الدرس السادس عشر

فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

12804 18
الدرس السادس عشر

كتاب التوحيد 3

{بسم الله الرحمن الرحيم
أهلًا وسهلًا بكم أعزاءنا المشاهدين في حلقةٍ جديدة من شرح كتاب التوحيد، يشرحه لنا فضيلة الشيخ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد، نُرحب وإياكم فضيلة الشيخ، أهلًا وسهلًا بك فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة جميعًا، ونسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح، والتوفيق لما يحبه الله ويرضاه. ابدأ على بركة الله، اقرأ.
{قال المؤلف –رحمنا الله وإياه-: (بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ نَبِيِّهِ
وَقَوْلِهِ: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النَّحْلُ:91].
وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، فَقَالَ: «اغْزُوا بِسْمِ اللهِ، قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وإذا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ -أَوْ خِلاَلٍ- فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسلام، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُم أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ تَعَالَى، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ، وإذا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وإذا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللهِ أَمْ لاَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد؛ فيقول الشيخ الأمام المجدد شيخ الإسلام/ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد: (بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ نَبِيِّه)، والباب السابق هو: (باب ما جاء في كثرة الحلف)، إذًا ألفاظ تقولها فيها تعظيم لله -عز وجل-، وسيأتي باب الإقسام على الله -سبحانه وتعالى-.
وهذه الألفاظ أنت تقولها، ويجب أن تعرف مقدارها، والباب الذي بعده قال: (باب لا يستشفع بالله على خلقه)، هذه الأبواب الأربعة يُلحظ فيها أن الشيخ -رحمه الله- يُنبه المسلمين عمومًا إلى أنَّ الألفاظ التي يقولها المسلم يجب أن يكون فيها تعظيم الله -سبحانه وتعالى-، والحذر مما يُخل بعظمة الله.
وهذا الموضوع الذي نحن بصدده "ذمة الله وذمة نبيه" من هذا الباب، ومعلوم أنَّ التوحيد يُصحح عبادات العبد وأقواله، وما في قلبه، فيجعل ذلك كله لله سبحانه وتعالى.
كذلك التعامل مع الخلق سواء في البيع أو الشراء، مر معنا: المنفق سلعته بالحلف الكاذب، والتعامل مع الخلق أيضًا في الشهادة والعهد والحلف، والتعامل مع غير المسلمين أيضًا، يعني الآن التعامل مع عدو يقاتل المسلمين، ماذا نقول في كلماتنا؟
فهذا التوحيد يجعلك على حالٍ حسنةٍ جدًا، بل على أحسن حال في تعظيم الله -عز وجل- في جميع أحوالك.
فتحفظ لسانك، وتحفظ ما يقوم بقلبك، وتحفظ عباداتك، فكل أحوالك فيها تعظيمٌ لله -عز وجل-، وهذا مما يُرغب في دين الإسلام، وهذا من محاسن الدين الإسلامي، والكفار بشتى أنواعهم هناك من يراقب المسلمين، وينظر في تصرفاتهم، فإذا رأى خللًا في تصرفات المسلمين نفر عن الإسلام ونفَّر عنه، وقال: انظروا ما يفعلون!
ومر معنا حديث قتيلة، وأنَّ اليهود قالوا: أنتم القوم لولا أنكم... مع أنهم يهود، وعندهم ضلالات عظيمة، فتركوا ضلالاتهم وأخذوا يجدون مَلحظًا واحدًا على المسلمين، وينتقدون المسلمين بسبب ذلك، فهذا من هذا الباب.
إذًا التوحيد فيه تصحيح لجميع أحوال المسلم، سواء في حال الأمن أو السلم، أو في حال الحرب، حتى وهو مع عدو يُقاتله ما الكلام الذي يقوله؟ وما هي الضوابط التي يفعلها؟ ولهذا كتاب التوحيد في الحقيقة كتابٌ ماتع جدًا، فيه تنبيه لكل مسائل التوحيد الكبرى.
قال –رحمه الله-: (بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ نَبِيِّه)، يعني من التعظيم، والتحذير من أنك تجعل هذه عند سائر القوات في الجيش، وليس لكل واحد أن يتصرف كما يشاء، ويقول: لكم ذمة الله وذمة نبيه، ثم يتصرف بتصرفات قد يخطئ فيها وقد يجتهد، ولكن يخالف الحق، فلابد أن تُضبط عباراتهم.
وهذا فيه تنبيه لولاة الأمور، وتنبيه لقادة الجيش، بأنهم إذا قابلوا أعداء الإسلام ماذا يقولون لهم؟ وما هي العبارات التي يحبها الله؟ وما هي الأمور التي نُهي عنها في الشرع؟
فلو قال مثلًا أحد أمراء الجيش أو قائد من قادة الجيش، ورئيس مجموعة من فرق الجيش، وقال للعدو: والله لكم كذا ولكم كذا ولكم عهد الله، ولكم ذمة الله أن نحكم فيكم بكذا، قد يخطئ، فنسب حكمه إلى الله -عز وجل-.
فهناك دلالة على أن الشرع ينهانا عن شيء فيه خطورة، وفيه تصرفات لا تصلح، ولا يجوز أن تُنسب للشرع، ودلنا على ألفاظ تغنينا عن هذا، ويحصل بها المقصود الشرعي؛ لأنه لا بد أن يجتهد القائد، ولابد أن يجتهد الأمير.
هناك أمور الصلاحيات متروكة له كما يقال، القادة الكبار يقولون لأمراء السرايا: أنت إذا حصل كذا، حصل كذا، ارجع لنا، إذا ما قدرت ترجع لنا تفعل كذا، تفعل كذا، أعطونا صلاحيات.
فانظر هنا إلى هذه التوجيهات النبوية، وما جاء في القرآن أيضًا، فهذا كله من تعظيم التوحيد، وتعظيم الله -عز وجل-، وتعظيم هذه الشريعة، وحفظ مكانتها؛ حتى لا يُساء بها الظن، وحتى لا يقول أعداء الإسلام: أنتم أيها المسلمون تفعلون كذا وكذا.
قال: (وقول الله تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النَّحْلُ:91])، يعني: إذا عاهدتم أحدًا فأوفوا، من الذي يعطي العهد؟
الذي يعطي العهد هو ولي الأمر، أو من ينُيبه ولي الأمر، فهو الذي يعطي العهد للدول، أو الجماعات إذا صارت في قتال بين جماعة أو قبيلة أو بلد مع بلد، فمن الذي يقول لكم العهد أو ليس لكم العهد؟
الذي يقول ذلك هو: ولي الأمر.
فالله -عز وجل- يأمر المسلمين كلهم، إذا عاهد المسلمون غيرهم فعليه الوفاء بالعهد، ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ﴾ [النَّحْلُ:91]، ما دمتم أعطيتم عهد الله فأوفوا به، ولا تخفروا، ولا تنقضوا العهد، ولا تغدروا، يقول لكم العهد أنه ما يمسكم بكذا، ثم تذهبون أنتم تقتلونهم، هذا غدر، هذا ليس من خصال المسلمين، وليس من أمور الدين، بل هذا منهيٌ عنه في الشريعة.
ولهذا قال: ﴿وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النَّحْلُ:91]، الأيمان جمع يمين وهو الحلف، فأنتم أعطيتم العهد ووثقتم هذا، وبالتوقيع وبالشهادة وبالكلام، وربما يحلفون والله لكم عهد الله أننا ما نمسكم ولا نفعل بكم.
وهناك تفاصيل في هذه المسائل معروفة في السياسة الشرعية، تُدرس في أبواب السياسة الشرعية.
متى يخاف من العدو أنه يستغل هذا العهد للمكر بالمسلمين؟
قال الله -عز وجل-: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال:58]، يعني: إذا خشيت أن هذا العهد يستعمل فيما يضر بالمسلمين وصار عند المسلمين قوة، فولي الأمر ينبذ إليهم على سواء، يقول لهم: نحن صحيح عهدناكم ولكن نُعطيكم مدة معينة تذهبون ولا يصيبكم الضرر، ولكن بعد انتهاء المدة لا عهد بيننا وبينكم، ﴿فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال:58]، أي: لا نظلمكم ولا تظلموننا، هذا إذا خشينا منهم.
فهذا مسائل العهد تتعلق بالحروب، والعلاقة بين الدولة المسلمة والدول الأخرى، وهذه الأمور مرجعها إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله بفهم السلف الصالح، ومرجعها كما جاء في الكتاب والسنة إلى ولاة الأمور؛ حتى إعلان الجهاد والدعوة إليه هذه من صلاحيات ولي الأمر، هو الذي يدعو إلى القتال، وهو الذي يرأس الجيوش، ويجب على الرعية جميعًا السمع والطاعة له في المعروف وعدم عصيانه، هذا هو ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله.
قال الله -عز وجل-: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء:83].
في سورة البقرة قال الله -عز وجل- عن أهل بني إسرائيل، قال: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة:246]، علموا أنه لا يمكن القتال إلا تحت ملك قائد يقودهم أمير.
وكذلك في السنة قوله : «إِنما الإِمام جُنَّة يُتَّقى به ويُقاتَل من ورائه»، وقال : «وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»، وهذا معنى قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة:38]، من الذي يقول لنا انفروا؟
وهذا مما يغلط فيه بعض المنحرفين والغالطين، يأتي عند شباب مساكين في مسجد ولا يأتي عند الشباب من هنا وهناك، يقول: هيا إلى الجهاد، ثم يقول لك: الله يقول: انفروا، من أنت حتى تقول انفروا؟ هذا من خصائص ولي الأمر، فهو الذي يقول: انفروا.
هل الذي يقول انفروا هو خطيب الجمعة؟
هل الذي يقول انفروا هو المدرس في المدرسة؟
هل الذي يقول: انفروا هو مزارع في المزرعة؟
هل هو مسؤول السوق؟ هل هو مدير الشركة؟
نقول: لا، بل الذي يقول للرعية: انفروا للقتال هو ولي الأمر فقط، فإذا جاء أحد وافتات عليه، حدثت مفاسد عظيمة جدًا.
ولهذا كل من خرج إلى مواضع الصراع والقتال بدون إذن ولي الأمر، ماذا حدث له؟ وماذا تسبب هو فيه؟
حدث له فتنة عظيمة، إمَّا أنه قتل أشخاصًا بغير حق، وإما أنه قُتل هو، أو عُذب أو أُوذي، أو تُسلط عليه، أو فتن الناس هو بنفسه، وصار محل فتنة، وأضل خلقًا كثيرًا، وترتب على ذلك أن هناك من صاروا أيتامًا، قُتل آباؤهم وأمهاتهم بسببه، وهناك نساء ترملن، وهناك أواصر تقطعت بسبب هذا المسلك الباطل، وهو من مسالك الخوارج.
يجعلون الدعوة إلى الجهاد إلى أشخاصٍ نكرات، بل بعضهم يجعل الدعوة إلى الجهاد لمن؟ لمجاهيل في الإنترنت أو في غيره، مجاهيل لا يُعرفون، يختفون في المغارات والكهوف والأودية والشعاب، ثم يجعلونهم هم المرجع، هذا ليس من دين الإسلام في شيء، هذا ليس من دين الإسلام.
«إِنما الإِمام جُنَّة يُتَّقى به»، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59]، الذي قال هذا الكلام هو رب العالمين، الذي يعلم ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة.
حذروا أيها الإخوة الكرام من تعرفون من شباب المسلمين من سلوك مسالك الخوارج، فالجهاد إنما يكون تحت راية ولاة الأمور فقط، وإذا رأى ولي الأمر أنه يُصالح فهذا له، وإذا رأى أن يُعاهد فهذا له، وإذا رأى أنه يبذل الأمان لمن يرى فهذا له، وكل الذي قلناه هو من الشريعة وليس من قبلنا في شيء.
مثل قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال:60]، الإعداد هذا يخاطب بولي الأمر ومن تحته أيضًا، لكن في الأساس ولي الأمر، ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة:38]، من يقطع؟ أنا أو أنت أو الثاني أو الثالث؟ لو حدث هذا لصار فسادًا في الأرض، لأن كل واحد سيجتهد ويقطع.
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا﴾ [النور:2]، من الذي يجلد؟ هل أنا أو أنت أو الثاني أو الثالث؟ لو حدث هذا لصار من الإفساد في الأرض؛ كل ما ظننا ظن كنا نجلد ونقطع ونفعل، لا، هذا بإجماع أهل العلم والإيمان بإجماع الفقهاء، تنفيذ الحدود، والعقوبات، وإقامة الجهاد، والدعوة إليه، والعهد والأمان من صلاحيات ولي الأمر، أي: الإمام.
لنفرض أنَّ واحدًا الآن قال: خبر سمعته في الأخبار، وفيه أن البلد الفلاني -بلد كافر مثلًا- صنع بالمسلمين كذا وكذا، فإذا قال هذا الشخص وهو من عوام الناس: يجب علينا أن نقطع العلاقات معهم. نقول له: من أنت حتى تقول ذلك؟ وما صفتك؟ هذا غلط.
أنت ممكن إذا كان عندك رأي ورأيك جيد ترفعه إلى من يوصله إلى أهل الشأن فقط، تبرأ ذمتك، تكره بقلبك وهذه تبرأ ذمتك، إذا كان الأمور ما جرت على الذي تريد، ربما الذي تريد غلط أنت، لماذا أنت صح وغيرك غلط؟ ربما أنت الغلطان.
فهذه الأمور أيها الإخوة ما يصلح أنها يظن فيها، ولذلك أنا تكلمت عنها الآن لأنه فيه أغلاط في هذا المقام، أغراض خطيرة جدًا، فيجب أن نعرف الأمر، وأن نرد الأمر إلى أهله، النبي قال للصحابة: «وأن لا نُنَازِعَ الأمرَ أهلَه»، هذا منازعة اللي يحصل من بعض الناس، هذا منازعة حقيقة الأمر.
والله يجب أن يصير كذا، وأنا ما نرضى كذا، أنت لماذا التنازع؟ ألست أنت تقول: أنا أسمع وأطيع لولاة الأمر؟ إذا كنت تتبع الآيات وتتبع الأحاديث هذا الواجب عليك، إذا كنت تقول: والله أنا ما أتبع الآيات والأحاديث فلك شأن آخر، نتعامل معك تعامل آخر، ونتكلم معك كلام آخر، نتكلم كلام مع من لا يؤمن بالقرآن والحديث، أو من يسلك مسالك أهل البدع في التحريف، نتكلم معك عن السبيل.
لكن أنت سبيل أهل السنة والجماعة، وسبيل الذي يؤمن بالقرآن ويؤمن بالحديث على طريقة أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين، إذًا يجب عليك أن تستجيب لأمر الله «ولا نُنَازِعَ الأمرَ أهلَهُ»، هذا ما يتعلق بالعهد، فالواجب على المؤمنين كلهم أن يوفوا بالعهد.
أيضًا قد يكون العهد عهد شخصي، يعني مثلًا قد يكون الشخص مع شخص آخر يُعاهده على أنه يحقق له، يقول: سلفني مثلًا، فأعطيك العهد والميثاق أن يرد لك المال، أو مثلًا افعل كذا وكذا لك العهد عندي أن أصنع كذا، الله يقول: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ [الإسراء:34]، وهذا قد يكون، لكن العهد الذي يُطلق ويطالب به مع غير المسلمين، ولكن قد يوجد العهد مع حتى المسلمين، يُعاهد بعضهم بعضًا، ولهذا من صفات المنافق: «وإذا عاهدَ غدرَ».
عن بُريدة قال، قال : «كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ»، الفرق بين الجيش والسرية معروف، السرية هي المجموعة التي ليست كبيرة، عددهم محصور، والجيش يفوق السرية بالمئات ربما الآلاف، فالسرية هي طائفة من الجيش.
وهذا يُبين لنا أن الذي يأمر الجيش، والذي يُؤَمِّر على الجيش قادته، ويُعين له القادة، هو ولي الأمر، وهنا كان النبي ، وهكذا بعد وفاته تولى الأمر بعده أبو بكر الصديق، ومن بعد أبي بكر تولى عمر، ومن بعده عثمان، ومن بعد عثمان علي، ثم الحسن، وبعده معاوية، ثم ولده يزيد، ثم هكذا إلى ما شاء الله.
إذًا في وقت أبي بكر من الذي كان يُعين؟ هل واحد من الصحابة قال: والله نفعل كذا، أو لا نفعل كذا، أو يأمر جيشًا؟ لا، ما أحد يأمر الجيش إلا الخليفة أبو بكر، وهكذا ملوك الإسلام، هذه الأمور يجب أن نفهمها جيدًا، وهذه من الأمور المتفق عليها بين العلماء، ليس لنا أنا والله عندي قناعة والله أنا أقول للجيش روح كذا، والثاني عنده قناعة، تصير فوضى.
ولهذا أنا ناقشت مرةً واحدًا منهم قديمًا لما كانوا يتكلمون بغير حق، ويوغرون الشباب على أشياء لا تصلح، فقلت له: أنت الآن تقول للناس: اخرجوا إلى البلد الفلاني للقتال، قال: يا أخي إخواننا ونريد أن ننصرهم، قلت طيب؛ أنت ما صفتك؟ هل أنت ولي أمر؟ لا، هل أنت مسؤول رئيس الجيش؟ لا، أنت بأي صفة؟ إما أنك رجل فيك دين وفيك خير أو كذا، ولكن ما لك صفة، ثم بدأت أناقشه نقاشًا عقليًا، مع ذكر النصوص التي مرت معنا.
وأحيانًا ينتفع بعض الناس بالنقاش العقلي، قلت له ما رأيك؟ أنا مثلك الحين كلنا وأنت والثالث والرابع فيه عدد كبير من المشابهين لنا، لو كل واحد منا مسك له مجموعة من الشباب، قال: أنا أقترح أن تذهبوا للمكان الفلاني، وهذا قال: أقترح الذهاب إلى المكان الفلاني، وهذا قال: أقترح أن تذهبوا إلى المكان الفلاني، ماذا يحدث لهؤلاء المساكين؟ غررنا بهم وتسببنا بكل إثم يقع منهم، وبكل مصيبة تجري على أيديهم.
إذًا الفتوى أو التوجيهات للشباب التي تأتي في هذه المجالات ليست لك، ولا يجوز لك أن تتكلم فيها. هذا شيء مهم جدًا ننتبه له.
إذًا هذا إذا بعث بعثًا أو «أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ يوصيه بِتَقْوَى اللهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا»، ولهذا نقول لولاة أمور المسلمين: إن هذا من السنن التي يقتدون فيها برسول الله أنهم يوصون من تحتهم بهذه الوصية:
1. بتقوى الله -عز وجل- هذا واحد، وتقوى الله تعني: فعل الواجبات وترك المحرمات.
2. ثانيًا: لمن تحتهم ومن معهم من المسلمين خيرًا، يعني الرفق بمن تحتهم، وإعطائهم الحقوق، ومنع الشرور عنهم.. وهكذا.
إذًا في خاصته بتقوى الله، إذًا كون بعض الناس يُعينهم ولي الأمر ليس تعيينه لهم أنهم لا ينصحون، بل الجميع بحاجة إلى النصح والتذكير والتشجيع، والتذكير بتقوى الله -عز وجل-، قال الله -عز وجل-: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء:131]، فالتقوى وصية الله للأوليين والآخرين.
والجميع يؤمر بتقوى الله -عز وجل-، وإذا أُمر المؤمن بتقوى الله يسعد بهذا الأمر ويقول: اللهم اجعلني من المتقين، اللهم أعني على ذلك، ما يعارض هذا الشيء.
قال: «فَقَالَ: اغْزُوا بِسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا»؛ هذه وصايا عظيمة.
فأول وصية: «اغْزُوا بِسْمِ اللهِ»، يعني أنكم متوكلين مستعينين بالله ومتوكلين على الله، وأنتم تسيرون تذكرون الله -عز وجل- في سيركم، وأنتم تذهبون تريدون وجه الله، فقوله: "بسم الله" يدل على الاستعانة، ويدل على التوكل، ويدل على المقصد والغاية، ويدل على مصاحبة الذكر، هذا أشياء متعددة كلها يستفاد من قوله: «اغْزُوا بِسْمِ اللهِ».
قوله: «فِي سَبِيلِ اللهِ»، هذه النية الصالحة، ليس في سبيل أنفسكم، ولا في سبيل جمع المال، ولا في سبيل الثناء والمراء وإظهار الشجاعة، لا، بل يكون قصدكم الله -عز وجل-، ونُصرة دينه، وحماية المسلمين... ونحو ذلك.
«قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ»، هنا فيه التعليل في شرعية الجهاد؛ لأنَّ الجهاد شرُع لإعلاء كلمة الله، وهؤلاء الكفار يريدون أن يُطفئوا نور الله ويمحو كلمته، ولذلك من صفات الكفرة في كثير من البلدان أنهم يمنعون الدعوة الإسلامية، ويحولون بين الدعوة وبين من يدعو إلى الإسلام، ويمنعون الناس من الدخول في الإسلام، فلهذا شُرع الجهاد.
ولكن هذا متى؟
عند القدرة على ذلك؛ لأنَّ الرسول قد شُرع الجهاد في حياته ، وصالح المشركين وعاهد اليهود، فكونه صالح المشركين على ترك القتال فيه دليل أن هذا القتال يتُرك للمصلحة بالصلح ونحوه؛ لأن المسلمين لا طاقة لهم في ذلك الوقت، ثم لَمَّا حصل من المشركين ما حصل من نقضهم الشروط، قاتلهم رسول الله وفتح الله له مكة.
فيستفاد من هذا: أنه في حال ضعف المسلمين وعدم قدرتهم أنهم ينتظرون حتى يقويهم الله -عز وجل-، شريعة الجهاد باقية ما تزول، لا يزيلها أحد، لكن متى يكون هذا الجهاد؟ تحت ولي الأمر وعنده القدرة، أمَّا إذا صار عجزٌ بالمسلمين فلهم أن يصالحوا عدوهم.
حتى في آخر الزمان مما ورد: أنَّ عيسى ابن مريم عندما ينزل يحتمي هو والمسلمون معه في الطور، «حَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ»، فيقول الله -عز وجل-: «إنِّي قد أخرَجتُ عبادًا لي، لا يَدانِ لأحَدٍ بقتالِهِم»، ما معنى لا يدان؟ لا قدرة.
معنى هذا: أنه إذا خرج يأجوج ومأجوج لم يشرع الله قتالهم، لماذا لم يشرع قتالهم؟ لعدم القدرة عليهم ولكثرتهم.
إذًا هذا يُفعل من قِبل حُكام المسلمين وولاة أمرهم، وهذا شيء معروف، يعني ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ [الأنفال:66]، كان في أول الأمر واحد يقابل عشرة، ثم صار الواحد يقابل اثنين، فإذا صار عدد الكفار أكثر أو سلاحهم أمضى، ولا يدان المسلمين بقتالهم، فلهم أن ينتقلوا إلى الصلح والعهد... ونحو ذلك، وهذا كله من أوله إلى آخره مما يعاد فيه ويرجع فيه إلى ولاة الأمور، ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء:83].
قال: «اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا»، الغلول هو الأخذ من الغنائم قبل قسمتها، وهذا من كبائر الذنوب، الغنائم هو ما يحصله المسلمون بعد انتهاء المعركة مما يكون من أمتعة وأموال، أو ذهب، أو حُلي، أو أسلحة، أو ممتلكات كالسيارات أو... غيرها، هذه تسمى غنائم.
فهذه الغنائم تُجمع ثم يٌقسمها ولي الأمر بالقسمة الشرعية للمجاهدين الذين معه، وكان النبي يفرض للفارس سهمان، وللرجل سهم.. إلى آخره. ورد في السنة تفاصيل في هذا.
فإذا جاء واحد أخذ شيء وراه، هذا يسمى غلولا، وهذا معنى قوله: «وَلاَ تَغُلُّوا».
قال: «وَلاَ تَغْدِرُوا»، هنا الشاهد هو نقض العهد.
قال: «وَلاَ تُمَثِّلُوا»، التمثيل تقطيع الأنف، أو تقطيع الأذنين، أو خرق العيون بعد القتل؛ هذا التشويه، والنبي قال: «إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة»، لا يجوز التشويه.
قال: «وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا»، الوليد هو الصبي الصغير، وكذلك النساء نهى عن قتل المرأة، وكذلك تحريق الشجر، هكذا في بيان لغايةٍ عظيمة في الجهاد، وهي إعلاء كلمة الله وليس لمجرد الانتقام، وليس لمجرد الإفساد.
لكن ورد تفاصيل في الشرع فيما يتعلق بتحريق الشجر إذا كان فيه إغاضة للعدو، فقال الله -عز وجل-: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا﴾ [الحشر:5] لنوش النخلة، ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [الحشر:5]، يعني قد يكون هذا فيه مصلحة، وقد يكون هذا فيه مصلحة، وهذا مرجعه إلى تقدير ولي الأمر أو من يُنيبه.
قال: «وإذا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ -أَوْ خِلاَلٍ- فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ»، إذا لقيت عدوك من المشركين.
إذًا هذا يوجه به الذين يرسلهم ولي الأمر في الجيش، إذا وصلتم إلى أنكم انتصرتم، أو حصل منكم ما حصل، أو تقابل الصفان، ماذا تفعلون؟ قال: قبل القتال تدعوهم، هذه الدعوة مستحبة ولا واجبة؟ قال العلماء مستحبة.
{لقاء الصفين مستحب؟}
أينعم، ولا إذا علم أنهم مشركين وأراد قتالهم، النبي «كَانَ إِذَا سَمِعَ أذَانًا أمْسَكَ وإلَّا أغَارَ»[1]، لكن هنا ذكر الدعوة، إذًا الدعوة تعتبر مستحبة.
لماذا هناك نقول: جائزا؟
لأن العدو عنده خبر، عنده علم، فلو أرادوا الإسلام بذلوه، لكن هذا أكمل، «فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ».
قال: «ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسلام»، هذه الخصلة الأولى أو الخلة الأولى، ثلاث هذه أولها، الدعوة إلى الإسلام أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويلتزموا بواجبات الإسلام من الصلاة... وإلى آخره، إذا أجابوا بهذا وقالوا نحن سنُسلم واستجبنا لذلك، فيجب على القائد وعلى الجيش أن يُمسك عن قتالهم.
ثم في تفصيل الآن: إذا أسلموا ما حالهم؟ ينقسم إلى حالين:
قال: «فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وكف عنهم، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا وَأَخْبِرْهُم أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ»، يعني ينتقلوا من هذه الأماكن التي هم فيها ويصيرون في صف بلاد المسلمين، يعني يهاجرون إلى بلد المسلمين، يعني في زمن النبي يهاجرون إلى المدينة.
إذا قالوا: لا، قال: «فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا»، قالوا: نحن نجلس بالديار ما نحن بمسلمين، يتركون، «فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ»، لا بأس، لكن لهم حكم الأعراب.
حكم الأعراب هنا: ما هاجروا، ما سكنوا في البلدان، استمروا على أماكن الرعي وأماكن البعيدة، وقالوا: نبقى فيها نترحل من هنا وهنا، نرحل من هنا وهنا.
قال: «يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ»، الذي يجري على المؤمنين، يعني لو صار بينهم حقوق ونزاع ودماء صارت بينهم أو منازعات في الأعراض والأموال، ماذا نفعل بهم؟ نحكم بهم حكم الإسلام، ونُجري عليهم أحكام الإسلام، هذا معنى "يجري عليهم ما يجري على المؤمنين".
«وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ»، يعني أن الأعراب الذين تركوا اللحاق بالبلد المسلم وعدم الانضمام تحته وبقوا هناك في أعرابيتهم وفي باديتهم ليس لهم من الغنائم، إذا جاءت نصر المسلمين، وجاءت غنائم، ما يقولون عطونا من الغنائم؛ لأنهم ما جاهدوا معهم ولا صاروا تحت دولتهم، فمن كان في أعرابيته وفي باديته ليس له حقٌ في بيت المال، وليس له حق فيما يحصل من غنائم، إلا إذا جاهدوا مع المسلمين فصار لهم حق المجاهدين مع الجيش.
قال الخصلة الثانية: «فَإِنْ هُمْ أَبَوْا الدخول في الإسلام فَاسْأَلْهُمُ الْجِزْيَة»، هذه تعتبر الخصلة الثانية.
«فَاسْأَلْهُمُ الْجِزْيَة، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ إلى الجزية فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ»، إذًا هذا ظاهر الحديث في جميع المشركين، قاتلوا من كفر بالله في جميع الكفار، ولكن جاء تقييده بالكتاب، جاء تقييده بالقرآن.
ما هو التقييد في القرآن؟
أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب فقط، ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة:29]، هذا أخذ الجزية، هذا عنده قدرة طبعًا.
فماذا نفهم من هذا؟
أن أهل الأوثان الذين يعبدون الأصنام لا يدخلون في هذا الوصف، وهذا الموضع مما قيده جمهور الفقهاء بهذه الآية.
قال العلماء: ويلحق بأهل الكتاب المجوس؛ لقول الرسول في المجوس: «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»[2]، هذا ما يتعلق بالخصلة الثانية.
إذًا ممن تؤخذ الجزية؟
تؤخذ من أهل الكتاب ويلحق بهم المجوس، أما عموم المشركين ففيه خلاف، ولكن جمهور العلماء يرون أنَّ هذا خاص بهؤلاء.
من الذي يأخذ الجزية؟ ولماذا تؤخذ الجزية؟ وما الحكمة في أخذ الجزية؟
الجواب: أن الذي يفرض الجزية ويُقدرها هو ولي الأمر، والذي تؤخذ منهم الجزية هم أهل الكتاب الذين يعيشون تحت حماية المسلمين، وكذلك يُلحق بهم المجوس.
وما الحكمة من أخذ الجزية؟
أن هذه الجزية مقابل ما ينعمون به من حقوق مكفولة لهم، وهذا في غير جزيرة العرب؛ لأن الرسول أمر بإخراج المشركين وأهل الكتاب منها، لكن وجود بعض أهل الكتاب لمصلحة مؤقتة ثم يخرجون، هذا ليس مما جاء في الأمر بالإخراج، إنما الأمر بالإخراج إخراج التجمعات والإقامة والاستيطان الدائم، وأمَّا واحد يأتي لمصلحة أو يأتي لعلاج أو طبيب أو نحو ذلك، فهذا إذا كان مؤقتًا فلا بأس به، وأمَّا الإقامة الدائمة لقبائلهم فهذا الذي جاء الأمر بإخراجهم منها.
الخصلة الثالثة، قال: «فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ»، يعني أبوا الإسلام وأبوا بذل الجزية، فماذا تفعل؟ تستعن بالله وقاتلهم.
هنا يُذكر النبي بوجوب الاستعانة بالله والتوكل على الله جلّ وعلا، ولا يعتمد على قوته، ولا على قوة جيشه، وعلى الآلات التي معه، والأجهزة التي معه.
قال: «وإذا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ»، الحصن جمعه حصون، وهو المبنى الذي كالقلعة مغلق من جميع الجهات وله أبواب تغلق بإحكام وإتقان، فيدخل داخل هذا الحصن الجيش أو القرية ولا يستطيع أحد أن يهجم عليهم، هذا يسمى حصنًا، فيحاصر غالبًا، يحاصرون حتى يتمكنون من فتح الحصون هذه.
«فَأَرَادُوكَ»، ما معنى أرادوك؟ يعني أهل الحصن نادوك، وقالوا: يا قائد الجيش المسلم، نحن نريد أن نتصالح معك بشرط أن تجعل لنا ذمة الله وذمة نبيه على العهد بيننا.
قال: «فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ»، التعبير هذا عدّله، أي: غيره، «وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ»، يقول: قل أنا أنزلكم وأحكم بينكم على ذمتي وذمة أصحابي، وأنت مسلم وذمتك محفوظة وذمة أصحابك وهم مسلمون محفوظة، ليس معنى هذا أنك ستمكر بهم وأنها تسويغ، لا، إنما هذا؛ لأنك يجب أن تُعظم ذمة الله وذمة نبيه .
قال : «فَإِنَّكُمْ إِنْ تَخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَّم أَصْحَابِكُمْ أهون من أن تخفروا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ»، رسوله .
ما معنى "أن تخفروا"؟
أخفر غير خفر، أخفر الرباعي اللي فيه همزة غير خفر، أخفر هذا نقض العهد ونقض الذمة، وخفر حمى ونصر، "أن تخفروا" يعني أن تنقضوا وتنكثوا، هذا هو الإخفار، يعني إذا جعلتم لهم ذمة الله وذمة نبيه ثم حصل منكم ما حصل من قتالهم، حصل إخفار ونقض لعهد الله وذمة الله وعهد وذمة النبي ، وهذه جريمة كبيرة.
ولذلك لو حصل قتال بسبب من هنا ولا هناك، واحد منهم ولا واحد منكم غلط وحصل قتال، فعلى الأقل أن تخفروا ذممكم أنتم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله.
قال: «وإذا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ»، هذه مرة ثانية «فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ»، إذًا اللفظ الأول: ذمة الله وذمة رسوله، انتهينا منه ما نقوله، الثاني: تنزلنا على حكم الله، فلا تنزلهم على حكمك، قال: أنا أحكم فيكم باجتهادي، أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا؟
هذا نفس الشيء؛ لأنك أنت تحكم وتجتهد، واحرص على موافقة الشرع، احرص على موافقة الدليل إذا جيت تحكم فيهم، لكن في النهاية سيكون حكمك هو اجتهاد قد يكون هذا اجتهاد خطأ، وقد يكون هذا اجتهاد صواب.
فإذا كان صواب فالحمد لله، وإذا كان خطأ على أقل تقدير ما نسبت خطأك إلى الله -عز وجل-، وإنما نسبت خطأك إلى حكمك أنت واجتهادك.
وهذا لَمَّا القاضي يحكم في المحكمة الآن، ماذا يقول للمحكوم عليهم والمحكوم لهم؟ يقول: هذا حكم الله من فوق سبع سماوات، ما يدري هو، إنما يقول: هذا اجتهادي وهذا حكمي.
ولهذا معنى الحديث مهم جدًا أن ننتبه له؛ لأن بعض الزائغين استغله في ترك الحكم بالشريعة، وظن أن هذا يساعده النص في الأخذ بالأحكام الباطلة، نقول: لا، النبي يُبين ما يتعلق بالأحكام التي هي محل اجتهاد، وقد يقع فيها الغلط، فمثل هذه الأحكام لا يجوز للحاكم والقاضي أن يقول هذا حكم الله؛ لأنه لا يعلم، أيصيب حكم الله أم لا؟
وعليه أن يحتاط، ويقول: هذا اجتهادي أرجو أني أصيب حكم الله، أنا أجتهد أن أصيب حكم الله، ولكني إذا حصل خطأ فالخطأ مني ومن اجتهادي، والله منه بريء إذا كان خطأ، فالحاكم والقاضي ونحوهم بشر يَرد عليهم ما يرد على البشر من النسيان والذهول، وقد ينسون أو يخفى عليهم شيء إما في عين القضية، أو في نفس الأدلة، أو قد يعرض عليهم إشكالات أخرى فيذهلون ويخطئون في الحكم.
إذًا هذا أدب عظيم جدًا عندما نتعامل مع غير المسلمين كيف نتكلم؟ وكيف ننسب أحكامنا؟ نقول: هذا اجتهادنا، ونحن مأمورون أن نجتهد ونحكم بالشرع.
لذلك الآن الواجب على جميع الحكام المسلمين، ما الواجب عليهم؟ أن يحكموا في رعيتهم بماذا؟ بشرع الله -عز وجل-، وبما جاء في القرآن، وبما جاء في سنة النبي هذا واجب، قال الله -عز وجل- للنبي : ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة:49].
 فالواجب على المسلمين أن يرضوا بحكم الله ويتحاكموا إلى شرعه، طيب تحاكمنا لشرعه قد يخطئ القاضي، نعم قد يخطئ، لكن إذا تعمد الخطأ فهو آثم ومتوعد بالنار، وإذا أخطأ عن اجتهاد فله أجر على اجتهاده، وإذا أصاب فله أجر على اجتهاده، وأجرٌ على إصابته الحق.
فكل هذه الأمور تدلنا على أن الواجب علينا أن نلتمس حكم الله، وأن نحكم بشرع الله، ولا يجوز لنا أن نقول والله نبحث عن القوانين الوضعية المخالفة للشرع، أو نبحث عن أعراف مشى عليها الناس والبوادي وبعض القبائل، لا، هذه يجب أن نبرأ إلى الله منها.
قال الله -عز وجل-: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [النساء60-61].
إذًا هذا علامة النفاق أن الإنسان يكره حكم الله -عز وجل-، ويكره التحاكم لشرع الله، لما نحن نحكم بشرع الله ويجب علينا أن نحكم بشرع الله، هل معنى هذا أن القُضاة كل ما قالوه مائة بالمائة هو شرع الله وأصابوا ما هو حق، لا، لكن هذا هو الواجب عليهم أن يجتهدوا، والواجب علينا أن نرضى، والواجب على ولاة الأمر أن يحكموا بذلك، هذا هو الواجب على الجميع.
لا يأتي واحد كما فعل بعض الملبسين، وقال: إنا لا ندري أن نصيب حكم الله، هذا معناه أننا نحكم بالقوانين، أو نحكم بما شئنا، لا، هذا من تحريف الكلم، ومن اتباع المتشابه -نسأل الله العافية والسلامة- ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران:7].
 فهذا ما يتعلق بهذه الأمور، وهو الحذر كل الحذر من أن ننسب الأحكام التي هي محل اجتهاد إلى شرع الله، ونحن قد نكون قد أخطأنا.
هنا سؤال: لو قال واحد، ما حكم الزنا؟ ما حكم الربا؟ ما حكم العقوق؟ ما حكم القتل؟
فنقول: هذا حرام حرمه الله، قال: أنت ما تدري تصيب حكم الله ولا لا؟
نقول: نعم ندري، الله -عز وجل- أخبرنا في كتابه: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة:275]، ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ [الإسراء:32]، ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الإسراء:33]، وحرم الله العقوق.
ما يأتي واحد يقول لا ما ندري، ما أخبرنا الله -عز وجل- به وما أخبرنا به رسوله هذا قطعي يجب أن نؤمن به، وأن نعتقده، وأن نلتزم بذلك ونحكم به.
لكن الكلام هنا فيما مضى في مسائل الاجتهاد؛ لاختلاف الأحوال، أو لاختلاف الأشخاص، أو لاختلاف القرائن المحتفة، فقد يقع هنا يعني الاجتهاد في غير محله، فهذا الخطأ ما ننسبه إلى الشرع أو إلى حكم الله -عز وجل-، وإنما نقول: هذا اجتهاد القاضي الذي يجب عليه أن يجتهد ويبذل وسعه ليصيب حكم الله، فإن أصاب فله اجرأن وإن أخطأ فله أجر.
قال الشيخ -رحمه الله- في المسائل:
(الْفَرْقُ بَيْنَ ذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ نَبِيِّهِ، وَذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ)، أنَّ ذمة المسلمين لا بأس، نُنزلك على ذمة المسلمين، ولكن ذمة الله وذمة نبيه كلمة عظيمة.
قال: (الإِرْشَادُ إِلَى أَقَلِّ الأَمْرَيْنِ خَطَرًا)، يعني هنا خطر حتى ذمة المسلمين، إذا غلط خطر، لكن ليس مثل ذمة الله في ذمة نبيه.
ثم قال: (الْفَرْقُ بَيْنَ حُكْمِ اللهِ وَحُكْمِ الْعُلَمَاءِ)، يعني: حكم العلماء محل اجتهاد.
قال: (فِي كَوْنِ الصَّحَابِيِّ يَحْكُمُ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِحُكْمٍ لاَ يَدْرِي أَيُوَافِقُ حُكْمَ اللهِ أَمْ لاَ؟) فإذا كان الأمر هكذا من باب أولى العلماء، ومن باب أولى المتأخرون، فما نجعل أقوالهم حُجة، ونرد كلام الله -عز وجل-.
أذكر أن بعض الزائغين قال: لا نأخذ بقول الصحابي، ولا نأخذ بالآية، ولا بالحديث، وذلك إذا خالفت المذاهب الأربعة، كذا يقول.
ثم قال: -وهذه أكثر جُرمًا- قال: إذْ الأخذ بالظواهر -يعني ظواهر النصوص- من أصول الكفر.
ماذا بعد هذا من إجرام؟
هذا من نتائج التعصب المذموم المقيت، واضطراح كلام الله وكلام رسوله ، يعني: الصحابي الآن قد يجتهد ولا يوافق حكم الله، وهذا هو الصحابي أليس كذلك؟ فالصحابي قد لا يوافق حكم الله.
هل الأئمة الأربعة مثل الصحابة؟
الجواب: لا يمكن، فإذا قيل في الصحابي كذا وكذا، فما بالك بالأئمة الأربعة؟
مع أننا نحترم الأئمة الأربعة، ونستفيد من علمهم، ونقول: لا بد للدارس أن يدرس العلم على أصوله، ولكن لا يتعصب لهذه الأقوال؛ حتى يجعل أقوالهم بمنزلة ما قاله الله، أو ما قاله الرسول .
كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتلمسون موافقة الكتاب والسنة، فكيف يأتي بعض الأتباع والمتأخرين في القرن الحادي عشر والثاني عشر، فيقدم قولهم على الآية والحديث! وهذا الفعل ضلالٌ عظيم -نسأل الله العافية والسلامة-.
وهذا ما وصلنا إليه في آخر هذا الدرس، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، وجزآكم الله خير الجزاء، قد يرد سؤالا وهو ما حكم الحلف بالذمة؟}
الحلف بالذمة لا يجوز، الحلف بالذمة كأن يقول –وذمتي، وأمانتي- فالحلف بالأمانة والحلف بالذمة هو حلف بغير الله. وبعضهم يقول: بذمتي، أو في ذمتي، وغالبًا المستعمل الذي أعرفه أنا عندما قال: بذمتي أو في ذمتي أنه يريد الحلف.
مثلًا يقول: أنت أخذت هذا الكلام؟ بذمتي ما أخذتها، ما معناه؟
معناه أنه يحلف، وليس مراده أنَّ هذا الأمر أتحمله في ذمتي.
لو قال مثلًا: ترى فلوسك اعتبرها في ذمتي، هذا لا يعد من قبيل الحلف، هذا كأن تكون كفيل غارم أو زعيم غارم، ولكن لِمَ أقول: "بذمتي أو في ذمتي"؟
فهذا القول من الحلف بغير الله، ولا يجوز الحلف بغير الله.
{أحسن الله إليكم شيخنا، وجزآكم عنا خير الجزاء، والشكر موصول لكم أعزائنا المشاهدين على أمل اللقاء بكم في حلقةٍ أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
------------------------
[1] أخرجه مسلم (382).
[2] أخرجه مالك 1/ 278.
 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك