الدرس الثالث

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

3144 10
الدرس الثالث

مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين.
أمَّا بعدُ؛ فأرحبُ بكم أحبَّتي الأعزاء في لقاءٍ جديدٍ من لقاءات شرحِ "مُقدِّمَة التفسير" لشيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
هذه المقدِّمة قد اشتملت على أنَّ هذا القرآن مفهوم، وأنَّه إنَّما أُنزل ليفهمه الناس ليتمكَّنوا من العمل به، ويعبدوا الله -جلَّ وَعَلَا- بالتزام ما ورد فيه واتِّباعه، وحينئذٍ نعرف ضلال أولئك القوم الذين يقولون: إنَّ لألفاظ القرآن ظاهرًا وباطنًا، ويبدؤون في تفسير كلام ربِّ العزَّة والجلال بتفسيرات لا تُفهَم بحسب لغة العرب، ولا يُمكن الوصول إليها بقواعد الفهم والاستنباط.
وهكذا نجد أن بعض الناس يُحاول أن يوجد قواعد جديدة في تفسير كلام ربِّ العزَّة والجلال، ويُسمِّه بعضهم "التفسير الإشاري" أو التفسير الرَّقمي"، وهذا لا يكون مقبولًا إلَّا إذا كان مُعتمدًا على القواعد الصَّحيحة للفهم والاستنباط.
ومن هنا نعلم أنَّ إنزال هذا الكتاب إنَّما كان من أجل أن يفهمه الناس فيعملوا به، وبالتَّالي مَن ادَّعى فيه معنًى خفيًّا لا يعرفه بقيَّة الناس، ولا يكون مُستندًا إلى قواعد الفهم والاستنباط؛ فإنَّه يكون مردودًا.
صحيحٌ أنَّ بعضَ الناس يمكِّنه الله -جلَّ وَعَلَا- من فهم دلالات هذا الكتاب بما لا يتنبَّه له غيره من الناس، كما وردَ عن أمير المؤمنين عليٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه قال: "ليس عندنا شيء نختص به عن الناس، إلَّا فهمًا يُؤتيه الله -عز وجل- العبد".
فلا شكَّ أنَّ الفهم قد يكون له الأثر في معرفة الإنسان لبعض الدلالات والمعاني التي يشتمل عليها آيات كتاب رب العزة والجلال.
ومن هنا فإنَّ هذا الفهم لا يكون خارجًا عن القواعد التي كانت معروفة في عهد النبوة، وحرص العلماء على تدوينها وكتابتها في كتبهم المعنيَّة بهذا الجانب.
وحينئذٍ نعلم أن هذا الكتاب يُمكن فهمه، ويُمكن معرفة المعاني التي دلَّ عليها، وقد ذكرتُ فيما سبق أن بعض الناس قال: إنَّ هذا الكتاب قد لا يُفهَم بعضه بدلالة أنه يقع فيه الاختلاف، فوقوع الاختلاف بين الصحابة وبين التابعين في فهم الآيات القرآنيَّة، فهذا يجعلنا نقول: إن هناك آيات لا تُفهَم ولا يُعرَف المراد منها! ولذلك عقد المؤلف فصلًا جديدًا في الرَّدِّ على هذه المقالة.
{الحمد لله رب العالمين، والصالة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فصل: فِي اخْتِلاَفِ السَّلَفِ فِي التَّفسير وَأَنَّهُ اخْتِلاَفُ تَنَوُّع.
الْخِلَافُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي التَّفسير قَلِيلٌ، وَخِلَافُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ أَكْثَرُ مِنْ خِلَافِهِمْ فِي التَّفسير، وَغَالِبُ مَا يَصِحُّ عَنْهُمْ مِنْ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ تَنَوُّعٍ لَا اخْتِلَافِ تَضَادٍّ، وَذَلِكَ صِنْفَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعَبِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ الْمُرَادِ بِعِبَارَةِ غَيْرِ عِبَارَةِ صَاحِبِهِ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْمُسَمَّى غَيْرِ الْمَعْنَى الْآخَرِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى بِمَنْزِلَةِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَكَافِئَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمُتَرَادِفَةِ وَالْمُتَبَايِنَةِ. كَمَا قِيلَ فِي اسْمِ السَّيْفِ: الصَّارِمُ وَالْمُهَنَّدُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَأَسْمَاءِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَسْمَاءِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، فَلَيْسَ دُعَاؤُهُ بِاسْمِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُضَادًّا لِدُعَائِهِ بِاسْمِ آخَرَ؛ بَلْ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾.
وَكُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ الْمُسَمَّاةِ وَعَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الِاسْمُ.
كَالْعَلِيمِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالْعِلْمِ.
وَالْقَدِيرُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالْقُدْرَةِ.
وَالرَّحِيمُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالرَّحْمَةِ.
وَمَنْ أَنْكَرَ دَلَالَةَ أَسْمَائِهِ عَلَى صِفَاتِهِ مِمَّنْ يَدَّعِي الظَّاهِرَ، فَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ غُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْقَرَامِطَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا يُقَالُ هُوَ حَيٌّ وَلَا لَيْسَ بِحَيِّ؛ بَلْ يَنْفُونَ عَنْهُ النَّقِيضَيْنِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ لَا يُنْكِرُونَ اسْمًا هُوَ عِلْمٌ مَحْضٌ كَالْمُضْمَرَاتِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مِنْ صِفَاتِ الْإِثْبَاتِ؛ فَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَقْصُودِهِمْ كَانَ مَعَ دَعْوَاهُ الْغُلُوَّ فِي الظَّاهِرِ مُوَافِقًا لِغُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ فِي ذَلِكَ. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ وَعَلَى مَا فِي الِاسْمِ مِنْ صِفَاتِهِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فِي الِاسْمِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ.
وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِثْلُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَد وَالْمَاحِي وَالْحَاشِرِ وَالْعَاقِبِ.
وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ: مِثْلُ الْقُرْآنِ وَالْفُرْقَانِ وَالْهُدَى وَالشِّفَاءِ وَالْبَيَانِ وَالْكِتَابِ. وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ السَّائِلِ تَعْيِينَ الْمُسَمَّى عَبَّرْنَا عَنْهُ بِأَيِّ اسْمٍ كَانَ إذَا عُرِفَ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ.
وَقَدْ يَكُونُ الِاسْمُ عَلَمًا، وَقَدْ يَكُونُ صِفَةً، كَمَنْ يَسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي﴾ [طه: 124] مَا ذِكْرُهُ؟ فَيُقَالُ لَهُ: هُوَ الْقُرْآنُ مَثَلًا أَوْ هُوَ مَا أَنْزَلَهُ مِنْ الْكُتُبِ. فَإِنَّ الذِّكْرَ مَصْدَرٌ. وَالْمَصْدَرُ تَارَةً يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ وَتَارَةً إلَى الْمَفْعُولِ.
فَإِذَا قِيلَ ذِكْرُ اللَّهِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي كَانَ مَا يُذْكَرُ بِهِ مِثْلَ قَوْلِ الْعَبْدِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
وَإِذَا قِيلَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَانَ مَا يَذْكُرُهُ هُوَ وَهُوَ كَلَامُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي﴾، لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [البقرة: 38]، وَهُدَاهُ هُوَ مَا أَنْزَلَهُ مِنْ الذِّكْرِ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَ﴾ [طه: 125-126].
وَالْمَقْصُودُ: أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الذِّكْرَ هُوَ كَلَامُهُ الْمُنَزَّلُ أَوْ هُوَ ذِكْرُ الْعَبْدِ لَهُ، فَسَوَاءٌ قِيلَ ذِكْرِي كِتَابِي أَوْ كَلَامِي أَوْ هُدَايَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَانَ الْمُسَمَّى وَاحِدًا.
وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُ السَّائِلِ مَعْرِفَةَ مَا فِي الِاسْمِ مِنْ الصِّفَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى تَعْيِينِ الْمُسَمَّى مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْقُدُّوسِ السَّلام الْمُؤْمِنِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ اللَّهُ؛ لَكِنَّ مُرَادَهُ مَا مَعْنَى كَوْنِهِ قُدُّوسًا سَلَامًا مُؤْمِنًا وَنَحْوَ ذَلِكَ.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَالسَّلَفُ كثيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنْ الْمُسَمَّى بِعِبَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الصِّفَةِ مَا لَيْسَ فِي الِاسْمِ الْآخَرِ كَمَنْ يَقُولُ: أَحْمَد هُوَ الْحَاشِرُ وَالْمَاحِي وَالْعَاقِبُ، وَالْقُدُّوسُ هُوَ الْغَفُورُ وَالرَّحِيمُ أَيْ إِنَّ الْمُسَمَّى وَاحِدٌ لَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ هَذِهِ الصِّفَةُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ اخْتِلَافَ تَضَادٍّ كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ.
مِثَالُ ذَلِكَ تَفْسِيرُهُمْ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ:
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْقُرْآنُ: أَيْ اتِّبَاعُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ: «هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْإِسْلَامُ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَعَلَى جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، وَفِي السُّورَيْنِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ، قَالَ: فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الْإِسْلَامُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ وَالدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ».
فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ؛ لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ، وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا نَبَّهَ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ "صِرَاطٍ" يُشْعِرُ بِوَصْفِ ثَالِثٍ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَشَارُوا إلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ؛ لَكِنْ وَصَفَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِصِفَةِ مِنْ صِفَاتِهَا.
الصِّنْفُ الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ الِاسْمِ الْعَامِّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَتَنْبِيهِ الْمُسْتَمِعِ عَلَى النَّوْعِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَدِّ الْمُطَابِقِ لِلْمَحْدُودِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ.
مِثْل سَائِلٍ أَعْجَمِيٍّ سَأَلَ عَنْ مُسَمَّى "لَفْظِ الْخُبْزِ" فَأُرِيَ رَغِيفًا وَقِيلَ لَهُ: هَذَا. فَالْإِشَارَةُ إلَى نَوْعِ هَذَا لَا إلَى هَذَا الرَّغِيفِ وَحْدَهُ.
مِثَالُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: 32].
فَمَعْلُومٌ أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُضَيِّعَ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمُنْتَهِكَ لِلْمُحَرَّمَاتِ.
وَالْمُقْتَصِدُ يَتَنَاوَلُ فَاعِلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَارِكَ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَالسَّابِقُ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ سَبَقَ فَتَقَرَّبَ بِالْحَسَنَاتِ مَعَ الْوَاجِبَاتِ.
فَالْمُقْتَصِدُونَ هُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: 10-11]، ثُمَّ إنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَذْكُرُ هَذَا فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: السَّابِقُ الَّذِي يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُصَلِّي فِي أَثْنَائِهِ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ إلَى الِاصْفِرَارِ.
أو يَقُولُ: السَّابِقُ وَالْمُقْتَصِدُ وَالظَّالِمُ قَدْ ذَكَرَهُمْ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمُحْسِنَ بِالصَّدَقَةِ وَالظَّالِمَ بِأَكْلِ الرِّبَا وَالْعَادِلَ بِالْبَيْعِ وَالنَّاسُ فِي الْأَمْوَالِ إمَّا مُحْسِنٌ وَإِمَّا عَادِلٌ وَإِمَّا ظَالِمٌ؛ فَالسَّابِقُ الْمُحْسِنُ بِأَدَاءِ الْمُسْتَحَبَّاتِ مَعَ الْوَاجِبَاتِ، وَالظَّالِمُ آكِلُ الرِّبَا أَوْ مَانِعُ الزَّكَاةِ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي يُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَلَا يَأْكُلُ الرِّبَا. وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ.
فَكُلُّ قَوْلٍ فِيهِ ذِكْرُ نَوْعٍ دَاخِلٍ فِي الْآيَةِ وإِنَّمَا ذُكِرَ لِتَعْرِيفِ الْمُسْتَمِعِ بِتَنَاوُلِ الْآيَةِ لَهُ، وَتَنْبِيهِهِ بِهِ عَلَى نَظِيرِهِ؛ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ بِالْمِثَالِ قَدْ يَسْهُلُ أَكْثَرَ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْحَدِّ الْمُطْلَقِ.
وَالْعَقْلُ السَّلِيمُ يَتَفَطَّنُ لِلنَّوْعِ كَمَا يَتَفَطَّنُ إذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى رَغِيفٍ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا هُوَ الْخُبْزُ.
وَقَدْ يَجِيءُ كثيرًا مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي كَذَا، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَذْكُورُ شَخْصًا؛ كَأَسْبَابِ النُّزُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّفسير.
كَقَوْلِهِمْ: إنَّ آيَةَ الظِّهَارِ نَزَلَتْ فِي امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ.
وَإِنَّ آيَةَ اللِّعَانِ نَزَلَتْ فِي عُوَيْمَرْ العَجْلاَنِي أَوْ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ.
وَأَنَّ آيَةَ الْكَلَالَةِ نَزَلَتْ فِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: 49]، نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ.
وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: 16]، نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ.
وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة: 106] نَزَلَتْ فِي قَضِيَّةِ تَمِيمٍ الداري وَعَدِيِّ بْنِ بَدَاءٍ.
وَقَوْلَ أَبِي أَيُّوبَ إنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ. الْحَدِيثَ.
وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا يَذْكُرُونَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَوْ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَاَلَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يَقْصِدُوا أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ مُخْتَصٌّ بِأُولَئِكَ الْأَعْيَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَلَا عَاقِلٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَالنَّاسُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ هَلْ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ أَمْ لَا؟ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ عمومات الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ. وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهَا تَخْتَصُّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخْصِ، فَيَعُمُّ مَا يُشْبِهُهُ وَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ فِيهَا بِحَسَبِ اللَّفْظِ.
وَالْآيَةُ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ إنْ كَانَتْ أَمْرًا أو نَهْيًا فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِمَدْحِ أَوْ ذَمٍّ فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ.
وَمَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُورِثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَا نَوَاهُ الْحَالِفُ رُجِعَ إلَى سَبَبِ يَمِينِهِ وَمَا هَيَّجَهَا وَأَثَارَهَا.
وَقَوْلُهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا يُرَادُ بِهِ تَارَةً أَنَّهُ سَبَبُ النُّزُولِ وَيُرَادُ بِهِ تَارَةً أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ كَمَا تَقُولُ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ كَذَا.
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ الصَّاحِبِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْمُسْنَدِ كَمَا يَذْكُرُ السَّبَبَ الَّذِي أُنْزِلَتْ لِأَجْلِهِ، أَوْ يَجْرِي مَجْرَى التَّفسير مِنْهُ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْنَدِ؟
فَالْبُخَارِيُّ يُدْخِلُهُ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرُهُ لَا يُدْخِلُهُ فِي الْمُسْنَدِ، وَأَكْثَرُ الْمَسَانِيدِ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ كَمُسْنَدِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ سَبَبًا نَزَلَتْ عَقِبَهُ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ يُدْخِلُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الْمُسْنَدِ.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا؛ فَقَوْلُ أَحَدِهِمْ: نَزَلَتْ فِي كَذَا، لَا يُنَافِي قَوْلَ الْآخَرِ نَزَلَتْ فِي كَذَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفسير بِالْمِثَالِ. وَإِذَا ذَكَرَ أَحَدُهُمْ لَهَا سَبَبًا نَزَلَتْ لِأَجْلِهِ وَذَكَرَ الْآخَرُ سَبَبًا؛ فَقَدْ يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا بِأَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ عَقِبَ تِلْكَ الْأَسْبَابِ، أَوْ تَكُونَ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ وَمَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ.
وَهَذَانِ الصِّنْفَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي تَنَوُّعِ التَّفسير:
- تَارَةً لِتَنَوُّعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
- وَتَارَةً لِذِكْرِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْمُسَمَّى وَأَقْسَامِهِ كَالتَّمْثِيلَاتِ.
هُمَا الْغَالِبُ فِي تَفْسِيرِ سَلَفِ الْأُمَّةِ الَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ.
وَمِنْ التَّنَازُعِ الْمَوْجُودِ عَنْهُمْ مَا يَكُونُ اللَّفْظُ فِيهِ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ؛ إمَّا لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي اللُّغَة كَلَفْظِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الرَّامِي وَيُرَادُ بِهِ الْأَسَدُ. وَلَفْظِ "عسعس" الَّذِي يُرَادُ بِهِ إقْبَالُ اللَّيْلِ وَإِدْبَارُهُ.
وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُتَوَاطِئًا فِي الْأَصْلِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ أَوْ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ كَالضَّمَائِرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النجم: 8-9]، وَكَلَفْظِ: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ [الفجر: 1-3] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ الْمَعَانِي الَّتِي قَالَتْهَا السَّلَفُ، وَقَدْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
فَالْأَوَّلُ إمَّا لِكَوْنِ الْآيَةِ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَأُرِيدَ بِهَا هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً.
وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَيَاهُ إذْ قَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ.
وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُتَوَاطِئًا فَيَكُونُ عَامًّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِهِ مُوجِبٌ فَهَذَا النَّوْعُ إذَا صَحَّ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَانَ مِنَ الصِّنْفِ الثَّانِي.
وَمِنْ الْأَقْوَالِ الْمَوْجُودَةِ عَنْهُمْ وَيَجْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ اخْتِلَافًا أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِ مُتَقَارِبَةٍ لَا مُتَرَادِفَةٍ فَإِنَّ التَّرَادُفَ فِي اللُّغَةِ قَلِيلٌ.
وَأَمَّا فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ فَإِمَّا نَادِرٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ.
وَقَلَّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ بِلَفْظِ وَاحِدٍ يُؤَدِّي جَمِيعَ مَعْنَاهُ؛ بَلْ يَكُونُ فِيهِ تَقْرِيبٌ لِمَعْنَاهُ وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ إعْجَازِ الْقُرْآنِ.
فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرً﴾ [الطور: 9]، إنَّ الْمَوْرَ هُوَ الْحَرَكَةُ كَانَ تَقْرِيبًا إذْ الْمَوْرُ حَرَكَةٌ خَفِيفَةٌ سَرِيعَةٌ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: الْإِعْلَامُ، أَوْ قِيلَ: ﴿أَوْحَيْنَا إلَيْكَ}: أَنْزَلْنَا إلَيْك أَوْ قِيلَ: ﴿وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الإسراء: 4] أَيْ: أَعْلَمْنَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ؛ فَهَذَا كُلُّهُ تَقْرِيبٌ لَا تَحْقِيقٌ، فَإِنَّ الْوَحْيَ هُوَ إعْلَامٌ سَرِيعٌ خَفِيٌّ، وَالْقَضَاءُ إلَيْهِمْ أَخَصُّ مِنْ الْإِعْلَامِ فَإِنَّ فِيهِ إنْزَالًا إلَيْهِمْ وَإِيحَاءً إلَيْهِمْ.
وَالْعَرَبُ تُضَمِّنُ الْفِعْلَ مَعْنَى الْفِعْلِ وَتُعَدِّيهِ تَعْدِيَتَهُ وَمِنْ هُنَا غَلِطَ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ الْحُرُوفِ تَقُومُ مَقَامَ بَعْضٍ كَمَا يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلَى نِعَاجِهِ﴾ [ص: 24]، أَيْ مَعَ نِعَاجِهِ. و{مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ﴾
[آل عمران: 52، الصف: 14] أَيْ مَعَ اللَّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ مِنْ التَّضْمِينِ، فَسُؤَالُ النَّعْجَةِ يَتَضَمَّنُ جَمْعَهَا وَضَمَّهَا إلَى نِعَاجِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ﴾ [الإسراء: 73]، ضُمِّنَ مَعْنَى يُزِيغُونَك وَيَصُدُّونَك.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَ﴾ [الأنبياء77]، ضُمِّنَ مَعْنَى نَجَّيْنَاهُ وَخَلَّصْنَاهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان: 6]، ضُمِّنَ يُرْوَى بِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
وَمَنْ قَالَ: ﴿لَا رَيْبَ﴾: لَا شَكَّ. فَهَذَا تَقْرِيبٌ، وَإِلَّا فَالرَّيْبُ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَحَرَكَةٌ، كَمَا قَالَ: «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك». وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ: مَرَّ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ. فَقَالَ: «لَا يَرِيبُهُ أَحَدٌ»، فَكَمَا أَنَّ الْيَقِينَ ضُمِّنَ السُّكُونَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فَالرَّيْبُ ضِدُّهُ ضُمِّنَ الِاضْطِرَابَ وَالْحَرَكَةَ.
وَلَفْظُ "الشَّك" وَإِنْ قِيل: إنَّهُ يَسْتَلْزِمُ هَذَا الْمَعْنَى؛ لَكِنَّ لَفْظَهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ هَذَا الْقُرْآنُ فَهَذَا تَقْرِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَالْإِشَارَةُ بِجِهَةِ الْحُضُورِ غَيْرُ الْإِشَارَةِ بِجِهَةِ الْبُعْدِ وَالْغَيْبَةِ، وَلَفْظُ "الكتاب" يَتَضَمَّنُ مِنْ كَوْنِهِ مَكْتُوبًا مَضْمُومًا مَا لَا يَتَضَمَّنُهُ لَفْظُ "القرآن" مِنْ كَوْنِهِ مَقْرُوءًا مُظْهَرًا بَادِيًا.
فَهَذِهِ الْفُرُوقُ مَوْجُودَةٌ فِي الْقُرْآنِ، فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ: ﴿أَنْ تُبْسَلَ﴾ [الأنعام: 70]، أَيْ: تُحْبَسَ وَقَالَ الْآخَرُ: تُرْتَهَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. لَمْ يَكُنْ مِنْ اخْتِلَافِ التَّضَادِّ وَإِنْ كَانَ الْمَحْبُوسُ قَدْ يَكُونُ مُرْتَهَنًا وَقَدْ لَا يَكُونُ إذْ هَذَا تَقْرِيبٌ لِلْمَعْنَى كَمَا تَقَدَّمَ.
وَجَمْعُ عِبَارَاتِ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا نَافِعٌ جِدًّا؛ فَإِنَّ مَجْمُوعَ عِبَارَاتِهِمْ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ عِبَارَةٍ أَوْ عِبَارَتَيْنِ، وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافٍ مُحَقَّقٍ بَيْنَهُمْ كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ.
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ عَامَّةَ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ عُمُومُ النَّاسِ مِنَ الِاخْتِلَافِ مَعْلُومٌ؛ بَلْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ، كَمَا فِي عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَمَقَادِيرِ رُكُوعِهَا وَمَوَاقِيتِهَا، وَفَرَائِضِ الزَّكَاةِ وَنُصُبِهَا، وَتَعْيِينِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْمَوَاقِيتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ثُمَّ إنَّ اخْتِلَافُ الصَّحابة فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَفِي الْمُشَرَّكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لَا يُوجِبُ رَيْبًا فِي جُمْهُورِ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ، بَلْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ، هُوَ عَمُودُ النَّسَبِ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْكَلَالَةِ؛ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَمِنْ نِسَائِهِمْ كَالْأَزْوَاجِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي الْفَرَائِضِ ثَلَاثَ آيَاتٍ مُفَصَّلَةٍ:
- ذَكَرَ فِي الْأُولَى: الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ.
- وَذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ: الْحَاشِيَةَ الَّتِي تَرِثُ بِالْفَرْضِ كَالزَّوْجَيْنِ وَوَلَدِ الْأُمِّ.
- وَفِي الثَّالِثَةِ: الْحَاشِيَةَ الْوَارِثَةَ بِالتَّعْصِيبِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ.
وَاجْتِمَاعُ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ نَادِرٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالِاخْتِلَافُ قَدْ يَكُونُ لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ أَوْ الذُهُولِ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْغَلَطِ فِي فَهْمِ النَّصِّ، وَقَدْ يَكُونُ لِاعْتِقَادِ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ، فَالْمَقْصُودُ هُنَا: التَّعْرِيفُ بِجُمَلِ الْأَمْرِ دُونَ تَفَاصِيلِهِ)
.
ذكر الشَّيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- ما يتعلَّق باختلاف السَّلف في تفسير القرآن، وذكر أنَّ هذا الاختلاف إنَّما هو اختلاف تنوُّع، وليس باختلاف تضاد، وذلك أنَّ اختلاف التَّضاد معناه: تقابل الأقوال، وعدم إمكانيَّة الجمع بينها، وأما اختلاف التنوُّع فإنه يُمكن أن يُجمَع بينها وأن تكون كلها صحيحة وصوابًا.
وذكر أولًا أنَّ الخلاف في تفسير القرآن لم يكن كثيرًا بين الصحابة؛ بل كان ذلك الاختلاف اختلافًا قليلًا، مع وجود اختلافات كثيرة بينهم في الأحكام الفقهيَّة، فهم يختلفون اختلافات مُتعددة متنوعة في الأحكام الفقهية بخلاف التفسير.
وردَّ المؤلِّف على ذلك القائل بالاعتراض على كون القرآن مفهومًا بوجود الاختلاف بين الصحابة بعدد من الأجوبة:
الجواب الأول: أنَّ الاختلاف في التفسير قليلٌ نادر، وليس كثيرًا كاختلافهم في الأحكام.
الجواب الثاني: أنَّ هذا الاختلاف الذي وقعَ بين الصحابة في التفسير إنَّما هو من اختلاف التَّنوُّع الذي تصحُّ به جميع الأقوال، وليس من اختلاف التَّضاد.
وانتقل المؤلف إلى بيان شيء من أنواع الاختلاف بالتَّنوُّع، فمثَّل لذلك بالتَّعبيرات أو بإيراد جمل كلها بمعنًى واحد، ومن أمثلة ذلك: الأسماء المترادفة، فإنَّ الإنسان قد يستعمل ألفاظًا مُترادفة، وبالتالي تكون تلك الأقوال مُتوافقة لا مختلفة، فعندما يُفسِّر لنا إنسان أنَّ "السيف" هو الهنديَّة، أو القرضاب، أو الحسام، أو غير ذلك من أسماء السيف؛ فكلها أقوال متماثلة وليست بمتضادة، فهذا من اختلاف التَّنوُّع.
واستعمال كلمة "التعبير" في الكلام والنُّطق لا يستحسنه بعض أهل العلم، وينسبونه إلى معتقد الأشاعرة في حقيقة الكلام، حينما قالوا: إنَّ الكلام هو المعاني النفسيَّة، والجمل والحروف والكلمات هذه عبارةٌ عن الكلام، وليست هي إيَّاه.
وهذا الكلام ليس بصحيحٍ، ولفظة "العبارة" أصلها يدلُّ على الانتقال من شيءٍ إلى آخر، ولذلك يُقال: عبرَ النَّهر، ويُقال: العبَّارة التي تعبر؛ فهو انتقال، ولذا فلو استعمل لفظة أن يتكلم كل واحد عن المراد بجملةٍ غير جملةِ صاحبه تدلُّ على معنًى في المسمى.
وهناكَ أسماء أصلها يدل على معنًى واحد، ويدل على ذاتٍ واحدةٍ، ولكنه يدلُّ على معانٍ متفاوتة.
من أمثلة هذا: لو وُجد رجل عنده أكثر من صفة، فيُقال: من هذا؟ فيقول قائل: هذا زيدٌ. ويقول آخر: هذا ابن محمد. ويقول الثالث: هذا مدير المدرسة. ويقول الآخر: هذا هو الرجل الطويل. ويقول آخر: هذا زوج فلانة. ويقول آخر: هذا أبو فلان؛ فكلها تدل على ذاتٍ واحدة، وبالتالي هذا الاختلاف ليس اختلافًا من أنواع الاختلاف الذي فيه تضاد، وإنَّما هو من اختلاف التَّنوُّع، فهذا يدل على مسمًّى واحد، وإن كان في كل لفظةٍ منها معنًى لا يوجد في اللفظ الآخر.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْمُسَمَّى)، مثل ما قال: هذا فلان. وقال الثاني: هذا ابن فلان. وقال الثالث: هذا زوج فلانة؛ فهي كلها تدل على ذاتٍ واحدة، لكن كلٌّ منها يدل على معنًى لا يُوجد في المعنى الموجود في اللفظ الآخر مع اتِّحاد المسمَّى.
قال: (بِمَنْزِلَةِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَكَافِئَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمُتَرَادِفَةِ وَالْمُتَبَايِنَةِ).
الأسماء على أنواع:
النَّوع الأول: الأسماء المتباينة، وهي أسماء مختلفة تدلُّ على معانٍ مختلفة، كما لو قلت: قلم وكتاب، فهنا الأسماء متباينة، متغايرة في اللفظ وهي في نفس الوقت متغايرة في المدلول.
النَّوع الثاني: الأسماء المترادفة، وهي المتعددة في الأسماء، والتي تدل على مدلولٍ واحد، ومن أمثلته: الكتاب والقرآن؛ فهما يدلَّانِ على مدلولٍ واحدٍ، وهكذا في أسماء السيف أو أسماء الخيل، أو نحو ذلك.
النوع الثالث: الأسماء المشتركة، وهي اسمٌ واحد يدل على معانٍ مختلفة وأسماء مختلفة، مثل ذلك: لفظة "المشتري" تُطلق على المقابل للبائع، وتُطلق على الكوكب المعروف، فهذا يُقال له اسمٌ مشترك.
النوع الرابع: ألفاظ تدل على معنًى متَّحد، لكنها لا يلزم منها التَّماثل والتَّوافق في نوع المعنى، مثال: لفظ "إنسان" الإنسانيَّة يشترك فيها العاقل والمجنون، ويشترك فيها الصغير والكبير، والذكر والأنثى؛ فهذا اسم كلي اشتمل على أفراد متعددة.
هل تجد في الخارج إنسانًا يجمعُ جميع أفراد الإنسانيَّة؟
نقول: لا يوجد إلَّا في الذِّهن، لكن في الخارج توجد أفراده، وهؤلاء الأفراد متفاوتون.
النَّوع الخامس: اللفظ المتواطئ، وهو ما يشترك في معنًى واحد مع التَّفاوت في الصفة، مثل: لفظة "اليد"، فتشمل يد البعير، وتشمل يد الفيل، وتشمل يد النَّملة، فيشتركون في معنًى واحد، ولكن يد الفيل لا تماثل يد النَّملة، وبالتَّالي نفرِّق بينها.
المقصود: أنَّك تفرِّق بين الأسماء المترادفة التي تدلُّ على ذاتٍ واحدةٍ من جهةٍ واحدة، والأسماء المتكافئة وهي التي تدل على ذاتٍ واحدةٍ، ولكن باعتباراتٍ مختلفة.
قال: (كَمَا قِيلَ فِي اسْمِ السَّيْفِ: الصَّارِمُ)، أُطلق عليه "الصَّارم" لأنَّه يقطع.
قال: (وَالْمُهَنَّدُ)، لأنَّه يأتي من الهند، وقد يكون له أسماء أخرى، فـ "الصارم" و"المهند" تدلَّان على ذاتٍ واحدةٍ، لكن كل منهما باعتبار، وكلا المعنيين موجود في المسمَّى.
قال: (وَذَلِكَ مِثْلُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى)، فالسَّميع والعليم والبصير والحكيم والخبير؛ تدل على الذَّات الإلهيَّة، لكن في كل واحد منها معنًى مغاير للمعنى الآخر.
فالخبير فيه معنى، والعليم فيه معنى العلم، والسميع فيه معنى السَّمع، والبصير فيه معنى البصير، وبالتَّالي هذه أسماء متكافئة تدل على ذاتٍ واحدةٍ، ولكن في كلٍّ منها إشارة إلى معنًى موجودٍ في المسمَّى لا يُشير إليه الاسم الآخر.
قال: (وَأَسْمَاءِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَسْمَاءِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، فَلَيْسَ دُعَاؤُهُ بِاسْمِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُضَادًّا لِدُعَائِهِ بِاسْمِ آخَرَ).
لَمَّا تقول: يا الله. أو تقول: يا رحمن. أو تقول: يا عليم؛ فأنت لم تدعُ غيرَ الله، وإنَّما دعوتَ إلهًا واحدًا -سبحانه وتعالى.
قال: (بَلْ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾)، فكلها أسماء لله -جلَّ وَعَلَا- فإن دعوتَ بهذا الاسم أو دعوت بهذا الاسم فأنت تدعو الله، ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾.
قال: (وَكُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ الْمُسَمَّاةِ وَعَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الِاسْمُ، كَالْعَلِيمِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالْعِلْمِ)، فيدل على ذات الله -جلَّ وَعَلَا- وعلى اتَّصافه -سبحانه وتعالى- بصفة العلم.
قال: (وَالْقَدِيرُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالْقُدْرَةِ)، يدل على الله -جلَّ وَعَلَا- ويدلُّ على اتِّصافه بصفة القدرة.
قال: (وَالرَّحِيمُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالرَّحْمَةِ)، يدلُّ على الذات الإلهيَّة، ويدل على صفة الرَّحمة، يعني منسوبة إلى الله -جلَّ وَعَلَا- فلابد من الإشارة إلى أنها منسوبة إلى الله تعالى.
ثم يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- مشيرًا إلى بعض الظَّاهريَّة، وكأنَّه يُشير إلى ابن حزم؛ لأن ابن حزم يقول: أنا أفهم الألفاظ بظاهرها، ولا أحمِّلها معاني النَّص ودلالاته الخفية، فقال: (وَمَنْ أَنْكَرَ دَلَالَةَ أَسْمَائِهِ عَلَى صِفَاتِهِ)، كأن يقول: العليم يدل على الله، ولا يدل على اتِّصافه بالعلم.
قال: (مِمَّنْ يَدَّعِي الظَّاهِرَ)، كابن حزم.
قال: (فَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ غُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ)، وهم الذين ينفون دلالة الأسماء على الصفات، وسُمُّو بالباطنية؛ لأنهم يقولون: الكلام له ظاهر غير مُراد وباطن مُراد، وهو الذي نفهمه دونكم.
قال: (الْقَرَامِطَةِ)، سُمُّوا بالقرامطة لأنَّهم يُعطِّلون معاني النَّص.
قال: (الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا يُقَالُ هُوَ حَيٌّ وَلَا لَيْسَ بِحَيِّ)، فهم ينفون الاسم وينفون المعنى.
فيقول الشيخ: هؤلاء الظَّاهريَّة يُماثلون هؤلاء، فإنَّهم وإن أثبتوا الاسم إلا أنهم جعلوه اسمًا مجرًّدا لا يدل على معنى.
قال: (بَلْ يَنْفُونَ عَنْهُ النَّقِيضَيْنِ)، فهؤلاء الباطنيَّة نفوا عن الله الاتِّصاف بالصفة ونقيضها، وهذا لا تقبله العقول، والنقيضان: هما ما لا يجتمعان ولا يرتفعان، مثل: الحركة والسكون، فإمَّا أن تكون متحركًا، وإمَّا أن تكون ساكنًا، ما يوجد شيء في الوسط.
قال: (فَإِنَّ أُولَئِكَ الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ لَا يُنْكِرُونَ اسْمًا هُوَ عِلْمٌ مَحْضٌ كَالْمُضْمَرَاتِ)، فالضَّمائر يُثبتونها لله، فيقولون: هو.
قال: (وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مِنْ صِفَاتِ الْإِثْبَاتِ)، يقولون: ليس لله علم ولا حياة ولا قدرة، ونحو ذلك.
قال: (فَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَقْصُودِهِمْ كَانَ مَعَ دَعْوَاهُ الْغُلُوَّ فِي الظَّاهِرِ مُوَافِقًا لِغُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ فِي ذَلِكَ)، وحينئذٍ يُماثلهم وإن أثبت الاسم؛ لأنه لم يثبت المعنى الذي يدل عليه ذلك الاسم.
قال: (وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ)، أي ليس هذا المكان ليس موضع بسط الرد على هؤلاء الظَّاهريَّة في قولهم، فإنَّنا نتكلم الآن عن مقدمة التَّفسير، فنبحث فيها.
قال: (وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ وَعَلَى مَا فِي الِاسْمِ مِنْ صِفَاتِهِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فِي الِاسْمِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ)، مثلًا: اسم العليم يدل على العلم، ولا يُمكن أن يكون هناك صفة علم إلَّا لمن هو حي، وبالتالي في إثبات اسم "العلم" إثبات صفة العلم وإثبات صفة الحياة له -سبحانه وتعالى.
قال: (وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِثْلُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَد وَالْمَاحِي وَالْحَاشِرِ وَالْعَاقِبِ)، فإنَّها تدل على ذاتٍ واحدةٍ وهي ذات النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن لكل واحد منها من المعاني ما لا يُوجَد في الاسم الآخر بطريق التَّضمُّن، وإن دلَّ عليه بطريق التَّلازم.
فمحمد: أي أنه محمود ويحمده الناس.
وأحمد: يحمدُ الله -جلَّ وَعَلَا.
الماحي: الذي محا الله به الشرك والكفر.
الحاشر: الذي يُحشَر الناس معه.
فهذه الأسماء نثبتها للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونثبت ما تضمَّنته من المعاني.
قال: (وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ: مِثْلُ الْقُرْآنِ)، باعتبار أنَّه مقروء
قال: (وَالْفُرْقَانِ، وَالْهُدَى)، باعتبار أنه يُرشد للحق.
قال: (وَالشِّفَاءِ)، لأنه يُذهب أمراض النفوس.
قال: (وَالْبَيَانِ)، لوضوحه وجلاء ما فيه من الأحكام والمعاني.
قال: (وَالْكِتَابِ)، باعتبار أنه مكتوب.
فكل الأسماء تدل على ذاتٍ واحدة، وتدلُّ أيضًا على معنًى موجودٍ في تلك الذَّات لا يدل عليه الاسم الآخر بطريق المباشرة.
قال: (فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ السَّائِلِ تَعْيِينَ الْمُسَمَّى)، يعني لو قال: مَن هو العليم؟ نقول: هو الله.
قال: (عَبَّرْنَا عَنْهُ بِأَيِّ اسْمٍ كَانَ إذَا عُرِفَ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ)، أي: قلنا هو الله القدير الحكيم السميع.
قال: (وَقَدْ يَكُونُ الِاسْمُ عَلَمً)، مثل: الله.
قال: (وَقَدْ يَكُونُ صِفَةً)، مثل: مجيب السائلين.
قال: (كَمَنْ يَسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي﴾ [طه: 124] مَا ذِكْرُهُ؟).
المصادر تضاف مرَّة إلى الفاعل، ومرة إلى المفعول، فلما تقول: عطيَّة زيد؛ قد يُراد بها العطيَّة التي منحها زيد، وقد يُراد بها العطيَّة التي مُنحَت لزيد، فالمصدر "عطيَّة" قد يُضاف للفاعل وقد يُضاف للمفعول.
والأفعال على نوعين:
- أفعال لازمة: لا تحتاج إلى مفعول، وهذه لا تضاف إلا للفاعل، مثل: ذهب محمد، فـ "محمد" هو الفاعل، لأن "ذهب" فعل لازم.
- أفعال متعدِّية: يحتاج إلى مفعول به.
فإذا أضيف مصدر الفعل المتعدي إلى اسم فقد يكون صاحب ذلك الاسم هو الفاعل، وقد يكون هو المفعول.
مثل أن تقول: قتلُ زيد، قد يكون المراد به القتل الذي فعله زيد، وقد يكون القتل الذي وقع على زيد.
فهنا قوله: ﴿ذكري﴾، قد يُراد به ذكر العبد لله، وقد يُراد به الذكر الصادر عن الله -جلَّ وَعَلَا- وهو القرآن.
قال: (فَيُقَالُ لَهُ: هُوَ الْقُرْآنُ مَثَلً)، لأنَّه ذكرٌ صادق من الله -جلَّ وَعَلَا.
قال: (أَوْ هُوَ مَا أَنْزَلَهُ مِنْ الْكُتُبِ)، أيضًا يُمكن أن يُراد به ذلك.
قال: (فَإِنَّ الذِّكْرَ مَصْدَرٌ. وَالْمَصْدَرُ تَارَةً يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ وَتَارَةً إلَى الْمَفْعُولِ. فَإِذَا قِيلَ ذِكْرُ اللَّهِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي)، يعني المضاف إلى المفعول.
قال: (كَانَ مَا يُذْكَرُ بِهِ مِثْلَ قَوْلِ الْعَبْدِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
وَإِذَا قِيلَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَانَ مَا يَذْكُرُهُ هُوَ وَهُوَ كَلَامُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي﴾)
، فهذا هو الذي ينبغي به الذكر.
قال: (لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [البقرة: 38]، وَهُدَاهُ هُوَ مَا أَنْزَلَهُ مِنْ الذِّكْرِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَ﴾ [طه: 125-126])، فدلَّ هذا على أنَّ الذكر هنا مضاف إلى رب العزة والجلال، وبالتالي يكون إضافة المصدر إلى الفاعل الذكر الصادر عن الله -جلَّ وَعَلَا- وليس ذكر العبد لله -جلَّ وَعَلَا.
قال: (وَالْمَقْصُودُ: أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الذِّكْرَ هُوَ كَلَامُهُ الْمُنَزَّلُ أَوْ هُوَ ذِكْرُ الْعَبْدِ لَهُ، فَسَوَاءٌ قِيلَ ذِكْرِي: كِتَابِي أَوْ كَلَامِي أَوْ هُدَايَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ؛ كَانَ الْمُسَمَّى وَاحِدً)، فإذا وجدنا من التابعين مَن يفسِّر كلمة ﴿ذكري﴾ بأي واحد من هذه الكلمات نقول: هذا تفسير صحيح ولا يتناقض ولا يتضاد مع التفسير الآخر الذي ذكره المفسر الآخر.
ذكرنا أنه لما كان مقصوده معرفة مَن يُطلق عليه المسمَّى لما قال: مَن العليم، قلنا: الله؛ ومرَّة يكون مراده ما معنى العليم.
قال: (وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُ السَّائِلِ مَعْرِفَةَ مَا فِي الِاسْمِ مِنْ الصِّفَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى تَعْيِينِ الْمُسَمَّى)، فلا تقل: الله، ولابد أن تقول: المتَّصف بصفة العلم.
قال: (مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْقُدُّوسِ)، نتقول: المراد به المتطهِّر.
قال: (السَّلام)، المراد به مَن يُسلِّم عباده من السوء.
قال: (وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ اللَّهُ)، يعني: عُلِمَ أنَّ هذه الأسماء تُطلَق على الله -جلَّ وَعَلَا- لكن فيها معنى زائد عن مدلول الاسم.
قال: (إذَا عُرِفَ هَذَا فَالسَّلَفُ كثيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنْ الْمُسَمَّى بِعِبَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الصِّفَةِ مَا لَيْسَ فِي الِاسْمِ الْآخَرِ كَمَنْ يَقُولُ: أَحْمَد هُوَ الْحَاشِرُ وَالْمَاحِي وَالْعَاقِبُ، وَالْقُدُّوسُ هُوَ الْغَفُورُ وَالرَّحِيمُ أَيْ إِنَّ الْمُسَمَّى وَاحِدٌ)، لما أقول لك: مَن هو الحاشر؟ تقول: هو الماحي، باعتبار دلالته على المسمَّى، لا باعتبار ما تضمَّنه الاسم من معنى.
قال: (وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ اخْتِلَافَ تَضَادٍّ كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ. مِثَالُ ذَلِكَ تَفْسِيرُهُمْ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ:
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْقُرْآنُ: أَيْ اتِّبَاعُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ: «هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْإِسْلَامُ)
، فكلها معانٍ مرتبطة، وتحصل بها النجاة والوصول إلى ما ينجو به العبد، وبالتالي فلا يوجد هناك اختلاف، لأن الصراط المستقيم متضمِّن لهذه الأمور.
وهذا الاختلاف في تفسير الصراط المستقيم من النوع الثاني الذي سيأتي.
ثم ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- حديث عليٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في الترمذي في تفسير القرآن بانَّه أمرهم عند الفتن بالتَّمسُّك بالكتاب، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ».
قال: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَعَلَى جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، وَفِي السُّورَيْنِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ، قَالَ: فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الْإِسْلَامُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ وَالدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ».
(فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ)، أي: تفسير الصراط المستقيم بالقرآن، وتفسير الصراط المستقيم بالإسلام متفقان.
قال: (لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ، وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا نَبَّهَ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ "صِرَاطٍ" يُشْعِرُ بِوَصْفِ ثَالِثٍ).
وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَشَارُوا إلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ؛ لَكِنْ وَصَفَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِصِفَةِ مِنْ صِفَاتِهَ)
، أي: باعتبار المعاني التي تضمَّنها كل جزءٍ من هذه الأسماء.
وبعض أهل العلم قال: إنَّ هذا المثال إنَّما هو من النوع الآخر.
وبما أن الوقت معنا تضايق ولا نستطيع أن نستوعب الكلام في الصنف الثاني؛ فلعلنا حينئذٍ أن نقف وأن نجعل الصنف الثاني وما تعلق به في لقاءٍ آتٍ -بإذن الله عز وجل.
بارك الله فيك، وجعلك الله موفَّقًا، وبارك الله في أحبَّتي المستمعين الكرام، وأسأل الله -جلَّ وَعَلَا- لهم التوفيق لكل خير، وأن يجعلنا وإيَّاهم من الهداة المهتدي، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أسأل الله أن يهدينا جميعًا للصراط المستقيم، وصلى الله على محمد.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك