الدرس الخامس
فضيلة الشيخ د. إبراهيم بن عبدالكريم السلوم
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله معاشر طلاب العلم في (المستوى الرابع) من برنامج (جادة المتعلم) نستكمل فيه شرح كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- يشرحه لنا فضيلة الشيخ/ إبراهيم بن عبد الكريم السلوم. باسمكم جميعا نرحب بفضيلة الشيخ، حياكم الله شيخنا}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة والأخوات، المشاهدين والمشاهدات.
{نستأذنكم شيخنا في إكمال القراءة؟}.
نعم تفضل.
{بسم الله وعلى بركة الله، قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: (عَنْ أَبِي المِنْهَالِ قَالَ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رضي الله عنهم- عَنِ الصَّرْفِ؛ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، وَكِلَاهُمَا يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ دَيْنًا»)}.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أمَّا بعد، فما زلنا بعد في باب (الربا والصرف)، وقد ذكرنا أنه من أهم الأبواب التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها في كتاب البيوع، وذلك حتى يخرج من الإشكالات فيما يتعلق بالربا ونحوه.
وذكر المصنف -رحمه الله- ها هنا حديث أبي المنهال واسمه: سيار بن سلامة -رضي الله عنه- قَالَ: (سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رضي الله عنهم- عَنِ الصَّرْفِ)، وكانا تاجرين على عهد النبي ﷺ، أي يتاجران في الصرف، والصرف هو صرف النقود المعروف، كما يحدث في الصرافات وغيرها، والتي تقوم بتحويل هذه العملات من ريالات سعودية مثلا إلى دولارات أمريكية، أو إلى جنيهات مصرية، أو إلى غيرهما من العملات المعروفة، ولكن في الزمان الأول لم يكن عندهم هذه الأوراق الموجودة الآن، وإنما كان تعاملهم بالذهب والفضة، ولذا فقد جاء الحديث بالذهب والفضة بعينهما، بينما هذه الأوراق الحالية مقيسة عليها؛ لأنَّ العلماء قالوا: نعتبر فيها الثمنية، وإخراجها من كونها ليست علة في الربا، هو مخالفة لمقصود الشارع، وهو تحايل على الشارع؛ لأنَّ الناس الآن لا يتعاملون بالذهب والفضة، وإنما يتعاملون بهذه النقود. وهذه النقود إمَّا أن تُقَوَّم وتغطى بالذهب والفضة -كما في بعض الدول- وإمَّا أن لا يكون لها تغطية من الذهب والفضة، فتغطى مثلاً بالرصيد العام أو بأمور أخرى.
والعلماء -رحمهم الله- في هذا الزمان وفي أزمنة قريبة مضت، رأوا أن يُقيموا هذه النقود مقام الذهب والفضة، ومقام هذه الأثمان، فقالوا: كل ما يجري على الذهب والفضة فإنه يجري عليها، إلا ما استثني مما لا يتحقق في هذه النقود.
إذًا سأل أبو المنهال زيدًا والبراء بن عازب -رضي الله عنهما- (عَنِ الصَّرْفِ؛ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي)، وهذا من تدافع الفتيا على عهد الصحابة -رضي الله عنهم- وهي من المذاهب الحميدة، والمسالك الرشيدة من الصحابة -رضي الله عنهم- وتدل على كمال الورع، وكمال التواضع.
يقول ابن أبي ليلى -رحمه الله-: "أدركت ثمانين من أصحاب محمد ﷺ -وفي بعض الروايات ثلاثمائة- ما كان منهم من أحد إلا يود أن أخاه كفاه الفتيا"[1]، كلٌ يدفع الفتيا نفسه، يقول: لا أريد أن أفتي؛ لأنَّ الفتيا خطر، ومنزلتها عظيمة، وهي من القول على الله -عز وجل-، ويحرم القول على الله بغير علم، فكان الرجل إذا جاء يسأله الواحد منهم، وعلم أنَّ غيره يكفيه؛ أرشده إليه، كما كان السائل يأتي إلى ابن عمر يسأله عن النازلة من النوازل؛ فيدفعه إلى ابن عباس، ثم يدفعه ابن عباس إلى ابن عمرو، حتى يدفعه الآخر إلى الأول، ويصبح -كما يقال- مثل: الحرائق المفرغة، حتى يرى الرجل منهم أنَّ الأمر قد استقر عليه فيجيبه، وهذا من الأدب الرفيع، ولا ينبغي لطالب العلم إذا كان عنده شيء من العلم أن يتجرأ على الفتيا، وهذا بخلاف ما إذا كان عنده نص من كتاب الله أو من سنة نبيه ﷺ، والمسألة كانت واضحة له، وهو ناقل عن غيره، فلا بأس أن يُفتي فيها؛ لأنَّ هذا إنما هو نقل، وكأنَّه مثَّل نفسه كأنما هو مجرد ناقل، أو كأنما هو كتاب يفتحه السائل فيجد فيه الجواب.
ولكن أن يأتي ليجتهد في مسائل، تحتاج إلى توسع ونظر، مسائل قد اختلف فيها العلماء خلافًا واسعًا، ثم يعزو هذا القول؛ كأنه قول واجتهاد له! فنقول: لا، هذا كله مما لا يُبارك للإنسان فيه؛ لأنه يدل على الجرأة، وأنَّ الإنسان جريء في العلم، والجرأة في العلم ليست حسنة، ولا نقصد الجرأة في العلم والسؤال والبحث والتقصي، وإنما نقصد الجرأة على الفتيا، فالجرأة على الفتيا خطير بلا شك، ويدل على غياب التواضع والاستكانة، ويرى أنَّ نفسه قد تأهل للفتيا، وهو لم يبلغ عشر معشار المفتي، ولم تتحقق فيه عشر الشروط المتحققة في المفتي، ولذا كان عليه أن يتمثل فعل الصحابة -رضي الله عنهم-، فكان كل واحد منهم يقول: فلان خير مني، مع أنهم قد علموا المسألة على عهد النبي ﷺ، وقد بلغهم حكم النبي ﷺ فيها، ومع ذلك كانوا يتدافعونها.
قال: (وَكِلَاهُمَا يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ دَيْنًا»)، وهذا يدل على أنَّ الربوي إذا بيع بغير جنسه؛ فإنه يُشترط فيه القبض، «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ» هذا هو أغلب الصرف في الزمان الأول، أي أنَّ في الزمان الأول كان اصطراف الذهب بالذهب قليل جدًا، ولم يكن يحصل إلا في اسطراف الذهب المعدود -النقود والدنانير- بالذهب الخالص، فمن كان يريد شراء الذهب المنقوش بالدنانير، فيقال له: في مثل هذه الصورة يجب أن تكون متساوية، والصنعة ليس لها قيمة ها هنا، ولهذا في حديث فضالة بن عبيد الأنصاري -رضي الله عنه- في القلادة لَمَّا اشتريت ففصلت فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينار. «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ، وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ»، أي أنَّ النبي ﷺ أمر أنْ يَنزِعَ ذَهبَها ويَفصِلَه عنها، وأنْ يجعلَهُ في كِفَّةٍ مِنَ الميزانِ -وهي ما يُوضَعُ فيهِ الْمَوْزونُ- وَأنْ يجعَلَ ذَهبَه في الكِفَّةِ المقابِلةِ لها، حتَّى تَتحقَّقَ مُساواةُ الذَّهبِ بالذَّهبِ، ولا يكونَ بينَهما تَفاضُلٌ، وذلك حتى يتحقق التماثل.
وفي الزمان الأول كان أغلب الصرف -وإذا قيل الصرف فإنما هو صرف الدنانير بالدراهم والعكس- أي يكون عندي دينار فأريد أن أصطرفه، والصرف في الدنانير قد كان على عهد النبي ﷺ كل دينار يساوي عشرة دراهم، ثم زاد فأصبح كل دينار باثني عشر درهمًا، والآن زاد زيادة كبيرة جدًا، حتى صارت الفضة الآن غير مُعتبرة تقريبًا، فلا تجد أحدًا يدخر الفضة أو يتعامل بها، وصار الجرام الواحد من الذهب يوازي أكثر من ثلاثين أو أربعين جرام من الفضة، فالفرق أصبح شاسعًا، والبون أصبح بعيدًا.
ولكن في الزمن الأول كان الفرق قليلا، فالدينار كان موازيًا لعشرة أو إلى اثني عشر من الفضة، وبالتالي إذا أردت أن أصطرف فلا بأس بذلك، وهل تجوز الزيادة؟ نعم تجوز الزيادة، وهذا يعني جواز الزيادة عن اثني عشر درهًا عند الصرف، وليكن مثلاً باثني عشر درهمًا وربع الدرهم، والدرهم عبارة عن "6 دانق".
لماذا الزيادة عن قيمة الصرف؟
حتى يستفيد من يصرف بهذه الزيادة، فإذا قام بالصرف بنفس القيمة "الدينار = اثنا عشر درهمًا" فأي استفادة تحققت له؟! ولذا كانوا يضعون لهم زيادة يستفيدون بها.
وإذا اصطرف فيشترط في ذلك أن يكون يدًا بيد، يعني: في نفس الوقت، فإن كان مؤجلا؛ حرم ذلك؛ لحديث: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ دَيْنًا»، وكلمة دينًا تعني: مؤجلاً، كحال من يقول مثلاً: أعطني الآن ثلاثمائة درهم وأعطيك فيما بعد ثلاثين دينار. نقول: لا يجوز ذلك؛ لأنه صار مؤجلاً.
وهذا نفسه ينطبق على الحالة التي ذكرناها من قبل، يأتي أحدهم إلى محلات التموين، ويقول: هذه مائة ريال اصرفها لي، فيقال له: خذ خمسين الآن والباقي فيما بعد، أو اجعله عندك.
نقول: لا تجوز هذه المعاملة؛ لأنه لابد أن تقبضه.
فإذا قال: أريد أن أحيله من كونه دينًا إلى كونه أمانة، كيف؟
يقول: إذا كان يحرم أن أعطيك مائة ريال، وآخذ منك خمسين، والباقي فيما بعد، إذا كان يحرم ذلك، فإني أقول لك: اجعل الباقي أمانة عندك؛ كأنما أودعتك إياها.
نقول: لا، عليك أن تقبضها أولاً ثم سلمها له إن كنت صادقًا، وحقيقة الأمر أنك لو قبضتها لما سلمتها له.
وبناء على ذلك لا يجوز التحايل على الشرع بمثل هذه الصور؛ لأنها من الحيل المحرمة، التي لا يجوز العمل بها.
{أحسن الله إليكم.
(عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الفِضَّةِ بِالفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ؛ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَداً بِيَدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ»)}.
هذا أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- وفيه أنَّ النبي ﷺ «نَهَى عَنِ الفِضَّةِ بِالفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ؛ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ»، وهذا الحديث من أصول النهي عن ربا الفضل.
قال: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا» يعني: متفاضلة، «وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا» يعني: متفاضلة.
قال: «فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَداً بِيَدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ».
وأبو بكرة -رضي الله عنه- هو: نفيع بن الحارث لم يسمع من النبي ﷺ الأمر بالتقابض، وإنما سمع أن النبي ﷺ نهى عن التفاضل في بيع الربوي بجنسه، وسوَّغ التفاضل في بيع الربوي بغير جنسه، ولكن لَمَّا سئل «يَداً بِيَدٍ؟» لأن الحضور يعلمون أن الأصل في بيع هذه الأمور أن تكون يدًا بيد. فقال أبو بكرة: «هَكَذَا سَمِعْتُ» يعني: أنا ما سمعت من النبي ﷺ إلا نهيه عن تحريم ربا الفضل، ولكن تحريم ربا النسيئة قد جاء من وجوه كثيرة، بل يقال: إن الأصل هو تحريم بيع ربا النسيئة؛ لأنه هو الأصل، وربا الفضل إنما حرم عند بعض العلماء لكونه ذريعة إلى ربا النسيئة، قالوا: إنما حرمناه لأجل أن ربا الفضل قد يقود إلى ربا النسيئة؛ فلأجل ذلك حرمه الشارع.
{أحسن الله إليكم.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: (بَابُ الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ.
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اشْتَرَى طَعَاماً مِنْ يَهُودِيٍّ، وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ»)}.
قال المصنف -رحمه الله-: (بَابُ الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ)، الرهن من الارتهان، والشيء المرتهن هو الشيء الموثق والمعلق والمقيد، ولهذا يقال المدين مرتهن، بمعنى أنَّه معلق بالراهن، كأنما هو مملوك له.
ولذا قالوا: الرهن هو توثقة الدين بعين يمكن استيفاؤه منها.
مثال: رجل يطلب من أخيه أن يقرضه مائة ألف، فيقال له: لن أعطيك قرضك حتى تعطيني مقابله رهنًا استوفي منه.
ما هو الرهن؟ الرهن عين، مثل: أرض، أو سيارة، أو نحو ذلك، فأعطاني هذه العين التي يمكن استيفاء هذا المال منها إذا حلَّ الأجل، فإذا لم يسدد استطاع الاستيفاء منها.
ويخرج من ذلك العين التي لا يمكن الاستيفاء منها، مثل:
العين الموقوفة، فإذا كان الرهن عينًا موقوفة، والعن الموقوفة لا يمكن الاستيفاء منها؛ لأنَّ الوقف لا يجوز بيعه. وكذلك العين المملوكة للغير، لا تصح رهنًا؛ لأنه لا يجوز بيعها؛ إلا إذا أذن فيها صاحبها، فإن أذن فقد أسقط حقه.
والرهن هو من الشروط التي أجازها حتى المتشددين من العلماء كابن حزم، في باب الشروط، والسبب في ذلك: أنه مذكور في كتاب الله -عز وجل-: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة:283]، وفي القراءة الأخرى: {فَرُهُنْ مَقْبُوضَة}.
ما معنى الرهن والرهان؟
هي الرهن المعروفة، قال: أنا اشتريت منك سلعة، وخذ هذه المصوغ من الذهب أو المصوغ من الفضة كرهن عندك، وإذا ما وفيتك فيمكنك أن تستوفي منها.
إذًا هي مذكورة في كتاب الله -عز وجل-، وقد ورد أيضا الأمر بالرهن عن النبي ﷺ، وأقر أصحابه عليها، وقد مات النبي ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين وثقًا، فاليهودي من رداءته لَمَّا أراد النبي ﷺ أن يشتري منه ثلاثين وسق من شعير؛ ليطعمهم أهله، أبى اليهودي أن يبيعه بأجل إلا أن يعطيه رهنًا عليها، فرهن له النبي ﷺ درعه بهذا الدين، فدلَّ ذلك على جواز الرهن، وأنَّ النبي ﷺ قد فعله، وأقر عليه أصحابه.
قال المصنف: (بَابُ الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ) وذكر حديثًا واحدًا في الرهن، والبقية في غيره، فسيذكر أحاديثًا في الحوالة، وأخرى في الإفلاس، وغيرها من الأبواب المتفرقة.
وعادة الفقهاء -رحمهم الله- أنهم يذكرون كل واحدٍ من هذه المسائل في باب مستقل، ولكن من المعلوم أنَّ هذا الكتاب قائم على الاختصار، ولذا فقد جمع المصنف -رحمه الله- أحاديث يسيرة هي أصل في كل باب، وهذا ميزة كتاب (عمدة الأحكام)، وهو حقيقة عمدة.
وإذا أتينا إلى (بَاب الرَّهْنِ) سنجد أنهم إذا استدلوا بالكتاب؛ فإنهم يذكرون ﴿فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾، وإذا استدلوا بالسنة، فأول ما يستدلون به حديث عائشة -رضي الله عنها-، والذي فيه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اشْتَرَى طَعَاماً مِنْ يَهُودِيٍّ، وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ»، وفي هذا الحديث دلالة على جواز مُبايعة الكفار، وفيه دلالة على جواز الشراء بالأجل، أي النسيئة، وأنه ليس مكروهًا.
أقول لك: سأشتري منك سيارة بمئة ألف، بعد سنة، ما في بأس؛ لأنَّ النبي ﷺ قد اشترى ها هنا ثلاثون وسقًا من شعير ورهنه.
وفيه أيضًا جواز الرهن، كما قررناه سابقًا، حتى لو كان هذا المرهون مما يحتاج إليه، مثل: الدرع الذي رهنه النبي ﷺ، والدرع يحتاج إليه، والسيارة كذلك يحتاج إليها، ويجوز رهنها في هذه الأحوال كلها.
{أحسن الله إليكم.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ؛ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ»)}.
هذا الحديث هو أصل (باب الحوالة)، والحوالة هي: تحول الحق من ذمة إلى ذمة، وهي من المسائل التي جاءت لغرض التوسعة على المدينين، وعلى الدائنين أيضًا، والنبي ﷺ قرر قاعدة عظيمة، وهي أن: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ»، بمعنى أنَّ كل من كان عليه حق لغيره؛ فإنه يجب عليه وفاؤه وسداده، من غير أن يلجأ إلى محاكم، ومن غير أن يطالب به، والأصل أن تؤدي هذا الحق، ما دام أنَّ هناك أجلاً بينك وبين صاحب الحق، وليس من دواعي السداد أن يأتي فيطالبك به، أو أن يأتي فيرفع عليك قضية، أو أن يأتي فيزعجك بالكلام والنقاش والاتصالات. نقول: هذا أمر غير شرعي، وهذا نوع من المطل المنهي عنه شرعًا.
والأصل إذا كان بينك وبين رجل وقت، فعليك أن توفيه حقه قبل الوقت، ولو قبل الوقت بسويعات يسيرة، حتى تكون مبادرًا، ولا تقع في المطل، وأمَّا أن تدع الوقت ينتهي، ويطوف الرجل عليك، ويصبح خجلاً منك أحيانًا، ويكرمك بأن يرسل لك أو يتواصل معك، وأنت قادر، وحسابك مليء بالمال، ولكن إخراجه يثقل عليك، فنقول: هذا كله مخالف، ويدخل تحت قول النبي ﷺ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ»، وأشد من ذلك أن تُلْجِئَهُ إلى المحاكم، وهذا مثل ما تصنع بعض الشركات، وهذه إشكالية كبرى في الحقيقة؛ لأن بعض الناس يتوهم أنَّ الشركة إذا كانت ذات مسئولية محدودة، فيوصى الموظفون وغيرهم بعدم قضاء الحقوق وتسديدها، إلا إذا أصبح على أبواب المحاكم.
نقول: هذا -والعياذ بالله- من مطل الغني، وصاحب الشركة مسؤول مسؤولية مباشرة، حتى ولو لم تكن مسؤولا نظامًا عنها، فأنت مسؤول شرعًا عنها؛ لأن كون النظام جعل هذه الشركة ذات مسؤولية محدودة لا يُعفيك، ولا يجعل لك الحق في أن تماطل، وتجعل هؤلاء يبحثون عنك، ويتابعونك، ويتواصلون معك، ويمضي على حقهم أحيانًا أشهر طويلة وهم يبحثون عنك، بل الأصل في ذلك أن تبادل بالسداد؛ لأنَّ السداد فيه بركة للجميع، سواء للمدين أو للدائن؛ لأنَّ المال أو الحق إذا طال فيه النقاش، غابت عنه البركة، فإذا أصبح الإنسان متكره في إخراجه، وأصبح الطالب لحوحًا في طلبه، غابت البركة، بخلاف ما إذا كان هناك سماحة ويسر بين الطرفين، فإن هذا يكون أدعى لحصول البركة.
قال: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ»، وهذا يدل بمنطوقه على تحريم مطل الغني، ويدل بمفهومه كذلك على أنَّ مطل غير الغني ليس بظلم. كيف؟
في الصورة الأولى وقفنا مع الدائن -صاحب المال، أو صاحب الحق- ضد المدين، بينما في الصورة الثانية سنقف مع المدين ضد الدائن، حتى وإن كان صاحب حق، لكونه يعلم أنَّ المدين معسرًا، وبالتالي لا يجوز له أن يُلجئه ويحرجه، وبناء عليه فكل من يعلم منه من المدينين أنه معسر، وأنه غير مفرط، ولم يتلف أموال الناس، ولم يفسدها تعديًا وتساهلاً، وإنما دخل في تجارة، فوقع عليه ما يقع على الناس في التجارة من غير أن يفرط فيها. أخذ مال يسير، واضطرته ظروف الحياة إلى أن ينفقه، وعلى أنه سيوفيك، ولكنه لم يستطع فأصبح معسرًا ها هنا.
فإذًا علم الدائن أن المدين معسرًا حرم عليه مطالبته، وجاز له أن يماطلك!
يقول: ما أقدر أسدد لك الآن، فأنا ما أجد شيئًا، ولا أملك شيئًا في رصيدي، فلما أكثرت عليه أغلق الجوال في وجهك، وقام بحظر رقمك. هل فعله يجوز؟
نقول: نعم يجوز؛ لأنَّ الإشكالية منك أنت، وما دام أنك تعلم أنه مُعسر فأنظره، قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة:280]، فالصواب أن ينظره، وأن يقول له: ما دام أنك معسر فأنت في حلٍّ إلى أن توسر، فإذا أيسرت فعليك أن تقضي، هذا هو المنهج الشرعي، منهج التكافل، كما أنه في المرة الأولى وقفنا مع الدائن ضد المدين، لما كان المدين مليئًا، ففي هذه الصورة نقف مع المدين ضد الدائن.
وبناءً عليه نقول: حتى لو أتاح لك النظام إيقاف الخدمات، فالنظام يتمثل فيه قول النبي ﷺ: «فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ»[2]، سيوقف الخدمات بناء على مطالبة، لكن النظام ما له علاقة بحال المدين، فإذا كنت أنت أيها الدائن أن هذا المدين مدين معسر، لا يملك شيئًا، وأنه غير مفرط، ولا متساهل، وما أتلف أموال الناس، فلا يجوز لك أن توقف خدماتهم، بل ينبغي عليك أن تبادر بفكها، وتقول: أنت في سعة إلى أن ييسر الله -عز وجل- عليك.
أيسر ذاك الوقت ثم لم يقضك فاصنع به ما شئت.
قال: «فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» هذه فيما يتعلق بحال المدين المعسر، هذا مدين معسر، أنت تطلبه بحق، أنت تقول: أنا أطلب منك أيها المدين خمسين ألف، فيقول: لا أملكها، ولكن ترى أنا لي على فلان من الناس مئة ألف، أو خمسين ألف، أو أربعين ألف، فأنا سأحيلك عليه، وهذا الرجل مليء، أي عنده مال. فقلت: أعطني ما يثبت الحق، قال: تفضل هذه الورقة تثبت أني دائن لفلان من الناس بمبلغ قدره كذا وكذا. إذا كنت تعلمه مليئًا؛ فإنه يجب عليك أن تحتال. كيف تحتال؟ يعني: تنتقل، فالحوالة هي النقل، يجب عليك أن تنتقل، وما تطالبني، بل تطالب الرجل الآخر، ولكن بشرط أن يكون هذا الرجل مليئًا، وإذا قبلت ذلك وكانت الحوالة على مليء برئت، قلت: ما عندي مانع أنا سأحتال على فلان، نقول الحمد لله.
فلان من الناس مليء؟
قال نعم. قلت: الحمد لله. إذا أنا برئت، وأصبحت الآن المطالبة لك أنت على فلان من الناس تطالبه، إلا في حال ما إذا كانت الحوالة أقل من المبلغ الذي يطالبك به، يعني: أنت تطالبني بخمسين ألف، وأنا أحلتك بأربعين ألف، تقول: أنا سأحتال بالأربعين ألف المتبقية، والعشرة آلاف أرجع بها عليك. أو كانت الحوالة بأكثر، فإن الحوالة بأكثر لا تجوز، وبعض الناس يكون محتالاً، أقصد من الاحتيال وليس من الحوالة، يقول: هل تريد أن تحيلني؟ قال: نعم. قال: ما في بأس! كمْ تطلب من فلان؟ قال: أطلب مئة ألف. قال: وأنا أطلب منك خمسين ألف. قال: قبلت بذلك، ولكن مقابل أني آخذ منه المائة كاملة.
نقول: هذا محرم؛ لأن هذا قضاء مال بمال، بعتك مالا بمال من جنس واحد، والأصل فيها التماثل، وبالتالي لا يجوز شرعًا.
نقول: تحتال بالخمسين ألف، إذا أراد الرجل أن يتخلص منه. قال: اذهب إلى فلان من الناس، وخذ المئة بخمسين، ومن حين ما يقبضها يُطالب بالخمسين المتبقية. لماذا؟ لأنه يكون من الشرط الفاسد الباطل، الذي ذكرناه سابقًا.
الشرط ها هنا يعد شرطًا محرمًا، وهذا هو معنى الحوالة، وهي كما ذكرنا من أبواب الإرفاق، لكن النبي ﷺ قال: «فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ» يعني: إذا تيقنت أنَّ الرجل الآخر مليء، فيجب عليك أن تحتال، إلا إن كان مليئًا مماطلاً، فما يجب عليك أن تحتال.
قلت: أنا أعرف فلانا من أغنى الناس، ولكنه متعب، ولا يسدد! نقول في مثل هذه الصورة: المليء المماطل كالمعسر في عدم الاحتيال عليه، فلو أني أحلتك على معسر، قلت: وماذا أستفيد إن أحلتني على معسر! فلا أستفيد شيئًا، وأنت عندي أوثق من فلان، وفلان من الناس إذا أتيت وطالبته قال: ما علاقتي فيك؟ فأنا سأطالبك أنت.
ولذا فالمليء المماطل كالمعسر، لا يجوز للإنسان أن يحتال عليه، ولا أن يقبل الحوالة عليه.
{أحسن الله إليكم.
(وَعَنْهُ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ»)}.
هذه المسألة تتعلق بباب عند العلماء يسمى: (باب التفليس)، والمفلس هو من كان دينه أكثر من موجوداته، فكل من كان دينه أكثر من موجوداته فهو عند العلماء يسمى: مفلسًا، وهو من يحيط دينه بأمواله كلها.
مثال: رجل قيل له ما هي موجوداتك؟ قال: عندي بيت قيمته مليون ريال، وعندي سيارة قيمتها مئة ألف، وعندي أثاث قيمته مئة ألف، وعندي قطعة أرض قيمتها مئتا ألف، وقيمة ما سبق قرابة: 1.5 مليون.
وإذا سئل عن ديونه قال: 2 مليون. فنقول: صرت مفلسًا، لماذا؟ لأنَّ الديون هذه تستوفي كل هذه الأموال.
إذًا هو دخل في حد ما يسمى عند العلماء -رحمهم الله- بالإفلاس، وأصل الإفلاس هو قول النبي ﷺ: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ»، فإذا كنتَ مفلسًا، وعندك غرماء يطالبونك، نأتي وننظر إلى أصول حقوق هؤلاء الغرماء، فنسأل: كمْ عدد الذين يطالبونك؟ قال: أربعة. نأتي للأول ونسأله: دينك على فلان المفلس مقابل ماذا؟ قال: مقابل شرائه سيارة. نقول: سجلها.
ونأتي للثاني فنسأله، دينك على فلان المفلس مقابل ماذا؟ قال: مقابل شرائه أرضًا.
ونأتي للثالث فنسأله، دينك على فلان المفلس مقابل ماذا؟ قال: مقابل شرائه بيتًا.
ثم ننظر هل السيارة موجودة أو البيت أو الأرض؟ إذا كانت موجودة فصاحبها الذي اشتريت منه أحق بها، ما دام أنها بعينها ولم تتغير. كيف لم تتغير؟
تتغير يعني: بني على الأرض فتغيرت، أو استبدل السيارة بمثل قيمتها، أو البيت واشترى غيره، وهكذا.
فمن وجد ماله بعينه عند من قد أفلس فهو أحق به من غيره.
والأصل والقاعدة في المفلس المحاصة، ما المقصود بالمحاصة؟
نقول: الأصل في المفلس، وهذا هو المعمول بها الآن في المحاكم، أن يُجمع دينه كله، فلمَّا جمعنا دينه وجدناه ثلاثة ملايين ريال. أحد هؤلاء الغرماء يطالبه بمليون ونصف، والثاني يطالبه بنصف مليون، والثالث يطالبه بمليون.
نقول للأول، وهو صاحب المليون ونصف: لك خمسون في المئة من أمواله مهما بلغت مقابل دينك. ولك يا صاحب النص مليون بقدرها.
ونقول للثاني والثالث: لكما جميًعا خمسون في المئة.
وبعد تصفية الأموال وجدنا أنها صارت خمسمائة ألف، فنقوم بتقسيمها على حسب الحصص المتفق عليها، فيأخذ الأول: مئتان وخمسون، والثاني والثالث معًا: مئتان وخمسون.. هذا هو الأصل في المحاصة.
ولكن جاء أحدهم وكان ذكيًا، عارفًا بالفقه، وقال: الأرض الموجودة والتي أدخلتموها في التصفية هي عين الأرض التي بعتها عليه، فإذا تم التحقق من ذلك، وكانت الأرض بعينها وحالتها ردت على صاحبها التي باعها لمن أفلس.
ولذلك كان الأصل في المفلس المحاصة، إلا من وجد ماله بعينه عنده، فهو أحق به؛ لأنَّ هذا ماله. وهذا الحديث قد عمل به الإمام أحمد -رحمه الله-، وقد خالف فيه بعض العلماء؛ لأنهم يرون أن الحديث خلاف القاعدة. أي قاعدة؟
قاعدة أنه بالبيع والشراء تم الإيجاب والقبول، وبتمام الإيجاب والقبول ينتقل الملك إلى المدين -المفلس-، فعلى أي أساس ينقض هذا البيع؟! وقالوا ليس هناك معنى في نقض البيع، نقول: لا، هذا الحديث أصل بذاته في باب الإفلاس، ولا يصح أن يعترض على الشريعة بمثل هذه الطريقة، بل يقال: هذه قاعدة بعينها في هذا الباب، ويبنى عليها ما يشابهها من المسائل.
هذا هو مبحث الإفلاس الذي ذكرناه، وهذا هو ملخص الإفلاس الذي لخصه هذا الحديث عن النبي ﷺ.
{أحسن الله إليكم.
(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: «جَعَلَ، وَفِي لَفْظٍ: قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ؛ فَلَا شُفْعَةَ»)}.
هذا حديث جابر -رضي الله عنه- وهو أصل في باب الشفعة، والشفعة هي استحقاق انتزاع حصة الشريك ممن انتقلت إليه بعوض مالي. كيف؟
الأصل في الشرع أنه قد جاء لإزالة البغضاء والشحناء بين المسلمين، وتقريب أواصل المحبة بينهم، وإزالة الضرر بقدر المستطاع، وعدم اعتبار مبدأ الملكية اعتبارًا مُطلقًا كما يعتبره الرأسمالية.
وبناء عليه، فإذا دخلت أنا وأنت في شراء قطعة أرض ليست مُقسمة ولا مجزأة، وهذه القطعة ليست مقسمة في ذاتها، فاشترينا هذه الأرض وقلنا: قيمة الأرض مليون ريال، وحصتي أنا وأنت متساوية.
ثم بدا لك أن تبيع نصيبك، فإذا بعت أنت نصيبك، فإن شريكًا سيدخل معي، في أرض غير مقسمة وغير منفصلة، فإذا كنت أنا وأنت قد ارتضينا الشراكة بيننا، فإنني لا أرتضي شراكة ذلك الأجنبي الذي بعت له، وأدخلته في شراكة معي، فإذا أدخلته عليَّ فقد يحدث به الضرر.
والصواب هو عدم ظلم أحد الشريكين، ولذا يسأل البائع بكم ستبيع حصتك؟
فيقول مثلا: أبيع بخمسمائة ألف، فيقال له: لشريكك الأول الحق في أن يأخذها منك بالقيمة ذاتها؛ لأنه لا ضرر عليك، ولا ضرر عليه، ومخالفة ذلك يدل على البغضاء والحقد، وهذا ما لا يريده الشرع.
يقول: أنا أريد أن أبيعها على فلان، فيسأل لمَ؟ وما الفرق؟ فأنت جعلت البيع مقابل قيمة معينة، فستأتيك القيمة ولكن لا تدخل عليه فلانًا من الناس.
وبهذا أمر الشرع، وكان أمره محكمًا، وليس لك الخيار، فإذا أردت البيع فالشريك له حق الشفعة في شرائها بأعلى سعر تصل إليه.
وإذا باع على غير الشريك، فللشريك أن ينتزعها انتزاعا، ولهذا يقولون: استحقاق انتزاع حصة الشريك، وهذه تسمى عند العلماء: بالشفعة، أنا شفعت فيها، يعني: ضممتها إلى ما معي.
«قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ»، هذا هو الأصل، و «كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ» يعني: الأراضي المشتركة، سواء أراض، أو حتى ممتلكات عامة، على سبيل المثال: عندي وإياك جوهرة امتلكناها، أو سيارة ما تقسم، أي لا نستطيع أن نقسمها فيما بيني وبينك، فأردت أن تبيعها، نقول: إذا أردت بيع حصتك فسأشتريها بالقيمة التي نتفق عليها، وتكون الحصة كلها لي، ولا أظلمك.
وهذا يكون عند العلماء في البيع بمقابل مالي، وأما إذا لم تكن بمقابل مالي فما أستطيع. كيف؟
إذا أردت أن تتزوج أنت يا شيخ زيد، فقلت: سأضع هذه الحصة مهرًا لزوجتي، ما أستطيع أقول: سأنتزع هذه الحصة. لماذا؟ لأنها لم تنتقل بمقابل مالي، وما أستطيع أن أقيمها الحين.
أنا قلت لك هي بخمسمائة ألف، وقلت أنت: لا، هي مهر زوجتي ومهرها مليونا ريال، أو ليس له رقم مسمى، إنما أمهرتها هذه الأرض، أو انتقلت الأرض بالهبة. أتيت أنت ووهبت هذه الحصة لوالدك، أو لوالدتك، فما أستطيع أن أدفعها؛ لأنها انتقلت بغير عوض مالي، أو حتى لو انتقلت -لا قدر الله- بالميراث، توفي المالك وانتقلت إلى ورثته، ما آتي أنا وأقول لورثته سأنتزعها منكم، إلا إذا أرادوا بيعها، فهم يدخلون الآن معي كشركاء، وإذا أرادوا بيعها فيما بعد، أستطيع أن أنتزعها منهم، ما دام أنها بمقابل مالي، فهذا هو الأصل في الشفعة.
قال: «فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ»، أي: قسمت الأراضي، وصار نصيبي متميزًا عن نصيبك.
قال: «وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ» يعني: شقت الطرق، «فَلَا شُفْعَةَ»، أي عندها لا نحتاج للشفعة. لماذا؟ لأن نصيبي أصبح متميزًا عن نصيبك، وما يدخلك إشكالية، ولا يدخلني إشكالية، ولا يلحقني أو إياك الضرر، إذا بعت نصيبي؛ لأننا لو فتحنا هذا الباب لأصبح مشكلة، والجار ما يستطيع أن يبيع حتى يؤذن جاره، ويقول له: أنا سأبيع، هل تشتري أو لا؟ ونقول هذا الأصل غير واجب؛ لقول النبي ﷺ: «فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ؛ فَلَا شُفْعَةَ»، ولكن فيما يتعلق بالجار، قد ثبت فيه حديث أبي رافع -رضي الله عنه- أنَّ النبي ﷺ قال: «الجارُ أَحَقُّ بصَقَبِه»[3]، والثقب هو الجوار، وهذا عند جماعة من العلماء محمول على السنية، يعني: الجار إذا كان يريد أن يشتري فله الأولوية، ما دام أنه سيشتري بالقيمة التي ستباع بها فله الأولوية؛ لأنه يشق على الجار أن تباع الأرض التي بجواره، وهو يريد أن يتوسع فيها، وهو يريد أن يبذل فيها نفس الثمن الذي يبذله الأجنبي، ثم تمنعه منها.
وما من شك أن هذا الفعل ليس من مكارم الأخلاق البتة. وليس من حسن الجوار، أن تعلم أن جارك يريد الأرض التي بجوارك، ويعرض عليك نفس الثمن الذي يعرضه عليك أي شخص.
يقول الجار لجاره: إذا أردت واطمئن قلبك إلى بيعها بأي ثمن، وجاءك المشتري فأنا مكانه. فإذا به يقول: لا، أنا أريد أن أدخل عليك رجلا آخر، فنقول: لا شك أن هذا ليس من مكارم الأخلاق، وقد يكون من سوء الجوار، ولهذا بعض العلماء المتقدمين رأى أن هذا من الأمور المحرمة، ورأى أنه يجب انتزاع الحصة، كما قاله أبو رافع -رضي الله عنه- لسعد -رضي الله عنه وأرضاه-.
قال: «فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ؛ فَلَا شُفْعَةَ»، هذا سبق بيانه، وذكرنا أن الأصل في الشفعة عند العلماء -رحمهم الله- أنها إنما تكون بين المسلمين، وأمَّا بين المسلم والكافر فلا، وذلك على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ لأنَّ أمر المودة والرحمة غير متواجدة بينهم.
بل الأصل في المسلم مع الكافر عدم العداوة، وأمَّا زاد عن ذلك؛ فإنه ليس بأهل لها، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: إنما تقع الشفعة بين المسلم وأخيه.
{أحسن الله إليكم.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضاً خَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا؛ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يُوهَبُ، قَالَ: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الفُقَرَاءِ، وَفِي القُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً؛ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ».
وَفِي لَفْظٍ: «غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ»)}.
هذا الباب من أعظم الأبواب التي كان ينبغي أن يفرد بباب مستقل، وهو (باب الوقف)؛ لأنه ليس مثل ما قبله من الأبواب، والأيواب السابقة عند العلماء -رحمهم الله- تعد من أبواب المعاوضات -البيع والشراء-، مثل: الشفعة، الحوالة، كلها فيها بيع وشراء، ولكن هذا الباب من (باب الهبات والتبرعات)، والذي هو (باب الوقف)، وباب الوقف من محاسن هذه الشريعة، والأصل في الوقف أنه تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، وبناء عليه فلا يصح الوقف إلا في كل شيء ينتفع به مع بقاء عينه. وهذه القاعدة العامة في الوقف. يعني: ما يصح أن يقف الإنسان شيئًا يُستهلك، مثل الطعام؛ لأنَّ الطعام يهلك، تتصدق بالطعام، ولكنه لا يصح وقفًا، وإنما يصح وقف النخيل مثلا؛ لأن أصل النخلة باق، وينتفع بثمرها المرة بعد المرة.
فإذًا النخل يصح أن يكون وقفًا، بينما الطعام نفسه يسمى: صدقة.
والأصل في الوقف حديث عمر -رضي الله عنه-، وهو أصل لـباب الوقف كله، وهو الحديث الذي ذكره المصنف -رحمه الله-.
قال: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضاً خَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا)، لَمَّا فتح الله -عز وجل- على الصحابة -رضي الله عنهم- خيبر، وكانت هي أنفس الأموال التي أصابوها، وأرض خيبر كانت بساتين عظيمة، وتقول عائشة -رضي الله عنها-: "ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر"، فقد فتح الله -عز وجل- على الصحابة فتحًا عظيمًا، وفي بعض الروايات أنَّ عمر -رضي الله عنه- قال: "لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه"، ولَمَّا تصدق كعب -رضي الله عنه- بكل ماله، قال: يا رسول الله، إنَّ من توبتي أن أنخلع من كل مالي. قال النبي ﷺ: «أمسك بعض مالك». قال: فإني أمسك مالي الذي بخيبر.
فكان الفتح على الصحابة -رضي الله عنهم- فتحًا عظيمًا، وكان منه هذا المال، فأراد عمر -رضي الله عنه- أن يجعله من المال الباقي له مدى عمره؛ لأنَّ النبي ﷺ قال: «يقولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قالَ: وَهلْ لَكَ يا ابْنَ آدَمَ مِن مَالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟!»[4]، وما سوى ذلك فتاركه. ففهم ذلك الصحابة -رضي الله عنهم- ومنهم عمر بن الخطاب.
وأبو طلحة -رضي الله عنه- لَمَّا أنزل الله -عز وجل-: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران:92]، وكان فعل عمر كذلك مصداقًا لهذه الآية، فأنفق أعظم ما يحب، أو أنفق من المال الذي قال فيه: "لم أصب مالا قط أنفس عندي منه"، فعمد إلى هذا المال النفيس فجعله وقفًا، وهذا من تعظيم شعائر الله -عز وجل-.
ومما نراه أن بعض الناس قد يأتي إلى أرذل المال فيجعله وقفًا، أو يأتي إلى المال الذي لا ينتفع به، فيجعله وقفًا، أو يأتي إلى أرض ضخمة جدا فيقفها، ماذا نصنع بها؟ تجد أنَّ هذه الأرض تصبح عالة على الورثة فيما بعد، لا يعرفون ماذا يصنعون بها؟
يقولون: هذه الأرض أرض ضخمة، لكنها مكلفة، وقفتها أنت الآن. ولو أنه أوقف ثمنها لكان أبرك وأنفع. نستطيع أن نبيعها وأن نتصرف بها، وأما أن توقف هذه الأرض التي مساحتها مليون متر، ولا مئة ألف متر، ولا عشرة آلاف متر، ولا تجعلون شيئا نستطيع به أن نبنيها، فهذا نوع من تعطيل الوقف، خاصة إذا رأينا أحيانا تشدد بعض المفتين أو العلماء في التعامل مع هذا الوقف.
فمثلا يمنع مثلا من أن يدخل هذا الوقف فيما يسمى بالصناديق التي تطور هذا الوقف، وتجعل هذه الحصة أو تنقل هذه الحصة بدلا من أن تكون في عموم الأرض، إلى أن تكون في وحدات. يقول: لا، هذا نوع من العبث في الأصل.
طيب ما الحل حتى لا يبقى هذا الأصل معطلا؟!
قد يظل معطلا عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، أو خمسين سنة، حتى يتقادم فيذهب أثره، أو يأتي بعض الناس فيبتلعه، أو يأتي بعض ورثته وينسى أنه وقف، ويتحايل عليه، ثم يأكله.
لكن الأصل في الوقف أن يُستشعر فيه معنى: أن يحبس الأصل وتسبل المنفعة، بمعنى: أنه إذا لم تكن هناك منفعة منه، فما هناك حاجة أنك تجعله وقفًا! يا أخي بعه ثم قم بشراء أصلا مدرًا، أو اجعل هناك نوعًا من الحرية لناظر الوقف في أن يتصرف به.
الشاهد: أن عبد الله بن عمر قال: «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضاً بخَيْبَرَ» هذه الأرض كانت أرض مدرة، ما كانت أرضًا بيضاء، كانت الأرض بنخل، ولكنهم كانوا يسمون الأرض التي فيها النخل، يسمونها: أرضًا؛ لأنه قال هنا: «لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ»، فدلَّ على أنها مثمرة، فكان فيها ثمر.
قال: فأتى إلى النبي ﷺ فقال: «فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟»، قال: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا»، أي أن تتصدق بها وتحبس الأصل. تقول: هذا وقف، وهذا هو معنى الوقف، أن تحبس الأصل لوجه الله، وتتصدق بالمنفعة.
ثم قال عمر -رضي الله عنه-: «فَتَصَدَّقَ بِهَا؛ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يُوهَبُ»، هذا هو معنى الوقف، لا يُباع، ولا يُوهب، ولا يُورث. فإذًا الشيء الذي في الوقف مما سوى هذه الأمور الثلاثة: البيع، والهبة، والميراث، نقول: يجوز. لو أن الوقف أدخل مثلاً في صندوق، وقومت هذه الأرض، وحولت إلى وحدات في هذا الصندوق، بحيث إنها تكون معمورة ومبنية، لكان أولى.
على سبيل المثال: رجل يمتلك أرضًا مساحتها مئة ألف مثلا، وقال: وقد جعلت وقفا، فقال: ما أستطيع أن أبنيها، ولا يُنتفع بها. فيقال: لا بأس أن يأخذها غيرك، فيطورها ويبنيها.
ويقول: كمْ قيمة الأرض؟ قيمة الأرض مثلا مئة مليون، إذًا سأفرغ لك وحدات بقيمة مئة مليون من هذه الأرض، حتى تستطيع بذلك أن تستثمر هذا الوقف.
إذا قال هنا: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا؛ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يُوهَبُ. قَالَ: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الفُقَرَاءِ، وَفِي القُرْبَى»، وفي هذا دلالة على أنه يجب مراعاة شرط الواقف، ويجوز للواقف أن يشترط من الشروط ما لا يُخالف مُقتضى الوقف.
يقول: أشترط أن يكون هذا الوقف في القربى، وفي الفقراء، سواء في قرابته، أو في قرابة رسول الله ﷺ.
«وَفِي الرِّقَابِ» يعني: في عتق الرقاب، «وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ» يعني: في الجهاد في سبيل الله، وفي «وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا» الوالي ها هنا هو الناظر، ما يسمى عندنا بالناظر على الوقف، فإذا كنت ناظرًا على الوقف فلا جناح عليك أن تأكل منه بالمعروف، «أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً؛ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ» يعني: ما تجعلها مالا، تأخذ هذا الثمر، وتبيعه، وتكتنزه لنفسك. لا. فهذا شرط عمر -رضي الله عنه-.
إذًا الوقف بوجه عام يجوز فيه أن يشترط الواقف فيه ما شاء من الشروط، على ألا تكون الشروط تنافي مقتضى الوقف، ويجوز أيضًا أن يعين فيه ناظر، وقد عين عمر -رضي الله عنه- ناظرة للوقف، وهي: حفصة -رضي الله عنها-، ويجوز أن يعين ناظرًا، ويجوز أن يشرط أيضًا للناظر أجرة من الوقف، فيقال: إنَّ للناظر مثلا خمسة في المئة مما يخرجه الوقف، أو اثنان في المئة مما يخرجه الوقف، هذه كلها أمور جائزة شرعًا.
وينبغي أن يكون الوقف في الجهات الخيرية كما قال عمر -رضي الله عنه-، وأن يكون أولى ما يكون الوقف فيه في القربى، ممن يحرم الميراث، فقرابتك مما حرموا الميراث هؤلاء هم أولى من يكون الوقف عليهم.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ، والشكر موصول لإخواننا المشاهدين، وإلى هنا تكون حلقتنا قد انتهت، ونلتقيكم -بإذن الله تعالى- في حلقة مقبلة، وإلى ذلك الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة وبركاته}.
-------------------------------
[1] رواه أبو خيثمة في "العلم" (٢١) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (٢/ ١٦٣) بلفظ: "أدركت عشرين ومئة من الأنصار من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-ما منهم رجل يُسْأل عن شيء إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه، ولا يحدِّثُ حديثًا إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه".
[2] رواه البخاري (7169).
[3] رواه البخاري (2258).
[4] رواه مسلم (2958).