الدرس الخامس

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

5924 12
الدرس الخامس

آداب المشي إلى الصلاة (2)

بسم الله الرحمن الرحيم.
{الحمدُ لله رَبِّ العَالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قائدِ الغرِّ المحجَّلينَ نبيِّنا محمدٍ وعلى آَله وصحبِه أجمعينَ.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوةُ والأخوات في درسٍ مِن دروسِ آدابِ المشي إلى الصَّلاة، ضيفُ هذا الدَّرس هو سماحةُ العلَّامةُ الشَّيخُ صالحُ بن فوزان الفوزان، عضو هيئةِ كبارِ العلماءِ، وعضو اللَّجنَةِ الدَّائمة للإفتاءِ.
باسمكم جميعًا أيُّها السَّادة نشكرُ الشَّيخَ على تفضُّلِه بشرحِ هذه الدُّروس، كما أشكرُ تواصلَكم معنا بأسئلتِكم واستفساراتِكم في الدُّروسِ السَّابقَةِ. أهلًا ومرحبًا سَماحة الشَّيخ صالح...}.
حيَّاكم الله وبَاركَ فيكم.
{مِن الأسئلة في الدَّرسِ السَّابقِ، يقول السَّائلُ: حتى يكونَ الدُّعاءُ مستجابًا؛ ما هي شروط إجابةِ الدُّعاءِ -مأجورين؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِه وأصحابِه أجمعين.
مِن شُروطِ إجابةِ الدُّعاءِ:
الشَّرطُ الأوَّل: أن يكونَ طعامُه وشَرابُه ومَلبَسُه مِن الحَلالِ، لِقوله -صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» ، فيَبعُدُ أن يُستجابَ له بسببِ أكلِ الحرامِ.
وقالَ سعدُ بن أبي وقَّاص للرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم: "يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا سَعْدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ» .
فهذا الشَّرطُ الأساسُ لإجابةِ الدُّعاءِ، وهو أن يكونَ مطعمُه ومشربُه وملبسُه مِن الحلالِ.
الشَّرطُ الثَّاني: أن يدعوَ اللهَ مُوقنًا بالإجابةِ لقوله -صلى الله عليه وسلم: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» .
الشَّرطُ الثَّالثُ: عدمُ الاعتداءِ بالدُّعاءِ، كأن يدعو على مسلمٍ بغيرِ حقٍّ، فهذا مِن الاعتداءِ بالدُّعاءِ، قال -جلَّ وعلا: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].
الشَّرطُ الرَّابعُ: أن يكونَ الدَّاعي مُلحًّا بالدُّعاءِ، فيُلحُّ على ربِّه بالدُّعاءِ ويُكثِرُ منه، ولا يقول: قد دعوتُ ودعوتُ فلم يُستَجَب لي! فيتركَ الدُّعاءَ.
{أحسنَ اللهُ إليكم..
يقولُ السَّائلُ: دعوتُ ولم يُستجَب لي؛ فهل أتركُ الدُّعاءَ أم أستمرُّ؟}.
يستمرُّ في الدُّعاءِ ولا ييأس مِن رحمةِ اللهِ -عزَّ جلَّ.
{إذا كان الالتفاتُ في الصَّلاة لحاجةٍ؛ هل تزولَ الكراهيةُ}.
الالتفاتُ إذا كان لحاجةٍ فإنَّه لا يضرُّ الصَّلاةَ، كأن يلتفتَ ليُقاتِلَ حيَّةً أو عقربَ، أو يُدافعَ عن نفسِه؛ فلا بأسَ بذلك، ولا يضرُّ الالتفاتُ أثناءَ ذلك.
{ما هو الإقعَاءُ وما حُكمُه؟}.
الإقعاءُ: أن يجعلَ بطونَ أصابعِ رجليهِ إلى الأرضِ ويرفعَ عقبيه، ويجمعهما فيجلسَ عليهما، هذا هو الإقعاء.
{قال المؤلِّف -رحمه الله تعالى: (وَيُكْرَهُ مَسُّ الْحَصَى، وَتَشْبِيكُ أَصَابِعِهِ)}.
يُكره في الصَّلاة مسِّ الحصَى: يعني أن يمسَّ ما يَسجدَ عليه ليواسِيَه؛ بل يَسجد عليه بدونِ أن يواسِيَه إلا إذا كانَ فيه ما يُؤذِيه كالشَّوكِ والحصَي الذي يؤذِي فلا بأسَ أن يُزيله، أمَّا إذا كان مَسجَدَه ليسَ فيه ما يؤذيه فإنَّه يسجدُ عليه مِن غيرِ أن يُواسِيَه.
{(وَتَشْبِيكُ أَصَابِعِهِ)}.
التَّشبيكُ بينَ أصابِعَه: هو إدخالُ بعضِهما في بعضٍ، ولا يجوزُ ذلك إذا كانَ جالسًا ينتظر الصَّلاةَ ، فلا يُشبِكنَّ بينَ أصابِعه لنَهيه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام: «فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ» ، فدلَّ على أنَّ المُصلِّي لا يُشبِّكُ بينَ أصابعه، وكذلك الذي ينتظِر الصَّلاةَ.
{(واعْتِمَادُهُ عَلَى يَدَيْهِ فِي جُلُوسِهِ)}.
كذلكَ اعتمادُه علَى يَديهِ في جُلوسِه بأن يَجلسَ على مقعدتِه وعلى يَديه، فيضعُ يَديه مبسُوطتان على الأرضِ، لأنَّ هذا يُشبه إقعاءَ الكلبِ.
{(وَلَـمْسُ لِحْيَتِهِ)}.
كذلكَ العبثُ بملابسِه وبلحيَتِه وبشعورِه وهو يصلِّي، لأنَّ هذا يُلهيهِ عن الصَّلاةِ.
{(وَإِنْ تَثَاءَبَ كَظَمَ مَا اسْتَطَاعَ)}.
إذا بَدَرَه تثاؤبٌ فإنَّه يَكظِمْه -يعني يمنعه- ما استطَاعَ، فإن غَلَبَه التَّثاؤبُ فإنَّه يضعُ يَديه على فَمِه، ولا يفتحُ فمَه في التَّثاؤبِ، ثمَّ لا يكون له صوتٌ.
{(وَيُكْرَهُ تَسْوِيَةُ التُّرَابِ بِلاَ عُذْرٍ)}.
يُكرَهُ تسويَةُ التُّرابِ الذي يَسجدُ عليه بلا عذرٍ، فلو كانَ فيه شوكٌ أو حصًى يؤذيه فلا بأسَ أن يُزيلَه.
{(وَيَرُدُّ المَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ بِدَفْعِهِ)}.
يردُّ المصلِّي المارُّ بينَ يدَيه إذا مرَّ قريبًا منه، أو مرَّ بينَه وبينَ سترتِه فإنَّه يمنعه، فإن أبَى إلا المرور فإنَّه يُقاتله -يعني يَضربه- لِدفعِه، قال -صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ مَعَهُ القَرِينُ» يعني الشَّيطان.
{(آدَمِيًّا كَانَ الْمَارُّ أَوْ غَيْرَهُ)}.
سواء كانَ المارُّ آداميًّا أو كانَ بهيمةً فإنَّه يَمنع المرورَ بينَ يَديه.
{(فَرْضًا كَانَتِ الصَّلاَةُ أَوْ نَفْل)}.
لا فرقَ بينَ الفريضة والنَّافِلَة في منعِ المَارِّ بينَ يَديه قَريبًا مِنه أو بَينه وبينَ سُترتِه، فيمنعه أيًّا كانَ إنسانًا أو حيوانًا.
{(فَإِنْ أَبَى فَلَهُ قِتَالُهُ وَلَوْ مَشَى يَسِيرً)}.
فإن أَبَى أن يمتَنِعَ المارُّ فإنَّ له قِتاله -يعني ضربه- فالمرادُ بالقتالِ هنا: الضَّربُ، فيضربه لِيمتنع مِن ذلك.
{(وَيَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ المُصَلِّي وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ)}.
لأنَّه يحرُم المرور بينَ المصَلِّي وبينَ سُترتِه التي أمَامه، ويُستحَبُّ للمصلِّي أن يُصلِّيَ إلى سُترةٍ وأن يدنوَ منها، والسُّترةُ تكونُ قائمة -أي مرتفعة- بقدرِ مُؤخرةِ الرَّحلِ إن أمكنَ ذلك.
{(وَبيْنَ يَدَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُتْرَةٌ، وَلَهُ قَتْلُ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَقَمْلَةٍ، وَتَعْدِيلُ ثَوْبٍ وَعِمَامَةٍ)}.
وله في الصَّلاةِ أن يَقتلَ الحيَّةَ والعقربَ دفعًا لضررهما، ولقوله -صلى الله عليه وسلم: «اقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ» ، فإنَّ المصلِّي له أن يقتلَ الحيَّةَ والعقربَ دفعًا لأذاهما وضَرِرِهما.
{(وَحَمْلُ شَيْءٍ، وَوَضْعُهُ)}.
وللمصلِّي حملُ شيءٍ ووضعه وهو يُصلِّي، لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يحملُ أُمامة ابنة بنته زينب وهو يُصلِّي، فإذا قامَ أَخَذَهَا، وإذا سَجَدَ وَضَعَهَا أو أَجَلَسَها عَلى الأرضِ .
{(وَلَهُ إِشَارَةٌ بِيَدٍ وَوَجْهٍ وَعَيْنٍ لِحَاجَةٍ)}.
وله أن يُشير بيدِه وهو يُصلِّي لحاجةٍ، وكذلكَ يُشيرُ بعينِه لحاجةٍ.
{(وَلاَ يُكْرَهُ السَّلاَمُ عَلَى الْمُصَلِّي)}.
لا يُكرَه السَّلام على المصلِّي، لكنَّ المصلِّي يردُّ عليهِ بالإشَارةِ بأن يَرفع يدَه، ولا يردُّ عليه بالكَلامِ.
{(وَيَفْتَحُ عَلَى إِمَامِهِ إِذَا ارْتَجَّ عَلَيْهِ، أَوْ غَلِطَ)}.
وللمصلِّي أن يفتحَ على إمامِه القراءة إذا انغلقَت عليه القراءةُ بأن غَابت عنه الآيةُ التي بعدَ الآيةِ التي يقرؤهَا، فللمُصَلِّي أن يفتحَ عليه، لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- حَصَلَ له إغلاقٌ فلم يردُّوا عليه، فلما سلَّمَ وإذا بأُبيِّ بن كعب يُصلِّي خلفَه، فقال لِأُبَيٍّ: «أَصَلَّيْتَ مَعَنَ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا مَنَعَكَ» ، فهذا دليلٌ على أنَّ المصلِّي يفتح على إمَامِه بذكرِ الآيةِ التي انغلقَت عليهِ في قِراءتِه.
{(وَإِنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ سَبَّحَ رَجُلٌ، وَصَفَّقَتِ امْرَأَةٌ)}.
إذا نَابه شيء في صلاتِه بأن سَها، كأن قامَ وتركَ التَّشهُّد الأوَّل، أو أيَّ شيءٍ تركَه من صلاتِه سهوًا؛ فإنَّهم يُنبِّهونَه، فيُسبح الرِّجال وتُصفِّقُ النِّساءُ، لأنَّ صوتَ المرأة عورة، فتُصفِّقُ حتى يتنبَّه الإمام.
{(وَإِنْ بَـدَرَهُ بُصَاقٌ أَوْ مُخَـاطٌ وَهُوَ فِي المَسْجِـدِ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ وَفِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ عَنْ يَسَارِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْصُقَ قُدَّامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ)}.
إذا بدَرَه بُصاقٌ -أي نُخامَة- أو بُزاق -يعني رِيق- واحتاجَ إلى إخراجِه، فإنَّه يبصُقُ في ثَوبِه إذا كانَ في الصَّلاةِ، أو يبصُقُ عن يَسارِه إذا كانَ في غيرِ المسجدِ.
{شكر الله لكم سماحة الشَّيخ صالح على تفضُّلكم بشرحِ هذا الدَّرس الممتِع مِن كتابِ آدابِ المشيِ إلى الصَّلاةِ.
شكرًا لحضاراتكم أنتم أيُّها الإخوةُ والأخوات على تواصُلِكم في هذا الدَّرس، نستقبلُ الأسئلةَ والاستفسارات عبرَ هذا البرنامج، وأشكرُ فريقَ العملِ مِن الفنِّيينَ والمخرجينَ.
والسَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك