{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قائدِ الغرِّ المحجَّلينَ،
نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروسِ كتاب آداب المشي إلى الصَّلاة،
ضيفُ هذا اللقاء هو سماحة العلَّامة الشَّيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبارِ
العلماء، وعضو اللَّجنةِ الدَّائمةِ للإفتاءِ.
أهلًا ومرحبًا بالشَّيخ صالح في هذا الدَّرس}.
حيَّاكم اللهُ وباركَ فيكم.
{مِن الأسئلة التي وردت في الدُّروسِ السَّابقة، يقولُ السَّائلُ: يتحرَّج بعضُ
النَّاسِ الصَّلاة أمامَ المدفأة. هل في ذلك حرجٌ؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وصلَّى الله وسلَّمَ على
نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وأصحابِه أجمعين.
إذا كانَ يتحرَّجُ وفي نفسِه شيء مِن الشُّبهة فيتجنَّب ذلك، فأرضُ اللهِ واسعةٌ.
{علامَ يدل حديث «لَا صَلَاةَ بِحَضرَةِ طَعَامٍ» ؟}.
يدلُّ على أنَّه يجبُ أن يَدخلَ في الصَّلاةِ وهو فارغُ الذِّهنِ مِن أمورِ
الدُّنيا، ومتعلقاتِ النَّفسِ؛ مِن أجلِ أن يقفَ بينَ يدي ربِّه وهو متَّجهًا إلى
الله -سبحانه وتعالى- لا يشغله شاغلٌ مِن طعامٍ أو شرابٍ، أو مدافعةِ الأخبثين
-البول والغائط.
{لو شعر بالحاجة إلى دورة المياه بعدما دخل في الصَّلاة. هل يقطعها؟}.
لا يقطعها ولكن يخفِّفها ليذهبَ لقضاءِ حاجته ويدخلَ في الصَّلاةِ وهو فارغُ البالِ
مِن الأشغالِ والشَّواغلِ.
{حدثونا عن أسبابِ الخشوعِ في الصَّلاة، وإذا كان الإنسانُ تشغله الأفكارُ
والوساوسُ عندَ بدئه في الصَّلاة فماذا يعمل؟}.
الخشوعُ في الصَّلاةِ هذا شيء يجعلُه الله في قلبِ المؤمن، فيستحضر عظَمَةَ ربِّه،
فيخضع بينَ يديه ويتدبَّر القرآنَ إذا قرأه أو سمعه من الإمام، فهذا هو روح
الصَّلاة، وهو لبُّها، فيتجنَّب الشَّواغلَ قبلَ أن يدخلَ الصَّلاة، حتى يدخل فيها
وهو متَّجه إليها.
{القَصص التي نسمعها أو نقرؤها عن خشوعِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ في الكتبِ؛ ما
صحَّتُها؟}.
هذه صحيحةٌ، فالسَّلفُ الصَّالح مِن الصَّحابةِ والتَّابعينَ ومَن اقتدى بهم وسارَ
على منهجهم يخشَعونَ بين يدي ربِّهم ويتدبَّرون آياتِه، ولذلك صاروا خيرَ القرونِ
وأفضلها.
{إذا بدأ بالعَشَاءِ هل يُكمل حتى يَشبَعَ ولو فاتته الجماعة، أو يأكلَ بمقدارِ ما
يتناوله؟}.
يأكلُ حتى يذهبَ طمَعُه في الطَّعام ونهمته فيه حتى يتفرَّغ للصَّلاة.
{هل مسُّ الحصى خاصٌّ بصلاة الجمعة؟}.
لا، حتى في صلاةِ غيرِ الجمُعَة لا يمسَّ الحصى -أو التَّراب- الذي يسجدُ عليه، إلا
إذا كانَ فيه ما يؤذِيه مِن شوكٍ أو حصًى فيزيلَه.
{ذكر الشَّيخ -رحمه الله- أنَّه يُكرَه تشبيكُ الأصابع. فما الجواب عن تشبيكِ
أصابعه -صلى الله عليه وسلم- حينَ نسيَ ركعتينِ مِن الصَّلاة؟}.
الجمعُ بين هذا وهذا: أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد فرغَ مِن الصَّلاة ، فهو
لا ينتظرُ الصَّلاة، وليسَ في صلاةٍ، فيشبكُ بين أصابعه، لأنَّه زالَ المعنى، فلا
يشبِّك بينَ أصابعِه إذا كان جالسًا ينتظر الصَّلاة، أو كان في نفس الصَّلاة.
{ما حكم التَّعوُّذ بعدَ التَّثاؤبِ؟}.
لا أصلَ له، ولكن الذي وردَ أن يكظمَ ما استطاعَ، فإن غلَبَه التَّثاؤبُ فإنَّه
يضعُ يدَه على فمِه.
{بعض المصلِّين يُزعِجُ مَن حولَه برفعِ صوته بالقراءة والذِّكر وخصوصًا عندما
يكونُ ساجدًا تسمعه يدعو والصُّوت مرتفع. فما حكم ذلك؟}.
هذا منهيٌّ عنه، ولا يجوز أن يُشوِّشَ على مَن حولَه، فيكون ذلك بينه وبين ربِّه
سرًّا، ولا يرفع به صوتَه، وحتى إذا نَفَخَ أو انتحبَ فبانَ حرفان؛ فإنَّه تبطلُ
صلاته، لأنَّ الحرفان كلمة، والكلام غير مشروع في الصَّلاة.
{ما حكمُ مرور الطِّفلِ بين يدي المصلِّي، أو بعضِ الحيونات الأليفة؟}.
المصلِّي يتَّخذُ سُترَة، ويدنو منها، ولا يضرُّه مَن مرَّ مِن ورائها، فإذا كانَ
أمامه سُترَة ودنا منها فلن يمر بين يديه أحد.
{وما حكم مرور القطط؟}.
الأشياء التي لا طَاقة له بدفعها لا تضر.
{إذا مرَّ الشَّخصُ بين يدي المصلِّي قهرًا. هل تبطلُ الصَّلاة؟}.
لا تبطلُ الصَّلاة، ولكن يأثم المارُّ، ويأثم المصلِّي إذا تركَه يمرُّ مِن غيرِ
ضرورة، فيأثم الجميع. قال -صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ
يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ
مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» ، وقال -صلى الله عليه وسلم- للمصلِّي يدفعُ
المارَّ ولو بالمقاتلةِ -أي بالضَّربِ- فإذا لم يندفع إلا بضربِه ضربَه، قال -صلى
الله عليه وسلم: «فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» ، يعني
الشَّيطان.
{ما حكم مرور المرأة؟}.
المرأةُ مثلَ الرَّجلِ، ولكن جاء في الحديث «فإنَّه يَقطَعُ صَلَاتَهُ الحِمَارُ
وَالمَرأَةُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ» ، وهذا القطعُ معنويٌّ وليسَ حقيقيًّا، فلا
تنقطعُ صلاته، والمعنى أنَّ هذا المرور يقطعُ ثوابها، أو يقلِّلُ مِن ثوابها.
{ما عقوبةُ المارِّ بينَ يدي المصلِّي؟}.
يأثمُ بهذا، إلا إذا لم يكن لَه طريقٌ إلا هذا فلا بأسَ، وأمَّا إذا كانَ له طريقٌ
يغنِيه عن المرورِ بينَ يدي المصلِّي فحرامٌ عليه أن يمرَّ بينَ يديه قريبًا منه.
{ما ضابطُ السُترَة؟ وما طولها؟ وما حكمها للمصلِّي؟}.
السُترَة تكونُ مرتفعةً بقدرِ مؤخرةِ الرَّحل، هذه السُترَة مشروعة، وإذا لم يكن
أمامَه هذا النَّوع فيكفي أن يضعَ أمامه عصًى يعرضه بين يديه، فإذا لم يكن عصًى
يخطُّ أمامه خطًّا.
{هل الحكم يشملُ المسجدَ الحرامَ إذا كان فيه زحامٌ؟}.
لا، هنا المرور بين يدي المصلِّي في مواطن الزِّحام في المسجد الحرام وفي الجوامع
الكبيرة يُعفَى عنه للحاجة.
{أحسن الله إليكم وبارك فيكم..
قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَتُكْرَهُ صَلاَةُ غَيْرِ مَأْمُومٍ إِلَى غَيْرِ
سُترَة، وَلَوْ لَمْ يَخْشَ مَارًّا مِنْ جِدَارٍ أَوْ شَيْءٍ شَاخِصٍ)}.
الإمامُ والمنفردُ تُكرَه صلاتُهما مِن غيرِ سُترَة أمامهما ولو قدر مؤخرةِ
الرَّحل، فإذا لم يكن أمامَه سُترَة فإنَّ هذا يُكره كراهةَ تنزيهٍ، لا كراهةَ
تحريمٍ.
{(وَلَوْ لَمْ يَخْشَ مَارًّا مِنْ جِدَارٍ أَوْ شَيْءٍ شَاخِصٍ)}.
يعني يتَّخذ سُترَة ولو لم يخشَ مارًّا، وتكون السُترَة مِن جدارٍ أمامه، أو شيءٍ
شاخصٍ -أي مرتفعٍ- كأبنيةٍ أو حصاةٍ مرتفعةٍ.
{(كَحَرْبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ)}.
الحربة: هي الرُّمح الذي يُقاتَل به، فيركزه أمامه، والعنزة كذلك يركزها أمامه
لتكونَ سُترَة له.
{(وَيُسَنُّ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهَ)}.
يُسنُّ للمصلِّي أن يدنوَ مِن سترتِه، لقوله -صلى الله عليه وسلم: «وَلْيَدْنُ
مِنْهَ»، حتى لا يكونَ بينَه وبينها مسافة بعيدة فيمرُّ مِن أمامِه المارُّ.
{(لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ؛ فَلْيُصَلِّ
إِلَى سُترَة وَلْيَدْنُ مِنْهَ»)}.
نعم هذا أمران:
- يُصلِّي إلى سُترَة: فلا يُصلِّي إلى غيرِ سُترَةٍ إذا كانَ إمامًا أو منفردًا.
- ولا يبعدُ عنها: لأنَّه تزولُ الفائدة منها إذا بعُدَ عنها.
{(وَيَنْحَرِفُ عَنْهَا يَسِيرًا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)}.
ينحرفُ عن السُترَة التي أمامه -الشَّاخصة مِن عمود ونحوه- يسيرًا لئلا يتشبَّه
بمَن يعبد الأصنام أو مَن يعبد المباني أو نحو ذلك.
{(وَإِنْ تَعَذَّرَ خَطَّ خَطًّا وَإِذَا مَرَّ مِنْ وَرَائِهَا شَيْءٌ لَمْ
يُكْرَهُ)}.
فإذا تعذَّرَ أن يتَّخذَ أمامه شيئًا شاخصًا فإنَّه يخطُّ خطًّا، ويقومُ مقامَ
الشَّيءِ القائم، فإذا مرَّ من وراء السُترَة -خطًّا أو غيره- فإنَّه لا يضر.
{(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُترَة أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا امْرَأَةٌ أَوْ
كَلْبٌ أَوْ حِمَارٌ بَطَلَتْ صَلاتُهُ)}.
كما في الحديث، ولكن المراد بالبطلان هنا هو نقصُ الثَّوابِ والأجرِ، وليسَ المراد
بالبطلانِ عدم صحَّة الصَّلاة لذلك.
{شكرَ الله لكم سماحةَ الشَّيخ صالح على تفضُّلكم بشرحِ هذه الدُّروس المفيدة مِن
كتابِ آدابِ المشي إلى الصَّلاة، جزاكم الله عنَّا وعن أمَّةِ الإسلامِ خيرِ
الجزاء، وباركَ فيكم وفي علمكم، ونفعَ بكم الإسلامَ والمسلمينَ.
شكرًا لفريقِ العملِ في هذا البرنامج، يتجدَّد اللقاء -إن شاء الله- والسَّلام
عليكم ورحمة الله وبركاته}.