الدرس السابع

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

17058 11
الدرس السابع

كتاب التوحيد (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ضيف هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح.}
حياكم الله وبارك فيكم.

{وقف بنا الحديث عند باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات}

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال -رحمه الله: باب مَن جَحَدَ شيئًا، يعني: أنكر شيئًا من الأسماء، أسماء الله -سبحانه وتعالى، والصفات صفات الله؛ لأنَّ الله له أسماءٌ وله صفاتٌ.
قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة».
وأسماء الله كثيرةٌ:
- منها ما بينه لنا في كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمرنا أن ندعوه بها.
- ومنها ما استأثر الله بعلمه، لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى- من أسمائه وصفاته، كما قال صلى الله عليه وسلم في دعائه: «أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»، فَدَلَّ على أن لله أسماءً وصفاتٍ لا يعلمها إلا هو -سبحانه وتعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك».
والأسماء الحسنى يُشتق منها الصفات، فكل اسمٍ من أسمائه يُشتق منه صفةٌ من صفاته، ولهذا سمَّاها الله بالحُسنى،؛ لأنَّ الحُسنى هي التي لها معانٍ، ومعانيها تُشتق منها: فيشتق له -سبحانه وتعالى- من كل اسمٍ صفةً، فالرحمن يدل على الرحمة، والعزيز يدل على العِزة، والكريم يدل على الكرم، الحكيم يدل على الحكمة، فليست ألفاظًا مجردةً أو مترادفةً، كما يقوله الملاحدة، وإنما هي أسماءٌ جليلةٌ لكل اسمٍ منها معنى يختص به وصفة تستنتج منه.
فالله -جلَّ وعلَا- أمرنا بدعائه بأسمائه، بأن نتوسل إليه بأسمائه وصفاته، ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180]، يعني: توسلوا إليه بها، فتقول: يا رحمن ارحمني، ويا كريم أكرمني، وهكذا، تدعو الله بأسمائه أن يعطيك ما تضمنه هذا الاسم العظيم.

{قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾}
قال -جل وعلا: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾، يعني: الكفار، ﴿يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ يعني: يُنكرون اسم الرحمن، وذلك لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب بينه وبين المشركين صلح الحديبية، أمر عليًّا رضي الله عنه أن يكتب، فكتب عليٌّ رضي الله عنه بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا: ما ندري ما الرحمن، إلا رحمن اليمامة، يعنون: "مسيلمة الكذاب"، ما ندري ما الرحمن، ولكن اكتب باسمك اللهم؛لأنهم كانوا يستعملون هذا في كتاباتهم، باسمك اللهم، ولا يكتبون بسم الله الرحمن الرحيم، ولهذا قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿وَهُمْ﴾ أي: المشركون ﴿يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ أي: ينكرون اسم الرحمن.

{وفي صحيح البخاري قال عليٌّ: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله"}
نعم تتمة للكلامِ السَّابق، أن المشركين يكفرون بالرحمن، ويكفرون بأسماء الله وصفاته، فهم سلف الجهمية والمعتزلة.
المشركون هم سلف الجهمية والمعتزلة، فالجهمية والمعتزلة يتبعون المشركين، أهل الجاهلية، لماذا؟
لأنَّ الجهمية والمعتزلة ينكرون أسماء الله وصفاته، وإنما يثبتون ألفاظًا مجردةً، لا تدل على معانٍ عندهم.

{وفي صحيح البخاري قال عليٌّ: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله"}
عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ورابع الخلفاء الراشدين، يقول للوعاظ الذين يعظون الناس: "حدثوا الناس بما يعرفون" لأن الواعظ يتصيد أي كلامٍ ويأتي به يلقيه على العوام، وقد يستنكرونه، هو صحيحٌ لكن ما درسوه ولا عرفوه، فَدل هذا على أن المتعلم يتدرج به شيئًا فشيئًا، ولا يلقى عليه شيئًا لا تبلغه معرفته حتى يتدرج به شيئًا فشيئًا فيعرفه.
أمَّا أن تأتي على ناسٍ جُهالٍ تذكر لهم مثلًا العرش، صفة العرش، تذكر لهم الجنة والنار وما فيهما، تذكر لهم أشياءً غريبةً فقد يحملهم ذلك على التكذيب، فلهذا قال: "أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله" قَد دَلَّ على أنَّه يتعين على الدُّعاة والوعاظ أن يأتوا بالأشياء الواضحة، والأشياء الثابتة والصحيحة التي لا يستغربها الجاهل.
أما إذا تحدثنا عن عالمٍ فلا بأس أن تتحدث معه بما تعرف ولو كان هذا الذي تعرفه يخفى على الجهال، فحديثك مع العالم مناسبٌ، والواعظ والداعي إلى الله يُراعي أحوال المدعوين الذين يلقي عليهم الموعظة؛ لمعرفة هل تتحمل عقولهم هذه الأشياء التي يخبرهم بها أو ينكرونها ويكذبونها وهي صحيحةٌ؟
فيكون الإثم على هذا الداعية وهذا الواعظ؛ فيجب عليهم أن يحدثوا الناس بالأشياء الواضحة التي لا تستنكرها عقوله.

{وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن بن عباس، أنه رأى رجلًا انتفض لما سمع حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصفات استنكارًا لذلك، فقال: ما فرقوا هؤلاء يجدون رقةً عند محكمه ويهلكون عند متشابهه.. انتهى}.
دل هذا الأثر عن ابن عباس -رضي الله عنه- على أن الأسماء والصفات ليست من الأشياء التي تستغرب عند الناس، بل هي ثابتةٌ وأنها لا تدخل في قول عليٍّ -رضي الله عنه- "حدثوا الناس بما يعرفون" فإن الأسماء والصفات يعرفونها والله بينها في كتابه، بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنته، فليست من الأشياء التي لا تعرف، فلا تدخل في قول عليٍّ -رضي الله عنه- "حدثوا الناس بما يعرفون" بدليل أن ابن عباس -رضي الله عنه- لما حدث بشيءٍ من أسماء الله وصفاته، انتفض بعض الحاضرين من الاستغراب والخوف والهلع؛ لأن هذا شيءٌ يخفى عليهم، لأنهم ينكرون الأسماء والصفات، فإذا حدثوا بها استغربوا وأنكروها، فدل على أن الأسماء والصفات ليست مما لا يعرفه الناس وأنهم يحدثون بها، وأن ابن عباس ذكر اسمًا من أسماء الله -عزَّ وجلَّ- في كلامه، فانتفض بعض الحاضرين الذين ينكرون ويستغربون أسماء الله وصفاته، لما تلقوه من شبهات المشبهين الذين ينكرون الأسماء والصفات، كالجهمية والمعتزلة ومن اقتدى بهم، انتفض هذا الرجل لأنه على العقيدة التي هي إنكار الأسماء والصفات.
فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- فرقوا هؤلاء، فرق أي الخوف، استغربوا، ما الذي سبب لهم الفرق، ما فرقوا هؤلاء؟
يجدون رقةً عند محكمه، يعني: الأسماء والصفات من المحكم وليست من المتشابه.
والمحكم هو الذي يُعرف معناه ويجب اعتقاده والعمل به.
والمتشابه هو الذي لا يُعرف معناه إلا إذا رُد إلى المحكم، قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران:7]، المحكم والمتشابه.
أهل الضلال يأخذون المتشابه وينكرون المحكم، وأمَّا أهل السنة والجماعة فإنهم يأخذون بالمحكم والمتشابه، يؤمنون بهم جميعًا، ويردون المتشابه الذي لا يُعرف معناه إلى المحكم الذي يبين معناه، فالمتشابه هو الذي لا يعرف معناه من نفسه إلا برده إلى غيره، هذا المتشابه.
وأما المحكم فهو الذي يعرف معناه منه، ولا يحتاج إلى تفسيره بغيره، هذا هو المحكم.
الأسماء والصفات من أي القسمين؟
من المحكم الذي يُعرف معناه ويفسر، وأمَّا المتشابه فلا يعرف معناه ولا يفسر إلا برده إلى المحكم ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ أي: المحكم والمتشابه ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ يردون المتشابه إلى المحكم ويفسروه ويوضحه.

{جزاك الله خيرًا يا شيخ صالح، انتهى الدرس هذا اليوم، بقي بعض الأحاديث في هذا الباب، ونظرًا لأهميتها سنرجيء هذه الأحاديث وبعض المسائل المتعلقة ببابٍ عظيمٍ من أبواب التوحيد إلى الدرس القادم -إن شاء الله.

شكر الله لشيخنا العلامة صالح الفوازن، شكرًا لفريق العمل، نجدد اللقاء -إن شاء الله- بكم في الدرس القادم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك