الدرس الخامس
فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد
إحصائية السلسلة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِه وأصحابِه، ومَن اهتدى
بهداه.
نُرحبُ بكم أيُّها الإخوةُ الكرامُ في هذا الدَّرس، ونستكملُ سويًّا القراءةَ في
متنِ العقيدةِ الطَّحَاويَّة، نسألُ الله -جلَّ وعَلا- أن يرزقنا الفقهَ في
الدِّينِ والثَّباتَ عليه.. تفضَّل أخي اقرأ.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه
وصحبِه وسلِّم.
اللهمَّ اغفر لنا ولِشيخنَا وللمستمعينَ، ولجميعِ المسلمين.
قال المصنِّف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى: (وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا مُسْلِمِينَ
مُؤْمِنِينَ، مَا دَامُوا بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُعْتَرِفِينَ، وَلَهُ بِكُلِّ مَا قَالَ وَأَخْبَرَ مُصَدِّقِينَ.
وَلَا نَخُوضُ فِي اللَّهِ، وَلَا نُمَارِي فِي دِينِ اللهِ، وَلَا نُجَادِلُ فِي
الْقُرْآنِ، وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)}.
نأخذُ الجملة الأولى: قال الطَّحاوي -رحمه الله: (وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا
مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ، مَا دَامُوا بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَرِفِينَ، وَلَهُ بِكُلِّ مَا قَالَ وَأَخْبَرَ
مُصَدِّقِينَ)، هذا مثل ما تقدَّم معنا في المراد بأهلِ القبلةِ في حديث أنس بن
مالك -رضي الله عنه- قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا،
وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي
لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ»[69]، فهذا المرادُ بأهلِ القبلةِ، كلُّ
مَن أظهرَ الإسلام والشَّهادتين واستقامَ عليهما، والتزمَ بالإسلامِ ودخلَ فيه؛
فهذا مسلمٌ.
قوله: (أَهْلَ قِبْلَتِنَ) هؤلاء يسمونَ أهلَ القبلةٍ. لماذا يسمون أهلَ قبلةٍ؟
أخذًا مِن هذا الحديث عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم: «وَاسْتَقْبَلَ
قِبْلَتَنَ»، واستقبالُ القبلة يكون في الصَّلاة، وهذا علامةُ إسلامه.
(وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا مُسْلِمِينَ) فكلُّ مَن أظهرَ الإسلامَ نحكمُ عليه
بالإسلامِ بما ظهرَ، وهل الأصلُ في المسلمِ السَّلامة، أم نقول الأصل في المسلم
العدالة؟ ما رأيكم؟
نقول: السَّلامة، لأنَّ العدالةَ تحتاجُ لمرتبةٍ أعلى، فتحتاجُ إلى توثيقٍ،
وتزكيَّةٍ، وما يدلُّ على ثُبوتِها، أمَّا السَّلامةُ فهي الأصلُ، فما دام أنَّه
أظهَرَ الإسلامَ فنحكمُ بما أظهرَ، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا
لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلام لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم
مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُو﴾ [النساء: 94]، إذن نُسمِّي
أهلَ القبلة بالمسلمين، فنقول: هؤلاء مسلمون ومؤمنون.
(مَا دَامُوا بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُعْتَرِفِينَ، وَلَهُ بِكُلِّ مَا قَالَ وَأَخْبَرَ مُصَدِّقِينَ)، فهذا أصلٌ
عظيمٌ، وهو أنَّه إذا ثَبَتَ تكذيبهم بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أو ردُّهم
لآياتِ القرآنِ أو نحوِ ذلك مِن علاماتِ الكفرِ والنِّفاق؛ فإنَّهم حينئذٍ لا
يكونون مسلمينَ، لأنَّ مَن كذَّبَ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أو كذَّبَ
القرآنَ أو لم يُصدِّق بما قالَه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أو شكَّكَ فيه أو
نحو ذلك؛ فهذا علامةُ كفرِهِ، فهو كافرٌ حينئذٍ وليسَ بمسلمٍ.
فالأصلُ في أهلِ الإسلام السَّلامَة حتى يثبُتَ ما يُخالفُ هذا الأصل، فإذا أظهروا
تكذيبَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مثلَ مَن يُصدِّقُ مسيلمةَ الكذَّاب
ويتَّبعُه، فمسيلمة ادَّعى النُّبوَّة، فهؤلاء ربَّما بعضهم يستقبلُ القبلةَ أوَّلَ
الأمرِ، لكن هل هم مُصدِقين بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أم مُكذِّبين؟
هم كذبوا النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه خاتمَ النَّبيِّينَ، وزَعَموا أنَّ
مسيلمةَ رسولٌ معه ونبيٌّ معه.
فالمسلم يُحكَم بإسلامِه بما أظهرَ حتى يَثبُتَ ما يُخرجِه عن الإسلام، ولا يُمكِن
أن يخرجَ مِن الإسلامِ إلا بيقينٍ، أمَّا الذُّنوب فلا تخرجْه مِن الإسلام، خِلافًا
للخوارج والمعتزلة، فالخوارجُ والمعتزلةُ يقولون: إذا ارتكبَ المسلمُ الذُّنوبَ
خَرَجَ من الإسلامِ، وهذا مذهبٌ خاطئٌ وضالٌّ.
وفي مقابلِ هذا: مذهبُ المرجئة، فيقولون: مهما ارتكبَ مِن الذُّنوبِ والمعاصي فهو
مؤمنٌ كاملُ الإيمانِ.
ولهذا فنحنُ نحتاجُ إلى أن نُقيِّدَ الشَّرحَ في قوله (مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ)،
فنقولُ: إذا ارتكبوا الذُّنوبَ نَقَصَ إيمانُهم ونَقَصَ إسلامُهم، فليسَ مجرد
الإعتراف بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- والتَّصديق به يُكتفَى بذلك، لأنَّ هذا
مذهبُ بعضِ المرجئة، فيقولون: يكفي الاعتراف والتَّصديق دون القول والعمل. فهذا
غيرُ صحيحٍ. فلابدَّ في الإسلامِ والإيمانِ مِن اعتقادٍ بالجنانِ وقولٍ باللسانِ،
وعملٍ بالجوارحِ والأركانِ، فهذا معنى قوله: (وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا
مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ)، يعني نصفُهم بوصفِ الإسلامِ والإيمانِ وإن كانوا ليسوا
كلُّهم على الكمالِ بمجردِ الاعترافِ بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أو نطقِ
الشَّهادتينِ.
هل كل المسلمين على درجة واحدة؟
الجواب: لا، هم متفاضلون، لكن إذا ارتكبَ واحدٌ منهم ناقضًا من نواقضِ الدِّين
وثبتَ ذلك؛ خرجَ مِن وصفِ الإسلامِ، وخرجَ مِن وصفِ الإيمانِ -نسألُ اللهَ أن
يثبِّتنَا وإيَّاكم على الإيمانِ وعلى الإسلامِ.
{(وَلَا نَخُوضُ فِي اللَّهِ، وَلَا نُمَارِي فِي دِينِ اللهِ، وَلَا نُجَادِلُ فِي
الْقُرْآنِ)}.
هذه ثلاثُ مسائلُ، فلا نخوضُ في اللهِ -عَزَّ وجلَّ- لأنَّ الخوضَ في اللهِ هو
الكلامُ بغيرِ علمٍ، أو الكلامُ بما لا يجوزُ الكلام فيه، وقد نهانا اللهُ -عزَّ
وجَلَّ- أن نتكلَّمَ بغيرِ علمٍ ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم﴾
[الإسراء: 36]، ونهانا الله عن اتِّباع الظَّنِ، فقال: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا
الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾
[النجم: 23].
والخوضُ في الله يَدخلُ فيه البحثُ في كيفيَّةِ صفاتِه، كيفَ صِفةُ اللهِ، كيفَ
ذاتُ اللهِ؛ فهذا أمرٌ محرَّمٌ وباطلٌ، ولا يُمكن أن يدركَه العقلُ البشريُّ مهما
بلغَ ومهما أوتي، لأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمً﴾
[طه: 110].
ومِن الخوض المذموم: الكلام في المشتبهاتِ، والكلام في الكيفيَّاتِ، كيفَ استوى على
العرشِ، كيفَ ينزلُ، كيفَ يجيءُ، وبعضُهم يذكرُ هذه الأشياء ليردَّ النُّصوصَ
الشَّرعيَّة ويُحرِّفها -نسألُ الله العافيةَ والسَّلامةَ.
فالخوضُ في اللهِ -عزَّ وجلَّ- يشملُ الخوضَ في ذاتِه، والخوضَ في كيفيَّاتِ
صفاتِه، ويشملُ أيضًا الخوضَ في شَرعهِ بالتَّشكيكِ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ،
والخوضَ في الدِّينِ الإسلاميِّ، والخوضَ في آياتِ الله؛ كلُّ هذا مِن الأمورِ
الباطلَة المحرَّمَة في الشَّريعَة، وأهلُ السُّنَّة والجماعة على طريقةٍ واحدةٍ
وهي (وَلَا نَخُوضُ فِي اللَّهِ)، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى
مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: 68].
والإنسان المسلم قد تهجِمُ عليه وساوسُ شيطانيَّة في التَّفكُّرِ في ذاتِ الله،
ونحوِ ذلك، فقد يُلقي الشَّيطانُ الوساوسَ على المسلمِ، فماذا يجب عليه؟
وجَّهنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا المقام إلى ثلاثةِ أمورٍ:
الأوَّلِ: أن يستعيذَ بالله -عزَّ وجَلَّ- مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ.
الثَّاني: أن ينتهيَ ولا يسترسلَ، ويتوقَّفَ عن هذا التَّفكير وهذه الوساوس، فلا
يسترسلُ ولا يستجيبُ لها.
الثَّالث: أن يُدافعها بقراءةِ الآياتِ العظيمة، مثل قوله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ
وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد:
3]، وقوله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [سورة الصمد]. فلا يجوزُ للمسلم أن
يخوضَ في الله -عزَّ وجلَّ.
أمَّا الإيمانُ بما أخبرَ الله -عزَّ وجلَّ- عن نفسِه، كمَا أخبر الله -عزَّ وجلَّ-
أنَّه هو السَّميعُ وهو البصيرُ، وهو العليمُ، وهو الحيُّ القيوم؛ فكلُّ هذه
الأسماء لها معانٍ نؤمِنَ بها، ونصدِّقُها، وننتفعُ بتعظيمِ الله -عزَّ وجلَّ-
فنعبدُ الله -عزَّ وجلَّ- ونجتهدُ في طاعتِه، ولهذا فإنَّ أعلى مقاماتِ الدِّين هي
«أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»، يعني تستحضر معاني أسمائِه وصفاتِه،
فتعظمه «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»[70]، فهذا مقامُ المراقبة،
وهذا معنى قوله: (وَلَا نَخُوضُ فِي اللَّهِ).
ثمَّ قال: (وَلَا نُمَارِي فِي دِينِ اللهِ)، المِراء مذمومٌ في الشَّريعة، وهو
المُحاجَّة والمُجادلَة فيما فيه مِريَة، يعني فيما فيه شكٌّ وتردُّدٌ، والأمور
التي ليست واضحةً تمامَ الوضوحِ فالنِّقاشُ فيها والمُحاورةُ فيها يسمَّى مراءً،
لكنَّ المراءَ يدخلُ فيه جانبٌ نفسيٌّ هو أنَّ المُتحدِّثَ يريدُ أن ينصرَ كلامَه،
ولهذا بعضهم يقولُ القولَ الخطأ ثم يُفسِّر الشَّريعة بهذا القول الخطأ، أو يُفسِّر
الآية بهذا القول الخطأ، ثم يبحثُ ويجادلُ عن هذا ويُحاورُ في هذا، لأنَّه لَحظَ
حظَّ نفسِه، ويريدُ أن ينتصِرَ لقوله دونَ النَّظر إلى الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ.
فالمراءُ في دينِ الله -عزَّ وجَلَّ- بأن تنظر لنفسِك، وما قلتَه حتى تَنصُرَ قولك،
حتى لو كان قولك بغيرِ علمٍ وبغيرِ تحريرٍ، وبغيرِ تحقيقٍ، وبغيرِ مراجعةٍ
وتأكُّدٍ، فتجدَ بعضَ النَّاس يُماري، ويُحاولُ أن يُؤيِّدَ قولَه بكلِّ شيءٍ حتى
لو بالباطلِ، حتى ربَّما لو وَجدَ بعضهم حديثًا ضعيفًا أو مكذوبًا ذهبَ يحتجُّ به
أو يُحاولُ أن يقوِّيَ شأنَه حتى يستأنسَ به لنُصرة قولِه؛ فهذا مِن المراء
المذمومِ.
فالمراء: يعني النِّقاش فيما فيه مريَة. لماذا فيه مرية؟
لأنَّ بعضَ الأمورِ لا تتَّضح للمتحدِّث فيبحثُ عن نصرتِها، لكن إذا اتَّضحت
بالدَّليل الشِّرعيِّ فهذا جدالٌ بالحقِّ، وجدالٌ بالتي هي أحسن، فلا بأسَ بهذا أن
يُبيَّنَ الحقُّ، لكن لا يريدُ نصرة نفسِه فقط، وإنَّما يريدُ بيانَ الحقِّ بدليلِ،
فهذا يدلُّ على وجوبِ مجاهدةِ النَّفسِ، وأنَّ الإنسانَ لا يكون همُّه الانتصار
لقولِ نفسِه، فأنتَ عُرضة للخطأ مهما كنتَ، ولهذا تجدُ بعضَهم يماري في الدِّينِ
حتى يأخذَ بالأقوالِ الضَّعيفةِ، ويأخذَ بالتَّعصِّب الأعمى، ويقلِّد التَّقليدَ
الأعمى، ويتَّبع أقوالَ الشُّيوخِ ويخالِفُ الأحاديثَ والآياتِ، وربَّما بعضُهم
يُقدِّم قولَ الشَّيخِ على الآيةِ والحديثِ، فالشَّيخُ ليسَ بمعصومٍ، والعالِمُ
ليسَ بمعصومٍ، فلا تمارِ في القرآن، ولا تمارِ في الدِّين، ولهذا قالَ الله في سورة
الكهف: ﴿فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرً﴾ [الكهف: 22]، يعني جدالًا
بالحقِّ، الشَّيء البيِّن بدون توسُّعٍ، فتبيِّن الحقَّ وتسكتَ، ﴿فَلا تُمَارِ
فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرً﴾ .
ولهذا أيضًا في الحديثِ في سنن أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيّ
-صلى الله عليه وسلم- قال: «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ»[71]، نسألُ الله
العافيةَ والسَّلامةَ- وهذا المراد به -والله تعالى أعلم: التَّشكيكُ فيه بغرضِ
جَحدِه وتكذيبِ آياتِه، فهذا -نسألُ اللهَ العافيةَ والسَّلامة- يُعتبر مِن الكفرِ.
ومِن ذلك أنَّ بعضَ النَّاس يماري في الدِّين فيردَّ الأحاديثَ عن رسولِ الله -صلى
الله عليه وسلم- حتى تجرَّأ بعضُهم وقال: إنَّ الأحاديث في البخاري ومسلم ما
نصدِّقُ أنَّ الرَّسول قالها، ولا نؤمنُ بذلك. لماذا؟
يقول: لأنَّ عقلي لا يصدِّقُ هذا.
فهذا يدلُّ على أنَّه يماري في دينِ الله -عزَّ وجَلَّ- ويتَّبعُ هواه، ولا يتبعُ
الهدى!
فعقولنا مهما أوتيت فهي عُرضة للخطأ والتَّغيُّرِ والتّجدُّدِ، واليوم يبدو لك رأيٌ
ثم ترجعُ عنه ويظهرُ لك ضَعفُه، فكيفَ تجعل هذه العقول حاكمة على كلامِ الله أو
كلامِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم- فتردَّ بها الأحاديثَ الصَّحيحةَ الثَّابتة
المتواترة؟! فمَن ردَّ حديثَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فهو على شَفا
هَلَكَةٍ كما قال السَّلف الصَّالح -رحمة الله عليهم.
ولهذا قال: (وَلَا نُمَارِي فِي دِينِ اللهِ)، إذا جاءَ الحقُّ اقبله، فإذا جاء
الحقُّ بالدَّليلِ مِن القرآنِ ومِن السُّنَّة اقبلْه ولا تمارِ، لا تتهرَّب ولا
تحاول أن تنتصرَ لرأيك وتجلس تُجادل الآخرين وتُضيِّع الأوقات بالمراء.
بقي معنا مسألة الجدال، قال: (وَلَا نُجَادِلُ فِي الْقُرْآنِ) تقدَّمَ الحديثُ عن
الجدالِ، وذكرنا حديث النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ
كُفْرٌ» وهذا رواه أبو داود في سننه، وسنده قد صحَّحه أهلُ العلم، وكذلك رواه
الإمامُ أحمد وغيره، فالمراءُ في القرآن كفر.
وذكرنا من معاني الجدال الباطلة كما قال الله تعالى: ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ
لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ [غافر: 5]، يعني لِيردوا به الحقَّ.
والجدال بالباطل أنواع:
- ربما يُجدالُ ليُشكِّكَ في القرآنِ، ويقول: إنَّه ليسَ كلامُ الله، وإنَّما هو
كلامُ البشرِ، كما قال الكفار الأولون: ﴿إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾
[الأنعام: 25]، ﴿قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى﴾ [القصص: 36]،
وقالوا: هذا قولُ كاهنٍ، وقالوا: هذا قُول شاعرٍ؛ وحالوا أن يختلقوا الأشياء؛ فكلُّ
هذا تكذيبٌ للقرآنِ، وهؤلاء الكفَّار الأوَّلون لهو ورَّاثٌ إلى الآن ِمن
الزَّنادقَة والمستشرقينَ والمُنصِّرين وأعداء الدِّين، فلا زالَ هناك مِن هؤلاء
الكفرة مَن يردِّد كلامَ الكفارِ الذين حكى الله أقوالهم في القرآن.
فهذا نوعٌ مِن المراءِ في القرآن، ولهذا فلا يجوزُ لنا أن نروِّجَ أقوالَ هؤلاء
المجرمين المكذِّبين الجاحدينَ، فهذا مِن الجدالِ في القرآن، فلا نجادلُ في
القرآنِ، ونؤمِنُ أنَّه حقٌّ وأنَّه كلامُ ربِّ العالمينَ.
- أيضًا مِن الجدالِ في القرآنِ بالباطلِ: أن يردَّ المعاني الصَّحيحة لهوًى في
نفسِه، أو لعصبيَّة لمذهبه أو لطائفتِه أو بدعَتِه، أو يردَّ الحقَّ لشبهةٍ طرأت
عندَه، أو يردَّ الحقَّ بالكذبِ والبُهتانِ والافتراءِ على اللهِ وعلى رسولِه،
ولهذا في طوائف مِن أهلِ البدع مَن يَكذبُ على الله -عزَّ وجلَّ- ويَكذب على
الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم- ويُروِّجُ الكذبَ على الله وعلى رسوله ويفتري ولا
يخافُ مِن الله؛ فهؤلاء جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقَّ.
ولهذا أهلُ العلمِ يقولون: (وَلَا نُجَادِلُ فِي الْقُرْآنِ)، فكلُّ هذه الطُّرق
السَّابقة باطلة.
- أيضًا مِن الجدالِ في القرآن بهذه الطَّريقة الكفريَّة المخرِجَة من الملَّة: مَن
يزعُم مِن العلمانيين المتأخِّرين أنَّ القرآنَ قابلٌ للنَّقدِ. وعجبًا لهؤلاء!
فهذا الكلام مَن قاله فهو كافرٌ باللهِ العظيم، فكلامُ الله حقٌّ ﴿لَا يَأْتِيهِ
الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ
حَمِيدٍ * مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾
[فصلت42 - 43]، هؤلاءِ مكذِّبونَ للرَّسلِ ومكذِّبونَ للرِّسالاتِ، ومكذِّبونَ
للقرآنِ.
وبعضهم يقول: لابدَّ أن نعرفَ بشريَّة القرآنِ.
ما معنى بشرية القرآن؟
يعني: أنَّه قولُ بشر.
وماذا قال الله في سورة المدثر؟
﴿إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر 25- 26]،
فهذا ليسَ قولُ البشرِ، وإنَّما هو قولُ ربِّ العالمينَ، فاللهُ -عزَّ وجلَّ-
أنزلَه على محمد ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ
مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء: 193- 195].
- وبعضهم يقول: القرآن مِن التُّراثِ، والتراثُ لابدَّ مِن تمحيصه.
سبحان الله! فهؤلاء كفَّارٌ أعداءٌ للهِ ولرسولِه، وأعداءٌ لدينِ الإسلام، فيجبُ
فضحهم، ويجبُ كشفُهم للمسلمين حتى لا يشتبه على الجهَّالِ والأغرارِ والسُّذجِ مثل
هذه المقالات الخبيثة الكفريَّة.
نرجع مرةً ثانيةً ونقول: الجدال في لُغة العرب: مِن الجدْلِ، والجدْلِ هو لفُّ
الشَّعرِ ونحوه، ومنه الجَديلَة، فالجدْلُ يكون له قوَّة.
والمجادِل غيرُ المُحاور، فالحوار هو أيُّ نقاشٌ بين طرفين، لكن المُجادِل عنده
لَدَدٌ وعنده شيءٌ من الخصومة حتى يُثبتَ صحَّةَ ما يقوله، ولهذا فالجدالُ في
الأغلب غيرُ محمودٍ، وإنَّما يُحمَد منه ما كان لنصرة الحقِّ، وما كان بالتي هي
أحسن، ولهذا ينبغي لمَن يريد أن ينشرَ الحقَّ ويُبيِّنَه أن يكونَ كلامَه بعلمٍ
وبالدليلِ وبالحجَّةِ الشَّرعيَّة والعقليَّة والفطريَّة، ويستخدم الأدلَّة
الصَّحيحة، والقرآنُ اشتملَ على أصولِ الأدلَّةِ الصَّحيحةِ مِن الأدلَّةِ
العقليَّةِ، والأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ، والأدلَّةِ الفطريَّةِ، والأخبارِ
الصَّادقةِ، والأحكامِ العادلةِ؛ فلهذا ينبغي أن يتفطَّنَ أهلُ العلمِ وطلابُ العلم
لِما في القرآن من الحُجج العقليَّة والبراهينِ الصَّحيحة اليقينيَّة في الرَّدِّ
على أهلِ الباطل، ويستفيدَ مِن طرقِ القرآن في الرَّد على أهلِ الباطلِ.
فلهذا نقول: الجدالُ يكون بالحقِّ تارةً، ويكونُ بالباطلِ تارات، ولهذا يجبُ على
المسلم أن يلزم الطَّريقةَ الصَّحيحةَ، وهي الجدال بالتي هي أحسن ﴿ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، وفي قوله: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت:
46]، فبعض الناس معاند يريد الباطل حتى لو تبيَّن له الحقُّ لا يريد، فهذا لا
يُجادَل، يُلقَى الحقَّ إليه ولا يُناقَش، حتى بعض المبتدعة سواء من الجهميَّة أو
المعتزلة أو الأشاعرة أو المتصوِّفة أو الشِّيعة أو غيرهم؛ تجدُ بعضَهم متعصِّبًا
لباطِله، فهؤلاء تُلقِي إليهم الحقَّ ولا تجادلهم، أَسْمِع النَّاس الحقَّ مِن
كلامِ اللهِ وكلامِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم- والمعاني الصَّحيحة التي تضمَّنها
كلامُ اللهِ وكلامُ رسولِه ولا تدخل معهم في المناظرات وإضاعة الأوقات.
قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: 46]. وفي الحجِّ قال:
﴿وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197]، فتُمسك لسانَك عن الكلامِ بالباطلِ،
وعن إضاعةِ الأوقاتِ في اللَّدَدِ والخصومَة، فتُبيِّن الحقِّ حتى في الحَجِّ،
والجدال المنهي عنه هو الجدال بالباطلِ أو بغيرِ علمٍ أو بإضاعةِ الوقتِ لنُصرة
قولك، فتُبين الحقَّ بدونِ لَددٍ وبدونِ خُصومَةٍ، وبدونِ اندفاعٍ، حتى تُظهر أنَّك
متعصِّب لقولك وتَنظر لحظِّ نفسِك. هذا مِن الجدالِ في القرآنِ.
وهناك نوعٌ آخرٌ من الجدال في القرآن: وهو إنكارُ القراءة الثَّابتة، وورد في هذا
أحاديث عن الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- فإنَّ القرآن أُنزِلَ على سبعةِ أحرف،
والنَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أقرأَ الصَّحابة على عددٍ من القراءات، فبعضُ
النَّاس لجهله ربَّما يُنكِرُ قراءةً ثابتةً صحيحةً عن النَّبيِّ -صلى الله عليه
وسلم- وهذا مِن الجدال في القرآن، ولا يجوز مثل هذا.
أيضًا مِن الجدال المذمومِ في القرآن: أن يُفسَّر القرآن بالرأي وبالظَّن، فلا
يجوزُ أن تُفسِّرَ القرآن برأيك مهما كنتَ، إنَّما يُفسَّر القرآن بالقرآنِ
وبالسُّنَّة الصَّحيحة، وبأقوالِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ وأتباعهم، وعلماءُ أهلِ
السُّنَّة والجماعة، وبما تقتضيه اللُّغة العربيَّة، أمَّا التَّفسيرات المخترعة
والمُتكلَّفة والمبتَدعَة، أو تنزيلُ بعضِ الوقائعِ العصريَّة وتفسير القرآن
بمقتضاها مع أنَّها قد تتغيَّر وقد تتبدَّل ويسمون هذا "الإعجاز العلمي" فيدخلُ في
هذا أن يُنسَب إلى القرآن ما ليسَ منه، فبعضُ النظريَّاتِ قابلة للصَّواب والخطأ،
وقابلَة للدِّراسة، فيأتي بعضُ النَّاسِ ويستعجب ويقول: المراد بهذه الآية كذا وكذا
-بمسمى الإعجاز العلمي- ولا يتثبَّت! فهذا كلُّه مِن الجدالِ بالباطلِ، ومن
التَّفسيرِ بالرَّأي، ويجبُ الحذر مِن هذه المسالك.
هذا -أيُّها الإخوة الكرام- معنى قوله (وَلَا نُجَادِلُ فِي الْقُرْآنِ)، فيجب
الحذر.
وممَّا وردَ في السُّنَّةِ في المسندِ وغيرهِ عن عبدِ الله بن عمرو بن العاص -رضي
الله عنهما- قال: خرجَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على قومٍ يتدارؤون في القدر
-أي يتدافعون في النِّقاش- هذا ينزع بآية، وهذا ينزع بآية -يعني هذا يحتجُّ بآية
ويقول هذه الآية ترد عليك- والآخر ينزع بآية –أي قول الآية ترد عليك- فكأنَّ
المستمعين لهم يظنُّونَ أنَّ القرآنَ يُعارضُ بعضُه بعضًا. يقول: خرجَ رسولُ
اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- علَى أصحابِهِ وَهُم يختَصِمونَ في القَدَرِ
فَكَأنَّما يُفقَأُ في وجهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ منَ الغضَبِ فقالَ: «بِهَذا
أُمِرتُمْ أو لِهَذا خُلِقتُمْ، تَضربونَ القُرآنَ بعضَهُ ببَعضٍ»[72]، وفي رواية:
«وَإِنَّمَا نزل كِتَابُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلا تَضْرِبُوا
بَعْضَهُ بَعْضًا، مَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوا، وَمَا لا، فَكِلُوهُ إِلَى
عَالِمِهِ»[73]، يعني فوِّضُوا أمره إلى الله -عزَّ وجلَّ- أي: اسكتُوا عن هذا
وكِلوه إلى الله -سُبحَانَه وتَعَالى- فالله هو العالم.
فلهذا يجبُ عليكَ أن تتكلَّمَ بعلمٍ، ولا تتكلَّم بغيرِ علمٍ، ﴿قُلْ مَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: 86]،
فلا تتكلَّف، وقلْ: الله أعلم، لا أدري، سنبحثُ في هذه الآية ونبحثُ في تفاسيرِ
العلماء الموثوقة كتفسيرِ ابن كثير، وتفسيرِ ابن جرير الطبري، وتفسير البغوي، وهكذا
من المعاصرين تفسير السَّعدي، نراجع تفسير الآية حتى نقفَ على المعنى الصَّحيحِ،
ولا تتكلَّم بغيرِ علمٍ. فهذا -أيُّها الإخوة الكرام- التَّعليق على قوله (وَلَا
نُجَادِلُ فِي الْقُرْآنِ).
{(وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ
الْأَمِينُ، فَعَلَّمَهُ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَا
يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَا نَقُولُ بِخَلْقِهِ، وَلَا
نُخَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ
الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ)}.
يقول: (وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، أي أنَّ القرآنَ كلامُ
ربِّ العالمين، قال الله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ
قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء:
193- 195]، وقال تعالى: ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ
خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ
تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ
حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: 44- 47]، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: 6]. والآيات في
هذا المعنى كثيرة، فهذا الكتابُ عزيزٌ وهو كتابٌ مبينٌ، وهو الحقُّ، وهو القرآنُ
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر:
87]، فالحمدُ للهِ على هذه النِّعمة العظيمةِ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا
الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]، فهو كلام الله -عزَّ
وجلَّ.
وقالَ الله عن الكفار: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا
يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا
لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ [النحل: 103]، فهذا الكلامُ كلامُ ربِّ العالمينَ
-سبحانه- تكلَّم الله به حقيقة، وهو منزَّلٌ من عندِ الله -عزَّ وجَلَّ- قال
تعالى:﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الزمر: 2]، وقال:
﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: 96]، وقال:
﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42]، والآيات في هذا كثيرة، وكلُّ هذا
يدلُّ على أنَّه منزَّلٌ مِن عند الله -سُبحَانَه وتَعَالى- فالله هو الذي تكلَّم
به، وسمعَه جبريلُ -عليه السَّلام- وهو الرُّوح الأمينُ لأنَّه مؤتمَن، لا يُغيِّرُ
ولا يُبدِّلُ ولا يزيدُ ولا ينقصُ، ولا يُتَّهَم بالخيانة كما فعلت اليهود، فإنَّهم
زَعَمُوا أنَّ جبريلَ عدوٌّ لهم مِن الملائكة، وكذلك بعضُ غلاة الشِّيعة يقولون:
كانت الرِّسالة لعلي بن أبي طالب ولكن جبريل خانَ وأعطاها محمدًا -صلى الله عليه
وسلم- فكلُّ هذا مِن التَّكذيبِ للهِ -عزَّ وجلَّ- لأنَّ الله سمَّاه الرُّوحُ
الأمين، أمَّا اليهود فجعلوه عدوًّا لهم، قال تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا
لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا
لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًّا
لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ
عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 97- 98]، فمَن عادَى جبريلَ فقد عادَى اللهَ
وعادَى الرُّسلَ، ومَن كان معاديًا وليًّا مِن أولياءِ اللهِ فإنَّه بارزَ اللهَ
بالمحاربة، قال الله -عزَّ وجلَّ- في الحديثِ القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا
فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ»[74]، فهذا جبريلُ وصفَه اللهُ -عزَّ وجلَّ- في سورة
النجم بأنَّه شديد القوى، وفي سورة التكوير: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا
صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ﴾ [التكوير: 20 - 22]، فالرَّسول هنا هو جبريل، والقول هنا
بمعنى التَّبيلغ، ونُسِبَ إليه لأنَّه تلقَّاه مِن اللهِ -عزَّ وجلَّ- وبلَّغه إلى
النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم.
أمَّا الآية التي في سورة الحاقة: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ
بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ﴾ [الحاقة: 19 - 20]، الرَّسول هنا هو
محمد -صلى الله عليه وسلم- لأنَّه -صلى الله عليه وسلم- قرأه على النَّاس وبلَّغَه
لهم، وإنَّما يُضَاف القولُ حقيقةً إلى مَن قالَه مبتدئًا لا إلى مَن قالَه
مُبلِّغًا مؤدِّيًا، فالمُبَلِّغُ والمُؤدِّي رسولٌ، والذي ابتدأه هو الله
-سُبحَانَه وتَعَالى.
قال: (وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، وهذه عقيدةُ أهل
السُّنَّةِ والجماعةِ، فيقولون: إنَّ القرآنَ كلامُ الله، منزَّلٌ غيرُ مخلوقٍ، منه
بدأَ وإليه يعود، وأنَّ الله تكلَّم به حقيقةً، ولا يجوزُ القولُ بأنَّه عبارةٌ عن
كلامِ الله، أو حكايةٌ عنه؛ لأنَّ هذا هو قولُ الأشاعرة والماتريدية، وهو قول باطلٌ
فاسدٌ.
وكلامُ الله -سُبحَانَه وتَعَالى- مِن أعظم البراهين والحُججِ مِن عِدَّة أوجه:
الأول: قول النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ
إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي
أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ
تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[75]، وهذا الحديث في الصَّحيحين مِن حديث أبي هريرة،
يعني أنَّ القرآنَ أعظمُ آيةٍ وبرهانٍ أُعطيَه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-
ولهذا تحدَّى الله الكفَّار أن يأتوا بمثله، وتحدَّاهم أن يأتوا بعشر سورٍ منه،
وتحدَّاهم أن يأتوا بسورة واحدة، وتحدَّاهم أن يأتوا بحديثٍ منه ﴿فَلْيَأْتُوا
بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ [الطور: 34]، ﴿أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا
مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [هود: 13]، وقال:
﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا
الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً﴾
[الإسراء: 88]، ألفاظُه، ومعانيه، ونَظمُه، وسياقُه، وما فيه مِن الكفايةِ
والهدايةِ، وكونُ الله -عزَّ وجلَّ- تكفَّلَ بحفظِه، وفيه التَّعريفِ بالله
وبأسمائه وصفاته، وفيه بيان كمال الشَّريعةِ ومحاسنها، وفيه البراهين العقليَّة،
وفيه الدَّلائل العظيمة، وفيه الهدى وفيه النُّور، وكما قال النَّبيّ -صلى الله
عليه وسلم : «كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَتَمَسِّكُوا بِكِتَابِ
اللَّهِ»[76]، فهذا أوجه إعجاز القرآن، وعظمةِ القرآن، وعجزِ جميع الخلقِ من الجنِّ
والإنسِ أن يأتوا بمثله، فالقرآن نعمةٌ عظيمةٌ، ونعمةٌ كبرى، ونعمةٌ عظمى على
الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم- وعلى الأمَّةِ الإسلاميَّة كلِّها، فهو مِنَّة من
الله -سُبحَانَه وتَعَالى- على النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاك
سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآن الْعَظِيم﴾ [الحجر: 87]، فحينئذٍ يجبُ علينا
أن نهتديَ بالقرآنِ، وأن نُعظِّمَ القرآنَ، ونؤمِنَ بالقرآنِ، ونتمسَّكَ بالقرآنِ،
ونعملَ بالقرآنِ.
ومِن العملِ بالقرآنِ والإيمانِ به: العملُ بسنَّةِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-
والإيمان بها ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران:
31]، وأمَّا من يقول: نأخذ بالقرآن ونترك السُّنَّة فهذا كافر، لأنَّه مكذِّب بما
أمرَ الله به، قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 4]، وقال:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُو﴾ [الحشر:
7].
قال: (فَعَلَّمَهُ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ
مِنْ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ)، لا يمكن أن يُماثل كلامُ الله -عزَّ وجلَّ- كلامَ
المخلوقين، فكلامُ المخلوقين ناقصٌ مهما أوتوا مِن بلاغةٍ ومهما أوتوا من فصاحةِ
ففيه النَّقصُ وفيه الغلطُ، وفيه التَّناقض ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ
اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً﴾ [النساء: 82].
قال: (وَلَا نَقُولُ بِخَلْقِهِ)، لأنَّ القولَ بخلقِ القرآن ِكفرٌ. ما معنى القول
بخلق القرآن؟
يعني أنَّ القرآنَ مخلوقٌ، وهذا يعني أنَّ الله لم يتكلَّم ولا يتكلَّم، ولا أمرَ،
ولا نَهى، ولا شَرعَ، بل معنى قولهم أنَّ القرآنَ مخلوقٌ أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- لم
يُرسِل محمدًا، ولم يقلْ له "اقرأ"، ولم يبعثْ أحدًا من الأنبياء، ومعنى قوله "إن
القرآن مخلوق" هو إبطالٌ لجميعِ الشَّريعة، بل إبطالُ جميعِ الشِّرائعِ، وإبطالُ
جميعِ الرِّسالاتِ، والقولُ بخلق القرآن هو وصفٌ للهِ بالعجزِ، ونفيٌ لصفةِ الكلامِ
لله -سُبحَانَه وتَعَالى- وتعطيلٌ للشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، ولهذا فإنَّ السَّلفَ
أجمعوا على كفرِ مَن قالَ بهذا القول، وأنَّ القولَ بأنَّ القرآنَ مخلوقٌ كفرٌ،
ولهذا عُذِّبَ الإمامُ أحمد على هذا من قِبَل المعتزلة الضُّلَّال فَصَبَرَ -رحمة
الله عليه.
وهذه المسألة قد بُسِطَت في المستوى الأوَّل فيما يتعلَّق بالدُّروس هنا عند قول
الطَّحاوي: (أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ الْبَشَرِ، وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَ الْبَشَرِ.
وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ).
قال: (وَلَا نُخَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ)، هذه الجملة مهمَّة جملة، «
وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ »[77]، وقال
-صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ
ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ»[78]، هم الجماعة، وقال –صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ
شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[79]، وفي حديث آخر «مَنْ
خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[80]، وهذا في
البخاري ومسلم.
وهذا يدلُّ على أنَّ الجماعةَ يُعبَّرُ عنها بالجماعةِ مرَّة، ويُعبَّرُ عنها
بالسُّلطانِ، لأنَّ الجماعة المراد بها: الاجتماع على ولاة الأمرِ في غيرِ معصيةِ
الله، في السَّمع والطَّاعة لهم حتى تجتمع لهم.
والجماعة يُراد بها: الاجتماع على الحقِّ، وعلى السُّنَّةِ والعملِ بمقتضاها،
فالخروجُ عن وليِّ الأمر خروجٌ عن الجماعةِ، والخروجُ عن هديِ النَّبيِّ -صلى الله
عليه وسلم- والصَّحابَة خروجٌ عن الجماعةِ، فهذان الأمرانِ متلازمان.
نسألُ اللهَ -جلَّ وعَلا- أن يجعلَنا مِن أهلِ السُّنَّة والجماعة، وأن يُثبتَنا
وإيَّاكم على الحقِّ وعلى الصِّراطِ المستقيمِ، وبهذا نختِمُ هذا الدَّرسَ، والحمدُ
لله ربِّ العالمينَ، وصلَّى الله وسلَّمَ وباركّ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه
أجمعين.
---------------------
[69] صحيح البخاري (381).
[70] صحيح البخاري (49).
[71] سنن أبي داود (3989).
[72] سنن ابن ماجة (69)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.
[73] مسند أحمد (6565). من حديث عمرو بن شعيب عن جده.
[74] صححه ابن تيمية في مجموع الفتواى (2/371)، وأصله في البخاري (6502) من حديث
أبي هريرة " من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ"
[75] أخرجه البخاري (4981) واللفظ له، ومسلم (152)
[76] صحيح مسلم (2408)، واللفظ للبيهقي في سننه (7/159).
[77] الأسماء والصفات للبيهقي (2/52) وصححه الألباني ف تخريج مشكاة المصابيح (171).
[78] مسند أحمد (21807).
[79] صحيح البخاري (6558).
[80] صحيح البخاري (7053).
سلاسل أخرى للشيخ
-
12803 18
-
16750 9
-
34826 6
-
3050 13
-
3132 12
-
4154 11
-
5557 12