{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على قائد الغرِّ المحجَّلين،
نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم -أيُّها الإخوة والأخوات- في درسٍ من كتاب "آداب المشي إلى الصلاة".
ضيفُ هذا اللقاء هو سماحة العلامة الشَّيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار
العلماء، وعضو اللَّجنة الدَّائمة للإفتاء، والذي سيجيب على أسئلتكم واستفساراتكم
التي بعثتم بها في كتاب الصيام.
أهلًا ومرحبًا بالشيخ مع الإخوة والأخوات}.
حيَّاكم الله وباركَ فيكم.
{أحد الإخوة يسأل عن صيام الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وكم صامَ من
الرَّمضانات في ذلك، وهل أدركَ بعض صيام الصيف والشتاء؟}
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
صيام الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- مثل صيام المسلمين؛ لأنَّه إمامهم
وقدوتهم، فهم يصومون كما يصوم الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ويفطرون كما
يفطر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فُرِضَ عليه الصيام في السَّنة الثَّانية
من الهجرة، فصام -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- تسعة رمضانات، ثم توفاه الله
إليه -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
{يقو السائل: تعويد الأطفال على الصيام من أي سنٍّ يبدأ؟}.
يبدأ تعويد الأطفال على الصيام من سنِّ التَّمييز ليعتادوه، ولأجل أن يتعوَّدوا
عليه، وإذا بلغوا العاشرة فيجب إلزامهم بالصِّيام؛ لأنهم قد بلغوا أو قاربوا
البلوغ.
{إذا أحسَّ الصائم بالمشقَّة في الصيام فهل يُكتَب له أجر؟}.
يُكتَب له الأجر عن إمساكه عن الطَّعام والشَّراب بنيَّة الصيَّام، فهو عبادة فيها
أجرٌ عظيم، وهو عبادةٌ واجبةٌ فريضةٌ فيها أجرٌ عظيم.
{بعض الناس يصوم تطوُّعًا يومًا بعد يوم، والغرض من ذلك هو عمل حميَّة غذائية
"رجيم"؛ فهل هذا جائز؟}.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ» ، فإذا كانت
نيَّته من أجل الصحَّة فقط فإنه لا يُكتَب له أجر في ذلك، وإنما يستفيد من الصيام
بترك الطَّعام والشَّراب الذي تعوَّدَ عليه وأضرَّ به.
{ورد بحديث «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا
لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ» ، هل هذا الفرح أمر حسي أو أمر معنوي؟}.
الفرح أمر معنوي، وكما صحَّ في الحديث «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا:
إذَا أفْطَرَ فَرِحَ»، أي: إذا أباح الله له الطعام والشراب بعد أن منعه منه في وقت
الصيام، فإنه بلا شك أنه عند الفطر يفرح بالإفطار فرحًا طبيعيًّا.
{قال المصنف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في كتاب الصيام: (وَإِذَا رَأَى الْهِلالَ
كَبَّرَ ثَلاثًا، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ
وَالإِيمَانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ
وَتَرْضَاهُ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ هَلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ»)}.
إذا رأى المسلم أي هلال، سواء هلال رمضان أو هلال غيره من الأشهر؛ فإنه يقول:
«اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ
وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ» .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ وَاحِدٍ عَدْلٍ)}.
يُقبَلُ في إثبات دخول شهر رمضان شهادة واحدٍ عدلٍ، أي: عدل في دينه وفي عقليَّته؛
فيُقبَل خبره بذلك، وجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ. قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟». قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: «يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدً» ، وورد
مثله في الإفطار أيضًا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ
الْعُلَمَاءِ)}.
حكى الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- صاحب السُّنن هذا القول، وهو أنه يُقبَلُ في
دخول شهر رمضان شهادةُ مسلمٍ عدلٍ، وقد حكاه عن أكثر العلماء أنهم يقولون بذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِنْ رَآهُ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ
لَزِمَهُ الصَّوْمُ)}.
إذا رأى هلال الدخول واحدٌ، ورُدَّت شهادته ولم تُقبَل عند القاضي؛ فإنَّه يلزمه
الصوم في نفسه عملًا برؤيته.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلا يُفْطِرُ إِلاَّ مَعَ النَّاسِ)}.
لا يفطر إلَّا مع النَّاس في نهاية الشَّهر ولو صامَ أكثر من ثلاثين يومًا، لأجل أن
يكونَ مع جماعة المسلمين ولا يشذ عنهم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذَا رَأَى هِلالَ شَوَّالٍ لَمْ يُفْطِرْ)}.
إذا رأى هلال شوال وحده لم يُفطر؛ لأنَّه يُشتَرطُ للإفطار رؤية اثنين عدلين.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَالْمُسَافِرُ يُفْطِرُ إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ
قَرْيَتِهِ)}.
أباح الله للمسافر ترك الصيام إذا سافر في رمضان، وفي الحديث الصَّحيح أنَّ النَّبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- رخَّصَ للمسافرين في الإفطار.
{ما صحة حديث: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ» ؟}.
هذا قاله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- في سفرٍ من أسفاره لَمَّا نزلوا
وقت القيلولة وشدَّة حرارة الشَّمس، فذهب الصائمون إلى الظِّلِّ ليُخفِّف عنهم
مشقَّة الصيام، وصار المفطرون يخدمون الصائمين، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَسَلَّمَ: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ»، من أجل أنهم قاموا
بخدمة إخوانهم المسلمين وأعانوهم على الصيام.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَالأَفْضَلُ لَهُ الصَّوْمُ خُرُوجًا مِنْ خِلافِ
أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ)}.
يعني: صومه في آخر الشهر، فإذا صامَ ثلاثين ولم يفطر الناس؛ فإنه لا يُفطر ويكون
صائمًا معهم، ولا يشذ عنهم.
{نكتفي بهذا القدر من هذا المتن، وسوف نستكمل ما جاء عن الحامل والمرضع والأجر
المترتب على ذلك في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى.
حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.