الدرس التاسع
فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد
إحصائية السلسلة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أَشْرَفِ الأنبياءِ
والْمُرسَلِين، نبينا محمدٍ وعلى آَلِهِ وَصَحبه أَجمعين.
حيَّاكم اللهُ أيُّها الإخوة الكِرام في هَذَا الدَّرس الجديد مِن دُرُوسِ
"العَقِيدَةِ الطَّحاويَّة"، نسأل الله -جَلَّ وعَلا- أن يُفقهنا وإيَّاكم في
الدِّين.
{(بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العَالينَ، وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَباركَ على نبيِّنا محمدٍ،
وعلى آلِه وصحبِه وَسَلَّم.
اللهمَّ اغفر لنا ولشيخنا، وللمُستمعينَ، ولجميعِ المسلمينَ.
قال أبو جعفر الطَّحاوي الورَّاق -رحمه الله تعالى: (وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ
كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَعَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ))}.
قوله: (وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ)،
يعني: الإمام إِذَا صَلَّى بِنَا وَلو كان فَاجرًا فإنَّ الصَّلاة خَلفَه تَصِحُّ
إِذَا كَانَ مِن أَهلِ القِبلَةِ. لــماذا؟
لأنَّ الصَّلاةَ عمل برٍّ وإحسان وطاعة، فإذا فعلها وُلَاةُ الأُمُور وَصَلُّوا
بالنَّاسِ وأمَّوا النَّاس؛ فالصَّلاةُ خلفهم صحيحة ولو كان فِيهِم نَقصٌ أَو
جَورٌ، وهذا دلَّت عليه السُّنَّةُ، ودلَّ عليه إجماع أهل السُّنَّة والجماعة،
وإمامة الصَّلاة كانت مع إمامة الحكم، حيث إنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان
هو إمام المسلمين وكان يُصلِّي بالمسلمين، ثُمَّ أبو بكر الصِّدِّيق، ثم عمر
الفاروق، ثم عثمان، ثم عَلي، ثم الحسنُ، ثم مُعاوية، وهكذا كان الأمر، فكان هَؤلاء
هم الخُلفاء والحكَّام، ثم الملوك كانوا يصلُّون بالنَّاس، فالصَّلاة خلف إمامِ
المُسلمين حقٌ برًّا حتى لو قُدِّرَ أنَّ فيه فجور، مثل: بعض الملوك الذين فيهم
مَعاصي وَفسقٍ أو ظُلمٍ، ولهذا ثبت عن عبد الله بن عمر وعن أنس بن مالك أنهم صلُّوا
خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، وهذا في صحيح البخاري، وفي صحيح البخاري أيضًا قال
-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ
أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ»[130]، يعني: الخطأ عليهم وليس عليكم، فالنَّقصُ
الذي فيهم والجور الذي فيهم والتَّقصير الذي فيهم لا ينالكم منه شيءٌ في صَلاتِكم
وَعِبَادَتِكُم.
هل الأصل في المسلم مِن أَهلِ القبلة السَّلامة، أَم العَدَالة؟
نقول: العدالة تحتاج إلى تزكية، أمَّا السَّلامَة فهي الأصل حتى يأتي جارحٌ وما
يُخالف الأصل، فإذا وُجد في المسلم فِسقٌ أَو جَورٌ وصلَّى بالنَّاس، كأن يكون هو
إمام المُسلمين كالأمير، أو نائب الأمير، كلَّفه الحاكم بإمارة بلدٍ وصلَّى
بالنَّاس إمامًا، نقول: الصَّلاة خلفه صحيحة.
وكذلك في زمن عُثمان بن عفَّان -رضي الله عنه- كما في صحيح البخاري لمَّا حُوصر من
قِبَلِ الظَّلَمَة الذي جاؤوا يدَّعون أنَّهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
وكانوا مجموعة كبيرة، فحاصروا عُثمانَ في بَيتِه، ومنعوه أن يخرج إلى المسجد
لِيُصَلِّي بالنَّاس، وصار أحد هؤلاء من أهل الفتنة يُصلِّي بالنَّاس، فجاء رجلٌ
يَسألُ عثمانَ بن عفان -رضي الله عنه- فقال: "إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ وَنَزَلَ
بِكَ مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ".
فقال عثمان بن عفان -رضي الله عنه: "الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ
فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ
إِسَاءَتَهُمْ"[131].
انظر لعدلِ عُثمان وفقهه -رضي الله عنه- وهذا يَدُلُّك على صحَّة الصَّلاة خلف مَن
تَوَلَّى حَتَّى لَو كانَ فِيهِ جَورٌ أَو ظُلمٌ، لكن لا ينبغي ولا يجوز أن يُقدَّم
للمسلمين النَّاقص والذي فيه جور، بل يُقدَّم الأفضل، لقول النبي -صلى الله عليه
وسلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي
الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ
سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً
فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وفي رواية فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّ»[132]، هذا التَّرتيب الذي
رتَّبه النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا لم يُعمل به وحصلت المُخَالَفَة
فالصَّلاةُ صَحِيحَةٌ، لا نَدَع الجمعة، ولا ندع صلاة الجماعة لأجل نقصٍ في الإمام؛
لأنَّ هذا تعطيل لشعيرةٍ مِن شَعَائرِ الدِّين، وهذا مِن عَلَامَة أهلِ البدع، فأهل
البدع هم الذين يتركون الجُمَع والجماعة؛ لأجل أنَّ الإمام فيه نقصٌ أو عيبٌ،
بخلافِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، فأهل السُّنَّةِ والجماعةِ يرون إقامة الجُمَع
والجماعات والجهاد والأعياد والحج مع أمراء المسلمين، أبرارًا كانوا أو فجَّارًا،
وهذه مسألة إجماع، ولهذا تجد بعض المفتونين من أهل البدع من الخوارج وغيرهم يعتزلون
الجمعة والجماعة لنقصٍ في الإمام، أو لسوء ظنِّهم، أو لأنَّهم يَرَونَه عَلَى غَيرِ
طريقتهم؛ فيعتزلون الجُمَعَ والجَمَاعات، وهذا ليس مَنهج أَهلِ السُّنَّة والجماعة،
ولا منهج الصَّحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم.
تقدَّم أنَّ أوَّل الأمر في عهدِ النبَّي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده كانَ إمامُ
المسلمين -الحاكم- هو إِمامُ الصَّلاة والذي يخطب بالنَّاسِ، لكن بعد ذلك في
الدَّولةِ العَبَّاسية صَارَ الذي يَؤمُّ النَّاس يُعيَّنُ مِن قِبَلِ الخليفة
والحاكم، فصارت الإمامة والخطابة للعلماء ومَن يختارهم وليُّ الأمر، حتى في هذه
الحالة قد يختار ولي الأمر مَن فيه نقص، فحينئذٍ تَصِحُّ الصَّلاةُ خَلفَه، قال:
(وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ)، ما
دام أنه لم يخرج مِنَ الإِسلامِ فالأصلُ صِحَّة الصَّلاة؛ لأنَّ الصَّلاة مَصلحةٌ
عظيمة، وخيرٌ كبير، واجتماع المسلمين على هذا الأمر لا يمكن أن ندفعه لأجلِ نقصٍ في
الإمام، فهذا الأمر أَمرٌ مُهِمٌ جدًّا، وهو لُزُومِ الجماعة والإمام.
فمن لزوم جماعة المسلمين: أن تشهد الجُمَع والجماعات مع أُمَرَاءِ المُسلمين وأئمة
المسلمين أبرارًا كانوا أو فُجَّارًا، إِلَّا إِذَا كانَ خَارجًا عَن الإِسلامِ
-نسألُ اللهَ العَافية والسَّلامة- مثل: مَن يُشرك بالله ويُعلن شركه ويسجد لغير
الله، ويذبح لغير الله، ويطوف بالأضرحة، ويَستَغِيثُ بالأمواتِ، فهذا لا تَصِحُّ
الصَّلاةَ خَلفَه، وَلا تُقبَل الصَّلاةَ خَلفَه، ولا ينبغي أن يُقرَّ على الإمامة؛
بل يجب أن يُنصَح حتَّى يَتُوبَ إِلى اللهِ -عَزَّ وجلَّ- وإن لم يَتُب ويعتدل
فإنَّ أَمرَهُ يُرفع إلى مَن عنده الشَّأنِ، وعنده القدرةِ عَلَى تعيينِ مَن هُو
خَيرٌ مِنه.
هذه المسألة الأولى، وهي مسألة الصَّلاة خَلفَ كُلِّ بَرٍّ وفَاجِرٍ.
ولكن إذا وُجدَ مَسجدٌ إمامه عَدلٌ، وَمسجِدٌ آَخَر إِمَامُه مُبتدعٌ أو ظالمٌ أو
فَاسِقٌ، وَهُمَا بقربِ الإنسان؛ فنقول: الأفضل والأولى أن يُصلي خَلفَ العَدلِ،
لكن إن لم يوجد إِلَّا هَذَا الفَاسِقِ أو الظالم أو الجائر ولم يوجد مَسجد غيره
فلا بأس؛ بل لا يترك الصَّلاة خَلفَه حتى لا يتعطل عن الجمعة وعن الجماعة، هذا في
حال إذا لم يوجد غيره.
أمَّا إذا وُجد غيره فَيُصَلي خَلفَ الأفضل مع استمراره في النَّصيحة ومحاولة إصلاح
وضع الإمام، أو أن يُعيَّن مَن هو خير منه من قِبَل المسؤولين، ومن قِبَلِ مَن لديه
الشَّأن في هذا الأمر، حسب الحال وحسب البلدان، وحسب المسؤوليَّات؛ لأنَّ بعضَ
البُلدانِ تكون المسؤوليَّة عند التَّاجر مثل البلاد غير الإسلاميَّة، فالتَّاجر
المنفق هو المسؤول عن المركز أو المسجد، فيجب عليه أن يُعيِّن الأفضل والأتقى حسب
ما ذكر النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فَيُرفَعُ الأمرُ إليه، فإن لم يَستجب فلا
نترك الجمعة والجماعة، ونصلي خلفه.
أمَّا في البلدان الإسلاميَّة فهناك جهات مسؤولة عن المساجد وعن الأئمة، فيُرفع
إليهم حتى يُعيَّن الأتقى ويُعيَّن الأفضل.
المسألة الثانية: قال: (وَعَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ).
هذه مسألة أخرى، وهي صلاة الجنازة على المُسلم إذا ماتَ ولو كانَ فَاسِقًا، ولو كان
فَاجِرًا فإنَّنا نُصَلِّي عليه، فالمسلم له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين،
أمَّا إذا خرج عن الإسلام -نسأل الله العافية والسَّلامة- فإنَّه لا يُصلَّى عليه،
لكن مسألة الرِّدَّة لا يَحكُمُ فيها الإنسان بِمُفْرَده، لابدَّ أن يرجع إلى أهل
الاختصاص، فإنَّ كثيرًا من النَّاسِ يتعجَّل في هذه الأمور، وربَّما يقع في ورطات،
وربَّما يخرج الإنسان مِنَ الملة وهو ليس كذلك، فلابدَّ من الرجوع إلى قواعد أهل
السُّنَّة والجماعة، وإلى أهل العلم والبصيرة، أمَّا كلُّ أحد يحكم على الآخرين
بِرَأيِه وَبِعَقلِه، فهذا وإن كانت نيَّته طيِّبة فهذا يكون فيه فتنٌ، ويكون فيه
لغطٌ، وربَّما يقتتلون في المسجد بسبب مثل هذه الأحكام التي لم تصدر عن أهل العلم
والبصيرة، وأهل الشَّأن.
فالحُكمُ بالرِّدَّة أمرٌ خطيرٌ جدًّا، لا يجوز للإنسان أن يتعجَّل فيه، لابدَّ أن
يكون فيه على بصيرة، وعلى رُجوعٍ لأهل العلمِ وأهلِ الفتوى وأهل القضاء؛ حتى
يتبيَّن الأمر.
أمَّا مُجرد شخص بمفرده يحكم فإنَّ هذا مظنَّة الفتنة له ولمن علم بشأنه؛ لأنَّه قد
يقول لهم: لا تصلُّوا على هذا...، ويقتتل مع أولياء الجنازة وأهلها، فيحدث ما لا
تُحمَد عُقباه، ولهذا فإنَّ هذه من المسائل العظيمة التي يجب الرُّجوع فيها لأهل
القضاء وأهل الفتوى وأهل العلم، فلا يجوز للإنسان أن يستعجل فيها ويتسَّرع بغير
حقٍّ.
ويُنبَّه إلى أمر! أنَّ قاتل نفسه والمحاربين لله ولرسوله وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ،
والبُغَاة، والخوارج، وأصحاب الجنايات العظيمة؛ ذكر بعض الفقهاء -رحمة الله عليهم-
أنَّه ينبغي لأهل العلم والفضل أن يتركوا الصَّلاةَ عليهم إذا ماتوا من باب زَجْرِ
غَيرِهِم عَن فعلتهم، لكن لا تُترَك الصَّلاة عليهم مُطلقًا، فيصلِّي عليهم طائفة
من المسلمين، ولا يجوز ألا يُصلَّى عليهم؛ لأنَّ هذه الأشياء التي ذَكرَت أمثلتها
لم تخرجهم من الملَّة، فهم مسلمون ويُصلَّى عليهم، لكن ثبت في السنة أنَّ النبي
-صلى الله عليه وسلم- ترك الصلاة على قاتل نفسه، رجل قتل نفسه بمشاقص حزَّ بها يده
حتى مات، فترك الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- ولكن صلَّى عليه بعض الصحابة،
وهكذا الذي كان عليه دينٌ وقد مات، فقال -صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا عَلَى
صَاحِبِكُمْ»[133]، وهذا يدلُّك على خَطَرِ الدَّيْن وشأنه في الدِّين.
فالمقصود: أنَّ الصَّلاة على من مات من المسلمين من أهل القبلة من عقيدة أهل السنة
والجماعة، ولذا لا نترك الصَّلاة عليه؛ لأنَّه مثلًا فاسق معروف بشرب الخمر، أو
معروف بالرِّبا، نقول: نصلي حتى لو فعل هذه الموبقات، يُصلَّى عليه، ولا نترك
الصَّلاة على المسلم ما دام مُسلمًا، فهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة.
{أحسن الله إليكم..
بالنسبة للقاتل الذي قتل مُسلمًا، وفي حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول:
«سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»[134]، فالذي يَتَصَدَّى لقتلِ
مُسلمٍ، فإذا مات هل يُصلَّى عليه أو لا؟}.
بارك الله فيك.
القاتل ارتكب كبيرةً مِن أَعظَمِ كَبائِرِ الذُّنوبِ بَعدَ الشِّرك بالله، وتقدَّم
ذكر الكبائر، وأنَّ القتل من أعظم الكبائر، وقد قال الله -عزَّ وجلَّ- في شأنه:
﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمً﴾ [النساء:
93]، وثبت في السُّنَّة الوعيد الشَّديد فيمَن يقتل مُسلمًا بغيرِ حقٍّ، ومع هذا
فإنَّه قد أجمع أهلُ العلمِ وأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ على أنَّ القَتلَ وإن كانَ
جَريمةً عُظمَى إِلَّا أنَّه لا يُخرج صاحبه مِن مِلَّة الإسلامِ.
وأمَّا قوله -صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ
كُفْرٌ»، فالمراد به الكفر دون الكفر، أي: الكفر الأصغر الذي لا يُخرِج مِن الملة؛
لأنَّ الأدلَّة الأخرى دَلَّت على عدم خروجه مِنَ الملة، مثل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ
عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 178].
فالعافي: هُم أولياء الدَّم.
والمعفو عنه: هو القاتل.
والمقتول سمَّاه الله أخًا للقاتل، قال: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾
فَأَثبَتَ لَه الأخوَّة مَعَ وُجودِ القَتلِ.
وهكذا قال في الطَّائفتين: ﴿وإنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَ﴾ [آل عمران: 122] ثم قال في موضع آخر: ﴿إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات:10]، وغير ذلك
من الأدلة وقد تقدَّم ذكرها في موضعها عند الكلام عن الكبائر وأنَّها لا تُخرج من
الملة، فبالتالي عرفنا أن قوله -صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ
وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» أنَّ هذا غَير مُخرِج مِنَ الملَّة، ولكن مثل ما تقدَّم أنَّ
الإمامَ والحاكمَ وشيخ البلد والقاضي ونحوهم مِن أهلِ العِلم والفضلِ لا يُصَلُّون
عليه من باب التعزير والزَّجر لغيره حتى لا يفعل فعلته، وإنَّما يُصلِّي عليه طائفة
من المسلمين.
{أحسن الله إليك..
هل يُستثنى الزِّنَا؛ لأنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ثبتَ أنَّه صلَّى على
الغامديَّة بعد أن رُجمَت؟}.
الزِّنَا -نسألُ اللهَ أن يُعافينا وإيَّاكم وجميع المسلمين- من الجرائم الكبيرة،
ومن كبائرِ الذُّنوبِ، وذكرنا قاتل نفسه أو الذي يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض
فسادًا، والخوارج، ورؤوس أهل البدع ونحوهم؛ هؤلاء هم الذين ذكرهم العلماء بناء على
ما وَرَدَ في السُّنَّةِ مِن ترك الصَّلاةِ خَلفَ قاتل نفسه للإمام ونحوه، وليس
لعموم المسلمين.
أمَّا الغامديَّة[135] -رحمها الله ورضيَ عنها- فإنَّها قد أُقيمَ عليها الحدّ،
والحدود كفَّاراتٌ لأصحابها، وقد تقدَّم معنا حديث عبادة بن الصَّامت في بيعة
النَّبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين، حيث قال: «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ
فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ
عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ
عَذَّبَهُ»[136]، فمن أقيم عليه الحدُّ ممَّن ارتكب هذه الأمور فإنَّ إقامة الحدِّ
تمحو أَثَرَ الذَّنبِ، فهو كمن لم يُذنب.
{مَا حُكمُ الصَّلاة خَلفَ مَن كانت عَقيدته باطلة؟
هل نُصلِّي خلفه كالأحمديَّة أو القادريَّة أو الشيعيَّة؟}.
هَذه الطَّوائف التي ذكرتها تختلف، وبعضها أجمع علماء الإسلام على خروجها عن الدين،
فالأحمديَّة -وهم القاديانية- اتَّفَقَ عُلماءُ الإسلامِ عَلى أنَّهم ليسوا
مُسلمين، وبالتَّالي لا تَصِحُّ الصَّلاة خَلفَهُم.
وأمَّا القادريَّة -وهي طريقة صُوفيَّة- فهم أهل بِدعٍ، وَمِنهم مَن هُو أهلُ
غُلوٍّ وَشِركٍ واستغاثة بالأمواتِ، ودعاء للأولياءِ من دونِ الله، واعتقاد أنَّهم
يعلمون الغيب، فمَن كان على هذه الطَّريقة فلا تصح الصلاة خلفَه، لأنَّه وقع في
عقائد شركيَّة مخالفَة لأصل الدِّين، ومناقضة لِما في الكتاب والسُّنَّة ﴿قُل لَّا
يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل:65]،
﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدً﴾ [الجن:18]،
وهم يدعون مع الله غيره، ويعتقدون أنَّه يعلم الغيب.
أمَّا مَن لم يكن على هذه المرتبة ولم يبلغ هذا الغُلو الذي هو الشِّركِ الأكبر
والكفر الأكبر، وإنَّما في بعض البدع وقع دون أن يصل إلى هذا؛ فهو يعتبر من الذين
وقعوا في البدع، فيُنصَح لعلَّ الله يتوب عليه ويقلع عن هذه الأمور.
والأوَّل أيضًا يُنصح، لكن لا تَصِحُّ الصَّلاة خلفه، فكلهم يُنصحون، حتى
الأحمديَّة يُنصحون لعلهم يَتُوبُون وَيَرجعون للإسلام، لكن فرق بين من وقع في بدعة
ومَن وقع في شركٍ أكبر.
{(وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا نَشْهَدُ
عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ، وَلَا بِشِرْكٍ، وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى)}.
يقول الطحاوي -رحمه الله: (وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ)، الكلام هُنا عن أهل
القبلة، إذا رجعت إلى النَّص السَّابق يَقول: (وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ
بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ)، ثم قال: (وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا
مِنْهُمْ). إذن المراد هُم أهل القبلة، وليس عُموم الكفَّار، فأهل القبلة هم مَن
أظهروا الإسلام، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ
الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا
اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ»[137]، هكذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
الحكم بأنَّ هذا في الجنَّة وهذا في النَّار مِن قبيلِ الغيبِ، فالرجل مَهمَا بَلَغ
مِن الصَّلاح، ومهما بلغ من التَّقوى، ومهما بلغ من الفضل؛ لا يجوز لنا أن نحكم
بالأمور الغيبيَّة عليه أنَّه في الجنَّة، ولكن نرجوا له الجنَّة، ونُحسنُ الظَّنَّ
بالله -عزَّ وجلَّ- أن يُكرمنا ويُكرمه بالجنَّة.
وكذلك العكس، فمن ظهر منه الفجور والمعاصي والإصرار عليها حتى مات؛ فهذا لا يجوز
لنا أن نحكم عليه بأنَّه في النَّار، فلا نحكم على أحد من المسلمين مهما عمل من
المعاصي لا نحكم عليه بالنَّار، لأنَّنا ما ندري، لأن الله -عزَّ وجلَّ- قال:
﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ [النساء: 116]، فما لنا إلا الظَّاهر،
والله يتولَّى السَّرائر.
لكن مَن شهد له الكتاب والسنة بالجنَّة فنشهد له بالجنَّة، فالعشرة المبشرون
بالجنة: "أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي
الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ
فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدٌ وَسَعِيدٌ فِي
الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ"[138]، هؤلاء
العشرة شَهِدَ لَهُم النَّبيُ -صلى الله عليه وسلم- بالجنَّة، وغيرهم كذلك شَهِدَ
لَهُم النَّبي بالجنَّةِ، كأهلِ بَدرٍ، وكانوا ثلاث مائة وبضعة عشر، وكذلك مَن بايع
تحت شجرة الرضوان، وكانوا ألفًا وخمسمائة، ومن الصحابة الذين شُهدَ لهم بالجنَّة في
الأحاديث: عبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وبلال بن رباح[139]، وثابت بن قيس بن
شمَّاس، وأمهات المؤمنين كلهنَّ في الجنة (خديجة، وعائشة،...)، إلى آخره، وعبد الله
بن سلام، وعكاشة بن محصن[140]، وهناك آخرون.
فالمقصود: أنَّ هؤلاء معيَّنون في الأحاديث، فنعيِّنهم، وهذا معنى قوله: (وَلَا
نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارً).
قال: (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ، وَلَا بِشِرْكٍ، وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا
لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى)، هذا في الدُّنيا، فلا نَقُول عن شخصٍ إنَّه كافر، أو نقول عن شخص عنه
إنَّه مُشركٌ، أو شخص نقول عنه إنَّه منافق؛ فهذا لا يجوز إِلَّا إِذَا ظَهَر منهم
ما يدلُّ على هذا، كأن يظهر باللسان أو بالكتابة، أمَّا ما في قلوبهم -المقاصد
والنِّيَّات- فلا نعلمها، هناك قرائن محتفَّة أحيانًا، فترى الرَّجل يميل إلى بعض
مَن عُرفوا بالنِّفاق والعداء للإسلام، يميل إليهم، ويضحك معهم، وربَّما يجالسهم؛
فما تأتي تقول هو منافق إلا بشيءٍ صريح ظهر منه، ما يكفي الظَّن، وفي هذا الحديث
المشهور لمَّا قال بعض الصَّحابة للنَّبي -صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنَّنا
نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أليس يشهد أن لا
إله إلا الله، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ»[141].
وكذلك ما أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:
"إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ –يعني: يحاسبون- بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ
انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ،
فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ
سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا
سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ
حَسَنَةٌ"[142]، انتهى كلامه -رضي الله عنه.
فهذا كلام عظيمٌ، وهذا هو ما عليه أهل السُّنَّة قاطبة، أنَّهم لا يعملون
بالظُّنون، وإنّما يعملون بما أظهر الناس، فيحكمون عليهم بالظَّاهر، والله يتولى
السَّرائر، مثلما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ
تَعَالَى» وذلك في قوله: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا
الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى
اللَّهِ تَعَالَى»[143].
فعمر -رضي الله عنه قال: "إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ –يعني: يحاسبون-
بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ"، فما عاد ينزل وحي بعد النَّبيِّ -صلى الله عليه
وسلم- إلى قيام السَّاعة، حتى عيسى بن مريم إذا نزل لن يُوحى إليه، فهذا الوحي
انقطع، والشَّريعةت مَّت وكمُلَت، فرسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم
النَّبيِّين والمرسلين، فلا نبيَّ بعده، ولا رسول بعده. والأعمال والأقوال توزن
بالكتاب والسُّنَّة، لأن هذا هو ميزان الحقِّ والقسطِ.
قال عمر: "وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الْآنَ بِمَا
ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ
وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ
فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ
نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ". فالعبرة بما ظهر منه.
هذا الأمر يدعوك أيُّها المسلم إلى أنَّك ما تتعجَّل في الحكم على الآخرين إلا بما
ظهرَ وبما فيه بيِّنة شرعيَّة، وهذا هو الذي أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- به في قوله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن
تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
[الحجرات: 6]، ومثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ
السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ
اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرً﴾
[النساء: 94].
فالمقاصد والنِّيَّات لا يعلمها إلا الله -عزَّ وجلَّ- فالمسلم يجب أن يكون
مُتحريًا للحقِّ والعدل، وأَلَّا يحكم على النَّاس بالظُّنون والأهواء، وإنَّما
يحكم عليهم بما ظهر منهم، وهذا معنى قوله: (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ،
وَلَا بِشِرْكٍ، وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ،
وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى).
أمَّا مسألة الشَّهادة للمعيَّن بالجنَّة إذا مات فقد تقدَّم الكلام فيها، ولكن
للسَّلف فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنَّه لا يُشهَد إلا للأنبياء. وهذا منقول عن بعض المتقدمين، وهذا قول
ضعيف.
والقول الثاني: يُشهَدُ لمن شهدَ له الكتاب والسُّنَّة، وهذا هو قول أكثر أهل
العلم، وهو الأقرب.
القول الثالث: يُشهد بالاستفاضة، فمَن استفاض عند أهلِ العلمِ والخيرِ والعدلِ
والتَّقوى والصَّلاح أنَّه مِن أهلِ الفضلِ والخيرِ فيُشهَد له بالجنَّة، ومَن كان
عكس ذلك فيُشهَد له بالنَّارِ. ولكن هذا القول فيه شيء لأنَّ الحجَّة التي اعتمدوا
عليها حديث في البخاري أنَّه مُرَّ بجنازة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأثنوا
عليها خيرًا فقال -عليه الصلاة والسلام: «وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ»، فمرَّ
بجنازة فأثنوا عليها شر، فقال: «وَجَبَتْ»، فلمَّا سألوه، قال: «مَنْ أَثْنَيْتُمْ
عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا
وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ»[144].
والخطاب هنا للصَّحابة وهم خير القرون، ومَن تبعهم وكانَ على طريقتهم فهذا القول
ينزلُ على هؤلاء، أمَّا مَن كانَ دونهم مثل أهل الفسقِ وأهلِ الفجورِ فلا يُعتَبَرُ
بشهاداتهم ولا يُستفادُ منه شيء.
مثال ذلك: هناك مجموعة من الخمَّارين يبيعون الخمر -نسأل الله العافية- فمات واحدٌ
من هؤلاء الخمَّارين فقالوا: هذا طيب يُرخِّصُ لنا السِّعر ويُخفِّضه. فأثنوا عليه
خيرًا، هل هذه الشَّهادة تنفعه؟
الجواب: لا تنفعه؛ لأنَّ هؤلاء شهادتهم مجروحة.
فالخطابُ في الحديثِ للصَّحابةِ ومَن كانَ على طريقتهم مِن أئمَّة العلمِ وأئمَّةِ
السُّنَّةِ وأئمَّةِ الفضلِ والتَّوحيد، فهذا هو المراد.
فالمقصود يا إخوان: أنَّ الكلام على المعيَّن مِن أهلِ القبلةِ والحكم عليه
بالجنَّة. أمَّا الحكم عليه بالنَّار فقد تقدَّم أيضًا أنَّه لا يُحكَم عليه
بالنَّار.
أمَّا مَن كان خارج أهل القبلة، مثل النَّصارى واليهود والمجوس والملاحدة
اللادينيُّون، هؤلاء يُحكم عليهم بالنَّار، فكل مَن بلغته دعوة النَّبيِّ -صلى الله
عليه وسلم- ولم يدخل في دين الإسلام فهو من الكفَّار وهو في النَّار، قال الله
-عزَّ وجلَّ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ
الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:
24]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا *
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ
تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ
وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ﴾ [الأحزاب 64 - 66]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ
فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة: 6]، فالله -عزَّ وجلَّ- حكم
عليهم، فالشَّرط هنا أن تبلغه الدَّعوة.
أمَّا مَن لم تبلغه الدَّعوة كأهلِ الفترةِ والهَرِمِ أو المجنونِ، أو الصَّبي الذي
يموت دونَ البلوغِ ولم يبلغه الإسلام، أو مَن كان دون ذلك وهو الطِّفل؛ فهؤلاء أرجح
الأقوال أنَّهم يُمتحنون يوم القيامة ويُختبرون، لكن في الظَّاهر أنَّهم مُلحقون
بالكفَّار، فحكم في الظَّاهر أنَّهم يُدفنون في مقابر الكفّار ويُعامَلون معاملة
الكفَّار، لا يرثون أهل الإسلام ولا يرثهم المسلمون، فيعاملون معاملة الكفَّار،
صبيان الكفَّار، أو صبيان النَّصارى، أو الهَرِم من النَّصارى، أو المجنون من
النَّصارى، أو اليهود، أو المجوس، ونحو ذلك.
فنقول: الكفَّار في النَّار كما قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ
الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرً﴾ [الأحزاب: 64]، ما استثنى أحد.
فلا نقول: إنَّ الكفَّار ليسوا في النَّار.
ولا نقول: لا ندري أهم في النَّار أم لا.
لا، إنَّما ندري ونعلم، فالله علَّمنا وأخبرنا، الله الذي خلق الخلق أخبرنا ﴿إِنَّ
اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرً﴾ [الأحزاب: 64]، وقال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ﴾ [البينة: 6]، كيف نقول أنهم ليسوا في نار جهنَّم؟ نخالف القرآن؟! أو
نناقض القرآن؟! فهذا كلام باطل!
وللأسف بعضُ المفتونين يحاولُ أن يسوِّق للآراءِ الإلحاديَّةِ الباطلةِ هذه، فيجبُ
علينا أن نَلزَمَ غرزَ القرآنِ والسُّنَّة ولا نتعدَّى القرآنَ والسُّنَّةَ، ولا
نبالي بكلامِ الأعداء.
هذا ما يتعلق بقوله: (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ، وَلَا بِشِرْكٍ، وَلَا
بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ
إِلَى اللَّهِ تَعَالَى)، فاللهُ -عزَّ وجلَّ- أمرنا أن نَحكمَ بالظَّاهرِ واللهُ
يتولَّى السَّرائرَ.
وأمَّا اتِّباعُ الظَّنِ والظُّنونِ فلا يجوزُ، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ﴾ [الحجرات: 12]، وقال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً﴾
[الإسراء: 36]، هذا ما يتعلَّق بهذه الجملة: (وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ
جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ، وَلَا بِشِرْكٍ، وَلَا
بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ
إِلَى اللَّهِ تَعَالَى).
{أحسن الله إليكم.
حديث «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَجَبَتْ لَهُ
الْجَنَّةُ»[145]، هل يُفهم منه أنَّ مَن قالها وهو يحتضر أن نشهد له بالجنَّة؟}.
هذه بشارةُ خيرٍ يُفرَحُ له بهذه الخاتمة الحسَنة، ولكن لا نَشهدُ له بالجنَّةِ
بعينِه، ولا يجوزُ ذلك، لأنَّ هذا أمرُ غيبٍ.
وأمَّا معنى الحديث: أنَّه يُرجَى له الجنَّة، فكلُّ مسلمٍ حتى ولو لم يقل عند
احتضارِهِ هذه الكلمة لو ماتَ وهو فراشِه نائم، أو ماتَ بغيرِ ذلك مِن الأسبابِ
فإنَّه يُرجَى له الجنَّة إذا كان مِن أهلِ الطَّاعةِ والخيرِ.
{أحسن الله إليك..
إذا رُؤيَ هذا الشَّخصُ في المنام أنَّه في حالٍ طيب فهل يُحكم له بالجنَّة؟}.
أحسنت، الرؤى مبشِّرة، تسرُّ ولا تضرُّ.
{قال المؤلِّف -رحمه الله تعالى: (وَلَا نَرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ
السَّيْفُ)}.
هذه الجملة مهمَّة جدًّا (وَلَا نَرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
السَّيف: هو القتل، لأنَّه سلاح يستعمل في القتل.
والمعنى: لا نرى القتلَ لأحد مِن أمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا نرى السَّيف
حتى على أمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم.
فهذه مسألتان:
المسألة الأولى: المسلم الواحد، فله حرمة وله حقٌّ، ولا يجوز أن يُقتل ولا يُعتدى
عليه لا في دمه ولا في ماله ولا في عرضه، قال -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ
، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَ»[146]، فالمؤمن له حرمةٌ
عظيمةٌ إذا قال "لا إله إلا الله" ودخل دين الإسلام فإنَّه يُعصَم ماله ودمه،
وحسابه على الله -عزَّ وجلَّ- ويجب عليه أن يلتزمَ بشعائرِ الإسلامِ، لكن إذا حصلَ
منه تِقصيرٌ يُعاملُ بحسبِ التَّقصيرِ وبحسبِ العملِ الذي عَمِلَه، لكن لا يجوزُ أن
يُقتَل وأن يُعتدَى على دمِه، فحرمَةُ المسلمِ عندَ اللهِ عظيمةٌ جدًّا، والنُّصوصُ
في هذا كثيرةٌ جدًّا في بيانِ حرمةِ دمِ المسلمِ، قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمً﴾ [النساء: 93].
هنا قال: (إِلَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّيْفُ)، فهناك أُناس من أمَّة محمد -صلى
الله عليه وسلم- من أهل القبلة ويجب في حقِّهم أن يُقتلوا بالشَّرع المطهَّر، وقد
جاء في الحديث عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بيانهم، قال -عليه الصَّلاة
والسَّلام: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي
، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ
لِلْجَمَاعَةِ»[147].
الأوَّل: الثيب الزَّاني. من هو الثيب الزاني؟
الثَّيب الزَّاني: هو المحصَن الذي سبقَ أن وطأ زوجته في نكاحٍ صحيحٍ، وهما عاقلان
بالغان حُرَّان، فإذا زنى فحينئذٍ فإنَّه ارتكب حدًّا، وعقوبته الرَّجم حتى الموت،
ويُطبَّق هذا الحدُّ عن طريق المحكمة الشَّرعيَّة، وعن طريق وليِّ أمر المسلمين،
الأحكام الشَّرعيَّة هذا شأنها كلها، فلا تُطبَّق بالأهواء ولا بآحادِ النَّاس
وأفرادهم، فلا يُفتات على وليِّ الأمر، ولتطبيق هذا الحد شروطٌ وضوابطٌ عظيمة
مذكورة في حدِّ الزِّنا، فهذا الثَّيب الزَّاني.
الثَّاني: النَّفس بالنَّفس: وهو أنَّ المسلم إذا اعتدى على مسلمٍ آخرٍ فقتله،
فإنَّ لأهل الدَّم الحق أن يقتصُّوا من القاتل، وحينئذٍ يُقتَل القاتل قصاصًا، قال
تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي
الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ
بِالْأُنثَىٰ﴾ [البقرة: 178]، وقال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: 45].
الثالث: التَّارك لدينه المفارق للجماعة.
التَّارك لدينه هو: المرتد عن الإسلام والتارك له، فمن دخل في دين الإسلام ثم تركه
وارتدَّ عنه فهو مرتد، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ
فَاقْتُلُوهُ»[148]، والتَّارك لدِينِه فارقَ الجماعة، فيكون المفارق للجماعة
حينئذٍ وصفًا كاشفًا.
وقد يكون المعنى أنَّه وصفٌ مؤسِّسٌ لمعنًى وهو أنَّ التَّارك لدينه يُقتَل،
والمفارق للجماعة مثل البغاة وقطَّاع الطُّرق المحاربون لله ورسوله، قال الله -عزَّ
وجلَّ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ
فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ
لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة 33، 34]، فهؤلاء بيَّنَ الله عقوبتهم، ومنه
القتل أو الصَّلب، والصَّلب مِن القتل ولكنَّه عقوبة أعظم، فرتَّب جزاءهم على حسبِ
جرائمهم، فمنهم مَن يُنفى.
وكذلك البغاة يُقاتلون، قال تعالى: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: 9].
وكذلك الخوارج يُقاتَلون، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «فَأَيْنَمَا
لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ»[149]، وهؤلاء الخوارج يجب قطعُ دابرهم وقتلهم، وإلا
استفحلَ الشَّرُّ على المسلمين، لأنَّ حفظَ بيضةَ الإسلام، وحفظَ بلاد الإسلامِ لا
يتمُّ هذا إلا بقطعِ دابرِ هؤلاء بقتلهم، فهؤلاء يستثنون.
هذا معنى مَن وجب عليه السَّيف، ومعنى قوله: (وَلَا نَرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ
مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَنْ وَجَبَ
عَلَيْهِ السَّيْفُ).
المسألة الثانية: هو الخروج على أمَّة الإسلامة والمسلمين، وعلى ولاة الأمور، وهذا
سيأتي في الجملة التي بعدها، لكنَّ علماء السَّلف الذين يكتبون العقيدة دائمًا
يعبرون بهذا (وَلَا نَرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وهو الخروج على ولاة أمور المسلمين، فهذه عقيدة عند
أهل السُّنَّة والجماعة، لأنَّ الخروج على ولاة أمور المسلمين باطل ومحرَّم، ولا
يراه أحد من علماء أهل السُّنَّة إطلاقًا، فيعبرون بالسَّيف على الخروج.
والخروج بالفعل يكون بحملِ السِّلاح وحملِ السَّيف، لأنَّ السَّيف سلاح، فكانت
الأسلحة في ذلك الوقت كانت السُّيوف والرِّماح والسِّهام، والآن الأسلحة تختلف،
فحملُ السَّلاح هو سلٌّ للسَّيفِ على أمَّةِ محمد -صلى الله عليه وسلم- فإذا حملَ
السِّلاحَ فإنَّه يَقتل بَرَّها وفاجرها، ولا يفي لذي عهدٍ بعهده؛ فهو يرى السَّيف
على أمَّة محمد، ولهذا فإنَّ هؤلاء هم الخوارج ومَن شابههم.
ولكن انتبه أنَّ الخروج بالفعل بحمل السلاح يسبقه خروج قولي، وخروج فكري، وخروج
عَقدي؛ بأن ينشر الآراء الفاسدة التي تتضمَّن تغيير عقيدة المسلم، فيأتي عندك وأنت
سليم الصَّدر تجاه المسلمين، وقلبك فيه المحبَّة للمسلمين عامَّتهم رعاةً ورعيَّةً،
وتودُّ لهم الخير؛ فيأتيك ويقول لك: هذا فعل كذا، هذا قال كذا، هذه المسألة كذا
وكذا...؛ حتى يجعلك تقتنع بآرائك افلاسدة، فحينئذٍ يصبح في قلبك غل على المسلمين،
وبعد ذلك ينقلك إلى المرحلة الثَّانية وهي حمل السِّلاح.
فيبدأ أولًا بنشر الأفكار السِّيئة والعقائد الفاسدة، والمرحلة الثَّانية إذا كان
الرَّجل يحمل العقائد الفاسدة صار مهيَّأً لأن يخرج على جماعة المسلمين، لأنَّه لا
يراهم مسلمين أصلًا بسبب هذه العقائد الخبيثة.
فالمقصودُ: أنَّ التَّحريض والفتوى بغير حقٍّ كلها يعدُّ من الخروج القولي الذي
يسبق الخروج الفعلي، فما خرجت طائفة على ذي سلطانٍ تقاتله إلا قبلَ خروجها كان هناك
تهييجٌ وتحريضٌ، وكان هناك آراء فاسدة؛ حتى حملَت هؤلاء على القتال -نسأل الله
العافية والسَّلامة- فلا نرى الخروج على ولاة أمور المسلمين.
ويدخل في هذا تنفيذُ الحدود الشَّرعيَّة، فتنفيذُ الحدودِ الشَّرعيَّة يكون مرجعه
إلى وليِّ الأمر، فهو الذي يُنفِّذ الحدود، فلا يجوز أن ينفِّذ الحدود آحاد
الرَّعيَّة، الحدودُ الشَّرعيَّة إنما تكون عند وليِّ الأمر، ولا يجوز الافتيات
عليه، قال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا
مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2] هنا الحد: الجلد، وقوله: ﴿وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُو﴾ [المائدة: 38]، الحد هنا: القطع. ونحو ذلك من الحدود
الشَّرعيَّة، فلا يجوز لأحدٍ أن ينفِّذها، وإلا لعمَّت الفوضى، وهذا يسمَّى
الافتيات على ولاة الأمور، وإنَّما يجب الرُّجوع إلى القضاء الشَّرعيِّ، ثم حكمِ
وأمرِ وليِّ الأمرِ، وبعد ذلك ينفَّذ الحكم حسب توجيه ولي الأمر ولا يفتات عليه،
إذا قصَّر فيتحمَّل هو الإثم، ولكن لا يبدأ الرَّعيَّة بإقامة الحدود.
بعضهم يقول: إنَّ عبد الرحمن بن مهدي يقول: "لو رأيتُ جهميًّا على الجسر لكسرتُ
عنقه، أو لرميته أو لقتلته"، فمراده هو التَّحذير من الجهميَّة، وفي الرِّواية
الأخرى قال: "لو كان لي من الأمر شيء ورأيت جهميًّا لفعلت كذا وكذا"، فهو يُبيِّن
أنَّ هذا هو الواجب على ولي الأمر، ولكنَّه لم يقل أنَّه يفعل ذلك بنفسه، ولهذا لم
يقم عبد الرحمن بن مهدي ولا أحد من أئمَّة الإسلام بتنفيذ الحدود كما يدعو إلى ذلك
بعض من غَلِطَ في هذه المسائل وظنَّ خطأً بأهل العلم.
كذلك مِن الأشياء التي يجب التَّنبيه عليها ويدخل في هذا المعنى (وَلَا نَرَى
السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ)، ما يدعو إليه الخوارج اليوم بما يسمونه بــ"سنة الاغتيالات"، فيريدون
نشر أن يُغتال النَّاس ويُغدَر بهم ويُفتك بهم بالتَّفجير وبالقتل غيلةً وغدرًا
ومكرًا؛ حتى سمعنا في بعض البلدان الإسلاميَّة: أنَّ المسلم يخرج من صلاة العشاء
فيأتي مَن يقتله، أو يخرج من صلاة الفجر فيأتي من يقتله! فهؤلاء هم الخوارج،
والاغتيالات ليست سنَّة في الشَّريعة الإسلاميَّة.
أمَّا كعب بن الأشرف كان يهودي، وهو رئيس اليهود، وكان يهجو النَّبيَّ -صلى الله
عليه وسلم- ونقضَ العهدَ الذي كان بينَه وبينَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- والذي
أصدر الحكم بقتله هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إمام المسلمين، فهذه الأمور
كلها مجتمعة، ولا يصح أن تقيسوا عليها ما تفعلونه بالمسلمين أو بالمعاهدين، فكلُّ
هذا مِن الإنحراف الفكري الذي يُروِّج إليه هؤلاء الغلاة المنحرفون.
فنحن نحذِّر من هذه الضَّلالات، وما قلناها إلا لأنَّها منتشرة في بعض البلدان مِن
هؤلاء الجهلة الذين ظنُّوا أنَّهم ينصرونَ الدِّين وهم ينصرونَ أعداء الدِّين، فلا
للإسلام نصروا، ولا للأعداءِ كسروا؛ فهذه مِن الجرائم العظيمة، وهو أنَّهم يقيسوا
أفعالهم على ما حصل في زمن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عاهد اليهود فغدروا
ونكثوا العهد.
إذن ولي الأمر هو الذي يتصرف وليس أنت يا فرد، فما قامَ أحدٌ من الصَّحابةِ دونَ
أمرِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أبدًا، فكيف أنت تفعل الأمور دون أمر ولي أمر
المسلمين!
أمَّا التنظيمات المجهولة والمختفية، وتدَّعون أنَّ رئيسكم هو أمير المسلمين!
لا، هو ليس أميرًا، أنتم أمَّرتموه وهو مختفٍ، وهذا ليس له شأن، فهؤلاء لا عبرة
بهم، إنَّما يكون الإمام ظاهرًا شاهرًا له نفوذ وشوكة، أمَّا مَن تتبعونهم من
الخلايا الإجراميَّة فهؤلاء لا عبرة بهم ولا يجوز لك أن تعتقد هذه الأفكار؛ بل
المسلمون لهم حرمة، والمصلُّون لهم حرمة، والمعاهدون لهم حرمة، فمَن وقع في هذا
فليتُب إلى الله.
وهؤلاء الخوارج عندهم شبهات أخرى، فهم يرون السَّيف على أمَّةِ محمد -صلى الله عليه
وسلم- ويأتون بشبهاتٍ يغرون بها السُّذَّج، مثل شبهة "التَّترُّس"، يقولون: نقتل
العسكري المسلم أو الجندي المسلم، لأنَّ العدو تترَّس به.
والتَّترُّس مسألة قديمة وقعت لمَّا كان جيش الكفَّار يأخذ بعضَ الأُسَارى ويربطهم
في مقدِّمة السَّفينة أو في مقدِّمة الجيش حتى لا يرمي المسلمون عليهم شيئًا، لأنَّ
الأسارى مربوطون في مقدِّمة جيش الكفَّار، فيتحرَّج بعض جنود المسلمين مِن رمي
السَّلاح على الكفَّار لئلا يصيب إخوانهم الأسارى، فالكفار اتَّخذوا بعضَ المسلمين
تُرسًا يحمون به أنفسهم.
فيقيسون هذا على أوضاعٍ أخرى للمسلمين في بلدانِ المسلمين، ويقيسونه على قتل
المعاهدين عزَّل وما عندهم سلاح ويسمُّون هذا تترسًا، فهذه شبهة شيطانيَّة روَّجها
الخوارج اليوم حتى يغرُّوا الناس.
وكذلك شبهة "دفع الصَّائل"، إذا أرسل ولي الأمر الجنود يقبضون على هؤلاء المجرمين،
قالوا: يجوز أن تقتل المسلم لأجل دفعِ الصَّائل.
وهذا خطأ، إنَّما دفع الصَّائل إذا لم يكن ولي الأمر أمر بالقبضِ عليه، وإلا لكان
للسُّرَّاق أن يقولوا هذا وللصوص وقُطَّاع الطُّرق، وكل مجرم يقول أنا أدفع
الصَّائل.
ولهذا أجمع العلماء وحكاه ابن المنذر وابن حجر وغيرهم على أنَّ الصَّائل يُدفع إلا
إذا كان من قِبَلِ وليِّ الأمر، فإذا جاءك المسؤول الأمني فتُسَلِّم نفسك إذا كنت
من أهلِ الجناية، وتوضِّح لهم الأمر وتدافع عن نفسك، أمَّا أن يجعلوا أحكام ولي
الأمر مثل أحكام الصَّائل فهذه طريقة الخوارج، فولي الأمر ليس صائلًا، ولي الأمر
مُلزم بحفظ الأمر، ومُلزم أن يستتبَّ الأمن في بلاد الإسلام، ومن وسائل ذلك القبض
على كلِّ مَن عنده إجرام أو نيَّة إفساد، فهذا ليس صائلًا بإجماع العلماء، وقد حكى
هذا الإجماع جماعات غير ابن المنذر وغير ابن حجر، فلهذا يجب علينا أن ننتبه لهذه
الشُّبهات التي يروجها الغلاة، ونلزم هذه الطريقة (وَلَا نَرَى السَّيْفَ عَلَى
أَحَدٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَنْ
وَجَبَ عَلَيْهِ السَّيْفُ)، وهو مذكور في الحديث، وقد تقدم شرحه.
هذا ما تيسِّر في هذا المجلس، ونسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يعيذنا وإيَّاكم من
مضلَّات الفتن، وأن يعيذنا وإيَّاكم من الولوغِ في الدِّماء أو التَّسبُّبِ في ذلك
قولًا أو إشارةً أو فعلًا أو فكرًا -نسألُ الله أن يعذنا من ذلك- فمِن أعظم ورطات
الأمور التَّورط في دماء المسلمين أو في أحدهم، نسأل الله العافية لنا ولكم ولكل
مسلم.
هذه عقيدةٌ، ولهذا يجبُ على المسلمين أن يحاربوا عقائدَ الخوارج ومَن كان معهم.
وبالله التَّوفيق، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
---------------------------
[130] البخاري (662)
[131] البخاري (663)
[132] مسلم (2373) عن أبي مسعود الأنصاري
[133] صحيح البخاري" (2176) و"صحيح مسلم" (1619) من حديث أبي هريرة
[134] رواه البخاري (رقم/48)، ومسلم (64).
[135] روى مسلم (1695) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ
مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي فَقَالَ وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ
وَتُبْ إِلَيْهِ قَالَ فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ طَهِّرْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ قَالَ فَرَجَعَ غَيْرَ
بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ
الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ فِيمَ أُطَهِّرُكَ فَقَالَ مِنْ الزِّنَى
فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبِهِ جُنُونٌ
فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ فَقَالَ أَشَرِبَ خَمْرًا فَقَامَ رَجُلٌ
فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزَنَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِهِ
فَرُجِمَ فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ قَائِلٌ يَقُولُ لَقَدْ هَلَكَ
لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ وَقَائِلٌ يَقُولُ مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ
تَوْبَةِ مَاعِزٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ قَالَ
فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ
اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ فَقَالُوا غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ قَالَ ثُمَّ
جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الْأَزْدِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
طَهِّرْنِي فَقَالَ وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ
فَقَالَتْ أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ
قَالَ وَمَا ذَاكِ قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى فَقَالَ آنْتِ قَالَتْ
نَعَمْ فَقَالَ لَهَا حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ
مِنْالْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَ إِذًا لَا
نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ فَقَامَ
رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ
فَرَجَمَهَا
[136] مسلم (1709)
[137] البخاري (384)
[138] مسند أحمد (1608)
[139] روى البخاري (1149) ، ومسلم (2458) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ
عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ : ( يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ
فِي الإِسْلاَمِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي
الجَنَّةِ ) قَالَ: " مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي : أَنِّي لَمْ
أَتَطَهَّرْ طَهُورًا ، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ
بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ " .
[140] البخاري (6175) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْأُمَّةُ
وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ
وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ فَنَظَرْتُ
فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلَاءِ أُمَّتِي قَالَ لَا
وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قَالَ
هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لَا حِسَابَ
عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانُوا لَا يَكْتَوُونَ وَلَا
يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ
إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي
مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ
قَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ
[141] البخاري (1119)
[142] البخاري (2460)
[143] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[144] أخرجه البخاري (1367)، ومسلم (949)
[145] مسند أحمد (21553)، سنن أبي داود (2711).
[146] التاريخ الكبير للبخاري، مسند أحمد (20162).
[147] صحيح مسلم (3182).
[148] صحيح البخاري (6439).
[149] أخرجه البخاري (6930)، ومسلم (1066).
سلاسل أخرى للشيخ
-
12803 18
-
16750 9
-
34826 6
-
3050 13
-
3132 12
-
4154 11
-
5557 12