الدرس السابع
فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد
إحصائية السلسلة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين،
نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فنرحب بكم أيُّها الإخوة الكرام في هذا الدرس مِن دُروس العقيدة الطحاوية، ونستعين
بالله في القراءة وفي الشرح، نسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يرزقنا جميعًا العلمَ
النَّافع والعملَ الصَّالح.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين وللمشاهدين، ولجميع المسلمين.
قال أبو جعفر الوراق الطحاوي -رحمه الله تعالى: (وَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ
بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ. وَجَمِيعُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّرْعِ وَالْبَيَانِ كُلُّهُ
حَقٌّ)}.
هنا يقول الطحاوي -رحمه الله: (وَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ،
وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ)، هذا هو تعريف الإيمان عِندَ المُرجئة وليس عند أهل
السُّنَّة والجماعة، ولهذا فإنَّ هذا القول مُخَالفٌ للحقِّ ومخالفٌ لِمَا أجمع
عليه أهل السُّنَّة والجماعة، فأهل السُّنَّة والجماعة أجمعوا واتَّفقوا على أنَّ
الإيمان قولٌ واعتقادٌ وعملٌ، حكى هذا الإجماع الإمامُ البخاري محمد بن إسماعيل،
وأيضًا ذكر اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة إجماعات أهل
العلم، كسفيان بن عيينة، والبخاري، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل؛ وغيرهم من
أئمَّة أهل السُّنَّة وأئمَّة أهل الحديث على أنَّ الإيمان: قول واعتقاد وعمل.
وأغلب عبارات السلف يقولون فيها: "قول وعمل"؛ لأنَّ الاعتقاد أمر مُتَّفقٌ عليه،
فيذكرون ما حصل فيه النِّزاع؛ لأنَّ المرجئة يُخرجون العمل من الإيمان.
لماذا سُمُّوا مُرجئة؟
من الإرجاء، وهو: التأخير. والمراد: إخراج العمل عن الإيمان؛ فهم قد أخرجوا العملَ
عن الإيمان.
وهذا مخالفٌ للآيات، ومخالف للأحاديث، ومخالفٌ لِما اتَّفقَ عليه سلفُ الأمَّة،
ولهذا فالطحاوي -عفا الله عنه- في هذه المسألة لم يَقُل بقولِ أهل السُّنَّة،
وإنَّما قالَ بقولِ المُرجئة، ولكن يُمكن أن يُقال عنهم: إنَّهم مُرجئة الفقهاء؛
لأنَّه له عبارات أخرى- كما في ذكره الصحابة قال عنهم: "حبُّهم دينٌ وإيمان
وإحسان"، والحب عمل، فذكرَ العمل وسمَّاه إيمانًا، فهذا أحسنُ حالًا من المرجئة
الخُلَّص، فهو -رحمه الله- عالمٌ وله جُهودٌ طيِّبةٌ، وهذه عقيدةٌ مباركةٌ، لكن
يوجد بعض الأشياء اليسيرة التي أُخذت عليه، ومنها هذه المسألة.
فالصواب والواجب على جميع أهل الإسلام أن يقولوا بمثل ما نطق الكتاب العزيز والسنة
المطهرة، واتَّفق عليه الصحابة والتَّابعون لهم بإحسانٍ، وهو: أنَّ الإيمان قول
وعمل، يزيد وينقص.
بعض السلف يقولون: قولٌ وعملٌ ونيَّةٌ، يعني: الإخلاص لله -عزَّ وجلَّ.
فالإيمان يتكوَّن من ثلاثة أمور:
الأول: الاعتقاد: ويقصد به الأمور التي تكون في القلب من الإيمان بالله وملائكته،
وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرِّه.
والاعتقاد أوسع مِن التَّصديق؛ لأنَّ الاعتقاد هو الإيمان بالخبر الذي أخبر الله
به، وأخبره به رسوله -صلى الله عليه وسلم- مع عقدِ القلبِ على ذلك والثَّبات عليه،
وربطِ القلبِ عليه، فهذا أعظم من التَّصديق؛ لأنَّ الاعتقاد مأخوذٌ من "العَقدِ"
وهو الشَّدُ على الشَّيء، فالتَّصديق هذا حقٌّ، لكن الثَّبات عليه وتأكيده هذا أعظم
وأشمل وأوسع.
الثاني: القول باللسان، شهادة أنَّ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وكلُّ
ما أمر الله به أَمْرَ إيجابٍ أو أَمْرَ استحبابٍ فهو من الإيمان.
الثالث: العمل بالجوارح، مثل: الصلاة، والزَّكاة، والصَّوم، والحجِّ، وغير ذلك من
الأعمال، كبرِّ الوالدين، والإحسان إلى الجيران، وكفِّ الأذى، وحُسنِ الخُلق،
والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، والجهادِ في سبيلِ الله، والأعمال كثيرة
ومذكورة في الكتاب والسنة، ومنها: إماطة الأذى عن الطريق، وهذا معنى قوله -صلى الله
عليه وسلم: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً،
أَعْلاهَا شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى
عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»[99]، فقول: «لا إله إلا
الله» هذا قول باللسان، وإماطة الأذى عن الطريق هذا عمل بالجوارح، والحياء عمل
قلبي.
فالدليل على أنَّ العمَل من الإيمان خلافًا لقول المرجئة: كلام الله -عزَّ وجلَّ-
وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم.
انظر إلى بعض الأدلَّة التي وردت في القرآن:
قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ
اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة:143]، هذه الآية الكريمة نزلت
لمَّا غُيِّرت القبلة إلى الكعبة المشرفة، وكانوا من قبل يُصلُّونَ إلى بيتِ
المقدسِ، فلمَّا غُيِّرَت القبلة سَأَلَ بعضُ الصَّحابة عن إخوانهم الذين مَاتوا
وهم يُصلون إلى بيت المقدس ولم يصلوا إلى الكعبة، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- هذه
الآية ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ ، يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس،
فسمَّى الله -عزَّ وجلَّ- الصَّلاة إيمانًا.
وكذلك دلَّت النصوص الأخرى، مثل قوله -سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
[العصر:3]، فجعل الله -عزَّ وجلَّ- الإيمانَ منه العمل الصَّالح ولهذا عطفه عليه،
ليس عطفَ مغايرة، ولكنَّه عطفٌ من باب عطف الخاصِّ على العام، لأنَّه من أهم
أفراده.
وكذلك قال الله -عزَّ وجلَّ- في كتابه في أوامر كثيرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج:77]، فناداهم الله باسم الإيمان، وجعل الأعمال من
الإيمان.
وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة:11]، فجعل هذه الأمور سببًا للأخوة في
الدين، وهي: التَّوبة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فالدين والإيمان لا يكونا إلا
بالعمل، أمَّا أن يقول: أنا أتكلَّم بلساني، وأعتقد بقلبي ولا أعمل شيئًا! فهذا ليس
بمؤمنٍ ولا بمسلمٍ.
ولهذا قال العلماء: إنَّ قول المرجئة مِن أَفسَدِ الأقوالِ.
والمرجئة أصناف شتَّى:
- النوع الأول من المرجئة: مَن يُخرج العمل، لكنَّه يُوجبه ويُلزمُ به، ويؤاخذ على
مَن ترك الواجبات، أو فعل المحرمات. وهؤلاء يُسمَّون "مرجئة الفقهاء" ومنهم
الطَّحاوي وجماعة كثيرون من أهل العلم غَلطوا في اللفظِ، وهذا لا شك أنَّه غلط خطير
جدًّا فتح الباب وأورث الشُّبَه.
- النوع الثاني من المرجئة: عموم المرجئة الذين يُخرجون العمل من الإيمان، وبعضهم
يقول: لا يضر إذا ترك الواجب، أو فعل المحرم ما دام مصدِّقًا بقلبه متكلمًا بلسانه.
وهؤلاء المرجئة المبتدعة المذمومون.
النوع الثالث من المرجئة: مَن قال: حتى القول باللسان لا يُحتاج إليه، يَكفي
التَّصديق بالقلب. وهذا من الأقوال الشَّنيعة، ولهذا تلاحظون أنَّ الطحاوي قال فيما
يُخرج من الإيمان: الجحود فقط، وذلك في المسألة السابقة، في الدرس الماضي، قال:
(وَلَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ
فِيهِ)، فجعلَ مقابل التَّصديق: الجحود، ولهذا لم يجعل الأمور الأخرى داخلة في
أسباب خروج العبد من الإيمان، وقد تقدَّم التعليق على هذا. فالمسألة مسألة عظيمة.
النوع الرابع من المرجئة: غُلاة المرجئة الذين يقولون: يكفي المعرفة بالقلب، وهذا
أشدُّ وأشنع، فعلى هذا القول يكون أهل الكتاب الذين قال الله -عزَّ وجلَّ- عنهم في
شان محمد -صلى الله عليه وسلم: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ
كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة:146]، فإذا عرفوه كما عرفوا أبناءهم؛ إذن
هم على هذا المذهب، وأنَّهم مؤمنون، لأنَّهم عرفوا النبي -صلى الله عليه وسلم-
وعرفوا أنَّه حقٌّ.
ولهذا أبو طالب عمُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول:
ولقد علمتُ بأَنَّ دينَ محمــدٍ ... من خيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دِينَـــا
لولا المَلامةُ أَو حِذارُ مَسَبَّةٍ ... لوَجَدْتَني سَمْحاً بذاك مُبِيناً
هو يعلم أنَّه خير الأديان. لكن هل هذا العلم يكفي؟
هل هذا العلم ينفعه؟
لم ينفعه؛ لأنَّه لم يتكلَّم بلسانه، ولم يعمل بجوارحه.
حتى إبليس يعرف أنَّ الله ربُّه، ويعرف الحق؛ ولكنه عاندَ واستكبر، واليهود عاندوا
واستكبروا؛ فهذا كله يُبيِّن لك فساد مذهب المرجئة وبطلانه.
وهناك أيضًا قولٌ آخر أفسد من هذا وأظهر فسادًا، وهو قول طائفة الكرَّاميَّة، وهم
أتباع محمد ابن كرَّام السجستاني، عنده أغلاط في العقيدة كثيرة، ومن ضمنها هذه
المسألة، حيث زعم أنَّ الإيمان هو قول اللسان فقط، ولا يحتاج إلى التَّصديق، ولا
إلى العمل، فالمنافق عنده يُعدُّ مؤمنًا، وهذا أيضًا من الأقوال الفاسدة.
إذن هنا لما قال: (وَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ
بِالْجَنَانِ)، نفهم منه أنَّ هذا هو قول المرجئة، وأن هذا قول غلط، لابد أن نُضيف
إلى "الإيمان" قولنا: "عمل بالجوارح"، ولا يجوز أن يُقال: إنَّ الإيمان هو الإقرار
باللسان فقط، والتَّصديق بالجنان فقط، لابدَّ من العمل، والنُّصوص في هذا كثيرة
جدًّا.
ويُمكن أن نستعرض ما ذكره العُلماء في مسألة الإيمان، فالآيات الكثيرة مثل قوله
تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: 143]، ﴿ولكن الله
حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾ [الحجرات:
7].
ولمَّا نعلم أن الإيمان شُعَب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «الإِيمَانُ
بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً»[100]، كلها من الإيمان، فكيف يُجعَل هذا خارج
الإيمان؟!
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا
أَحْسَنُهُمْ خُلُقً»[101]، ويقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ»، هذا عمل، «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ»، هذا
قول، «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»[102]،
إذن التَّغيير باليد وباللسان ومَن ذلك يُعتبر من الإيمان، وعلامة على قوة الإيمان.
والأدلة حقيقة كثيرة، ولكن المؤلف أخطأ -رحمه الله- ونعتذر له، والواجب على أهل
العلم أن يعرفوا حقَّ أهل العلم ويعتذروا لمَن أخطأ منهم، ولكن يجب أن يرجعوا للحق.
يقول البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه: "وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ
وَيَنْقُصُ"[103]، ثم أورد النصوص الشرعية على إثبات أنَّه قول وعمل، وأنَّه يزيد
وينقص، ثم أوردَ عشرات النُّصوص من القرآن ومن أحاديث رسول الله -صلى الله عليه
وسلم.
هذا ما يتعلق بالمسألة الأولى.
قال: (وَجَمِيعُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنَ الشَّرْعِ وَالْبَيَانِ كُلُّهُ حَقٌّ)، هذا كلامٌ عظيمٌ، وكلامٌ طيِّبٌ،
فجميع ما صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشَّرع ومن البيان حقّ؛ لأنَّ
المراد الرَّد على مَن زعمَ الاكتفاء بأخبار متواترة فقط، فبعض النَّاس جعل
الاكتفاء بالأخبار المتواترة، أما أحاديث الآحاد فلا يقبلونها في العقائد، ولهذا
ردَّ عليهم المصنف هنا وقال: (وَجَمِيعُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّرْعِ وَالْبَيَانِ كُلُّهُ حَقٌّ)، هذا هو
الحقُّ.
بعض المتكلمين من المبتدعة يقولون: إذا جاء الحديث وهو ليس بمتواتر ما نقبله في
العقائد.
وهذا باطل، نعم الأحاديث الضعيفة في أسانيدها التي حَكَمَ عَليها أهل المعرفة وأهل
العلم والاختصاص من المحدِّثين؛ هذه يُرجع في حكم الحديث إليهم؛ لأنهم هم أهل
الاختصاص والمعرفة بالرواة والأسانيد والعلل، وطرق الحديث، فإذا حكموا على الحديث
بالضعف أو بأنَّه شديد الضعف، أو بأنه مكذوب؛ فيُعمَل بقولهم، ولا يجوز الأخذ
بالأحاديث الموضوعة ولا المكذوبة، ولا العمل بها ولا روايتها، ولا اعتقادها، ولكن
(مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كما قال
الطحاوي: يجب العمل به وقبوله، وهذا مثل ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة
الواسطية: "فصل في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالسنة تُفسر القرآن
وتبيِّنه، وتدلُّ عليه، وتعبّر عنه، وما وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ربَّه
-عزَّ وجلَّ- من الأحاديث الصِّحاح التي تلقَّاها أهل العلم بالقبول وجب الإيمان
بها كذلك" يعني: مثل ما نؤمن بما ورد في القرآن، لكن القيد: "التي تلقاها أهل العلم
بالقبول"، وهي التي صحَّت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ولهذا حُفِظَ عن الإمام أبي حنيفة -رحمة الله عليه- والإمام مالك بن أنس والإمام
الشَّافعي، وغيرهم؛ حُفِظَ عنهم أنَّهم يقولون: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي"، فكل
أهل العلم مُعظِّمون لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإذا ثبت عندهم وصحَّ
قَبِلُوه وَعَمِلُوا بِه، واعتقدوا مَضمونه، لا يقولون نأخذ به في العمل دون
الاعتقاد؛ كما يقول بعض أهل الكلام؛ بل يُؤخذ به في الاعتقاد وفي العمل، يؤخذ به في
الأعمال والأحكام الشرعيَّة، ويؤخذ به في العقائد؛ لأنَّه كلام الرسول -صلى الله
عليه وسلم- الذي قال الله -عزَّ وجلَّ- عنه: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾
[النجم:4]، وما ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم.
أمَّا مَن يشكِّك في السُّنة ويُشكِّك في الأحاديث، ويرد الأحاديث التي في
الصَّحيحين لترَّهاتٍ أو لشبهاتٍ أو لتشكيكاتٍ؛ وبعضهم يقول: يكفي العمل بالقرآن!
فهؤلاء كلهم من الضُّلال المبتدعة، الذين فارقوا طريق أهل العلم وأهل السُّنَّة.
قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ
الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرً﴾ [النساء: 115]، نسأل الله العافية
والسلامة.
النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُرسل أصحابه إلى المناطق يدعون إلى الله -عزَّ
وجلَّ- ويُخبرون الناس بالأحكام الشرعية، فأرسل معاذًا إلى اليمن، وأرسل أبو موسى
إلى اليمن، ثم أرسل بعده عليًّا إلى اليمن، وأرسل إلى سائر المناطق بعضَ الصحابة
يُعلمون الناس، فكان يُرسل الآحاد من الأشخاص، واحدًا بعد واحد، فيأتون إلى الناس
يُخبرونهم بما حصل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبما قاله رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فلم يقل أحد من المسلمين: لا، لابدَّ أن يتواتر! فهذا مذهب
المبتدعة، فلا يجوز العمل به ولا الأخذ به.
حتى إنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- جاءه شخص واحد وهو عبد الله بن عمر، وفي مرة
أخرى جاءه أعرابي، وشهد أنه رأى الهلال، فصامه وأمر الناس بصيامه. فهذا خبر واحد
قبله النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يقول: لابد من جماعة كثيرون، لابد من
التواتر والاستفاضة؛ لا.
فهذا ما يتعلق بهذه المسألة.
فقوله: (مِنَ الشَّرْعِ وَالْبَيَانِ) يعني: أنَّ الشَّرع الذي شَرَعَه الله -عزَّ
وجلَّ- يجب قبول الأحكام الشَّرعيَّة فيه، مثل: الصلاة، الزكاة، الأذكار، وغير ذلك.
ولا يجوز أن نقول: لابدَّ من المتواتر!
وكذلك البيان الذي بيَّنه الله -عزَّ وجلَّ- في القرآن، أو بيَّنه الرسول -صلى الله
عليه وسلم، فسواء ما كان مذكورًا أصله في القرآن أو بيَّنه الرسول -صلى الله عليه
وسلم- فما دام ثابتًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فله حكم القبول والإيمان
والتَّصديق.
ولا يُشترط أن نقول: لابدَّ أن يُذكر الأمر في القرآن، ثم يُذكر أمر الرسول -صلى
الله عليه وسلم!
لا، ما دام أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيَّن فهو الذي يوحى إليه، قال تعالى:
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل:44]. فهذه المسألة مهمة جدًا.
تلاحظون -أيُّها الإخوة الكرام- أنَّ بعض النَّاس يقول: نردُّ أحاديث البخاري ونرد
أحاديث مسلم، حتى تتواتر، أو لا نقبلها حتى نعرضها على ميزان النَّقض!
نقول: صحيح البخاري وصحيح مسلم هما أصح الكتب بعد كتاب الله، وقد أجمع أهل العلم
على تلقِّي ما ثبت فيهما بالقبول، فالذي يأتي بعد أهل العلم وينتقد فإنَّما هو
متَّبعٌ للهوى، وليس متَّبعًا للهدى، ومن أهل العناد والاستكبار، وإن كان جاهلًا
فالواجب عليه أن يتعلم، وإن كان مُعاندًا فالواجب عليه أن يُعالِج قلبه، وينظر إلى
حاله؛ كيف يَليق به أن يقول مثل هذا الكلام الخطير جدًّا!
فلا يجوز التَّعدِّي على أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الثَّابتة الصحيحة
التي تلقَّاها أهل العلم بالقبول، فمن أنت أيُّها المتأخِّر الذي تدَّعي أنَّك خير
من هؤلاء العلماء! ائتِ بما عِندك! ولكن بالفِعلِ مَا عِندَهُم إِلَّا الشُّبهات!
ولهذا تولَّى العلماء كالدارقطني وغيره الرَّد على كل مَن تكلم على أحاديث
الصَّحيحين، وهناك كتب في هذا، وكذلك ابن حجر العسقلاني، وغيرهم كثير.
فهنا يقول: (وَالْإِيمَانُ وَاحِدٌ وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ وَالتَّفَاضُلُ
بَيْنَهُمْ بِالْخَشْيَةِ وَالتُّقَى وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى وَمُلَازَمَةِ
الْأَوْلَى).
هذا الكلام أيضًا غلط، فالإيمان ليس واحدًا، وليس أهله في أصله سواء، بل الإيمان
يتفاضل، ويزيد وينقص، وأهله مُتَفَاضِلُون مُتَفَاوِتُونَ في أصله، ومُتَفَاوِتُونَ
في العَمَلِ، ومُتَفَاوِتُونَ في القَول، وبينهم تفاوت عَظيم، وليس تصديق أبي بكر
كتصديق ضُعفاء الإيمان، وأهل الفسقِ والعصيانِ منَ المسلمين؛ لأنَّ الفاسق من
المسلمين إيمانه ضعيف، وتصديقه ضعيف، وعمله ضعيف، وقوله ضعيف، بخلاف تصديق أبي بكر
وعمر وعثمان وعلي والصحابة؛ لا شكَّ أنَّهم أعلى وأكمل في التَّصديق.
وهذا من أغلاط المُرجئة أيضًا -وهو تابع للمسألة السابقة- لأنهم يتصورون أنَّ
التَّصديق شيء واحد، وأنَّ هذا التَّصديق يقع من الجميع بشكل سواء، فنقول لهم: لا،
حتى التَّصديق يتفاوت، وقد دلَّ على ذلك القرآن والسُّنَّة، فالله -عزَّ وجلَّ-
قال: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾
[الزمر: 33]، ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ
وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل:19-21]، هذا أكمل الناس
أبو بكر -رضي الله عنه- ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ
مَعَنَ﴾ [التوبة: 40]، وقد ثبت في الحديث "لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ
بِإِيمَانِ النَّاسِ لَرَجَحَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ"[104]، فكيف يُقال: إنَّ تصديق
أبي بكر مثل تصديق آحاد الناس وآحاد المسلمين حتى الفاسقين!
لا شكَّ أنَّ هذا غلطٌ عظيمٌ.
وحتى في مسألة التَّصديق فالناس يتفاوتون، فلو أُخبرتَ أنتَ بخبرِ صادقٍ أنَّه حدث
الشيء الفلاني، أخبرك شخص واحد وهو ثقة عندك، فصدَّقتَ هذا الخبر؛ فقد حصل عندك
تصديق، لكن لو جاء بعده عشرة أو عشرون أو مائة أخبروك بنفس الخبر، فهل التَّصديق
اختلف أو زاد؟
زاد وتأكَّد عندك جدًّا. فهذا من ناحية وصول الخبر.
من ناحية الرؤية، ولهذا يُقال في المثل المشهور "ليس مَن رأى كمَن سمع". لماذا؟
لأنَّ السَّامع وصله الخبر عن طريق النقل، وإذا رأى ازداد تصديقًا، ومنه قول
إبراهيم -عليه السلام: ﴿وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260].
ثالثًا: التصديق في عُرف الشَّرع -وليس في اللغة؛ لأنَّ الشَّرع هو المعتمَد- يكون
بالعمل، ولهذا قال: «وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ»[105]،
يُصدِّق ذلك بفعل الزنا. ويُكذِّبه بمنع نفسه من الفاحشة، فهذا يدلُّ على أن
التصديق يتفاوت، فبعض الناس قلبه يصدق الباطل، بمعنى أنه يميل إليه ويفعله ويستجيب
لداعيه.
لكن هؤلاء المرجئة يقولون: الإيمان هو التصديق، مثل ما تقول أنت: السماء فوقك
والأرض تحتك، فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله مثل هذا الأمر، مثل أن تقول: هذا
كأس ماء. أنت ترى الماء الآن وتقول: هذا ماء، فتصديقي بوجود الماء مثل تصديقك، مثل
تصديق الثاني؛ ما بيننا تفاوت في هذا.
هذا غلط عظيم، في التعريف، وفي المراد، وفي القياس، فالخبر عن الله -عزَّ وجلَّ-
وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأركان الإيمان، وأمور الغيب؛ لا شكَّ أن التصديق
بها يتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فهذا من الأغلاط التي عند المرجئة.
ولهذا يقول: (وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ)، لكن الطحاوي مِن مُرجئة الفقهاء
-رحمة الله عليه- فقال: يتفاضلون؛ ما قال مثل غلاة المرجئة أنهم لا يتفاضلون؛ لأن
بعض المرجئة يقول: إيماني كإيمان أبي بكر وعمر -نسأل الله العافية والسَّلامة-
أمَّا الطحاوي فلا يقول بمثل هذا.
فقال: يتفاضلون بشيء خارج الإيمان، ما هو الشيء الخارج عن الإيمان؟
كملازمة التقوى، وملازمة الأولى، والخشية، ومخالفة الهوى، هذه الأشياء خارج
الإيمان، فلهذا يتفاضلون فيها.
وهذا من أغلاطهم!
وبكر بن عبد الله المزني كان يقول: "مَا سَبَقَكُمْ -أو فَضَّلَكُمْ- أَبُو بَكْرٍ
بِكَثْرَةِ صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَإِنَّمَا سَبَقَكُمْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي
صَدْرِهِ"[106]، وما من شيء يقر في القلب إلا التصديق والإيمان، ولهذا يُقال عنه
"الصديق الأكبر" رضي الله عنه.
ولهذا يُروى في أحد الآثار: "ما طلعت الشمس ولا غربت على رجل بعد النبي أفضل من أبي
بكر"، هذا يُروى مَرفوعًا، وإن كان في سنده ضعف[107].
فالواجب أن يُقال: إن الإيمان يتفاضل أهله في أصله، وفي أعماله وثماره وفروعه
وأقواله.
ولهذا يُقال أيضًا: "ثبَّتَ الله الإسلام بأبي بكر يوم الرِّدَّة، وبأحمد بن حنبل
يوم المحنة"، فهؤلاء ما يُقال إنهم متساوون مع غيرهم في الإيمان.
لكن مثلما سبق أنَّ هذا مِن أغلاط المرجئة، كما أنَّ هذا مِن أَغلاط الخوارج؛ لأنَّ
الخوارج في المقابل يقولون: "الإيمان اعتقاد وتصديق وعمل بالجوارح واللسان، وإذا
زال بعضه زال كله".
وهؤلاء المرجئة أخرجوا الأعمال وأخرجوا الأقوال، وجعلوه، أي: الإيمان، مجرد
التَّصديق، وإذا زال بعض التصديق زال كله، فإذا ذهب التصديق عندهم ذهب الإيمان.
وعند الخوارج: إذا ذهب شيء من الواجبات بفعل الذنوب خرج عن الإيمان.
كلا المذهبين غلط، ودين الله وسط بين ضلالتين، فالإيمان يتبعَّض، والإيمان شُعب،
فإذا وُجدَ أصله وبعض أعماله فإنه يبقى ويثبت حتى ولو ارتكب الذنوب، فإذا ذهب أصله
كله إما بالمكفِّرات التي سبق ذكرها -أسباب الردة- أو بأنه لم يدخل في الإسلام
أصلًا؛ فهذا ليس بمؤمن وليس بمسلم، لكن إذا وُجد الأصل، ووجدت بعض الأعمال، ثم حدثت
منه الذنوب أو ترك بعض الواجبات فهذا لا يزول عنه الإيمان -كما يقول الخوارج-
وأيضًا نقول: إن المرجئة غلطوا لما زعموا أنه مجرد التَّصديق.
ومما يدل على بطلان هذا القول -أيُّها الإخوة الكرام- أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قسَّم
هذه الأمة ثلاثة أقسام في سورة فاطر ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم
مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر: 32]
فالسابق بالخيرات بإذن الله: هو الذي فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات،
وابتعد عن المكروهات، واستقام على الدين.
المقتصد: هو الذي فعل الواجب وترك المحرَّم، واقتصر على هذا فقط.
الظالم لنفسه: وهو الذي فعل بعض الذنوب.
فهل هؤلاء سواء؟ لا ليسوا سواء. فكيف يُقال: (وَالْإِيمَانُ وَاحِدٌ وَأَهْلُهُ فِي
أَصْلِهِ سَوَاءٌ)؟!
أما قوله: (وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ بِالْخَشْيَةِ وَالتُّقَى وَمُخَالَفَةِ
الْهَوَى وَمُلَازَمَةِ الْأَوْلَى) فلا يكفي هذا، فالتفاضل بينهم حتى في التصديق،
وحتى في القول وحتى في العمل.
هذا التعليق على هذه المسألة، ولذا يجب الحذر من هذا الغلط، كما يجب الحذر من أغلاط
الخوارج.
{(وَالْمُؤْمِنُون َ كَلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ، وَأَكْرَمُهُمْ عَنْدَ
اللهِ أَطْوَعُهُمْ وَأَتْبَعُهُمْ لِلْقُرْآنِ)}.
هذا حقٌّ، وكلامٌ صواب (وَالْمُؤْمِنُون َ كَلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ)،
فالله -عزَّ وجلَّ- جعل المؤمن التقي وليًّا، فقال: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس:62]، فقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾
هذا تفسير لقوله ﴿أَوْلِيَاءَ﴾ ، فمن كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا.
ومعنى أنهم أولياء الرحمن: أنهم أحبابه، فالله -عزَّ وجلَّ- يتولاهم، فالله يتولى
المؤمنين، ويحبهم ويحبونه، ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54].
والمؤمنون يتفاوتون في ولاية الله لهم، ولهذا قال الطحاوي -رحمه الله:
(وَأَكْرَمُهُمْ عَنْدَ اللهِ أَطْوَعُهُمْ وَأَتْبَعُهُمْ لِلْقُرْآنِ).
أَطْوَعُهُمْ: يعني أكثرهم طاعة.
وَأَتْبَعُهُمْ لِلْقُرْآنِ: يعني أكثرهم اتِّباعًا للقرآن.
فالبشر والجن والإنس على قسمين:
- منهم مَن هو عدوٌّ لله.
- ومنهم مَن هو وليٌّ لله.
فالقسم الأول: فأعداء الله هم الكفار والمشركون، والشياطين، والمكذبون للرسل؛ هؤلاء
هم أعداء الله لأنهم كذبوا رسله، وكفروا به، ولك يدخلوا في دينه.
القسم الثاني: هم المؤمنون والمسلمون، فهؤلاء أولياء الله، ولكنهم متفاوتون:
- فمنهم من ولايته كاملة لقيامه بالواجبات، وترك المحرمات، وطاعته لله ولرسوله،
واتباعه للقرآن ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]
- ومنهم مَن هو وليٌّ لله من وجه، ولكن عنده عداوة لله من وجه آخر، وهذا يجمع في
المؤمن العاصي والفاسق:
مثل: المرابي -الذي يفعل الربا- هذا إذا كان مسلمًا فهو وليٌّ لله من جهة الإسلام
والإيمان، ولمَّا فعل الربا صارَ بهذا الفعل محاربًا لله ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: 279]، لكن هل يكفر؟ لا يكفر، بقيَ إسلامه وبقي
إيمانه ضعيفًا، فاجتمع هذا وهذا. وأكل الربا هو أضعفَ الإيمانَ وأوهنَه.
ومثل: شرب الخمر، فهذا من الكبائر والموبقات، فإذا وقع فيه المسلم -نسأل الله لنا
ولكم العافية- فهذا يُوهن إسلامَه ويُضعِفَه، ولكن هل يخرج من الإسلام؟ لا يخرج من
الإسلام.
ومثل ذلك السَّرقة: لو سرق، فإن السرق من كبائر الذنوب، وتُنقص الدين، وتقدَّم
الكلام عن الكبائر.
إذن هذه الذنوب -أيها الإخوة- تجعل الإنسان يقع فيه عداوة لله بارتكابه لهذه
الذنوب؛ لأنه عصى الله، فإذا تاب تاب الله عليه، لكن هذه المعاصي وهذه الذنوب هل
تخرجه من ملة الإسلام؟
نقول: لا تخرجه من ملة الإسلام.
ولابدَّ أن نعلق على موضوع الأولياء؛ لأنَّ بعض المتصوفة وغيرهم يعتقدون في
الأولياء الذين يخصصونهم بالأضرحة والقباب، والاستغاثة بغير الله -عزَّ وجلَّ-
ويزعمون أنهم يدعون من دون الله، وأنهم يُجيبون من لجأ واحتمى بهم، ومَن لاذ
بقبورهم، فهؤلاء يجب أن نقول لهم: إنَّ التعلق بالأولياء وعبادتهم من دون الله شرك
بالله، فاحذروا وتوبوا إلى الله منه.
الأولياء والصَّالحون من أهل الإيمان يحبون في الله ويُحتَرَمون، ويُعطى لهم حقهم
بغير غلو، لكن ما تفعلونه من جهة الطواف بقبورهم، والطواف لهم، والذبح لهم، والنذر
لهم، والاعتقاد فيهم، أو أنهم يملكون الشِّفاء، أو أنَّهم يشفعون لهم عند الله؛ هذا
هو اعتقاد أهل الجاهلية، فيجب ترك هذه الأمور.
ثم نقول لهم: ليس الأولياء مخصصون بمَن حدَّدتموهم أنتم، فلان، وفلان، وشيخ الطريقة
الفلانية؛ لا، الأولياء: كل مَن آمن وعمل صالحًا واتقى الله فهو وليٌّ، ولهذا ممكن
الإنسان يكون ولي لله -عزَّ وجلَّ- بالإيمان والتقوى.
إذا سُلئت عن الدليل. ماذا تقول لهم؟
قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 62].
ولهذا لم يقل الطحاوي: الأولياء هم الذين وضعت لهم الأضرحة، أو هم شيوخ الطريقة
الفلانية؛ لا، بل قال: (وَالْمُؤْمِنُون َ كَلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ)، فكل
مؤمن ولي لله -عزَّ وجلَّ- ولكن يتفاوتون في هذه الولاية بحسب قِيَامِهم بالإيمانِ.
معنى الولاء: هو المحبة والنُّصرة والقرب، وهو مأخوذ من (ولْي) هو القرب، ولهذا
تقول: فلان يلي فلان –يعني: بقربه- يعني: مواليًا له وقريب منه.
ولما يكون المؤمن مُطيعًا لله، ثابتًا على الإسلام، مُطيعًا لرسول الله -صلى الله
عليه وسلم- مُتمسِّكًا بالسُّنة فهذا قريب من الله -سبحانه وتعالى- فيكون وليًّا
لله -عزَّ وجلَّ- فنسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يجعلنا وإيَّاكم من أوليائه -سبحانه
وتعالى.
إذن هذا هو درس اليوم، ونحاول أن نعيد الكلام الذي قُرئ، وهو قول: (وَالْإِيمَانُ
هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ)، تقدَّم أنَّ
الإيمان هو الإقرار باللسان، والتَّصديق بالجنان، والعمل بالجوارح والأركان.
بقي مسألة ننبِّه عليها، وهي: الدليل على أنَّ الإيمان يزيد وينقص.
الأدلة على هذا كثيرة جدًّا، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال:2]، وقال تعالى:
﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا
مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: 83]، وقوله: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ
فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة: 124]،
وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف:
13]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾
[محمد: 17]، هذه النصوص كلها تدل على زيادة الإيمان، فقبل الزيادة كان ناقصًا، ثم
زاد.
إذن هذه الآيات تدل على أنَّ الإيمان يزيد وينقص، قال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ
الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات: 7]، فكل ما لم يكن يحبه من قبل
فإنه ناقص، ولمَّا حبَّبه الله إليه زاد وثبت عليه.
وهكذا في السنة المطهرة جاءت الأحاديث كثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان
زيادة الإيمان، وكذلك الآثار.
وكذلك جاء النَّقصان في الإيمان مُصرَّحًا به في السُّنَّة في قوله -صلى الله عليه
وسلم: «مَا رَأَيْتُ مِنَ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ
الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، فذكر نقص الدين، فسئل عن ذلك فقال: «أَوَ لَيْسَ
إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ "قُلْنَ: بَلَى. قَالَ:
"فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا!»[108]، فبيَّن أنَّ نقص الدين هنا بأها تجلس
أيام الحيض لا تصلي، ولا شك أنها معذورة، ولكنه ينقص عليها بسبب قلة العمل، ولكنها
ترقع هذا بالذكر وبالقيام بالطاعة، فهي على خير -إن شاء الله.
وأيضًا من الأدلة: الحديث «وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»[109]، وقد تقدم ذكره، وهو
دليل على أن الإيمان يزيد وينقص.
ومثل قوله -صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ
مُؤْمِنٌ»[110]، إلى آخر الحديث، فهذا دليل على نقص الإيمان، ونفي الإيمان هنا هو
نفي الإيمان الواجب، وليس نفي أصل الإيمان، ولا نقول: "نفي كمال الإيمان" لأنَّ
الكمال هو فعل المستحبات، وإنما هو نفي الواجب.
في النصوص السابقة وغيرها نأخذ مثالًا: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ *
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ *
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ
الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون 1-10]، ذكر الله أعمالًا مشتملة على أقوالٍ، إذن هذا هو
الإيمان، وهؤلاء هم المؤمنون. أمَّا مَن يقول: أنا مصدق بقلبي وأتكلم بلساني ولا
أعمل هذه الأعمال! كيف يكون هذا مؤمن؟! فهذا من أقوال المرجئة الفاسدة.
يعني لو جاء واحد وقال: أنا أريد أن أدخل الإسلام، فنفرح بهذا الخبر ونرحبُ به. ثم
قال: أنا سوف أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأعتقد أن الرسول حق؛
لكن لن أصلي، ولن أصوم، ولن أزكي! نقول: هذا ليس بإسلام، يجب عليك أن تقوم بالأعمال
الواجبة عليك، فّا حصل تقصير فيها فهذا ذنب، لكن أن تقول: أنا لن أعمل هذه الأعمال؛
فهذه جريمة.
ولهذا فالراجح والصحيح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة كافر، لقول النبي -صلى
الله عليه وسلم: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ
تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»[111]، وقال -عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ بَيْنَ
الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ»[112].
ولهذا فإنَّ من الأقوال الفاسدة عند المرجئة: لو ترك جنس العمل مُطلقًا ولم يُؤدِّه
فإنَّه يثبت إسلامه ويثبت إيمانه.
وهذا قول فاسد، ولا يمكن أن يكون قولًا حقًا، ولم يقل به أحد من أهل العلم إطلاقًا.
حتى احتال بعضهم فقال: إذا تشهَّدَ الشَّهادتين فهذا عمل؛ لأنَّ قول اللسان من
العمل!
وهذا من حِيَل هؤلاء، وهذا قول فاسد أيضًا، فإن قول الشهادتين هو قول باللسان وليس
عمل بالجوارح.
هذا هو الدرس أيُّها الإخوة، وإذا كان لديكم سؤال فتفضلوا..
{أحسن الله إليك.. مسألة الاستثناء في الإيمان، نريد توضيح لها}.
الاستثناء في الإيمان: أن يقول: "أنا مؤمن إن شاء الله" أو يقول: "أرجو أن أكون
مؤمنًا"، يعني: ما يجزم، ولا يقطع؛ فالراجح والصحيح في هذه المسألة وهو الذي عليه
المحققون من أهل العلم أنه:
- إن أرادَ كمال الإيمان، والإيمان الذي وَصَفَ اللهُ به أَهلَ الجنة فلا يزكي
نفسه ويقول: "أنا منهم"، ولهذا فإن عبد الله بن مسعود كان يقول: "إذا قال هذا
فليقل: إنه في الجنة"، يعني: لا يجوز أن يقطع لنفسه بهذا، فإذا أراد كمال الإيمان
وصفات المتقين على الوجه التَّام فلا يقول: "أنا مؤمن مثل هؤلاء"، بل يقول: "أرجو
أن أكون منهم، أسأل الله أن يجعلني منهم، إن شاء الله" ونحو ذلك.
- وإذا أراد أصل الإيمان، فإذا قال: "أنا مؤمن بالله وملائكته" يعني: أُقرُّ بذلك
وأُؤمن بذلك على وجه التَّصديق والإثبات. فهذا يجزم أو يستثني؟
نقول: يجزم، ويقول: "أنا مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله"، ولا يستثنِ؛ لأنَّ هذه
المسألة ليست محل شكٍّ، وليست محل احتمال، ولهذا يجب عليه أن يقطع بها. هذا هو
التفصيل.
- وأما إذا قال: "أنا مسلم" فيجزم ولا يستثنِ، بينما جاء هذا لأمر الإيمان، لأنه
كمال مثل: الإحسان -وهو أعلى- فلا يقول: "أنا مؤمن إن شاء الله" إن كان يريد أصل
الإيمان، ولا يقول: "أنا مؤمن" ويسكت إذا كان يريد كماله.
هذا -أيُّها الإخوة- التعليق باختصار على مسألة الاستثناء في الإيمان، وبهذا نختم
هذا الدرس، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم علة نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-------------------------
[99] البخاري ومسلم
[100] تقدم تخريجه في(1)
[101] أخرجه أبو داود (4682)، والترمذي (1162)، وأحمد (2/ 527) وصححه الألباني في
صحيح الجامع.
[102] أخرجه مسلم
[103] صحيح البخاري كتاب الإيمان
[104] هذا أثر موقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسند صحيح، وهو في شعب الإيمان
للبيهقي الجزء الأول.
ولفظه عن عمر: (لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم). وأخرجه كذلك
الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وإسحاق بن راهويه في مسنده، والإمام أحمد بن حنبل
في فضائل الصحابة. وأخرجه ابن عدي في الكامل مَرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه
وسلم، وفيه ضعف
[105] البخاري (6243) ، ومسلم (2657) عن أَبي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ
مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ،
وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ
يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) .
[106] فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/173)
[107] قال الدارقطني في العلل: والحَدِيثُ غَيرُ ثابِتٍ
[108] البخاري ومسلم
[109] تقدم تخريجه في (4)
[110] صحيح البخاري
[111] رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه
[112] رواه مسلم
سلاسل أخرى للشيخ
-
12803 18
-
16750 9
-
34826 6
-
3050 13
-
3132 12
-
4154 11
-
5557 12