آداب المشي إلى الصَّلاة (2)
الدرس الأول
معالي الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان
{الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على قائدِ الغرِّ المحجَّلين،
نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
مرحبًا بكم أيُّها الإخوة والأخوات إلى درسٍ مِن دُروسِ كتابِ "آداب المشي إلى
الصَّلاة" للإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله.
ضيفُ هذا اللِّقاء هو سماحة العلَّامة الشَّيخ صالح بن فوزان الفوزان -عضو هيئةِ
كبار العلماء وعضو اللَّجنة الدَّائمة للإفتاء.
باسمكم جميعًا أيُّها السَّادة نُرحب بسماحتِه، ونشكر له تفضَّله بتلبيةِ الدَّعوة
في شرح هذه الدُّروس المهمَّة للمسلمين، أهلاً وَمَرحبًا سَماحة الشيخ صالح}.
حيَّاكم الله وبارك فيكم.
{ بَقيت بعضُ الأسئلة مِن الدُّروسِ السَّابقة في هذا الموضوع..
هَذا سائل يَقول: مَا حُكم السُّجود عَلى الغُترة؟}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله والصَّلاة والسَّلام على رسولِ اللهِ وعلى آله وصحبه أجمعين، إِن احتجتَ
إِلَى ذَلِك فَلا بَأس، كأن تكون الأرض حَارَّة أَو فيها شوكٌ أو فيها مَا يُؤثِّر
عَليك؛ فلا بأسَ أن تَتَوَقى ذَلِك بِالغُترة، وكان الصَّحابة -رضي الله عنهم-
يُصلُّون الظُّهرَ فَإِذَا وَجَدُوا حرارة الشَّمسِ؛ وضعَ أحدُهم عِمَامَته على
الأرضِ وسَجَدَ عَليها .
{بارك الله فيكم.
مَا حُكمُ السُّجود عَلى بَعضِ أَعضاء السُّجود؟}.
{لا يجوز هذا، ولا يصحُّ السُّجود، لابدَّ مِن السُّجودِ على الأعضاء السَّبعة
كلِّها، لا يَرفع مِنها شيئًا، والأعضاء هي: "الجبهة -والأنف تبع لها- واليدان،
والرُّكبتان، وأطراف القدمين"
لابدَّ أن يَسجُدَ عَليها كلِّها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ
أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» .
{مِن الأسئلة: سَجدَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم على الخُمُرة. حبَّذا لو بيَّنت
للسَّادة المستمعين مَا هِي الخُمرة، وعلامَ يدلُّ الحديثُ}.
الخُمُرة: هي سجَّادة الصَّلاة -تقريبًا- أو الفِراشُ الذي يُصلَّى عليه، فكان صلى
الله عليه وسلم يُصلِّي أحيانًا على الأرضِ مباشرةً، وأحيانًا يُصلِّي على
الخُمُرة.
{إذا رفعَ الخُمُرة بعض الوقت، ثمَّ أعادها مرةً أخرى. فهل يجوز؟}.
لا بأس أن يَستعملها في كلِّ الصَّلاةِ أو في بعض الصَّلاة.
{بعضُ النَّاس عنده ملاحظات حول المكيِّفات في الحرِّ أو البرد. نأمل أن تنصح مثل
هؤلا؛ لأنَّهم تكثر شكاواهم}.
يجبُ على إمامِ المسجد والمؤذِّن أن يراعيان أحوال المأمومين مِن جِهة الحَرارة أو
البُرودة، فيكونُ المسجد مُناسبًا لحالة النَّاس في الشَّتاءِ وحالتهم في الصَّيفِ.
{أين يضع المُصلِّي يديه حين الجلسة بين السَّجدتين؟}.
يضعهما على ركبتيه، مَضمومة الأصابع مُستقبِلاً برؤوسِها القِبلَة.
{مَا حُكمُ قَولِ: "ربِّ اغْفِر لِي ولِوالِدَي" في الجلسة بين السَّجدتين؟}
وَاجِب مِن وَاجِبَاتِ الصَّلاة
{مَا هُو الافتراش، وَمَا هُو حُكمُه؟}.
هو أن يَجعل ظَهرَ الرِّجلِ إلى الأرضِ، وبطنَها إلى أعلى، ويجلس على رجليه، فيفترش
رجله.
{كثُرَ الجدلُ في تحريكِ السَّبَّابة في التَّشهد، مَا هُو القَول الفصلُ فيه؟}.
أن يرفعَها إشارةً إلى التَّوحيدِ، وبعضُ العلماء يقول: يُحرِّكها. وبعضُهم يقول:
لا يُحرِّكها، والأمرُ في هذا سهلٌ.
{مِن المصلِّين مَن يُحرَّك السَّبَّابة طوال التَّشهُّد. فهل هذا جائز؟}.
لا بأس بذلك، فقد ورد في تحريكها أنَّ هَذَا يَغيظ الشيطان.
{وَمَا حُكم تحريكها في الجلسة بَين السَّجدتين؟}.
لا تَتَحرَّك فِي الجِلسة بَين السَّجدين؛ لأنه ليس محل تشهد.
{مَا حُكم جلسة الاستراحة؟}.
اختلف العلماء في فِعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- لها، هَل فَعَلَها مِن بَابِ
التَّشريع، أَو فَعَلَها لَمَّا ثَقُلَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- من باب أن
يتهيَّأ للقيام -أي: للحاجة- وليست للتشريع؛ وعلى كل حال فالأمر في هذا سهل، وهي
جلسة خفيفة لا تلفت النظر.
{هل هي مشروعة مُطلقًا؟}.
فِيهَا خِلاف، بعض العُلماء يَرَى أَنَّها مَشروعة، وأنَّ الرَّسول -صلى الله عليه
وسلم- فَعَلَها تَشريعًا، وبعض العُلماء قال: لم يفعلها تَشريعًا، وإنما فعلها
للاستراحة لما ثَقُل -عليه الصلاة والسلام- فهي للحاجة.
{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: (وَيَجْهَرُ إِمَامٌ بِالتَّسْلِيمَةِ الأُولَى
فَقَط)}.
يَعني يَجهَر الإمام بالتَّسليمة الأُولى لِأَجلِ أَن يُسمِع المأمومين، وأمَّا
الثَّانية فتكون بصوت مُعتاد.
{قال المؤلف: (وَيُسِرُّهُمَا غَيْرُهُ)}.
ويُسِرُّ بالتَّسليمتين غيره مِن المأمومين، فَلا يَجهرون بِها.
{ (وَيُسَنُّ حَذْفُهُ)}.
أي: الإسراع في إلقائه، ولا يمطُّه ويمدُّه.
{(وَهُوَ عَدَمُ تَطْوِيلِهِ، أَيْ: لاَ يَمُدُّ صَوْتَهُ وَيَنْوِي بِهِ
الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلاةِ)}.
يَنوِي بالسَّلام الخُروج مِن الصلاة، يَعني إِنْهَاء الصَّلاة، لِقَوله -صلى الله
عليه وسلم: «وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» أي: تكبيرة الإحرام «وَتَحْلِيلُهَا
التَّسْلِيمُ» .
{(وَيَنْوِي بِهِ الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلاةِ وَيَنْوِي بِهِ السَّلاَمَ عَلَى
الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْحَاضِرِينَ)}.
"السلام عليكم" هَذا خِطَاب، يُخاطب الحَاضرين مِن المُصَلِّين مَعَه
وَالمُسلِمِين، ويُخاطب أيضًا الحَفَظَة الكِرام مِنَ المَلَائِكة.
{(وَإِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ نَهَضَ مُكَبِّرً)}.
إِن كَانَت الصَّلاة أَكثَر مِن رَكعَتين، كَأنْ تَكُون ثُلاثية كالمغرب، أو
رُبَاعية؛ فَإِنَّه يَنهَض مُكَبِّرًا تَكبيرة الانتقال.
{(نَهَضَ مُكَبِّرًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ)}
هَذا هُو المُستحب لِمَن عِنده قُوَّة، وأمَّا العاجز والكبير والمريض فَيَضَع
يَديه عَلى الأرضِ وَيَقُوم عَليها، فَيَعتَمِد عَلَيهِما لِيُسَاعِدَانه عَلى
القيام.
{(نَهَضَ مُكَبِّرًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ
الأول، وَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ مِن صَلاَتِهِ)}.
إذا فرغ مِن التَّشهد الأول ينهض إلى بقيَّة الصَّلاة، ويُكمِل مَا تَبَقى مِن
الصَّلاة.
{(إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَجْهَرُ، وَلا يَقْرَأُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ)}.
يَعني لَا يَجهَر فِي الرَّكعَة الثَّالثة أَو الرَّابعة بِالقِراءة، وَإِنَّما
يَقرأُ سِرًّا سَواء كَان إِمامًا أو مُنفَرِدًا.
{(ثُمَّ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكً)}.
فِي التَّشَهِد الأَول: يَفرِش اليُسرى، فَيَجعَل ظَهرُها إِلى الأَرض، وَبَطنها
إِلى أَعلى -هَذَا مَعنَى الافتراش- وَيَجلِس عَلَيها.
أمَّا في التشهد الأخير: فَإِنَّه يَفرِش اليُسرَى وَيُخرجها مِن تَحته، وَيَجلِس
عَلى الأرض.
{(وَيُخْرِجُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَيَجْعَلُ أَلْيَتَهُ عَلَى الأَرْضِ فَيَأْتِي
بِالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، ثُمَّ بِالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ بِالدُّعَاءِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ)}.
فِي الجلسة الأَخيرَة يَأتِي بالتشهد الأول إلى قوله "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"
ثُمَّ يُواصل التَّشَهد الأَخِير وَهُو قَولُه: "اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد..." إلى آخره، فيُكمله ثم يُسلم بعده.
{(وَيَنْحَرِفُ الإِمَامُ إِلَى الْمَأْمُومِينَ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ
شِمَالِهِ)}.
وَإِذَا سَلَّم الإِمَام فَإِنَّه يَنحَرِف للمأمومين بِوَجهِه، كَمَا فَعَلَ
النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وَلا يَبقَى مُستَقبِلًا للقبلة بَعد السَّلام،
فَإِمَّا أَن يَقُوم وَيَنصَرِف وَإِمَّا أَن يَنحَرِف إِلى المأمومين بِوَجهِه.
{(وَلاَ يُطِيلُ الإِمَامُ الْجُلُوسَ بَعْدَ السَّلامِ فيسْتَقْبِلَ
الْقِبْلَةَ)}.
لَا يُطيل استقبَال القِبلة بَعد السَّلام لِئَلَّا يَظُنُّ النَّاس أَنَّه فِي
الصَّلاة، فالانصراف دليل على نهاية الصَّلاة.
{(وَلاَ يَنْصَرِفُ الْمَأْمُومُ قَبْلَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنِّي إِمَامُكُمْ؛ فَلاَ تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلاَ
بِالسُّجُودِ وَلاَ بِالانْصِرَافِ» )}.
المأمومون لا يَنصَرِفُون للخروج إِلَّا إِذَا انصرَفَ الإمامُ؛ لِأَنَّه رُبما
يَطرأُ طَارئ أو يَكون الإمام قد سَهَا، فَلا يَستَعجِلون بالانصراف قَبل الإمام.
{(فَإِنْ صَلَّى مَعَهُمْ نِسَاءٌ انْصَرَفَتِ النِّسَاءُ)}.
أمَّا النِّساء فَإنهنَّ يُبَادِرن بالانصراف لأجل أن يُخلِين الطريق للرجال.
{لعلكم تختمون هذا الدرس فضيلة الشيخ بأبرز الأحكام فيه}.
كَمَا مَرَّ مِن صِفة الصَّلاة مِن أَولِهَا إِلَى آَخِرها مُفصَّلًا، والحمدُ لله
عَلَى مَا ثَبَتَ فِي السُّنَّة النَّبوية.
{شَكَرَ الله لَكُم سَمَاحة الشيخ صالح على تفضلكم بشرح هذه الدروس المهمَّة من
كتاب آداب المشي إلى الصلاة.
شُكْرًا لِفَرِيق العَمَل فِي هَذَا البرنامج، ويتجدد اللقاء إن شَاء اللهُ في
الدروس القادمة، والسَّلام عَليكُم وَرَحمَة الله وبركاته}.