الدرس السادس

سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

إحصائية السلسلة

16616 10
الدرس السادس

شرح الأصول الثلاثة

{بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.. نبدأ درسنا مع سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة بالأسئلة.
يقول السائل سماحة الشيخ:
شيخي العزيز قد درست درسكم الأول في "الأصول الثلاثة" وعلمت بفضل الله وَمِنَّتِه أنَّ أهل السنة والجماعة يؤمنون بالله عزَّ وجلَّ أنَّه الخالق والرازق، وَرَبُّ كُلَّ شَيءٍ ومليكه، ومدبر أمره، ونؤمن بصفاته من غير كيفيةٍ ولا تشبيهٍ، ونؤمن بمعناها ومقتضاها، وكانَ في سؤالكم في الواجب أنَّ أهل السنة يفوضون التكييف أو المعنى أو التكييف والمعنى، فما معنى يفوضون؟}
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رَبِّ العالمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد..
مذهب السلف الصالح سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين، الإيمان بأسماء الله وصفاته، إثباتًا بلا تشبيهٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ، وأن الله جلَّ وعلَا ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلا وقد يتصف بعض المخلوقين بهذه الصفة، لكن كمالها وتمامها لله جلَّ وعلَا، فالإنسان بصيرٌ، ولكن بصر الله أعظم من بصره، وسمعه أعظم من سمعه، وإن تشابهت الألفاظ لكن المعاني تختلف، فنحن نؤمن بأسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، ونعتقد حقيقتها على ما يليق بالله، ونفوض معناه الحقيقي لله، أمَّا ظاهرها فإنا نؤمن بأسماء الله وصفاته، لكنْ إيمانٌ صادقٌ لا تشبيه ولا تعطيل، ولكننا لا ندري عن حقائق الأمور، فحقائق الأمور إلى الله علمها، قال جلَّ وعلَا: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 7]، ما يعلم تأويله إلا الله، ما يعرف حقيقته إلا الله، لكن نعلم أن الله سميعٌ بصيٌر حيٌّ قيومٌ، مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، خبيرٌ بنا، إلى آخر ذلك.
نؤمن بهذه الأسماء والصفات حقيقةً، وَنُمِرُّهَا كما جاءت، مُؤمنين بحقيقتها على ما يليق بالله، لا نقول: نفوض "لا".
المفوضة قسمان، مفوض من أهل البدع، يقولون نمرها كما جاءت، لكن لأنها ليس لها أي حقيقة، يقول نفوض حقيقتها التي تليق بالله، لا نشبه، بل نقول: أمرها إلى الله، ما يعلم تأويله إلا الله، فنفوض الحقائق إلى الله، أما الإثبات والاعتقاد بأن هذه حقيقة لله، هذا أمرٌ لا إشكال فيه.

{أحسن الله إليكم، وبارك في علمكم..
يقول السائل: ما المراد بقوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ [العصر: 1] في سورة العصر، هل هو وقت العصر، أم هو الزمان؟}
هو الزمان، زمن الحياة، ﴿وَالْعَصْرِ﴾ زمن الحياة..

{أحسن الله إليكم
تقول السائلة: لدي ابنة أخي تدرس في الثانوية ولديها زميلةٌ تقول: أن والدها ملحدٌ، لا يؤمن بوجود الله والعياذ بالله، فكيف تقوم بنصحها ودعوتها لدين الحق والإسلام، أريد نصائحكم وتوجيهكم؟}
انصحوه على قدر استطاعتكم، حذروه أن هذا الإلحاد طريقٌ للنار، وأن لابد أن يؤمن بالله وبربوبيته وأسمائه وصفاته وألوهيته، ويؤمن بأنبيائه ورسله، وخاتمهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ويرضى بالإسلام دينا، أما الإلحاد بالله، والكفر بالله، وبأسمائه وصفاته والطعن فيها، واعتقاد عدم الرب أعوذ بالله، كما هو مذهب الشيوعية المحضة الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله، وإن يؤمن بالمادة فقط، أما إيمان بأن رب كل شيءٍ فهذا لا يؤمنون به ولا يصدقونه، وهذا كله من الكفر والضلال، نسأل الله العفو والسلامة.

{أحسن الله إليكم
يقول السائل: هل يجوز أن السُّنَّة تخصص القرآن حيث قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89].}
السُّنَّة شقيقة القرآن، وتبين مجمله، وتوضحه إيضاحًا كاملًا، فالكتاب والسنة قرينان، وهما مصدر الوحي، وربما السنة خصصت القرآن، لقوله جلَّ وعلَا: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: 11]، جاء قوله صلى الله عليه وسلم: « لا وصية لوارث »، هذا من تخصيص القرآن بالسنة.

{أحسن الله إليكم
يقول السائل: هل من شروط لا إله إلا الله الاستعانة والتوكل؟}
شروط لا إله إلا الله، هي أن تعلم حقيقتها، وأن تقولها مخلصًا، وأن تكون صادقًا، وأن تكون قابلًا لها، وأن تكون محبًّا لها، وأن تعتقد كفر مَن عَبَدَ غَيرَ اللهِ، هذه شروطها، أما الاستعانة فمن لوازمها أن تستعين بالله، وتستغيث بالله.

{أحسن الله إليكم
السؤال الأخير يقول: بارك الله في علمكم، ما لم تتبين فيه صحة وسلامة العقيدة وأظهر موالاته للمشركين دون أن يقر بمحادة الله ورسوله، فكيف يكون الحكم عليه، وإن مات ناطقًا للشهادتين، فهل يترحم عليه، ويعد من المسلمين؟}
الله يقول: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: 22]، الآية، فيا إخواني المسلم يحب الإسلام وأهله، ويبغض الشرك وأهله، لا يظلم، لكنه يوالي أهل الإيمان، ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة: 55]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [المائدة: 51]، فالمعاملة معهم جائزةٌ لكن إياكم ومحبتهم ومودتهم، لا تظلموهم، ولكن لا بأس بالتعامل معهم، لأنهم أعداء دينكم، تعامل بحذر وكن على حذر منهم.

{أحسن الله إليك.. انتهت الأسئلة، نبدأ بالدرس.
بسم الله الرحمن الرحيم..
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ودليل الخوف قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175])}
يقول الشيخ: (إن الخوف نوعٌ من أنواع العبادة لله جلَّ وعلَ)، فالخوف وهو أن تكون خائفًا وَجِلًا تعتقد أن غير الله لن يؤثر عليك مهما كانت الأحوال، لأن الأمور بيده، وأن كل شيءٍ بيده، فتخافه جلَّ وعلَا، ولا تعتقد أن مخلوقًا له تصرفٌ في الكون.
فالخوف الشركي هو أن تخاف من مخلوقٍ خوفًا شديدًا تعتقد معه أنه يضرك أو ينفعك بلا سببٍ، وتظن في ذلك؛ فتخاف على رزقك، وعلى أَجَلِك، وهذا كله من الخطأ، ﴿فَلاَ تَخَافُوَهُمْ وَخَافُونِ﴾ الخوف المستحق أن يُخاف رب العالمين، الذي أنعم علينا بنعمه، أوجدنا من العدم، وربانا بالنعم، وأمدنا بالسمع والبصر والفؤاد وسائر الجوارح والذي إفضاله علينا دائمًا وأبدًا، هو الذي يجب أن نخافه وأَلَّا نعصيه لعلمنا باطلاعه علينا، وَعِلمِه بِسرنا وعلانيتنا، وأنه لا يخفى عليه شيءٌ من أمرنا، فخوفنا له يدعونا إلى طاعته، وعبادته، وترك ما حرم علينا، ﴿فَلاَ تَخَافُوَهُمْ وَخَافُونِ﴾، فإن كنتم أهل الإيمان فليكن خوفكم من ربكم جلَّ وعلَا، ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: 45 - 47]، فالخوف من الرب حقٌ؛ لأنه القادر على كل شيءٍ، ﴿قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام: 65]، إذن فالخوف الحقيقي نجعله من رب العالمين، هذا هو مقصد الإيمان.

{أحسن الله إليك..
قال المؤلف رحمه الله: (ودليل الرجاء قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَد﴾ [الكهف: 110])}
الرجاء عبادةٌ، ترجو ربك، كما تخافه ترجوه، والمسلم جامعٌ بين الرجاء والخوف دائمًا، إلا أنه عند الاحتضار يُغَلِّب جانب الرجاء، فالخوف يقوي للعمل الصالح، والرجاء يقوي رغبته بالخير، فالله جلَّ وعلَا هو الذي يُرجى دون سواه، يرجى فضله وإكرامه، وإعطاؤه، فهو الرزاق العليم، وقد قال جلَّ وعلَا: ﴿وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ [العنكبوت: 60]، وقال: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَ﴾ [هود: 6]، فيرجى وحده، ويؤمَّل الخير فيه وحده، لأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، قال جلَّ وعلَا: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾، أي الوقوف بين يديه، والقدوم عليه، ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِح﴾، موافقًا للكتاب والسنة، ﴿وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَد﴾ [الكهف: 110]، فيخلص لله، ويكون لله رجاؤه، ويعمل عملًا صالحًا يتقرب إلى الله، فالرجاء من ربنا هو القادر المانع المصرف، لا نرجو غيره، فإنه أرحم الراحمين، يقول جلَّ وعلَا: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].

{أحسن الله إليك..
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ودليل التوكل قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23])}
التوكل عبادةٌ لله جلَّ وعلَا، صرفها لغير الله كفرٌ أكبر، نتوكل على الله بأن نعتقد جازمين بأن أرزاقنا بيده، وآجالنا بيده، والنفع والضر بيده، مالك كل شيءٍ ورب كل شيءٍ، فنتوكل عليه، فنعبده حق عبادته، ونتوكل عليه، فنعبده على ما استطعنا، ولنقم بهذا الواجب العظيم توكل على الله جلَّ وعلَا فالمتوكل هو الذي علق أمله بربه، وقوَّى رجاءه بربه، واعتمد على ربه، واعتقد أنه مهما عمل من عملٍ فلابد من توفيق الله له، فالمتوكل على الله، يفعل الأسباب، لكن مع الأسباب هو مفوض الأمر إلى الله، ومتوكلٌ عليه، ويرجو منه تحقيق آماله ومطالبه.

{أحسن الله إليك..
(وقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3])}
من يتوكل على الله فالله كاف يحاسبه، وحسبه، فتوكل على ربك، ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ﴾ [الفرقان: 58]، توكل عليه واعتمد عليه تجد الخير والفضل والكرم والجود من رب العالمين.. نعم.
{أحسن الله إليك..
قال المؤلف رحمه الله: (ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90])}.
الرغبة والرهبة والخشوع، الرغبة عبادةٌ، والرهبة عبادةٌ، والخشوع عبادةٌ، الرهبة الخوف، والرغبة الرجاء، والخشوع الذل والاستكانة لله جلَّ وعلَا، قال جلَّ وعلَا: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَب﴾ [الأنبياء: 90]، هكذا المسلم، يدعو ربه خائفًا راجيًا، كما قال: ﴿تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ [الأنعام: 63]، يدعوه راجيًا وخائفًا، راجيًا فضله، خائفا من أن يرد دعوته بذنوبه، يرجو رحمته جلَّ وعلَا، ويستنزل فضله وكرمه، فيرجوه جلَّ وعلَا ويخافه، فيرغبه إليه، ويرهب منه، ويذل ويستكين لربه، ويخشع لربه، خشوعًا بالقلب، تنطلق معه الجوارح في صلاته وفي عباداته، وفي كل تصرفاته.
{أحسن الله إليك..
قال المؤلف رحمه الله: (ودليل الخشية قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: 3])}.
الخشوع الذل، والخشية نوعٌ من الذل، ﴿فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: 3]، الخشية أمرٌ متعدٍ، الخشوع خاصٌ بربك، والخشية أمرٌ متعدٍ، أي: فلا تخشى الناس واخشونِ، فالخشية من الله، والخوف من الله، لا نخشى سوى الله، إنما نخشى الله وحده، ونخاف من ذنوبنا، فالخشية لا تكون إلا لله، لأن الله ربنا وخالقنا، ومصرف شئننا، وهذا سبب خشيتنا منه، وخوفنا منه جلَّ جلاله.. نعم.
{أحسن الله إليك..
قال المؤلف رحمه الله: (ودليل الإنابة قوله تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر: 54])}.
الإنابة الرجوع، أنيبوا: توبوا إليه، ارجعوا إليه، خافوه، تدبروا بواقع أمركم، قال: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: 54، 55]، فالإنابة الرجوع، فلنرجع إلى الله، ولنتب إليه، ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، فرجوعنا إلى الله من خطايانا وسيئاتنا، وتقصيرنا أمرٌ مطلوبٌ منا.

{أحسن الله إليك..
قال المؤلف رحمه الله: (ودليل الاستعانة، قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، وفي الحديث: « إذا استعنت فاستعن بالله »)}.
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، من الآيات الجامعة للخير كله، فالمسلم يعبد ربه، ومع عبادة ربه يستعين به، فيستعين به على طاعته، ويستعين به لترك المعاصي، ويستعين به في الإخلاص لله، قال جلَّ وعلَا: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، فنعبدك وحدك، ونستعين بك وحدك، على كل ما أهمنا، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» فطلب العون من الأموات وأصحاب القبور، طلبٌ في غير محله، لأنهم يطلبون من لا يسمع ولا ينفع ولا يملك من أمره شيئا، فالتوكل والاستعانة بالله وحده أن نستعين به ونعبده جلَّ وعلَا، فإياك نعبد وإياك نستعين، أي إياك نعبد وحدك، ونستعين بك وحدك، لا نعبد سواك، ولا نستعين بغيرك.
{أحسن الله إليك..
قال المؤلف رحمه الله: (ودليل الاستعاذة قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1].
ودليل الاستغاثة: قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 9].
ودليل الذبح: قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ﴾ [الأنعام: 162].
دليل النذر)
}
دليل الاستعاذة ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1]، فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، لما سحر النبي صلى الله عليه وسلم، أنزل الله عليه المعوذتين، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1]، فقال صلى الله عليه وسلم: «عن ابن عَابِسٍ الْجُهَنِيَّ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عَابِسٍ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ.» فهما كانا وردًا للنبي، يقرأهما دبر كل صلاةٍ، وإذا آوى إلى فراشه، جمع كفيه، فقرأ فيهما ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، ثلاث مراتٍ، يمسح بعد كل مرةٍ وجهه ورأسه وما استطاع من جسده، كل هذا من الخير والفضل، فهذه الاستعاذة بالله جلَّ وعلّا، فاستعذ بالله من شر كل شرٍ، يقول صلى الله عليه وسلم: « من نزل منزلًا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيءٌ حتى يرحل من منزله ذلك ».

{أحسن الله إليك..
قال المؤلف رحمه الله: (ودليل الاستغاثة)}
الاستغاثة، عبادةٌ، أن تستغيث ربك .. ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 9]، فالاستغاثة بالله جلَّ وعلَا، أن تستغيث به دون سواه، ولا تستغيث بغيره، فإن غيره لا يقوم مقامه جلَّ وعلَا، ولهذا لما قال المنافقون في عهد رسول الله: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: « إنه لا يستغاث بي، ولكن يستغاث بالله »، والله يقول: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 9]، الآية، فأمده الله بملائكةٍ يوم بدرٍ ويوم حنين وهو معروفٌ. نعم.
{أحسن الله إليك..
قال المؤلف رحمه الله: (ودليل الذبح قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ﴾ [الأنعام: 162])}
الذبح عبادةٌ لله، فإذا قربت القرابين، وأرقت الدم لغير الله، كنتَ ضالًّا مضلًّا، قال جلَّ وعلَا: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 118]، وقال: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: 119]، فالذبح عبادةٌ، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162]، قال جلَّ وعلَا: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَك﴾ [الحج: 34]، أي شريعةً من الذبح، فإراقة الدم عبادةٌ لله، وكان المشركون يريقون الدماء على قبور الأولياء وضرائح الأموات يذبحون عندها الذبائح، ويسجدون عندها ويصلون عندها وكل هذا من الضلال، وقطع الأوقات بغير فائدةٍ.

والنذر أن تلزم نفسك بطاعةٍ غير واجبةٍ عليك، ولهذا النبي كره النذر وقال: « إياكم والنذر فإنه النذر لا يأتي بخيرٍ وإنما يستخرج به من البخيل »، ولكن إذا نذرتَ طاعةً فأوفِ بها، قال صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه»، مدح الله بقوله: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإِنسان: 7]، فالنذر إذا وقع وجب وفاؤه وكان من كمال عقيدة المؤمنين، وقبل النذر إياك والنذر، فإنه عبادةٌ مشبوهة، كأنك تقول يا رب لا أتقرب بالنافلة إلا أن تعطيني كذا وكذا، وهذا كله من سوء الأدب مع الله..

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ