{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قائد الغرِّ المحجَّلين،
نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
نرحبُ بحضراتكم -أيُّها الإخوة والأخوات- أجمل الترحيب مع الدرس الأخير من كتاب
"آداب المشي إلى الصَّلاة"، والذي صحبنا فيه سماحة العلامة الشيخ صالح الفوزان، عضو
هيئة كبار العلماء، وعضو اللَّجنة الدَّائمة للإفتاء، فجزاه الله عنَّا وعن أمَّة
الإسلام خير الجزاء، ونفع الله به الأمَّة الإسلامية.
سماحة الشيخ؛ وقف بنا الحديث في المتن في هذا الباب عند قول المصنف -رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى: (وَيُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ
وَالذِّكْرِ وَالصَّدَقَةِ)}.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله واصحابه أجمعين.
شهرُ رمضان شهرٌ عظيمٌ وشهرٌ فاضلٌ، فضَّله الله على سائر الشهور، وخصَّه بالصِّيام
والقيام، وتلاوة القرآن، وحثَّ فيه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- على
تفطير الصوَّام، وعلى الصَّدقات على المحتاجين، فهو شهرٌ عظيمٌ مباركٌ، قال -صَلَّى
اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ،
شَهْرٌ مُبَارَكٌ» ، يعني شهر رضمان.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَأَفْضَلُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ صِيَامُ يَوْمٍ
وَإِفْطَارُ يَوْمٍ)}.
هذا صيام داود -عليه السلام- قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ
الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُد َ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ
يَوْمً» .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُسَنُّ صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ
شَهْرٍ، وَأَيَّامُ الْبِيضِ أَفْضَلُ)}.
مِنَ الصيام المستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل أن تكون الأيام البيض،
الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر؛ وسُمِّيَت "بيض" لابيضاض لياليها بالقمرِ؛
لأنه لا يغرب إلَّا متأخِّرًا في النَّهار، فالقمر موجود في كل الليل، ولذلك
سُمِّيَت بالأيام البيض.
والحسنة بعشر أمثالها، فإذا صام الأيام البيض الثلاثة فكأنَّما صامَ الشهرَ كله؛
لأن كل يوم بعشرة أيام.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُسَنُّ صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ
وَالإِثْنَيْنِ)}.
يُسنُّ صيام يومي الخميس والاثنين من كل أسبوع اقتداءً بالنبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَسِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَلَوْ
مُتَفَرِّقَةً)}.
يُسنُّ صيام ستَّة أيَّامٍ من شوال، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «مَنْ
صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ» ؛
لأنَّ رمضان عن عشرة أشهر، والحسنة بعشر أمثالها، والستة أيام عن شهرين؛ فهذه شهور
السنة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَصَوْمُ تِسْعِ ذِي الْحِجَّةِ، وَآكَدُهَا
التَّاسِعُ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ)}.
يُسنُّ صوم تسع ذي الحجَّة وأفضلها اليوم التاسع الذي هو يوم عرفة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَصَوْمُ الْمُحَرَّمِ وَأَفْضَلُهُ التَّاسِعُ
وَالْعَاشِرُ، وَيُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَ)}.
يُستحبُّ صوم شهر الله المحرَّم، وآكده التاسع والعاشر.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ
الأَعْمَالِ غَيْرِ الصِّيَامِ فَلا أَصْلَ لَهُ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ)}.
كل ما ذكر في يوم عاشوراء -وهو اليوم العاشر من المحرَّم- من الفضائل؛ فلا أصل له،
إلَّا أنه يُستحبُّ صيامه؛ لأنه اليوم الذي نجَّا الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون
وقومه، فصامه موسى -عليه السلام- شكرًا لله، وصامه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَسَلَّمَ- أيضًا لأنه أولى بموسى -عليه السالم- من غيره، فهذا هو السر في تعظيم
هذين اليومين.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ)}.
يُكرَه إفراد رجب بالصوم، ولابدَّ أن يصوم معه غيره، إمَّا قبله وإمَّا بعدَه، ولا
يصومه وحده فقط.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي فَضْلِ صَوْمِهِ وَالصَّلاةِ
فِيهِ فَهُوَ كَذِبٌ)}.
كل حديثِ يُروَى في فضل رجب في الحث على تخصيصه بعملٍ دونَ غيره من الشهور فهو
مكذوب على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ولا يجوز العمل به.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ)}.
يصوم معها يوم الخميس، ولا يُفرد الجمعة فقط بالصوم، وذلك مخالفةً لليهود.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُكْرَهُ تَقَدُّمُ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ
يَوْمَيْنِ)}.
يُكرَه الصيام في آخر شهر شعبان، يوم التاسع والعشرين ويوم الثلاثين؛ لئلَّا يُدخِل
في شهر رمضان ما ليس منه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُكْرَهُ الْوِصَالُ)}.
الوصال: أن يواصل الصيام فلا يُفطر الأيام أو الشهور؛ بل الأصح أن يصوم ويُفطر لأجل
أن يتقوَّى على العبادة وعلى سائر الأعمال الصَّالحة.
{حديث "إنَّك تواصل يا رسول الله". ما حكمه؟}.
حديث صحيح، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- نهى الصحابة عن الوصال، فقال:
«فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» . قالوا: "
إنَّكَ تُوَاصِلُ! فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يواصل لأن ذلك من
خصائصه، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي
يُطْعِمُنِي رَبِّي ويَسْقِينِ» .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَحْرُمُ صَوْمُ الْعِيدَيْنِ)}.
يوم العيدين يوم فطر، ويحرم صومهما لأنه ضيافة من الله -جَلَّ وَعَلَا- لعباده، فلا
يجوز أن يُصام في يومي العيد.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ)}.
يحرم صيام أيام التشريق؛ لأنها أيامُ أكل وشرب، وذكر لله -سبحانه وتعالى- كما قال
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ
وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ للهِ» .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ)}.
يُكرَه صوم الدَّهر فلا يُفطر؛ لأن هذا فيه مشقَّة، ولذلك لم يشرع الله صوم الدهر،
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «من صام الدهر فلا صام ولا أفطر».
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ مُعَظَّمَةٌ يُرْجَى
إِجَابَةُ الدُّعَاءِ فِيهَ)}.
ليلة القدر في رمضان، التي قال الله -جَلَّ وَعَلَا- فيها: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ
الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ
الْفَجْرِ (5)﴾ [سورة القدر]، فهذه الليلة ليلةٌ عظيمةٌ، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، وفي رواية: «وما تأخر».
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ لأَنَّهُ
يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ)}.
سُميَت ليلة القدر بذلك؛ قيل: لأنها ذاتُ قدرٍ عند الله -سبحانه وتعالى- وقيل: إنها
تُقدَّرُ فيها أعمال السَّنة وما يقع فيها؛ وهذا مأخوذٌ من التَّقدير السابق في
اللوح المحفوظ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْعَشْرِ الأَوَاخِرِ
وَلَيَالِي الْوِتْرِ، وَآكَدُهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ)}.
هي في العشر الأواخر، ولهذا كان -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يعتكف العشر
الأوسط يتحرَّى ليلة القدر، فلمَّا تبيَّن له أن ليلةَ القدر في العشر الأواخر نقلَ
اعتكافه إلى العشر الأواخر؛ فدلَّ على أنَّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان،
وأخفاها الله -سبحانه وتعالى- لأجل أن يجتهد المسلم في سائر الليالي والأيام،
فيعظمُ أجره عند الله.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَدْعُو فِيهَا بِمَا عَلَّمَهُ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَائِشَةَ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ
كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»)}.
الليلة التي تُرجَى فيها ليلة القدر يُستحبُّ أن يُكثر من الدعاء، ولا سيما هذا
الدعاء الذي خصَّه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وهو: «اللَّهُمَّ
إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» ، فيُكثر من هذا
ويُردده في هذه الليلة.
{بارك الله فيكم.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وهو يختمُ هذا الكتاب المبارك: (وَاللهُ
أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
ونحنُ نقول: اللهمَّ صلِّ وسلِّم على نبينا وحبيبنا محمد.
لعلَّ لكم خاتمة في هذا الكتاب سماحة الشيخ صالح، والأمَّة تدعو لكم على تفضُّلكم
بشرح هذه الدروس المباركة}.
ختم المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- كتابَ "آداب المشي إلى الصلاة" بقوله:
(وَاللهُ أَعْلَمُ)، فردَّ العلمَ إلى الله -سبحانه وتعالى- فليس عندنا من العلم
إلَّا ما علَّمنا الله بواسطة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- والعلم عند
الله -جَلَّ وَعَلَا- وهو أعلم -سبحانه- وأكرم وأجل وأعظم.
وهذا الكتاب الذي ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وسمَّاه
"آداب المشي إلى الصلاة" كتابٌ نفيسٌ مفيدٌ، ينبغي العناية به؛ لأن فيه بيان فضل
أركان الإسلام، وفيه بيان ما يُستحب في هذه الليالي وهذه الأيام، ويكون المسلم على
بيِّنةٍ من أمره، وعلى اقتداءٍ بنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
{ونحن نقول: جزاكَ الله عنَّا وعن أمَّة الإسلام خير الجزاء شيخ صالح الفوزان على
حرصكم وبذلكم الخير للناس في شرح هذه المتون وهذه الدروس، رفع الله ذكركم في
الدارين، جزاكم عن أمَّة الإسلام خير الجزاء، وأشكرُ فريق العمل الذي صحبني في هذا
الكتاب على مدى ثلاث سنوات، شكرًا لهم جميعًا، وجزاهم عنَّا وعن أمَّة الإسلام خير
الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.