الدرس الرابع

معالي الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان

إحصائية السلسلة

13805 11
الدرس الرابع

كتاب التوحيد (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ضيف هذا الدرس هو فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس.}
حياكم الله وبارك فيكم.

{وقف بنا الحديث مع السادة المشاهدين والمستمعين، عند باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الإيمان بالله، يقول الشيخ رحمه الله: باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله، فالمؤمن يبتلى بالمصائب وبالنكبات؛ ليُمحص ويطهر من ناحيةٍ، ولأجل أن يظهر يقينه وصدقه، وأنه لا يقنط من رحمة الله مهما أصابه، فإنه يرجو الله عزَّ وجلَّ، لا يخرج عن دائرة الرجاء ولو أصابه ما أصابه، فهذه طريقة المؤمنين.
والصبر هو بابٌ عظيمٌ، بل هو رأس الدين، ولهذا يقول العلماء: الصبر من الإيمان كالرأس من البدن، إذا فقد الرأس فإن البدن يموت، فلابد من وجود الصبر.
والله جل وعلا يقول: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ [البقرة: 155- 157]، والصلوات من الله على عبده هي الثناء من الله على عبده، ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 157].
{قال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: 11]}
قال سبحانه وتعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: 11]، فالمسلم إذا أصابته المصيبة يعلم أنها من الله؛ فيرضى وَيُسَلِّم ويصبر، وحينئذٍ يَهدي الله قلبه، بمعنى: أن الله -جلَّ وعلَا- يَدُلَّه وَيُثَبِتَه على الهداية، وعلى الحق.
{قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة؛ فيعلم أنها من عند الله؛ فيرضى ويسلم}
علقمة هو علقمة الأسود، من أهل اليمن، ومن تلاميذ ابن مسعود رضي الله عنهما، قال علقمة في معنى هذه الآية: ﴿وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: 11]، قال: هو الرجل تصيبه المصيبة؛ فيعلم أنها من الله، فيرضى عن الله -جلَّ وعلَا- ولا يجزع، وَيُسَلِّم لله -عزَّ وجلَّ- ولا يعترض.
هذه فائدة الإيمان، وقوة الإيمان، أن إيمان المؤمن الصادق لا يتزحزح عند المصائب، ولا يفرح عند النعم ويبطر، بل إنه يكون بين الخوف والرجاء دائمًا، في حالة اليسر وفي حالة العسر.

{وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتان في الناس، هما بهم كفرٌ: الطعن في النسب، والنياحة على الميت»}
اثنتان -يعني: خصلتان- في الناس هما بهم كفرٌ، -يعني:كفرٌ أصغر- ليس المراد الكفر الأكبر المخرج من الملة، «اثنتان في الناس هما بهم كفرٌ»، وهما من خصال الجاهلية: الطعن في الأنساب، فلا يطعن في نسب أحدٍ من المسلمين، الله -جلَّ وعلَا- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات:13].
فليس نيل المنازل العالية بالنسب؛ لأنه من بني فلان، أو من أشراف الناس، ولا يتكل على نسبه، وكذلك الطعن في النسب، يعني لا يُغلى في مدح الأنساب، ولا يُحط منها، بل إن المؤمن على خيرٍ، سواءً كان نسيبًا أو غير نسيبٍ، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
هذا أبو جهلٍ وأبو لهبٍ من سادات قريش، ومن أكابر قريش في العرب، وهذا بلال عبدٌ حبشيٌّ، وسلمان الفارسي فارسيٌّ من فارس، ليس عربيًّا، وهما من سادات أهل الجنة.

{ولهما عن ابن مسعود مرفوعا: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية».}
نعم هذه من خصال الجاهلية، لطم الخدود عند المصيبة، من الجزع يلطمون خدودهم، ومن ذلك أيضًا مَن يضربون أنفسهم بالسلاسل حزنًا على مقتل الحسين بزعمهم.
فضرب الخدود أو ضرب البدن بالسلاسل من الجزع على المصيبة، من أمور الجاهلية، من خصال الجاهلية، وهي نوعٌ من الكفر، هما بهم كفرٌ.
«ليس منا» أي: على طريقتنا، ليس معنى هذا أنه كافرٌ، ولكن معناه الوعيد، أنه على غير طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، «ليس منا من ضرب الخدود» هذا من أمور الجاهلية، يعني عند المصيبة، «وشق الجيوب» هذا أيضًا من أفعال الجاهلية.
«ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب» هذا فعلٌ من أفعال الجاهلية، «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب، ودعى بدعوة الجاهلية»، هذا من أقوال الجاهلية، ما سبق هذا من أفعالها، وهذا من أقوال الجاهلية، والمسلم يتبرأ مما ينسب إلى الجاهلية، سواءً كان في الأقوال أو في الأفعال.
فالطعن في الأنساب من أمور الجاهلية، وكذلك الفخر بالأنساب من أمور الجاهلية.
«ليس منا من ضرب الخدود» أي: ليس على طريقتنا وسنتنا، من ضرب الخدود، يعني: من الجزع عند المصائب، هذا من أفعال الجاهلية وهو من ناحيةٍ من أفعال الجاهلية، فيتجنبه المسلم لأنه من أفعال الجاهلية، ومن ناحيةٍ أخرى وهي أشد، أن الرسول تبرأ منه، قال: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب»، هذا أيضًا من أفعال الجاهلية «ودعا بدعوى الجاهلية» كأن يدعو بالويل والثبور، ويقول: "وا عضداه" يعني: الميت، أي أنه يتأسف عليه، وامصيبتاه، الخ، من أمور الجاهلية، المؤمن الذين إذا أصابتكم مصيبة قالوا: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، ولا يجزع ولا يفعل فعلًا من أفعال الجاهلية ولا يقول قولاً من أفعال الجاهلية أيضًا، كل أمور الجاهلية محرمةٌ ومكروهةٌ.

{وعن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أراد الله بعبده خيرًا، عجل له بالعقوبة في الدنيا»}.
نعم هذا يدل على أنَّ العقوبة لا تكون نتيجة غضبٍ من الله على المؤمن، إنما هي تمحيصٌ وتطهيرٌ له، فهي من مصلحته.
«إذا أراد الله بعبده خيرًا، عجل له العقوبة في الدنيا»، فعقوبة الدنيا أسهل من عقوبة الآخرة، والمصائب إذا جرت على المؤمن فهي خيرٌ له من الله، إن أراده الله بخيرٍ، ﴿وليُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 141]، هي تمحيصٌ للمسلم.

{وإذا أراد بعبده الشر، أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة} وإذا أراد الله بعبده شرًا أمسك عنه العقوبة في الدنيا، وأمهل له وأنعم عليه، واستدرجه حتى يوافي بذنبه يوم القيامة ويعذب به، وعذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا.

{وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «إن عِظم الجزاء مع عِظم البلاء»}.
إن عظم الجزاء من الله -عزَّ وجلَّ- والثواب والخير مع عظم البلاء، فمهما تعاظم البلاء فإن العبد لا يفقد الثقة بالله -عزَّ وجلَّ-، ولا يجزع مما أصابه، بل يعتبره رحمةً له، وتمحيصًا له، وتطهيرًا له من الذنوب والمعاصي.

{وأن الله -تعالى- إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» حسنه الترمذي}.
نعم، وإن الله -جلَّ وعلَا- إذا أحب قومًا ابتلاهم، وليس الابتلاء دليلٌ على كراهية الله له، بل يكون عن محبةٍ من الله لهم، ليطهرهم بذلك، وليختبرهم، ولينبههم على الذنوب كي يجتنبوها، بخلاف الذين يذنبون ويمسك الله عنهم العقوبة استدراجًا لهم وإمهالًا لهم، فالمؤمن على خيرٍ، إن عظم البلاء مع عظم الجزاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي بقضاء الله وقدره وصبر، فله الرضا من الله، وهذه فيه أن من أوصاف الله -عزَّ وجلَّ- أنه يرضى ويغضب ويسخط، فهذا من صفات الأفعال، من الله -عزَّ وجلَّ-، فإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا من الله، ومن سخط ولم يرضَ ولم يصبر، وجزع وتسخط أو ضرب الخدود وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية، فله السخط من الله -عزَّ وجلَّ- لأن الجزاء من جنس العمل ﴿ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يس: 54].

{هذا الباب العظيم، باب الإيمان بالله، الصبر على أقدار الله، لمَ كان الصبر من ركائز الإيمان؟}.
نعم، الذي ليس عنده صبرٌ ليس عنده إيمانٌ، فالمؤمن الذي يعلم أن المصيبة من الله يرضى ويسلم، كما قال علقمة يرضى ويسلم، لأنها من الله، فما كان من الله فهو رضا، يعني لا يتسخط، وأيضًا هو أصابه بذنبه، فيتوب إلى الله -عزَّ وجلَّ- بدلًا من أن يسخط ويتلوم وما أشبه ذلك، فالعقوبة تكون منحةً من الله، قد تكون منحةً وقد تكون محنةً، فالذي يصبر تكون له منحةً، والذي لا يصبر ويجزع تكون محنةً له.

{هل هذا الباب متعلقٌ بتوحيد الربوبية، أم توحيد الإلوهية؟}
توحيد الإلوهية، لأن هذه أفعال العبد، توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله هو -سبحانه-، وأما توحيد الإلوهية فهو توحيد الله بأفعال العباد التي شرعها لهم.

{أيهما أعظم أجرًا، الصبر على المعاصي أم الصبر على الطاعات؟}
كلاهما متساويان، ليس الصبر على المعاصي، الصبر على ما يجري على العبد بسبب المعاصي، ما دام أنه من الله فإنه لا يجزع ولا يسخط، فإنه يتوب إلى الله -عزَّ وجلَّ- ويستغفر ويندم، والله يتوب عليه، لأن الله أراد أن ينبه بهذه المصيبة، وأراد أن يمحصه بها، فهي خيرٌ له.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ صالح الفوزان، حفظكم الله وسدد خطاكم، على ما شرحتم وبينتم وأفضتم في هذه الدروس المباركة من دروس التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله.
شكر لفريق العمل في هذا البرنامج، ويتجدد اللقاء -إن شاء الله.
السلام عليكم ورحم الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك