بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وحياكم الله وبياكم في هذه الليلة، ليلة الأربعاء، الثالث والعشرين من شهر صفر، من سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألفٍ من هجرة الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام.
نحن في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، لنعقد بحمد الله وتوفيقه، الدَّرسَ الثَّامِنَ من دروس شرح ملحة الإعراب، للحريري البصري -رحمه الله تعالى-، وهذا الدرس يُعقد في مدينة الرياض -حفظها الله.
في هذا الدَّرس سنتكلم -إن شاء الله تعالى- على علامات الإعراب الأصلية والفرعية، والظاهرة والمقدرة.
والكلام على علامات الإعراب، سيطول أكثر من حلقةٍ، وستكون بداية الكلام عليها -إن شاء الله- في هذه الحلقة.
فبعد أن ذكر الحريري -رحمه الله تعالى- علامات الإعراب الأصلية، ثم ذكر أنَّ الأصل في الأسماء أنها تُنون، إلا في خمسة مواضعَ، شرحناها في الدَّرسِ السَّابِقِ.
بعد ذلك ذكر الحريري -رحمه الله تعالى- أنَّ علامات الإعراب قد تخرج عن أصلها، فتكون فرعيةً لا أصليةً، وتكون مُقدرةً لا ظاهرةً، ولذا يُقَسِّم النَّحويون علامات الإعراب تقسيمين:
التقسيم الأول لعلامات الإعراب: هو تقسيم علامات الإعراب إلى أصليةٍ وفرعيةٍ.
والتقسيم الآخر: تقسيم علامات الإعراب إلى ظاهرةٍ ومقدرةٍ.
ما معنى هذين التقسيمين؟
نبدأ بالتقسيم الأول: التقسيم الأول لعلامات الإعراب، هو تقسيمها إلى علاماتٍ أصليةٍ، وعلاماتٍ فرعيةٍ.
عرفنا من قبل ما معنى كلمة "علامة، أو علاماتٍ"، علامة الإعراب كما عَرَفنا هي الدليل الذي يدل على الحكم الإعرابي، ما الدليل الذي يدل على حكم الكلمة الإعرابي؟ هل هو رفعٌ، أم نصبٌ، أم جرٌّ، أم جزمٌ، هذه الأدلة التي تدل على الأحكام الإعرابية، يسميها النحويون علامات الإعراب.
إذن، فهذا هو المراد بعلامات الإعراب، فالأكثر في المعربات من الأسماء والأفعال المضارعة، أن علامات إعرابها هي: الضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر، والسكون للجزم، هذا الأكثر فيها، فسموا هذه العلامات بعلامات الإعراب الأصلية؛ لأن الأصل في الباب هو الأكثر فيه، الأصل في علامات الإعراب أنها تكون العلامات المذكورة قبل قليلٍ، هذا الأصل والأكثر، فتسمى علامات الإعراب الأصلية، وتكلمنا عليها من قبلُ، عندما ذكرها الحريري -رحمه الله تعالى- من قبلُ.
ثم إن النحويين وجدوا أبوابًا قليلةً فيها علاماتٌ إعرابيةٌ غير هذه العلامات المذكورة قبل قليلٍ، وأبوابًا قليلةً، فهذه العلامات التي تختص بهذه الأبواب القليلة، سماها النحويون بعلامات الإعراب الفرعية، أو النيابية، كما سيأتي مثلًا في هذا الدرس الأسماء الستة، وهي: أبوك، وأخوك، وحموك، وفوك، وهنوك، وذو مالٍ.
هذه الكلمات خصتها العرب بعلامات إعرابٍ خاصةٍ بها، وهي الواو في الرفع، فيقولون: جاء أبوك، والألف في النصب، فيقولون: أكرمت أباك، والياء في الجر، فيقولون: سلمت على أبيك، إذن ما علامة الرفع فيها؟ الواو وليس الضمة، فالضمة هذه علامة الرفع الأصلية، وعندما جاءت الواو دالةً وعلامةً للرفع في الأسماء الستة، قلنا إن هذه العلامة علامةٌ فرعيةٌ، لماذا سموها بالفرعية؟ لأنها قليلةٌ، الفرع بالنسبة للأصل قليلٌ، ولماذا سموها نيابيةً؟ لأن هذه العلامات القليلة تنوب عن علامات الإعراب الأصلية، تنوب عنها في الدلالة على الحكم الإعرابي، فيسمونها بعلامات الإعراب الفرعية، أو النيابية.
علامات الإعراب الفرعية النيابية، عرفنا أنها قليلةٌ، وهي محصورةٌ بالتتبع والاستقراء في سبعة أبوابٍ، خمسةٌ من الأسماء، واثنين من الفعل المضارع، لأنا عرفنا أن المعربات منحصرةٌ في الأسماء وفي المضارع.
الباب الأول من أبواب علامات الإعراب الفرعية، من الأسماء: الأسماء الستة، وقد عقد الحريري لها بابًا، وسنشرحه -إن شاء الله.
الباب الثاني: المثنى، وعقد له الحريري بابًا، وسنشرحه.
الباب الثالث: جمع المذكر السالم، وعقد له الحريري بابًا.
الباب الرابع من أبواب علامات الإعراب الفرعية: جمع المؤنث السالم، وعقد له الحريري بابًا.
والباب الخامس: الاسم الممنوع من الصرف.
الاسم الممنوع من الصرف، عقد له الحريري بابًا، ولكنه لم يعقده ضمن الكلام على علامات الإعراب، وإنما عقده في آخر أبواب النحو، وقبل أحكام الصرف، هناك ذكر الأسماء الممنوعة من الصرف، وذكر علامات إعرابها، وكان ينبغي أن يذكر ذلك هنا، أعني علامات إعرابها.
وأما البابان اللذان من الفعل المضارع:
فالأول منهما: الأفعال الخمسة، وقد عقد لها الحريري بابًا، ولكنه في آخر الملحة، لأنه أخر الكلام على إعراب الفعل المضارع إلى آخر الملحة.
والباب الثاني من الفعل المضارع: هو المضارع المعتل الآخر، وتكلم عليه الحريري وعلى علامات إعرابه، في كلامه على جوازم المضارع، ولم يجعل له بابًا مستقلًا.
إذن فعرفنا أن علامات الإعراب الأصلية هي الأكثر في المعربات، وأما علامات الإعراب الفرعية، فهي قليلةٌ محصورةٌ في سبعة أبوابٍ، خمسةٌ من الأسماء، الأسماء الستة، والمثنى، وجمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم، والاسم الممنوع من الصرف، وبابان في المضارع، والأفعال الخمسة، والمضارع المعتل الآخر.
هذا الكلام على تقسيم علامات الإعراب إلى أصليةٍ وفرعيةٍ، وسيأتي الكلام عليها تفصيلًا -إن شاء الله- عندما نشرح الأبواب التي عقدها الحريري لها -إن شاء الله.
وأما التقسيم الآخر لعلامات الإعراب فهو تقسيم علامات الإعراب إلى ظاهرةٍ ومقدرةٍ.
ما معنى ظاهرةٌ؟ وما معنى مقدرةٌ؟
{معنى الظاهرة أي: أن العلامة تظهر في آخر الكلمة}.
كيف تظهر في آخر الكلمة؟
{إما تكون فتحةً ظاهرةً}.
كيف تكون الفتحة ظاهرةً؟
{تكون موجودةً}.
تكون موجودةً في ماذا؟
{في آخر الكلمة في الاسم}.
تكون موجودةً في آخر الكلمة؟ تكون موجودةً في النطق، ("محمدٌ"، "محمدًا"، "محمدٍ")، ("يذهبُ"، "يذهبَ"، "يذهبْ")، فحينئذٍ تكون موجودةً في السماع؛ لأن اللغة -كما تعرفون- هي لسانٌ، يتكلم بها المتكلم، ويستمعها المستمع، وهذا الكلام المسموع يمثَّل في الكتابة، فالكتابة هي صورةٌ للكلام المنطوق.
فمعنى علامات الإعراب الظاهرة: يعني التي تظهر في النطق، ومن ثمَّ تظهر في السماع، هذا هو الأصل في علامات الإعراب، فأنت إذا قلت: "محمدٌ" ظهرت الضمة، وإذا قلت: أبوكَ ظهرت علامة الإعراب الواو، علاماتٌ ظاهرةٌ.
ومعنى مقدرة: يعني أنها علامةٌ موجودةٌ، ولكنها مستورةٌ، ما معنى مستورةٌ؟
يعني مغطاةٌ، يعني أن هناك شيئًا سترها وغطاها، ومنعها من الظهور، منعها أن تكون ظاهرةً في النطق وفي السماع.
مثال ذلك: الاسم المقصور: هو الاسم المختوم بألفٍ، كقولك: "الفتى، أو مصطفى، أو المستشفى"، إذا قلت: "جاء الفتى"، جاء: فعلٌ ماضٍ، والفتى: فاعلٌ، والفاعل حكمه الرفع.
ما علامة الرفع الأصلية؟
الضمة، فالفتى فاعلٌ مرفوعٌ.
ما معنى مرفوعٌ؟
مرفوعٌ يعني: على آخره ضمةً، مرفوعٌ يعني نضع في آخر الاسم ضمةً.
منصوبٌ: نضع في آخر الاسم فتحةً.
مجرورٌ: نضع في آخر الاسم كسرةً. هذا معنى مرفوعٌ ومنصوبٌ ومجرورٌ.
الفتى مرفوعٌ، ما معنى مرفوعٌ؟
يعني: أن الفعل الماضي جاء رفَعَه، ما معنى رفعه؟ يعني: وضع في آخره ضمةٌ، الفعل الماضي جاء وضع في آخر الفتى ضمةً، ما آخر الفتى؟
آخر الفتى "ألفٌ"، ما يهمني أن تكون مقصورةً نائمةً أو قائمةً، هذه أمورٌ إملائيةٌ، لكنهما "ألفٌ"، أقصد النائمة والقائمة كلاهما ألفٌ، والحكم واحدٌ.
إذن الفتى على آخره ضمة، وهي علامة الإعراب التي جلبها العامل، وهو الفعل جاء، وأوجدها في آخر الفاعل، إلا أنَّ الفتى مختومةٌ بالألف، والألف في طبيعتها ملازمةٌ للسكون، الألف في العربية ملازمةٌ للسكون، الألف -يا إخوان- غير الهمزة، الألف حرفٌ، والهمزة حرفٌ آخر، فالهمزة هذا حرفٌ صحيحٌ، يقبل الحركات والسكون، تقول:
( " أَ " – " إِ " – " أُ " – " أْ " ).
وأما "الألف" فنريد به الألف المدية، وهذه لا تكون إلا وسط الكلمة، حشو الكلمة، مثل:
( قام، صام )، أو في آخر الكلمة، مثل: ( سعى، أو مصطفى، أو فتى ).
هذه الألف -الألف المدية- ملازمةٌ للسكون، ما معنى ملازمةٌ للسكون؟
يعني: لا يمكن أن تتحرك.
ما معنى لا تتحرك؟
يعني لا يكون عليها حركةٌ.
ما الحركات؟
(الضمة، والفتحة، والكسرة) هذه الحركات.
فإذا خلا الحرف من الحركات، لا ضمة، ولا فتحة، ولا كسرة، ماذا يكون؟
يكون ساكنًا.
إذن ما معنى ساكن؟
الحرف الساكن: يعني الخالي من الحركات، فلهذا، السكون لا يعد حركةً، السكون عكس الحركة، السكون خلو الحرف من الحركات، فلهذا عندما وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي رموز الحركات والسكنات وإلى آخره، وضع رمز السكون "طرف خ"، كما يجدوه في المصحف الآن، ثم تطور مع الوقت وصار دائرةً؛ لأنها أسهل، طرف خ يعني: خالٍ.
فالألف ملازمةٌ للسكون طبيعتها، ثم إنها في الفتى وقعت عليها ضمةٌ، ما الذي حدث؟
الذي حدث أن السكون الملازم للألف غطى الضمة، أو منعها من الظهور.
إذن فالضمة موجودةٌ أم غير موجودةٍ؟
موجودةٌ؛ لأن العامل أوجدها في آخر الاسم المرفوع، إلا أن هناك مانعًا منع هذه الضمة من الظهور، وغطاها، وسترها، الفرق بين علامة الإعراب الظاهرة والمقدرة كهذا القلم، القلم موجودٌ أم غير موجودٍ الآن في هذا المكان؟ موجودٌ، والآن موجودٌ أم غير موجودٍ في المكان؟ موجودٌ، ما الفرق بين حالتيه؟ في الأولى موجودٌ ظاهرٌ، يعني ظاهرٌ للعيان، للعين نراه، وللثانية موجودٌ، لكنه مغطى مستورٌ، ما الذي منعه من الظهور؟ ثوبي، إذن فهو موجودٌ لكن منعه من الظهور ثوبي، كذلك علامة الإعراب.
فإذا قلت: "جاء الفتى"، كيف نعرب الفتى مثلًا؟
نقول: فاعلٌ، ما علامة رفعه؟ الضمة، فاعلٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة، لكن نقول: المقدرة، ما معنى المقدرة؟ يعني المستورة المغطاة، ما الذي سترها وغطاها؟ السكون، السكون الملازم، لماذا السكون ملازمٌ للألف؟ لأن الألف يستحيل أن تتحرك، يستحيل، فلهذا يقولون: منع من ظهورها التعذر، ما معنى التعذر؟ التعذر معناه الاستحالة، تقول: هذا شيءٌ متعذرٌ، يتعذر عليَّ كذا، يعني يستحيل، منع من ظهورها التعذر، يعني الاستحالة، يعني استحالة تحريك الألف.
فهذا معنى علامة إعرابٍ ظاهرةٌ، وعلامة إعرابٍ مقدرةٌ.
إذن: فالأصل في علامات الإعراب أن تكون ظاهرةً، وتكون مقدرةً في مواضع قليلةٍ، تتبعوها وذكروا مواضعها، علامات الإعراب المقدرة تكون في مواضع معينةٍ، الموضع الأول: في الاسم المقصور، يعني المختوم بألفٍ، وعقد له الحريري بابًا، وسنشرحه -إن شاء الله.
الموضع الثاني: الاسم المنقوص، المنقوص: يعني المختوم بياءٍ قبلها كسرةٌ، كالقاضي والمدَّعي، وعقد له الحريري بابًا، وسنشرحه -إن شاء الله.
الموضع الثالث: الاسم المضاف إلى ياء المتكلم، مثل: صديقي، وكتابي، وديني، ولم يذكره الحريري في ملحته.
والموضع الرابع: هو الفعل المضارع المعتل الآخر، يعني المختوم بألفٍ، كـ"يسعى"، أو بواو كـ"يدعو"، أو المختوم بياء، كـ"يقضي"، وقد ذكرها الحريري -رحمه الله- في إعراب الفعل المضارع.
فهذا خلاصة الكلام على علامات الإعراب بتقسيميهما.
قدمنا الكلام على هذين التقسيمين؛ لأن الحريري -رحمه الله تعالى- سيسرد الأبواب بعد ذلك غير مراعٍ لترتيب التقسيمين، سيذكر بابًا علامات إعرابه فرعيةٌ، ويذكر بابًا علامات إعرابه مقدرةٌ، ثم يعود، ويذكر بابًا علامات إعرابه فرعيةٌ، وهكذا، نحن سنسير مع الحريري -رحمه الله- في ملحته، بعد أن بيَّنا ذلك.
فعرفنا أننا سنتابع الحريري في ترتيب الأبواب -إن شاء الله-، فبعد أن ذكر الحريري علامات الإعراب الأصلية الظاهرة في قوله:
فالرفع ضم آخر الحروف
|
|
والنصب بالفتح بلا وقوف
|
والجر بالكسرة للتبيين
|
|
والجزم في السالم بالتسكين
|
وشرحنا ذلك.
بدأ هنا بذكر الأبواب التي تخرج علامات إعرابها عن علامات الإعراب الأصلية، يعني إلى الفرعية، أو تخرج علامات إعرابها عن علامات الإعراب الظاهرة، يعني إلى المقدرة، وسنذكر الأبواب تبعًا له، وسنشرحها -إن شاء الله- مبتدئين بأول هذه الأواب، وهو باب الأسماء الستة. نستمع إلى أخينا الكريم، وهو يقرأ ما قاله الحريري -رحمه الله تعالى- في ملحة الإعراب عن الأسماء الستة.
{بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللمشاهدين، والحاضرين، ولجميع المسلمين.
قال المصنف -رحمه الله وإيانا: فصل في الأسماء الستة.
وستةٌ ترفعها بالواو
|
|
في قول كل عالمٍ وراو
|
والنصب فيها يا أُخي بالألف
|
|
وجرها بالياء فاعرف واعترف
|
وهي: أخوك، وأبو عمران
|
|
وذو، وفوك، وحمو عثمان
|
ثم هنوك، ثالث الأسماء
|
|
فاحفظ مقالي حفظ ذي الذكاء
|
ذكر -رحمه الله تعالى- أن هناك ستة أسماءٍ، لها إعرابٌ خاصٌ، لها علامات إعرابٍ خاصةٌ، وهذه الأسماء هي: أبوك، وأخوك، وحموك، وفوك، وذو مالٍ، وهنوك، وهذا قوله:
وهي: أخوك، وأبو عمران
|
|
وذو، وفوك، وحمو عثمان
|
ثم هنوك، ثالث الأسماء
|
|
فاحفظ مقالي حفظ ذي الذكاء
|
أما أبوك، وأخوك، فمعروفان، وأما حموك، فالحم وجمعه أحماء، والمؤنث منه حماة، فالمشهور أن أحماء المرأة أقارب زوجها، الأحماء المشهور أنهم أقارب الزوج، بالنسبة لزوجته، كأبيه، وأخيه، وعمه، وأبناء عمه، وأمه، وما إلى ذلك، فأبو الزوج بالنسبة للزوجة حموها، وأم الزوج بالنسبة للزوجة حماتها، وهكذا.
وفي الحم لغات عن العرب، يقولون: الحمؤ، والحمأ، والحم، والحمو، كلها لغاتٌ في هذه الكلمة، وقيل: إن الأحماء يطلقون أيضًا على أقارب الزوجة، بالنسبة للزوج، كأبيها، وأخيها، وعمها، وأمها، فأبو الزوجة بالنسبة للزوج حموه، وأم الزوجة بالنسبة للزوج حماته، وهكذا.
إلا أن المشهور في اللغة أن أقارب الزوج يسمون أحماء، والمفرد حمو وحماة، وأما أقرباء الزوجة فيسمون بالأَختان، والمفرد خَتَنٌ، وختنةٌ، وأما الأصهار والمفرد صهرٌ، فيطلقون على أقارب الزوج وأقارب الزوجة.
وأما فوك، فهو الفم، إذا سقطت منه الميم، وعوِّض عنها بالواو، فو، ثم تضاف فوك، أو فو محمدٍ، يعني فم محمدٍ.
وأما ذو، فهي هنا بمعنى صاحب، ذو علمٍ، صاحب علمٍ، ذو مالٍ، صاحب مالٍ، وهكذا.
وأما كلمة هنوك، فالهن كلمة يُكنى بها عما يقبح التصريح به، كل كلمةٍ يقبح التصريح بلفظها، فإن العرب تكني عنها بالهن، وهذا مستعملٌ إلى اليوم في مناطق مختلفةٍ من الجزيرة العربية، تقول مثلًا إذا انكشفت عورة إنسانٍ: غطِّ هَنَاك، ومن ذلك الحديث: «من تعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه هَنَ أبيه»، يعني قولوا له: عُض هَنَ أباك، تبكيتًا له وتسكيتًا.
فهذه هي الأسماء الستة، هذه الأسماء الستة خصتها العرب، وهم أهل اللغة بعلامات إعرابٍ خاصةٍ بها، ماذا يفعلون بها في الرفع؟ يضعون فيها واوًا، أبوك، أخوك، جاء أبوك، جاء أخوك، وأما في النصب، فيضعون فيها ألفًا، أكرمتُ أباك، وأكرمتُ أخاك، وأما في الجر فيضعون فيها ياءً، يقولون: سلمت على أبيك، ومررت بأخيك، إذن فعلامة الرفع فيها الواو، وعلامة النصب فيها الألف، وعلامة الجر فيها الياء.
وهذا هو قول الحريري:
وستةٌ ترفعها بالواو
|
|
في قول كل عالمٍ وراو
|
والنصب فيها يا أخي بالألف
|
|
وجرها بالياء فاعرف واعترف
|
تقول: أكرمَ أبوك أبا محمدٍ، "أكرمَ": فعلٌ ماضٍ، و"أبوك": فاعلٌ، ما علامة رفعه؟ الواو.
"أبا محمدٍ"، هذا مفعولٌ به، ما علامة نصبه؟ الألف، وأما "الكاف" في أبوك، فما إعرابها؟ ضميرٌ اتصل باسمٍ، مضافٌ إليه.
قلنا من قبل، ضابطًا في الإعراب: كل ضمير اتصل باسمٍ، فهو مضافٌ ومضافٌ إليه، ف"الكاف" في "أبوك" مضافٌ إليه، و"محمدٍ" في أبا محمدٍ، أيضًا مضافٌ إليه.
ونقول: رضي الله عن أبي بكرٍ، "عن" حرف جرٍّ، و"أبي" اسمٌ مجرورٌ وعلامة جره الياء، و"بكر" مضافٌ إليه.
وتقول: رَوى أبو هريرة، "روى" فعلٌ ماضٍ، و"أبو" فاعلٌ، و"هريرة" مضافٌ إليه.
وتقول: رُوي عن أبي هريرة، وتقول: عن أبي صالحٍ أنه قال: قال أبو هريرة: وتقول: عن أبي صالحٍ أن أبا أبو أبي هريرة؟ أن أبا هريرة؛ لأنَّ أن تنصب اسمها، وهكذا.
فهذه هي الأسماء الستة، وهذا هو علامات إعرابها، إلا أنها لا تُعرب بالحروف بالواو والألف والياء إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون مفردةً، ما معنى مفردةٌ، يعني ليست مثناةً، أبوان، ولا مجموعة آباءٍ، إخوة.
الشرط الثاني: أن تكون مضافةً إلى غير ياء المتكلم.
ويشير ويدل على اشتراط هذين الشرطين، تمثيل الحريري لها متوافرةً فيها هذه الشروط، قال: أخوك، فأضاف، وأبو عمران، وفوك، وحمو عثمان، وأما "ذو"، فلم يُمثِّل لها مضافةً؛ لأن "ذو" لا تأتي في اللغة أصلًا إلا مضافةً، لا يمكن أن تأتي غير مضافةٍ، فالإضافة ملازمةٌ لها على كل حالٍ.
إذا لم تتوفر هذه الشروط؟ إذا انخرمت هذه الشروط أو بعضها، فما حكم هذه الأسماء؟
نبدأ بالشرط الأول: إذا لم تكن مفردةً، كانت مثناةً، قلت: (أبوان، أو أخوان، أو حموان)، فإنها لا تُعرب إعراب الأسماء الستة، وإنما تنتقل إلى إعراب المثنى الآتي، تُرفع بالألف، أبوان، وتُنصب وتجر بالياء، أبوين.
وإن كانت مجموعةً؟ حينئذ تُعرب إعراب هذا الجمع، فإذا جُمعت جمع تكسيرٍ، فإنها تُعرب بعلامات الإعراب الأصلية، تقول: هؤلاءِ آباءٌ، وأكرمتُ آباءً، وسلمتُ على آباءٍ، وهؤلاءِ إخوةٌ، وأكرمتُ إخوةً، وسلمتُ على إخوةٍ.
والشرط الثاني: أن تكون مُضافةً إلى غير ياء المتكلم، طيب لو لم تُضف أصلًا؟ الكلمة ليست بمضافةٍ، قلت: أب، أو الأب، فإنها تبقى على الأصل، تُعرب بعلاماتٍ أصليةٍ، تقول: جاءَ أبٌ، وأكرمتُ أبًا، وسلمتُ على أبٍ، وجاءَ الأبُ، بضمةٍ، وأكرمتُ الأبَ، بفتحةٍ، وسلمتُ على الأبِ، بكسرةٍ.
تقول: أكرمتُ أخًا صالحًا، وهذا حموٌ عزيزٌ، إن له أبًا، وهكذا.
إن كانت مضافةً، لكنها مضافةٌ إلى ياء المتكلم، لو قلت: أبي، وأخي، وحمي، فإنها حينئذٍ لا تُعرب بالحروف كالأسماء الستة، وإنما ستنتقل إلى إعراب الاسم المضاف إلى ياء المتكلم، فتُعرب بعلامات أصليةٍ، ولكنها مقدرةٌ، ف"أبي" تكون مثل صديقي، تُعرب في الرفع بضمةٍ مقدرةٍ، وفي النصب بفتحةٍ مقدرةٍ، وفي الجر بكسرةٍ مقدرةٍ.
هذا ما يتعلق بالأسماء الستة، وبإعرابها، إن كان هناك من سؤالٍ، أو نأخذ عليها بعض التطبيقات.
{أسأل عن الاسم السادس}.
الاسم السادس: هنوك، وقلنا: الهن، اسمٌ يُكنى به عن ما يقبح التصريح بلفظه.
من التطبيقات على ذلك: قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴾ [عبس: 35].
"يوم يفر المرء من أخيه" "من": حرف جرٍّ.
"أخيه": اسم مجرور بـ"من" ما علامة جره؟ الياء، لم يقل: من أخوه، ولم يقل: من أخاه، وإنما قال: من أخيه.
ثم قال: "وأمه وأبيه": معطوفان، لهما حكم المعطوف عليه، إذن مجروران.
أما "أمه": فمجرورٌ بالكسرة، علامةٌ أصليةٌ.
وأما "أبيه" فمجرور بالياء؛ لأنه من الأسماء الستة.
قال: ﴿اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: 251].
"الله": اسم الله مبتدأٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة.
و"ذو فضل": خبر المبتدأ مرفوعٌ، ما علامة رفعه؟ الواو؛ لأنه من الأسماء الستة، ما إعراب فضلٍ؟ مضافٌ إليه، فكلمة "ذو" من الملازمة للإضافة.
قال: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: 40].
"ما": حرف نفي.
"كان": فعلٌ ماضٍ، يرفع اسمه، وينصب خبره.
أين اسم كان المرفوع؟ "محمدٌ"، مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة.
أين خبر كان المنصوب؟ "أبا أحد"، أبا: خبر كان منصوبٌ، وعلامة نصبه الألف، وهو مضافٌ، وأحدٍ مضافٌ إليه.
قالوا: ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا﴾ [يوسف: 78].
"إن": هذا حرفٌ ناسخٌ، ينصب اسمه ويرفع خبره، اسمه "أبًا" مؤخرٌ منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة أم الألف؟ علامة النصب الفتحة، أبًا، ما قال: أبى، فتحةٌ وتنوينٌ، علامة نصبه الفتحة، لماذا نصب بالفتحة، ولم ينصب بالألف؟ لأنه لم يُضف، أب، وقلنا الأسماء الستة لا تُعرب بهذا الإعراب إلا إذا أضيفت.
قال: ﴿كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ﴾ [الرعد: 14].
لماذا لم يقل: فوه، أو فيه؟
"ليبلغ فاه" يعني: ليبلغ الماء فاه، ليبلغ: فعلٌ مضارعٌ، والماء: فاعلٌ، وفاه: مفعولٌ به منصوبٌ، وعلامة نصبه الألف، والهاء في فاه: مضافٌ إليه.
قال: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ [الروم: 38].
"آت": فعل أمرٍ، والفاعل مستترٌ تقديره أنت.
و"ذا القربى": مفعولٌ به منصوبٌ، وعلامة نصبه الألف، والقربى: مضافٌ إليه.
قال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].
"إنما": حرف حصرٍ، مبنيٌّ على السكون، لا محل له من الإعراب.
"المؤمنون": مبتدأٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الواو -كما سيأتي-؛ لأنه جمع مذكرٍ سالم.
و"إخوةٌ": الخبر، مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة، لماذا رُفع بالضمة، ولم يُرفع بالواو؟ لأنه ليس مفردًا، هذا جمعٌ.
قال: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ﴾ [الأنعام: 146].
"حرمنا": فعلٌ وفاعلٌ.
"كلَّ": مفعولٌ به منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة، وهو مضافٌ.
و"ذي": مضافٌ إليه مجرورٌ، ما علامة جره؟ الياء.
قال: «المؤمن أخو المؤمن».
"المؤمن": مبتدأ.
و"أخو": خبر المبتدأ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الواو.
هل توافرت الشروط؟ نعم، هل هو مفردٌ؟ ليس مثنى ولا جمعًا؟ نعم، هل هو مضافٌ؟ نعم، أضيف إلى المؤمن «المؤمن أخو المؤمن»، ولهذا رفع بالواو، والمؤمن مضاف إليه.
قال: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ﴾ [الأعراف: 65].
المعنى -والله أعلم: وإلى عادٍ أرسلنا أخاهم، ف"أخاهم": مفعولٌ به منصوبٌ، وعلامة نصبه الألف.
قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالُوا ﴾ ماذا قالوا: ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [يوسف: 8].
"ليوسف" هذا المقول، ماذا قالوا؟ قالوا: "ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا".
"يوسف": مبتدأٌ، واللام لام الابتداء، إذن مبتدأٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة "ليوسف".
و"أخوه": معطوفٌ على مرفوعٍ، فهو مرفوعٌ، ما علامة رفعه؟ الواو، والهاء في أخوه مضافٌ إليه.
إلى أبينا: "إلى" حرف جرٍّ، و"أبينا" اسمٌ مجرورٌ، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، ما إعراب "نا" في أبينا؟ مضافٌ إليه.
"منا ونحن عصبةٌ إن أبانا": إن تنصب اسمها، وأبانا: اسمها منصوبٌ، وعلامة نصبه الألف.
الأخ الكريم، "نا" في "أبانا" ما إعرابها؟ هي "أبا"، ثم ضمير "نا" ضمير المتكلمين "أبانا".
"أبا" اسم إن منصوبٌ، وعلامة نصبه الألف، و"نا" مضافٌ إليه، كل ضميرٍ اتصل باسمٍ فهو مضافٌ ومضافٌ إليه.
قال أحمد شوقي:
ألا يا رُبَّ خدَّاعٍ
|
|
من الناس تلاقيه
|
يعيب السمَّ في الأفعى
|
|
وكل السمِّ في فيه
|
"في": حرف جرٍّ، وفيه: اسمٌ مجرورٌ بـ"في" وعلامة جره الياء، ما إعراب الياء في "فيه"؟ مضافٌ إليه.
بان لنا من ذلك يا إخوان: أن علامات الإعراب في الأسماء الستة: الواو، والألف، والياء، يعني علامات إعرابٍ أصليةٌ أو فرعيةٌ؟ فرعيةٌ، أو نقول: أصليةٌ ممدودةٌ، ممطوطةٌ، لأن الضمة إذا مددتها صارت واوًا، يعني بدل أن تقول: في أب، جاء أبٌ بضمةٍ، ثم أضفها إلى نفسك، بدل أن تقول: جاء، فأضفها إلى مضافٍ إليه غير ياء المتكلم، كالمخاطب، بدل أن تقول: جاءَ أبُك، تمد الضمة، جاءُ أبوكَ، هكذا العرب مدوها، لم يمدوا كل الضمات، مدوا الضمة في الأسماء الخمسة، فصارت واوًا، أبوك.
وفي النصب: بدلًا من أن تقول: أكرمتُ أبًا، أكرمتُ أَبَكَ، يمدون الفتحة، أكرمتُ أباكَ، مدوا الفتحة هنا في الأسماء الستة.
وفي الجر: بدلًا من أن تقول: سلمتُ على أَبِكَ، يمدون الكسرة، سلمتُ على أبيكَ.
إذن العرب مدت الإعراب الأصلية في هذه الأسماء الستة، فصارت علامات إعرابها في الرفع الواو، وفي النصب الألف، وفي الجر الياء.
انتهى الدرس على ذلك، والحمد لله، وأشكركم على حسن حضوركم واستماعكم، وأشكر الإخوة والأخوات، المستمعين والمستمعات، والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.