الدرس الخامس

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

17205 11
الدرس الخامس

كتاب التوحيد (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ضيف هذا الدرس هو فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ في هذا الدرس.}
حياكم الله وبارك فيكم.

{قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب ما جاء في الرياء}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "باب ما جاء في الرياء
ما جاء من الوعيد في الرياء، والرياء هو أن يتظاهر الإنسان بالعمل الصالح والصلاح، يريد بذلك مُراءاة الناس، ولا يريد وجه الله، كما قال الله -جلَّ وعلَا- في المنافقين: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [النساء: 142].
والرياء على نوعين:
النوع الأول: رياء المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم يدعون الإيمان، ويتظاهرون به، وينكرونه في قلوبهم، وإنما قصدهم في هذا خديعة المؤمنين والتغرير بهم، كما قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ﴾ [البقرة: 9].
وهذا النوع من الرياء كفرٌ بلا شكٍّ.
النوع الثاني: الرياء الأصغر، بأن يكون قصد الإنسان العمل الصالح، والتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى، ولكن يدخله شيءٌ من مراءاة الناس، وأصل قصده أنه لله، وهذا هو الذي خافه النبي -عليه الصلاة والسلام- على أصحابه، حينما قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، فسئل عنه فقال: «هو الرياء، يقوم الرجل فيصلي، ويزين صلاته، لما يرى نظر رجلٍ إليه»، فأصل العمل أنه لله، لا نفاق فيه، ولكن يطرأ على الإنسان حب المدح وحب النظر المناسب، هذا يخدش في عمله؛ لأنه يخدش في الإخلاص لله عزَّ وجلَّ.
ولهذا خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، فسئل عنه فقال: «الرياء»، وهذا هو الرياء الأصغر، وهذا ينقص العمل ولا يبطل العمل، لكنه ينقصه. نعم.

{قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف: 110]}
يقول الله جلَّ وعلَا لنبيه: ﴿قُلْ﴾ أي: قل للناس ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ فهو مخلوقٌ مثل ما يُخلَق البشر، من أمٍّ وأبٍ -عليه الصلاة والسلام.
﴿بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ لكن يتميز على البشر بأنه يُوحى إليه، يوحي الله -جلَّ وعلَا- إليه برسالته، ﴿يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ هذا ما يوحى إليه: التوحيد.
إخلاص العمل لله عزَّ وجلَّ، والإله هو المعبود، من التأله وهو المحبة والعبودية لله -عزَّ وجلَّ، ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾ يوم القيامة؛ لأنه لابد أن يلاقي الناس كلهم ربهم يوم القيامة مؤمنهم وكافرهم، ولكن المؤمن يرجو لقاء الله بأن الله يغفر له وأن الله يرحمه، وأن الله يكرمه، يرجو هذا اللقاء مع الكريم -سبحانه وتعالى.
﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾ [الكهف: 110]، لأن الرجاء وحده لا يكفي، فلابد أن يعمل عملًا صالحًا، والعمل الصالح هو ما كان خالصًا لوجه الله، وصوابًا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو العمل الصالح، إذا اجتمع فيه هذان الشرطان، الإخلاص لله -عزَّ وجلَّ، وإفراد الله جلَّ وعلَا بالعبادة، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قوله: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ هذا الإخلاص، ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [البقرة: 112]، أي: متبعٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، هذا هو الإحسان المقصود في هذه الآية الكريمة وأمثالها.


﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ [الكهف: 110]؛ لأن الشرك يبطل العبادة.
ويراد هنا الشرك الأصغر؛ لأنه إذا راءى الناس بعمله بطل عمله، ولم يكن له فيه ثوابٌ.

{عن أبي هريرة مرفوعًا قال: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» رواه مسلم}
يقول الله جلَّ وعلَا في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، أن الله قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»، وفي روايةٍ: «وهو للذي أشركه وأنا منه بريءٌ».
فالله لا يقبل العمل الذي يدخله رياءٌ أو يدخله سمعةٌ، لأنه لا يكون خالصًا لوجه الله عزَّ وجلَّ.

{وعن أبي سعيد مرفوعًا: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟» قالوا: بلى، قال: «الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجلٍ» رواه أحمد}.
النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر لأصحابه الدجال، وفتنة الدجال، ثم قام -صلى الله عليه وسلم- فدخل، فالناس تذاكروا الدجال، وخافوا أنه قد ظهر؛ لأنَّ الرسول-صلى الله عليه وسلم- خوَّف منه تخويفًا شديدًا، فخافوا أنه قد ظهر الدجال، فخرج إليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ورآهم على هذه الحالة من الخوف، قال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الشرك الأصغر»؛ لأن الشرك الأكبر يتجنبه المسلم، ولكن الشرك الأصغر الذي هو الرياء، قلَّ من يتجنبه؛ لأنه يُدخل على الإنسان حب الرئاسة، وحب المدح، وحب الحياة الدنيا، والطمع، وهذا يؤثر على عبادته.

{في هذا الباب يا شيخ صالح مسائل، الأولى: الأمر العظيم في رد العمل الصالح إذا دخله شيءٌ لغير الله}.
الأمر العظيم، يعني الأمر المحظور الكبير، الذي يتضمنه هذا الحديث، وهو أن الله -جلَّ وعلَا- يرد العمل الصالح بسبب ما يدخله من الرياء، ومحبة المدح والثناء، فهذا خطرٌ عظيمٌ، فعلى الإنسان أن يخلص عمله لله، ولا يقصد به رياءً ولا سمعةً.

{المسألة الثانية في هذا الباب: ذكر السبب الموجب لذلك، وهو كمال الغنى}.
السبب الموجب أن الله -جلَّ وعلَا- لا يقبل عمل المرائي، أن الله غنيٌّ عنه، والله غنيٌّ عن كل شيءٍ، غنيٌّ عن خلقه، وغنيٌّ عن مخلوقاته، غنيٌّ بنفسه -سبحانه وتعالى-، فهذا هو السبب في أن الله لا يقبل العمل الذي فيه رياءٌ.

{المسألة التالية: إن من الأسباب أنه تعالى خير الشركاء}.
أنه تعالى خير الشركاء، لا ينازعه شريكٌ، بل يترك العمل كله له، لقوله -صلى الله عليه وسلم- عن ربه: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه»، وفي رواية: «هو للذي أشرك، وأنا منه بريءٌ»، وهذا كما في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾، قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الأنعام: 136]، فلا يصل إلى الله، لأن الله لا يقبله، وهو بريءٌ منه -سبحانه وتعالى.

{المسألة التالية: خوف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه من الرياء}.
خوف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وهم الصحب الكرام، صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخير القرون، خاف عليهم الرياء، فكيف بمن بعدهم؟! كيف إذا طال الزمان؟! الخوف أشد على المتأخرين، من خوف الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه الكرام.

{المسألة الأخيرة من هذه المسائل في هذا الباب في كتاب التوحيد: أنه فسَّر ذلك بأن المرء يصلي لله لكن يزينها لما يرى من نظر الرجل إليه}.
نعم، المؤمن يصلي لله، ما قام ولا جاء إلى المسجد ولا قام للصلاة إلا هو يريد الله -جلَّ وعلَا، ويطيع الله -عزَّ وجلَّ، لكن يطرأ عليه هذا الهاجس في نفسه، وهو أنه يحب أن يُمدح، أو يُثنى عليه في هذا العمل، فحينئذ يبطل عمله، أو ينقص عمله عند الله -سبحانه وتعالى.

{شيخ صالح، من وقع في هذا العمل -عمل الرياء- لكن يدافع هذا الرياء، ويجاهد نفسه، والشيطان، ماذا نقول في عمله يا شيخ صالح؟}.
عمله صالحٌ، لكن ينقصه ما دخله من الرياء، ينقصه، وأما رياء المنافقين فهذا يبطل العمل، لكن الرياء الذي يحصل على المسلم، هذا ينقص عمله، ولا يبطله، وهو الشرك الأصغر.

{أخيرًا نختم هذا اللقاء بسؤالٍ: هل هناك فرقٌ بين الشرك الخفيّ والشرك الجليّ؟}.
الشرك الخفي الذي في القلب، نية الإنسان لا يعلمها إلا الله -سبحانه وتعالى، إذا كان ينوي بقلبه، أو يريد بقلبه مدح الناس، وثناء الناس، هذا الناس ما يرونه، لكن الله -جلَّ وعلَا- يعلمه، ويؤثر هذا على عمل الإنسان، وقد يبطل عمل الإنسان.

شكر الله لكم فضيلة الشيخ صالح الفوزان، وجزاكم الله خيرًا على ما بيَّنتم وأفضتم وشرحتم في هذا الباب، من كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، شكرًا للزملاء الذين ساهموا في تسجيل هذا اللقاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك