يُنسأ له في أجله، ويُبسط له في رزقه، فليصل
رحمه».
فيا إخواني صلة الرحم من واجبات الإسلام، أن تكون من واصل رحمك بالزيارة، بالاتصال
الهاتفي، بالزيارة أحيانًا، حضور مناسباتهم وأحوالهم، ومشاركتهم في كل أحوالهم،
وتضميد جراحهم، وزاد فقيرهم، إعانة محتاجهم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:
«صدقتك على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقةٌ، وصلةٌ».
وأرجو ألا تكون الدنيا صارفةً عن ذلك، الوقت فيه بركةٌ، ابذل من وقتك بأسبوعٍ أو
بشهرٍ لزيارة أقاربك الأدنى فالأدنى؛ لأن في هذه الزيارة ضبطًا للقلوب، واجتماعًا
للكلمة.
{أحسن الله إليك، الأخ الكريم يقول: سماحة الشيخ أحسن الله إليكم، سؤالي هو
كالتالي: هل التقليد في مسائل الأصول جائزٌ أم غير جائزٍ؟ وما الدليل على ذلك؟}.
الأصول دل عليها الكتاب والسنة، فنحن نصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله
-صلى الله عليه وسلم، ونسمي الله بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله -صلى الله عليه
وسلم، لا نجاوز الكتاب والسنة؛ لأن الله أعلم بنفسه منا، ورسوله أعلم بذلك، وأصحاب
رسول الله أعلم بذلك ممن بعدهم، فليس من الصحيح. أن نصف الله بغير ما وصف به نفسه،
ولا أن نأتي له باسمٍ غير ما سمى به نفسه، بل الأسماء والصفات أمرٌ توقيفيٌّ، يعتمد
فيه على ما ورد بالكتاب والسنة.
إذن، فالتقليد فيه ممنوعٌ؛ لأن التقليد هو أن تقلد من ترى فيه العلم والبيان، ولذلك
مَن تَعَلَّم أَنَّ هَذا يُؤوِّل الأصول، ينكر استواء الله على عرشه، ينكر رؤية
الله في الآخرة، هذا مخطئٌ ضالٌ مضلٌ.
{الأخ الكريم يقول: هل معنى الصفة ندركه إدراك إحاطةٍ؟ أم أن في الصفات معانيَ
خفيةً لا يعلمها إلا الله؟}.
المقصود: أنَّا نؤمن بأسماء الله وصفاته ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا
بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا
بَصِيرً﴾ [النساء: 58]، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الملك: 1]، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [طه: 5، 6]، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ
وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]، ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾
[الأعراف: 156]، الآيات، وقال: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ
فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الزخرف: 55]، فالأسماء والصفات نؤمن بها،
وبحقيقتها، على ما يليق بجلال الله، لا نشبه ولا نمثل، إثباتًا منَّا بلا تعطيلٍ،
ولا تشبيها ولا تمثيل ليس ﴿كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
[الشورى: 11].
{الأخ الكريم يقول: هل يدخل في إثمِ كتمانِ العلمِ من تَعَلَّم وعمل ولم يدعُ؟}.
من تعلم وعلم وعمل، فلابد أن يدعو، فإن الله الذي تفضل عليه فعلمه وفقهه، ثم تفضل
عليه، ووفقه إلى العمل الصالح، فلذا يعلم أن نعمةً من الله، أن رزقه العلم والعمل
به، فمن ذلك فمن شكر هذه النعمة أن تحسن إلى إخوانك، فتعلم الجاهل، وتصبر على
تعليمه، ودعوته إلى الله؛ لأن هذا واجبٌ عليك ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ
لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر].
{الأخ الكريم يقول: هل يصح الاستدلال بِقِدَمِ خلق الملائكة قبل خلق آدم في تقديم
شهادتهم قبل أولي العلم في قول الله -تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 18]؟}.
لا أحفظ من هذا شيئًا، إنما أحفظ أن الله -جلَّ وعلَا- فضَّل أهل العلم، فاستشهدهم
على أعظم مشهودٍ عليه، وهو توحيده، وإخلاص الدين له ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ [آل
عمران: 18] فأشهد نفسه، وأشهد ملائكته، وأشهد أهل العلم من خلقه، أنه لا إله إلا
هو.
{الأخت الكريمة تقول: هل يمكنني أن أدعو أحدًا مع أنني لا أعلم إلا القليل؟ فهل
أدعو بما لدي؟ أم أتمكن الأول من العلم ثم أدعو؟}.
أي مسألةٍ تعلمين حكمها الشرعي بالدليل فادعي إليها، ليس باللازم الداعي أن يكون
مستوفيًا لجميع الأحكام، لا، يدعو إلى الله على قدر علمه، لكن يحذر أن يقول على
الله بغير علمٍ، أما أن يدعو إلى الله على قدر علمه واجتهاده، وليحذر من القول على
الله بلا علمٍ.
{الأخ الكريم يقول: بعض الناس عندنا يسألون أصحاب القبور الصالحين حاجاتهم،
ويقولون: إن هذا ليست عبادةٌ، فكيف نرد عليهم هذا الأمر بطريقة الرفق؟}.
بيِّنوا لهم أن الأموات لا يعلمون حال الأحياء، ولا يسمعون كلامهم، ولو سمعوا ما
استطاعوا الجواب ولا نفعوهم، فهم أموات غير أحياء، قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿إِن
تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾
[فاطر: 14]، وقال: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا
يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ *
وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ
كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5، 6].
{نستكمل من المتن.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر
لنا، ولشيخنا، والمستمعين، والحاضرين.
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله: (وأنواع العبادة التي أمر الله
بها، مثل: الإسلام، والإيمان، والإحسان، ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل،
والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة،
والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله
تعالى، والدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فلَا تَدْعُوا مَعَ
اللَّهِ أَحَدً﴾ [الجن: 18].
فمن صرف منها شيئًا لغير الله فهو مشركٌ كافرٌ، والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَن يَدْعُ
مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ
رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون: 117])}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللَّهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك
ورسولك محمدٍ، أشرف الأنبياء، وأشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: وأنواع العبادة التي أمر الله بها،
مثل: الإسلام، والإيمان، والإحسان، هذه أنواع العبادة، جبريل -عليه السلام- أتى
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الصحابي: رأينا رجلًا لا يُرى عليه السفر، نظيف
الثياب، ولا يعرفه منا أحد، فجلس بين يدي النبي، وقال: يا محمد، ما الإسلام؟
قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي
الزكاة، وتحج البيت».
قال: صدقت.
قال: فعجبنا أن يصدقه.
ثم قال: ما الإيمان؟
قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره
وشره».
قال: صدقت.
قال: فعجبنا أن يصدقه.
قال: وما الإحسان؟
قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك».
يقول الشيخ: أنواع العبادة: الإسلام، والإيمان، والإحسان، هذه أنواع العبادات، إما
أن يكون مسلمًا، الذي أتى بالأركان الخمسة، الشهادتين، الصلاة، الزكاة، الصوم،
والحج، إما أن يكون مؤمنًا، أتى بأعمال القلوب الباطنة، إيمانٌ بالله، إيمانٌ
برسله، إيمانٌ برسوله، إيمانٌ بالكتاب العزيز، إيمانٌ بكتب الله السابقة، ومنها
الكتاب العزيز، إيمان باليوم الآخر، الإيمان بقضاء الله وقدره، ومنه الإحسان الذي
هو الغاية، أن تعبد الله كأنك تراه، من عِظم تعظيمه في قلبك كأنك تراه عيانًا، وأنت
لا تراه، لكنه يراك عيانًا، لأن الله يقيم وجه المصلي إذا صلى.
إذن هذه أنواع العبادات: الإسلام، والإيمان، والإحسان، الإسلام أوسعها، والإيمان
دون ذلك، والإحسان أضيقها، فكل محسنٍ مؤمنٌ، وليس كل مسلمٍ مؤمنًا، ولا كل مؤمنٍ
محسنًا، فإن الإحسان أعلى درجات الإيمان.
يقول: (ومنه الدعاء).
الدعاء من أنواع العبادة؛ لأن الله سماه عبادةً في قوله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾
[غافر: 60] أي: عن دعائي.
والدعاء قسمان:
دعاء مسألةٍ، رب اغفر لي،وارحمني، واهدني.
ودعاء عبادةٍ، كصلاة، وصيام، وزكاة، وحج، هذه دعاء عبادةٍ.
والمطلوب منا أن نسأل الله وحده لا غيره، وأن نستغيث به دون غيره، وأن نستعيذ به
دون غيره، وأن ننذر له، ونذبح له، وتكون خشيتنا منه، ورغبتنا بما عنده، ورهبتنا منه
إلى آخره ذلك؛ لنكون مؤمنين حقًا.
{يقول: (ومنه الدعاء، والخوف والرجاء)}.
ومنه الدعاء، فالدعاء من العبادة؛ لأن الله سماه عبادةً.
والخوف، قال -جلَّ وعلَا: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
[آل عمران: 175]، فجعل الخوف منه عبادة له -جلَّ وعلَا.
{(ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل)}.
والخوف، قال تعالى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل
عمران: 175]، وقال: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا
صَالِحًا ولَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً﴾ [الكهف: 110].
{والتوكل والرغبة}.
والتوكل من العبادة، التوكل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، مع الأخذ بالأسباب،
فتفوض أمرك إلى الله، لكشف ضرك، ولرفع بلائك.
{والرهبة، والخشوع}.
والرهبة هي أشد الخوف، الرهبة تكون من الله، الرهبة غاية الخوف.
{والخشية، والإنابة}.
الخشية نوعٌ من الخوف، والإنابة الذل والخضوع لله، وكلها متقاربةٌ.
{والاستعانة، والاستعاذة}.
والاستعانة بالله في كل ما أهمك، وتستعيذ بالله من كل شر عدوٍ، إنسٍ أو جنٍ، كلها
لله، لورود النصوص كما سيأتي.
{(والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها
لله تعالى، والدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فلَا تَدْعُوا مَعَ
اللَّهِ أَحَدً﴾ [الجن: 18])}.
كل أنواع العبادة القولية والعملية، الظاهرة والباطنة، "المسألة والعبادة"، كلها
أنواع العبادة، المسألة، دعاء المسألة أو دعاء العبادة، كله سواءٌ، الكل لله، أتوجه
إلى الله، أستغيث بربي، أستعيذ به، أستنصره، أخافه، أخشاه، أرجوه، أرهب منه، أخاف
منه، أتوكل عليه، أعتمد عليه، هذه هي العقيدة السليمة، التي من لقي الله بها، لقيه
وهو مؤمنٌ، ودخل الجنة بفضل الله ورحمته ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الأنعام:
82].
{(والدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ
أَحَدً﴾ [الجن: 18])}.
المساجد دور عبادةٍ، من خصائص أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أن الله جعل لها سائر
الأرض مسجدًا وطهورًا كما قال -صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحدٌ
قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورً»، فأيما رجل أدركته
الصلاة، فعنده الأرض مسجدًا وطهورًا، كان من قبلنا يصلي في دور عبادة خاصة
بصلواتهم، وكان يتوضئون بالماء، إذا جاء التيمم، وجاء المساجد كل ذلك من التيسير
على الأمة، والتخفيف عليهم، فالمساجد بيوت الله، التي اقتطعناها من الأرض، وحزناها؛
لتكون دور عبادة، هي العبادة فيها مطلوبة، ولو صلى خارجها كان مقبولًا صلاته، لكن
هذا الموضع الذي حزناه وعيناه تميز بأحكامٍ خاصةٍ من وجوب تطييبه وعدم النجس فيه
إلى آخر ذلك، فالمساجد لها أحكامٌ خاصةٌ، خصوصًا للصلاة، لكن لو صلى بأي مكانٍ
أجزأته الصلاة، إلا أن هذه الأماكن المخصصة لهذه الشعيرة يجب احترامها ﴿فِي بُيُوتٍ
أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا
بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولَا بَيْعٌ عَن
ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ [النور: 36، 37].
{قال: فمن صرف منها شيئًا لغير الله فهو مشركٌ كافرٌ، والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَن
يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ
عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون: 117]}.
﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ لا حجة له به،
إنما دعوةٌ باطلةٌ، ﴿فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ﴾ فسماه الله كافرًا، وأنه لا برهان معه، إذ الواجب الدعاء لله
والاستعانة بالله، وأن تعلق القلوب كلها بالله محبةً وخوفًا ورجاءً، وصلى الله على
محمدٍ.