الدرس الأول

فضيلة الشيخ د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

5305 11
الدرس الأول

ملحة الإعراب (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وحياكم الله وبياكم، في هذا الفصل الجديد، الذي نسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يجعله فصلًا مُباركًا، في الفصل الثاني من سنة ثمانٍ وثلاثين وأربعمائةٍ وألفٍ، نكمل -بإذن الله تعالى- ما كنا قد بدأناه في الفصل الأول، من شرح "مُلْحَةِ الإِعرَابِ"، للإمام الحريري البصري -رحمه الله تعالى.

هذا الدَّرس هو الدَّرسُ الثَّاني عَشَر، مِن دُرُوسِ شَرح "مُلْحَةِ الإِعرَابِ".

نحن في ليلة الثلاثاء، الحادي عشر من جمادى الأولى، من سنة ثمانٍ وثلاثين وأربعمائةٍ وألفٍ، في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، وهذا الدرس يُعقد في مدينة الرياض، حفظها الله.

في الدَّرس الذي قبل هذا، كان الكلام على الاسم المجرور بحرف الجر؛ لأن الحريري بعدما انتهى من الكلام على الإعراب ومتعلقاته، بدأ بالمجرورات، فذكر الاسم المجرور بحرف الجر، وشرحناه في الدرس الماضي.

في هذا الدرس -إن شاء الله- سيكون الكلام على المجرور بالإضافة، فنبدأ بسماع ما قاله الحريري -رحمه الله تعالى- في ذلك، فليقرأ الأخ الكريم ذلك.

{بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم اغفر لشيخنا، ولجميع المستمعين والمستمعات، والمشاهدين والمشاهدات، والمسلمين والمسلمات.

قال الحريري البصري -رحمه الله:

وقد يُجَرُّ الاسم بالإضافة
 

 

كقولهم دار أبي قحافة
 

فتارةً تأتي بمعنى اللام
 

 

نحو أتى عبد أبي تمام
 

وتارةً تأتي بمعنى من إذا
 

 

قلت منى زيتٍ فقس ذاك وذا
 

وفي المضاف ما يجر أبدًا
 

 

مثل لدن زيدٍ وإن شئت لدى
 

ومنه سبحان وذو ومثل
 

 

ومع وعند وأولو وكل
 

ثم الجهات الست فوق وورا
 

 

ويمنةً وعكسها بلا مِرى
 

وهكذا غير وبعض وسوى
 

 

في كلمٍ شتى رواها من روى}
 

ذكرنا أنَّ الجَرَّ خاصٌّ بالأسماء، لا يدخل على غير الأسماء، وذكرنا أن الأسماء التي حكمها الجر ثلاثة أنواعٍ.

الأول: الاسم المجرور بحروف الجر، وشرحناه.

والثاني: الاسم المجرور بالإضافة، وهو الذي سنشرحه -إن شاء الله- في هذا الدرس.

والثالث: الاسم المجرور بالتبعية، وهو التابع لمجرور، وهذا سيأتي الكلام عليه -إن شاء الله- عندما يتكلم الحريري على التوابع، وهي النعت والعطف والتوكيد والبدل.

إذن فدرسنا اليوم -إن شاء الله- سيكون عن الإضافة، يعني: عن الاسم المجرور بالإضافة.

الإضافة أمرٌ معنويٌّ، فلهذا تكون سهلةً على كثيرٍ من الناس؛ لأنها أمرٌ يُفهم فهمًا، فالذي يعتمد على الفهم سيرتاح في باب الإضافة، وأما الذي لا يفهم الإضافة فإنه سيتعب فيها، فلهذا يقولون: الإضافة إما أن تفهمها فهمًا جيدًا، أو لا تفهمها.

فدعونا نبدأ الإضافة، بذكر أنَّ الإضافة خاصةٌ بين الأسماء، لا تقع إلا بين "اسمين"، يعني لا تقع بين "فعلين"، ولا تقع بين "حرفين"، أو بين مختلفين، "اسمٍ وفعلٍ"، "فعلٍ وحرفٍ"، "فعلٍ واسمٍ"، لا تقع إلا بين اسمين، اتفقنا على ذلك؟

الأصل في الأسماء أنَّ كل اسمٍ يدل على مسمَّاه، ويدل على معناه.

إذا قلت: قلمٌ، هذا الاسم له معنًى خاصٍّ به، وهو آلة الكتابة.

وإذا قلت: الأستاذ، الأستاذ اسمٌ آخر، يدل على معنًى آخر، وهو هذا الذي يشرح.

إذن كل اسمٍ له معنًى ومسمًى، يدل عليه، يختلف عن الاسم الآخر.

إذا قلنا: "قلمُ الأستاذِ"، كم كلمةٍ؟ كلمتان، وهما اسمان، "قلم الأستاذ"، هذان الاسمان "قلم الأستاذ" يدلان على شيءٍ واحدٍ أم على شيئين؟

على شيءٍ واحدٍ، كيف جعلت اسمين يدلان على شيءٍ واحدٍ مع أن الأصل في الأسماء أن كل اسمٍ يدل على معنى مختلفٍ عن الآخر؟

بالإضافة، والإضافة هي أن تجعل اسمين يدلان على شيءٍ واحدٍ، الإضافة هو ضم اسمٍ إلى اسمٍ بحيث يدلان على شيءٍ واحدٍ.

فالإضافة كثيرةٌ جدًّا في الكلام؛ لأن الحاجة إلى ضم اسمٍ إلى اسمٍ بحيث يدلان على شيءٍ واحدٍ، كثيرٌ جدًّا في الكلام.

تقول مثلًا: "سيارة المدير"، اسمان، لكن ماذا تريد بسيارة المدير؟

تريد شيئًا واحدًا، هذه الدابة التي من حديدٍ وتسير، المدير ذكرته في قولك: سيارة المدير لغرضٍ، وهو تعريف السيارة لمن، سيارة المدير.

تقول: "مدينة الدمام"، مضافٌ ومضافٌ إليه؛ لأن مدينة الدمام اسمان، لكن مدينة الدمام شيءٌ أم شيئان؟ شيءٌ واحدٌ.

"شاطئ الخليج"، اسمان يدلان على شيءٍ واحدٍ، مضافٌ ومضافٌ إليه.

"كتاب الفقه"، مضافٌ ومضافٌ إليه.

"صحيح البخاري"، مضافٌ ومضافٌ إليه.

"دَرَجَ البيت"، "يد زيد"، "سهر الليل"، مضافٌ ومضافٌ إليه؟ نعم، سهر الليل اسمان يدلان على شيءٍ واحدٍ.

وباب المسجد؟ مضافٌ ومضافٌ إليه.

"محراب المسجد"؟ كذلك، "إمام المسجد"، "مؤذن المسجد"، "بيت المسجد"، "سجاد المسجد"، "احترام المسجد"، "فناء المسجد"، هذه كلها إضافةٌ.

لو قلت مثلًا: "أحب المسجد"، هنا ليست إضافةً؛ لأن "أحب" فعل أصلًا، فلا يتصور فيه الإضافة.

إذن عرفنا أنَّ الإضافة تتكون من جزأين، الأول اسمٌ، والثاني اسمٌ، الأول منهما يسمى مُضافًا.

  • الجزء الأول في التركيب الإضافي يسمى مضافًا.
  • الجزء الثاني يسمى المضاف إليه.

أما المضاف فلم يُعقد هذا الباب للكلام عليه؛ لأن المضاف يختلف إعرابه باختلاف موقعه في الجملة، اسمٌ كسائر الأسماء، يكون مبتدأً أو خبرًا، أو فاعلًا، أو مفعولًا به، أو غير ذلك، وأما المضاف إليه، فهو الذي عُقِدَ له هذا الباب؛ لأن المضاف إليه له حكمٌ إعرابيٌّ ثابتٌ، وهو الجر، فكل اسمٍ يقع مضافًا إليه فحكمه الجر، فإن كان المضاف إليه مُعربًا كقولك: صديق محمدٍ، أو قلم الأستاذ، أو باب المسجد، فالمضاف إليه مجرورٌ أو في محل جرٍّ؟

{في محل جر}.

إذا كان مُعربًا فهو مجرورٌ، تقول: في المسجد في باب المسجد، أو محمد، في صديق محمدٍ، تقول: مضافٌ إليه مجرورٌ، وعلامة جره الكسرة، وإن كان المضاف إليه اسمًا مبنيًا، كقولك: "صديقك"، المضاف إليه "كاف الخطاب"، وهو ضميرٌ مبنيٌّ.

أو "قلم هذا"، المضاف إليه اسم إشارةٍ مبنيٌّ، فإذا كان المضاف إليه اسمًا مبنيًّا، فهل هو مضافٌ إليه مجرورٌ أو في محل جرٍّ؟

في محل جرٍّ، وهذا درسناه بالتفصيل عندما تكلمنا على الإعراب، وطريقة الإعراب، ومصطلحات الإعراب.

قلنا: الإضافة كثيرةٌ جدًّا في الكلام، ولو أتقن الإنسان الإضافة؛ لأتقن كثيرًا من كلامه، يعني: لفصَّح كثيرًا من كلامه، ولو نظرت مثلًا في المصحف لم تجد وجهًا في المصحف يخلو من إضافةٍ، لكثرتها في الكلام، بل الوجه الواحد تجد فيه عدة إضافاتٍ، فهو أمرٌ مهمٌّ جدًّا في النحو، وينبغي على الطالب أن يتقنه.

قد يقول الطالب: فهمت الإضافة، أنها اسمان يدلان على شيءٍ واحدٍ، لكن إلى الآن لم أتقنها جيدًا، هل هناك من ضوابط لفظيةٍ تساعد على فهم الإضافة وضبطها؟

الضوابط اللفظية أسهل في الفهم والإتقان.

نقول: نعم، هناك بعض الضوابط اللفظية، التي تساعد على ضبط هذا الباب، باب الإضافة، دعونا نذكر بعضها.

من الضوابط في الإضافة: أن الإضافة -كما قلنا قبل قليلٍ- لا تكون إلا بين اسمين، إذن: إذا رأيت فعلًا، أو حرفًا، فلا تتصور وجود الإضافة حينئذٍ.

اعلم الآن أن المضاف لا يكون إلا نكرةً، وأما المضاف إليه فقد يكون نكرةً، وقد يكون معرفةً، فقولك: "قلم محمد"، قلم كان في الأصل نكرةً، ومحمدٌ معرفةٌ، المضاف كان نكرةً، والمضاف إليه معرفةٌ.

لو قلت: "قلم طالبٍ"، فالمضاف كان نكرةً، والمضاف إليه هنا أيضًا نكرةٌ، إذن فالمضاف لابد أن يكون نكرةً، وأما المضاف إليه قد يكون نكرةً، وقد يكون معرفةً.

مِن الضوابط المفيدة في هذا الباب: أنَّ الإضافة، كما قلنا: لا تقع إلا بين اسمين، الاسم الثاني المضاف إليه، دائمًا في الإضافة يجوز أن تحذفه، وتضع مكانه غيره، تقول مثلًا: "سيارة محمدٍ"، احذف محمدًا، وضع ضميره، تقول: سيارته.

تقول مثلًا: "باب المدرسة"، احذف المضاف إليه، وضع ضميره، تقول: بابها، وهكذا.

كل مضافٍ إليه يمكن أن تحذفه وتضع مكانه ضميره، فلهذا لو شككت هذا التركيب إضافيٌّ أم لا، جرِّب هذا الضابط.

أيضًا من الضوابط اللفظية في باب الإضافة: قولهم: كل ضميرٍ اتصل باسمٍ فهما مضافٌ ومضافٌ إليه، كل ضميرٍ اتصل باسمٍ لا بفعلٍ ولا بحرفٍ، لكي يتحقق أن الإضافة صارت بين اسمين، معلومٌ أن الضمائر أسماء، تقول مثلًا: "قلمي"، قلمٌ وياء المتكلم، مضافٌ ومضافٌ إليه، قلمكَ، أو قلمكِ، أو قلمه، أو قلمنا، أو قلمكم، كل هذه ضمائر اتصلت بأسماءٍ فهما مضافٌ ومضافٌ إليه.

تقول: سيارتي، نفوسهم، ربنا، ثوبها، إخوتي، أخوك، كلها إضافةٌ؛ لأنها ضمائر اتصلت بأسماءٍ.

أيضًا من ضوابط الإضافة، وسيأتي عليه كلامٌ خاصٌّ في آخر الباب: أنَّ الإضافة لا تُجامع التنوين ولا "ال"، قلنا من قبل أكثر من مرةٍ: إن هذه الثلاثة "ال"، والتنوين، والإضافة، هذه الثلاثة لا تجتمع، إذا جاء واحدٌ منها انتفى الآخران، إذا قلت: قلم، إما أن تأتي بالتنوين فتقول: هذا قلمٌ، ما تأتي بـ"ال" ولا تضيف، "قلم محمدٍ"، وإذا أتيت فيها بـ"ال" تقول: هذا القلمُ، لا تنونها ولا تضيفها، وإن أضفت: هذا قلمُ محمدٍ، لا يمكن أن تنونها، ولا أن تعرفها بـ"ال"، فلهذا المضاف لا ينون، ولا يتعرف بـ"ال".

من الضوابط أيضًا المفيدة في باب الإضافة، ضابط ذكره الحريري في أبياته، وهو: أن الإضافة كل اسمين يمكن أن تقدِّر بينهما حرف الجر "اللام"، أو حرف الجر "من"، أو حرف الجر "في"، الإضافة كل اسمين يمكن أن تقدِّر بينهما اللام، أو من، أو في.

قال الحريري -رحمه الله تعالى- في ما قرأنا في بيان ذلك:

فتارةً تأتي -يعني الإضافة- بمعنى اللام
 

 

نحو أتى عبد أبي تمام
 

وتارةً تأتي بمعنى من إذا
 

 

قلت منى زيت فقس ذاك وذا
 

إذن فالإضافة تكون على معنى واحدٍ من حروف الجر الثلاثة، "اللام"، و "من" ، و "في".

نبدأ بالمعنى الأول، كون الإضافة على معنى اللام.

كون الإضافة على معنى "اللام"، هذا هو الأكثر في الإضافة، أكثر الإضافات تكون على معنى اللام، كأغلب ما قلناه قبل قليلٍ، "سيارة المدير"، يعني: سيارةٌ للمدير، "صديق محمدٍ"، يعني: صديقٌ لمحمدٍ، "قلم الأستاذ"، قلمٌ للأستاذ، "باب المسجد"، بابٌ للمسجد، وهكذا، ومن ذلك مثال الحريري: (عبد أبي تَمَّام)، الأصل أُبُو تَمَّام، أضاف الأب إلى تَمَّام، على معنى: اللام، يعني: أبٌ لتمامٍ، ثم أضاف بعد ذلك إلى أبي تمام عبد، فقال: عبدُ أبي تمام، يعني: عبد لأبي تمامٍ.

المعنى الثاني للإضافة: أن تكون على معنى "من"، تكون الإضافة على معنى: "من" إذا كان المضاف جزءًا بعضًا من المضاف إليه، كقولك: "باب خشبٍ"، يعني: بابٌ من خشبٍ؛ لأن هذا الباب جزءٌ وبعض من الخشب.

"نافذة حديدٍ"، يعني: من حديدٍ، "ثوب قطنٍ"، يعني: ثوبٌ من قطنٍ، هذه الإضافة على معنى: من.

مثال الحريري: قال: (منى زيتٍ، المنى)، ويقال: المنُّ، هذا مكيالٌ، كان يُكال به قديمًا، يقولون: هو رطلان، فقال: منى زيتٍ، ماذا يريد بمنى زيت؟ يعني: منٌّ من زيتٍ، منى يعني كقولك: كيلو، نستعملها الآن نحن، المقدار المشهور الآن هو كيلو، ويعرِّبه كثيرون، يعرِّب كثيرون الكيلو إلى الكيل، تقول: "كيلو تفاحٍ"، أو "كيل تفاحٍ"، يعني: كيلو من تفاحٍ، أو "طن حديد"ٍ، أو طنٌّ من حديدٍ، و"ذراع قماشٍ"، ذراعٌ من قماشٍ، وهكذا، كل ذلك إضافةٌ على معنى من.

وهناك معنًى ثالثٌ للإضافة، وهي أن تكون على معنى "في"، وهذا المعنى لم يذكره الحريري، اكتفى بمجيء الإضافة على معنى اللام، وعلى معنى من.

والإضافة على معنى "في" ثابتةٌ في اللغة، ولها أمثلةٌ، كقولك: "سهر الليل"، يعني: سهرٌ في الليل، و"نوم النهار"، نومٌ في النهار، وفي قولك: "أسفار الإجازة"، يعني: أسفارٌ في الإجازة، أو "موعد الجمعة"، يعني موعدٌ في الجمعة، قال تعالى: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنهَارِ﴾ [سبأ: 33] يعني مكرٌ في الليل والنهار، وما إلى ذلك.

إذن فهذه بعض الضوابط التي تساعد على ضبط هذا الباب، هل تريدون ضوابط أخرى لضبط هذا الباب؟

أيضًا هناك ضابطٌ مهمٌّ، من الضوابط اللفظية التي تضبط هذا الباب، وقد ذكره الحريري أيضًا، وهو: أن هناك أسماءً تلزم الإضافة أو تغلب عليها الإضافة، أي: أنَّ هناك أسماءٌ في اللغة العربية لا تستعمل إلا مضافةً، إذن فالذي بعدها ماذا يكون؟

يكون مضافًا إليه.

كلما رأيت هذه الأسماء تعلم مباشرةً أنها مضافٌ، والذي بعدها مضافٌ إليه، يسمونها الأسماء الملازمة للإضافة، وأسماءٌ أخرى تغلب عليها الإضافة.

دعونا نذكر عددًا من الأسماء التي تلازم أو تغلب عليها الإضافة، هذه الأسماء في الحقيقة كثيرةٌ، فلهذا سنقسِّمها أقسامًا.

القسم الأول من الأسماء التي تلزم الإضافة أو تغلب عليها الإضافة:

الظروف المطلقة، تعرفون الظروف، يعني: ظروف الزمان والمكان.

المطلقة: يعني التي تختص في الاستعمال بالظرفية، يعني: لا تخرج عن الظرفية، فيه ظروفٌ يعني أسماء مكانٍ وأسماء مكانٍ، تستعمل ظروفًا، وتستعمل في اللغة أيضًا غير ظروفٍ، كلمة:

"يوم، ساعة، عام، وقت"، هذه تأتي ظروف زمانٍ، كقولك:

- "انتظرتك ساعةً".

- "انتظرتك يومًا".

وقد تأتي في اللغة ليست ظروفًا، تأتي مبتدأً، خبرًا، فاعلًا، تقول: "اليوم جميلٌ"، "هذا يومٌ"، هذه أسماء زمانٍ ومكانٍ تأتي ظروفًا وغير ظروفٍ، لا نريدها، نريد الظروف المطلقة، التي لا تخرج عن الظرفية، مثل ماذا؟ مثل "لدن، ولدى، وعند، ومع"، هذه ذكرها الحريري.

تقول: "جئت من لدن زيدٍ"، أو من لدى زيدٍ، أو جلست عند زيدٍ، أو جئت مع زيدٍ، أين ذكرها الحريري؟ ذكرها الحريري في قوله:

وفي المضاف ما يجر أبدًا
 

 

مثل لدن زيدٍ وإن شئت لدى
 

ثم قال في البيت التالي: (ومع وعند)، هذه كلها من الظروف المطلقة.

ومثل ذلك أيضًا، ولم يذكره الحريري، من الظروف المطلقة: "قبل، وبعد، وبين، ودون"، هذه الأسماء أيضًا تلازم الإضافة، تقول: "جئت قبل زيدٍ"، "جئت قبل الظهر"، "جئت قبلك"، وهكذا في البواقي.

ومن الأسماء التي تلازم الإضافة أو تغلب عليها الإضافة، القسم الثاني منها: الجهات الست، وهي من الظروف المكانية، ماذا نريد بالجهات الست؟ لا نريد الجهات الجغرافية، لا، نريد الجهات النسبية.

ما الجهات الست النسبية؟

"أمام، خلف، يمين، يسار، فوق، تحت"، نقول: هذه جهاتٌ نسبيةٌ؛ لأنها بالنسبة لهذا الشيء الذي نتكلم عنه، أمامي غير أمامك، غير أمام الثالث والرابع، أشياءٌ نسبيةٌ، هذه الجهات الست، كل كلمةٍ تدل على جهةٍ من هذه الجهات الست، فهي ملازمةٌ للإضافة، أمام، طب ما فيه كلمة ثانية تدل على "أمام"، فيه "قدَّام"، طيب "وراء"، "خلف"، "فوق"، "أعلى"، "تحت"، "أسفل"، "يمين"، "يمنة" أو "ذات اليمين"، "يسار"، "شمال".

كل هذه الأسماء تلزم الإضافة أو تغلب عليها الإضافة، تقول: "اجلس أمام الأستاذ"، أو "أمام محمدٍ"، أو "أمامك" ونحو ذلك.

وذكر الحريري الجهات الست فقال:

ثم الجهات الست فوق وورى
 

 

ويمنة وعكسها بلا مرى
 

 

 

 

 

أيضًا من الأسماء التي تلزم الإضافة، أو تغلب عليها الإضافة، -كم ذكرنا من قسم يا إخوان؟ ذكرنا قسمين: الظروف المطلقة، وهنا أسماء الجهات الست.

القسم الثالث منها: كلماتٌ أخرى، هناك كلماتٌ شتى مُتفرقةٌ، لزمت الإضافة، أو غلبت عليها الإضافة، منها مثلًا كلمة: "سبحان"، ومثلها كلمة: "معاذ، أو عياذ"، تقول:

"سبحان الله"، أو "سبحانك"، أو "سبحانه"، أو "سبحان ذي الجلال".

كذلك "معاذ الله"، أو "عياذ الله"، هذه تلزم الإضافة أو تغلب عليها الإضافة.

ومن الكلمات أيضًا التي تلزم الإضافة: كلمة "ذو"، في الأسماء الخمسة، أو الستة، التي درسناها، وعرفنا أنَّ معناها صاحب، تقول: "جاء ذو علمٍ"، لا يمكن أن تقول: "جاء ذو" وتسكت دون مضافٍ إليه، هذه ملازمةٌ للإضافة، "جاء ذو علمٍ"، "جاء ذو فضلٍ"، "جاء ذو مالٍ"، وهكذا.

ومثلها: "أولو"، بمعنى: أصحاب، ومثلها: "ذات"، و "ذوات"، بمعنى: صاحبة، وصاحبات، كذلك هذه كلها ملازمةٌ للإضافة.

ومن الأسماء الملازمة للإضافة، كلمة: "مثل"، وكل ما دل على" مثليةٍ أو مغايرةٍ، مثل كلمة: "مثلُ"، و "شبهُ"، و "شبيهُ"، و "غير"، و "نحو"، وما إلى ذلك.

تقول: هذا مثل هذا، أو مثله، ونحو ذلك.

ومن الأسماء التي تلزم الإضافة، أو تغلب عليها الإضافة، كلمة: "كلٌ"، و "بعضٌ"، وكذلك "كلا"، و "كلتا"، و "جميع"، يعني: ما دل على كليةٍ أو بعضيةٍ، تقول: "جاء كل الطلاب"، أو "كلهم"، ومنها كلمة غير، وسوى، "جاء غير زيدٍ"، و"غيره"، و"سوى زيدٍ"، و"سواه".

ومن الأسماء التي تلزم الإضافة "الكنى"، تقول: أبو محمد، أبو الأولاد، أبو الأشبال، أم كلثوم، وهكذا.

وقد ذكر الحريري هذا القسم، يعني أن هناك كلماتٍ شتى متفرقةً في اللغة، تلزم الإضافة غير القسمين السابقين، فأشار إليه بقوله: (ومن سبحان، وذو، ومثل، ثم قال: وأولو، وكل)، ثم قال:

وهكذا غير وبعض وسوى
 

 

في كلم شتى رواها من روى
 

فهذه الأسماء إذا مرت بك، أو إذا استعملتها، فاعلم أنها مضافةٌ، وما بعدها مضافٌ إليه.

من هذا تبين لنا أن الإضافة أمرٌ معنويٌّ، يحتاج منا إلى مزيد تمرينٍ، فإذا فهمه الإنسان، وضبطه، لا يكاد ينساه أو يخطئ فيه، فلهذا أكثروا من التمرن على الإضافة، حتى تتقنوها، فإنك بإذن الله لا تخطئون بعد ذلك فيها.

نذكر مسألتيْن، نختم بهما الكلام على باب الإضافة، بعد أن شرحنا ما قاله الحريري في الإضافة: هنا مسألةٌ من أحكام الإضافة، لم يذكرها الحريري، وهي:

- الإضافة توجب حذف التنوين أو النون من المفرد، من المضاف.

التنوين يُحذف من المفرد، من المضاف إذا كان مفردًا، لو قلت: "هذا بابٌ"، ثم أضفت، "بابُ المسجدِ"، تقول: "هذا معلمٌ"، ثم تضيف، "معلمُ زيدٍ"، أو "معلمُ المدرسة"، أو "معلمُ الخير".

"هؤلاء طلابٌ"، أضف، "طلابُ المدرسة"، "هذا ربٌّ"، "ربُّ الفلق"، وهكذا.

وأما النون فإنها تُحذف مِن المثنى، ومن جمع المذكر السالم، تقول: "هذان قلمان"، فإذا أضفت، "قلما زيدٍ"، و"هذان معلمان"، فإذا أضفت، "معلما زيدٍ"، أو "معلما المدرسة".

وتقول في جمع المذكر السالم: "هؤلاء معلمون"، فإذا أضفت، تقول: "هؤلاء معلمو محمدٍ"، أو "معلمو المدرسة"، أو "هؤلاء مهندسو الشركة"، و"مسلمو العالم"، قال تعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ [يوسف: 39] فحذف النون، الأصل: يا صاحبان، فحذف النون.

مسألةٌ أخرى نختم بها الكلام على باب الإضافة:

هناك أسماءٌ عكس الأسماء السابقة، التي قلنا إنها تلزم الإضافة، فيه أسماءٌ تلزم الإضافة، ذكرناها، فيه أسماءٌ عكسها، يعني: هناك أسماءٌ في اللغة العربية لا يمكن ولا يتصور أن تقع مُضافًا، لا تقبل الإضافة، منها:

(الضمائر، وأسماء الإشارة)، الضمائر وأسماء الإشارة هذه لا يتصور أن تقع مُضافًا، لكن يمكن أن تقع مضافًا إليه، الكلام على المضاف، ما يمكن مثلًا في "كاف الخطاب"، أو في "نحن" أن تضيفها إلى شيءٍ بعدها، وكذلك أسماء الإشارة، ما يصح، ما يمكن، حاول ما تستطيع أن تجعلها مضافًا، كذلك من الأسماء التي لا يمكن ولا يصح أن تقع مضافًا، "الأسماء الموصولة"، الذي وإخوانه، و "أسماء الاستفهام"، من، وكيف، وأين، إلى آخره، و "أسماء الشرط"، مثل: من، ومهما، إلى آخره، باستثناء أيّ منها، أيٍّ سواء كانت موصولةً، أم كانت استفهاميةً، أم كانت شرطيةً، أي: لها خاصيةٌ، وهي أنها تقبل الإضافة، فلهذا قلنا من قبل في الكلام عن المعرب والمبني، أن الأسماء أسماء الاستفهام، وأسماء الشرط مبنيةٌ، سوى أيّ، أي بقيت على أصل أسماء الإعراب، لماذا بقيت على أصل أسماء الإعراب؟ قالوا: لأنها الوحيدة التي تُضاف، والإضافة من خصائص الأسماء، لا تقع إلا بين اسمين، فهذه الخصيصة قوَّت جانب الاسمية في أي، فعادت إلى أصل الأسماء، وهو الإعراب، فأي يمكن أن تضيفها، تقول: ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا﴾ [التوبة: 124]، ﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ﴾ [مريم: 69]، وهكذا، بخلاف بقية أسماء الاستفهام والشرط، والأسماء الموصولة، فلا يتصور أن تقع مضافًا، إذن لا يمكن أن يقع بعدها مضافٌ إليه.

من هذا نفهم أن قول بعض الناس مثلًا: أينكم؟، أو كيفكم؟، أنه خطأٌ، لأنه أضاف، والصواب أن يقول: أين أنتم؟، وكيف أنتم؟، وهكذا.

دعونا نأخذ بعض التطبيقات السريعة، واستخرجوا الإضافة فيها.

قال تعالى: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: 35]، أين الإضافة في قوله؟

لدينا، أولًا" "نا" ضميرٌ اتصل باسمٍ، ضابط عرفناه، ثاني كلمةٍ "لدا" كلما جاءت فهي مضافٌ وما بعدها مضاف إليه.

قال تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]، فيه أكثر من إضافةٍ هنا.

الإضافة الأولى في قوله: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ﴾ "أولات" من الأسماء الملازمة للإضافة، ﴿أَجَلُهُنَّ﴾، مضافٌ لأنه ضميرٌ اتصل باسمٍ، ﴿حَمْلَهُنَّ﴾ إضافةٌ لأنه ضميرٌ اتصل باسمٍ.

"حب الوطن غريزة" أين الإضافة؟

حب الوطن.

"بغاث الطير أكثرها فراخًا، وأم الصقر مقلاة النذور".

الإضافة الأولى في قوله: "بغاث الطير" أضاف بغاث إلى الطير.

فيه إضافةٌ أخرى "أكثرها"، ضميرٌ اتصل باسمٍ.

فيه إضافةٌ ثالثةٌ: "أم الصقر" أيضًا إضافة.

«صلاة الليل مثنى مثنى»، أين الإضافة؟

صلاة الليل.

"صوم رمضان من أركان الإسلام".

الإضافة الأولى: صوم رمضان، والإضافة الثانية: أركان الإسلام.

"زكاة الفطر صاع تمرٍ".

ز"كاة الفطر" إضافةٌ، "صاع تمرٍ" إضافة.

﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ﴾ [الدخان: 43، 44].

الإضافة الأولى: ﴿شَجَرَةَ الزَّقُّومِ﴾، الإضافة الثانية: ﴿طَعَامُ الْأَثِيمِ﴾.

«أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائرٍ». أين الإضافة؟

"أفضل الجهاد"، "كلمة حقٍّ"، طيب عند سلطان إضافة؛ لأن "عند" من الأسماء الملازمة للإضافة.

«كل المسلم على المسلم حرامٌ».

كل المسلم.

"وبعض السم ترياقٌ لبعضٍ، وقد يشفي العضال من العضال".

بعض السم.

﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا﴾ [الكهف: 33].

"كلتا الجنتين"، وأيضًا "أُكلها"، ضميرٌ اتصل باسمٍ.

قال تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: 79].

وراءهم.

﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ [يوسف: 23].

{معاذ الله}.

وأيضًا؟

{إنه ربي}.

لا، إنه حرفٌ، ما فيه إضافةٌ، "مثواي"، ضميرٌ اتصل باسمٍ.

"الحمد لله رب العالمين".

{الحمد لله}.

لله، لام، اللام خلاص ما فيه إضافةٌ، هذا جارٌّ ومجرورٌ، لا ما فيه إضافةٌ هنا.

{رب العالمين}.

رب العالمين اسمان لكن شيءٌ واحدٌ الله -عزَّ وجلَّ-، اسمان دلا على شيءٍ واحدٍ.

«النساء شقائق الرجال».

شقائق الرجال.

«شر الأمور محدثاتها».

"شر الأمور" إضافةٌ، و"محدثاتها" إضافةٌ.

بقي الكلام بعد ذلك على باب "كم" الخبرية، وهذا -إن شاء الله- سنبدأ به في الدرس القادم.

هل هناك من سؤالٍ.

{إذن ما يمكن هنا أن يقال: كيفكم، هذه ليست عربيةً فصحى}.

كيفكم لا، هي تكون خطأً، ما يقال كيفكم أو أينكم، إنما كيف أنتم، أين مبتدأ، وكيف هذا خبرٌ مقدمٌ، أو أين أنتم، كذلك، خبرٌ مقدمٌ، مبتدأٌ مؤخرٌ.

إلى هنا ينتهي الدرس، وسعدت بلقائكم، ونلتقي -إن شاء الله- في الدرس القادم، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك