الدرس العاشر

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

17231 11
الدرس العاشر

كتاب التوحيد (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ضيف هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس.}
حياكم الله وبارك فيكم.

{قال المؤلف -رحمه الله تعالى: باب قول الله -تبارك وتعالى: ﴿فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22].}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال الشيخ -رحمه الله: باب قول الله تعالى: ﴿فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، تفسير هذه الآية في هذا الباب، حتى يتضح معناها، ذلك أن الله سبحانه وتعالى قرر قبل ختام هذه الآية نعمه على عباده، وانفراده بالخلق والتدبير، ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 54]، وفي آية البقرة يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21، 22].
ذكر أدلة التوحيد الكونية، وهو خلق السموات والأرض، وأمر بعبادته وحده، والذي فعل هذه الأفعال هو الذي يستحق العبادة، أما الأصنام والأشجار والأحجار والقبور فإنها لم تَخلُق شيئًا، ولا تَقْدِر على شيءٍ، فلماذا تتخذونها مع الله، وأنتم تعلمون أنها لا تشارك الله في هذه الأفعال العظيمة؟
فهي لم تخلق السموات والأرض، ولم تُنزل المطر، ولم تُنبت النبات، فلا تعبدوها، وتجعلوها شريكةً لله، والأنداد شركاءٌ، فلا تجعلوا لله شركاءَ من هذه المخلوقات التي هي عاجزةٌ، لا تنفع نفسها، فكيف تنفع غيرها، ولا تدفع عن نفسها فكيف تدفع عن غيرها.
لكنهم أعماهم الضلال، وأعماهم التعصب الأعمى لما وجدوا عليه آباءهم، فبقوا على عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وهم يعلمون أن هذه المعبودات ليس لها من الأمر شيءٌ، وأنها لم تخلق شيئًا، وأنها لا تقدر على شيءٍ.

{قال ابن عباس في الآية: الأنداد هو الشرك، وهو أخفى من دبيب النمل على صفاةٍ سوداءَ في ظلمة الليل}
يقول عبد الله بن عباس -حبر الأمة، وترجمان القرآن -رضي الله عنهم: إن الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاةٍ سوداءَ في ظلمة الليل، يعني: الشرك الأصغر، وهو أن هناك من ينسب الخير إلى فعله وإلى مهارته وقدرته، أو ينسبها إلى غيره من المخلوقين، وهذا إنكارٌ لنعمة الله -سبحانه وتعالى.
فإن الذي أنعم بالنعم هو الله -سبحانه وتعالى، وإذا جرت على أيدي مخلوقين فإنما هم سَببٌ من الأسباب، فالسبب لا يكون إلهًا مع الله، ولا تَتخذ الأسباب أندادًا لله -سبحانه وتعالى، فإن الله -جلَّ وعلَا- هو مسبب الأسباب.
فلو شاء لم تنفع هذه الأسباب، الأسباب لا تنفع إلا بمشيئة الله وتدبيره -سبحانه وتعالى، فلا تعتمدوا على الأسباب، ولكن اعتمدوا على الله –سبحانه- مع اتخاذ الأسباب، نحن لا نقول بإلغاء الأسباب، لكن نقول: تتخذ الأسباب النافعة مع التوكل على الله -سبحانه وتعالى- فلا يكفي التوكل على الله وترك الأسباب، ولا يكفي اتخاذ الأسباب مع ترك التوكل على الله، بل لابد من الجمع بينهما.

{وهو أن تقول: وحياتك يا فلان، وحياتي}
ومنه الشرك الأصغر، الحلف بغير الله، تقول: وحياتك يا فلان، وحياتي، والله جلَّ وعلَا نهى عن الحلف بغير الله، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلف بغير الله سبحانه وتعالى.
والحلف تعظيمٌ للمحلوف به، ولا يكون هذا إلا لله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمتْ».
فلا يجوز الحلف بغير الله، لا بحياة فلان، ولا بغيره.

{وتقول: لولا كُليْبة هذا لأتانا اللصوص}
لولا كُليْبة هذا يعني: يحرس؛ لأن الكلب يحرس المكان، وهذا سببٌ من الأسباب، وليس هو الذي حفظ هذا البيت أو هذا المكان إنما الذي حفظه هو الله -سبحانه وتعالى، وأما الكلب فإنه سببٌ من الأسباب، حراسة الكلب أو غيره سببٌ من الأسباب، لو شاء الله لم ينفع هذا السبب، وسُرق المكان وفيه الحارس وفيه الكلبة، وهذا كثيرًا ما يقع، فلا يجوز الاعتماد على الأسباب، وإنما تُتخذ الأسباب ويكون الاعتماد على الله سبحانه وتعالى.
والله أمر باتخاذ الأسباب، وأمر بالتوكل عليه وحده، أعلى الأسباب.

{ولولا البط في الدار؛ لأتانا اللصوص}
ولولا البط في الدار، يعني: وجود البط؛ لأن البط ينبه أهل البيت إلى من دخل، لا هذا سببٌ من الأسباب، قد يدخل اللص والبط في البيت، ولا يستيقظ أهل البيت إذا أراد الله -سبحانه وتعالى- السرقة لهذا البيت، كثيرًا ما يقع هذا، فنحن نتخذ الأسباب والحراسات ولكن نعتقد أن الحافظ هو الله -سبحانه وتعالى.
وهو الرقيب -سبحانه وتعالى، ولو شاء لم تنفع هذه الأسباب، ولكنها تتخذ وينفع بها أحيانًا أو في الغالب، لكن أحيانًا لا تنفع الأسباب، الاعتماد إنما هو على الله -سبحانه وتعالى، والتوكل عليه مع اتخاذ الأسباب فلابد من الجمع بين الأمرين.
اتخاذ الأسباب النافعة، مع التوكل على الله سبحانه وتعالى في حصول المقصود.

{أن يقول لصاحبه: ما شاء الله وشئت}
وكذلك من اتخاذ الأنداد أن يقول الرجل لصاحبه ما شاء الله وشئتَ، فعطف المخلوق على الخالق بالواو، وشئتَ، والواو تقتضي الاجتماع والاقتران، ولا تقتضي الترك، تقتضي الاجتماع فقط، والاقتران، ولا تقتضي الترتيب، مثل ثم، ولذلك تقول: ما شاء الله ثم شئتَ، فإذا أتيتَ بثم، صح التعبير، وانتفى الشرك؛ لأنك جعلتَ المخلوق بعد الخالق، ومشيئة المخلوق، بعد مشيئة الله، كما قال جلَّ وعلَا: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: 29]، فالمخلوق له مشيئةٌ، والله له مشيئةٌ، ولكن مشيئة المخلوق، لا تنفع ولا تقي من المحظور، إلا بعد مشيئة الله -سبحانه وتعالى، فإذا شاء نفعتْ مشيئة المخلوق، وإذا شاء لم تنفع، وسلبها النفع.. والإنسان يعتمد على الله، يتخذ الأسباب الواقية والنافعة، لكن يعتمد في حصول النتائج على الله -سبحانه وتعالى، فلا يغتر بقوة الأسباب، أو قوة السلاح، أو قوة الحراس، لا يعتمد على هذا، يعتمد على الله -سبحانه وتعالى، وإنما هذه أسباب أمر الله باتخاذها للوقاية فقط، لا للاعتماد عليها من دون الله -عزَّ وجلَّ.

{وقول الرجل: لولا اللهُ وفلانٌ}.
لولا اللهُ وفلانٌ، مثل: ما شاء الله وشئتَ، فيه الجمع بين الله والمخلوق بالواو، والواو تقتضي الاجتماع والاقتران، فجعل المخلوق مُساويًا للخالق، وهذا شركٌ، والواجب أن يقول: لولا اللهُ ثم فلانٌ، ما شاء الله ثم شاء فلانٌ، وما أشبه ذلك، فيأتي بثم التي هي للترتيب، وتجعل عمل المخلوق، أو مشيئة المخلوق، بعد مشيئة الله -سبحانه وتعالى.

{قول الرجل: لولا الله وفلانٌ، لا تجعل فيها فلانًا، هذا كله به شركٌ}.
وقول الرجل: لولا الله وفلانٌ، قال -رضي الله عنه: لا تجعل فيها فلانًا، يعني: لا تجعل فلانًا مساويًا لله، بالعطف بالواو، فهذا شركٌ، نوعٌ من الشرك، ولكنه شركٌ أصغرُ، ولكن تقول: لولا الله ثم فلانٌ، قوله: لا تجعل فيها فلانًا، يعني فلانًا فقط، أما إذا جعلتَ فلانًا بعد الله -جلَّ وعلَا-، فقلت: لولا الله ثم فلانٌ، ما شاء الله ثم شاء فلانٌ، فإنك حينئذٍ أتيتَ بالتوحيد، وجعلت مشيئة المخلوق، وعمل المخلوق بعد مشيئة الله، وعمل المخلوق.

{رواه ابن أبي حاتم}.
روى هذا الأثر، ابن أبي حاتم، وهو من كبار المفسرين، ابن أبي حاتم، هو وأبوه، كلاهما محدثان مفسران -رحمهما الله.

{وعن ابن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك»}.
«من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك»، كفر بالله -عزَّ وجلَّ، أو أشرك بالله -عزَّ وجلَّ، وهذا من الكفر الأصغر، ومن الشرك الأصغر، الحلف بغير الله؛ لأن الحلف تعظيمٌ للمحلوف به، والذي يستحق التعظيم المطلق، هو الله -سبحانه وتعالى، ولا أجعل المخلوق مساويًا لله -عزَّ وجلَّ- في ما لا يقدر عليه إلا الله -عزَّ وجلَّ.

{رواه الترمذي، وحسنه وصححه الحاكم}.
رواه الترمذي، الإمام الجليل، في جامع الترمذي، الذي هو سنن الترمذي، السنن الأربعة، سنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، هذه السنن الأربعة، التي يعتمد عليها في رواية الحديث.

{وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبًا، أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا}.
يقول ابن مسعود -رحمه الله، الصحابي الجليل، العالم بمعاني القرآن، ونزوله، ومعانيه -رضي الله عنه، يقول: لأن أحلف بالله كاذبًا، أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا، ما فيه شكٌّ أن الحلف بالله كاذبًا، أنه جريمةٌ عظيمةٌ، ومنكرٌ؛ لأن الحلف بالله يجب أن يكون صادقًا، ولا يحلف بالله كاذبًا؛ لأن هذا فيه استهانةٌ باسم الله وتعظيمه، لكن يقولون: سيئة الشرك، أعظم من سيئة الكذب، الكذب محرمٌ، والشرك محرمٌ، ولكن الشرك هو أعظم المحرمات، فالشرك أعظم من الكذب، فابن مسعود -رضي الله عنه، لفقهه وفهمه، يقول: لأن أحلف بالله كاذبًا، مع أن الكذب حرامٌ، أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا، لأن الحلف بغير الله شركٌ، والكذب أيضًا محرمٌ، لكن يكون من الذنوب، وهو دون الشرك، فلذلك يقول: لو ارتكبتُ الكذب، أحبُّ إليَّ من أن أرتكب الشرك، وإن كان الشرك شركًا أصغر، فهو أعظم من الكذب، فعلى المسلم أن يتجنب الكذب، ولا يقول إلا صدقًا، ولا يحلف بالله إلا وهو صادقٌ، ولا يحلف به كاذبًا، فإن هذا من الاستهانة بعظمة الله -سبحانه وتعالى.

{الحديث الأخير في هذا الباب: وعن حذيفة -رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقولوا: ما شاء الله، وشاء فلانٌ، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلانٌ»، رواه أبو داود، بإسنادٍ صحيحٍ}.

نعم الله -جلَّ وعلَا- له مشيئةٌ، وهي المشيئة النافذة، والمخلوق له مشيئةٌ أيضًا، قال الله -جل وعلا: ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير: 28]، فأثبت المشيئة للمخلوق، ثم قال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، فجعل مشيئة المخلوق تابعةً لمشيئة الله -سبحانه وتعالى-، ولا تكون مشيئة المخلوق مستقلةً أو مساويةً لمشيئة الله سبحانه، بل يجب الاعتراف بهذا، فتقول: ما شاء الله، ثم شاء فلانٌ، ولا تقول: ما شاء الله، وشاء فلانٌ.
قال رجلٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئتَ، قال: «أجعلتني لله ندًا»، يعني: شريكًا، قل: «ما شاء الله وحده»، لأن العطف بالواو يقتضي التشريك، والمعية، والله لا شريك له، ولا أحد يساويه -سبحانه وتعالى.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ، وبارك الله فيكم، وفي علمكم، على ما شرحتم، وأفضتم، وبينتم في هذه الدروس المفيدة، من دروس التوحيد، للإمام المجدد، محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله، جزاكم الله عنا، وعن أمة الإسلام خير الجزاء.

في الختام، تقبلوا تحية كافة الزملاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك