بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، أشرف الأنبياء
وأشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين..
{بسم الله الرحمن الرحيم..
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمشاهدين..
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
(فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟
فَقُلْ: رَبِّيَ اللهُ الَّذِي رَبَّانِي، وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ
بِنِعَمِهِ، وَهُوَ مَعْبُودِي لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ)}
يقول الشيخ رحمه الله: سؤالٌ وجوابٌ لتقرير هذا الأصل العظيم، وهو الإيمان بربوبية
الله جلَّ وعلَا، فإن قيل لك: من ربك؟ من خلقك؟ من تعبد؟ من الإله الذي خلقك ومن شق
سمعك وبصرك؟ يقول: رب العالمين، رباني بالنعم..
ربيَ الله الذي رباني وربى جميع الخلق بنعمه.
فإذا قيل من ربك؟ قل: ربي الله، هذا لا إشكال فيه، ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ﴾ [إبراهيم:
10]، هذا أمرٌ لا إشكال فيه، الذي رباني وربى جميع العَالمين بنعمته، أي: جميع
العالم إنسه وجنه، حيوانه وناطقه وجامده، كل شيءٍ، الله الذي رباهم بالنعم، وأسدل
النعم عليهم، أوجدنا من العدم، وربانا بالنعم، أنشأنا بعد أن لم نكن شيئًا، قال
جلَّ وعلَا: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن
تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59].
فهو الذي رباني بالنعم، رباني بأعظم نعمةٍ وهي نعمة الإسلام، حيث عبدت ربي بأسمائه
وصفاته، وأنَّ له أسماءً حُسنى وصفاتٍ عُلَا، فعرفته تلك المعرفة التي رباني الله
بها، فوافق فطرة الإسلام التي فطر الله الناس عليها، فآمنت بالله ربًّا ومعبودًا،
وآمنت بأسمائه وصفاته، وآمنت بكمال ملكه، وتمام شمول ملكه، قال الله جلَّ وعلَا:
﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: 16]، وقال
جلَّ وعلَا: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: 16]، هو رب كل شيءٍ، وليس لي
ربٌ سواه، رباني بالنعم، فأعظم نعمةٍ، نعمة الإسلام، أن عرفت ربي بأسمائه وصفاته،
وعلمت أنه حقًّا مستحقٌ أن يعبد دون سواه، لأن كمال أسمائه وصفاته دالٌّ على أنه
جلَّ وعلَا المستحق للعبادة دون سواه.
وربى الجميع بنعمته، فكل العالم بنعمته، قال جلَّ وعلَا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى
جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: 29]، وقال: ﴿وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ
لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ [العنكبوت: 60]، وقال:
﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [هود: 6].
فهو ربي الذي رباني ورزقني بنعمه، ربانا بنعمة الإسلام، ربانا بالحواس، قال الله
جلَّ وعلَا: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ
شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]، وقال: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ
السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ [الملك: 23].
إذن ربانا بإصلاح قلوبنا، وربانا بكمال أعضائنا، فكل أعضائنا متكاملةٌ، ﴿لَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]، وقال جلَّ وعلَا:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا
الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ
فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: 6- 8].
ربانا بالحواس كلها، بالسمع والبصر والعقل واللسان والتفكير والإدراك، وأعطانا
إرادةً واختيارًا، فهو ربي رباني وربى سائر العالم برحمته وفضله.. نعم
{أحسن الله إليك
(قال: وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
[الفاتحة: 2]. وَكُلُّ مَنْ سِوَى اللهِ عَالَمٌ، وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ
الْعَالَمِ)}
﴿الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ نحمده أنه رب العالمين، وخالق العالمين،
والمبدي للعالمين، والأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيءٍ عليمٌ، ﴿وَعِندَهُ
مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي
ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾
[الأنعام: 59]، إذن فالحمد لله رب العالمين، فإنه أثنى على نفسه، والحمد لله رب
العالمين، خير ما أثنى به على نفسه، حمد نفسه على خلق السموات والأرض، ﴿الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ
وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: 1].
حَمِدَ نَفسَه أن أنزل الكتاب، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ
الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَ﴾ [الكهف:1]، حمد نفسه بأنه جلَّ وعلَا
يقيم العدل يوم القيامة، قال الله جلَّ وعلَا: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ
مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم
بالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر: 75].
حَمِدَ نَفسَه أنه هو الذي ينتقم من الظالمين، ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 45]،
فالحمد لله على كل حالٍ، وفي كل حالٍ، الحمد كله لربنا، والشكر كله لربنا جلَّ
وعلَا، له الفضل وله المنة وله الجميل الحسن، لا إله إلا الله لا نحصي ثناءً عليه،
هو كما أثنى على نفسه. نعم.
{أحسن الله إليك..
قال: (وَكُلُّ مَنْ سِوَى اللهِ عَالَمٌ)}
كل ما سوى الله عالمٌ، فالعالمين جمع عالمٌ، فكل ما سوى الله فهو من العالَم، الله
جلَّ وعلَا خالق العالم كله، والعالم كل ما سوى الله، عالم الإنس، عالم الجن، عالم
الطير، عالم بهيمة الأنعام، عالم الحوت بالبحر، عالمٌ بجميع الأشياء، عالمٌ بكل
الأشياء، ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: 50].
﴿الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2]. (وَكُلُّ مَنْ سِوَى اللهِ
عَالَمٌ، وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَالَمِ)، أنا جزءٌ من هذا العالم كله،
واحدٌ من كل هذا العالم مختلفٌ على أشكاله وأنواعه، فسبحان الخالق له، والمدبر له،
والمتصرف كيف يشاء بحكمته وعدله ورحمته وعلمه.
{أحسن الله إليك..
قال: (فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ فَقُلْ: بِآيَاتِهِ
وَمَخْلُوقَاتِهِ)؟}
يقول الشيخ رحمه الله سؤالٌ، إذا قال لك سائلٌ: بم عرفت ربك؟
هذا الرب هل تراه بعينيك، بم عرفته، نعم ما أراه، لأنه في الدنيا لا يرى مطلقًا،
وإنما يرى في الدار الآخرة، عرفته بآياته ومخلوقاته، فآياته العظيمة دالةٌ على
ربوبيته، ومخلوقاته العظيمة دالةٌ على ربوبيته جلَّ وعلَا، فالليل والنهار والشمس
والقمر، آياتٌ تدل على عظم ربي جلَّ وعلَا، «إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحدٍ
ولا لحياته، ولكنهما آيتان يخوف الله بهما عباده»، فالشمس والقمر والنجوم والليل
والنهار، تعاقب الليل والنهار، ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النهَارِ وَيكَوِّرُ
النهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ [الزمر: 5]، يطول النهار ويقصر الليل، يقصر الليل ويطول
النهار، وكل هذا نظامٌ محكمٌ، ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ
ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ
حَسِيرٌ﴾ [الملك: 3، 4].
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا
لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ﴾ [فصلت: 37]، لأنهما مخلوقتان، والسجود إنما لخالقهما
لا لذواتهما، السجود لخالقهما ومسخرهما ومدبرهما، ﴿لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ
لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ﴾، إذن فالسجود عبادةٌ فلا يليق بنا أن نضع هذه العبادة لغير الله، لأي
مخلوقٍ كائنٍ من مخلوقاته، لا للآيات ولا المخلوقات، سجودي لرب العالمين، الذي خلق
هذه الكائنات وخلق هذه الأمور ودبرها وسخرها، قال الله جلَّ وعلَا: ﴿وَمِنْ
آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا
لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ
إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾
{(وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ ..﴾)}
وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ
يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ
أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف:
54]، هذه آياته العظيمة، الشمس والقمر، والليل والنهار، من أعظم الآيات الدالة على
عظيم شأنه، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ
آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي
وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ
يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ
الَّذِي كَفَرَ﴾ [البقرة: 258].
فعدو الله لما قال: "أنا أحي وأميت"، قامت عليهم الحجة، إذا كنت تحي وتميت، فهذه
الشمس تأتي من الشرق، وترى المغرب، حولها واجعل طلوعها من المغرب، وتغرب من المشرق،
فبهت الذي كفر، لأن هذا أمرٌ مستحيلٌ أن يكون بيد البشر، ما يملكونه، خالق الشمس
والقمر، ما يملكه المخلوقين، ولا يدبر ذلك، إنما هذا ملك الله، وتدبير الله جلَّ
وعلَا، والدال على كمال قدرته، لتسخير وتعاقب الليل والنهار، والشمس والنجوم، كل
هذا دليلٌ على أنه رب العالمين، لا شريك له.
{أحسن الله إليك..
(وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآء بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ
مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ
أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 21، 22])}
وقال جلَّ وعلَا: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ
النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57]، وفي الآية
الأخرى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، أول واجبٍ في القرآن خوطب به الناس، ﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾ [البقرة:21]، أي وحدوا، ﴿الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾، فهو خالق الخلق كلهم أجمعين، خالق الخلق
كلهم، لا خالق لا سواه، ولا رب غيره، ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً
وَالسَّمَآء بِنَآءً﴾، قال جلَّ وعلَا: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن
رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15]، تدبروا هذه المخلوقات، وتدبروا هذه
الآيات حق التدبر، لتعرفوا من خلالها أن هناك ربًّا خالقًا مدبرًا حيًّا قيومًا، لا
تأخذه سنةٌ ولا نومٌ، يسمع كلامنا، ويرى مكاننا، ويعلم سرنا وعلانيتنا، ﴿وَمَا
تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ ولَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ
إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودً﴾ [يونس: 61]، إذن فلنعبده وحده، دون سواه،
عبادةً خاصةً بأن نجعل دعاءنا ورجاءنا واستنصارنا واستغاثتنا واستعانتنا والتجاءنا،
إنما هو إليه وحده، لأنه القادر على كل شيءٍ، وأن ما سواه لا يملك نفعًا ولا ضرًّا،
ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، كل المخلوقات لا تملك ذلك، إنما هو المالك هو رب
العالمين، مالك النفع والضر، والحياة والموت، والرزق والآجال.
إذن فلنعبده دون سواه، قال ابن كثير: الخالق للأشياء هو المستحق العبادة، الذي خلق
السموات والأرض، هذا الخالق لها هو المستحق أن يعبد، لكمال ربوبيته، وعموم خلقه،
وجب أن يكون هو المعبود دون سواه، وأن الذين عبدوا غيره، إنما هم ظلمةٌ جهلةٌ
مبطلون، لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، ومن عبد الله واتقاه وصلى وصام وحج له، وخضع له، والتجأ إليه
ودعاه، واستنصره واستغاث به واستعان به، فإن هذا دليلٌ على صحة الإيمان، وعلى
التوحيد، ولهذا من لقي الله بهذا التوحيد الخالص كان مآله الجنة برحمة أرحم
الراحمين..
وصلى الله وسلم وبارك على محمدٍ ..