الدرس الثامن

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

5924 12
الدرس الثامن

آداب المشي إلى الصلاة (2)

بسم الله الرحمن الرحيم.
{الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على قَائدِ الغُرِّ المُحَجَّلينَ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.
مَرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروسِ "آدابِ المشي إلى الصلاة".
ضيفُ هذا اللقاء هو سماحة العلامة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عُضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدَّائمة للإفتاء. أهلًا ومرحبًا بالشيخ مع الإخوة والأخوات}.
حيَّاكم الله جميعًا.
{سماحة الشَّيخ صالح بقيَ بعضُ الأسئلةِ في الدُّروس السَّابقة لبعض الإخوة، يقول السائل:
يَسْرحُ بعضُ النَّاسِ في صَلاته ويترك الخُشوع وَيَذهَب هُنا وَهُناك؛ هل تكون الصلاة مقبولة؟ وما شرط الخشوع في ذلك؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسَلَّم عَلى نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد: فإنَّ الخُشوع هو رُوح الصَّلاة ولُبُّها، قال -سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2].
والخُشوعُ في الصَّلاة هو حَاصِلُها، وهو: السُّكون وإن قلَّ. وهذا بيدِ الله -سبحانه وتعالى- يُعطيه مَن يَشاء، ولكن له أسباب، ولذلك نُهيَ المُسلم عَن الأشياء التي تَطرُدِ الخُشوع أو تُشغِل عنه، مثل:
 نُهيَ أن يُصلِّي وهو حاقن أو حاقب.
 ونُهيَ أن يُصليَ وهو بحضرة طعامٍ يشتهيه.
 ونُهيَ أن يُصليَ وهو بحضرةِ ما يُشغله عن الصَّلاة؛ حتى يَتَفَرَّغ لها ويُقبلَ عليها خَاشعًا بينَ يدي ربِّه -سبحانه وتعالى.
والصلاة التي لا خُشوع فيها تُجزئ مِن حَيثُ الظَّاهر؛ لأنَّه أدَّاها، لكن لا تُجزئه من حيثُ الباطن.

{مجافاة العضدين هل هو خاصٌّ بالرِّجالِ فقط؟}.
المرأة لا شَكَّ أنَّها تختلف عن الرَّجل في هيئة الصَّلاة، فتضمُّ نفسها في الرُّكوع والسُّجود، خلاف الرَّجل فإنَّه يُجافي عَضُدَيه عن جانبيه، وفَخِذَيه عن سَاقيه، فالرَّجل يختلف عن المرأة في هذا؛ لأنَّ المرأة مَطلوب مِنها السِّتر، فتضمُّ نَفْسَها في الرُّكوعِ والسُّجود، وتحاول أَلَّا يَظهرَ مِنهَا شيءٌ في صلاتها.

{هل يكفي التَّسليم عن اليمينِ فقط؟}.
هذا هو الرُّكن، فلابدَّ مِن التَّسليم مرَّة، والسُّنَّة أن يُسَلِّمَ ثنتين -عن يمينه وعن شماله.

{بعضُ المساجدِ الكبيرة يقوم المأموم بالتبليغ عن الإمام مع وجود مكبرات الصَّوت. هل هذا يجوز؟}.
لا حاجة إلى هذا، مَا دام وُجدَ مُكبِّرُ الصَّوتِ فهو الذي يُبلِّغ، إنَّما التَّبيلغ إذا كان المُصلُّون لا يَسمَعُون الإمامَ لِكَثرَتِهِم، ولم يكن هناك مكبِّر صوت؛ فإنَّه يُبلِّغ.

{مُا حُكمُ سُجُود السَّهو؟}.
سجود السَّهو يختلف، فمنه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب:
- سجود السَّهو لترك واجبٍ مِن واجباتِ الصَّلاةِ سَهوًا هذا واجب؛ لأنَّه جُبران.
- وأمَّا سُجُودُ السَّهو مِن أَجلِ الشَّكِّ في الصَّلاة، فهذا تَرغيمٌ للشَّيطَانِ، فيبني المصلِّي على غالبِ ظنِّهِ إن شكَّ ويُكملُ صلاتَه ويسجد للسَّهو.

{بعض الأئمة يَسجُدُ للسَّهو بعد الصَّلاة اتِّباعًا للسُّنَّة، ولكن يحصل خلطٌ عند بعضِ المُصَلِّين. فَمَا تَوجَيهُكم لذلك؟}.

سُجُودُ السَّهو يجوز قبل السَّلام وبعد السَّلام، وقد ذكر العلماء أنَّه إن كانَ عَن نَقْصٍ في الصَّلاة فإنَّه يكون قَبلَ السَّلام؛ لأنَّه جُبران.
وإن كان عن شكٍّ أو عن تركِ مَسنونٍ؛ فإنَّه يكون بعد السَّلام؛ لأنَّه ترغيمٌ للشيطان.

{أَلَا تَرَونَ أَن يكون السُّجود قَبلَ السَّلام مُطلقًا؟}.
لا، هَكذا وَرَدَ، أن يَكونَ قَبلَ السَّلامِ وبعد السَّلامِ عَلَى التَّفصيل.

{إِذَا تكرَّرَ السَّهو؛ فهل يُجزئ له سجود واحد؟}.
إِذَا تكرَّرَ السَّهو في الصَّلاة فإنَّه يكفي سجودٌ واحدٌ عن الجميع.

{البعضُ في سُجُودَ السَّهوِ يقول: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا". فهل له أصل؟}
لَم يَرِد هذا، بل يقول: "سبحان ربيَ الأعلى" ويُكرِّرُ ذلك. هذا ما يُقال في السُّجود، سواء كان سجودَ سهوٍ أو سجودَ تلاوةٍ، أو السُّجود الذي هو رُكنٌ مِن أَركانِ الصَّلاة.

{إذا سَهَا الإمامُ فنُبِّهَ ولم يَعرف الخطأ، فَهَلْ يَجُوزُ قِرَاءة آية تُوضِّح خطأ الإمام مثل: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾ [العلق: 19]، أو ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238] ؟}.
لَا بَأسَ بِذَلِك إِذا احتاجوا إِلى ذَلِكَ فَيَأتوا بآية تُنبِّه الإمام عن نوع السَّهو الذي حصلَ منه.

{قال المؤلِّفُ -رحمه الله تعالى- في كتاب آداب المشي إلى الصلاة: (وَالْوَاجِبَاتُ الَّتِي تَسْقُطُ سَهْوًا ثَمَانِيَةٌ)}.
الواجبات في الصَّلاة ثمانية؛ لأنَّ أعمال الصَّلاة تنقسمُ إِلَى:
- أركان.
- واجبات.
- سنن.
{(التَّكْبِيرَاتُ غَيْرُ الأُولَى)}.
جميع تكبيرات الانتقال كُلُّهَا واجبةٌ مِن وَاجباتِ الصَّلاة، وأمَّا الأولى فهي تكبيرة الإحرام فهذه ركنٌ، ولا تَنْعَقِد الصَّلاة إِلَّا بِهَا.
{(وَالتَّسْمِيعُ لِلإِمَامِ وَالمُنْفَرِدِ)}.
التَّسميع هو: قَول "سمعَ اللهُ لمَن حمِدَه" للإمام وللمنفرد، وأمَّا المأمومُ فإنَّه لا تَسمِيعَ عليه، وإنَّما يقول: "ربَّنا ولك الحمد"، قال -صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» .
{(وَالتَّحْمِيدُ لِلْكُلِّ)}.
قول: "ربنا ولك الحمد" للكلِّ، يعني: للإمام وللمنفرد.
{(وَتَسْبِيحُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ)}.
وكذلك للكلِّ تسبيح الرُّكوعِ والسُّجود، فيقول: "سبحان ربي العظيم" في الرُّكوع، ويقول: "سبحان ربيَ الأعلى" في السجود؛ فهذا واجبٌ على الإمام وعلى المأموم وعلى المنفرد.
{(وَقَوْلُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي)}.
قول: "رَبِّ اغْفِرْ لِي" بَينَ السَّجدتين واجبٌ مِن واجبات الصلاة.
{(والتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ)}.
التَّشهُّد الأوَّل واجبٌ مِن وَاجِبَاتِ الصَّلاة.
{(والْجُلُوسُ لَهُ)}.
والجلوسُ للتَّشهُّدِ الأوَّل، فلو قاله، أي: التشهد، وهو قَائمٌ لم يُجزئ.
{(وَمَا عَدَا ذَلِكَ سُنَنُ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ)}.
وَما عدا الأركان والواجبات في الصَّلاة؛ فإنه سُنَنُ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، سننٌ تُقال باللِّسان، وأفعال تُفعَلُ بالجوارح، وهو مَا يَزيدُ عَنْ أَربَعِينَ سُنَّة.
{(فَسُنَنُ الأَقْوَالِ سَبْعَ عَشْرَةَ: الاسْتِفْتَاحُ)}.

سننُ الأَقْوَالِ سَبْعَ عَشْرَةَ سنَّة:
أوَّلها: الاسْتِفْتَاحُ، وهو قوله: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ..." ، أو نحوه ممَّا ورد من الاستفتاحات، فهذا سُنَّة.
{(وَالتَّعَوُّذُ)}.
التَّعوذ بالله مِنَ الشَّيطانِ بعدَ الاستفتاح، هذا سُنَّة مِن سُننِ الصَّلاة.
{(وَالْبَسْمَلَةُ)}.
وَالْبَسْمَلَةُ هي قول: "بسم الله الرحمن الرحيم" فَهِي آيةٌ مِنَ القُرآنِ، وَليستْ مِن سُورة مُعيَّنة إِلَّا النَّمل، فقال تعالى: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: 30]، فَهِيَ بعضُ آية من سورة النمل.
{(وَالتَّأْمِينُ)}.
التَّأمين هو قول: "آمين" بعد قراءة الفاتحة، فهذه سُنَّة مِن سُنَنِ الأقوالِ، وَمَعناهُ: اللهمَّ استجب.
{(وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي الأُولَيَيْنِ)}.
قِراءة سُورة بعدَ الفَاتِحة، أو مَا تَيسَّرَ مِنَ القُرآنِ بَعدَ الفَاتحةِ في الرَّكعتين الأوليين، فهذه القِراءةُ سُنَّة.
{(وَفِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ)}.
قِراءةُ السُّورةِ بعد الفَاتحةِ فِي صَلاة الفَجر، وفي صلاة الجُمعة، وفي صلاة العيد.
{(وَالتَّطَوُّعِ كُلِّهِ، وَالْجَهْرُ وَالإِخْفَاتُ)}.
الْجَهْرُ: رفع الصوت.
الإِخْفَاتُ: خفض الصَّوت.
{(وَقَوْلُ: مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.. إِلَى آخِرِهِ)}.
قوله: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» ، أي: الحمدُ يملأ السَّماوات ويملأ الأرض، ويملأ ما بينهما؛ لأنَّ نِعَم الله عظيمة.
{(وَمَا زَادَ عَلَى المَرَّةِ فِي تَسْبِيحِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ)}.
مَا زادَ عن المرَّة في قول: "سبحان ربي العظيم" أو قول: "سبحان ربي الأعلى"، فالواجب مرَّة، وما زاد عنه فهو سُنَّة.
{(وَقَوْلُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي")}.
قول: "رَبِّ اغْفِرْ لِي" بين السَّجدتين هذا مِن وَاِجبَاتِ الصَّلاة.
{(وَالتَّعَوُّذُ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ)}.
التَّعوُّذ هو: التَّعوُّذ من الأربع بقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» .
فَهَذَا سُنَّة يَنبَغِي عَلى المُصَلِّي أَلَّا يَتْرُكَه لِوُرُودِه عَن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «استعيذوا بالله من أربع» ، وذكرها.
{(وَالصَّلاةُ عَلَى آلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْبَرَكَةُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ)}.
الصَّلاة على النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في التَّشهد الأخير هذا واجب من واجبات الصَّلاة، والبركة عليه وعلى آله وعلى أصحابه بقول: «السَّلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته».

{شَكَرَ اللهُ لَكُم فَضِيلةَ الشَّيخِ، وَسَوفَ نَستَكمِلُ مَا تَبَقَّى مِنَ هَذَا الدَّرسِ فِي اللقاءِ القَادِمِ. جزاكمُ اللهُ عنَّا وَعَنْ أمَّةِ الإسلامِ خَيرَ الجَزاءِ، وَباركَ فِيُكم وَفِي عِلْمِكُم، وَنَفَعَ بِكُم الإسلامَ والمُسلِمِينَ.
شُكرًا لَكُم أَنتُم أيُّها السَّادةُ عَلى تَواصُلِكُم مَعنَا فِي هَذه الدُّروسِ المُفيِدَةِ لِسَمَاحَةِ الشَّيخِ صَالحِ الفَوزَان.
والسَّلامُ عَلَيكُمُ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك