الحمدُ لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل الأنبياء والمرسلين.
أمَّا بعدُ، فأرحبُ بكم في لقاءٍ نتدارس فيه مُقدِّمة تفسير كتاب ربِّ العزَّة
والجلال، بشرح ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في "مقدمة
التفسير".
هذه المقدِّمة كتبها شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية،
المتوفى سنة 728 للهجرة، والمولد سنة 661 للهجرة.
وشيخ الإسلام عالمٌ فقيهٌ أصوليٌّ مُفسِّرٌ محدِّثٌ مُتفنِّنٌ، وقد نفعَ الله به
كثيرًا في نشرِ علوم الشَّريعة، وبثِّها في الأمَّة، ونفع الله به في دفع كثيرٍ من
الشُّبهات، ونفعَ به في تأصيلِ عددٍ من العلوم الشَّرعيَّة، ومنها هذا العلم الذي
بين أيدينا.
وتفسير كتاب الله -عز وجل- علم مُهم، وبالتالي نحتاج إلى الأصول التي ننطلق منها في
التفسير، وهذا الكتاب يُعنَى بهذا الجانب، بحيث يُبيِّن القواعد التي يستطيع الفقيه
والمفسِّر أن ينطلق بها ليفهم كلام ربِّ العزَّة والجلال.
وكلام الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في القرآن كلام مُهم، فهو رسالة من ربِّ
العزَّة والجلال خالق الكون، المدبِّر له، الذي من سار على نهجه أفلح في الدنيا
والآخرة.
وقد ذكر الله -جل وعلا- أن هذا الكتاب به الهداية، وبه صلاح أحوال الناس في الدنيا
والآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾
[الإسراء: 9]، وقال -جل وعلا: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى
لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، فمن أراد الهداية فسيجدها في هذا الكتاب، ومن أراد
الحياة التي تقوم على أكمل المناهج وأتمِّها فعليه بهذا الكتاب.
وهذا الكتاب كتابٌ شاملٌ، ما من شيءٍ من أحوال الناس إلَّا نظَّمه، قال تعالى:
﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: 89]، وقامت
الأدلَّة على حجيَّة هذا الكتاب، وبيان أنَّه مرجع يُرجَع إليه، وأنه يجب العمل به،
فمن أعظم الأدلَّة الدَّالَّة على صحَّة هذا الكتاب:
أولًا: سلامته من التَّحريف الذي ينطبق على الأمَّة بحيث لا يُعرف عن ذلك
التَّحريف، وقد أخبر الله -جل وعلا- أنه قد حفظ هذا الكتاب، قال -سبحانه: ﴿إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، ونجد أنَّه
مع مرور مئات السِّنين قرونًا متطاولة، ومع ذلك كان هذا الكتاب محفوظًا، نسمع مَن
يحفظه في مشارق الأرض كمن يحفظه في مغارب الأرض، كما أن الصبيان يحرصون على حفظه،
وقد نشره الله -جل وعلا- في أقطار الأرض، ولم يُوجَد فيه أي تحريفٍ بحيث لا تنتبه
له الأمَّة.
ثانيًا: سلامته من التَّعارُض وتقابل آياته بعضها مع بعض، فإنَّنا لم نجد كتابًا
يكتبه أحدٌ من البشر إلَّا ووجدنا فيه شيءٌ من التَّناقض والتَّعارض، قال تعالى:
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً﴾ [النساء: 82].
ثالثًا: هذا الكتاب فيه من الحقائق المتعلقة بالكون وبخلق الإنسان ما لم يُتوصَّل
إليه إلا في أزمنتنا الحاضرة، بل إن فيه حقائق لم تُكتشف بعدُ إلى الآن، فهذا
الإعجاز العلمي الذي اشتمل عليه هذا الكتاب دليلٌ على صحَّة ما فيه، وانظر إلى ما
ذكر الله -جل وعلا- من أمور مراحل خلق الإنسان، وانظر إلى ما ذكره الله -جل وعلا-
من الآيات المتعلقة بالشمس والقمر والسَّحاب والبحار ما يعرف الإنسان أنه لم
يُتوصَّل إليه إلَّا في أزمنتنا الحاضرة، وكم من إشارة وُجدَت في كتاب الله -جل
وعلا- لهذه المخترعات الجديدة التي نجدها في عصرنا الحاضر، سواء كانت من المركوبات
أو كانت من وسائل الاتِّصال، أو من وسائل المواصلات، أو غيرها من الوسائل التي لم
تعرف إلَّا في زمننا الحاضر، ومع ذلك كانت موجودةً في كتاب رب العزة والجلال.
رابعًا: أن الله -جل وعلا- تحدَّى العرب أهل الفصاحة أن يأتوا بمثله، أو يأتوا بعشر
سورٍ مُفتريات، أو يأتوا بسورةٍ واحدةٍ من مثل هذا الكتاب، ومع ذلك عجزوا ولم يكن
من شأنهم مُقابلة هذا التَّحدي بالقبول، مع أنهم كانوا حريصين على تكذيب هذا النبي،
وعلى تكذيب هذا الكتاب، وعجزوا عن الإتيان بمثله.
ولئن حاول بعضهم أن يأتي بمثل آيات الكتاب كما فعل مسيلمة؛ إلَّا أن ذلك الجهد وتلك
المحاولات كانت محلَّ سخرية واستهزاء من العرب الذين لم يؤمنوا بكتاب الله فضلًا عن
غيرهم.
خامسًا: ما في الكتاب من التأثير البليغ على النفوس، فإنَّنا نجد النفوس العصيَّة
ونفوس الكافرين إذا استمعت لآيات هذا الكتاب أذعنت له، وحرَّك قلوبها، وكان ذلك
التَّحريك ممَّا يجعلها تؤمن بهذا الكتاب وتجزمُ بما فيه، فانظر إلى آيات المواعظ،
كما ذكر -جل وعلا- من قوله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ
لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: 21].
سادسًا: ما في الكتاب من إيراد أخبارٍ تاريخيَّة، سواء كانت ماضي أو كانت
مُستقبليَّة، حيث أخبر الله -جل وعلا- بوقائع ماضية وحاضرة وقعت كما أخبرَ، ولم يكن
بين ما في هذا الكتاب وبين غيره من المصادر الموثوقة شيء من التعارض.
سابعًا: تلك البلاغة العظيمة التي تُدهش قارئ هذا الكتاب، سواء باختيار الحرف الذي
يُناسبُ ذلك المقام الذي ورد فيه ذلك الحرف، أو باختيار الكلمة، فتجده يختار الكلام
اللين السهل فيما يناسبه، ويختار الكلام القوي المؤثر في النفوس فيما يناسبه.
وهكذا نجد استخدامات الحروف والأساليب فيما يناسبها ممَّا تقف معه العقول مبهور لما
في هذا الكتاب العظيم.
وحينئذٍ نجد أن دلالات هذا الكتاب على الأحكام لا تتناهى، بل إننا في مواطن نجد أن
الآية الواحدة تدلُّ على المعاني المتعدِّدة، وكلها مشمولةٌ بمدلول ذلك اللفظ،
فمثلًا في قوله -عز وجل: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 228]، هل هو حكيم من
الحكمة؟ أو هو حكيم من الحُكم اللازم النافذ؟
الجواب: كلاهما مُراد.
وقوله: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 224]، هل السماع بإدراك المسموعات؟ أو
السماع الذي يكون بالاستجابة لدعاء الداعين؟، أو السماع الذي يكون بالحفظ كما في
قوله تعالى: ﴿إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى﴾ [طه: 46]؟
الجواب: كل هذه المعاني مرادة بهذا اللفظ.
وفي مواطن يأتي لفظٌ واحد ويُراد به معانٍ مُتقابلة، كلها مراد بذلك اللفظ، فمثلًا
في قوله -جل وعلا- في يتامى النساء: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء:
127]، فيُراد بهذه الآية:
- ترغبون في أن تنكحونهنَّ.
- ترغبون عن أن تنكحونهنَّ، كما فسَّرت أم المؤمنين عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها-
هذا اللفظ من كتاب الله -جل وعلا.
ودلائل صحَّة ما في هذا الكتاب ودلائل إعجازه كثيرةٌ متنوِّعةٌ، فيها مؤلَّفات قد
صِيغَت في بيان هذه الطرائق من طرق الإعجاز.
ونحن اليوم نحتاج إلى أن نفهم هذا الكتاب، وأن نعرف المعاني التي اشتمل عليها؛
لأنها منهج حياة، ولأنها طريقة تستقيم بها أمور الناس، ولأنها منهج ربَّانيٌّ
لتصحيحِ ما في الدُّنيا من الأمور، وبالتَّالي نحتاج إلى فهم آيات هذا الكتاب.
ومن ثَمَّ اعتنى العلماء بتفسير القرآن العظيم، وقد أُلِّفَت مؤلَّفات، والنَّاظر
في هذه التفاسير يجد أنها في الغالب تدل على جزء من أجزاء معاني ألفاظ القرآن،
وأنها لا تستغرقه، ومن ثَمَّ فنحن نحتاج إلى خروج علماء، وظهور من يكون لديه القدرة
على تفسير كتاب الله -عز وجل- ولذا؛ فنحن نحتاج إلى بيان القواعد التي يُفسَّر بها
كتاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وقد اعتنى العلماء بتأليف مؤلَّفات في هذا الجانب من أجل أن يُهيِّئ الله -عز وجل-
للأمَّة أولئك الذين يقومون بتفسير كتاب الله التفسير الصَّحيح، ومن تلك المؤلفات:
هذا الكتاب الذي بين أيدينا "مقدَّمة التَّفسير" لشيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ
اللهُ تَعَالَى.
وفي نفس الوقت نحن نحتاج إلى ردِّ محاولات بعض الزَّائغين لتفسير كلام الله -عَزَّ
وَجَلَّ- حيثُ يفسِّرون كلام الله بغير مراده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فمرَّةً
يفسِّرونه بما يتناسب مع أهوائهم ورغباتهم، ومرةً يفسِّرونه بحسب عقائد ينتهجونها
مخالفة للصَّحيح من العقائد، ولذلك فهم لا يفسرون كلام الله على مراد الله -عَزَّ
وَجَلَّ- بل يَحرِفونَ معاني الكتاب.
ومن فضل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن هيَّأَ في الأمَّة مَن يُبيِّن زيغَ هؤلاء، ويكشف
ضلالهم، ويُعرِّفُ بمخالفتهم للمنهجِ الصَّحيح في تفسير كلام الله -سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى.
وهذه الرِّسالة تُحقِّق هذا الجانب، فهي تُعرِّف بحقيقة هؤلاء وتفضحهم، كما أنَّ
هذه الرِّسالة تشرح للإنسان المنهج الذي يسير عليه الأوائل في تفسير كلام رب
العزَّة والجلال، وبالتَّالي يرتفع ما قد يظنه بعضهم من وجود تعارض بين هذه
التفسيرات الواردة عن سلف الأمَّة، ومن ثَمَّ فهذه رسالة مهمَّة نحتاج غليها في
تدريب بعض أهل العلم ليكونوا من المفسرين لكلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- ونحتاج إليها
لرد شبهات المضلينَ الذين يفسِّرون كلام الله بغير مراده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-
من الذين يتبعون المتشابه، ويسعون إلى تأويله بغير مراد الله -سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى.
ولعلنا في لقاءاتٍ ستَّةٍ نشرحُ هذه المقدِّمات، نبدؤها بمقدِّمة المقدِّمة،
فلتتفضَّل مشكورًا بقراءة هذه المقدِّمة.
{شكر الله لكم معالي الشيخ.
قال شيخ الإسلام: (رَبِّ يَسِّرْ وَأَعِنْ بِرَحْمَتِك
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ
شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا
مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ مُقَدِّمَةً تَتَضَمَّنُ
قَوَاعِدَ كُلِّيَّةً تُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ. وَمَعْرِفَةِ تَفْسِيرِهِ
وَمَعَانِيهِ وَالتَّمْيِيزِ فِي مَنْقُولِ ذَلِكَ وَمَعْقُولِهِ بَيْنَ الْحَقِّ
وَأَنْوَاعِ الْأَبَاطِيلِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الدَّلِيلِ الْفَاصِلِ بَيْنَ
الْأَقَاوِيل؛ فَإِنَّ الْكُتُبَ الْمُصَنَّفَةَ فِي التَّفْسِيرِ مَشْحُونَةٌ
بِالْغَثِّ وَالسَّمِينِ، وَالْبَاطِلِ الْوَاضِحِ وَالْحَقِّ الْمُبِينِ.
وَالْعِلْمُ إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ عَنْ مَعْصُومٍ، وَإِمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ
دَلِيلٌ مَعْلُومٌ، وَمَا سِوَى هَذَا فَإِمَّا مُزَيَّفٌ مَرْدُودٌ وَإِمَّا
مَوْقُوفٌ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ بَهْرَجٌ وَلَا مَنْقُودٌ.
وَحَاجَةُ الْأُمَّةِ مَاسَّةٌ إلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ حَبْلُ اللَّهِ
الْمَتِينُ وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، الَّذِي لَا
تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسُنُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ
كَثْرَةِ التَّرْدِيدِ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ
الْعُلَمَاءُ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِر، َ وَمَنْ حَكَمَ
بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَمَنْ
تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ
أَضَلَّهُ اللَّهُ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ
فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي
أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا
وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه: 123-126].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي
بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلام وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
[المائدة: 15-16].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [إبراهيم: 1-2].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا
كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا
نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ أَلَا إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: 51-52].
وَقَدْ كَتَبْتُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ مُخْتَصَرَةً بِحَسَبِ تَيْسِيرِ اللَّهِ
تَعَالَى مِنْ إمْلَاءِ الْفُؤَادِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَبِيلِ
الرَّشَادِ)}.
ابتدأ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هذه الرسالة بدعاء الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن
يُيسِّر، فإنَّ التيسير من رب العزَّة والجلال، وقد أخبر سبحانه أنه يريد بالعباد
اليسر، سواء في الأحكام الكونيَّة أو في الأحكام الشرعيَّة، كما قال تعالى:
﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]،
وكما قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ
ضَعِيفً﴾ [النساء: 28]، وقال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ
مَعَ الْعُسْرِ يُسْرً﴾ [الشرح: 5، 6]، وقد أخبر سبحانه أن التقوى مع العطاء
والتَّصديق بوعد الله من أسباب التيسير، فقال تعالى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى
(4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: 4- 7].
كما طلب المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- من الله -عَزَّ وَجَلَّ- العون، وسؤال
الله العون مشروع في الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، وقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- لمعاذ:
«لاَ تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ
وَشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادتِك» .
وقوله: (بِرَحْمَتِك)، هذا ليس فيه دعاء "للرحمة" التي هي صفةٌ لله -عَزَّ وَجَلَّ-
وذلك لأنَّه ليس للإنسان أن يدعو صفات الله، وإنَّما يجوز أن يتوسَّل بها، فهذا
الذكر هنا ذكرٌ للتوسُّل بها.
وبعد ذلك أورد المؤلف خطبة الحاجة، وابتدأها بقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ)، يعني أن
الأوصاف الجميلة مثبتة لله -عَزَّ وَجَلَّ- على أكمل وجوهها، و "ال" هنا يُراد بها
الكمال وليس الاستغراق.
قوله: (نَسْتَعِينُهُ)، أي: نطلب عونه ومساعدته.
قوله: (وَنَسْتَغْفِرُهُ)، أي: نطلب من الله العفو والمغفرة.
قال: (وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ)، أي: نلتجئ به سبحانه.
قوله: (مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَ)، أي من معاصينا
وذنوبنا، فإنَّا لا نُصاب بالسوء إلَّا من قِبَل أنفسنا.
قال: (مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ)، فيه إشارة إلى المعنى الذي من
أجله جاء وضع هذه المقدمة، من أجل الوصول إلى الهداية التي تكون من الله
-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فمَن قدَّرَ الله الهداية فإنَّه لن يتمكَّن أحد من
إضلالاه.
قوله: (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ)، أي: مَن يُقدِّر الله -عَزَّ وَجَلَّ-
له الضَّلالة فإنَّه سيبقى في ضلالته ولن يهتدي.
ثم ذكر شهادتي الحق، شهادة التوحيد لله -عَزَّ وَجَلَّ- ومعناها: أُقرُّ وأعترف
بأنه لا معبودَ بحقٍّ، ولا أعبدُ بحقٍّ إلَّا الله وحده لا شريك له.
وذكر بعد ذلك الشهادة للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- بالرِّسالة، ومن
مقتضى ذلك:
- أن نصدقه في أخباره.
- وأن نطيعه في أوامره.
- وأن لا نعبد الله إلَّا بما جاء به -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
ثم ذكر المؤلف بعد ذلك السبب الذي من أجله ألَّف الرسالة، ألا وهو أنَّ بعض أحبَّة
الشيخ من تلاميذه وطلابه طلبوا منه أن يكتب لهم مُقدِّمة.
ومقدِّمة الشيء: ما يكون في أوَّله.
وهذه المقدِّمة تتضمَّن قواعد كليَّة، وفي هذا إشارة إلى التَّقرُّب إلى الله
-عَزَّ وَجَلَّ- بالتَّأليف والكتابة.
وقوله: (تَتَضَمَّنُ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةً)، القواعد: أساسات الأشياء، ويُراد بها
هنا: القضايا العامَّة التي يُحتَاجُ إليها.
والأمر الكُلِّي: هو الذي يشمل صورًا عديدة غير متناهية.
قوله: (تُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ)، أي أن هذه القواعد تجعل الإنسان يتمكَّن
من فهم مراد الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالآيات القرآنية، كما أنها تفيده معرفة تفسير
كلام رب العزَّة والجلال، بمعنى كيفيَّة توضيحه.
قوله: (وَمَعَانِيهِ)، أي: يُميِّز بين ما هو الحق من الباطل فيما قيل إنه من معاني
كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ.
قال: (وَالتَّمْيِيزِ فِي مَنْقُولِ ذَلِكَ وَمَعْقُولِهِ بَيْنَ الْحَقِّ
وَأَنْوَاعِ الْأَبَاطِيلِ)، أي: التفريق بين ما هو حق وبين ما هو باطل.
قوله: (وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الدَّلِيلِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْأَقَاوِيل)؛ أي: ما
هي أنواع الأدلة التي يُمكن الحكم بها، وبالتالي نعرف الراجح من المرجوح في الأقوال
الواردة في هذه الأبواب.
إذًا؛ من أسباب تأليف الشيخ لهذا الكتاب:
طلب بعض أهل العلم.
- حاجة الأمَّة إلى وجود قواعد لتفسير القرآن.
- القدرة على التمييز بين الحق والباطل.
- تعرُّف الأدلة التي نستطيع ان نميِّز بها بين الأقوال، ونعرف الراجح من المرجوح
فيها.
- ثم ذكر المؤلف سببًا من أسباب تأليف هذا الكتاب، فقال: (فَإِنَّ الْكُتُبَ
الْمُصَنَّفَةَ فِي التَّفْسِيرِ مَشْحُونَةٌ بِالْغَثِّ وَالسَّمِينِ،
وَالْبَاطِلِ الْوَاضِحِ وَالْحَقِّ الْمُبِينِ)، يعني هناك تفاسير كثيرة مختلفة،
منها ما هو سمين مشتمل على آيات وأحاديث، ومنها ما يُفسَّر بالرَّأي المجرَّد غير
المستند إلى هذه الأصول، وبالتالي نحتاج غلى التفريق بين ما هو صواب وما ليس بصوابٍ
في المنهج الذي يُسَار عليه في تفسير كلام رب العزة والجلال.
ثم قسَّم العلم إلى قسمين:
الأول: قسم منقول ووراد بأسانيد صحيحة.
الثاني: طرائق استنباطيَّة للفهم والرَّد.
قال: (وَالْعِلْمُ إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ عَنْ مَعْصُومٍ)، يعني: نُقل عن النبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
قوله: (وَإِمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ، وَمَا سِوَى هَذَا فَإِمَّا
مُزَيَّفٌ مَرْدُودٌ)، أي: لا قيمة له ولا حقيقة له.
قال: (وَإِمَّا مَوْقُوفٌ لَا يُعْلَمُ)، يعني نتوقَّف فيه ولا نحكم بصحَّته ولا
بضعفه، وبالتالي لا يُدرَي ما هو.
قال: (أَنَّهُ بَهْرَجٌ)، البهرج هي الأموال والنقود التي لها ظاهر حسنٌ لكنها في
حقيقتها لا تستحقُّ شيئًا.
قوله: (وَلَا مَنْقُودٌ)، أي: لا يُعلَم أنه قد ورد عليه من الأدلَّة ما يدلُّ على
بطلانه.
قال: (وَحَاجَةُ الْأُمَّةِ مَاسَّةٌ إلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ حَبْلُ
اللَّهِ الْمَتِينُ وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، الَّذِي
لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسُنُ)، أي: لا تقف
عاجزة عن الكلام غير قادرة على الحكم.
قال: (وَلَا يَخْلَقُ)، يعني: لا يبلى ويُصبح قديمًا على كثرة التَّرديد، بل كلما
قرأت فيه وجدتَّ فيه فوائد لم تكن تشعر بها من قبل.
ولذا كان من شأن العلماء أنهم يردِّدونه ولا يشبعون منه، فأنت لو قرأتَ كتابًا مرةً
أو مرتين، فلا تحتجْ لأن ترد إليه، هذا الشُّعور بالملل عند تكرار قراءة الكتب لا
نجده في كلام رب العزة والجلال.
قال: (مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ)، لأنه صِدق، فمن اختاره فإنه سيكون من أهل الصدق.
قال: (وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِر)، أي: من امتثل أوامره أُجرَ.
قال: (وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ)، أي مَن قضى بين الخصوم بواسطته فإنه يُعدُّ
عادلًا.
قال: (وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ)، أي: مَن رغَّب الناس في الاستجابة له والسير معه.
قال: (هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، أي: طريقٍ واضحٍ بيِّنٍ لا اعوجاج فيه.
قال: (وَمَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ)، مَن لم يتلفت للقرآن ولم
يعمل به، فإنَّه يقصمه الله ولو كان جبَّارًا، فإنَّ الجبابرة تنزل بهم العقوبات.
قال: (وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ)، أي: مَن طلب
الهدى في غير هذا الكتاب أضله الله، وجعله يسير في أبواب الضَّلالة.
ثم أورد المؤلف عددًا من الآيات القرآنية التي فيها ذكر هذا الكتاب، والإشارة إلى
بعض مزاياه، فمن ذلك أنه هُدى، فهو يهدي إلى الطريق المستقيم، قَالَ تَعَالَى:
﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى﴾ [طه: 123].
فمن فوائد القرآن:
- أن صاحبه لا يضل ولا يضيع، ولا يدخل في أبواب المناهج المخالفة.
- أن صاحبه لا يشقَى.
- أن به صلاحية العيش في الدنيا، قال تعالى: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكً﴾، أي:
شديدة الضيق.
قال تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، أي: لا يعرف الطريق.
قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ
كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَ﴾، يعني مَن أعرض عن القرآن فإنه يصيبه
العمى في الآخرة مع العمى في الدنيا، وكذلك يُنسَى ويُترَك فلا يُلتفت إليه.
ومثل هذا في قوله تَعَالَى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلام وَيُخْرِجُهُمْ
مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: 15-16].
وهكذا في قوله تَعَالَى: ﴿الر كِتَابٌ﴾، وهو القرآن العظيم.
قال تعالى: ﴿أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ﴾، هذا من مميزاته، أنه نزلَ من عند رب العزَّة
والجلال.
قال تعالى: ﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ﴾، فهذا من فوائد
كتاب الله -جل وعلا.
قال تعالى: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ
الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، إشارة إلى صفات رب العزة
والجلال بما يُحرِّك القلوب إليه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وهكذا في قوله تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَ﴾،
أي: وجَّه الله -عَزَّ وَجَلَّ- إلى نبيه القرآن العظيم الذي هو روحٌ، لأنه تحصل به
الحياة الحقيقيَّة في الدنيا.
والرُّوح: هو ما تحيا به النُّفوس.
وقوله ﴿مِنْ أَمْرِنَ﴾، يعني من أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- الشرعي.
قال تعالى: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ﴾، أي: لم يكن من شأنك قبل نزول
الوحي عليك أنَّك ممَّن يتَّصف بهذه الصِّفة، فلم تكن تعرفه.
قوله تعالى: ﴿وَلَا الْإِيمَانُ﴾، فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- لم يكن
يعرف الإيمان إلا بعدَ أن نزل عليه الوحي.
قال تعالى: ﴿وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ
عِبَادِنَ﴾، الله -عَزَّ وَجَلَّ- من فضله جعل هذا الكتاب نورًا.
قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إلَى اللَّهِ تَصِيرُ
الْأُمُورُ﴾.
قال المؤلف: (وَقَدْ كَتَبْتُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ مُخْتَصَرَةً)، يعني أنَّها
قليلة الألفاظ، لكنَّها شاملة لمعانٍ كثيرة.
قال: (بِحَسَبِ تَيْسِيرِ اللَّهِ تَعَالَى)، أي: لم يُرتِّب لها، ولم يُهيئ لها،
ولم يستعد لها.
قال: (مِنْ إمْلَاءِ الْفُؤَادِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ)،
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو المطلوب للهداية، وهو الذي يهدي حقيقة ويُرشد العبد إلى
ما فيه استقامته.
فهذا ملخَّص للمقدِّمة من مقدِّمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى.
{شكر الله لكم معالي الشيخ ونفع بكم.
هلَّا بيَّنتم لنا الفرق بين التفسير وعلوم القرآن}.
علوم القرآن تشتمل على معانٍ متعدِّدة، فكل فنٍّ يُمكن أن يكون من القرآن فإنَّه من
علوم القرآن، مثل مبحث الحقيقة والمجاز، مبحث أسباب النزول، مبحث المكِّي والمدني،
مبحث عد الآيات؛ فهذه كلها من علوم القرآن.
ومن أنواع علوم القرآن: التفسير.
{شكر الله لكم معالي الشيخ وأحسن الله إليكم.
ما ثمرة معرفة أصول التفسير؟}.
كما تقدَّم معنا:
- تمييز الحق من الأقاويل السابقة في التفسير.
- فهم كلام رب العزة والجلال.
- العمل بما في هذا الكتاب.
- رد الدَّعاوى المبطلة.
نسأل الله -جل وعلا- أن يوفقك، وأن يُبارك فيك، ونسأله -جل وعلا- أن يمكننا من فهم
كتابه، والعمل به، كما أسأله -جل وعلا- أن يغفر لشيخ الإسلام ابن تيمية مغفرة
واسعة، وأن يجيزه عنَّا خير الجزاء، وأن يوفق طلاب العلم لما يحب ويرضى، وأن يجعلهم
موفَّقين في كل أمورهم، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خيرٍ، وأن يجزيهم
خير الجزاء، هذا والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.