الدرس الثاني

فضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

7867 11
الدرس الثاني

ملحة الإعراب (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، حياكم الله في هذه الليلة، ليلة الثلاثاء السابع عشر من جمادى الأولى من سنة ثمانٍ وثلاثين وأربعمائة وألفٍ، نعقد فيها بإذن الله الدرس الثالث عشر من دروس شرح ملحة الإعراب، للإمام الحريري البصري -عليه رحمة الله.

نحن في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، وهذا الدرس يُعقد في مدينة الرياض، في الدرس الماضي كان الكلام على "باب الإضافة"، بقيت بقيةٌ تلحق باب الإضافة، جعلها الحريري في فصلٍ لاحقٍ للإضافة، وهذا الفصل عَقَدَه في بابين، وجعله للكلام على "كم الخبرية"، وتمييزها المجرور، نستمع إلى ما قاله الحريري في هذا الفصل.

{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال المصنف -رحمه الله-:

واجرُرْ بكمْ ما كنتَ عنهُ مُخبِرَا
 

 

مُعَظّمًا لِقَدرِهِ مُكَثِّرَا
 

تقولُ كَمْ مالٍ أفَادَتْهُ يَدِي
 

 

وكم إمَاءٍ مَلَكَتْ وأَعبُدِ }
 

هذان البيتان كما ترون، تكلم فيهما الحريري على: "كم الخبرية"، وقبل أن نتكلم على "كم الخبرية"، نذكر أنَّ " كم " على نوعين.

الأول: "كم الاستفهامية".

والثاني: "كم الخبرية".

هما يختلفان في المعنى، وفي حكم التمييز.

الأول: فـــ "كم الخبرية"، ما معناها؟

يقولون: التكثير، أو كما قال الحريري هنا: مُعظِّمًا لقدره مُكَثِّرًا، تدل على تكثير الشيء وتعظيمه، ونحو ذلك.

فهي لا تدل على استفهامٍ، لا يُسأل بها عن شيءٍ، وإنما يُخبر بها عن كثرة الشيء، وتعظيمه.

والنوع الثاني: لــ "كم"، هي: "كم" الاستفهامية، وهذه واضحةٌ، هي "كم" التي يُستفهم بها، إما أن يكون الاستفهام بها استفهامًا حقيقيًّا، يعني: استفهامًا يحتاج إلى جوابٍ، وإما أن يكون الاستفهام استفهامًا توبيخيًّا، تريد به أن توبِّخ، لا تريد به جوابًا لسؤالك.

"كم الخبرية" كأن تقول: "كم أخٍ لك لم تلده أمك"، تريد أنَّ الإنسان قد يكون له إخوةٌ كثيرون، ليسوا إخوةً له من الولادة، ولكنهم إخوةٌ له في شيءٍ آخر، كــ "الدين" مثلًا، أو "الهم"، أو نحو ذلك.

وإذا قلت: "كم بابًا في هذا الكتاب؟" فهذه كم الاستفهامية تسأل، هذا الكتاب كم فيه من بابٍ.

فهذه "كم الخبرية" وهذه "كم الاستفهامية".

تمييز "كم الخبرية" يكون مجرورًا، "كم أخٍ لك"، وتميز "كم الاستفهامية" يكون منصوبًا، "كم بابًا في هذا الكتاب".

ميَّزتْ العَربُ بين التميزين للتفريقِ بين "كم الخبرية"، و "كم الاستفهامية".

الحريري هنا ذكر "كم الخبرية"، فقال:

واجرر بكم ما كنتَ عنه مُخبرًا
 

 

مُعظِّمًا لقدره مُكَثِّرًا
 

ثم ذكر مثالين على "كم الخبرية"، فقال:

تقولُ كَمْ مالٍ أفَادَتْهُ يَدِي
 

 

وكم إمَاءٍ مَلَكَتْ وأَعبُدِ
 

تقول: "كم مالٍ أفادته يدي"، يعني: أفدت مالًا كثيرًا.

و"كم إماءٍ ملكت وأعبدِ"، يعني: أنني ملكت كثيرًا من هؤلاء.

لماذا لم يتكلم عن كم الاستفهامية وتمييزها المنصوب؟ واكتفى بالكلام على "كم الخبرية" وتمييزها المجرور؟

الجواب: لأنه أراد أن يجعلها لاحقةً لباب الإضافة.

لماذا تمييز "كم الخبرية" مجرورٌ؟

لأنه مضافٌ إليه.

إذن فهذا فصلٌ داخلٌ في الباب السابق باب "المضاف إليه"، "كم أخٍ لك لم تلده أمك"، فــ "كم" هنا مبتدأٌ، وهو مضافٌ و"أخٍ" مضافٌ إليه، و"لم تلده أمك"، هذا خبرٌ.

وأمَّا "كم الاستفهامية" وتمييزها المنصوب فلم يذكرها هنا، ولكنه سيذكرها بعد باب "التمييز"؛ لأن تمييزها يكون مَنصوبًا، فذكره في باب التمييز.

لو قلنا مثلًا: "كم سيارة عند أبيك"، هذه الجملة قد تكون فيها "كم خبريةً"، وقد تكون فيها "كم استفهاميةً".

فلو قلت مثلًا: "كم سيارةً عند أبيك يا محمد؟" صارت استفهاميةً، فنصبت تمييزها سيارةً، فتحتاج إلى جوابٍ.

ولكن إذا قلت: "ما شاء الله، كم سيارةٍ عند أبيك"، لو شاء لأعطاك منها واحدةً، فهنا "كم سيارةٍ عند أبيك"، خبريةٌ تدل على الإخبار عن كثرة السيارات.

كم مرة، إذا قلت: "كم مرةً نهيتك عن التأخر"، استفهاميةٌ أم خبريةٌ؟

استفهاميةٌ، لكن استفهاميةٌ استفهامًا حقيقيًّا أو توبيخيًّا؟ توبيخيًّا، ومع ذلك تمييزها منصوبٌ؛ لأنها استفهاميةٌ.

"كم مرةً جئتَ"، استفهاميةٌ، "كم مرةٍ جئتُ ولم أجدك"، خبريةٌ، تقول: لقد جئتك مراتٍ كثيرةً، ولم أجدك.

"كم طالبٍ لو اجتهد لنجح"، هذه خبريةٌ.

تقول: ما أعظم الله! "كم تائبٍ قَبِلَهُ"، و"كم مُذنبٍ رحمه"، و"كم كُربةٍ فرَّجها"، كم فيها خبريةٌ، "كم تائبٍ قَبِلَهُ"، "كم" هذه مبتدأٌ، وهو مضافٌ، و"تائبٍ" مضافٌ إليه، و"قَبِلَهُ" هذه جملةٌ فعليةٌ، ما إعرابها؟ خبر المبتدأ.

وتقول في مدح إنسانٍ كريمٍ: "كم ضعيفٍ ساعده"، و"كم مظلومٍ نصره"، هكذا.

فهذه "كم الخبرية" التي تكلم عليها الحريري، وبذلك يكون الحريري قد انتهى من الكلام على الأسماء المجرورة، فتكلم على الاسم المجرور بحرف الجر، ثم تكلم على الاسم المجرور بالإضافة.

سننتقل الآن إلى الكلام على الأسماء المرفوعة، مبتدئًا بالمبتدأ والخبر، هل هناك سؤالٌ.

{في جملة مثلًا يُقال يسأل أحد: كم عمرك؟ أو كم عمرك؟ بكسر الراء أو بضم}.

هذه "كم" استفهاميةٌ، وكلمة "عُمْر" فيها السكون والضم، عمْر، وعمُر، تقول:

كم عمْرُك؟ وكم عمُرُك، وفيها لغةٌ ثالثةٌ: وهي عَمْر، لكنها خاصةٌ بأسلوب القسم، في قولهم: "لعَمرك"، فهي أيضًا بمعنى العمر.

أقسم بالعمر، بالحياة، فتقول: "كم عُمْرُكَ" فترفع؛ لأن "كم استفهاميةٌ"، و"عُمْرُكَ" هنا خبرٌ، أو أنه "كم" خبر مقدَّم، و"عُمْرُكَ" مبتدأٌ مؤخرٌ، على خلافٍ في إعرابها عند النحويين.

{إذن فالصواب تكون بالرفع}.

نعم لاشك، بالرفع، "كم عُمْرُكَ"، هذا "كم" مبتدأٌ و"عُمْرُكَ" خبرٌ، هنا ما فيه تمييزٌ، لو أردت أن تميز تقول: "كم سنةً عُمْرُكَ"، لكن حُذف التمييز؛ لأنه معروفٌ أن الأعمار تُقاس بالسنين.

إذن قلنا يا إخوان: إن الحريري -رحمه الله- عندما انتهى في البداية من الكلام على الإعراب، والبناء، وما يتعلق بالأحكام الإعرابية، الرفع والنصب والجر والجر، بدأ يتكلم على المرفوعات والمنصوبات والمجرورات والمجزومات، بدأ منها بماذا؟

المرفوعات والمنصوبات والمجرورات والمجزومات، بدأ بماذا؟

بدأ بالمجرورات، يعني: قدَّمها على المرفوعات وعلى المنصوبات، فذكر المجرور بحرف الجر، وذكر المجرور بالإضافة.

الأسماء المجرورة ثلاثةٌ، يعني: بقي الثالث لم يذكره الحريري، وهو: الاسم المجرور بالتبعية، يعني: الواقع نعتًا أو معطوفًا أو توكيدًا أو بدلًا، لم يذكر الأسماء المجرورة بالتبعية هنا؛ لأنه سيذكرها في بابٍ خاصٍّ بالتوابع.

فإن قلت: لماذا قدَّم الأسماء المجرورة على الأسماء المرفوعة والمنصوبة؟

المتعارف عليه في كتب النحو، البدء بالأسماء المرفوعة.

فالجواب: يظهر أن الحريري بدأ بالأسماء المجرورة؛ لأنها قليلةٌ، كما رأيتم ثلاثةً، فانتهى منها، ثم انتقل بعد ذلك إلى الأسماء المرفوعة.

الأسماء المرفوعة كم؟

الأسماء المرفوعة سبعةٌ، وهي المبتدأ وخبره، واسم كان وما يعمل عملها، وخبر إن وما يعمل عملها، والفاعل، ونائب الفاعل، والتابع للمرفوع، المرفوعات من الأسماء سبعةٌ.

لماذا قدَّم المرفوعات على المنصوبات؟

لأن المرفوعات أقل من المنصوبات، المنصوبات كثيرةٌ، المرفوعات أقل من المنصوبات، لكنها أكثر من المجرورات، فلهذا سينتقل الحريري الآن بعد أن انتهى من المجرورات سينتقل إلى الأسماء المرفوعة، عرفنا أنها سبعةٌ، سنبتدئ بالمبتدأ والخبر. نقرأ ونستمع إلى ما قاله الحريري في باب المبتدأ والخبر.

{قال المصنف -رحمه الله-: باب المبتدأ والخبر:

وإنْ فَتَحتَ النّطقَ باسمٍ مُبتَدَا
 

 

فارْفَعْهُ والأخبارَ عنهُ أبَدَا
 

تقولُ مِن ذلكَ زيدٌ عَاقِلُ
 

 

والصّلحُ خيرٌ والأميرُ عَادِلُ
 

ولا يَحُولُ حُكمُهُ مَتَى دَخَلْ
 

 

لكنْ على جُملَتِهِ وهَلْ وبَلْ
 

وقَدِّمِ الأخبارَ إذ تَستَفهِمُ
 

 

كقولِهِم أينَ الكَريمُ المُنعِمُ
 

ومثلُهُ كيفَ المريضُ المُدْنَفُ
 

 

وأيّها الغَادي متَى المُنصَرَفُ
 

وإنْ يكُنْ بعضُ الظّرُوفِ الخَبَرَا
 

 

فَأوْلِهِ النَّصبَ ودَعْ عنكَ المِرَا
 

تقولُ زيدٌ خَلْفَ عمرٍو قَعَدَا
 

 

والصومُ يومَ السبتِ والسَّيرُ غَدَا
 

وإنْ تَقُلْ أينَ الأميرُ جالِسُ
 

 

وفي فَنَاءِ الدّارِ بِشْرٌ مَائِسُ
 

فجَالسٌ ومَائِسُ قدْ رُفِعَا
 

 

وقد أُجِيزَ الرّفعُ والنّصبُ مَعَ }
 

أحسنت بارك الله فيك.

إذن فهذا ما قاله الحريري -رحمه الله تعالى- في باب المبتدأ والخبر.

يقول: (وإن فتحت النطق باسمٍ مبتدأ)، إذن ما الاسم الواقع مبتدًا، يقول: هو الاسم الواقع في ابتداء النطق، وإن فتحت النطق باسم مبتدأ.

العرب إذا وضعت الاسم في أول جملته، فإنها ترفعه، مثلًا: "الله عظيمٌ"، "المعلم مخلصٌ"، "المعلمان مخلصان"، "المعلمون مخلصون"، "محمدٌ قائمٌ".

إذن العرب إذا افتتحت الجملة باسمٍ ماذا تفعل بهذا الاسم؟

ترفعه، والواقع خبرًا لهذا الاسم حينئذٍ، يسمى خبرًا وأيضًا ترفعه، وهذا هو قول الحريري:

وإن  فتحت النطق باسمٍ مبتدأ
 

 

فارفعه والأخبار عنه أبدا
 

يعني ارفعه، وارفع الأخبار عنه أبدًا.

وقد مثَّل لذلك بثلاثة أمثلة فقال:

تقولُ زيدٌ خَلْفَ عمرٍو قَعَدَا
 

 

والصومُ يومَ السبتِ والسَّيرُ غَدَا
 

فمثَّل بثلاثة أمثلةٍ.

لكن المبتدأ وإن كان في الأصل يقع في أول جملته يجوز أن يتأخر، ويتقدم عليه الخبر، مثلًا قلنا: "زيدٌ قائمٌ"، "زيدٌ" مبتدأٌ و"قائمٌ" خبرٌ، يجوز أن تقول: "قائمٌ زيدٌ"، ف"قائمٌ" خبرٌ مقدمٌ، و"زيد" مبتدأٌ مؤخرٌ.

نُريد تعريفًا يضبط المبتدأ أينما وقع، في أول جملته، في آخر الجملة، في وسط الجملة، يعني وقوعه في أول الجملة هذا الأصل، لكن قد يذهب إلى آخر الجملة أو وسطها، فلهذا يعرِّفون المبتدأ، فيقولون: "المبتدأ هو الاسم الذي لم يُسبق بعاملٍ لفظيٍّ"، المبتدأ هو كل اسمٍ لم يُسبق بعاملٍ لفظيٍّ، هل رأيتم أسهل من هذا التعريف؟

كل اسمٍ لم يُسبق بعاملٍ لفظيٍّ فهو مبتدأٌ، فإذا وجدت المبتدأ فابحث حينئذٍ عن خبره.

إذن المبتدأ هو الاسم الذي لم يُسبق بعاملٍ لفظيٍّ، هو الاسم، معنى ذلك أن المبتدأ لا يكون إلا من الأسماء، لا يكون من الأفعال، ولا من الحروف، ولا يكون جملةً، اسميةً أو فعليةً، ولا يكون شبه جملةٍ، جارٌّ ومجرورٌ، وظرف زمانٍ وظرف مكانٍ، المبتدأ لا يكون إلا اسمًا.

هذا الاسم لكي يكون "مبتدًا" يجب أن يكون غير مسبوقٍ بعاملٍ لفظيٍّ، ما معنى عاملٌ لفظيٌّ؟

العامل اللفظي يعني: كل كلمةٍ ترفع، أو تنصب، أو تجر، أو تجزم، هذا هو العامل، أو كلمةٌ لها عملٌ تعمل في غيرها شيئًا سواءً تعمل الرفع رافعةٌ، تعمل النصب ناصبةٌ، تعمل الجر جارةٌ، تعمل الجزم جازمةٌ، هذه ماذا نسميها؟ نسميها عاملًا.

- والكلمة التي يقع عليها الرفع تكون مرفوعةً.

- يقع عليها النصب تكون منصوبةً.

- تقع عليه الجر تكون مجرورةً.

- يقع عليها الجزم تكون مجزومةً.

الكلمات التي يقع عليها العمل ماذا تُسمَّى؟ تُسمَّى معمولًا أو معمولةً، فالذي يعمل الرفع أو النصب أو الجر أو الجزم نسميه عاملًا، والجمع عوامل، والكلمة التي يقع عليها الرفع النصب الجر الجزم يقع عليها العمل تُسمَّى معمولةً، والجمع معمولاتٌ.

إذا قلنا مثلًا: "ذهب محمدٌ إلى المسجدِ"، "ذهب" فعلٌ ماضٍ، "محمد" فاعلٌ مرفوعٌ، مرفوعٌ يعني: معمولٌ، هناك شيءٌ رفعه، ما الذي يرفع الفاعل؟

الفعل الذي قبله، فذهب رافعٌ، ومحمدٌ مرفوعٌ، إذن "ذهب" عاملٌ، و"محمدٌ" معمولٌ، إلى المسجدِ، "إلى" حرف جرٍّ، و"المسجد" اسمٌ مجرورٌ، مجرورٌ معمولٌ فيه الجر، ما الذي عمل فيه الجر؟ إلى، إذن إلى عاملٌ جارٌّ، والمسجد معمولٌ مجرورٌ، يسمونها نظرية العامل، يعني أن الكلمات يعمل بعها في بعضٍ، والذي يعمل الرفع أو النصب أو الجر أو الجزم يسمى عاملًا.

ما العوامل في اللغة العربية التي تعمل؟

دعونا نرتبها، نبدأ بالأفعال، الأفعال عوامل أم ليست بعوامل؟

كل الأفعال عوامل، كل فعلٍ لابد أن يرفع فاعلًا، وإن كان ناقصًا، لابد يرفع اسمه، إذن كل الأفعال ثلاثيٌّ رباعيٌّ خماسيٌّ، تامٌّ ناقصٌ، متصرفٌ جامدٌ، كل الأفعال عاملةٌ.

ننتقل إلى الحروف، الحروف عاملةٌ أم غير عاملةٍ؟

{عاملة}.

لا، بعضها عاملٌ، وبعضها هاملٌ مُهملٌ، أي: غير عاملٍ، حروف الجر عاملةٌ، ونواصب المضارع وجوازم المضارع عاملةٌ، وإن وأخواتها عاملةٌ، لكن هل الاستفهامية وهمزة الاستفهام، هذه حروفٌ عاملةٌ أو هاملةٌ؟ هاملةٌ، لأنها ما ترفع ولا تنصب ولا تجر ولا تجزم، طيب قد؟ حرفٌ هاملٌ، كلا، نعم، ولا، هذه كلها حروفٌ هاملةٌ، لها معانٍ، لكن ليس لها عملٌ، لا ترفع ولا تنصب ولا تجر ولا تجزم.

إذن الحروف بعضها عاملٌ، وبعضها هاملٌ، تقول: كيف أعرف العامل من الهامل؟

سهلةٌ، الحروف العاملة، هذه لابد أن تُدرس في النحو لكي نعرف عملها، ندرس حروف الجر، ندرس إن وأخواتها، ندرس جوازم المضارع، نواصب المضارع وهكذا، لكي نعرف علمها، الحروف الهاملة لا يُدرس عملها في النحو.

انتهينا من الأفعال، كلها عاملةٌ، والحروف بعضها عاملٌ، وبعضها هاملٌ، طيب والأسماء؟ الأصل في الاسم أن يكون معمولًا، نستثني من الاسم شيئًا واحدًا، وهو الاسم إذا وقع مضافًا، الاسم إذا وقع مضافًا فإن الذي بعده يكون مضافًا إليه، حكمه الجر، فالاسم الذي يقع بعد المضاف ما يكون مبتدأً، ماذا يكون؟ يكون مضافًا إليه، حكمه الجر.

كل هذا الكلام نستطيع أن نلخصه فنقول: المراد بالعوامل اللفظية ثلاثة أشياءٍ:

الأول: الأفعال كلها.

والثاني: الحروف العاملة.

والثالث: الاسم الواقع مضافًا.

نستطيع أن نعود إلى تعريف المبتدأ، ونقول: المبتدأ كل اسمٍ لم يُسبق بفعلٍ، ولا بحرفٍ عاملٍ، ولا باسمٍ واقعٍ مضافًا.

أي اسمٍ في أول الجملة، آخر الجملة وسط الجملة، إذا لم يُسبق بشيءٍ من هذه الثلاثة، لم يُسبق بفعلٍ، ولا بحرفٍ عاملٍ، ولا باسمٍ واقعٍ مضافًا، ماذا يكون؟ مبتدأً، فإذا وجدنا المبتدأ نبحث عن خبره.

لو قلنا مثلًا: "محمدٌ قائمٌ"، هذا المثال واضح، محمد اسم، مسبوق أو غير مسبوق بعامل لفظي؟ غير مسبوق، إذن ماذا يكون؟

مبتدأ، وجدنا المبتدأ، نبحث عن خبره، أخبرنا عن محمدٍ بأنه قائمٌ، "محمد" مبتدأ و"قائمٌ" خبرٌ، والمبتدأ والخبر كلاهما حكمه الرفع.

لو قلنا مثلًا: "في البيتِ محمدٌ"، "في" حرفٌ، الحرف يقع مبتدأ؟ لا، انتهينا منه، ننتقل للبيت، "البيت" اسمٌ، هل هو مبتدأ؟ لا، لماذا؟ لأنه مسبوقٌ بحرف جرٍّ، لا هذا جارٌّ ومجرورٌ.

ننتقل إلى محمد، "محمدٌ": حينئذٍ اسمٌ مسبوقٌ؟ أم غير مسبوقٍ بعاملٍ لفظيٍّ؟

نقول: غير مسبوقٍ بعاملٍ لفظيٍّ، فيكون مبتدأ، فإن قلت: مسبوقٌ بـ"في"، نقول: في، حروف الجر لا تجر الدنيا كلها، وإنما تجر الاسم الذي بعدها وينتهي عملها، فعلى ذلك، يكون محمدٌ غير مسبوقٍ بعاملٍ لفظيٍّ فيكون مبتدأ وجدنا المبتدأ، نبحث عن الخبر، أخبرنا عن محمدٍ بأنه في البيت، إذن "في البيت" خبرٌ مقدَّمٌ، و"محمدٌ" مبتدأٌ مؤخرٌ.

لو قلنا مثلًا: "جاء محمدٌ"، "جاء" فعلٌ، والفعل لا يقع مبتدأ، و"محمد" اسمٌ، لكنه ليس مبتدأ، لماذا؟ لأنه مسبوقٌ بفعلٍ، ومحمد فاعلٌ طيب "جاء محمدٌ يده فوق رأسه"، "جاء" فعلٌ، و"محمدٌ" عرفنا أنه فاعلٌ، لأنه مسبوقٌ بـ"جاء" طيب "يده" اسمٌ مسبوقٌ أم غير مسبوقٌ بعاملٍ؟ غير مسبوقٍ بعاملٍ، لأن جاء فعلٌ لازمٌ، وقد أخذ فاعله وانتهى، فإذا كان يده غير مسبوقٍ، فماذا يكون إعرابه؟ مبتدأ، وجدنا المبتدأ، أين خبر المبتدأ؟ أخبرنا عن يده أنها فوق رأسه، الخبر شبه جملةٍ، فوق رأسه، إذن "يده" مبتدأٌ، و"فوق رأسه" خبرٌ، صارت جملةً اسميةً، "محمدٌ يده فوق رأسه".

قلنا: "محمد" هذا مبتدأٌ، لا، جاء محمدٌ يده فوق رأسه، "جاء" فعلٌ، و"محمد" فاعلٌ، و"يده" مبتدأٌ، و"فوق رأسه" خبرٌ.

هنا أسئلة: يده مبتدأ، والهاء في يده؟ مضافٌ إليه، وقد قلنا قاعدةً في باب المضاف إليه في الدرس الماضي: كل ضميرٍ اتصل باسمٍ فهو مضافٌ ومضافٌ إليه، إذن يد مبتدأٌ وهو مضافٌ والهاء مضافٌ إليه.

فوق رأسه، والهاء في رأسه مُضافٌ إليه قديمة، فوق رأسه ما إعراب رأس؟ مضاف إليه أيضًا، لأن فوق هذه من الظروف، وقلنا الظروف تغلب عليها الإضافة، فوق، هذه ظرفٌ، مكان، وهو مضافٌ، ورأس مضافٌ إليه، وهو مضافٌ، والهاء مضاف إليه.

نأخذ النحو خطوةً خطوةً، وحبة حبة، نضبطه -إن شاء الله تعالى- مع الوقت.

بقي سؤالٌ: "يده فوق رأسه"، "يده": مبتدأٌ، و"فوق رأسه" خبرٌ، صارت جملةً اسميةً، هذه الجملة الاسمية جاءت داخل جملةٍ أكبر، وهي: "جاء محمدٌ يده فوق رأسه"، هذه الجملة يده فوق رأسه، الجملة ما إعرابها؟ لا أريد إعراب المفردات، الجملة هنا ما إعرابها؟ ما قاعدة إعراب الجمل؟

{إعرابها هنا حالة}.

الجمل بعد المعارف.

{الجمل بعد المعارف أحوالٌ}.

والجمل بعد النكرات صفاتٌ، نعوتٌ، هذه القاعدة الأصلية في إعراب الجمل، وكذلك أشباه الجمل، الجملة إذا وقعت بعد معرفةٍ تكون حالًا من هذه المعرفة، وإذا وقعت بعد نكرةٍ، تكون نعتًا صفةً لهذه النكرة.

"جاء محمدٌ يده فوق رأسه"، يده فوق رأسه جملةٌ اسميةٌ، وقعت بعد محمدٍ، محمدٌ معرفةٌ أو ٌنكرةٌ؟ معرفة، إذن ما إعراب هذه الجملة يده فوق رأسه؟ حالٌ من محمد، يعني جاء محمدٌ حالة كونه يده فوق رأسه.

إذا قلنا: "جاء رجلٌ يده فوق رأسه"، فـ "جاء" فعلٌ و"رجلٌ" فاعلٌ، و"يده فوق رأسه" جملةٌ اسميةٌ مبتدأٌ وخبرٌ، ما إعرابها؟ صفةٌ لرجل، لأن "رجل" نكرةٌ، يعين جاء رجلٌ موصوفٌ بأنه يده فوق رأسه.

لو قلنا: محمدٌ ثوبه نظيفٌ، نطبِّق ما درسنا من قواعد، محمد اسمٌ مسبوقٌ أو غير مسبوقٍ بعاملٍ لفظيٍّ؟ غير مسبوقٍ، إذن فهو مبتدأٌ.

ننتقل إلى ثوبه، محمدٌ ثوبه، هل ثوبه خبرٌ عن محمد؟ هل أخبرنا عن محمد بأنه ثوبه؟ الجواب لا، محمد ليس هو ثوبه، إذن ثوبه ليس خبرًا، لكنه اسمٌ نطبق عليه قاعدة المبتدأ، هل هو مسبوقٌ أم غير مسبوقٍ؟ غير مسبوقٍ، ماذا يكون إعرابه؟ مبتدأ.

أي اسمٍ غير مسبوقٍ بعاملٍ لفظيٍّ فهو مبتدأٌ، هذه يسموها تعدد المبتدأ، فنقول: محمدٌ هذا مبتدأٌ أول، وثوبه مبتدأٌ ثانٍ، ثم قلنا نظيف، نظيفٌ خبرٌ عن محمد أم عن ثوبه هنا؟ خبرٌ عن الثوب.

إذن ثوبه: مبتدأٌ، ونظيفٌ: خبر ثوبه، إذن خبر المبتدأ الثاني أو الأول؟ خبر الثاني، أين خبر محمد، خبر المبتدأ الأول؟ الجملة الاسمية من المبتدأ والخبر ثوبه نظيفٌ خبر المبتدأ الأول، وسيأتي أن الخبر قد يقع مفردًا وقد يقع جملةً.

لو قلنا: "جاء الذي أبوه كريمٌ"، فـ"جاء": فعلٌ ليس مبتدأً، و"الذي" اسمٌ موصولٌ، لكن ليس مبتدأً لأنه مسبوقٌ ب"جاء"، ف"جاء" فعلٌ ماضٍ و"الذي" فاعله، جاء الذي، أبوه مسبوقٌ أو غير مسبوقٍ بعاملٍ؟ غير مسبوقٍ، ماذا يكون؟ مبتدأ، أين الخبر؟ أبوه كريمٌ، "أبوه كريمٌ" صارت جملةً اسميةً مبتدأٌ وخبرٌ، ومن أحكام الأسماء الموصولة أن كل اسمٍ موصولٍ لابد أن يكون بعده جملةٌ تُسمَّى صلة الموصول، فجملة أبوه كريمٌ جملةٌ اسميةٌ مكونةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ، هي صلة الموصول.

لو قلنا: "جاء رجلٌ خلقه كريمٌ، "جاء": فعلٌ، و"رجلٌ" فاعلٌ، و"خلقه" مبتدأٌ، و"كريمٌ" خبره، و"خلقه كريمٌ"، هذه الجملة الاسمية ما إعرابها؟ نعتٌ لـ "رجل"؛ لأن "رجل" نكرةٌ.

لو قلنا: "جاء رجلٌ له فضلٌ"، "جاء" فعلٌ ماضٍ، و"رجلٌ" فاعله، "له" اللام حرف جرٍّ، والهاء ضميرٌ، والضمائر أسماء، الهاء في له، مسبوقٌ ولا غير مسبوقٍ، مسبوقٌ باللام، إذن ليس مبتدأ، هذا جارٌّ ومجرورٌ، شبه جملةٍ، "فضل" مسبوقٌ أو غير مسبوقٍ؟ صار غير مسبوقٍ؛ لأن اللام جَرَّتْ الهَاء وانتهى عملها.

فصار "فضل" اسمًا غير مسبوقٍ بعاملٍ لفظيٍّ، فهو مبتدأٌ، أين خبره؟ أخبرت عن الفضل بأنه له، يعني أخبرت عن الفضل بأنه للرجل، له الهاء في له تعود إلى الرجل، الضمير مثل عائده، إذن ما نكرر العائد، يختصرونه بالضمير، الضمير فائدته الاختصار، فتقول: له، أو للرجل بمعنى واحدٍ، إذن فأخبر عن الفضل بأنه للرجل، إذن فضل مبتدأٌ، وله خبرٌ مقدَّمٌ، صارت له فضل جملة اسمية، مكونة من خبر مقدَّم، ومبتدأ مؤخر، هذه الجملة الاسمية ما إعرابها؟ جاء رجلٌ له فضلٌ صفةٌ نعتٌ لرجل، لأن رجل نكرةٌ.

ثم بيَّن الحريري -رحمه الله- أن المبتدأ لا يخرج عن الابتداء إذا تقدَّمه حرفٌ غير عاملٍ، يعني: حرفٌ مُهملٌ، أو هاملٌ، فقال:

ولا يَحُولُ حُكمُهُ مَتَى دَخَلْ
 

 

لكنْ على جُملَتِهِ وهَلْ وبَلْ
 

يقول: المبتدأ لو دخل عليه الحرف لكنْ، أو الحرف هل، والحرف بل، أو غيرها من الحروف الهاملة، التي ليس لها عملٌ، فإنها لا تُخرج المبتدأ حينئذٍ عن الابتداء، بل يبقى مبتدأ.

لو قلت: "محمدٌ قائمٌ"، مبتدأٌ وخبرٌ، هل محمدٌ قائمٌ؟ هل حرف استفهام أدخل معنى الاستفهام، ومحمدٌ مبتدأٌ وقائمٌ خبرٌ، لأن "محمد" حينئذٍ مسبوقٌ أم غير مسبوقٍ بعاملٍ لفظيٍّ؟ غير مسبوقٍ.

لو قلنا مثلًا: "أخالدٌ حاضرٌ"، فـ "خالدٌ" مبتدأٌ وحرف الاستفهام أدخل معنى الاستفهام ولم يُخرج المبتدأ عن الابتداء.

"جاء الناس، لكن زيدٌ غائبٌ"، "لكنْ" حرف استدراك، و"زيدٌ غائبٌ" مبتدأٌ وخبرٌ.

نقول: "ليست الحلوى أفضل، بل التمر أفضل"، بل حرف إضرابٍ، والتمر أفضل مبتدأٌ وخبرٌ، إذن المبتدأ إذا دخل عليه حرفٌ هاملٌ، فإنه لا يخرج عن الابتداء، بل يبقى مبتدأ.

ثم تكلم الحريري -رحمه الله تعالى- على مسألةٍ من المسائل المهمة المشهورة في باب المبتدأ والخبر، وهي تقدُّم الخبر على المبتدأ، فقال:

وقَدِّمِ الأخبارَ إذ تَستَفهِمُ
 

 

كقولِهِم أينَ الكَريمُ المُنعِمُ
 

ومثلُهُ كيفَ المريضُ المُدْنَفُ
 

 

وأيّها الغَادي متَى المُنصَرَفُ
 

الأصل في الجملة الاسمية، أن يتقدَّم المبتدأ، وأن يتأخر الخبر، "زيدٌ قائمٌ، العلم نافعٌ، الله عظيمٌ"، هذا الأصل، ثم إن الخبر قد يتقدَّم، إما أن يتقدَّم وجوبًا، إذا كان هناك موجبًا لتقدمه، فإن لم يكن هناك موجبًا لتقدم الخبر، فإن الخبر يكون جائز التقدُّم، وجائز التأخر.

متى يتقدَّم الخبر وجوبًا؟

الجواب: إذا كان هناك موجبًا يوجب تقدُّم الخبر،

مثل ماذا؟

مثل: ما لو كان الخبر اسمًا من الأسماء التي لها الصدارة، هناك أسماءٌ في اللغة العربية متى ما وجدت في الجملة، فيجب أن تأتي في صدر الجملة، يعني في أول الجملة، مهما كان إعرابها، مبتدأً أو خبرًا، أو حالًا، أو مفعولًا مطلقًا، أو غير ذلك، أو ظرف زمانٍ، أو ظرف مكانٍ، تُسمَّى الأسماء التي لها الصدارة، مثل أسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، وهذا هو الذي ذكره الحريري، قال: وقدِّم الأخبار إذ تستفهم، كأن تقول: "أين زيدٌ، ومتى السفر، وكيف زيدٌ"، والحريري مثَّل بقوله: "أين الكريمُ، وكيف المريضُ، ومتى المنصرفٌ".

لو قلنا مثلًا: "أين زيدٌ"، ما إعراب أين زيد؟ "أين" خبرٌ، و"زيدٌ" مبتدأ، الخبر أين لما قُدِّم هنا وجوبًا؛ لأنه اسم له الصدارة، وكذلك بقية الأمثلة.

واضحٌ أن أين تدل على المكان، فهي في الأصل ظرف مكانٍ، ومتى تدل على الزمان، فهي ظرف زمانٍ، وهكذا.

ومن المهم أن يعرف الطالب كيف يُعرب...

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك