الدرس الثاني

فضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

15357 11
الدرس الثاني

ملحة الإعراب (1)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رُبَّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وحياكم الله وبياكم في هذه الليلة ليلة الأربعاء الحادي عشر من شهر محرم من سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام.

ونحن في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، لنعقد بحمد الله وتوفيقه الدَّرسَ الثَّاني مِن دُرُوسِ شَرح ِملحة الإعراب للحريري البصري رحمه الله.

هذا الدَّرس يُعقد في مدينة الرياض حرسها الله وعمرها بالأمن والإيمان.

سنبدأ هذا الدَّرسُ بمشيئة الله تعالى بباب "النَّكِرَة والمعرفة"، وفي مُستَهَلِّهِ سنسمع ماذا قال الحريري رحمه الله تعالى.

تفضل يا سعد..

{الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد..

فاللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمشاهدين وجميع المسلمين..

قال الحريري رحمه الله:

(والاسم ضربانِ فضَرب نَكِرَهْ
 

والآخَرُ المعرِفَةُ المُشتَهِرَهْ
 

فَكلُّ ما رُبَّ عليهِ تَدخُلُ
 

فإنهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ
 

نحوُ غُلامٍ وكتابٍ وطَبَقْ
 

كقولِهِم رُبَّ غُلامٍ لي أَبَقْ
 

ومَا عَدا ذلكَ فَهْوَ مَعرِفَهْ
 

لا يَمتَري فيهِ الصّحيحُ المَعرِفَهْ
 

مِثَالهُ الدَّارُ وزَيدٌ وأنَا
 

وذَا وتلكَ والذي وذُو الغِنَى
 

وآلةُ التَّعريفِ ال فمَن يُرِدْ
 

تَعريفَ كَبْدٍ مُبهَمٍ قال الكَبِدْ
 

وقال قومٌ إنّها اللامُ فقطْ
 

إذْ ألفُ الوَصلِ مَتى تُدرَجْ سَقَطْ)}
 

انتقل رحمه الله تعالى إلى الكلامٍ على حُكمٍ جَديدٍ مِن الأحكامِ النَّحوية الإفرادية وهو انقسام الاسم إلى نكرةٍ ومعرفةٍ، وتلا في ذلك هذه الأبيات.

في هذه الأبيات كما سمعنا ذكر -رحمه الله- أربعة أشياء، أو أربع مسائل، ذكر انقسام الاسم إلى نكرةٍ ومعرفةٍ، وذكر الضابط في الفرق بينهما، وذكر أنواع المعرفة، وذكر المعرِّف من ال.

قال في المسألة الأولى في انقسام الاسم إلى نكرةٍ ومعرفةٍ:

والاسم ضربانِ فضَرب نَكِرَهْ
 

والآخر المعرِفَةُ المُشتَهِرَهْ
 

ننبه ونؤكد على أنَّ التَّنْكِيرَ والتَّعريفَ وصفانِ خَاصَّانِ بالأسماءِ، يعني: أنَّ الأفعال والحروف لا يُوصفان بتنكيرٍ ولا بتعريفٍ، أما الأسماء فجميع الأسماء إما أن تكون نكرةً، وإما أن تكون مَعرفةً كما ذكر الحريري.

والتفريق بين الاسم النَّكِرَة والاسم المعرفة بَيَّنَهُ النَّحويون -رحمهم الله تعالى- بطرائق مختلفةٍ، ففرقوا بينهما من حيث التعريف، وفرقوا بينهما من حيث الضابط، وفرقوا بينهما من حيث العَدِّ والحَصرِ.

فالفرق بين الاسم النَّكِرَة والاسم المعرفة من حيث التَّعريف، ولم يذكر الحريري التعريف اكتفاءً بالطريقين الآخرين، فالاسم المعرفة هو الاسم الذي يدل على معينٍ، والاسم النَّكِرَة هو الاسم الذي يدل على غير معينٍ.

فالاسم الذي يدل على شيءٍ معينٍ بحيث يعرف ويتحدد ويتعين يقولون عنه: إنه اسم معرفةٍ؛ لأنه دَلَّ على شيءٍ خاصٍّ فعرفنا هذا الشيء وعيناه.

وأمَّا الاسم النَّكِرَة فهو الاسم الذي يدل على شيءٍ غَير مُعينٍ، فلهذا نجد أنَّ الاسم النَّكِرَة يشيع في جميع أفراد جنسه.

مثال ذلك: لو قلنا مثلًا: أُحد، هذا اسمٌ، فإذا قيل: أُحد مباشرةً نعرف المراد ويتعين عندنا ويتحدد بذلك الجبل.

إذن فكلمة أُحد اسم مَعرفة؛ لأنه اسمٌ دل على مُعينٍ، أمَّا إذا قلنا: "جبل"، فنفهم حينئذٍ معنى، ولكن هذا الاسم "جبلٌ" يمكن أنَّ يطلق على أُحد ويمكن أن يطلق على كل جبلٍ آخر، يعني: كل فردٍ من أفراد الجبال يمكن أن يطلق عليه هذا الاسم، أي: اسم جبل، لكن "أُحد" هو أيضًا جبلٌ، لكنه اسمٌ خاصٌّ بماذا؟ بجبلٍ مُعينٍ، فأُحد مَعرفةٌ؛ لأنَّه دَلَّ على مُعينٍ، وأمَّا جبلٌ فنكرةٌ؛ لأنه دَلَّ على جبلٍ غَير مُعينٍ.

وأما من حيث الضابط، كيف نفرق بين الاسم المعرفة والاسم النَّكِرَة، فهذه المسألة الثَّانية التي ذكرها الحريري في هذه الأبيات، فقال في بيان هذا الضابط:

فَكلُّ ما رُبَّ عليهِ تَدخُلُ
 

فإنهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ
 

فبين أنَّ الضابط الذي يفرق بين الاسم المعرفة والنَّكِرَة قبول كلمة رُبَّ، فالاسم الذي يقبل رُبَّ، نكرةٌ، والاسم الذي لا يقبل رُبَّ، معرفةٌ.

ومثَّل على ذلك بثلاثة أمثلةٍ مفردةٍ، وبمثال في جملةٍ، فقال:

نحوُ غُلامٍ وكتابٍ وطَبَقْ
 

كقولِهِم رُبَّ غُلامٍ لي أَبَقْ
 

فالمثال الأول غلامٌ، نقول: رُبَّ غلامٍ.

والثاني: كتاب، نقول: رُبَّ كتابٍ.

والثالث: طبق، نقول: رُبَّ طبقٍ.

والمثال الذي في جملةٍ قوله: "رُبَّ غلامٍ لي أَبق"، يعني: كلمة غلام، فهو اسمٌ نكرةٌ، وقوله: أبق، أي: هرُبَّ.

فهذه نكراتٌ؛ لأنها قبلت رُبَّ، لكن لو رأينا إلى أنا واسمٌ ضمير، لا تقبل رُبَّ، لا تقول رُبَّ أنا.

"الذي"، لا نقول: رُبَّ الذي، هذا، لا نقول رُبَّ هذا.

"الكتاب"، لا نقول: "رُبَّ الكتاب عندك"، بخلاف "رُبَّ كتاب عندك"، فـ "كتابٌ" نكرة تقبل رُبَّ، لكن "الكتاب" لا تقبل رُبَّ، إذن فالكتاب معرفةٌ وكتابٌ نكرةٌ.

بعضُ النَّحويين بل أكثر النَّحويين إذا أرادوا أن يُفرقوا بينَ النَّكِرَة والمعرفة بالضابط، يذكرون قبول ال، فالاسم الذي يقبل ال نكرةٌ، والذي لا يقبل ال معرفةٌ، والنتيجة واحدةٌ "رُبَّ" أو "ال" سواء.

فإن قلت: ما فائدة قول الحريري: فإنه منكر يا رجل؟

الجواب: هذه زيادةٌ ليس فيها مَعلومةٌ نحويةٌ، وكذلك في قوله في البيت القادم: (لا يَمتَري فيهِ الصّحيحُ المَعرِفَهْ).

ومثل هذه الزيادات لا تكاد تخلو منها المنظومات العِلمية، حَتَّى الرَّصِينةَ لتكميلِ البيتِ أو إقامةِ الوزنِ، أو تلطيفِ المنظومة ببعض هذه العبارات، فهذا هو الضابط الثاني في التفريق بين النَّكِرَة والمعرفة.

والطريق الثالث في التفريق بين النَّكِرَة والمعرفة، قلنا: بطريق الحصر والعد.

فيعدون الأسماء المعارف عدًّا، وهذا الذي ذكره الحريري أيضًا في المسألة الثالثة فذكر أنواع المعرفة فقال:

ومَا عَدا ذلكَ فَهْوَ مَعرِفَهْ
 

لا يَمتَري فيهِ الصّحيحُ المَعرِفَهْ
 

مِثَالهُ الدَّارُ وزَيدٌ وأنَا
 

وذَا وتلكَ والذي وذُو الغِنَى
 

فذكر في هذين البيتين أنَّ أنواع المعرفة ستةٌ، فحصر الأسماء المعارف في هذه الأنواع الستة، فما سواها من الأسماء حينئذٍ يكون اسمًا نكرةً، ولا شَكَّ أنَّ الحصرَ والعَدَّ هو أقوى المحددات والمعرفات؛ لأنك تعرف حينئذٍ بالضبط والوضوح التام، ماذا يدخل وماذا لا يدخل.

فهذه الستة معارف، وكل ما سواها مما لم يذكر أو رُبَّما يلتبس عليك الضابط فيها، فإذا لم يكن من هذه الستة فإنه لا يدخل.

هذه الستة نأتي عليها واحدًا واحدًا.

الأول: مَثَّلَ لَهُ بِقَولِهِ: "الدَّار"، يريد الاسم المُعَرَّف بـ ال، الاسم المعرف بـ ال أمره واضحٌ، هو الاسم الذي إذا وضعت فيه "ال" صار مُعَرَّفًا، أي: دالًّا على مُعينٍ، وإذا نزعت منه "ال" صار نكرةً، أي: صار شائعًا في جنسه.

مثال ذلك: أقول لك: "أعطني قلمًا"، فإذا أعطيتني أي قلمٍ فقد استجبت لكلامي؛ لأنه يُطلق عليه هذا الاسم قلم.

وإذا قلتُ لَكَ: هل تسكن في مدينةٍ أم في قريةٍ؟ فمدينةٌ هنا نكرةٌ، وقريةٌ هنا نكرةٌ، لكن إذا قلت لك: ما المدينة التي نحن فيها؟ كلمة المدينة صارت مُعَرَّفةً بـ "ال"؛ لأنَّني أريد مدينةً مُعينةً مَعروفة بيني وبينك، وهي المدينة التي نحن فيها الآن.

ولو أنني رأيت أحدًا يَعبث بقلمه، فقلت له: "دع القلم"، فأخرج قلمًا ثم وضعه، ولم يضع القلم الذي كان يَعبث به، فهل استجاب لأمري، لا؛ لأنني عندما قلت: "دع القلم" أعرف أنا ويعرف المخاطب أنَّ المراد بالقَلَمِ هو: القلمُ الحاضر، فَدَلَّ حينئذٍ على قَلمٍ مُعينٍ، هذا المعرف بـ "ال".

ما رأيكم لو وجدنا اسمًا فيه "ال" ثم ننزع عنه "ال" ويبقى مَعرفةً، فهل يكون من المعرف بـ ال أم لا؟ لا، وسيأتي ذكره بعد قليلٍ إن شاء الله.

النوع الثاني من أنواع المعارف مَثَّلَ له الحريري بقوله: (وزَيدٌ)، أي: العَلَم، المراد بالعلم كل اسمٍ خاصٍّ بمسماه، الاسم الذي يخص مُسَمَّاه بحيث لا يُطلق على مَن يُشابهه أو ما يشابهه.

لو وجدنا مُشابها له في كل شيء فإنَّ هذا الاسم لا يُطلق على المشابه، لماذا؟

لأنه اسمٌ خاصٌّ بمسماه، هذا علمٌ على هذا الشيء، كما قلنا قبل قليلٍ في "أُحد"، "أُحد" هذا علمٌ، لماذا؟

لأنه اسمٌ خاصٌّ بمسماه، ومسماه هنا جبلٌ، يعني: نقول أُحد اسمٌ خاصٌّ بجبلٍ، لو وجد جبلٌ يُشبه "أُحدًا"، ما نُسميه أحدًا؛ لأنَّ "أُحدًا" اسمٌ خاصٌّ بجبلٍ، هذا علمٌ، بخلاف كلمة "جبل" كما قلنا نكرةٌ.

 لو قلنا مثلًا: "مكة"، علمٌ أم ليست علمًا؟

"مكة" اسمٌ خاصٌّ بمدينة، أي: علمٌ، كل اسمٍ خاصٍّ بمسماه فهو علمٌ على هذا المسمى، فأسماء النَّاس كلها أعلامٌ عليهم، ذكورًا وإناثًا، كبارًا وصغارًا، أعلامٌ عليهم، أسماء الله عزَّ وجلَّ أعلام عليه، أسماء الأنبياء، أسماء الملائكة، أعلامٌ عليهم.

لو قلنا مثلًا: "صَفَر"، هذا اسمُ شَهرٍ، لكن علمٌ أم ليس علمًا؟

علمٌ؛ لأنه اسمٌ خاصٌّ بشهرٍ، والشهر الذي قبله والذي بعده مِثْلُه، لكن لا يُسمى صَفَرًا؛ لأنه اسمٌ خاصٌّ بمسماه، فأسماء الشُّهور أيضًا أعلامٌ عليها.

ولو قلنا: "كوكب" اسمٌ خاصٌّ بمسماه؟

لا، مُسماه كوكبٌ، هل فيه كوكبٌ آخر ما يسمى كوكبًا؟

لا .. إذن كلمة كوكب ليست اسمًا خاصًّا بمسماه؛ لأنَّ كل كوكبٍ يسمى كوكبًا، لكن زُحَل عَلمٌ؛ لأنه اسمٌ خاصٌّ بمسماه بهذا الكوكب، أسماء الكواكب، هذه كلها أعلامٌ، حتى الحيوانات قد يكون لها علمٌ، فأنت إذا قلت حِصان، ليس بعلمٍ؛ لأنَّ هذا المسمى حِصان، والحصان الآخر كذلك يسمى حصانَا، إذن حصانٌ ليس اسمًا خاصًّا بمسماه، لكن لو كان عندك حصانٌ عزيزٌ عليك كريمٌ، فسميته اسمًا خاصًّا به، كما سميت ابنك اسمًا خاصًّا به، فسميت هذا الحصان بحرًا مثلًا، بحيث إذا قلت لولدك: "يا ولدي قم اسقِ بحرًا"، يفهم المراد مباشرةً أو لم يفهم؟

يفهم إذن تحين له وتحدد صار مَعرفةً، معرفة هنا بالعَلَمية؛ لأنه اسمٌ خاصٌّ بمسماه، أي اسمٌ خاصٌّ بحصانه.

وعلى ذلك لو سألنا عن القَصواء، القصواء اسم ناقة النَّبي -عليه الصلاة والسلام، فالقصواء اسمٌ خاصٌّ بمسماه، أم تعرف بـ ال؟

القصواء اسمٌ خاصٌّ بمسماه، اسمٌ خاصٌّ بناقةٍ، ناقةٌ أخرى حتى مثلًا أختها تشابهها في كل شيءٍ لا تسمى القصواء، تسمى ناقةً، ناقةٌ نكرةٌ، لكن القصواء اسمٌ خاصٌّ بهذه الناقة فهو علمٌ عليها، اسمي سليمان اسمك محمد، هذه الناقة اسمها القصواء.

حتى لو حذفنا "ال" لسببٍ من الأسباب، كما لو قلنا: "يا قصواء"، أو مثلًا: "قصواء العز" ونحو ذلك يبقى التعريف فيها.

فإذا سألنا عن المدينة، المدينة علمٌ أم مُعرفٌ بـ ال، المدينة إذا قصدنا طيبة مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام فهي علمٌ على هذه المدينة، كما أنَّ مكة علمٌ، والرياض علمٌ، والقصيم علمٌ، والعراق علمٌ، والسعودية علمٌ، أسماء المدن، أسماء الدول، أسماء الأماكن هذه كلها أسماء عليها، لكن إذا أردنا بالمدينة خلاف القرية، فحينئذٍ المدينة تكون معرفةً بـ "ال"، فهذا هو العَلَم.

النوع الثالث من أنواع المعارف: الضمير، وهو الذي مثَّل له الحريري بقوله: (أَنَا).

 

الضمائر إن شئتم أن نُعَرِّفَهَا عَرَّفنَاها، وإن شئتم أن نحصرها حصرناها، نستطيع أن نتعرف عليها من طريق التعريف، أو من طريق الحصر.

وكثيرٌ من النَّحويين يكتفون بالحصر؛ لأنه كافٍ في حصر أفراد الباب والتعرف على هذا الباب فلا يتعبون الطالب بالتعريف، وشرحه ومحترزاته وما إلى ذلك.

فالضمائر أسماءٌ محصورةٌ وهي خمسة عشرة اسمًا مشهورةٌ فلكي نعدها ونحصرها نقول: إن الضمائر خمسة عشرة اسمًا تنقسم قسمين:

إمَّا منفصلةٌ لا تتصل بما قبلها، أو متصلةٌ تتصل بما قبلها.

نبدأ بالضمائر المنفصلة التي لا تتصل بما قبلها:

الضمائر المنفصلة كم عددها؟ ستةٌ.

ثلاثةٌ جعلتها العرب للرفع، وثلاثةٌ جعلتها العرب للنصب.

فـ "أنا و أنت و هو وفروعها للرفع.

و إياي و إياك و إياه وفروعها للنصب.

فهذه الضمائر المنفصلة، "أنا" للمتكلم، "أنت" للمخاطب، "هو" للغائب، وفروعها للرفع.

وأمَّا التي للنصب فـ "إياي" للمتكلم و "إياك" للمخاطب و "إياه" للغائب وفروعها.

فهذه الضمائر المنفصلة ستة ضمائر.

وأمَّا الضَّمَائِر المتصلة فتسعةٌ:

وهذه الضمائر المتصلة التسعة قسمتها العرب أنفسهم وليس النحويين، قسموها ثلاثة أقسامٍ بحسب الإعراب، وجعلوا خمسةً منها للرفع، وجعلوا ثلاثةً منها للنصب والجر، وجعلوا ضميرًا واحداً للرفع والنصب والجر.

فجعلوا خمسةً من الضمائر المتصلة خاصةً بالرفع نسميها ضمائر توانٍ، يقصد بها:

"تاء المتكلم "كذهبتُ.

و "ألف الاثنين" كذهبا أو يذهبان أو يذهبا.

و "واو" الجماعة" مثل: ذهبوا أو يذهبون أو اذهبوا.

و "ياء المخاطبة" مثل: اذهبي أو تذهبين.

و "نون النسوة" مثل: النسوة ذهبن، أو يذهبن، أو اذهبن.

 هذه الضمائر الخمسة ضمائر "توانٍ" ضمائر متصلةٌ خاصةٌ بالرفع.

وثلاثةٌ من المتصلة تكون للنصب وللجر، لكنها لا تأتي للرفع، وهي ضمائر: "هيك"، مجموعةٌ في كلمة "هيك" وهي:

ياء المتكلم - وكاف المخاطب - وهاء الغائب.

ياء المتكلم:

تأتي نصبًا فتقول: زيدٌ أكرمني.

وتأتي جرا: مثل كتابي، فالياء في أكرمني مفعول به نصب، والياء في كتابي مضاف اليه فهي جر.

والضمير الثاني: كاف المخاطب، تأتي نصبًا وجرًّا.

فتأتي في النصب زيد أكرمك، الكاف مفعول به (نصب)، وتأتي جرًا، "كتابك" مضاف إليه.

والثالث: هاء الغائب، تقول: زيد أكرمه، وكتابه، فالهاء في أكرمه مفعول به نصب، والهاء في كتابه مضافٌ إليه جر.

وأما الضمير الذي يأتي نصبًا ورفعًا وجرًّا فهو "نا المتكلمين".

يأتي رفعًا كقولك: ذهبنا، فاعل.

ويأتي نصبًا: كقولك: زيد أكرمنا، "نا" مفعول به نصب.

وتأتي جرًّا: كتابنا، "نا" مضاف اليه جر.

الخلاصة:

أنَّ الضمائر أسماءٌ محصورةٌ في خمسة عشرة اسمًا ضميرًا، تسعةٌ منها متصلةٌ، وستةٌ منها منفصلةٌ.

ثم ننتقل إلى النوع الرابع من أنواع المعارف، وهو أسماء الإشارة وهي التي مثَّل لها الحريري بـ: (ذَا وَ تِلكَ).

أسماء الإشارة هي أيضًا أسماءٌ تستعمل في الإشارة، إما أن نعرفها وإما أن نحصرها، وأكثر النحويين يكتفون بالحصر؛ لأنه كافٍ في تحديد هذا الباب.

فللمفرد: "ذا"، تقول: "ذا رجلٍ" تشير، وللمفردة: "ذي"، و "ذه" و "تي" تقول: ذي هند، أو ذه هند، أو تي هند، تشير إليها.

وللمثنى المذكر: "ذان"، وللمثنى المؤنث: "تان"، فتقول: "ذان رجلان"، و "تان هندان".

ولجمع الذكور ولجمع الناث: أولاءِ، بهمزة مكسورة، تقول أولاء رجال، وأولاء نساء.

ومن أحكام أسماء الإشارة جواز دخول هاء التنبيه عليها، هاء التنبيه يجوز أن تدخل على تفصيلٍ في ذلك على أسماء الإشارة.

فتقول: "ذا رجلٍ"، أو "هذا رجلٌ"، و "ذي هند"، أو "هذه هند"، و "ذان رجلان"، و "هذان رجلان"، و "تان امرأتان"، و "هاتان امرأتان"، و "أولاء رجال"، و "هؤلاء رجالٌ"، و "أولاء نساءٌ"، و "هؤلاء نساءٌ"، هذه أسماء الإشارة.

النوع الخامس من الأسماء المعارف: الأسماء الموصولة، وهي التي مَثَّل لها الحريري بـ: (الذي)، وهي كذلك لها تعريفٌ وحصرٌ، ونكتفي بالحصر؛ لأنها أسماءٌ محصورةٌ.

فللمفرد "الذي"، تقول: جاء الذي تحبه، الذي هنا لاشك أنه مفردٌ، يعني: مذكرٌ مفردٌ.

وللمؤنث "التي"، نقول: جاءت التي أحبها.

وللمثنى المذكر "اللذان"، وهي تخضع للإعراب، ففي الرفع "اللذان"، وفي النصب "الذين"، تقول: جاء اللذان أحبهما، وأكرمت اللذيْن أحبهما.

وللمثنى المؤنث "اللتيْن"، تخضع للإعراب، في الرفع "اللتان"، وفي النصب "اللتيْن"، جاءت اللتان أحبهما، وأكرمت اللتيْن أحبهما، ولجمع الذكور الذين، تقول: جاء الذين أحبهم، ولجمع الناث اللاتي، واللائي، تقول: جاءت اللاتي أحبهن، أو جاءت اللائي أحبهن.

وهناك أسماءٌ موصولةٌ، يسمونها الأسماء الموصولة المشتركة، يعني: تأتي مع المفرد، ومع المثنى، ومع الجمع، ومع المذكر، ومع المؤنث، مع كل هؤلاء، تأتي بلفظ لا يتغير، مثل: "مَنْ و مَا".

"مَنْ و مَا" إذا كانا بمعنى الذي وإخوانه، فتكون أسماءً موصولةً، كأن تقول: جاء مَن أحب، يعني: الذي أحب، فـ "مَن" حينئذٍ اسمٌ موصولٌ، تقول:

  • جاء مَن أحب، بمعنى: الذي.
  • جاءت مَن أحب، بمعنى: التي.
  • جاء مَن أحبهم، بمعنى: الذين.

فـ "مَن" تستعمل مع الجميع بلفظٍ واحدٍ، فهذه هي الأسماء الموصولة.

والنوع السادس، وهو الأخير من المعارف: الاسم المضاف إلى معرفةٍ.

مثَّل له الحريري -رحمه الله- في قوله: (ذُو الغِنَى)، يريد صاحب الغنى، فـ "ذو" اسمٌ كان في الأصل نكرةً، لكنه هنا أُضيف إلى الغنى، والغنى مُعرف بـ"ال" فكلمة "إذا" اكتسبت التعريف من إضافتها إلى معرفةٍ.

إذن فالاسم المعرف بالإضافة هو: كل اسمٍ أُضيف إلى معرفةٍ، إلى شيءٍ من المعارف السابقة، إمَّا أن يُضاف إلى ضميرٍ، تقول بالتنكير: هذا قلمٌ.

ثم أضف قلم إلى ضمير، تقول: هذا قلمي، أو قلمك.

أو تُضيف إلى علمٍ، فتقول: هذا قلم محمدٍ.

أو تضيف إلى مُعرفٍ بـ"ال" هذا قلم الطالب.

أو تضيف إلى اسم إشارة، هذا قلم هذا.

أو تضيف إلى اسمٍ موصولٍ، هذا قلمُ الذي بجانبك.

عَرَفنَا بذلك أنَّ الأسماء المعارف ستة أنواعٍ، وهي التي شرحناها، ما سواها من الأسماء تكون نكرةً، حتى ولو لم ينطبق عليها الضَّابط السَّابق؛ لأنَّ الضوابط غالبًا ليست في قُوة التَّعريف والحصر، وإنما هي أقرب إلى الأمور التَّعليمية، بخلاف التعريف، فينبغي أن يكون عِلميًا، جَامِعًا، حاصِرًا، مَانعًا، وأمَّا الحصرُ فهو أقوى الأمور في الحصرِ والعَدِّ.

فلو سألتكم مثلًا عن أسماء الاستفهام، نعرف أنَّ أدوات الاستفهام أسماء، الــ "هل" و "الهمزة" حرفان، أسماء الاستفهام، مثل:

  • مَنْ، في: "من أبوك؟"
  • وما اسمك؟
  • وكم مالك؟
  • وأين أين تسكن؟
  • ومتى متى تسافر؟

أسماء، طيب نكرات أم معارف؟ هل هي من هذه الأنواع الستة المعارف؟

لا، إذن نكراتٌ، وكذلك أسماء الشرط نكراتٌ، وهكذا.

لاشك أنَّ العدَّ والحصرَ هو أقوى الطرق في تحديد المسالة ما يدخل فيها وما لا يدخل.

تلحظون على بيت الحريري في التمثيل للمعارفِ، أنه مَثَّل لكلِ نوعٍ من أنواع المعارفِ بمثالٍ، إلَّا أسماء الإشارة، مَثَّلَ لها بمثاليْن، والذي يظهر أنَّه بسببِ النَّظم فقط، وإلَّا لم يكن هناك داعٍ لذلك.

ثم ذكر -رحمه الله- المسألة الأخيرة في هذا الباب، وهي كما ذكرنا من قبل: المعرِّف مِن "ال"، هذه المسألة مسألة من مسائل باب الاسم المُعَرَّف بـ"ال".

عرفنا أنَّ الاسم المعرف بـ"ال" نوع من أنواع الأسماء المعارف، فيه مسائل، نعرفها -إن شاء الله- لو درسنا متنًا من متون النحو الكبيرة، من هذه المسائل أنَّ النحويين اختلفوا في المعرِّف من كلمة "ال"، بيَّن الحريري هذا الخلاف بقوله:

وَآلَةُ التَّعْرِيفِ "أَلْ" فَمَنْ يُرِدْ
 

تَعْرِيفَ كَبْدٍ مُبْهَمٍ قَالَ: الكَبِدْ
 

وَقَالَ قَوْمٌ إِنَّهَا اللاَّمُ فَقَطْ
 

إِذْ أَلِفُ الْوَصْلِ مَتَى تُدْرَجْ سَقَطْ
 

هذا الخلاف لو لم يذكره الحريري لكان أفضل، فليس من الخلافات المهمة التي يحتاج اليها طالب النحو المتوسط، لكنه ذكره، فذكر أنَّ النحويين مختلفون في ذلك على قولين:

القول الأول: أنَّ المُعرِّف مجموعُ كلمة "ال"، يعني: الهمزة و "ال"، هذا قول الخليل، وهو الذي اختاره الحريري؛ لأنَّه قَدَّمَه.

والقول الثاني: أنَّ المعرِّف اللام فقط، وأمَّا الهمزة قَبْلَه، فهي زائدةٌ للتمكن من النطق بالساكن، وهذا قول سيبويه، وأكثر البصريين، واستدلوا على ذلك فقالوا: لأنَّ الهمزة في "ال" تسقط في وَصْلِ الكلامِ، وهذا معنى قوله: (إِذْ أَلِفُ الْوَصْلِ مَتَى تُدْرَجْ سَقَطْ).

قالوا: فلو كان الحرف ثُنَائيًا للفعل، مُكونًا مِن همزةٍ ولام، لكان على قاعدة الحروف، وقاعدة الحروف المبدوءة بهمزة أنَّ همزتها قطعٌ، كل الحروف التي تبدأ بهمزة، همزتها قطعٌ، مثل:

أَمَا، ألا، إِلى، إلَّا حرفُ التَّعريف "ال" هَمزَتُهُ وَصل.

وَرَدَّ أصحابُ القول الأول عليهم، بأنَّ الأصل في الهمزة أنها همزة قطع، ولكنها وُصِلَت لكثرة استعمال هذه الكلمة في الكلام.

الذي يقرأ في كتب التفسير مثلًا، أو في كتب الحديث، يجد هذين القولين، فأنت عندما تقرأ لكثيرٍ من المفسرين، خاصةً المتقدمين، تقول: هذا وهو معرفٌ باللام، وهذا كثيرٌ عند المتقدمين؛ لأنه كما قلنا قول جمهور البصريين، معرف باللام، يعني: أنه معرفٌ بـ "ال"، لكنه على قول سيبويه وأكثر البصريين.

وهنا لفتةٌ سريعةٌ إلى قوله: (كَبْدٍ مُبْهَمٍ)، فجعل الكبد مؤنثةً أم مذكرةً؟

مذكر، الكبد فيها التأنيث، وفيها التذكير، ولكن التأنيث هو الأكثر، كبدٌ رطبةٌ، لكنَّ التذكير جائزٌ فيها، وهذا الذي جاء في البيت.

ويقال فيها: "الكَبِد"، ويقال فيها: "الكَبْد"، ويقال فيها: "الكِبْد".

هذا ما يتعلق بباب النَّكِرَة والمعرفة، لننتقل منه إلى الباب التَّالي، وهو باب أنواع الفعل.

نبدأ هذا الباب بقراءة أبياته:

{قال -رحمه الله: وإن أردت قسمة الأفعال لينجلي عنك صدى الإشكال

وَإِن أردتَ قِسمَةَ الأفعال
 

 

 لِينجَلي عنكَ صَدَا الإشكَال
 

فَهْيَ ثَلاثٌ مَا لهُنَّ رابعُ
 

 

 ماضٍ وفِعلُ الأمرِ والمُضارِعُ
 

فكلُّ مَا يَصلُحُ فيهِ أَمسِ
 

 

 فإنهُ ماضٍ بغيرِ لَبْسِ
 

وحُكمُهُ فَتحُ الأخيرِ منهُ
 

 

 كَقولِهِم سَارَ وبَانَ عنهُ
 

والأمرُ مبنيٌّ على السُّكُونِ
 

 

 مِثَالهُ احذَرْ صَفْقَةَ المَغبُونِ
 

وإنْ تَلاهُ ألفٌ وَلامُ
 

 

 فَاكسِرْ وقُلْ لِيَقُمِ الغُلامُ
 

وإنْ أَمَرتَ مَنْ سَعى
 

 

 ومَن غَدَا فأَسقِطِ الحَرفَ الأخيرَ أبَدَا
 

تقولُ يَا زيدُ اغدُ فِي يومِ الحَدْ
 

 

 واسعَ إلى الخَيراتِ لُقِّيتَ الرَّشَدْ
 

وَهَكَذَا قَولُكَ فِي ارمِ مِنْ رَمَى
 

 

 فَاحذُ على ذلكَ فِيمَا اسْتُبهِما
 

والأمرُ مِنْ خَافَ خَفِ العِقَابَا
 

 

 ومِنْ أجَادَ أجِدِ الجَوَابَا
 

وَإِن يكُن أمرُكَ للمُؤنَّثِ
 

 

 فقُلْ لهَا خَافي رِجَال العَبَثِ
 

 

هذا الباب نسميه باب أنواع الفعل، أو أقسام الفعل، أو قسمة الأفعال، وذكر فيه الحريري -رحمه الله تعالى- أنَّ الأفعال مُنقسمةٌ ثلاثة أقسامٍ، ثم تكلم على هذه الأقسام، قسمًا قسمًا، فبدأ الباب بقوله:

وَإِن أردتَ قِسمَةَ الأفعال
 

 

 لِينجَلي عنكَ صَدَا الإشكَال
 

فَهْيَ ثَلاثٌ مَا لهُنَّ رابعُ
 

 

 ماضٍ وفِعلُ الأمرِ والمُضارِعُ
 

ذكر في هذين البيتين أنَّ الأفعال في قسمتها المشهورة، ثلاثة أقسام، الفعل الماضي، والفعل المضارع، وفعل الأمر، نحو: "كتب، يكتب، اكتب"، فإن قلت: بالنسبة إلى ماذا هذه القسمة؟ هذه القسمة من حيث ماذا؟

والجواب عن ذلك: أنَّ هذه القسمة بالنسبة إلى الصيغة، فالأفعال في صيغها الأصلية، إمَّا أن تكون فَعَلَ، أو يفعل، أو افعل.

فـ: فَعَلَ وَمَا يُشابهه يُسمونه الفعل الماضي.

و يَفعَل وَمَا يُشَابِهُه يُسَمُّونَه الفعل المضارع.

و افعل وَمَا يُشَابِهُه يُسَمُّونَه فعل الأمر، وليست القسمة هنا بالنسبة إلى الزمان، كما قد يسبق إلى الخاطر، إِلَّا أنَّ الفعل الماضي الأصل في زمانه كما سيأتي المُضي، والمضارع زمانه الحَال والاستقبال، والأمر زمانه الاستقبال، وهذا الأمر واضح لمن تأمله، يعني: رُبَّما عندما نسمع الماضي فيرتبط بالماضي، فتقول: إن هذه القسمة بالنسبة للزمان.

طيب كلمة الأمر ما علاقتها بالأزمنة الثلاثة؟

كلمة الأمر لا علاقة لها بالزمان، دلالة على الأمر.

طيب المضارع، ما علاقتها بالأزمنة الثلاثة؟ وهي الماضي والحاضر والاستقبال، أيضًا كلمة ماضي لا علاقة لها بالأزمنة.

فالماضي سمي ماضيًا؛ لأنَّ الأصل في زمانه أنه في المضي، فسمي ماضيًا.

والأمر سمي أمرًا؛ لأنه يدل على الأمر، يعني: لم يؤخذ اسمه من الأزمنة الثلاثة أبدًا.

والمضارع سمي مُضارعًا؛ لأنه مضارعٌ للاسم، مضارعٌ بمعنى مشابه، هو الفعل الذي يشابه الاسم، وسيأتي كلامٌ على ذلك أيضًا، إذن فالمضارع أيضًا لم يؤخذ من الأزمنة الثلاثة.

وقوله -رحمه الله تعالى: (لِينجَلي عنكَ صَدَا الإشكَال)، صدا مخففٌ من صدأ، يريد لينجلي عنك صدأ الإشكال، والصدأ معروفٌ، وهو بهمزة، ولكن الحريري خفف هذه الهمزة المتطرفة، وتخفيفها في الشعر جائزٌ، والحريري -رحمه الله- يخفف الهمزة كثيرًا في منظومته.

ثم تكلم -رحمه الله تعالى- على أنواع الفعل نوعًا نوعًا، فبدأ بالفعل الماضي، فقال -رحمه الله:

فكلُّ مَا يَصلُحُ فيهِ أَمسِ
 

 

 فإنهُ ماضٍ بغيرِ لَبْسِ
 

وحُكمُهُ فَتحُ الأخيرِ منهُ
 

 

 كَقولِهِم سَارَ وبَانَ عنهُ
 

لماذا بدأ بالماضي؟

المشهور عند النحويين أنهم يبدؤون بالماضي، قالوا: لأنَّ الماضي أول الأزمنة، ثم يأتي الحال، الزمان الذي نحن فيه، ثم الاستقبال، وبعضهم يقول: الحال أولاً، ثم الاستقبال، ثم هذا الحال يكون ماضيًا، هذه لا تهمنا كثيرًا، الا أنَّ أكثر النحويين يبدؤون بالفعل الماضي.

الحريري ماذا ذكر في هذين البيتين؟

ذكر -رحمه الله تعالى- مسألتين، ذكر زمن الفعل الماضي، وذكر حركة الفعل الماضي، ذكر زمن الفعل الماضي، وأنَّ الأصل في زمان الفعل الماضي أنه المضي، وعبر عنه بقوله: (أَمسِ)، إذن فالحريري في قوله: (فكلُّ مَا يَصلُحُ فيهِ أَمسِ)، لا يريد أنَّ هذا علامةٌ مميزةٌ؛ لأنه سبق أن ذكر العلامات المميزة التي تميز الأسماء والأفعال والحروف، وإنما أراد هنا أن يذكر زمان الفعل الماضي، فالفعل الماضي زمانه الأصلي هو المضي، ويتبين بقولك: أمس، مثل: "ذهبتُ أمس"، "ذهبتْ أمس"، "دخل رمضان أمس".

وقد يخرج الفعل الماضي إلى الاستقبال، يعني: يكون زمانه الاستقبال، كأن تقول: "إن ذهب زيد ذهبت"، "إن ذهب زيد أمس أو غدًا؟" "إن ذهب زيد غدًا"، في الاستقبال، في المستقبل، ذهبت في المستقبل، فالماضي إذا دخل في الشرط انتقل إلى الاستقبال.

والحكم الثاني ذكره في البيت الثاني، وهو حركة الفعل الماضي، والفعل الماضي كما قال: إن حركته الفتح، قال: (وحُكمُهُ فَتحُ الأخير منهُ)، الفتح هذا مصطلحٌ من مصطلحات البناء، يعني أنَّ الفعل الماضي مبني على الفتح، فالفعل الماضي من جملة المبنيات، لا المعربات، فهو لا يتأثر بالإعراب، نحو: "سار"، و "بان"، و "ذهب"، و "أكرم"، و "انطلق"، و "استعلم"، و "كان"، و "ليس"، و "ظَنَّ"، كلها أفعالٌ ماضيةٌ، مبنيةٌ على الفتح.

نقول في إعرابها: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتح.

فإن كان الفعل الماضي لمؤنثٍ، فإنك تزيد في آخره تاءً ساكنةً، فتقول: "سارت هند"، "بانت مشكلة"، "ذهبت أختي"، "أكرمت الأستاذة"، و "انطلقت سيارة"، و "استعلمت لجنة"، وهكذا، فالفعل الماضي مبنيٌّ على الفتح، وأما هذه التاء الساكنة، فهي حرف تأنيثٍ مبنيٌّ على السكون.

فإذا جاء بعد تاء التأنيث الساكنة ساكنٌ، كأن يأتي بعدها اسمٌ مبدوءٌ بـ"ال"، فحينئذٍ يجب أن نكسر تاء التأنيث الساكنة بسبب التقاء الساكنين، أي: نتخلص من التقاء الساكنين بكسر السَّاكِنِ الأول، كقولك: "سارت البنت"، "هي سارت"، البنت مبدوء بـ"ال"، "ال" مكون من لامٍ ساكنةٍ، وقبله همزة وصل، همزة الوصل ستسقط في درج الكلام، فالتاء الساكنة في "سارت" سيكون بعدها اللام الساكنة، في البنت، فيلتقي ساكنان، فنكسر الساكن الأول، فنقول: "سارتِ البنتُ"، و "بانتِ المشكلةِ، وانطلقت السيارة، واستعلمت اللجنة، نعرُبَّ الفعل الماضي مبني على الفتح، وتاء التأنيث الساكنة؟ هذا حرفٌ مبنيٌّ على السكون، نقول: حرفٌ مبنيٌّ على السكون المقدر، منع من ظهوره حركة التخلص من التقاء الساكنين.

فإذا كان الفعل الماضي مختومًا بألفٍ، كـ "دعا" و "سعى" و "هدى" و "رمى"، ونعرف أنَّ الألف ساكنةٌ أو مفتوحةٌ؟

الألف في العربية ملازمةٌ للسكون، والفعل الماضي مبنيٌّ على الفتح، فنقول: إنَّ الفعل الماضي إذا كان مختومًا بألف، فإنه يكون مبنيًا على فتحٍ مُقدرٍ، منع من ظهوره التعذر.

ما معنى التعذر؟ الاستحالة، تقول: هذا شيءٌ متعذرٌ، تعذر الشيء عليَّ، يعني استحال، مستحيل، ما المستحيل هنا؟ المستحيل تحرك الألف، تحريك الألف بحركةٍ، بفتحةٍ بضمةٍ بكسرةٍ، هذا مستحيلٌ، لأنَّ الألف ملازمةٌ للسكون، فنقول في دعا رمى، فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح المقدر، منع من ظهوره التعذر.

وإذا اتصل الفعل الماضي المختوم بألفٍ ساكنةٍ، مثل دعا وهدى، وجاء بعده ساكنٌ، فالألف ساكنةٌ وبعده ساكنٌ، سيلتقي ساكنان، هنا سنتخلص من التقاء الساكنين بحذف الألف، كأن تقول: دعت هند، هي دعا ثم جاءت تاء التأنيث الساكنة، فالتاء ساكنة، والألف في دعا ساكنةٌ، فنحذف الألف لالتقاء الساكنين، فنقول: دعت هند، فنقول: الرجال دعوا إلى الله، هي دعا وواو الجماعة، واو الجماعة ساكنةٌ، والألف في آخر دعا ساكنةٌ، فحذفنا الألف، دعوا، ونقول أيضًا: ودعت المرأة إلى الله، حذفنا الألف لأنها ساكنةٌ التقت بالتاء، والتاء ساكنةٌ، والمرأة مبدوءةٌ بساكنةٍ، فكسرنا تاء التأنيث لالتقاء الساكنين.

ماذا نقول في إعراب دعت أو دعوا؟

الفعل الماضي هنا مبنيٌّ على الفتح أو على السكون؟

على الفتح المقدر.

أين الفتح المقدر؟

على الألف المحذوفة، نقول: دعوا فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر، على الألف المحذوفة، فإذا اتصل بالفعل الماضي تاء المتكلم أو نون النسوة، أو ناء المتكلمين، نحو: ذهبت، وذهبنا، والنسوة ذهبن، فيُبنى على فتحٍ مقدرٍ، والسكون المجلوب هنا، مجلوبٌ للتخلص من توالي أربعة متحركات.

الأصل في "ذهبت" هو: "ذهب"، ثم تاء المتكلم "تُ" ذهبتُ، فالقياس المهجور المتروك "ذَهَبَتُ" أدى ذلك إلى أربعة متحركاتٍ، وهذا ثقيلٌ عند العرب، كيف تخلصوا من هذا الثِّقل؟ بتسكين آخر الفعل، وهو الباء، ذهبْتُ، هذه الباء ليست حركة بناء، وإنما حركة تخلصٍ من أربع متحركاتٍ.

ونقول في الإعراب: فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح المقدر، منع من ظهوره السكون المجلوب للتخلص من أربع متحركاتٍ.

السؤال الحادي عشر:

 

الخلاصة: أنَّ الفعل الماضي مبنيٌّ على الفتح، إما الظاهر كـ "ذهب"، وإمَّا المقدر في ثلاثة مواضع، وهي:

  • الفعل الماضي المختوم بألف كـ "دعا".
  • والفعل الماضي المتصل بواو كـ "ذهبوا".
  • والفعل الماضي المُتَّصِل بتاء المتكلم كـ "ذهبت"، أو المتصل بـ "نون النسوة" كـ "ذهبن"، أو بـ "ناء المتكلمين" كـ "ذهبنا".

باقي البيات سنتركها -إن شاء الله- في الدرس القادم؛ لأن الوقت لفظ أنفاسه، ولم يدع لنا مجالًا ولا للأسئلة، فنحمد الله -عزَّ وجلَّ- على كل حالٍ، ونشكركم على استماعكم، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك