الدرس التاسع

فضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

15357 11
الدرس التاسع

ملحة الإعراب (1)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وحياكم الله وبياكم في هذه الليلة، ليلة الأربعاء، الثَّامن من شهر ربيعٍ الأول، مِن سنةِ ثمانٍ وثلاثين وأربعمائةٍ وألفٍ.

ونحن في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة؛ لنعقد هذا الدَّرس من مدينة الرياض -حرسها الله- وهو الدَّرسُ التَّاسِعُ مِن دُرُوسِ "ملحة الإعراب"، للحريري البصري -عليه رحمة الله.

والكلام في هذا الدَّرس بمشيئة الله سيكون على "علامات إعراب الاسم المنقوص، وعلامات إعراب الاسم المقصور".

في الدَّرسِ الماضي كان الكلامُ على "علامات إعراب الأسماء الستة"، وعرفنا أنها تُعرب بعلاماتٍ أصليةٍ. حركات، أم بحروفٍ فرعيةٍ؟

كان الإعراب بحروفٍ فرعيةٍ، علامة الرفع "الواو"، مثل: "أبوك"، وعلامة النصب "الألف"، مثل: "أباك"، وعلامة الجر "الياء"، مثل: "أبيك".

انتقل الحريري منها، من الأسماء الستة، إلى الاسم المنقوص، ثم الاسم المقصور، فناسب كما رأى الحريري -رحمه الله- أن يذكر في هذا الموضع مِن "مُلحة الإعراب"، حروف العلة، وينبه لذكرها؛ لأن الأسماء الستة كما رأيتم صار إعرابها بالواو والياء والألف، وهي حروف العلة كما سيذكر، وكذلك المنقوص، لابد أن يكون مختومًا بالياء، كما سيأتي، والمقصور، لابد أن يكون مختومًا بالألف كما سيأتي، فناسب في هذا الموضع أن يذكر حروف العلة، فلنقرأ ما قاله، ولنسمع ذلك من الأخ القارئ، فليتفضل.

{أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه أجمعين.

قال الحريري -رحمه الله وإيانا: (باب حروف العلة.

والواو والياء جميعًا والألف
 

 

هن حروف الاعتلال المكتنف)}.
 

ذكر في هذا البيت أحرف العلة، وهي ثلاثةٌ، كما نَصَّ عليها، وهي:

"الألف - الواو - الياء"، هذه الثلاثة تُسمى أحرف العِلة، ويجمعها بعض المتأخرين في قولك: "واي"، واي تجمع حروف العلة، وهي: "الواو و الألف و الياء".

ما معنى العلة في اللغة؟

أصابته علةٌ، العِلة في اللغة المرض، سميت هذه الأحرف بأحرف العلة، لما يصيبها من زيادةٍ قد تزاد في الكلام، أو حذفٍ، قد تُحذف من بعض الكلمات، أو قلبٍ.

قد تُقلب "الواو": "ألفًا". و "الياء" تقلب: "واوًا"، وغير ذلك مما يصيبها، فسميت أحرف العلة، فالواو مُطلقًا، والألف مُطلقًا، والياء مُطلقًا، تسمى أحرف علةٍ.

هناك أيضًا مصطلحان مُقاربان لأحرف العلة، وهما: "أحرف اللين"، و "أحرف المد"، سنذكر الفرق المشهور بينها، يعني: الفرق بينها على المشهور.

فـ "واي" أي: "الألف و الواو و الياء" مُطلقًا حروف عِلةٍ، يعني: سواءً أكانت ساكنةً أم كانت مُتحركةً، فهي أحرف علةٍ.

وأما أحرف "المد" فهي أحرف العِلة إذا سكنتْ، وقبلها حركةٌ مجانسةٌ، مثل: "الواو" إذا سكنتْ وقبلها ضمةٌ، مثـل: "يقول"، و "الياء" إذا سكنتْ وقبلها كسرة، مثـل: "قيل"، و "الألف" إذا سكنتْ وقبلها فتحة، مثـل: "قال"، فتكون حينئذٍ أحرف مد، وهي أيضًا أحرف علة.

وأمَّا أحرف اللين على المشهور، فهي أحرف العلة إذا سكنتْ، وقبلها حركةٌ غير مجانسةٍ، يعني: "الواو" إذا سكنتْ وقبلها "فتحةٌ"، مثل: "خوف"، و "قوم"، و "يوم".

والياء إذا سكنتْ، وقبلها فتحةٌ، مثل: "بيت، و زيت"، بل دعونا نعيد تعريف أحرف اللين.

فنقول في تعريف أحرف اللين: أحرف اللين هي: حروف العلة إذا سكنتْ وقبلها فتحةٌ، هذا أضبط، فلهذا "قوم" الواو حرف لين؛ لأنه ساكنٌ وقبله فتحةٌ، و"بيت" حرف لين؛ لأن الياء ساكنةٌ، وقبلها فتحةٌ، و"قال" أيضًا حرف لين؛ لأن الألف ساكنةٌ، وقبلها فتحةٌ.

فالأحرف هنا أحرف لِين، وأيضًا أحرف علةٍ، فبان من ذلك أنَّ الألف دائمًا حرف علةٍ، وحرف مدٍّ، وحرف لين؛ لأن الألف من طبيعتها أنها تلزم السكون، وما قبلها يلزم الفتح، وهذا سيأتينا بعد قليلٍ في المقصور.

"الألف" تلزم السكون، يعني: لا تتحرك بفتحٍ أو ضمٍّ أو كسرٍ، وقبلها يلزم الفتح، يعني: لا يأتي قبل "الألف" ضمةٌ، ولا كسرةٌ، ولا سكونٌ، فلهذا هي حرف علةٍ دائمًا، ومدٍّ لأنها ساكنةٌ، وقبلها حركةٌ مجانسةٌ، وحرف لين؛ لأنها ساكنةٌ وقبلها فتحةٌ.

وأمَّا "الواو" فهي حرف "علةٍ" دائمًا، وتكون حرف "مدٍّ" إذا سكنتْ وقبلها ضمةٌ، وتكون حرف "لين" إذا سكنتْ وقبلها فتحةٌ.

و"الياء" تكون حرف "علةٍ" مُطلقًا، وتكون حرف "مدٍّ" إذا سكنتْ وقبلها كسرةٌ، وتكون حرف "لين" إذا سكنتْ وقبلها فتحةٌ.

فهذا هو التقسيم المشهور، والتفريق بين أحرف اللين والمد والعلة.

 

الآن سينتقل الحريري إلى الكلام على بابٍ جديدٍ من أبواب علامات الإعراب، التي لا تكون أصليةً ظاهرةً.

سنبدأ الآن بالاسم المنقوص، ونسمع ما قاله الحريري في ذلك، بقراءة الأخ الكريم، فليتفضل.

{قال المؤلف -رحمه الله: (إعراب الاسم المنقوص.

والياء في القاضي وفي المستشري
 

 

ساكنةٌ في رفعها والجر
 

وتفتح الياء إذا ما نصب
 

 

نحو لقيتُ القاضي المهذب
 

ونون الْمُنَكَّرَ المنقوص
 

 

في رفعه وجره خصوصا
 

تقول: هذا مشترٍ مخادعٌ
 

 

وافزع إلى حامٍ حماه مانع
 

وهكذا تفعل في ياء الشجي
 

 

وكل ياءٍ بعد مكسورٍ تجي
 

هذا إذا ما وردت مخففة
 

 

فافهمه عني فهم صافي المعرفة)}.
 

تكلم الحريري -رحمه الله تعالى- على علامات إعراب الاسم المنقوص، فما المراد بالاسم المنقوص؟

الاسم المنقوص: هو الاسم المعرب، الذي آخره ياءٌ قبلها كسرةٌ.

لابد أن يكون اسمًا مُعربًا، يعني: نُخرجُ ماذا؟

الاسم: يُخرج الحروف والأفعال، لا أحد يمثِّل بـكلمة: "يقضي"؛ لأنه فعلٌ.

الاسم المعرب: يُخرج الاسم المبني، لا نمثِّل بـكلمة: "الذي"، أو "هذه" هذه أسماءٌ مبنيةٌ.

الذي آخره ياءٌ قبلها كسرةٌ: ومثَّل الحريري للاسم المنقوص في أبياته بخمسة أمثلةٍ: "القاضي و المستشري، و مشترٍ، و حامٍ، و الشجي".

"القاضي، والمستشري، ومشترٍ -أي: المشتري-، وحامٍ -أي: الحامي-، والشجي، كلها أسماءٌ مختومةٌ بياءٍ، وهذه الياء قبلها كسرةٌ".

مثَّل بالمستشري، ما المراد بالمستشري؟

يُقال: استشرى الرجل إذا لجَّ في الأمر، واستشرى الأمر إذا انتشر، واستشرى إذا طلب الشراء، استشرى محمدٌ هذا البيت، يعني: طلب شراء هذا البيت، في قوله: استفهم، يعني: طلب الفهم.

وأمَّا الشجي الذي مثَّل به: فالشجي بياءٍ ساكنةٍ، على وزن "فَعِل"، فهو اسمٌ منقوصٌ، وهو الحزين المهموم، تقول: "رأيت فلانًا الشجي"، أو "محمدٌ شجٍ"، ويقال في هذه الكلمة أيضًا: الشجيُّ، بتشديد الياء، على وزن "فعيل"، فلا يكون اسمًا منقوصًا.

ومن أمثلة العرب: "ويلٌ للشجي من الخليِّ"، إنسانٌ خالي المشاكل، خالي الهموم، فينصح الشجي، يقول: لا تهتم، المسألة سهلةٌ، طبعًا خليٌّ، ما عنده مشاكل، ولا عنده همومٌ، ولا يعرف الهموم التي عند الشجي، فيقول له مثل هذا الكلام، فتقول العرب: "ويلٌ للشجيِّ من الخليِّ".

فكل هذه الأسماء أسماءٌ منقوصةٌ؛ لأنها مختومةٌ بياءٍ قبلها كسرةٌ.

ومن أمثلة الاسم المنقوص: "الهادي، والداعي، والنادي، والراضي، والماشي، والجاري"، وكذلك :"المهتدي، والمرتضي، والمدعي، والمربي"، وهكذا.

ولكن ليس من الاسم المنقوص الاسم المختوم بياءٍ مشددةٍ، ك "الكرسيّ، أو القحطانيّ، أو القرشيّ، أو عليّ"، إنسانٌ اسمه عليّ، عليٌّ هذا مختومٌ بياءٍ مشددةٍ، لماذا؟ لأن هذه الأسماء المختومة بياءٍ مشددةٍ، هي مختومةٌ بياءٍ، لكن هذه الياء المتطرفة قبلها ياءٌ ساكنةٌ؛ لأن الحرف المشدد عبارةٌ عن حرفين، الألف ساكنٌ، والثاني متحركٌ، إذن فليس اسمًا مختومًا بياءٍ قبلها كسرةٌ، بل اسمٌ مختومٌ بياءٍ قبلها سكونٌ.

وليس من الاسم المنقوص الاسم المختوم بياءٍ قبلها ساكنٌ، كـ "ظبيْ، وجديْ" ونحو ذلك؛ لأنها ليست مختومةً بياءٍ قبلها كسرةٌ.

العامة في كثيرٍ من البلدان يقولون في عليّ: "عليْ"، ويقولون في ظبيّ: "ظبيْ"، فنقول: هذا نطقٌ عاميٌّ، فلا يؤاخذ به.

هذا هو قول الحريري:

وهكذا تفعل في ياء الشجي
 

 

وكل ياءٍ بعد مكسورٍ تجي
 

هذا إذا ما وردتْ مخففة
 

 

فافهمه عني فهم صافي المعرفة
 

هذا إذا ما وردتْ مخففةً، يعني الياء في آخر المقصور مخففةٌ، وليست مشددةً كـ"عليّ، والقحطانيّ".

هذا إذا ما وردت مخففة
 

 

فافهمه عني فهم صافي المعرفة
 

وقوله: تجي ماذا يقصد؟ يقصد تجيء فخفف الهمزة على لغةٍ من يخفف الهمزة، وهذا جائزٌ في الشعر، كما نبهنا على ذلك مرارًا.

عرفنا الاسم المنقوص، فما علامات إعرابه؟

ذكر الحريري أنَّ الاسم المنقوص في الرفع والجر تلزم ياؤه السكون، تكون ياؤه ساكنةً، فيُعرب بعلاماتٍ أصليةٍ مقدرةٍ، يُعرب حينئذٍ في الرفع بضمةٍ مقدرةٍ، وفي الجر بكسرةٍ مقدرةٍ مع أن الياء تلزم السكون، في الرفع تقول: "جاء القاضي يا محمد"، وفي الجر: "سلمت على القاضي يا محمد".

القاضي على وزن ماذا؟

القاضي على وزن "الفاعل"، مثل: "العالم، الفاهم، الراكب، الحارس"، تقول: "جاء العالم والفاهم والراكب والحارس والقاضيُ"، هذا هو القياس المهجور المتروك، لابد أن تعرف المجهول إذا أردت أن تكون عالمًا أو طالب علمٍ.

هذا القياس الذي هجرته العرب وتركته، القياس أن تقول: جاء العالمُ، والحارسُ، والقاضيُ.

هذا القياس لماذا هجرته العرب وتركته؟

لأنه الضمة في القاضيُ وقعت على أي حرفٍ؟

وقعت على الياء، والضمة -كما نعرف- بنت الواو، والواو عدوة الياء، حروف العلة هذه، إذا التقت الواو والياء، لابد تقلب الواو إلى ياءٍ، وتدغم، ما يجتمعان، يعني: وقوع الضمة على الواو سبب ثِقلٍ في الصوت، القاضيُ، كذلك في "سلمتُ على العالمِ، والحارسِ، والقاضيِ" هذا القياس، لكن الثِّقل نشأ من وقوع الكسرة على الياء، يعني وقوع الكسرة على أمها، فكأن هناك ياءيْن، كيف تخلَّص العرب من هذا الثِّقل؟ بتسكين الياء، ما الذي حدث في "جاء القاضي"؟ الذي حدث في "جاء القاضي" أن القاضي رفعه الفعل جاء، ما معنى رفعه؟

يعني وضع على آخره ضمةً، إذن القاضي في آخره ضمةٌ، علامة الرفع، والضمة هذه ثقيلةٌ، كيف تخلَّص العرب من هذا الثِّقل؟

سكَّنتْ الياء، إذن فالياء حينئذٍ اجتمع عليها الضمة علامة الإعراب، والسكون المجلوب للتخلص من الثِّقل، السكون المجلوب للتخلص من الثِّقل غطى الضمة، وسترها، ومنعها من الظهور، وقد شرحنا من قبل المراد بالعلامة المقدرة، يعني العلامة الموجودة، لكن هناك شيئٌ غطاها وسترها ومنعها من الظهور، الذي منعها من الظهور هنا السكون، السكون المجلوب لماذا؟

المجلوب للثِّقل؟ أو لدفع الثِّقل؟

المجلوب لدفع الثِّقل، لابد أن تفهم، المجلوب لدفع الثِّقل، الذي منع الضمة من الظهور السكون المجلوب لدفع الثِّقل، يختصر النحويون والمعربون ذلك، يعني قولك السكون المجلوب لدفع الثِّقل، يختصرون ذلك بقولهم: الثِّقل، منع من ظهورها الثِّقل، يعني السكون، الذي منع الضمة من الظهور هو السكون الموجود، طيب السكون ما الذي جلبه؟ دفع الثِّقل.

كذلك في الكسر "سلمت على القاضي" كلمة "على" جرَّت القاضي.

ما معنى جرَّته؟ وضعت على آخره كسرةً، على الياء كسرةً، ثم إن العرب سكَّنت الياء دفعًا للثِّقل، السكون المجلوب لدفع الثِّقل منع الكسرة من الظهور.

فنقول في الإعراب: جاء القاضي، "القاضي" فاعلٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة، منع من ظهورها أو منعها من الظهور، كله بمعنى واحدٍ، منعها من الظهور الثِّقل.

سلمت على القاضي يا محمد، "على": حرف جرٍّ، و"القاضي": اسمٌ مجرورٌ بـ "عَلَى"، وعلامة جره الكسرة المقدرة، منعها من الظهور الثِّقل.

إذن: ما الذي يمنع الحركات هنا من الظهور؟ الذي يمنعها الثِّقل.

فلهذا إذا جئنا إلى النصب، فإن الفتحة ستظهر على المنقوص، يقولون: أكرمتُ القاضيَ يا محمد، سمعت الداعيَ يا محمد، فينصبون بفتحةٍ ظاهرةٍ.

لماذا تظهر الفتحة في نصب المنقوص؟

الجواب: لأن المانع هو الثِّقل، والثِّقل هل سيمنع كل الحركات، أم يمنع الحركات الثقيلة فقط؟ سيمنع الحركات الثقيلة فقط.

هذا يقودنا إلى معرفة الحركات، ما الحركات؟

الحركات ثلاثةٌ: وهي: الضم، والكسر، والفتح.

أخف هذه الحركات الفتح، سمي فتحًا؛ لأنه مجرد فتح الفم، أغلق فمك، ثم افتحه فقط وادفع هواءً تنطق بالفتحة، "أ" فتحة.

لكن الضمة تحتاج إلى عمليْن، يقولون: إلى علاجيْن، أن تفتح الشفتين ثم تضمهما " أُ ".

والكسرة كذلك تحتاج إلى عمليْن، علاجيْن، تفتح الشفتين ثم تنزلهما إلى أسفل " إِ ".

فصارت الضمة والكسرة ثقيلتيْن، لاحتياجهما إلى عمليْن علاجيْن، وأما الفتحة فصارت خفيفةً؛ لأنها تحتاج إلى عملٍ واحدٍ، فالضمة والكسرة لثقلهما يمنعهما الثِّقل من الظهور على المنقوص، وأما الفتحة علامة النصب، فلأنها خفيفةٌ لا يمنعها الثِّقل من الظهور فتظهر.

هذه علامات المنقوص، وهي التي نص عليها الحريري في قوله:

والياء في القاضي وفي المستشري
 

 

ساكنةٌ في رفعها والجر
 

ساكنةٌ متى؟ في رفعها والجر، في حالة الرفع والجر، طيب وفي النصب، قال:

وتفتح الياء إذا ما نصب
 

 

نحو لقيتُ القاضي المهذب
 

قال: (وتفتح الياء)، يعني بـ"تفتح الياء" يعني أن الفتحة علامة النصب تظهر، هذا مراده، ولفظه ليس بدقيقٍ؛ لأن الفتح يطلق على المبنيات، لكن هذا مراده.

ثم إن الحريري -رحمه الله- تكلم على مسألةٍ مهمةٍ في المنقوص، وهي:

إثبات ياء المنقوص وحذفها، المنقوص لماذا سمي منقوصًا؟ أكيد أن هناك ما ينقص منه، فسمي منقوصًا، وهي الياء.

ياء المنقوص متى تثبت؟ ومتى تُحذف أي: تنقص منه؟.

بيَّن ذلك الحريري، فقال: إن المنقوص إذا كان مقرونًا بـ "ال" القاضي، أو مضافًا، كـ "قاضي بلدتنا" فإن الياء تثبت، تقول: جاء القاضي" و"قاضي بلدتنا عادلٌ" "أكرمت القاضي" و"أكرمت قاضي بلدتنا"، "سلمت على القاضي"، "سلمت على قاضي بلدتنا".

وإذا كان المنقوص نكرةً، يعني ليس مَقرونًا بـ "ال" ولا مُضافًا، "قاضٍ"، فإن الياء حينئذٍ تُحذف منه في الرفع والجر.

تقول: "جاءَ قاضٍ"، "سلمتُ على قاضٍ"، بضادٍ وتنوين من دون ياءٍ، وفي النصب: علامة النصب الفتحة الظاهرة، فتظهر الفتحة، وتثبت الياء، تقول: "أكرمتُ قاضيًا، سمعتُ أو سمعنا مناديًا"، تثبت الياء.

إذن فمتى تُحذف ياء المنقوص؟

تُحذف إذا نُكِّر في الرفع والجر. تُحذف إذا كان مُنَكَّرًا في حالتي الرفع والجر.

وهذا هو قول الحريري:

ونون الْمُنَكَّرَ المنقوص
 

 

في رفعه وجره خصوصا
 

تقول: هذا مشترٍ مخادعُ
 

 

وافزع إلى حامٍ حماه مانع
 

قوله: "ونون الْمُنَكَّرَ المنقوص" يعني: أن المنكَّر إذا كان اسمًا منقوصًا فإنك تنونه تنوينًا بعد حذف يائه.

- في حالة الرفع "جاءَ قاضٍ".

- وفي حالة الجر: "سلمتُ على قاضٍ".

فالرفع مَثَّلَ له بقوله: "هذا مُشترٍ"، "هذا": مبتدأٌ و"مشترٍ": خبرٌ مرفوعٌ.

والجر مَثَّلَهُ بقوله: "إلى حامٍ"، ما إعراب "هذا مُشترٍ"؟

"هذا": مبتدأٌ في محل رفعٍ؛ لأنه اسم إشارةٍ مبنيٌّ على السكون.

"مشترٍ" خبرٌ، ما باله؟ مرفوعٌ، ما علامة رفعه؟ ضمةٌ مقدرةٌ على الياء المحذوفة، منع من ظهورها الثِّقل.

و"إلى حامٍ" "إلى": حرف جرٍّ، و"حامٍ": اسمٌ مجرورٌ بـ إلى وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة، منع من ظهورها الثِّقل.

فإن قيل: ما هذا التنوين على الاسم المنقوص إذا كان مُنَكَّرًا؟

إذا نكرته فإنك تقول في الرفع: "جاءَ قاضٍ".

وفي النصب: "أكرمتُ قاضيًا".

وفي الجر: "سلمتُ على قاضً".

أما في النصب فالأمر واضحٌ، "أكرمتُ قاضيًا"، هو التنوين المعتاد، كقولك: "أكرمتُ رجلًا"، "أكرمتُ طالبًا"، "أكرمتُ قاضيًا"، هو التنوين المعتاد، ويسمى تنوين التمكين.

وفي الجر وفي الرفع؟ "جاءَ قاضٍ"، و"سلمتُ على قاضٍ"، ما هذا التنوين؟

الجواب: هو التنوين المعتاد، ويسمى تنوين التمكين.

ما أصل الكلمة قبل حذف الياء؟

أصل الكلمة قلنا: إنها على وزن فاعل، مثل: "عالم"، مثل: "حارس"، تقول: "عالمٌ، وقاضي"؟ تقول: "قاضيٌ"، هذا الأصل المهجور، قاضيٌ، قلنا: نشأ ثِقل من وقوع الضمة على الياء، الضمة هذه سكَّناها ومنعناها من الظهور، فصارت الضمة ساكنةً، سكَّناها، فالياء صارت ساكنةً، والتنوين؟

تعرفون أن التنوين: نونٌ ساكنةٌ، تلحق آخر الاسم لفظًا لا خطًا، وصلًا لا وقفًا، يعني أن التنوين نونٌ ساكنةٌ، فالياء سكنت عندما سكَّنى الضمة، والتنوين ساكنٌ، فالتقى ساكنان، تخلصنا من التقاء الساكنين هنا بحذف الياء، حذفنا الياء، والتنوين باقٍ، ما حذفناه، ليس هناك موجبٌ لحذفه، التنوين كما سبق قد يُحذف مثلاً عند الإضافة، قد يُحذف إذا اقترن الاسم بـ"ال"، قد يُحذف للإضافة، لكن هنا ليس هناك موجبٌ لحذف التنوين، فالتنوين باقٍ، الياء حُذفت والتنوين باقٍ، والتنوين في أصله أنه يلحق آخر حركة في الاسم، ولا علاقة له بتاتًا بالإعراب، التنوين نونٌ ساكنةٌ، ما له علاقة بالإعراب، يلحق آخر حركةٍ في الاسم.

طيب "قاضٍ"، حذفنا الياء، ما آخر حرف في الكلمة حينئذٍ؟ الضاد، ما حركتها؟ كسرةٌ، "قاضِ" حركتها الكسر، ضاد وحركتها كسرةٌ، نأتي بالتنوين ونُلحقه بكسرة الضاد، قاضِ قاضٍ، هو نفس التنوين الذي قاضيٌ، يعني ليس تنوينًا جديدًا أتينا به لأننا حذفنا الياء، لا، وإنما هو نفس التنوين الموجود في قاضيٌ، عندما حذفنا الياء لحق آخر حركة في الاسم.

فإذا وقفنا على جاءَ قاضٍ، كيف نقف؟

{قاضٍ}.

إذا وقفنا على المنصوب في أكرمتُ قاضيًا وسمعنا مناديًا؟

فالاسم المنصوب المنون نقلب تنوينه ألفًا، "رأيتُ رجلَا"، و"سمعتُ مناديَا"  و"أكرمتُ قاضيَا" هذا واضح.

إذا وقفت على المنقوص المرفوع أو المجرور؟ فإنك تقف عليه بحذف الياء والتنوين، فتقول في: "جاءَ قاضٍ"، "جاءَ قاضْ"، وفي "سلمتُ على قاضٍ"، "سلمتُ على قاضْ"، قال -سبحانه وتعالى: ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ [طه: 72]، فإذا وقفت "فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضْ"، وقال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7]، فإذا وقفت: "وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادْ"، هذا الأكثر في اللغة.

وجاء في اللغة قليلاً، الوقوف عليه بياء ساكنة، تقول: جاءَ قاضي، وفي قراءة: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادِي﴾، وهي قراءةٌ سبعيةٌ.

ولو عدنا إلى المعرف بـ"ال" مثل: "القاضي" المقرون بـ"ال" فكيف نقف عليه؟

نقف عليه عكس المنكَّر، كيف عكس المنكَّر؟

يعني: الأكثر في اللغة أن تقف عليه بإثبات الياء، تقول: "جاءَ القاضي"، و"سلمتُ على القاضي"، وجاء قليلًا الوقوف عليه بحذف الياء، تقول: "جاءَ القاض، وسلمتُ على القاض"، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: 9]، أي: المتعالي، وقول العرب: "عمرو بن العاص"، أي: "عمرو بن العاصي".

هنا فائدةٌ نذكرها: هو ذكر من الأمثلة: "المستشري"، وذكر أيضًا "المشتري"، تقول: "هذا مشترٍ مخادعٌ"، ما معنى المشتري؟ الفعل اشترى، يشتري، فهو مشترٍ، ما معنى اشترى؟ ضد باع، اشترى ضد باع، هذا واضحٌ، هذا ما فيه إشكالٌ، اشترى ضد باع، ويقال أيضًا: شرى يشري فهو شارٍ، هناك اشترى فهو مشترٍ، وهناك شرى، فهو شارٍ، شرى فهو شارٍ، ما معنى شرى فهو شارٍ؟ لها في اللغة معنيان: معنى مشهورٌ كثيرًا، ومعنى آخر قليلٌ، ولكنه مستعملٌ، فالمعنى المشهور الأكثر لشرى الثلاثي فهو شارٍ، شرى بمعنى باع، تقول: بعت هذا البيت، أو تقول: شريت هذا البيت، بمعنى واحدٍ، قال -سبحانه وتعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: 20] أي: باعوه، وقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 207]، أي: يبيعها، هذا هو المعنى الأكثر، وقد ورد شرى في القرآن الكريم في أربعة مواضع، كلها بمعنى باع، قال تعالى: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ﴾ [البقرة: 102] أي: باعوها، وقال تعالى -تأمل في هذه الآية: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ [النساء: 74] ما معنى "يشرون الحياة الدنيا بالآخرة"؟ يعني يبيعون الدنيا مقابل الآخرة، هذا مدحٌ، لو كان يشرون معنى يشرون يشترون، يعني يشترون الدنيا مقابل الآخرة، صار مدحًا أم ذمًّا؟ صار ذمًّا.

المعنى الثاني لشرى: أن تأتي شرى فهو شارٍ بمعنى اشترى، فهو مشترٍ، يعني ضد باع، فلهذا يقولون: إن شرى فهو شارٍ تأتي من الأضداد، الأضداد في اللغة: الكلمة التي تدل على المعنى وعكسه، وضده، فشرى تأتي بمعنى باع، وبمعنى اشترى.

عرفنا أن شرى لها معنى واحدٌ، عكس باع، أما شرى فتأتي في الأكثر بمعنى باع، وتأتي في الأقل بمعنى اشترى.

مثل شرى واشترى: باع وابتاع، ما معنى باع الثلاثي؟ باع لها معنى واحدٌ، وهو ضد، خلاف اشترى، وأما ابتاع، ما معنى ابتاع الشيء؟ له استعمالان، معنيان في اللغة، الأكثر أن ابتاع بمعنى اشترى، تقول: اشتريت الشيء، أو ابتعت الشيء بمعنى واحدٍ، هذا هو الأكثر في اللغة، وقد تأتي ابتاع بمعنى باع، وهذا قليلٌ.

هذا ما يتعلق بالاسم المنقوص، ننتقل إلى الاسم المقصور، تفضل اقرأ.

{قال المؤلف -رحمه الله: إعراب الاسم المقصور.

وليس للإعراب فيما قُصِر
 

 

من الأسامي أثرٌ إذا ذُكر
 

مثاله: يحيى، وموسى، والعصى
 

 

أو كحيً، أو كرحىً، أو كحصى
 

فهذه آخرها لا يختلف
 

 

على تصاريف الكلام المؤتلف
 

هنا أيضًا تكلم على بابٍ آخر، وهو الباب الثالث من الأبواب التي ليست على علامات إعرابها، علاماتٌ أصليةٌ ظاهرةٌ، بل علاماتها، علاماتٌ أصليةٌ مقدرةٌ، وهو الاسم المقصور.

ما المراد بالاسم المقصور؟

هو الاسم المعرب الذي آخره ألف.

الاسم يُخرج الفعل والحرف، لا تُمثِّل بـ "دعا" أو "سعى" أو "إلى"، المعرب يُخرج المبني، لا تُمثِّل بـ "متى" الاسم المعرب الذي آخره ألف.

الحريري -رحمه الله- مثَّل بستة أمثلةٍ: "يحيى، وموسى"، وهما علمان، و"العصى" وهو معرَّف بـ"ال"، و"حيىً، ورحىً، وحصىً"، وهي نكراتٌ.

والأمثلة على الاسم المقصور واضحةٌ وكثيرة، كـ"مصطفى، ومستشفى، ومسعىً، وملهىً" ونحو ذلك.

بيَّن الحريري علامات إعرابها، فذكر أن الاسم المقصور يلزم آخره السكون، الألف التي في آخر المقصور تلزم السكون، لماذا تلزم الألف السكون؟ لما عرفنا من أن الألف في العربية ملازمةٌ للسكون، لا تقبل حركةً، فإذا قلت مثلًا جاءَ الفتى، "جاء": فعلٌ ماضٍ، و"الفتى": فاعلٌ مرفوعٌ، الذي رفعه الفعل جاء، ما معنى أن الفعل رفع الفتى؟ يعني وضع على آخره ضمةً، هذه الضمة علامة الرفع أين وقعت على الفتى؟ على آخره، يعني على الألف، فالألف عليها ضمةٌ، ثم أن الألف ملازمةٌ للسكون، فاجتمع على الألف في الفتى الضمة علامة الرفع، والسكون الملازم للألف، فالسكون ملازمٌ للألف منع الضمة من الظهور.

لماذا منع السكون الضمة من الظهور؟

الجواب: لأن الألف ملازمةٌ للسكون، ويستحيل أن تتحرك، يستحيل أن تتحرك لا بفتحةٍ، ولا بضمةٍ، ولا بكسرةٍ، يستحيل أن تتحرك بأي حركةٍ، يستحيل، فلهذا يقولون في المانع هنا: المانع التعذر، ما معنى التعذر في اللغة؟ الاستحالة، تقول: هذا شيءٌ متعذرٌ، أي مستحيلٌ، تعذر عليَّ هذا الأمر، أي استحال، مستحيلٌ، يعني لا يمكن حدوثه.

فنقول في الإعراب: جاء الفتى، "جاء": فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتح، و"الفتى": فاعلٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة، منع من ظهورها التعذر.

وفي الجر: تقول: "سلمتُ على الفتى"، "على": حرف جرٍّ، و"الفتى": اسمٌ مجرورٌ، وعلامة جره الكسرة المقدرة، منع من ظهورها التعذر.

إذن ما المانع هنا في الاسم المقصور؟ التعذر، الاستحالة، الاستحالة تمنع الفتحة والضمة والكسرة، ليست كالثِّقل تمنع الثقيل وتظهر الخفيف، لا هذا مستحيلٌ، كل الحركات تستحيل، فلهذا حتى في النصب سننصب بفتحةٍ مقدرةٍ، تقول: "أكرمتُ الفتى"، "الفتى": مفعولٌ به منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.

وهذا الذي بيَّنه الحريري -رحمه الله تعالى- بقوله:

وليس للإعراب فيما قُصِر
 

 

من الأسامي أثر إذا ذُكر
 

الإعراب رفعًا ونصبًا وجرًا ليس له أثرٌ في الاسم المقصور أبدًا، لا في الرفع، ولا في النصب، ولا في الجر، فلهذا علامات إعرابه علاماتٌ أصليةٌ، ولكنها مقدرةٌ.

قلنا: إن الألف يستحيل تحريكها، لا تقبل شيئًا من الحركات، وتقبل السكون، أليس السكون حركةٌ من الحركات؟ الجواب: لا، الحركات ثلاثٌ، الفتحة، والضمة، والكسرة، فإذا خلا الحرف من الحركات، صار ساكنًا، إذن فالسكون ليس حركةً، السكون خلو الحرف من الحركات، فلهذا الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما وضع رموز الحركات، وضع رمزًا للسكون "رأس خ"، يعني أول كلمة خالي، خالي من الحركات، وهذا الموجود في المصحف الآن، ثم تطور فصار دائرةً؛ لأنه أسهل.

بقيت بقيةٌ قصيرةٌ في إعراب الاسم المنقوص، ولكن المخرج رفض أن يعطينا دقيقتين لإكمال الموضوع، فسنكمل -إن شاء الله- الدَّرس في الحلقة القادمة، مع شكري لكم جميعًا، وللمخرج الذي لم يعطنا الدقيقتين، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك لنا في ما قلنا وسمعنا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك