الدرس الثامن

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

17231 11
الدرس الثامن

كتاب التوحيد (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ضيف هذا الدرس هو فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح}
حياكم الله وبارك فيكم.
{كنا قد قرأنا بعض الآيات المتعلقة بباب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات، وقرأنا بعض الأحاديث المتعلقة في هذا الباب، لعلكم تستهلون يا شيخ صالح هذا الدرس لمقدمةٍ كي نطرح بعض الأحاديث في هذا الباب}
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذا الباب هو باب من أنكر شيئًا من الأسماء أي أسماء الله سبحانه وتعالى، والصفات، وهذا ينطبق على الجهمية وعلى المعتزلة وعلى الأشاعرة أيضًا كلهم يدخلون في أنهم ينكرون الأسماء والصفات، لكن يقرون ألفاظها ولكنهم ينكرون معانيها، فهذا ضلالٌ مبينٌ.
وكذلك أهل الزيغ، والذين يريدون المغالطات، ويريدون التضليل، يلقون الشبه، يتبعون المتشابه ويتركون المحكم، ليضللوا الناس، فيلقون عليهم المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يردون المتشابه إلى المحكم فيتبين، أما أهل الضلال فيتبعون ما يتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، يعني: يأخذون بالمتشابه ويخوضون فيه ويشوشون على الناس، وهو لا مطمع في إدراك معانيه، حتى يرد إلى المحكم ليفسره ويوضحه.
{ومن الأحاديث: لما سمعتْ قريشُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ [الرعد: 30]}
نعم، كما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم في صلحه مع المشركين عام الحديبية، أمر عليًّا رضي الله عنه أن يكتب وثيقة الصلح، فكتب علي رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم، فقالوا: ما نعرف الرحمن، ولكن اكتب باسمك اللهم؛ لأنهم يكتبون هذا في مقدمات كتاباتهم.
فأنزل الله ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ [الرعد: 30].

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الباب مسائل عدةً، ومنها: عدم الإيمان بجحد شيءٍ من الأسماء والصفات.}
نعم عدم الإيمان لمن جحد شيئًا من الأسماء والصفات، فلا يجتمع الإيمان مع جحد الأسماء والصفات؛ لأن الله سمى جحْد الأسماء والصفات كفرًا، والمراد به الكفر الأكبر؛ لأنه يجب الإيمان بالله، والإيمان بالله يشمل الإيمان بربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، لابد من هذه الأمور الثلاثة حتى يتحقق الإيمان، ويصدُق الإيمان، لازم من هذه الثلاثة، الإيمان بالله وبكتابه وسنة رسوله، والإيمان بأسماء الله وصفاته التي وصف نفسه بها، أو سمى نفسه بها، أو وصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سماه بها، لا يتحقق الإيمان إلا بالإقرار بذلك واعتقاده.

{المسألة الثانية: تفسير آية الرعد}
تفسير آية الرعد: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ أن ذلك لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب الصلح بينه وبينهم في الحديبية، كتب عليٌّ رضي الله عنه بسم الله الرحمن الرحيم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتب ذلك في مقدمات رسائله، أنكروا وقالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، وهو مسيلمة الكذاب.
فأنزل الله هذه الآية: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ فيكون هذا هو سبب نزول هذه الآية.

{المسألة الثالثة: ترك التحديث بما لا يفهم السامع}
نعم هذه مسألةٌ جيدةٌ، وهو أن الذي يحدث الناس ويذكرهم، ويدعوهم إلى الله، لا يلقي عليهم الغرائب، إذا كانوا عوامًا لا يعرفون هذه الأشياء، بل يحدثهم بما يتطابق مع عقولهم شيئًا فشيئًا، يتدرج بهم شيئًا فشيئًا، ولا يهجم عليهم بأشياءٍ لا يعرفونها، فهذا من الحكمة، أن الواعظ والمذكر والداعية إلى الله يحدث الناس بالأشياء الواضحة، التي لا يستنكرونها، ويتدرج بهم شيئًا فشيئًا.
{المسألة الرابعة: ذكر العلة أنه يفضي إلى تكذيب الله ورسوله}.
نعم، ذكر العلة في قول عليٍّ -رضي الله عنه- قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله" فإذا حدثوا بما لا يعرفون كان ذلك وسيلةً إلى أن يكذب الله ورسوله، ويكون السبب هو الذي لبس عليهم وألقى عليهم شيئًا لم يبلغوه، كلٌ يحدث بقدر فهمه وبقدر معرفته، ويتدرج معه، لا نقول يبقى على جهله وعلى حاله، لا، يتدرج معه في التعليم، ومن هنا يغلط كثيرٌ من الذين يسمون القراء لا نقول العلماء ولكن القراء الذين يقرءون في الكتب الآن، ويأخذون على علاته، قد يكون بها أشياءٌ غير صحيحةٍ، قد يكون فيها أشياء تضليلٍ، قد يكون مدسوسًا بها شيءٌ من الضلال، فلا يجوز أخذ العلم عن الكتب، ولكن الكتب تقرأ على أهل العلم ويشرحونها ويبينون معانيها، وينزهونها مما ألصق بها مما ليس من معانيها وما كتب فيها من الغلط والضلال، ينفونه حتى يكون الناس على بصيرةٍ، وحتى تنقطع أطماع المضللين ودعاة السوء.

{إذا أولت الصفات يا شيخ صالح تأويلاً غير صحيح، ما الحكم؟}
إذا كان الذي أولها بغير معانيها يعرف معانيها، فهذا لا شك في كفره، وأما إذا كان لا يعرف معانيها، فهذا يكون قد غلط، لماذا يتجشم على شيءٍ لم يصل إلى معرفته ولم يبلغه علمه؟.

{أسماء الله أعلامٌ وأوصافٌ، وليست أعلامًا محضة، اشرحوا لنا هذه العبارة}.
نعم هذه من مسائل الباب، فأسماء الله أعلامٌ وأوصافٌ، يعني: صفاتٌ، لأن كل اسمٍ منها يدل على صفةٍ، الرحمن يدل على الرحمة، والعزيز يدل على العزة والقوة، الحكيم يدل على الحكمة، الغفار يدل على كثرة المغفرة لذنوب عباده، التواب يدل على أنه يقبل التوبة، أنه كثير القبول لتوبة التائبين.

وهكذا أسماء الله وصفاته، ليست ألفاظًا مجردةً كما تقوله الجهمية والمعتزلة، الجهمية ينكرونها إنكارًا باتًا، ألفاظها ومعانيها -والعياذ بالله، أما المعتزلة فيثبتون ألفاظها، وينكرون معانيها، ويقولون: هي ألفاظٌ لا تدل على معانٍ، بل هي ألفاظٌ مجردةٌ، كذا يقول المعتزلة.


{هل أسماء الله محصورةٌ؟}.
لا، ليست محصورةً، الله -جلَّ وعلَا- يقول: ﴿وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180]، ولم يحدد، الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةٌ إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة»، وهذا لا يدل على حصرها في تسعةٍ وتسعين، بل هذه التسعة والتسعين من أحصاها، يعني من عرفها، وعمل بها، دخل الجنة، وليس أن أسماء الله محصورةٌ في هذه التسعة والتسعين، بل هي أكثر من ذلك، لا يعلمها إلا الله، ولكن هذه التسعة والتسعون، من أحصاها دخل الجنة، يعني من حفظ وعرف معانيها، وعمل بها، دخل الجنة ولا يمنع أن يكون هناك غيرها من أسماء الله وصفاته؛ لأن العدد كما يقولون، لا يدل على الحصر.

{يا شيخ صالح -حفظك الله- الصفات الذاتية والفعلية والخبرية، حدثونا عنها}.
الصفات الذاتية، هي المتعلقة بالذات، كالعليم، والحكيم، هذه متعلقةٌ بالذات، لا تنفك عنها أبدًا، وأما الفعلية، فهي التي يفعلها إذا شاء -سبحانه وتعالى، مثل: الكلام.
الله يتكلم متى شاء بما شاء، وكيف شاء -سبحانه وتعالى.
الاستواء على العرش، هذا من صفات الله تعالى.
العلو هذا من صفات الذات، هذا الفرق بينهما، العلو من صفات الذات، الذي لا ينفك عن الله، لا يزال الله عاليًا على مخلوقاته -سبحانه وتعالى.
أما الاستواء، فيفعله –سبحانه- إذا شاء، يصعد ويرقى على العرش، ويستقر على العرش إذا شاء، هذه من صفات الأفعال، التي يفعلها إذا شاء -سبحانه وتعالى.

{الخبرية يا شيخ}.
الخبرية قسيمة للصفات الذاتية. الخبرية هي صفات الأفعال.
{أيهما أوسع، الصفات أم الأسماء؟}.
ما من اسمٍ من أسماء الله، إلا واشتقوا منه صفةً، كلها واسعةٌ، أسماؤه وصفاته، قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾.

{نريد أن نختم هذا الباب العظيم بكلمةٍ أخيرةٍ، تفضل يا شيخ صالح}.
هذا الباب، بابٌ عظيمٌ، وهو الإيمان بأسماء الله وصفاته، وباب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات، يعني ما حكمه في الإسلام؟
ذكر الشيخ الآيات والأحاديث الواردة في هذا، ونحن بيناها حسب ما نستطيع، وشرحها موجود في فتح المجيد، أو في تيسير العزيز الحميد، أو في غيرها من شروح التوحيد.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ، وبارك الله فيكم، وفي علمكم، ونفع بكم الأمة الإسلامية، على تفضلكم بشرح هذا الباب، من كتاب التوحيد، للإمام المجدد، محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، جزاكم الله عنا، وعن أمة الإسلام خير الجزاء، أشكر فريق العمل في هذا البرنامج، يتجدد اللقاء -إن شاء الله- في درسٍ قادمٍ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك