الدرس الحادي عشر

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

17205 11
الدرس الحادي عشر

كتاب التوحيد (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ضيف هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس.}
حياكم الله وبارك فيكم.

{وقف بنا الحديث عند باب ما جاء فيمن لم يقتنع بالحلف بالله}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من حلف بالله فليصدقْ، ومن حلف له بالله فليرضَ، ومن لم يرضَ فليس من الله»، فهذا الحديث يدل على أن من لم يرضَ بالحلف بالله فإن الله تبرأ منه؛ لأن الله -جلَّ وعلَا- أجلُّ محلوفٍ به، وأعظمُ محلوفٍ به، فمن لم يرضَ بالحلف به فإن الله بريءٌ منه، وذلك بشرط أن يكون الحالف صادقًا.

{عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرضَ، ومن لم يرضَ فليس من الله» رواه ابن ماجه بسندٍ حسنٍ}
نعم من حلف بالله فليصدقْ، هذا فيه وجوب الصدق في الحلف بالله، وأن الإنسان لا يحلف بالله وهو كاذبٌ فإن الله -جلَّ وعلَا- يغضب عليه، وينتقم منه؛ لأنه استهان بعظمة الله -عزَّ وجلَّ، هذا من ناحية الحالف، ومن ناحية المحلوف له بالله، فإنه يجب عليه أن يرضى بالله -عزَّ وجلَّ، وهذا يدل على كمال التوحيد، وهذه هي المناسبة بعقد هذا الباب في كتاب التوحيد أن عدم الرضا بالحلف بالله منقِّصٌ للتوحيد؛ لأنه تنقُّصٌ لعظمة الله -سبحانه وتعالى.

{«لا تحلفوا بآبائكم»}
«لا تحلفوا بآبائكم»، كانوا في أول الإسلام يحلفون بآبائهم، ثم إنَّ الله نهى عن ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحلف بغير الله شركٌ أصغرُ، كما يأتي، وهو منقِّصٌ للتوحيد.

{«من حلف بالله فليصدقْ، ومن حلف له بالله فليرضَ»}
من حلف له بالله فليرضَ بذلك ويقتنع، ولا يستهين بالحلف بالله ويطلب غير ذلك، فإن هذا يدل على تنقُّص الله جلَّ وعلَا، عدم الرضا بالحلف به.

{«ومن لم يرضَ فليس من الله»}
ومن لم يرضَ بالحلف بالله فليس من الله، يعني أن الله جلَّ وعلَا بريءٌ منه، وهذا وعيدٌ شديدٌ لمن لم يقنع بالحلف بالله إذا حلف له بالله فإنه يقنع ويرضى بذلك تعظيمًا لله سبحانه وتعالى.

{حفظكم الله، هذا الحديث رواه ابن ماجه بسند حسنٍ}
رواه ابن ماجه صاحب السنن، سنن ابن ماجه هي إحدى السنن الأربعة المعروفة، وسنده حسنٌ، والحسن ما كان دون الصحيح، بأن يخف ضبط الراوي فيكون الحديث حسنًا، وأما إذا كان الراوي تام الضبط من بداية السند إلى نهايته فإن هذا هو الصحيح، الحديث الصحيح.

{شيخ صالح يجهل كثيرٌ من الناس في أمور التوحيد وأمور العقيدة لماذا؟}
لأنهم لم يتعلموا أو لأنهم تعلموا واستهانوا بما تعلموه، العلم بالله وبرسوله وشريعة الله –سبحانه- يقتضي تعظيم الحلف بالله -عزَّ وجلَّ، وعدم الرضا بذلك، فإنه من نقصان التوحيد.

{وكيف يحقق التوحيد يا شيخ}
التوحيد يحقق بأن يكمل بتجنب الشرك الأكبر والأصغر، وتجنب الكبائر من الذنوب، هذا تحقيق التوحيد، وهو فوق التوحيد، هناك موحدٌ، وهناك محققٌ للتوحيد، وهذا المحقق للتوحيد يدخل الجنة بلا حسابٍ ولا عذابٍ، كما جاء في الحديث، أما من لم يحقق التوحيد فهو متعرضٌ للوعيد.

{الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بأحدٍ من الصحابة}
لا يجوز الحلف بغير الله، لا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بغيره، لا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بالأب ولا بغير ذلك، لا يجوز الحلف إلا بالله، لأن الحلف تأكيدٌ للمحلوف عليه بذكر معظمٍ، ولا أعظم من الله -سبحانه وتعالى-، فلا يجوز التهاون بالحلف بالله كاذبًا أو محتالًا ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: 77] أي: ليس لهم نصيبٌ في الآخرة، يجب تعظيم الله -جلَّ وعلَا، تعظيم الحلف به، يعظمه الحالف فيصدقُ، ويعظمه المحلوف له فيرضى بذلك، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «البينة على المدعِي واليمين على من أنكر»، فيدخل الحلف بالله في أمور القضاء، وأمور الخصومات، فيجب على من حلف له بالله أن يرضى بذلك ويقنع.

{الأمانة تترد على ألسنة كثيرٍ من الناس، يقول: أمانةً أن تدخل..}.
لا يجوز الحلف بالأمانة، قال -صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بالأمانة» لا يجوز الحلف بالأمانة سواءً قال والأمانة أو أمانةً له، أو قال أمانةً أن تدخل أو تشرب، هذا حلفٌ، محذوف الواو هذا حلفٌ، أمانةً أنه يحلف عليه بالأمانة أن يأكل أن يشرب أن يدخل بيته، ونحو ذلك، فهذا حلفٌ بغير الله -عزَّ وجلَّ- وهو شركٌ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» شكٌّ من الراوي هل قال الرسول كفرَ أو قال أشركَ، فالراوي جاء باللفظتين من باب الاحتياط.

{في الآية يا شيخ ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: 89]، فإذا جرى على لسانه الحلف من غير قصدٍ، هذا لا حكم عليه ولا يؤاخذ الله عليه، لأنه لم يعقده وإنما جرى على لسانه مثل قوله لا والله، وبلى والله في أثناء حديثه، أما إذا حلف بالله قاصدًا الحلف فإنه يجب عليه الصدق والوفاء بما حلف عليه.

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الباب العظيم: مسائل، أولها، والأولى: النهي عن الحلف بالآباء}.
نعم لا تحلفوا بآبائكم، كانوا يحلفون بآبائهم، وهذا في أول الإسلام، رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال للأعرابي لما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وسأله عما يجب عليه في الإسلام، أخبره -صلى الله عليه وسلم- فقال الأعرابي: والذي بعثك بالحق نبيًّا لا أزيد على هذا ولا أنقص، يعني من أركان الإسلام، فلما ولَّى قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أفلح وأبيه إن صدق» حلف النبي -صلى الله عليه وسلم- بأبيه، هذا في أول الأمر، ثم جاء النهي عن الله -جلَّ وعلَا- على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «لا تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفًا فليحلفْ بالله أو ليصمتْ».

{الثانية من المسائل: الأمر للمحلوف له بالله أن يرضى}.
نعم كذلك من حلف له بالله، هذا في الخصومات، من حُلف له بالله عند القاضي فليرضَ بذلك، لقوله -صلى الله عليه وسلم- «البينة على المدعِي، واليمين على من أنكر»، وكذلك يشمل في غير الخصومات، من حُلف له بالله فليرضَ، تعظيمًا لله -سبحانه وتعالى- وحملًا للحالف على الصدق.

{الثالثة من المسائل: وعيد من لم يرضَ}.
نعم لقوله -صلى الله عليه وسلم- «ومن لم يرضَ فليس من الله»، هذا وعيدٌ، معناه أن الله تبرأ منه -سبحانه وتعالى- وهذا وعيدٌ شديدٌ يدل على تحريم عدم الرضا بالحلف بالله.

{كثرة الحلف في البيع والشراء}.
لا يجوز هذا، أن يتخذ اليمين سلعته، فهذا من الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولهم عذابٌ عظيمٌ، أحدهم الذي جعل الله بضاعته، لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه.

{ما الفرق بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر؟}
الشرك الأكبر يُخرج من الملة، وصاحبه مخلدٌ في النار إذا مات عليه، أما الشرك الأصغر فهو منقِّصٌ للتوحيد، ولا يُخرج من الدين، ولا يُعتبر ردةً وصاحبه معرضٌ في الوعيد، لأنه استهان بالله -عزَّ وجلَّ- وبعظمته، فهو معرضٌ للوعيد.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ صالح، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الأمة الإسلامية على ما شرحتم وأفضتم في هذه الدروس المباركة من دروس التوحيد، للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله.

نلتقي على خيرٍ في درسٍ قادمٍ -بإذن الله- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك