{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قائد الغرِّ المحجَّلين،
نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم -أيُّها الإخوة والأخوات- في درسٍ من كتاب "آداب المشي إلى الصلاة".
ضيفُ هذا اللقاء هو سماحة العلامة الشَّيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار
العلماء، وعضو اللَّجنة الدَّائمة للإفتاء، وهو يشرح هذه المتون المباركة وهذه
الدروس المفيدة التي تتابعونها.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ مع الإخوة والأخوات}.
حيَّاكم الله وباركَ فيكم.
{وقف بنا الحديث ونحن نتحدَّث في كتاب الصيام عن الحامل والمرضع، فقال المصنف
-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى
أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أُبِيحَ لَهُمَا الْفِطْرُ)}.
الحامل والمرضع إذا جاء شهر رمضان فإنهما إن لم يشق عليهما الصيام فإنهما يصومان مع
المسلمين، وأمَّا إذا شقَّ عليهما الصيام أو شق على الحمل فإنهما تفطران أخذًا
بالرخصة وتسهيلًا عليهما، وهذا من فضل الله -سبحانه وتعالى.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا فَقَطْ
أَطْعَمَتَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينً)}.
إذا كانت هي قويَّة تقدر على الصيام، ولكنها خافت على ولدها؛ فإنها تفطر وتطعم عن
كل يومٍ مسكينًا؛ لأنَّها إنَّما أفطرت لغير حاجتها هي، وإنما أفطرت لحاجة الحمل
والرضيع.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَالْمَرِيضُ إِذَا خَافَ ضَرَرًا كُرِهَ صَوْمُهُ
لِلآيَةِ)}.
إذا خاف المريض ضررًا بالصِّيام فإنه يُكرَه له الصيام في رمضان تخفيفًا عليه،
ويقضي من أيامٍ أخر، قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].
{هل هناك ضابط لهذا المرض؟}.
حسب تقرير الأطباء، إذا شهد الطبيب المسلم أن الصيام يضره؛ فإنه يفطر، وهذا بسبب
المرض، والحامل بسبب الحمل.
{ما حكم المريض الذي يغسل كُلى في رمضان؟}.
هؤلاء يُفطرون بتغسيل الكلى، ولكنهم يمسكون بعد الغسيل عن الأكل والشرب احترامًا
للوقت، ويقضون هذا اليوم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أَوْ
مَرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينً)}.
وهذا لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ ، يعني: لا يستطيعون الصيام.
قال: ﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة/184]؛ فالذي لا يقدر على الصيام حاضرًا
ولا مُستقبلًا إمَّا لكبر سنَّه أو لمرضٍ مُلازمٍ له فإنَّه لا صيام عليه، ولكن
يُقدِّم الفدية، وهي إطعام مسكينٍ عن كل يومٍ بمقدار نصف الصاع.
{هل يجوز للمرأة أثناء الصيام أن تتعامل مع الأكل والروائح وتعرضها لخروج بعض
الأدخنة من الطَّبخ}.
تصوم ولها الأجر في ذلك وهي تطبخ وتجد رائحة الطعام، وهذا لا يَضر.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ
أَوْ دَخَلَ إِلَى حَلْقِهِ مَاءٌ بِلا قَصْدٍ لَمْ يُفْطِرْ)}.
الشيء الذي دخل إلى حلق الصائم ولم يقصده، كأن دخل تارة إليه غبار ووجده في حلقه أو
ذباب؛ فإنَّه يُواصل صيامه ولا يتضرر الصيام بذلك؛ لأنَّه معذور في هذا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلا يَصِحُّ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ إِلاَّ
بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ)}.
الصوم الواجب سواء كان واجبًا بأصل الشرع أو بكفَّارة فإنَّه يصوم عند طلوع الفجر
بنيّةٍ من الليل، فلازمٌ أن ينوي الصيام عند طلوع الفجر ولا يؤخِّر النيَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنَ
النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ)}.
أمَّا لنفل فإنَّه مُوسَّع فيه في النية، فيجوز أن يُصبح الإنسان من غير أكلٍ
وشُربٍ فإذا أراد الصيام أثناء النهار قبل الزوال فإنَّ له أن ينوي الصيام، ويصح
صومه بذلك، لأن النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- دخل على عائشة -رضي الله
عنها- ذَاتَ يَومٍ فَقالَ: هلْ عِنْدَكُمْ شيءٌ؟ فَقالت: لَا، فقالَ -صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلَّمَ: «فإنِّي إذَنْ صَائِمٌ» .
{هل تكفي نيَّة واحدة لكل الشهر؟}.
النيَّة الواحدة لعموم الشهر، أمَّا كل يومٍ فإنه لابدَّ له من نيَّةٍ قبل طلوع
الفجر.
{بارك الله فيكم.
قال المصنف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (بِابُ مُا يُفْسِدُ الصَّوْمَ)}.
أي باب ما يبطل الصوم من الأكل والشرب ونحوهما.
{قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، أَوِ اسْتَعْطَ
بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ، أَوِ احْتَقَنَ، أَوِ اسْتَقَاءَ
فَقَاءَ، أَوْ حَجَمَ أَوِ احْتَجَمَ فَسَدَ صَوْمُهُ)}.
هذه مفسدات الصوم، وهي المفطِّرات الحسيَّة.
الأول: (مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ)؛ فإذا أكل طعامًا أو غيره مُتعمِّدًا أثناء
الصيام فإنه يبطل صومه، ولكن يُمسك بقيَّة اليوم ويقضيه.
الثاني: (أَوِ اسْتَعْطَ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ)، يعني:
أدخله إلى حلقه، ويسمونه: "السَّعوط"، فإذا كان بدهنٍ فإنَّه يُفطر بذلك لوصوله إلى
المعدة.
الثالث: (أَوِ احْتَقَنَ)، يعني: حقنَ ماءً فوصل إلى معدته فإنه يفسد صومه.
الرابع: (أَوِ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ)، يعني: طلب القيء وتسبب فيه فقاءَ على أثر ذلك؛
فإنه يبطل صومه بالتَّقيُّئ؛ لأنه أخرجَ الطعامَ الذي به قوَّته.
الخامس: (أَوْ حَجَمَ أَوِ احْتَجَمَ)، الحجامة: هي استخراج الدم بواسطة المحجم،
وهي نوعٌ من العلاج يُفعل عند الحاجة، فإذا احتجَمَ أثناء النهار فإنَّه يفسد صومه
بذلك؛ لأنَّه استخرجَ الدم الذي به قوَّته، وكذلك الحاجم الذي يُحجمه يُفطر بذلك؛
لأنَّه لا يسلم من تطاير شيء من الدم إلى حلقه بمصِّه المحجم، ولقوله -صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ- لَمَّا رأى رجلًا يحتجم وهو صائم: «أَفطَرَ الحَاجِمُ
والمَحْجُومُ» .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلا يُفْطِرُ نَاسٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ)}.
إذا فعل شيئًا من هذه الأمور ناسيًا أنَّه صائم فإنه يُتم صومه ولا يُؤثر عليه
النسيان، لقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَ﴾
[البقرة: 286].
{بارك الله فيكم سماحة الشيخ صالح، وسوف نستكمل -إن شاء الله ما تبقى من هذا المتن
في كتاب "ما يفسد الصوم" في الدروس القادمة -بإذن الله تعالى.
حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته}.