الدرس الثامن

فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان

إحصائية السلسلة

1827 12
الدرس الثامن

عمدة الفقه (6)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ/ الدكتور عبد الحكيم بن محمد العجلان. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
أهلًا وسهلًا، حيَّاكَ الله، وأنا مسرورٌ بأن أكون معكم في هذه اللقاءات العلميَّة والمدارسات الشَّرعيَّة لمسائل تمتُّ الحاجة إليها، ونستعين بالله -جلَّ وعلا- على تجليتها وإيضاحها، عسى الله أن ينفعنا وأن ينفع الإخوة جميعًا بكلِّ خيرٍ.
{نُكمل في هذه الحلقة -بإذن الله- ما ابتدأناه في الحلقة الماضية لمسائل تابعة لِمَا يختلف به عدد الطَّلاق وغيره.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَمَنْ شَكَّ فِي الطَّلاَقِ أَوْ عَدَدِهِ، أَوِ الرَّضَاعِ أَوْ عَدَدِهِ، بَنَى عَلى اْليَقِيْنِ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، إنَّ ربَّنا جوادٌ كريمٌ.
أمَّا بعدُ؛ فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يفتح لنا العلوم، وأن يرزقنا الفُهوم، وأن يُعيذنا من مضلَّات الفتنِ، وأن يحعلنا على هذا الحقِّ سائرين مُهتدين مُنتفعينَ، غَير زائغينَ ولا مُنحرفين، إنَّ ربَّنا جوادٌ كريم.
قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ شَكَّ فِي الطَّلاَقِ).
حصولُ الشَّكِّ في الطَّلاق من المسائل المهمَّة والتي تكثرُ الحاجة إليها، هل طلَّقتُ أم لم أُطلِّق؟ أو حصل منِّي كذا؛ فالأصل عدمُ الطَّلاق، والأصل بقاء النِّكاح، وهذا بابٌ من الشَّيطان يدخل به ليُفسد على الإنسان طُمأنينته، وقد يتسوَّغُ بذلك لإفساد الزَّوجيَّة بينهما، فإنَّه لايزال ببعض ضِعاف النُّفوس موسوسًا:
ليست زوجة لك.
لقد طلَّقتها، ومقامُك بها مقامٌ محرَّمٌ؛ حتى يقول الإنسان: أطلقها حتى أَسْلَم!
فيوقعه الشَّيطان في الشَّركِ ويحصل عليه البلاء!
فنقول: مَن جاءه الشيطان فشكَّ هل طلَّق أو لم يُطلِّق؛ فالأصل عدم وقوع الطَّلاق، وهذا بالنِّسبَةِ لمن عنده وَسوسة، أمَّا مَن هو مُوَسوَسٌ به -ويصح أن يُقال مُوسوِسٌ به، باعتبار أنَّ الوسوسة حاصلةٌ عنده فيصح نسبتها إليه- فينبغي له ألَّا يُلقيَ للشيطَانِ بالًا؛ لأنَّه لا يزال به في الوسوسة في الطَّلاق، ثُمَّ ينتقل به إلى شيءٍ أعظم حتى يصل به إلى أصل عقيدته ودينه، فلا ينبغي له أن يفتح هذا الباب.
ولذلك جاء بعض مَن حصلت بهم الوسوسة إلى الإمام ابن عقيل -رَحِمَهُ اللهُ- فقال له: يا إمام، إنِّي أنغمسُ في نهرِ دجلة، ثُمَّ أرى أنِّي لم أغتسل! فقال: لا صلاةَ عليك. قال: كيف ذاك يا إمام؟ فقال الإمام: أنتَ مجنون.
فأراد الإمام أن يقطع عليه هذا الدَّابر، وأن يُبينَ له أنَّه إمَّا أن يستقيمَ على أمرٍ صحيحٍ، وألَّا يُذعنَ لشيطانه الذي يسيطر عليه حتى تعظم منه الوساوس، والذي يُسمَّى عند أهل الطِّبِّ "الوسوسة القهريَّة"، فمتى ما كانَ من الإنسانِ دُربة إلى ألا يُلقيَ للشيطان بالًا فإنَّه ينجو.
وبالمناسبة أبينُ على أنَّه ليس أحدٌ منَّا ينجو من ذلك، يعني الذي تحس به أنتَ أو يُحس به الآخر أو يحس به الثالث يأتيني في الوضوء، ويأتيني في الصَّلاة، ويأتيني في الزَّكاة، ويأتيني فيما يتعلق بأمر الطَّلاق والنِّكاح وغيرها؛ كلنا ياتيه، ولكن مِن النَّاس مَن يمنع هذا الباب، ويقطع دابر الشَّيطان في ذلك، امتثالًا لقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؛ فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحً» ، فليس المقصود هو حقيقة سماع الصوت، وإنَّما أن يحصلَ منه يقينًا بذلك، حتى ولو أحسَّ بحركةٍ في وكاء السَّه -الذي هو مخرج الرِّيح- فإنَّ الشَّيطان يأتي فينفخ في مقعدته، أو يسحبُ شعرةً فيها، فهذا من حبائل الشيطان -نسأل الله السَّلامة والعافية.
إذن؛ مَن قطعَ هذا الدَّابر سَلِمَ، ومَن كان ضعيفًا إمَّا في ديانته أو في قلبه وعقله؛ ففي الغالب أنَّه لا يسلم، فبعض النَّاس قوي في ديانته ولكنه ضعيفٌ في عَقله، وبعضهم يجتمع له الضَّعفُ فيهما جميعًا، فلا يزال ميدانًا للشيطانِ يلعبُ به كيف يشاء، وكم من النَّاس الذين حصلَ منهم تطليقٌ وضياع أُسَرهم وتفرُّق بيوتاتهم بسببِ ذلك!
فنقول: أمَّا إذا كان مُوسوسًا به فهو أحرى ألا يعتبر بذلك البتَّةَ.
وهنا مسألةٌ أعظمُ من ذلك وأظهر، وهي أنَّ الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعالَى- يقولون: مَن طلَّقَ بقلبه ولم ينطق بلسانه فلا طلاق عليه.
بمعنى: أن يجلس الشَّخص فيقول بالطَّلاق في نفسه، فيقطع في نفسه ويقول: هذه زوجةٌ لا يُمكن أن تبقَى عندي!
فقطَعَ بالتَّطليقِ، ولكنَّه لم يلفظ به، ولم يتكلم به؛ فنقول: إنَّ الطلاق لا يقع، ولذلك ينصُّ الفقهاء على أنَّ الطلاق لا يقع بالقلب، حتى ولو انعقد قلبه عليه وأيقنَ أنَّه فاعله؛ لأنَّ مُتعلَّق الطَّلاق هو الإيقاع، ولا يكون الإيقاعُ إلَّا باللفظ، أو ما يقوم مقامه كالكتابةِ لأخرسٍ أو غيره، أو كتابةً لمَن أراد الطَّلاق، فلو كتبَ: "أنت طالقٌ" ولم يُرد الطلاق؛ فلا يقع ذلك، وهذه مسألةٌ مرَّت الإشارة إليها.
قال: (وَمَنْ شَكَّ فِي الطَّلاَقِ أَوْ عَدَدِهِ)، كأن يقول: أنا طلَّقتُ وكنت غضبانًا، ولا أدري هل قلتُ أنتِ طالق واحدة أو ثنتين أو ثلاث!
فنقول: يرجع إلى اليقين، فاليقين أنَّها واحدة، وما زاد مشكوكٌ فيه، وبناء على ذلك تحتسب عليه في مثل هذه الحال طلقة واحدة.
قال: (أَوِ الرَّضَاعِ)، فلو قالت امرأة: أنا لا أدري أرضعتُ ثلاث رضعات أو خمس!
فنقول: اليقين ثلاث، والتَّحريم لا يكون إلَّا بخمسٍ، فكأنَّها لم تُرضعه رضاعًا مُحرِّمًا، وهكذا في كلِّ شيءٍ؛ لأنَّ الأصل هو الذي يُرجَع إليه عند حصول الشَّكِّ، ويرتفعُ به هذه الأوهام، ويُطرَد به دابر الشَّيطان.
فهذه مسألةٌ مُهمَّة، ومِن أكثرِ ما يحتاج إليه الناس، سواء في ذلك عموم النَّاس، أو مَن عندهم وسوسة وهم أكثر في هذا الباب أسئلةً ومراجعةً للعلماء، ومناقشةً لهم في ذلك، ولو أنَّهم اكتفوا بهذا الأصل لاستراحوا وأراحوا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ قَالَ لِنِسَائِهِ: إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ، وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا،أُخْرِجَتْ بِاْلقُرْعَةِ)}.
لو قال لنسائه: (إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ) وهو لم ينوِ واحدةً بعينها؛ فهنا نرجع إلى ما ذكرناه سابقًا، فهذا الزَّوج حصل منه إيقاع الطَّلاق، وقوله: (إِحْدَاكُنَّ) يعني: واحدة من هذه الأربع، ولم يكن ثَمَّ تعينٌ لا بنيَّةٍ ولا بإشارة كأن يقول: (إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ) ويُشير إلى واحدةٍ ويقصدها، فبناءً على ذلك نقول: هذا الإيقاع قد وقع، وحصلت التَّعميةُ في العينِ المطلَّقةِ، وبناء عليه نُخرجها بالقرعَة؛ لأنَّها هي الطَّريقُ إلى فكِّ الخصومةِ عند استواء الحقوق، فليست إحداهنَّ أولى من الأخرى بالبقاء في الزَّوجيَّة، وليست إحداهنَّ أولى من الأخرى في وقوع الطَّلاق.
بعض النَّاس يقول: ما ذنب هذه أو هذه؟
نقول: لأنَّه قال: (إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ) فهو أوقعَ الطَّلاق على إحدى زوجاته غيرَ مُعيَّنةٍ؛ فاحتجنا إلى التَّعيين، والتَّعيين إنَّما يُعرف إمَّا بالنِّيَّةِ أو بالقرينةِ أو بالإشارة، أو بالقصد بقلبه؛ فإذا لم يكن شيءٌ من ذلك؛ فنقول: إنَّ الطَّلاق قد وقعَ ولابدَّ أن يتوجَّه إلى واحدةٍ منهنَّ؛ فيُقرَع بينهنَّ، فمن أصابها سهمُ القُرعةِ وقع الطَّلاق عليها.
{ما الحكم لو كان يتمنَّى واحدة من هؤلاء لكنَّه ما عيَّنها ولم يقصدها؟}.
ما دام لم يقصدها فلا يقع عليها الطلاق، ولكنَّ لو قال: (إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ) وهو يريدُ فلانة، ولكنَّه استحيى أن يقول: "غير فلانة، أو دون فلانة"؛ فنقول: ما دام أنَّه لم يُعيِّن فهي واحدةٌ من زوجاته اللاتي توجَّه إليهنَّ التَّطليق، فتدخل معهنَّ في القرعة، سواء حصلَ الطَّلاق عليها أو على غيرها، فلابدَّ من أن يوقَع الطلاق في محلِّه؛ لأنَّه خرج من أهله -الذي هو زوجٌ يملك الطلاق ووجَّهه إلى نسائه- فلمَّا لم تُعرَف فالقرعةُ هي المصيرُ عند استوائهنَّ في الاستحقاق وما يترتب على الطلاق.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ طَلَّقَ جُزْءًا مِنِ امْرَأَتِهِ مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا،كَإِصْبَعِهَا أَوْ يَدِهَا،طَلُقَتْ كُلُّهَا، إِلاَّ السِّنَّ وَالظُّفْرَ وَالشَّعْرَ وَالرِّيْقَ وَالدَّمْعَ وَنَحْوَهُ لاَ تَطْلُقُ بِهِ)}.
قوله: (وَإِنْ طَلَّقَ جُزْءًا مِنِ امْرَأَتِهِ مُشَاعً)، كأن يقول: "بعضكِ طالقٌ، أو نصفكِ طالقٌ، أو جزءكَ طالقٌ"، أو كان جزءًا مُعيَّنًا، كأن يقول: "يدكِ طالقٌ، صدركِ طالقٌ، عينكِ طالقٌ، أنفكِ طالقٌ، رجلكِ طالقٌ"، فسواءٌ هذا أو هذا؛ فإنَّها تطلق كلها؛ لأنَّه أوقع الطلاق عليها، والطلاق كلٌّ لا يتجزَّأ، فلمَّا كان قد أوقع جُزءًا فإنَّه يَسري إلى جميعها، فبناء على ذلك تطلق المرأة طلقةً كاملة.
ومثل ذلك لو جزَّأَ الطَّلقة فقال: "أنتِ طالقٌ نصف طلقة، أو ربع طلقة"، نقول: تقع طلقة كاملة؛ لأنَّه لا يُتصوَّرُ وقوع بعض الطَّلقة، وبناء على ذلك لو أوقع ربع طلقة أو ثلث طلقة أو أكثر أو أقل؛ تكون طلقةً كاملة.
وهكذا لو قال: "أنتِ طالقٌ طلقةً ونصف"، فنقول: إذا لم يُرد بذلك التَّأكيد -كما في عرف بعض النَّاس- فإنَّ النِّصفَ هنا يُكمَّل، فتكون عليه طلقتان.
من قال لزوجته: (أنتِ طالقٌ طلقةً ونصف) ولم يُرد التأكيد فحينئذٍ .......
لا يقع الطلاق – يقع الطلاق بما ذكر فقط – تقع طلقتان كاملتان
ثُمَّ استثنى من ذلك المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- مسائل، فقال: (إِلاَّ السِّنَّ وَالظُّفْرَ وَالشَّعْرَ وَالرِّيْقَ وَالدَّمْعَ وَنَحْوَهُ)، كأنَّه يقول: إنَّ الأشياء التي يُمكن انفصالها من المرأة في حال الحياة، وبناء على ذلك إذا أوقع الطلاق عليها وكان هذا الشيء يُمكن أن ينفصل؛ فلا يَسري الطلاق إلى جميعها.
فإذا قال: "ظفركِ طالق" فالظِّفر يُقص فلا يَسري إلى الجميع، فلم يكن مُتَّصلًا بها اتِّصالًا لا ينفصلُ منها بحالٍ من الأحوال.
ومثل ذلك لو قال: "شعركِ طالق" فالشَّعر يُقصُّ ويُحلق، فهو في حُكم المنفصل لا في حُكم المتَّصل، وبناء على ذلك لا يقع بنحو ذلك طلاق.
ولو قال شخص لامرأته: "شعركِ طالقٌ، أو سِنُّكِ طالقٌ، أو ظفركِ طالقٌ"؛ فهذه أشياء تنفصل عنها، وجرت العادة بانفصالها، وبناء على ذلك لا يُحكَمُ بأنَّ الطَّلاق وقع عليها.
ومثل ذلك الرِّيق، فيُمكن أن يُخرج الإنسانُ ريقَه، وكذلك الدَّمع ينفصل عن الإنسان عادةً.
وقوله (وَنَحْوَهُ)، يعني لو قال: "بولكِ طالق، عَرَقُكِ طالقٌ"، فهذه كلها أشياء تنفصل، وبناء على ذلك لا يقع بها طلاق.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيْقَةٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ هَذَا، طَلُقَتْ وَاحِدَةً)}.
لو قال: "أنتِ طالقٌ ذرَّةً من طلقةٍ، أو واحدة في المائة من طلقةٍ، أو ربعَ طلقةٍ"؛ فكلُّ ذلك يقع به تطليقةٌ كاملة مثلما قلنا قبل قليل.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (باَبُ الرَّجْعَةِ)}.
الحمد لله أن أنهينا كتاب الطَّلاق.
ولَمَّا انتهينا من كتاب الطَّلاق نأتي إلى باب الرَّجعةِ، وباب الرَّجعةِ مُتعلِّقٌ بالطَّلاق لا بالخُلعِ، والخُلع لا رجعةَ فيه؛ لأنَّه إمَّا طلاقٌ بعوضٍ أو فسخٌ بعوضٍ على ما سبقَ توضيح ذلك وتبيينه، فبناء على ذلك لا رجعةَ فيه.
كيف يعود من خالع زوجته إلى الزَّوجيَّة؟
نقول: له طريقٌ واحد، هو أن يخطبها، فيعقد عليها عَقدًا جديدًا بمهرٍ جديدٍ وشهودٍ ونكاحٍ جديدٍ، كأنَّه لم يتزوَّجها قبلُ، ثُمَّ تعود إلى ما تكون عليه من تطليقاتها، فإذا كان قد طلَّقها واحدة بقيَ لها اثنتان، وإذا كان قد طلَّقها اثنتان بقيَت له واحدة، أمَّا لو كان قد طلَّقها ثلاثًا فلا يجوز له أن يرجع إليها حتى تَنْكِح زوجًا غيرَه.
وقلنا: متى تقع الثلاث تطليقات بالخلع؟
الإجابة: إذا كان الخلع بلفظ التَّطليق في آخر تطليقاتها الثَّلاث على قولِ الحنابلة -رَحِمَهُم اللهُ.
أمَّا الرَّجعةُ فهي: حُكمٌ من الأحكام التي تثبتُ للزوجِ على زوجته إذا طلَّقها في أحوالٍ مخصوصة؛ لأنَّنا ذكرنا أنَّ غير المدخول بها لا عدَّةَ عليها، فبناءً على ذلك تَبِين، فلا رجعة عليها البتَّة.
والمراجعة لها أصلٌ صحيحٌ في الشَّرع، فالنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((مُرْه فَليُراجِعَهَ))، فراجعها بعدَ تطليقها.
والله -جلَّ وعلا- يقول: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحً﴾ [البقرة:228]، والتَّقييدُ بإرادة الإصلاح نفيٌ لطرائق أهل الجاهليَّة الذين كانوا يُطلِّقونَ نساءهم، وإذا قاربت أن تنتهي عدَّتها راجعها ثُمَّ طلقها، حتى يُضارَّ بها ويمنعها مِن التَّزويج، وتكون مُعلَّقةً لا هي مُزوَّجةً ولا هي مُطلَّقة!
فنقول: الرَّجعة حق، ولكن بشرطِ ألَّا يكون الزوج قد قَصَدَ بذلك المضارَّةَ والإضرار بها -نسأل الله السَّلامة والعافية- والإجماع مُنعقدٌ على ذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، بَعْدَ الدُّخُوْلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ، أو العَبد أقل مِن اثْنَتَينِ؛ فَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامِت فِي العِدَّة) لقوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحً﴾ [البقرة: 193])}.
إذن عندنا امرأة مَدخول بها وامرأة غير مدخولٍ بها.
فإذا كانت غير مدخولٍ بها: فلا رجعة عليها.
والسبيل إليها لا يخلو:
 إن كان طلقها طلقة أو طلقتين، مثل أن يقول: "أنتِ طالقٌ طلقة، أو أنتِ طالقٌ طلقتين"، فله أن ينكحها بعقدٍ جديد، ولا رجعة عليها؛ لأنَّه ليس عليها عدَّة، فلم يكن له عليها رجعة، وهذا محل إجماع بين أهل العلم لا يختلفون فيها.
 أو يكون قد طلَّقها ثلاثًا، وسيأتي الكلام عنها.
إذن؛ محل الكلام في الرَّجعةِ إنَّما هو في المدخول بها، وأن يكون الطلاق طلاقًا رجعيًّا لا خُلعًا، فلا تكون الرَّجعة في الطَّلاق الخلعيِّ، ولا تكون لمن طلَّق زوجته ثلاثًا، ولا تكون في غير المدخول بها، ولا تكون بعدَ العِدَّة -على ما سيأتي تفصيله.
قال: (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، بَعْدَ الدُّخُوْلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ)، أمَّا إذا كان بعوضٍ -وهو الخلع- فإنَّه لا رجعة فيه -على ما ذكرنا- لأنَّها إنَّما دفعتَ ما دفعت لتفتدي بنفسها ولا يكون له سبيلٌ عليها.
وقوله: ( أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ)؛ لأنَّه إذا طلَّقها ثلاثًا فإنَّها لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره؛ لقول الله -جلَّ وعلا: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة:230].
ويدل على ذلك: مَا ذُكر مِن قصة الصَّحابي الذي طلَّق امرأته ثلاثًا ثُمَّ تزوجت المرأة من ابن الزبير، ثُمَّ أرادت أن ترجع إلى زوجها، فقال لها النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» .
فإذن المطلقة ثلاثًا لا يُمكنها أن ترجع إلى زوجها إلَّا أن تتزوَّج ويطأها الزَّوج الثَّاني، ويكون النِّكاح نكاح رغبةٍ لا نكاح تحليل ثُمَّ يُطلقها، فبعد ذلك يُمكن للزوج الأول أن يتزوجها بعقدٍ جديدٍ، ولا رجعة له عليها.
إذن إذا طَلَّق الرَّجل امرأته بعد الدخول بغيرِ عِوضٍ أقلَّ مِن ثلاث، صحَّت المراجعَة، يعني: سواء كان قد طلَّقها طلقةً أو اثنتين فله أن يُراجعها في العدَّة.
وكذلك العبد لو طلقَ زوجته أقل من طلقتين -يعني: واحدة- لأنَّ العبد لا يملك إلَّا طلقتين، وبناء على ذلك لو طلَّقَ زوجته طلقةً واحدةً ثُمَّ أراد أن يُراجعها فله ذلك.
قال المؤلف: (فَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامِت فِي العِدَّة)، والمقصود بقوله: (رَجْعَتُهَ)، أنَّه لا سبيل لأحدٍ أن يمنعه منها، ولا يُمكن لأحدٍ أن يحولَ بينه وبينها، فإذا كانت في العِدَّةِ وكانت أقل من تطليقاتٍ ثلاثٍ لمدخولٍ بها وأراد زوجها أن يُراجعها، فلا يحتاج فيها إلى استشارتها ولا إلى استئذانها ولا علمها، ولا علم أبيها، ولا رضاه، ولا رضا أحد مِن قرابتها؛ فإذا قال: "راجعتها، أو راجعتُ زوجتي، أو راجعتُكِ"، وهي مُطلقة أقل مِن ثلاث تطليقات، ولا زالت في العِدَّة، وكان الطَّلاق بغيرِ عِوضٍ؛ ففي هذه الحال رجعَت الزَّوجيَّة، لقول الله -جلَّ وعَلا: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحً﴾ .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَالرَّجْعَةُ: أَنْ يَقُوْلَ لِرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ: اشْهَدَا عَلَيَّ أَنِّيْ قَدْ رَاجَعْتُ زَوْجَتِيْ أَوْ رَدَدْتُهَا أَوْ أَمْسَكْتُهَا مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ، وَلاَ صَدَاقٍ يَزِيْدُه، وَلاَ رِضَاهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا، كَانَ رَجْعَةً)}.
المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- يُبيِّنُ الرَّجعة التي يحصل بها العودُ إلى النِّكاح، وهو أن تحصل باللفظ لا بالفعل، وهو هنا يحكي التَّمامَ والكمال، وهو أن يقول الزوج "راجعتُكِ"، وأن يُشهد على ذلك اثنين لقول الله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ [الطلاق:2]، فالشَّهادة هُنا مُستحبَّةٌ وليست واجبة فإذا فعل ذلك فهذه الرَّجعة التي لا غضاضة فيها ولا إشكال، وهي أكمل ما تكون.
لو قال: "راجعتُكِ" ولم يُشهِد على ذلك؛ فنقول: الرَّجعةُ صحيحة، والزَّوجيَّة باقية، وليس للمرأة بعد ذلك أن تتزوَّج، وانقطعت عليها عدَّةُ الطَّلاق، ورجعَت إلى ما كانت عليه قبل التَّطليق.
سؤال: لِماذا لم يكن الإشهادُ واجبًا وقد قال الله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ ؟
قال أهل العلم: لَمَّا لم يكن الإشهاد واجبًا على التَّطليق فمن باب أولى أَّلا يكون واجبًا على الرَّجعة، فلأجل ذلك كان الإشهادُ على الرَّجعة مُستحبًّا كما هو المذهب وعليه جمهور أهل العلم.
ومع ذلك نقول: لا ينبغي أن يُراجِع بدون إشهادٍ؛ لأنَّ هذا يقطع دابر الخلاف، ولئلَّا تتطاول ضعاف النُّفوس فيدَّعي أنَّه راجعها ولم يكن قد راجعها فيعود إلى امرأةٍ لا تحل له ونحو ذلك، ولكن من جهة الأصل أنَّ المراجعة تحصل بقول: "راجعتُكِ"، وأنَّه لا يُشتَرطُ فيها إشهاد، ولكن الإشهاد تمامها وكمالها، وسواء قال بلفظ: "راجعتُكِ، أو رددتكِ، أو رددتُّها، أو أمسكتُها".
ثُمَّ يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- إنَّ الرجعة ليست عقدًا، وليست إنشاءً، وإنَّما هي عودٌ، ولذلك قال: (مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ، وَلاَ صَدَاقٍ يَزِيْدُه، وَلاَ رِضَاهَ)، هذا ما يترتَّب على قولنا أنَّ الرَّجعةَ ليست عقدًا أو ليست إنشاءً، وإنَّما هي إرجاع الشَّيءِ إلى مكانه، وعودته إلى ما كان عليه، فلا تتوقَّفُ لا على رضا الولي ولا على الصَّداق، ولا على رضا المرأة، ولا اعتبار شيء من ذلك البتَّة.
ثُمَّ قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنْ وَطِئَهَا كَانَ رَجْعَةً).
هل تحصل الرجعة بالفعل أو لا؟
هذا محل كلامٍ لأهل العلم:
- فالحنابلة -رَحِمَهُم اللهُ- صاروا إلى أنَّ الرَّجعَة تتأتَّى بالفعل، فإذا جامعها فكأنَّه قد راجعها، وهو أبلغُ ما يكونُ عندهم. فيقولون: كما أنَّ المراجعة تكون بالقول فكذلك تكون بالفعل.
- الجمهور يقولون: لابدَّ من لفظِ الإرجاع، بدليل قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعَهَ»، فأمره بمراجعتها، والمراجعة لا تُعرف بالقلب، فلمَّا كانت شيئًا مُستكنًّا في النَّفسِ فلابدَّ من اللفظ، والفعل قد لا يتمحَّضُ في المراجعة وإنَّما قد يكونُ أتاها على إرادة السُّوء، وقد يكون أراد غير ذلك، فالأصل أن يقول: "راجعتُكِ".
شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- صار وسطًا بين هذا وهذا فقال: "تكون الرَّجعة بالفعل أو بالوطء بالنيِّة".
وعلى كلِّ حالٍ نقول: ينبغي ألا يُصار إلى الرُّجوع بالفعل لمحلِّ الخلاف فيه، وأحوط للإنسان في نفسه، ثُمَّ إنَّه شيء ليس بمكلِفٍ أن يقول: "راجعتُكِ".
ولكن لو أنَّ شخصًا راجع زوجته في نفسه، ثُمَّ جامعها دون أن يقول؛ فيبعد أن نقول من أنَّ تلك الرَّجعة لا تصح؛ لأنَّه قولٌ مُعتبرٌ عند أهل العلم، وله أصلٌ من جهة النَّظرِ والاستدلال.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا الطَّلاَقُ وَالظِّهَارُ، وَلَهَا التَّزَيُّنُ لِزَوْجِهَا وَالتَّشَرُّفُ لَهُ، وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاْلخَلْوَةُ بِهَا وَالسَّفَرُ بِهَ)}.
الطَّلاق الرَّجعي هو: طلاقُ المدخولِ بها طلقةً أو طلقتين في زمنِ العدَّة.
فبناء على ذلك: هذا الذي طلَّق زوجته طلقةً، ثُمَّ بعد أسبوعٍ من تطليقها أرادت أن تُسافر معه فهي زوجته، وهو محرمٌ لها، ولو أنَّها ماتت لورثها لأنَّها زوجته، ولو أنَّه مات لورثته لأنها زوجته.
ولو أنَّه قال لها: "أنتِ طالقٌ" مرةً ثانية فيلحقها طلاقٌ؛ لأنَّه طلَّقَ زوجةً له.
إذن؛ لا زالت عُلقة الزَّوجيَّة باقيةٌ، فزمن العدَّة هو زمن انتقالٍ حتى تترتَّب على الزَّوجة أحكام الطَّلاق بعد انتهاء العدَّة، أمَّا ما دامت في العدَّة فلا زالت آثار النِّكاح باقيةٌ، غيرَ أنَّه لا يقسم لها، فلو كان عنده أكثر من زوجة ثُمَّ طلق واحدةً طلاقًا رجعيًّا، فزمن العدَّة ليست ممَّن يقسم لها.
قال المؤلف: (وَلَهَا التَّزَيُّنُ لِزَوْجِهَا وَالتَّشَرُّفُ لَهُ)، لعلَّه يراجعها، وترق نفسه إليها، أو أن يستحسن منها شيئًا ونحو ذلك فيعود إليها.
قال: (وَلَهُ وَطْؤُهَ)، يعني: له وطؤها بناء على قولهم: إنَّ الرَّجعة تكون بالوطء، فإذا وطئها فهي رجعةٌ بالفعل، أمَّا عند الجمهور فلا يجوز وطؤها حتى تكون منه مراجعة.
وقوله: (وَاْلخَلْوَةُ بِهَا وَالسَّفَرُ بِهَ)، كما ذكرنا جواز ذلك إذا كانت في زمن العدَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِذَا ارْتَجَعَهَا عَادَتْ عَلى مَا بَقِيَ مِنْ طَلاَقِهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى بَانَتْ ثُمَّ نَكَحَتْ غَيْرَهُ، ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ، وَتَزَوَّجَهَا اْلأَوَّلُ رَجَعَتْ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلاَقِهَ)}.
قوله: (وَإِذَا ارْتَجَعَهَا عَادَتْ عَلى مَا بَقِيَ مِنْ طَلاَقِهَ)، يعني: لو أنَّ شخصًا طلَّقَ امرأتَه طلقةً أو طلقتين ثم راجعها فنقول: هذه زوجته التي قد طُلِّقَت طلقة أو طلقتين محسوبةٌ عليه، فبناء على ذلك لا يبقى له إلا طلقتين، وإذا كان قد طلقها اثنتين فلا يبقى له إلا واحدةٌ.
قوله: (وَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى بَانَتْ ثُمَّ نَكَحَتْ غَيْرَهُ، ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ، وَتَزَوَّجَهَا اْلأَوَّلُ رَجَعَتْ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلاَقِهَ)
مثال: لو أنَّ شخصًا قال لزوجته: "أنتِ طالقٌ"، ثم انتهت عدتها ولم يُراجعها فهي الآن أجنبيَّةٌ عنه، ولها أن تتزوَّج وتستتر عنه، وليس بينهما أيُّ علاقةٍ.
والفرق بين مَن طُلِّقَت ثلاثة ومَن طُلِّقَت واحدة: أنَّ المطلقة واحدة أو اثنتين يُمكن أن يخطبها فيتزوجها، فلو أنَّه تزوجها فإنَّها تعود إليه بما كانت عليه من تطليقات، فإن كان طلقها واحدة بقي له اثنتان، وإن كان طلقها اثنتان بقيت له واحدة.
وبعض الناس يظن أنَّ المرأة لا تبينُ إلا بالثَّلاث تطليقات، وهذا كما قلنا سابقًا: إنَّه نتيجة بعضُ إفرازات هذه الثَّقافات الحاضرة وأعفان الفنِّ والمشاهدات المحرَّمَة في المسلسلات وغيرها؛ والصواب أنَّ المرأة إذا طُلِّقَت واحدة وانتهت عدَّتها بانت من زوجها وصارت أجنبيَّة عنه، ولكن أنت جعلت لنفسك طريقًا عليها، أنَّك لو رقَّت نفسُك إليها أو هفت نفسكَ لبيت الزَّوجيَّةِ معها فيُمكنك أن تطرق بابهم وأن تخطبها من أبيها، وأن تتزوَّجها بعقدٍ وشاهدين وصداقٍ جديدٍ، وكذلك لو كانت مُطلقة طلقتين.
ولكن إذا كانت مُطلقةً ثلاث تطليقات؛ فلابدَّ أن تنكح زوجًا ثانٍ -كما قلنا قبل قليل.
متى تبينُ الزَّوجَة؟
إذا انتهت العدَّة بثلاث حِيض، أو بوضع الحمل إن كانت حاملًا، على ما سيأتي من أحكام العدد في الباب الذي بعده.
نقول: إذا بانت منه:
- فإمَّا أن يتزوَّجها هو مباشرةً.
أو تكون هي تزوَّجت زوجًا ثانٍ، ثم تزوجها الأولُ بعدَ ذلك.
فلو تزوجها بعدَ زوجٍ ثانٍ، وكان قد طلقها طلقة أو طلقتين؛ فهي تعود على ما كان من عدد تطليقاتها، فهذا هو الأشهر والأصح، ولذلك قال المؤلف: (وَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى بَانَتْ ثُمَّ نَكَحَتْ غَيْرَهُ، ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ)، يعني: طُلِّقَت وانتهت عدَّتُها من الزَّوج الثَّاني. (وَتَزَوَّجَهَا اْلأَوَّلُ رَجَعَتْ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلاَقِهَ)، فإذا كان طلقها واحدة بقيت ثنتان، وإذا كان طلقها اثنتين بقيت واحدة.
إذن؛ اتَّضحَ معنا أنَّ:
 غير المدخول بها:
إذا طُلِّقَت بانت، وله أن يتزوَّجها بعقدٍ جديدٍ بشرطِ ألا يكون قد أوقع عليها ثلاث تطليقات.
 المدخول بها:
* إذا طلقها طلقة أو طلقتين، فإن كانت في العِدَّة فهو أحق بها، وله مراجعتها بدون رضاها ولا رضا وليها، ولا يُحتاج فيه إلى إذنٍ ولا غير ذلك، أمَّا إذا انقضت عدَّتها فيجوز له أن ينكحها سواء تزوَّجَت أو لم تتزوَّج، فإذا طرَقَ بابَها فهو خاطبٌ من الخطَّاب، وإذا تزوَّجها تعود إليه بما بَقِي من طلاقِها، إن كان طلقها في الزَّواج الأول طلقة تبقى لها اثنتان، وإذا كان طلَّقها طلقتين تبقى واحدة، ولا يختلف إذا ما كانت تزوَّجت بعدَه أو لم تتزوَّج.
* إذا طلَّقها ثلاثًا تبينُ منه بمجرَّد التَّطليق، ويجب عليها أن تبقى مُدَّة العدَّة لحرمة النِّكاح الأوَّلِ، فإذا انتهت العدَّة جاز لها أن تتزوَّج مَن شاءَت من الأزواج غير زوجها الأوَّل، وإذا أراد زوجها الأول أن يتزوجها فلابدَّ أن تكون تزوَّجَت زواجَ رغبةٍ، وأن تكونَ قد وُطئَت في ذلك الزَّواج، ثمَّ طُلِّقَت، ثم يخطبها فيتزوَّجها، وتعود عليه بطلقات ثلاثٍ جديدات.
أظن أنَّه بهذا يكون اتَّضحَ كلُّ ما يتعلَّق بكلِّ الصُّور المتصوَّرة في مُراجعة المرأة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِيْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَاْلقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِيْنِهَا إِذَا ادَّعَتْ مِنْ ذلِكَ مُمْكِنً)}.
إذا اختلفا في انقضاء عدَّتها فالقول قولها؛ لأنَّ هذا إنَّما يُعلَم مِن جِهتها، فهي التي تحيض، وهي التي تحسب لنفسها، والأصل أنَّ المرأة مُؤتمنةٌ على ذلك، فإذا ادَّعَت أنَّ عدَّتها قد انقضَت فلا يخلو:
 إمَّا أن تكون دعواها في وقتٍ لا يُمكن انقضاء العدَّة فيه، وهي أقل مِن ثمانية وعشرين يومًا؛ فلا نُصدِّقها.
 وإمَّا أن تكون ثمانية وعشرين يومًا فإنَّ ذلك صحيحٌ؛ لأنَّ علي بن أبي طالب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَضى في ذلك بالصِّحَّة، فلو كانت امرأة حيضتها يومٌ وليلة وأقل ما يكون من الطُّهرِ ثلاثة عشر يومًا، فحاضَت حيضة، ثُمَّ بقيت ثلاثة عشر يومًا ثُمَّ حاضت حيضةً ثانية؛ فهذه خمسة عشر يومًا، ثُمَّ طهرت ثُمَّ بقيت ثلاثة عشر يومًا، ثُمَّ حاضت حيضةً فطهُرت؛ فهذه ثمانية وعشرين يومًا، فمعنى ذلك أنَّه يُمكن هذا، فلمَّا قيل لعلي: إنَّها انقضت عدَّتها، قال: "إن جاءت ببينةٍ من أهلها صدَّقناها"، فجاءت المرأة بأن عادتها يومٌ وليلة، فصدَّقها علي -رضي الله عنه- وأمضى انتهاء عدَّتها.
إذن؛ إذا ادَّعت المرأة انقضاء عدَّتها وكان ذلك ممكنًا صدَّقناها، حتى لو قال الزوج: لا يُمكن أن تنقضي عدَّتها وأنا أريد مُراجعتها! فنقول: انتهى الأمر؛ لأنَّ هذا يُعرف مِن جهتها وهي مُصدَّقةٌ ومؤتمنةٌ في ذلك، فالقول قولها في ذلك مع يمينها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنِ ادَّعَى الزَّوْجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ رَاجَعَهَا فِيْ عِدَّتِهَا، فَأَنْكَرَتْهُ، فَاْلقَوْلُ قُوْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُ بِهَ)}.
قوله: (وَإِنِ ادَّعَى الزَّوْجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ رَاجَعَهَا فِيْ عِدَّتِهَا، فَأَنْكَرَتْهُ، فَاْلقَوْلُ قُوْلُهَ)؛ لأنَّ الأصل أنَّه لم يراجعها، ولكن إن أتَى ببيِّنةٍ كأن يقول: أنا في اليوم الفلاني راجعتها وهي لا زالت في العِدَّة؛ فنحكم له بذلك.
وبناء على ذلك: إذا أقام البيِّنة التي هي شاهدين، أو أنَّه في يوم الخامس عشر من شهر كذا قد راجع الزَّوجة، وهي قالت: إنَّها انقضت عدتها في عشرين من محرم؛ فنقول: هي زوجته؛ لأنَّ هذا دلَّ على إقامة البيِّنَة.
أمَّا إذا لم تكن بيِّنَة فالأصل أنَّ العدَّة قد انتهت، وأنَّ المراجعَة لم تثبت، فدعواه بأن المراجعة قد حصلت لا تُصدَّق إلا ببينة، فيكون الكلام في ذلك مُتَّسقًا واضحًا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَزَوَّجَتْ، رُدَّتْ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الثَّانِيْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ)}.
إذا انقضت عدَّةُ المرأة ثُمَّ تزوَّجَت، وما علمَت أنَّ زوجها قد كان راجعها، فجاء الزَّوج الأول وقال: أنا راجعتها، فقالت: لا، لم تُراجعني، وقد تزوجتُ.
فيقول له القاضي: هل عندك بيِّنة؟ قال: نعم، عندي إمام المسجد وفلان مِن خِيرة النَّاس يشهدون، ولكن حيلَ بيني وبين الوصول إليها، إمَّا بسجنٍ أو بمرضٍ، أو سفرٍ، أو شيءٍ مانعٍ من الرجوع، أو كان مُهدَّدًا بغير ذلك؛ فإذا أقامَ البيِّنةَ أنَّه قد راجعها، فنحن نتبيَّن أنَّها زوجته، وأنَّ النِّكاح الثَّاني وقع على وجهٍ خاطئ؛ لأنَّه نكحها وهي زوجة، فبناء على ذلك نقول: إنَّها تعودُ إلى زوجها الأول سواء دخل بها الثَّاني أو لم يدخل بها.
ما حال نكاحها الثاني؟
نقول: هو يسمَّى بوطء الشُّبهة؛ لأنهم يظنون أنَّ نكاحها صحيح، فبناء على ذلك ليس عليهما في ذلك حدٌّ ولا تعزير، ولو وُلِدَ لها من ذلك النِّكاح فيُنسَب إلى زوجها، كما في أحكام وطء الشُّبهةِ على ما ذكره الفقهاء -رحمهم الله تعالى- فيذكرون ذلك في مواطن مُختلفة، فأحيانًا يذكرونَه في العِدَد، وأحيانًا يذكرونه في أحكام اللقيط وما يتعلَّق به.
{شيخنا أحسن الله إليكم.
ما الحكم لو راجعها وأشهدَ على ذلك ولكن لم يُخبرها، ثُمَّ أظهرَ البيِّنَة بعد انقضاء عدَّتها؟}.
قلنا: إنَّ إخبارها ليسَ ممَّا يترتَّب عليه حُكمٌ، ما دام أنَّه أقام البيِّنة على المراجعة، فلأجل ذلك ترى أنَّ الألفاظ التي ذكروها ليست بلازمة أن تكون للمخاطبة مثل: "راجعتُكِ"، بل إذا قال: "أمسكتُ زوجتي، رددتُ زوجتي، راجعتُ زوجتي"، وأشهد على ذلك فيكفيه، وكان ذلك كافيًا في حُصول الرَّجعة وثبوت النِّكاح.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (باَبُ اْلعِدَّةِ)}.
العدَّة من الأحكام المتعلقة بالطَّلاق بعدَ النِّكاح، وذلك أنَّ العدَّة دالَّةٌ على عِظَم هذا العقد وما يترتب عليه، وأنَّه جُعل له وقتًا لا تنتقل المرأة إلى زوجٍ آخر حتى تُمضيه، وذلك حتى يُعظِّم النَّاس هذا النِّكاح، ثُمَّ مَا يتعلق به من المصالح، ومن ذلك العِلم ببراءة رحمها؛ لئلا تختلط الأنساب فيسقي الرَّجلُ الثَّاني ماءَ غيره ممَّا حملت به من الزَّوج الأوَّل فيحصل بذلك اختلاط الأنساب وضياعها، ففي العِدَدِ مَصالح كثيرة، ولذلك أبانَ الله -جل وعلا- في كتابه وفصلها في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ [البقرة:228]، وقال -جل وعلا- في سورة الطلاق: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ﴾ [الطلاق:4]، فالآيات ظاهرة الدِّلالة على أنواع العِدَدِ وبيانها، فالفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ- جمعوا هذه الأنواع وهذه الأحكام في هذا الباب بعدَ كتاب الطَّلاق؛ لأنَّه أحوجُ ما يكونُ إلى بيانه، وما فيه من أحكام، وما يلزم المعتدَّة من أحكامٍ شرعيَّة ومسائل فقهيَّة بيَّنوها هنا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلاَ عِدَّةَ عَلى مَنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِي اْلحَيَاةِ قَبْلَ اْلمَسِيْسِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوْهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّوْنَهَ﴾ )}.
بيَّن المؤلف الحال الأولى وهي التي لا عدَّة عليها، وهذه قد ذكرناها وأعدنا الكلام فيها أكثر من مرَّة في هذا الدرس وفي الذي قبله، وهي غير المدخول بها، وقلنا: إن المدخول بها هي التي لم تُجامَع ولا خلاف في ذلك، ولم يخلُ بها زوجها خلوة بإرخاء ستر أو إغلاق باب -على المشهور من مذهب الحنابلة خلافًا للجمهور- فإنَّ الجمهور يرون أنَّه إذا خَلا بها فإنها غير مَدخولٍ بها وبناء على ذلك فلا عدَّة عليها، والحنابلة يرون أنَّ ذلك يعد دخولاً باعتبار قول الصَّحابة، وعليها العدَّة ولها أحكام المدخول بها، فلأجل ذلك قال المؤلف: (وَلاَ عِدَّةَ عَلى مَنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِي اْلحَيَاةِ قَبْلَ اْلمَسِيْسِ وَالْخَلْوَةِ)، فتكون أنَصَّ على مَذهبِ الحنابلة، وهذا ظاهرٌ من جهةِ الدَّليل، قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوْهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّوْنَهَ﴾ [الأحزاب:49].
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَالْمُعْتَدَّاتُ يَنْقَسِمْنَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ إِحْدَاهُنَّ: أَوْلاَتُ اْلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلاً بِتَوْأَمَيْنِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَضَعَ الثَّانِيَ مِنْهُمَ)}.
إذا طُلِّقَت المرأة الحامل فالطلاق واقع عليها، وهو طلاق صحيحٌ سنُّيٌّ وليس ببدعي ولا مُحرَّم -على ما تقدمت الإشارة إليه- كما جاء في حديث ابن عمر «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَائِلً»، والمرأة الحائل هي: الحامل. أو كما جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذن أجلُ الحامل إلى وضع حملها، ومتى ما وضعت الحمل انقضت عدَّتها، وبعض الفقهاء يُعبر بتعبيرٍ أخصٍّ وقد نصَّ عليه المؤلف فقال: (أن تضَعَ كلَّ حَملَه)، فإذا كانت المرأة حملت باثنين فبوضع الثاني، وإذا كانت حملت بثلاثة فبوضع الثالث، وفيما مضى ليس كالآن، ففيما مضى إذا كانت المرأة حاملًا بتوأمين أو ثلاثة ليس بلازمٍ أن تتابع في الوضع فتضع الأوَّلَ والثَّاني في دقائق؛ لا، لأن لم يكن في أمورهم ما يُستعان به من آلاتٍ جدَّت أو أشياء وُجدت، فكانت المرأة ربَّما تضع الأوَّل ثُمَّ تجلس شهرًا!
فنقول: إن كان حاملًا باثنين فانقضاء عدَّتها بوضع الحمل الثَّاني، وإن كانت حاملًا بثلاثة فبوضع الثَّالث، وهكذا؛ لأنَّها لا تزال حاملًا، ويصدق عليها أنَّها حامل، ووضعها لبعض الحمل لا يخرجها عن كونها حاملًا، والله -جل وعل- يقول: ﴿أَوْلاَتُ اْلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ ، يعني كلُّ حملهن وما في بطونهن جميعًا، فإذا وضعت ذلك كله فإنَّ عدتها تنتهي.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَاْلحَمْلُ الَّذِيْ تَنْقَضِيَ بِهِ اْلعِدَّةُ وَتَصِيْرُ بِهِ اْلأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، مَا يَتَبَيَّنَ فِيْهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اْلإِنْسَانِ)}.
هذه المسألة مرَّت بنا كثيرًا، وهي: ما الحمل الذي تنقضي به العدَّة، وما تصير به الأمَةُ أمَّ ولدٍ؟
هو: ما تبيَّنَ فيه خلق الإنسان، فإمَّا أن تضعه كاملًا، أو تضعه قد نفخت فيه الروح، وإمَّا أن تضعه ولم تُنفَخ فيه الرُّوح ولكنَّه ممَّا تخلَّقَ، أو تضع دمًا مُتجمِّعًا؛ فهذه كلها لا إشكال فيها.
أمَّا الإشكال ما لو وضعت ما تبيَّن فيه خلق إنسان، فلا يخلو:
- إذا كان هذا ظاهرًا فهو محلٌّ ظاهرٌ في الحكم بأنَّ عدَّتها انتهت، كأن تضعَ يدًا أو رِجلًا، أو رأسًا، ونحو ذلك.
- أمَّا لو تبيَّنَ فيه خلقُ الإنسان لو حكمت القوابل بذلك، فإذا وضعت مثلًا قطعة لحم، وقالت القوابل اللاتي يلينَ النِّساء عند الولادة: إنَّ هذا حمل، وهذا أصلُ يدِه أو رجلِه أو فتاق عينه وهكذا...؛ فإذا كان على هذا النَّحو فنحكم بأنَّ هذه المرأة قد وضعت حملها وانتهت عدَّتها.
أمَّا لو كانت وضعت دمًا فمعنى ذلك أنَّ عدتها لم تنتهِ، وتنتقل إلى الاعتداد بالحِيَض -على ما سيأتي بيانه.
أظن أنَّ الوقت انتهى ولم يبقَ فيه متَّسعٌ، وأرجو أن تكون هذه المسألة قد اتَّضحَت، أسأل الله لي ولكم دوام التَّوفيق والسَّداد، وأشكرُ لكم حسنَ إنصاتكم أيُّها الإخوة المشاهدون والمشاهدات، وأسألُ الله أن يعيننا لما يكون فيه الصَّواب والخير والهدى، وأن يسددنا ويُلهمنا الحقَّ وما بيَّنه الفقهاء على وجهٍ صحيحٍ صائبٍ غير خطأٍ ولا خللٍ ولا وهمٍ، وأن يعفو عنَّا التَّقصيرَ والخَلل، وصلَّى والله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمدٍ.
{وفي الختامِ نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثِّكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائِعَه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك