الدرس التاسع
فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء
العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ/ الدكتور عبد الحكيم بن محمد العجلان؛ فأهلًا وسهلًا
بكم فضيلة الشَّيخ}.
حيَّاكَ الله، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من باب العِدَّة، وقد أخذنا في الحلقة الماضية بعض
المسائل.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلاَ عِدَّةَ عَلى مَنْ فَارَقَهَا
زَوْجُهَا فِي اْلحَيَاةِ قَبْلَ اْلمَسِيْسِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوْهُنَّ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ
تَعْتَدُّوْنَهَ﴾ )}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ وباركَ على
نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّينِ.
أمَّا بعدُ، فأسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يعمر قلوبنا بالعلم، وأن يرزقنا اقتفاء
السُّنَّة، وأن يزيدنا مِنَ الهُدى، وأن يجعل ما تعلَّمناه حُجَّةً لنا لا حُجَّةً
علينا، وأن يُعقبنا أجرًا في الآخرةِ ورفعةً عنده، إنَّ ربَّنا جوادٌ كريم،
ووالدينا والمسلمين.
كنَّا استهللنا في آخر اللقاء الماضي أوَّلَ الكلام على باب العدَّة، وقد فاتَ
علينا أن نذكر ما يتعلق بتعريف العِدَّة.
العدَّة من العَدَدِ، وذلك لِما اشتملت عليه من اعتداد المرأة وحسابها لعدد أيَّام
تربُّصها وانتظارها.
وتُجمَع على "عِدَد" و "عِدَّة" لتنوُّع العدد، فمنها عدَّة المتوفَّى عنها زوجها
وهي حامل، وعدَّة المتوفَّى عنها زوجها وهي غيرُ حاملٍ، وعدَّة المفارَقَة وهي
يائسة، وعدَّة المفارقَة وهي من ذوات الأقراء، وعدَّة الأمَة، وعدَّة الحرَّة؛ كل
ذلك له تفاصيل مختلفة، فلأجل ذلك يُعبِّر الفقهاء بــ "العِدَدِ" أحيانًا وبــ
"العِدَّة" كما عبر المؤلف، وهو اسم جنس يشمل ذلك كلَّه.
السؤال الأول:
اتفق الفقهاء على عدم وجود عدة للمرأة إذا مات عنها زوجها وهي حامل.
خطأ
https://www.youtube.com/embed/wNAzcDgCPgQ
وحقيقةُ العدَّة: هي تربُّصٌ محدودٌ شرعًا، وهي تلزَم كلَّ امرأةٍ مُزوَّجة، حصل
لها فراقٌ في الحياة أو بالممات، وربَّما أُلحِقَ بذلك أيضًا بعضُ مَن ليست بزوجةٍ،
كالوطء بشبهةٍ فإنَّه مُوجِبٌ للعدَّة.
والوطء بشبهةٍ كأن يُجامعَ شخصٌ امرأةً يظنُّها زوجته، فهذه المرأة بعدَ هذا الجماع
تبقى عدَّة ثلاثة أشهر -أو ثلاثة قروء- بحسبِ حالها، وذلك أنَّ هذا الوطء يُلحَق به
النَّسب، فلأجل ذلك اعتُبرَت له العدَّة، وربَّما تأتي الإشارةُ إلى ذلك لاحقًا.
وعلى كلِّ حالٍ؛ فهذا هو أصلُ العدَّة من جِهةِ معناها، ومَن يدخل فيها، وسيأتي
تفاصيل ذلك بإذن الله -جلَّ وعَلا.
السؤال الثاني:
مَنْ وَطِئَ امرأةً يظنها زوجته ثم تبين أنها ليست بزوجته، فليس عليها عدة.
خطأ
https://www.youtube.com/embed/RiGgiRVJJ_E
حتى ولو كان الفراق بفسخٍ أو بخلعٍ ونحوه، كأن يكون فسخًا من أجل عيبٍ من عيوبِ
النِّكاحِ، أو يفسخ الحاكم النِّكاحَ لأجلِ عدمِ قيام الزَّوجِ بالنَّفقةِ، أو
لغيرِ ذلك من الأسباب التي تقتضي فسخًا بينَ الزَّوجين.
وأصلها في كتاب الله -جلَّ وعَلا- من قوله: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة:228]، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة:234]،
والآيات في ذلك مَعلومة، والسُّنَّة أيضًا في ذلك ظاهرة، وفيها أحاديث كثيرة عن
النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والله -جلَّ وعَلا- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق:1] ممَّا يدلُّ على اعتبار العدَّة في
ذلك، وهو محل إجماعٍ واتِّفاقٍ بينَ أهل العلم.
مَرَّ بنا أنَّ غير المدخول بها لا عدَّة عليها، سواء قلنا: إنَّ الدُّخول يكون
بالجماع -كما هو مذهب الجمهور- أو قلنا: إنَّ الدُّخولَ يتأتَّى بالخلوَة، فإذا خلا
بها فعندَ الحنابلة تكون مَدخولًا بها؛ وبناء على ذلك تلزمها العدَّة.
وعند الجمهور: أنَّ الخلوة غير محصِّلة للدخول، وبناء على ذلك تعتبر في حكم غير
المدخول بها، وبناء على ذلك لا تلزمها عدَّة.
إذن؛ إحدى المسألتين محل اتِّفاقٍ وإجماع، وهي التي لم يُدخل بها ولم يُجامعها
زوجها.
والمسألة الثانية في غير المدخول بها ولم يجامعها ولكنَّه خلا بها خلوةً حصل بها
إرخاءٌ للستر وإغلاق ٌللباب وهي عالمةٌ به؛ لأنَّهم ينصُّونَ على أنَّها لابدَّ أن
تكون عالمة به، أمَّا إن كانت غير عالمة أو مُكرَهة فلا تتحقق العدَّة في مثل ذلك.
واشترطوا شرطًا مُهمًّا، وهو أنَّ العدَّة إنَّما تكونُ لامرأةٍ يُوطأ مثلها، أمَّا
التي لا يوطأ مثلها فلا حاجة لها إلى العدَّة، ومثل ذلك: إن كان هو لا يولَد له،
كأن يكون ابن عشر سنين، فإذا كان أقلَّ من عشر سنين وحصلَ فراق بينهما بطلاقٍ أو
فسخٍ أو نحوه؛ فلا عدَّة في مثل تلك الحال.
وقبل أن نأتي إلى التفصيل في المعتدات؛ أحب أن أنبه إلى مسألةٍ مُهمَّة ذكرها بعض
الفقهاء، وهي سبب العدَّة.
أولًا: جعل الله -جلَّ وعَلا- العدَّة تعظيمًا لعقد النِّكاح، وهي مُشتملة على
التَّعبُّدِ لله، وعلى معنًى معلوم، وهذا ظاهر من جهة أن افترضَ على المرأة
الاعتداد، فهي تقوم به استسلامًا لأمرِ الله، واقتداءً بسنَّة رسول الله -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقالوا: لأجل خلو رحمها من ماء الرجل ومن الحمل، لئلا تختلط الأنساب.
ولذلك يقولون: في بعض العِدَدِ يكون الأمر تعبُّدًا محضًا، كأن يموت عنها زوجها وهو
ممَّن لا يُولد لمثله، فالمرأة تتربَّص فترة العدَّة مع عِلمنا قطعًا أنَّ رحمها
خالٍ من الحمل.
ثانيًا: قال بعضهم: إنَّ للعدَّة معنًى محضًا، وهو إذا مات عن حاملٍ أو طلَّق
حاملًا؛ فإنَّ رحمها مشغول بحملٍ.
السؤال الثالث:
من مات عنها زوجها وهو ممن لا يولد لمثله فليس عليها عدة باتفاق.
خطأ
ثالثًا: أن الأمر مُشترك بين التَّعبُّدِ والمعنى، ولكن التَّعبُّد أكثر، كأن تكون
امرأة توفي عنها زوجها، ومثلها تحمل، ولكن أمضت الأقراء الثلاثة؛ فيكون المعنى هنا
أظهر؛ لأنَّها يُمكن أن تكون حاملًا، ويُمكن ألَّا تكون، فإذا كان الزوج ممن يطأ
مثله، وهي من ذوات الأقراء فإذا مات عنها زوجها فإنَّها تتعبَّد لله، وللتَّأكُّد
من خلوِّ الرَّحم، ولكن إذا ذهبت الأقراء الثلاثة فيُتيَقَّن أنَّها ليست بحاملٍ،
ومع ذلك تُكمل العدَّة تعبُّدًا لله -جلَّ وعَلا.
{أحسن الله إليكم.
المذهب الذي يقول: إنه إذا أُرخيَ الستار أو أغلق الباب؛ فهذه تعتبر خلوة؛ ما يحصل
الآن من كتب العقد وتكون المرأة في بيت أهلها؛ فهل عليها عدَّة؟}.
هو لم يدخل عليها، حتى ولو أتى إلى أهلها وجلس إليها في مجلسٍ أو في مكانٍ عامٍ، أو
في ركنٍ من أركانِ البيت ولكن لم يُغلَق بابٌ؛ فهذا لا يُعتَبر خلوة يُحكَم فيها
بالدُّخول، ولو ركبَت معه في سيارة، فالظاهر فيها أيضًا أنها ليست خلوة؛ لأن الناس
يرونهما، وبمحضرٍ من الناس، وتذهب وتجيء، ولا يتحقق فيها الخلوة في مثل تلك الحال.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَالْمُعْتَدَّاتُ يَنْقَسِمْنَ أَرْبَعَةَ
أَقْسَامٍ:
إِحْدَاهُنَّ: أَوْلاَتُ اْلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ،
وَلَوْ كَانَتْ حَامِلاً بِتَوْأَمَيْنِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَضَعَ
الثَّانِيَ مِنْهُمَا، وَاْلحَمْلُ الَّذِيْ تَنْقَضِيَ بِهِ اْلعِدَّةُ وَتَصِيْرُ
بِهِ اْلأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، مَا يَتَبَيَّنَ فِيْهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ
اْلإِنْسَانِ)}.
إذا كانت المرأة حاملًا فعدَّتها بوضع حملها، أو بعبارة أدق حتى يكون الأمر واضحًا:
بوضع كلِّ حملها.
فتشتمل على الجملة الأولى والجملة الثانية، فيما لو كانت حاملًا بتوأمين، فإذا وضعت
الأول ولم تضع الثاني، أو وضعت الثاني وبقي في بطنها ثالثٌ فعدتها لازالت باقية.
وكذلك لو كانت حاملًا بواحدٍ فخرج بعض الحمل، كرأسه ويده وبقيت رجلاه؛ فنقول: لا
زالت في عدَّتها، فلو قال: "راجعتُكِ" ورجله لم تخرج بعدُ؛ فقد وافقت الرَّجعةُ
وقتَ العدَّةِ فتكون زوجة وتعود الزَّوجيَّة كما كانت.
يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَاْلحَمْلُ الَّذِيْ تَنْقَضِيَ بِهِ
اْلعِدَّةُ وَتَصِيْرُ بِهِ اْلأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، مَا يَتَبَيَّنَ فِيْهِ شَيْءٌ
مِنْ خَلْقِ اْلإِنْسَانِ).
قلنا: إنَّ ماتبيَّن فيه خلق الإنسان:
إمَّا أن يكون واضحًا: إذا ولدت ولدًا كاملًا، أو ولدت ولدًا تخلَّقَ حتى ولو كان
ميِّتًا، بل لو وضعَت ما ظاهره أنَّه قطعة لحمٍ ولكن النساء والقوابل يعلمنَ أنَّ
هذا مبدأ رجلٍ أو عينٍ أو رأسٍ ونحوه؛ فإنَّه يُحكَم بأنَّ هذا ولدٌ تنقضي به
العدَّة.
أو تضع مُضغة لحمٍ، فلا تنتهي عدَّتها، وبناء على ذلك ننتظر حتى ينتهي دمها الذي
هو دم فسادٍ، ثُمَّ تحيض ثلاث حيضات إذا كانت من أهل الحيَض، ثم تنقضي عدَّتها.
ويقولون: إنَّ الغالب مما يبدأ فيه التَّخلُّق هو واحد وثمانون يومًا؛ لأنَّها تكون
نطفة أربعين، ثُمَّ مضغة أربعين، ثُمَّ علقة وهي بداية التَّخلُّ؛ لأنَّ المضغة هي
قطعة لحمٍ كأنَّها مضغة من اللحم الممضوغ، فما يبدأ التَّخلَّق إلَّا بعدَ ذلك.
ويذكر الفقهاء بالمناسبة هنا مسألة: هل يجوز إلقاء النطفة؟ وهو ما يُسميه الناس
الآن الإجهاض، فهل هذا جائزٌ أو ليسَ بجائز؟
الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- يقولون: ما قبل الأربعين يومًا هذا لا حرج فيه،
إذا كان بدواءٍ مُباحٍ، وقبل الأربعين وبرضا الزَّوجين؛ لأنَّ الحق لهما، فكما
أنَّه يجوز للإنسان أن يعزل عن زوجته، وكما يجوز للمرأة أن تتعاطى موانع للحمل إذا
لم يكن فيها مَضرَّة؛ فكذلك يجوز لها إلقاء هذه النُّطفَة؛ لأنَّها لا حكمَ لها،
كأنها المني الذي خرج من زوجها، سواء وُضع في رحمها أولا.
وبعد الأربعين يجري فيه الخلاف إلى أن تُنفَخ فيه الرُّوح، فإذا نُفخت فيه الروح
فلا يجوز؛ لأن له حرمةٌ وحق.
السؤال الرابع:
الإجهاض قبل الأربعين يوم جائز إذا لم يكن فيها مضرَّة للمرأة.
صواب
https://www.youtube.com/embed/fgWiTMMIE_Q
وما بينَ هذا وذاك؛ منهم مَن يُغلِّب الحرمَة، وهذا هو مشهور مذهب الحنابلة، ومنهم
من يجعل فيه فُسحةً، وهو مذهبٌ لبعضِ الشَّافعيَّة، ولكن لا ينبغي أن يُصارَ إلى
ذلك؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّه لَمَّا تخلَّقَ بقيَت له حُرمَةٌ، ولذلك تصير المرأة
نُفساء بعدَ وضع ما تبيَّن فيه خلق الإنسان.
{إلقاؤها قبل الأربعين هل هو جائزٌ بالإجماع؟}.
لا أعرف قولًا مَشهورًا في المنع منه، ولكن ربَّما نُقل عن بعض المعاصرين أنَّه
يُشدِّد في ذلك، وهذا لا وجه له الحقيقة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (الثَّانِيْ: اللاَّتِيْ تُوُفِّيَ أَزْوَاجُهُنَّ،
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَاْلإِمَاءُ عَلى
النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ، وَمَا قَبْلَ الْمَسِيْسِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ)}.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرً﴾ [البقرة:234]، فإذا
كانت المرأة غير حاملٍ ومات زوجها فإنَّها تبقى أربعة أشهرٍ وعشرًا.
وعدَّة كلِّ حاملٍ بالوضع، سواء كانت بفسخٍ أو بطلاق أو بموت، متى ما وضعت انتهت
العدَّة، فلو أنَّه مات أوَّل النَّهار ووضعت آخر النهار انتهت عدَّتها، ولو بقي
الجنين في بطنها سنةً فإنَّها تكونُ في عدَّةٍ حتى تضع ذلك الحمل.
وهذا محل إجماعٍ بين أهل العلم، خلافًا لقولٍ لابن عباس جرى أهل العلم على خلافه،
وهو أن تتربَّصَ لأبعد الأجلين، فلو وضعت قبل انتهاء الأربعة أشهر وعشرًا فإنَّ ابن
عباس يقول: إنها تكمل الأربعة اشهرٍ وعشرًا.
إذا لم تكن حاملًا فنأتي إلى التفصيل، فبدأ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-
بالمتوفَّى عنها زوجها: إذا كانت الفُرقَة عن وفاة وليست حاملًا؛ فإنَّها تتربَّصُ
أربعةَ أشهرٍ وعشرًا للآية.
السؤال الخامس:
أجمع أهل العلم على أنَّ المرأة إذا مات زوجها وهي حامل فعدتها ......
أربعة أشهر وعشرا – بأبعد الأجلين – أن تضع ما في بطنها
https://www.youtube.com/embed/H145-qVhpDg
يقول المؤلف: (وَمَا قَبْلَ الْمَسِيْسِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ).
يعني: التَّربُّص أربعة أشهرٍ وعشرًا سواء للمدخول بها أو غير مدخولٍ بها، فلو أنَّ
شخصًا عقدَ على زوجه ثمَّ مَات؛ فعلى المرأة أن تتربَّصَ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، ولو
أنَّ شخصًا عقدَ على زوجته وهو الصين وهي في أقصى الأرض من جهة الغربِ؛ فإنَّ ذلك
يُوجب عليها أن تتربَّصَ أربعة أشهرٍ وعشرًا.
إذن المفارقة في مثل هذه الحال مُوجبةٌ لهذه العدَّة بكلِّ حالٍ ما دامت أنَّ
الفرقة بالوفاة؛ ولأنَّ الفرقةَ بالوفاة يترتب عليها التَّوارث ويترتب عليها بقاء
حقوق الزَّوجة على زوجها ونحو ذلك، فكان الإحداد والعدَّة ثابتةٌ بكلِّ حال.
السؤال السادس:
المرأة التي قد توفى عنها زوجها ولم يكن قد دخل بها ......
ليس عليها عدة – عدتها ثلاث حيضات – أربعة أشهر وعشرًا
https://www.youtube.com/embed/xQfP93l3SbM
ثم يقول المؤلف: (وَاْلإِمَاءُ عَلى النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ).
لو كانت التي تُوفيَ عنها زوجها أمةً؛ فإنَّ تربصها شهران وخمسةُ أيَّامٍ.
ومردُّ ذلك إلى ما ذكرناه سابقًا من قول الله -جلَّ وعَلا: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ
مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء:25]، أنَّ أهل العلم اقتفاءً
بأقوال الصحابة -رضوان الله عليهم- حكموا بأنَّ الإماء والعبيد على النصف من
الأحرار والحرائر في كل ما يُماثلهم، واستثنوا من ذلك مسائل قليلة، ربَّما تأتي
معنا إشارةٌ إلى واحدةٍ منها.
وبناء على ذلك نقول: لو كانت التي تُوفيَ عنها زوجها أمةً؛ فإنَّها تتربص شهرين
وخمسةَ أيَّامٍ.
وإذا كانت مُبعَّضة -وهي التي بعضها حر وبعضها أمة- فإنها تتربَّص شهرين وخمسة
أيام، ثُمَّ الباقي بحسب ما فيها من الحريَّة، فإذا كانت ثلاثة أرباعها حرٌّ فتزيد
-مثلًا- شهران وثلاثة أيام؛ لأنَّها في الأصل شهر ويومين ونصف، والأيَّام تُكمَّل،
فلا يكون نصف يومٍ؛ بل يُكمَّل يومًا كاملًا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (الثَّالِثُ: الْمُطَلَّقَاتُ مِنْ ذَوَاتِ
اْلقُرُوْءِ، يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوْءٍ، وَقُرْءُ
اْلأَمَةِ حَيْضَتَانِ)}.
قول المؤلف: (الثَّالِثُ: الْمُطَلَّقَاتُ).
إذن؛ عدَّة المطلقة في الحياة وهي من ذوات الأقراء.
وأصله في قول الله -جلَّ وعَلا: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ
ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة:228]، فهذا ظاهر من جهة الدلالة، واعتبار القُروء لهنَّ
لا إشكال فيه ولا خلاف، وإنَّما محلُّ الكلام راجعٌ إلى تحديد القُرء.
ما هو القُرء؟
هذا فيه خلافٌ عريض، وأصل هذا الخلاف هو أنَّ القُرء من حيث الأصل في العربية من
الألفاظ ذوات الأضداد، فيُطلَق على الحيض، ويُطلق على ضده وهو الطُّهر.
بعض أهل العلم سلك مسلك اعتبار الأصل في العربية وهو الطُّهر.
وبعضهم قال: إنَّ الاستعمال الشَّرعي للقُرء في الحيض أكثر، ولذلك نقول: هو الحيض،
وهذا قولُ أكابر الصَّحابَة، جاء عن الخلفاء الأربعة، وعن غيرهم كثير، كأبي
الدرداء، وعبادة بن الصَّامت، وغيرهم كثير.
ثُمَّ إنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «تَدَعُ الصَّلَاةَ
أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي»، وهي إنَّما تدع الصلاة أيام
حيضها، وفي هذا أحاديث مماثلة لذلك.
ثُمَّ قالوا: إنَّ العدَّة للمرأة ثلاثة قُروء، يعني: ثلاثة قُروء كاملة، فإذا
جعلناها حيضًا فإنَّها يصدق عليها أنها تمكث ثلاث حيض كاملة؛ لأنَّه إذا طلقها في
هذا الطهر فابتدأت حيضةً ثُمَّ انتهت، ثُمَّ ابتدأت حيضةً ثُمَّ انتهت، ثُمَّ
ابتدأت حيضة ثُمَّ انتهت؛ فتمَّت الثلاث حيض ويُحكَم بعدها بانتهاء عدَّتها،
وبينونتها من زوجها.
وقال مالك والشافعي: إنَّ القُرء هو الطُّهر رجع إلى قول عائشة أنَّها فسَّرَت
الأقراء بالأطهار، وقالوا: إنَّ أصله كذلك في العربية، واستدلوا بقول الله -جلَّ
وعَلا: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق:1]، والمطلقةُ إنَّما تُطلَّق في
طهرها، وبهذا أمر الله -جلَّ وعَلا- فدلَّ على أنَّ القُرء هو الطُّهر.
نقول: بناء على ذلك فإنَّ المرأة إلَّا قرئين وشيء؛ لأنَّه إذا كان طلقها في طُهر،
وبقي من الطهر لحظة ثُمَّ حاضت، وهذه اللحظة يعتبرونها طُهرًا كاملًا ذهب مِن
عِدَّتها، ثُمَّ طهرت فحاضت فهذا قرءُ ثانٍ، ثُمَّ إذا انتهت مِن حَيضها فطهرت
وانتهى إلى الحيض فإنَّ ابتداء الحيض هو انتهاء عدتها.
فبناء ذلك نقول: إنَّه طهران وشيء، فلم يصدق عليها ما جاء في الآية من قول الله
-جلَّ وعَلا: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾
[البقرة:228].
ولذلك ذهب الحنابلة وأبو حنيفة وهو قول جمع من السلف وأكثر الصَّحابة وهو قول
الخلفاء الراشدين أنَّ الأقراء بمعنى الحيض.
وعلى كل حال فإنَّ هذه المسألة من المسائل التي فيها الخلاف قوي، وتجاذب الأدلة
فيها ظاهر، فمن قال بواحدٍ من القولين كان قولًا مُعتبرًا، ولا غضاضة عليه في أن
يذهب إلى هذا أو ذاك.
ولكن ما ذهب إليه الصحابة أحبُّ إلينا، وما اعتبره الخلفاء أكثر طمأنينةً لأنفسنا،
فلأجل ذلك نقول: إنَّ الأقراء كما قالوا: هي الحِيَض.
وبناء على قول الحنابلة، فإذا انتهت حيضتها الثالثة فطهرت؛ فإنَّ العدَّة تنتهي،
ولكن هل تنتهي العدَّة بانقطاع الدَّم أو بالاغتسال؟
ظاهر النَّص أنَّه إذا انتهت الأقَراء انتهت العِدَّة، وهذا قول لبعض الفقهاء.
ولكن الذي عليه أكابر الصَّحابة أنَّها لا تنتهي عدَّتها حتى تغتسل، فلو أنَّها
تأخَّرَت في الاغتسال ساعة أو ساعتين فقال: "راجعتُكِ" فيقولون: إنَّ المراجعة
صحيحة.
ولو لم تغتسل يومًا، كأنَّها كانت ترتجي أن يُراجعها وقالت: "راجعني" أو أرسلت إليه
رسولًا، أو جعلت وسطيًا وشفيعًا؛ فراجعها فتصح الرَّجعة، لكن طبعًا هي مخلَّةٌ بما
أوجبَ الله عليها من أداء الصَّلاة والتَّطهُّر وفعل ما يجب عليها فِعله.
السؤال السابع
ذهب أكابر الصحابة إلى أنَّ عِدَّةَ المرأة المطلقة تنتهي .....
ببدء نزول دم الحيضة الثالثة – بانقطاع دم الحيضة الثالثة – باغتسال المرأة من
حيضتها الثالثة
https://www.youtube.com/embed/nfKm4DV3b8c
فهذا من المسائل المهمَّة؛ لأنَّ بعض النِّساء إذا قرُبَ انتهاء عادتها تتطلَّع إلى
أن تعود إلى زوجها، فربما تبعث رسولًا، وربما تبذل سببًا، فلا يأتي الأمرُ إلا بعد
انقضاء حيضها وقبل اغتسالها.
مِن أينَ لكم أن تقولوا: إنَّه تبعٌ للقرءِ، وهو في الحقيقة انتهى؟
نقول: إنَّ الصحابة حكموا بذلك، وحُكم الصَّحابة مبنيٌّ على أنَّ التَّابعَ تابعٌ،
وأنَّ المرأة لو طهرت من حيضها ولكنَّها لم تغتسل فإنَّه لا يجوز لزوجها قربانها،
وهي لا تزال أيضًا ممنوعة من الصَّلاة ونحو ذلك حتى تغتسل، فكأن ذلك جُعل في حكم
العادة باعتبار أنَّ جملةً من الأحكام تتعلَّق بذلك، فأجروا ذلك في هذه الحال.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَقُرْءُ اْلأَمَةِ حَيْضَتَانِ).
عدَّة الأمة حيضتان، وهذا ظاهرٌ مِن جهة أنَّ الأمَة على النِّصف من الحرَّة، ولكن
لا يُمكن لنا أن نعرف الحيضة والنِّصف، فلأجلِ ذلك ذكرَ بعضُ أهل العلم وهو قولٌ
لبعضِ السَّلف أنَّ الحيضَة تُكمَّل، وأنَّ الكسرَ يُجبَر، فما دامت أنَّها حيضة
ونصف، فنجعلها حيضتين تامَّتين، وبناء على ذلك تنتهي عدَّتها بهذا، وهو المشهور مِن
المذهب عند الحنابلة، كما هو قول الصَّحابة، وهو ما عليه جماعة من السلف -رَحِمَهُم
اللهُ تَعَالَى.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (الرَّابِـــــعُ: اللاَّئِيْ يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيْضِ، فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَـــــةَ أَشْهُرٍ، وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ،
وَلِلأَمَةِ شَهْرَانِ)}.
قول المؤلف: (اللاَّئِيْ يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيْضِ، فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَـــــةَ
أَشْهُرٍ).
المرأة إذا كبرت انقطعَ دمُ حيضها، وذكرَ أهل العلم في وقتِ انقطاع حيضها كلامًا،
هل هو محدَّدٌ بحدٍّ أو لَا؟
فمنهم مَن جعلَ الخمسينَ حدًّا محدودًا لكلِّ النِّساء.
ومنهم مَن فرَّق فقال: نساء العرب ينتهينَ عند الخمسين، وغيرهنَّ عندَ الستِّين
لبرودة دمائهم.
وفيه خلافات، ولكن على كلِّ حالٍ فالأصلُ أنَّ التَّحديد بالخمسين، وأكثر النِّساء
إمَّا أن تفقد العادة قبل ذلك، وإمَّا أن تضطرب عند الوصول إلى هذه المدَّة.
أيًّا كان؛ فالتي يئِسَت مِن حيضها وانقطع؛ فإنَّ عدتها تكون بالأشهر، وأصل ذلك هو
قول الله -جلَّ وعَلا: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ
إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ [الطلاق:4].
قال المؤلف: (وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ)، يعني: والنَّساء اللاتي لم يبلغنَ سنَّ
المحيض وهنَّ الصَّغيرات، فإنها لو طلقها زوجها فإنَّ عدتها بالأشهر.
وبناءً على ذلك لو أنَّ شخصًا تزوَّج امرأة وهي بنتُ خمسِ سنين فطلَّقها، فلا عدَّة
عليها؛ لأنَّنا قلنا في أوَّل الحلقة إنَّه لابدَّ أن تكون ممَّن يوطأ مِثلها، فمَن
لا يوطأ مِثلها لا عِدَّة عليها.
أمَّا لو كانت ممَّن يُوطأ مثلها كبنتِ تسع أو بنت عشر -والنِّساء قد يختلفن في
احتمالهنَّ لذلك من عدمه- فعدتها ثلاثة أشهرٍ.
وهنا مَسألة مهمَّة، وهي: لو أنَّ المرأة كانت صغيرة فاعتدت ثلاثة أشهر، فلما انقضى
شهرين وشيء ولم يبقَ إلا يوم ثُمَّ ابتدأها حيض فبلغت؛ فينتفي عنها الحكم الأول
وتَشرع في الحكم الثَّاني وهو أن تعتدَّ بثلاث حِيض.
ومثل ذلك اللاتي يئِسنَ: فلو أنَّ امرأةً اعتدَّت حيضتان، ثُمَّ بلغت سنَّ اليأس؛
فإنَّها تنتقل بعد ذلك إلى الاعتداد بالأشهر.
السؤال الثامن
لو أنَّ المرأة اعتدت بحيضتين ثم بلغت سن اليأس؛ فإنَّها تنتقل بعد ذلك إلى
الاعتداد بالأشهر.
صواب
https://www.youtube.com/embed/5TnPxn-EDwI
قول المؤلف: (وَلِلأَمَةِ شَهْرَانِ).
للأمَة شهران باعتبار أنَّها بدلُ الحِيَض.
بعض أهل العلم قال: هل يُمكن أن نقول إنَّ العدَّة شهر ونصف؛ لأنَّها على النِّصف
من الحرَّة، والأشهر يُمكن قسمها؟ أو نقول إنَّ الشهرين بدلٌ عن الأقراء، لَمَّا
كانت حيضتان فإنَّها تكون شهران؟
فمنهم مَن قال بهذا، ومنهم مَن قال بذاك، وظاهرُ كلام المؤلِّف أنَّه سلكَ مَسلك
الشَّهرين بدل الحيضتين، فلأجل ذلك لَمَّا كانت حيضتان فتكون عدَّتُها شهرين.
وهذا هو كلامهم في ذلك، يعني أنَّها تبعٌ للحِيَض، وإلَّا فالأصل أنَّها ما دامت
على النِّصف؛ فإذا كانت الحرَّة تعتد بثلاثة أشهر؛ فإنَّ الأمَة تكون شهرًا ونصف،
ولكن قالوا: إنَّ هذا بدل الحيض، وهي تعتد بحيضتين فبناء على ذلك تكون عدُّتها
شهرين.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُشْرَعُ التَّرَبُّصُ مَعَ اْلعِدَّةِ فِيْ
مَوَاضِعَ ثَلاَثَةٍ:
أَحَدُهَا: إِذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لاَ تَدْرِيْ مَا رَفَعَهُ، فَإِنَّهَا
تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ اْلآيِسَاتِ، وَإِنْ
عَرَفَتْ مَا رَفَعَ اْلحَيْضَ، فَإِنَّهَا لَمْ تَزَلْ فِيْ عِدَّةٍ حَتَّى
يَعُوْدَ اْلحَيْضُ، فَتَعْتَدَّ بِهِ)}.
يقصد حكم ما يستوجب التَّربُّص أو النَّظر، أو أنَّه ينضم إلى العدَّة شيءٌ آخر
يُحتاج إليه ليُحكَم بعدَّة المرأة ودخولها فيه.
أوَّل هذه المسائل التي ذكرها المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- ما إذا ارتفع حيض
المرأة ولا تدري ما رفعه.
إذا بلغَت النِّساء سنَّ المحيض تأتيها عادةٌ مُطَّرِدة، وهذا غالب النِّساء، وإذا
ارتفع عنها الحيض إمَّا أن يكونَ ذلك بسببٍ مُعتادٍ كحملٍ، أو يكون ذلك بتعاطي
علاجٍ وعقاقير ونحوها، وإمَّا أن يكون ذلك بسببٍ لا تدري ما هو.
فإذا كان انقطاع الحيض بأسبابٍ معلومةٍ كرضاعٍ وحملٍ، وعقاقير وغيرها، فهذا معلوم،
ولكن إذا لم تدري ما سببه فتكون في حيرة، فالأصل أنَّها من ذوات الأقراء، والحال
أنَّها لا تحيض، فهذا محلُّ نظرٍ وتحيُّر:
- فإمَّا أن نحكم عليها بأن تعتدَّ بالأقراءِ وهي لا تحيض، وعليه فربما تدوم مدَّةً
طويلةً ولا يأتيها الحيض، فيفوت عليها انتهاء عدتها وتعرضها للإنكاحِ وغيره.
- وإمَّا أن نحكم بأنَّ عدَّتها مُباشرة بالأشهر، فقد تكون حمَلت من حيثُ لا نشعر،
فتُزوَّج بعدَ ثلاثة أشهرٍ وهي حامل!
فلأجلِ ذلك قال أهل العلم: إنَّها تتربَص تسعة أشهرٍ لنَتَيقَّنَ أنَّها ليست
حاملًا؛ لأنَّ الأهمَّ في العدَّة هو العلم ببراءة الرَّحم وعدم حملها، وهذا حكم
عُمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأَرضَاه- قال الإمام الشَّافعي: "وتلقَّاه أهل العلم
غير مُنكرين لذلك، ولا يُعرَف له مُنكر".
وبناء على ذلك كان قول عمر كالإجماع، وبناء عليه فأي امرأة ارتفع حيضها ولم تدري ما
سببه فإنَّها تمكث تسعةَ أشهرٍ، ثمَّ تشرع في العدَّة وهي ثلاثة أشهر؛ لأنَّها
بعدما مَكَثت التِّسعة أشهر لم تأتها العادة فتعتدَّ بها، ولا تبيَّنَ حملُها فنحكم
بأنَّها حاملٌ فتكون عدَّتها بوضع حملها، فبعد التِّسعة أشهر نحكم بأنَّها تعتد
ثلاثة أشهر، فهذا ما يتعلَّق بالتَّربُّص.
ولاحظ هنا أنَّ المؤلف قال بكونها تتربَّص مع العِدَّة، فهذا شيءٌ احترازي وحكم به
عمر، وحكم الخلفاء الرَّاشدين نافذٌ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي»، وحُكي
فيه الإجماع باعتبار ما ذكره الشافعي من كونه لم يُنكره أحدٌ مع اجتهاده والعلم به،
وعلى ذلك تَتَابَع أهلُ العلم في القول بهذا.
إذا قال قائل: هل نحتاج إلى مثل هذا في هذه الأوقات؟ أو إذا جدَّ لنا في هذه
الأوقات من إمكان العلم بعدمِ الحَمل بأيسرِ السُّبل وأيسرها مِن هذه التَّحاليل
والاختبارات المختلفة أنواعها، والقطع بالحمل أو بعدمه، فإنَّ المرأة إذا ارتفعَ
حيضُها فبمجردِ أن تجري بعض الفحوصات والتَّحاليل يُعلم أنَّها ليست حاملًا قطعًا،
ويُمكن أن يقطع بذلك الأطباء!
مِن خلال ذكر المؤلف لهذه المسألة أنَّه لم يحكم بأنها داخلةٌ في العدَّة، وإنَّما
جعله تربُّصٌ سابقٌ للعدَّة، فالمقصود منه تحصيلُ اليَقين بعدمِ الحَمل حتى ننتقلَ
إلى أن تكونَ مِن ذوات الأشهر، أو مِن اللاتي يئسنَ من المحيض، وألا نطالبها
بالعدَّة بالأشهر مع كَونِها حاملًا، فإذا تيقَّنَّا بأنَّها حامل فمقتضى كلامهم
أنَّ الأمر يكون في مثل هذا أيسر، فإذا قُطع بعدمِ حملها فإنَّها تعتد بالأشهر،
وتكون في سعةٍ مِن أمرها، وهذا يُقال على سبيلِ النَّظرِ والتَّفقُّه لا على سبيل
التَّقرير والفُتيا، ومَن احتاجت إلى ذلك فإنَّها تستَفتي لاختلاف الأحوالِ،
ولأنِّي لستُ ممَّن يُفتي.
أو يُقال: ما دامَ أنَّ المسألة قد حكمَ فيها عمر، وجَرى فيها الأمر كالإجماعِ،
وتتابَع على ذلك العمل؛ فإنَّه يصعب على الإنسان التَّسوُّر والحكم بأنَّها تنتقِل
إلى الاعتدادِ بالأشهر مُباشرةً، وبناء عليه نقول: حتى لو قطعنا بعدم حملها بهذه
الفحوصات والتَّحاليل فإنَّ ذلك لا يعني عدم تربُّصها تسعة أشهر ثم ثلاثة أشهر.
وإن كانَ المعنى الأوَّل أظهر، وهو متَّسقٌ مع إيراد المؤلِّف هنا، وهو ظاهرٌ في
مَلحَظ عمر في الحكم بتسعةِ أشهر هو القطع بعدمِ الحمل، وهذا يتأتَّى في هذه
الأوقات بما هو أيسر، فيُمكن أن يكون الأمر كذلك.
وفيما مَضى كانَ الحكم بالحملِ صعب، وما كان فيه شيء يُعرَف، ولذلك فإنَّ بعضَ
النِّساء إذا انتفخ بطنها، أو إذا تغيَّرَت بعضُ صفاتِها أو نحو ذلك؛ يَرد عند
النَّاس إشكال هل هي حامل أو ليست بحامل؛ لأنَّ بعض الحوامل قد تحمل وهي تحيض، وقد
ينقطع الحيض لعلَّةٍ ويحصل مع ذلك انتفاخٌ لبطنها ونحوه، والحال أنَّها عليلةٌ
وسقيمةٌ، وليس أنَّها حامل وصحيحةٌ، ولكن الأمور في مثل هذه الأوقات في الجملة
أيسَر، ولكن لا ينبغي أن يُترَك مثل هذا الحكم أو لا يُدرَّس؛ لأنَّ أحوال النَّاس
ليست على حدٍّ سواء، فيُوجَد الآن من النَّاس مَن لا يتيسَّر له القطع بهذه
الفحوصات كمَن هم في القرى النَّائية أو الغابات ونحوها، وأيضًا يُمكن أن تتغيَّر
مثل هذه الفحوصات أو تقل أو يجد ما يدل على عدم دقَّتها؛ فالمهم أنَّ الحكم لابدَّ
أن يُقرَّرَ على ما ثبتَ وعلى ما قرَّره الفقهاء، ويُمكن ذكر ما يُحتاج إليه بحسب
الحال والمناسبة فيذلك كلٌّ بما يُوافقه ويُلائمه.
قال المؤلف: (وَإِنْ عَرَفَتْ مَا رَفَعَ اْلحَيْضَ، فَإِنَّهَا لَمْ تَزَلْ فِيْ
عِدَّةٍ حَتَّى يَعُوْدَ اْلحَيْضُ، فَتَعْتَدَّ بِهِ).
هذه هي الحال المقابلة للحال الأولى، وهي أن يكون قد ارتفع حيضها وهي في الأصل من
ذوات الحِيَض، ولكن السَّبب الذي لأجله ارتفع حيضها معلوم، إمَّا أنَّها مُرضع،
والمرضع لا يأتيها دم الحيض، وإمَّا أن تكون تتعَاطَى بعضَ العقاقير، وأهل الطِّب
يعرفون أنَّ بعضَ العقاقير تمنعُ جريان الحيض، أو لغير ذلك من الأمور التي تعرفها
النساء.
فنقول: إن كانَ السَّببُ معلومًا فإنَّ عدَّتها لا تنتهي إلا بحيَضِها؛ لأنَّها
يُمكنها أن تمنع ما يحول بينها وبينَ الحِيَضِ فتنزل عليها دورتها، فتعتدَّ بذلك،
فلا مشقَّة عليها في مثل هذه الحال، وإلَّا فإنَّها تنتظر إلى أن تكون من الآيسات،
ونصَّ على هذا ابن تيمية وغيرُ واحدٍ من أهل العلم؛ لأنَّها كأنَّها هي التي حالَت
بينها وبينَ عدَّتها، ولذلك قال المؤلف: (وَإِنْ عَرَفَتْ مَا رَفَعَ اْلحَيْضَ،
فَإِنَّهَا لَمْ تَزَلْ فِيْ عِدَّةٍ حَتَّى يَعُوْدَ اْلحَيْضُ)، وإن طَالت
المدَّة، أو تقطع هي السَّبب حتى يعود الحيض، أو تبلغ سنَّ الإياس ثم تعتد بعدَّة
الآيسات وهي ثلاثة أشهر، وذلك لأنَّها لا عذر لها في هذا، وليست بحاجةٍ لأن تُجعَل
مثل المسألة الأولى -والله أعلم.
السؤال التاسع:
إذا عرفت المرأة سبب رفع الحيض فإنها لَمْ تَزَلْ في عِدَّةٍ حتى يعود اْلحَيضُ،
فتعتدَّ به.
صواب
https://www.youtube.com/embed/wL7sl1vszU8
{قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (الثَّانِيْ: امْرَأَةُ اْلمَفْقُوْدِ
الَّذِيْ فُقِدَ فِيْ مَهْلَكَةٍ، أَوْ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، فَلَمْ يُعْلَمْ
خَبَرُهُ. تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِيْنَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ)}.
المفقود لا يخلو من حالين:
إمَّا أن يُفقَد في حالٍ غالبها السَّلامة.
وإمَّا أن يُفقَد في حالٍ غالبها الهلكة.
فبدأ المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- بالحال الأولى، وهي أن يكون فُقِدَ في حالٍ
غالبها الهلكة، كأن يكون فُقِدَ في إبحار سفينة، فالغالب أنَّه غارق، أو فُقِدَ في
حالِ التحام الصَّفين، أو كان بينَ أهله وفجأة لم نجده، فالغالب أنَّه في حالِ
هلكةٍ.
ويشترط في هذه الأمثلة وما ماثلها: أَلَّا يُعلَم خبره.
أمَّا إذا فُقِدَ حال التِحَام الصَّفين ثم عُلِمَ أنَّه أسير؛ فهذا لا يُعَدُّ
مَفقودًا، أو فُقِدَ في إبحارٍ ثم عُلِمَ أنَّه ركنَ إلى جزيرة فبقيَ فيها حتى ولو
انقطع خبره؛ لكن يُعلَم أنَّه حيٌّ، أو ذهبَ من أهله فأرسلَ لهم رسالة أو بشيء؛
فنقول: إنَّه غير مُنقطعٍ ما دام يوجد ما يحصل به الصِّلَة.
فهنا تتربَّص المرأة أربع سنين، وفي هذه الأربع سنين هو في حُكم الحي، فلو مات أحد
أقاربه فإنَّه يرثه، وزوجته زوجة له، وتجب لها النَّفقة مِن ماله، وهذا حُكم عمر
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وبعض الصَّحابة فيمَن فُقِدَ وغالبُ حالِه الهلَكَة.
السؤال العاشر:
امْرَأَةُ المَفقُودِ الَّذِي فُقِدَ في مَهْلَكَةٍ، ولم يُعلَم خَبَرُه؛ عليها
أن......
تَتَرَبَّصُ أربع سنين، ثُمَّ تَعتَدّ لِلوَفَاة - تَتَرَبَّصُ أربع سنين، وليس
عليها عدة وفاة – تعتدَّ بعدة الوفاة فقط.
https://www.youtube.com/embed/v_ra-otJhFs
ثُمَّ بعد الأربع سنين تعتدُّ للوفاةِ، وبعد انتهاءِ الأربع سنين منذ أن فُقِدَ لا
تحتاج إلى حكم حاكم، فلو أنَّه فُقِدَ ولم يسألوا عنه، ثُمَّ بعد سنةٍ ذهبت وسألت
القاضي؛ فتبتدئ الأربع سنين منذ فُقِدَ، ثُمَّ تعتد بعد الأربع سنين، فإذا اعتدَّت
فإنَّها في خلو من هذا الزَّوج، ويحل لها أن تتزوَّج، وأن تفعل ما تفعل المرأة التي
لا زوجَ لها.
نكتفي بهذا القدر، أسأل الله لي ولكم دوام التَّوفيق والسَّداد، وأسألُ الله أن
يعمِّر أوقاتنا بالعلم، وقلوبنا بالهدى، وأن يوفِّقنا للعمل والتَّعليم، وأن يعقبنا
الخير في الدُّنيا والأخرى، وأن يجزي كلَّ مَن كانَ سببًا في مثلِ هذه اللقاءات
والاجتماعات، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ وباركَ
على النبي الأمين.
{وفي الختامِ نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في
موازين حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثِّكم عبد الرحمن بن أحمد
العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائِعَه، والسَّلام عليكم
ورحمةُ اللهِ وبركاته}.
سلاسل أخرى للشيخ
-
13092 33
-
16746 27
-
23141 18
-
76432 18
-
4938 6
-
2856 22
-
2681 24
-
2643 12
-
5680 12
-
8699 12
-
10597 24
-
11399 13