الدرس الخامس

فضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

15245 11
الدرس الخامس

ملحة الإعراب (1)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد..

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وحيّاكم الله وبيّاكم في هذه الليلة، ليلة الأربعاء، وهي ليلة الثَّاني مِنَ الشَّهرِ الثَّاني مِن شَهرِ صَفَر مِن سَنةٍ ثمانٍ وثلاثين وأربعمائة وألفٍ مِن هِجرة الحبيب المصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام.

ونحن في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وهذا الدَّرسُ نُسجله من مدينة الرياض.

لندلف جميعًا -بإذن الله- إلى الدَّرسِ الخامسِ مِن دُروسِ شرح "مُلْحَةِ الإِعرَابِ" للحريري البصري عليه رحمه الله تعالى.

كُنَّا في الدَّرسِ الماضي تكلمنا عَن الأحكامِ الإعرابيةِ التي ذكرها الحريري -رحمه الله تعالى- وشرحناها، ثم انتقلنا بعد ذَلِكَ إلى الكلامِ على طريقة الإعراب، وقلنا: إنَّ طريقة الإعراب في الكتب المتقدمة لا يذكرها النحويون في كتبهم؛ لأنه صار من المعتاد عندهم أنَّ الإعراب وطريقته ومصطلحاته وأركانه وما يتعلق به، يأخذها الطالب من الشيخ، والآن لابد أن تُذكر وأن تُحرر وأن تُبين لكي يعرفها الطالب.

والحريري -رحمه الله تعالى- في ذلك الباب الذي قرأناها وأوله:

وإنْ تُرِدْ أن تعرِفَ الإعرَابا
 

لتَقتفي في نُطقِكَ الصَّوَابا
  

لم يميز بين المعربات والمبنيات، والتميز بين المعربات والمبنيات أمرٌ مُهمٌ جدًا، بل هو الضرورة الثانية في النَّحو لضبط الإعراب والأحكام الإعرابية.

لأنَّ النحو -كما ذكرنا- له ضرورتان:

أما الضرورة الأولى: فمعرفة أنواع الكلمة، أي: انقسامها إلى اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ.

والضرورة الثانية: معرفة انقسام الكلمة إلى مُعربٍ ومبنيٍّ.

وإن كان الحريري -رحمه الله تعالى- أشار إلى أكثر أحكام المعرب والمبني ولكنها تفرقت في مُلحته، فذكر من قبل أنَّ المضارع هو الفعل الوحيد المُعرب من بين أخويه المبنييْن الماضي والأمر، وفي آخر الملحة سيعقد بابًا للمبنيات، وهكذا.

لكن ينبغي أن نجمع الكلام على المعرب والمبني هنا عند الكلام على الأحكام الإعرابية لكي نستطيع أن نستفيد من ذلك في بيان طريقة الإعراب.

فنبدأ ونقول يا إخوان: المعرب والمبني، ظاهرتان واضحتان في اللغة منذ أن نظر العلماء في اللغة لكي يستنبطوا منها القواعد التي تضبطها.

فوجدوا أنَّ بعض الكلمات مُتغيرةٌ، أي: يتغير آخرها بتغير إعرابها، فتقول مثلًا:

  • "محمدٌ" بالضمة.
  • "محمدًا" بالفتحة.
  • "محمدٍ" بالكسرة، بحسب الإعراب.

و"بابٌ، وبابًا، وبابٍ"، و "جالسٌ، وجالسًا، وجالسٍ"، و "جلوسٌ، وجلوسًا، وجلوسٍ"، و "القلمُ والقلم َوالقلمِ"، وتقول:

  • محمدٌ يذهب.
  • محمدٌ لن يذهبَ.
  • محمدٌ لم يذهبْ، فالمضارع أيضًا تتغير حركة آخره.

وفي المقابل وجدوا كلماتٍ في اللغة ثابتة، يعني: غَير مُتغيرةٍ، أي أنَّ: آخرها ثابتٌ لا يتغير مهما تغير إعرابها، مثل:

  • الضمير "نحنُ"، دائمًا ملازمٌ للضم.
  • "هذا"، اسم الإشارة دائمًا ملازمٌ للسكون.
  • "هؤلاءِ" اسم إشارةٍ ملازمٌ للكسر سواء كان فاعلًا فحكمه الرفع، مثل: "جاء هؤلاءِ"، أو كان مفعولًا به حكمه النَّصب تقول: "أكرمت هؤلاءِ"، وكذلك في الجر: "سلمت على هؤلاءِ".

وتقول: "جاء الذين أحبهم"، و "سلمت على -حرف جر- الذينَ"؛ لأنَّ الذينَ أيضًا من الكلمات التي تلزم حالةً واحدةً لا تتغير مهما تغير إعرابها.

إذن فاتضح من ذلك أن الكلمات نوعان:

- كلماتٌ مُتغيرةٌ أي: يتغير آخرها بتغير إعرابها، فهذه سموها المعرب، ويجمعونها على المعربات.

- وكلماتٌ آخرها لا يتغير بتغير إعرابها، بل يلزم حالةً واحدةً، هذه الحالة لا علاقة لها بالإعراب، فسموها المبني، وجمعه المبنيات.

لماذا سمي المبني منبيًّا؟

قالوا: شبهوه بالجدار المبني، الجدار المبني اليوم تراه على حالته، وغدًا على الحالة نفسها، وأمس على الحالة نفسها، لا يتغير، فجعلوه كالمبنيات التي لا تتغير.

والمعرب، لماذا سمي مُعربًا؟

المعرب مأخوذ من الفعل أَعرب يُعرب إِعرابًا، فهو مُعرِبٌ، فالذي وقع عليه الإعراب مُعرَبٌ، تقول: "أعربت عمَّا في نفسي"، بمعنى: بينته وأفصحت عنه ووضحته، وفي الحديث: «والثيب تُعرب عَمَّا في نفسها».

فإذا أعربتُ عمَّا في نفسي، وبينته ووضحته، فالذي في نفسي حينئذٍ ماذا يكون؟ بعد أن أُعربه، يكون مُعربًا.

الذي في نفسي إذا أعربته، أي: وضحته وبينته، يكون مُعربًا، مَا مَعنى مُعربًا؟ أي: واضحًا مبينًا، فمعنى مُعرب يَعني الكلمة الواضحة، البينة، المفصحة.

ما الواضح فيها البين؟ عما تفصح؟

تُفصح عن إعرابها، الكلمة المُعربة التي تتغير بتغير الإعراب تُفصح وتبين إعرابها؛ لأنك منذ أن تسمع "محمدٌ" تعرف أنَّ حُكمها الإعرابي الرفع، "محمدًا" تَعرف أنَّ حُكمها الإعرابي النَّصب، "محمدٍ" تعرف أنَّ حُكمها الإعرابي الجر.

وفي المضارع لو قلت: "يذهبُ" تعرف أنَّ حُكمَه الإعرابي الرفع، و "لن يذهبَ" تعرف أنَّ حُكمه الإعرابي النَّصب، و "محمدٌ لم يَذهبْ" تَعرفُ من السكون أنَّ حُكْمَه الإعرابي الجزم.

إذن فالكلمة المُعربة لفظها يُفصح وَيُبين إعرابَها، تأخذ إعرابها مِن لَفظها، فلهذا إذا قال العربي: "محمدٌ" تعرف أنه مرفوعٌ، "محمدًا" منصوب، "محمدٍ" مجرور.

فلو قال قائلٌ: "أكرم محمدٌ خالدًا"، الفعل الذي عندنا هو: "أكرم".

الإكرام مَن الذي فَعَلَه؟ الفاعل، ومن الذي وقع عليه، المفعول.

الفاعل هو: المكرِم، والمفعول هو: المكرَم.

عرفنا أنَّ المكرِم الفاعل هو: "محمدٌ"؛ لأن هذا العربي قال: "أكرم محمدٌ" فوضع ضمةً، والضمة كما عرفنا عَلامة رفعٍ أم نصبٍ أم جرّ؟ علامة رفعٍ.

ما معنى علامة؟ أي: دليلٌ يدل على الحكم الإعرابي، ولهذا أعلم أن الحكم الإعرابي لهذه الكلمة هو: الرفع.

فالعربي عندما يقول: "محمدٌ" يُريد أن يُعْلِمَكَ أنَّ حُكمها الإعرابي الرَّفع، فاعلٌ، ليست مفعولًا به، فاعلٌ؛ لأنه وضع عليه ضمةً، والضمة للفاعل المرفوع.

وعندما قال: "أكرم محمدٌ خالدًا"، فنصب "خالدًا"، عرفت أنَّ "خالدًا" هو المكرِم الفاعل أو المكرَم المفعول به؟

المكرَم المفعول به؛ لأنَّ الفتحة علامة نصبٍ، دليل نصبٍ، والنَّصب للفاعل أم للمفعول به؟ للمفعول به.

إذن فهذه الحركة الضمة أعلمتنا بالمكرِم، والفتحة أعلمتنا بالمكرَم، فأفصحت المعنى، أي: بينت لنا المعنى، فلهذا لو قال هذا القائل: "أكرم خالدًا محمدٌ"، لو أراد أن يتصرف في الكلام، فقال: أكرم خالدًا محمدٌ، لعرفنا المكرِم الفاعل من المكرَم المفعول به.

فـ "خالدًا" لوجود الفتحة نعرف أنَّه المكرَم المفعول به، وإن تقدم، و "محمدٌ" نعرف أنه المكرِم الفاعل وإن تأخر لوجود الضمة.

هذه كلماتٌ معربةٌ واضحةٌ، أي: إعرابها واضح فلهذا جاز للمتكلم العربي أن يتصرف فيها بالتقديم والتأخير؛ لأنَّ معناها واضحٌ، تقديمها تأخيرها ما يضر.

وأمَّا المبنيات قلنا مثل: "هؤلاءِ" وهي اسم إشارةٍ مبني على الكسر، ومهما تغير الإعراب لا يتغير الكسر، معنى ذلك أنَّ الكسر في هؤلاءِ ليس له علاقةٌ بالحكم الإعرابي، بل هو مجرد حركة لسانٍ ألزمها العَرب لهذه الكلمة، وهذه الحركات التي على المبنيات لا تُسمى علاماتٍ؛ لأنها لا تُعلِم بالحُكم الإعرابي، وإنما تسمى حركاتٍ؛ لأنها مجرد حركات لسان، لذلك لو قلت: "هؤلاء"ِ تعرف أنه فاعلٌ أو مفعولٌ به؟

تعرف أنَّ حُكْمَه الرَّفع أو النَّصب أو الجر؟ حتى الجر ما يدل عليه؛ لأنه لا يدل على الرفع ولا يدل على النَّصب ولا يدل على الجر؛ لأن الحركة لا علاقة لها بالأحكام الإعرابية، هي حركةٌ ملازمةٌ، فمعنى ذلك أنه لا يصح أن تأخذ إعرابها من لفظها، لفظها لا يدل على إعرابها.

المخاطَب عندما يسمع الكلمات المبنية لا يأخذ إعرابها ولا يأخذ معانيها في الجملة من لفظها، لا، يحتاج إلى شيءٍ أزيد، لابد أن يعرف الجملة، والمعاني الداخلة عليها، لكي يعرف الفاعل من المفعول به.

لو قلت مثلًا: "أكرم هؤلاءِ سيبويه"، سنعرف أنَّ هؤلاءِ من المبنيات، وسيبويه مختومٌ بـ "ويه" أيضًا من المبنيات، كلاهما مبنيٌّ على الكسر.

طيب "أكرم هؤلاءِ سيبويه"، دخل علينا داخلٌ فقال: "أكرم هؤلاءِ سيبويه".

من الفاعل المكرِم؟ ومن المفعول به المكرَم؟ هل نعرف ذلك من اللفظ؟ لا.

طيب نعرف الفاعل المكرِم والمفعول به المكرَم من ماذا؟

من شيءٍ خارج اللفظ، من ترتيب الكلام، ترتيب الجملة، فالمتقدم هو الفَاعل؛ لأن الأصل في الفاعل أن يتقدم، والمتأخر هو المفعول به؛ لأن الأصل في المفعول به أن يتأخر.

إذن عرفنا المعنى لا من ألفاظها؛ لأن ألفاظها ليست مُعربةً، أي: ليست موضحةً للأحكام، ليست بينةً واضحةً.

فلو أنَّ هذا المتكلم أراد أن يتصرف في الكلام كما تصرف الأول، فقال:

"أكرم سيبويه هؤلاء"ِ، لَكُنَّا نفهم أنَّ الفاعل المكرِم هو: "سيبويه" المتقدم، والمفعول به المكرَم هو: "هؤلاء" المتأخر.

فإن قال: لا أنا أردتُ أن أقدم المفعول به وأؤخر الفاعل كما فعل الأول في قوله: "أكرم خالدًا محمدٌ"، قلنا له: هنا لا يجوز؛ لأنَّ هذه كلماتٌ غامضةٌ، ليست كلماتٍ مُعربةً واضحةً، فإذا قَدَّمتَ وأَخرتَ ألبس الكلام؛ لأنها كلماتٌ غير واضحةٍ، فحينئذٍ يجب أن تلتزم الأصل أنُ تقدم الفاعل وأن تُؤخر المفعول به.

بخلاف الكلمات الواضحة فلك أن تتصرف؛ لأنها تدل على معانيها تقدمت أم تأخرت.

هذا معنى مُعربٌ، وهذا معنى مَبنيٌّ، فكان من الحق والعدل والإنصاف أن يُفَرِّقَ النحويون بين:

  • المعربات، هذه الكلمات الواضحة التي نأخذ إعرابها من لفظها، والتي تدل على المعنى مباشرةً.
  • والمبنيات، أي: من الكلمات المبنية التي لا تدل على إعرابها، وهذا الذي فعلوه، ميزوا بين المعربات والمبنيات في أحكامٍ ومصطلحاتٍ عدة.

ونحن فقط سنركز الآن على ما يهمنا في الإعراب.

كل هذا الكلام الذي قلته في تعريف المعرب وتعريف المبني، وفائدة المعرب وفائدة المبني، هذا لفهم الظاهرة لكنه لا يمكن أن يميز المعربات عن المبنيات.

كيف نميز المعربات عن المبنيات؟ قلنا هذا ضرورةٌ، كل كلمةٍ في اللغة العربية لابد أن تعرف هي معربٌ أم مبنيٌّ، كيف نميز بين المعربات والمبنيات؟

التمييز بينهما لا يكون إلا بطريق الحصرِ والعَدِّ والاستقصاءِ، لابد أن نتتبع كُلَّ الكلمات المعربة في اللغة العربية ونعرف أنها معربةٌ، ونتتبع كل الكلمات المبنية في اللغة العربية ونعرف أنها مبنيةٌ.

لا طريقة للتمييز بين المعربات والمبنيات غير هذه.

إذن ماذا سنفعل الآن، لابد أن نحصر جميع المُعربات وجميع المبنيات، فلهذا لابد أن تأتوا بكتاب "لسان العرب" خمسة عشر مجلدًا أو أربعة عشر مجلدًا، ثم نحكم على كل كلمةٍ، "مُعربٌ مبنيٌّ"، معرب مبني، ثم تحفظونه، لكي تميزوا بين المعرب والمبني.

ما رأيكم؟

تريدون أن تكملوا النحو، أو تنصرفون؟

لله در النحويين، كانوا أرأف بنا من ذلك، اجتهدوا وضبطوا هذه المسألة، أي: التفريق بين المعربات والمبنيات بأسطرٍ قليلةٍ، ميزوها بسطرين أو ثلاثة أسطرٍ، ميزوا كل الكلمات في اللغة العربية، هذا عندما نقول علم، هكذا يكون العلم.

إلا أنَّ تمييز المعربات والمبنيات، -الضرورة الثانية- سنحتاج فيها إلى الضرورة الأولى، التمييز بين أنواع الكلمة الاسم والفعل والحرف؛ لأن النحو كما قلنا من قبلُ: هو علمٌ تراكميٌّ، لابد أن تفهم السابق لكي نفهم ما بعده، وتفهم الأول والثاني؛ لأن الثالث مبنيٌّ عليهما، وهكذا حتى ينتهي النحو بهذه الطريقة.

من قبلُ ميزنا الأسماء وعرفناها بعلاماتٍ مميزة، وكذلك الحروف، وكذلك الأفعال بأنواعها الثلاثة، ميزنا الماضي وميزنا المضارع، وميزنا الأمر، سنستفيد من هذه الضرورة الآن.

نبدأ بالحروف: الحروف كلها مَبنيةٌ، مبنيةٌ على ماذا؟ مبنية على حركات أواخرها، تسمع الحرف والحركة التي في آخر الحرف وتقول: إن هذا الحرف مبنيٌّ على هذه الحركة، أي أنَّ: حروف الجر، حروف النَّصب، حروف الجزم، حروف النداء، حروف العطف، الحروف الناسخة، كل الحروف مبنيةٌ على حركات أواخرها.

- مِنْ حرف جرٍّ مبنيٌّ على السكون.

- هَلْ حرف استفهامٍ مبنيٌّ على السكون.

- سَوفَ حرف تسويفٍ مبنيٌّ على الفتح.

- مُنذُ حرف جرٍ مبنيٌّ على الضم.

- الكتابُ لِزَيدٍ، "اللام" حرف جرٍّ مبنيٌّ على الكسر.

- جاء محمدٌ وخالدٌ "الواو" حرف عطفٍ مبنيٌّ على الفتح.

- يا محمدٌ، "يا" حرف نداءٍ مبنيٌّ على السكون.

- اذهبنَّ "النون" حرف توكيدٍ مبنيٌّ على الفتح.

- ذهبتْ هندٌ "التاء" حرف تأنيثٍ مبنيٌّ على السكون، وهكذا.

كل الحروف مَبنيةٌ على حركات أواخرها، انتهينا من الحروف.

ننتقل إلى الأفعال:

الأفعال ميزنا بين أنواعها الماضي والأمر والمضارع.

نبدأ بالماضي:

الماضي سبق للحريري أن ذَكَرَ أنَّه مَبنيٌّ كله، كالحروف، لكن مبنيٌّ على ماذا؟

ذكر الحريري أنه مبنيٌّ على الفتح الظاهر أو المقدر، وشرحنا ذلك من قبل ولا حاجة لإعادة ما قلناه، فـ "ذهب" مبني على الفتح، و "ذهبوا" مبني على الفتح المقدر، و "ذهبتُ" مبنيٌّ على الفتح المقدر، و "دعى" مبنيٌّ على الفتح المقدر.

ثم ننتقل إلى فعل الأمر:

ذكر الحريري وأشار إلى أنَّه مبنيٌّ أيضًا كله، كل أفعال الأمر مبنيةٌ، وعرفنا من قبل؛ لأن الحريري عقد بابًا لأفعال الأمر، وبين أنَّ أفعال الأمر تُبنى إمَّا على السكون مثل: "اذهب"، أو على حذف حرف العلة إذا كان مُعتل الآخر، كـ "ادعُ"، و "ارمِ"، و "اخشَ"، أو على حذف النون إذا كان في مُضارعه النون: مثل: "اذهبوا"، مِن "يذهبون"، أو "اذهبا" مِن "يذهبان"، أو "اذهبي" مِن "تذهبين"، فيُبنى على واحدٍ من هذه الثَّلاثة.

الآن عرفنا أنَّ الحروف كلها مبنيةٌ، والماضي كله مبنيٌّ، والأمر كله مبنيٌّ، ثم نضع خَطًا يقسم الكلمات قسمين وسميناه في الدرس الماضي خط الإعراب؛ لأن ما قبله كما رأيتم كله مبنيٌّ ليس فيه شيءٌ معربٌ.

وهذه الثلاثة كما عرفنا في الأحكام الإعرابية، لا يدخلها شيءٌ من الأحكام الإعرابية، لا رفع ولا نصب ولا جر ولا جزم، ويقال في حكمها الإعرابي: لا محل له من الإعراب.

وتكلمنا في الدرس الماضي على طريقة إعرابها، على طريقة إعراب ما قبل خط الإعراب، يعني: على الحروف والماضي والأمر.

قلنا لها ثلاثة أركانٍ:

الركن الأول: أن نذكر نوعها، إن كانت حرفًا نقول: "حرف كذا"، وإن كانت ماضيًا "فعل ماضٍ"، وإن كانت أمرًا، "فعل أمرٍ".

الثاني: ثم نذكر حركة البناء التي فصلناها قبل قليلٍ ودرسناها بالتفصيل.

الثالث: ثم نقول في بيان حكمها الإعرابي: لا محل له من الإعراب، وَمَثَّلنَا على ذلك وأعربنا ولا حاجة لإعادة الكلام على ما قبل خط الإعراب.

ماذا بقي بعد خط الإعراب؟ بقي المضارع والاسم.

المضارع والاسم يحتاج أن نميز بين المعربات منهما والمبنيات.

فنبدأ الآن بالفعل المضارع:

وقبل أن نبدأ ببيان المعربات والمبنيات من المضارع والاسم أريد أن أقدم معلومةً، هي أهم مَعلومةٍ في الإعراب وإن كنتُ سأفسر الكلام عليها فيما بعد.

الحروف والماضي والأمر انتهينا من إعرابهم، وعرفنا ماذا نقول في إعرابهم، الآن نتكلم عن إعراب المضارع والاسم.

سنعرف أنَّ المضارع بعضه مُعربٌ وبعضه مَبنيٌّ، والاسم كذلك بَعضه مُعربٌ وبَعضه مَبنيٌّ، وسنفصل الكلام في ذلك بعد قليلٍ إن شاء الله.

أهم فرق عند النَّحويين والمُعْرِبِينِ بين المُعربِ مِنَ الأسماءِ والمُضَارعُ، والمبني مِن الأسماءِ والمضارعِ أنك مع المعرب تقول: "مرفوع، منصوب، مجرور، مجزوم".

ومع المبني تقول: "في محل رفعٍ، في محل نصبٍ، في محل جرٍّ، في محل جزمٍ"، وسنعرف سبب ذلك.

هذه المعلومة قَدِّمُوها من الآن، كلما كانت الكلمة مُضارعًا مُعربًا أو اسمًا مُعربًا، نقول في إعرابه: مرفوعٌ، منصوبٌ، مجرورٌ، مجزومٌ.

وإذا كانت الكلمة مُضارعًا مَبنيًا أو اسمًا مَبنيًا، نقول في إعرابه: في محل رفعٍ، في محل نصبٍ، في محل جرٍّ، في محل جزمٍ.

{ولا نقول هذا في ما قبل خط الإعراب}.

لا، ما قبل خط الإعراب الحروف الماضية الأمر عرفنا أنها لا يدخلها حكمٌ إعرابيٌّ، لا رفع، ولا نصب، ولا جزم، كيف تقول مرفوعٌ؟ مرفوعٌ يعني: حكمها الرفع، ما يدخلها الرفع، في محل رفعٍ،.. هذه ما يدخلها حكمٌ إعرابيٌّ، تقول: لا محل لها من الإعراب.

نعود الآن إلى المضارع، المضارع معربٌ أم مبنيٌّ؟

قلنا قبل قليلٍ: بعضه معربٌ وبعضه مبنيٌّ، الأكثر في المضارع أنه مُعربٌ، ولا يُبنى إلا في حالتين، فإذا قلنا: إنَّ الأكثر في المضارع أنَّه مُعربٌ، يعني: أنه مُتغيرٌ أم ثابتٌ؟

متغيرٌ بتغير الإعراب، في الرفع تقول: "محمدٌ يذهبُ مبكرًا"، وفي النَّصب: "محمدٌ لم يذهبَ مبكرًا"، وفي الجزم: "محمدٌ لم يذهبْ مبكرًا"، يذهبُ مضارعٌ مرفوعٌ، لم يذهبَ مضارعٌ منصوبٌ، لم يذهبْ مضارعٌ مجزومٌ.

الأطفال يذهبون، والأطفال لن يذهبوا، والأطفال لم يذهبوا، سنعرف علامات الإعراب -إن شاء الله- في الأبواب القادمة، هذه من الأفعال الخمسة، ترفع بثبوت النون، وتنصب وتجزم بحذف النون.

في الرَّفع عندما لم يتقدم ناصبٌ ولا جازمٌ، يقول: "الأطفال يذهبونَ" بثبوت النون، نقول: مضارعٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه ثبوت النون.

"الأطفال لم يذهبوا"، هذا منصوبٌ؛ لأنه مسبوقٌ بناصبٍ، نقول: منصوبٌ وعلامة نصبه حذف النون.

الأطفال لن يذهبوا، هذا مجزومٌ؛ لأنه مسبوقٌ بجازمٍ، إذن مضارعٌ مجزومٌ، وعلامة جزمه حذف النون.

يذهبون، يذهبوا، يذهبوا، تغير الفعل أم لم يتغير آخره؟

تغير، مرةً ثبتت النون، ومرةً حذفت النون، متغيرٌ أو ثابتٌ؟ متغيرٌ، معربٌ أو مبنيٌّ؟

معربٌ، الأكثر في المضارع أنَّه مُعربٌ، ولا يُبنى إلا في حالتين: إذا اتصلت به نون النسوة، فيبنى على السكون، وإذا اتصلت به نون التوكيد، فيبنى على الفتح.

إذا اتصلت به نون النسوة يبنى على السكون، نون النسوة هي نونٌ مفتوحةٌ، تعود إلى جمعٍ مؤنثٍ، كقولك: النسوة يذهبْن، الطالبات يدرسْن، الوالدات يرضعْن، السيارات ينطلقْن، وهكذا.

فقولك: الطالبات يدرسْن، هذا فعلٌ مضارعٌ، وهو يدرس مختومٌ بالسين، اتصلت به نون النسوة، نون النسوة من الضمائر، وإعرابها هنا فاعلٌ، والكلام هنا الآن على إعراب الفعل المضارع، الطالبات يدرسن.

هل سُبِقَ المضارع "يدرس" بناصبٍ؟ ونواصب المضارع كما ستأتي: "أن، ولن، وكي، وإذن".

هل سبق المضارع بجازمٍ؟ وجوازمه كما سيأتي خمسة: "لم، ولما، ولام الأمر، ولا الناهية، وأدوات الشرط الجازمة"، لا.

إذن ما حُكمه هنا، الرفع أم النَّصب أم الجزم؟

حكمه الرفع.

ما علامة الرفع؟

علامة الرفع الأصلية: الضمة.

هل الفعل هنا قبل علامة الرفع الضمة؟

لا، يدرسنَ، أم سُكِّنَ؟ سُكِّنَ.

ننتقل إلى النَّصب، الطالبات "لن يدرسن"، لن ناصبٌ، إذن فالمضارع بعدها حُكْمُه النَّصب، وعلامة النَّصب الأصلية الفتحة، هل قبل المضارع هنا فتحةٌ علامة النَّصب؟ لا، وإنما سُكِّنَ.

نأتي إلى الجزم، الطالبات لم يدرسن، هذا سبق بجازمٍ، والفعل هنا أيضًا ساكنٌ، هل ساكنٌ لأنه مجزومٌ؟ أم نفس السكون الموجود في الرفع والناصب؟ نفس السكون في الرفع والنَّصب؛ لأن المضارع إذا اتصلت به نون النسوة، فإنه يبنى على السكون، ما معنى يبنى؟ ثابتٌ أو متغيرٌ؟ ثابتٌ.

الفعل هنا مع نون النسوة ثابتٌ أم متغيرٌ؟ ثابت، ثبت على ماذا؟ على السكون، فنقول: إن المضارع إذا اتصلت به نون النسوة فإنه يُبنى على السكون، يعني يثبت على السكون، والسكون حينئذٍ لا علاقة لها بالإعراب، وإنما هي حركة بناءٍ.

والحالة الثانية لبناء المضارع: إذا اتصلت بها نون التوكيد، كقولك: "هل تذهبنَّ"، "لا تذهبنَّ"، هل تذهبنَّ.

هل: "حرف استفهامٍ"، وتذهبنَّ عبارةٌ عن الفعل تذهب المختوم بالباء، ونون التوكيد، وهي نونٌ مشددةٌ، أو نونٌ ساكنةٌ، مُشددةٌ للتوكيد القوي، وساكنةٌ للتوكيد الخفيف.

إذا قلت: هل تذهبَنَّ، ماذا وضعنا على آخر الفعل وهو الباء في تذهب؟ هل تذهبنَّ، وضعنا فتحًا، الفعل هنا هل سُبق بناصبٍ "أن لن كي إذن"؟ لا،  ولم يسبق بجازمٍ، لأن "هل" استفهاميةٌ ليست من النواصب ولا من الجوازم.

إذن ما حكم المضارع هنا؟ الرفع أم النَّصب أم الجزم؟

لم يُسبق بناصبٍ ولا بجازمٍ، فحكمه حينئذٍ الرفع، ومع ذلك لم يقبل علامة الرفع الضمة، بل فُتِحَ.

نأتي إلى الجزم، "لا تذهبَنًّ"، "لا" ناهيةٌ، ولا الناهية من جوازم المضارع، إذن فالفعل تذهب ما حكمه هنا الرفع أو النَّصب أو الجزم؟

الجزم، وعلامة الجزم الأصلية السكون، ومع ذلك لم يُسكن الفعل هنا، وإنما بقي مفتوحًا، في الرفع مفتوحٌ، وفي الجزم مفتوحٌ، فدل على أنَّ الفتح حينئذٍ فتحة بناءٍ، ولا علاقة لها بالإعراب.

إذن الفعل المضارع إذا اتصلت به نون النسوة أو نون التوكيد، فإنه حينئذٍ لا يقبل علامات الإعراب، بل يلزم حالةً واحدةً، فينتقل حينئذٍ من الإعراب إلى البناء.

لو قلنا: "لا تلعبْ"، لا: ناهيةٌ جازمةٌ، و تلعبْ: فعلٌ مضارعٌ حُكْمُه الجزم، نقول: مضارعٌ مجزومٌ، أم مضارعٌ في محل جزمٍ؟

مجزومٌ، قلنا قبل قليلٍ: المعرب تقول: مجزومٌ، والمبني في محل جزمٍ، هنا معربٌ أم مبنيٌّ؟ معربٌ، نقول: مضارعٌ مجزومٌ، وعلامة جزمه السكون، لكن لو قلنا: "لا تلعبَنَّ"، "لا" أيضًا جازمةٌ، فالجزم وقع على الفعل، إلا أن الفعل مبنيٌّ، يعني: لا يقبل علامة الجزم، معناه مبنيٌّ يعني: يلزم حركته، ولا يقبل علامة الإعراب.

فالفعل حينئذٍ مجزومٌ أو في محل جزمٍ؟

نقول: مضارعٌ في محل جزمٍ، ولا يصح أن نقول: مجزومٌ؛ لأنك إذا قلت مجزومٌ، فقد حكمت عليه بأنه معربٌ، قبل علامة الإعراب، والصحيح أنه مبنيٌّ، وليس معربًا.

هذا ما يتعلق بالفعل المضارع، ننتقل الآن إلى الأسماء.

الأسماء معربةٌ أم مبنيةٌ؟

{مبنيةٌ ومعربةٌ}.

الأسماء بعضها مُعربٌ، وبعضها مبنيٌّ، وأكثر النحو يدور على الأسماء، فالأصل والأكثر في الأسماء أنها معربةٌ.

تقول:

  • "محمدٌ، محمدًا، محمدٍ" متغير.
  • "البابُ، البابَ، البابِ" متغير.
  • "جالسٌ، جالسًا، جالسٍ" متغير.
  • "الجلوسُ، الجلوسَ، الجلوسِ"، أسماء متغيرة.
  • "الأطفالُ، الأطفالَ، الأطفالِ"، أيضًا معرب متغير، فالأصل في الأسماء أنها معربة.

ماذا نقول في: "سافر محمدٌ"؟

محمدٌ فاعلٌ، مرفوعٌ أو في محل رفعٍ؟

{مرفوع}.

مرفوعٌ لأنه معربٌ، نقول: فاعلٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة.

لو قلت: سافر المهندسون.

فاعلٌ مرفوعٌ، لأننا نقول: المهندسون - المهندسين، تغير، متغيرٌ معربٌ، لكن سافر المهندسون، نقول: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو، كما سيأتي لأنه جمع مذكر سالم.

ولو قلت في النَّصب: "أكرمتُ محمدًا"، محمدًا المكرِم أم المكرَم؟ المكرَم، الفاعل أو المفعول به؟ مفعولٌ به، إذن مفعولٌ به منصوب أو في محل نصبٍ؟ مفعول به منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة؛ لأنه مُعربٌ.

أكرمت المهندسين، مفعولٌ به منصوبٌ، وعلامة نصبه الياء.

سلمتُ على محمدٍ، على حرف جر، ومحمدٍ اسمٌ مجرورٌ أو في محل جرٍّ؟ مجرورٌ وعلامة جره الكسرة وهكذا.

والمبني في الأسماء فرعٌ قليلٌ، الأسماء المبنية قليلةٌ؛ لأنها خلاف الأصل، الأصل في الأسماء الإعراب، فالأسماء المبنية عشرة أسماء، لابد من حفظها، أو على الأقل استظهارها، والمراد بالاستظهار، أنها إذا وردت عليك تعرف أنها من الأسماء المبنية، لكي تعاملها معاملة المبنيات.

نبدأ بالأسماء المبنية واحدًا واحدًا.

الاسم المبني الأول: الضمائر كلها مبنيةٌ، وشرحنا من قبل الضمائر، قد تكون مُنفصلةً، كـ "أنا، ونحن، وأنت، وهو، وإياي، وإياك"، وقد تكون متصلةً، كـ "واو الجماعة" في: ذهبوا، و "تاء المتكلم" في: ذهبتُ، وكـ "نون النسوة" في: يذهبن، وهكذا.

والضمائر كلها مبنيةٌ، يعني: أن حركاتها لا علاقة لها بالإعراب، ونقول في إعرابها حينئذٍ: مرفوعٌ أو في محل رفعٍ؟

{في محل رفعٍ}.

منصوبٌ أو في محل نصبٍ؟

{في محل نصبٍ}.

مجرورٌ أو في محل جرٍّ؟

{في محل جرٍّ}.

نقول: في محل.

لو قلت مثلًا: ذهبت محمدٌ، محمدٌ فاعلٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة.

لو قلت: ذهبتُ، من الذي فعل الذهاب؟ من الذاهب؟

المتكلم، أين المتكلم في الجملة؟

"التاء"، تاء المتكلم، هذه تاؤه، والفاعل: كل اسمٍ دَلَّ على مَن فَعَلَ الفِعلَ.

ما إعراب التاء؟ فاعل، نقول في إعرابها: فاعلٌ، لكن فاعلٌ مرفوعٌ، أو فاعلٌ في محل رفعٍ؟

{فاعلٌ في محل رفعٍ}.

فاعلٌ في محل رفعٍ، مبنيٌّ على الضم.

ذهبوا، أعرب واو الجماعة.

فاعل في محل رفع مبني على السكون.

لو قلت مثلًا: "أحب محمدًا"، محمدًا: فاعلٌ أو مفعولٌ؟

{مفعول}.

مفعولٌ به منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة، لكن: أحبك، كاف المخاطب، أعرب كاف المخاطب في أحبك؟

{ضميرٌ مبنيٌّ}.

ضمير نوعه، أريد الإعراب، فاعلٌ أو مفعولٌ به؟

مفعول به، لكن نقول: مفعولٌ به في محل نصبٍ، مبنيٌّ على الفتح.

ولو كنت تخاطب أنثى، كنت تقول: أحبكِ، أعرب الكاف، مفعولٌ به في محل نصبٍ أو منصوبٌ؟

في محل نصبٍ؛ لأنه ضمير مبنيٌّ، مفعولٌ به في محل نصبٍ مبنيٌّ على الكسر.

"أحبكَ" فتح، "أحبكِ" كسر، تغيرت الحركة أو ما تغيرت؟

تغيرت، لكن الكاف، "أحبكَ" هذا ضمير، "أحبكِ" ضميرٌ آخر.

"أحبكَ" فُتح؛ لأنه لمذكر، لا لأنه منصوبٌ.

أحبكِ لماذا جُر؟ لأنه مجرورٌ؟ لا، لأنه مؤنثٌ، يعني الفتح والجر هنا لا علاقة لهما بالإعراب، لكن للتذكير والتأنيث شأنٌ آخر.

هذا ما يتعلق بالضمائر.

الاسم المبني الثاني: أسماء الإشارة، سوى المثنى، سبق أن شرحنا أسماء الإشارة، "هذا" وإخوانه، "هذا، وهذه، وهذان، وهاتان، وهؤلاء"، قلنا: سوى المثنى، أخرجنا هذان وهاتان، ماذا بقي من أسماء الإشارة؟ هذا، وهذه، وهؤلاء.

أسماء الإشارة كلها مَبنيةٌ على حركات أواخرها، ماذا تقول في: جاء هذا؟ فاعلٌ مرفوعٌ أو في محل رفعٍ؟ في محل رفعٍ، مبنيٌّ على السكون.

جاء هؤلاءِ، الذي ما يفرق بين المعرب والمبني، يغره لفظ الكلمة، وتغره الحركة، فيقول: هؤلاء اسم مجرورٍ، لماذا مجرورٌ؟ لأن هذه الحركة حركة إعرابٍ، علامة إعرابٍ، لأنه لا يفرق بين المعربات والمبنيات، لا، هذه مبنيٌّ، المبني لا تأخذ إعرابها من لفظها، وإنما تنظر إلى جملتها، جاء هؤلاءِ، هؤلاء الذين فعلوا المجيء، إذن ما إعرابهم؟ فاعلٌ، مرفوع أو في محل رفعٍ؟ في محل رفعٍ مبنيٌّ على الكسر.

قال: سوى المثنى، يعني أن المثنى "هذان وهاتان" معرب أو مبني؟

معرب، معرب يعني متغير أم ثابت؟

متغير، تقولون في الرفع: "جاء هذان"، و "أكرمت هذين"، و "سلمت على هذين"، و "جاءت هاتان"، و "أكرمت هاتين"، و "سلمت على هاتين"، متغير، رفع ألف وياء، صحيح معرب.

كيف نعرب: جاء هذان؟

نقول: فاعلٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الألف كالمثنى.

"أكرمت هذين"، مفعولٌ به منصوبٌ، وعلامة نصبه الياء.

"سلمت على هذين"، اسمٌ مجرورٌ، وعلامة جره الياء.

الاسم المبني الثالث: قال: الأسماء الموصولة، شرحناها من قبلٌ، المعرفة والنكرة.

ماذا نريد بالأسماء الموصولة؟ الذي وإخوانه، "الذي، التي، واللذان، واللتان، والذين، واللاتي، واللائي".

قال: سوى المثنى، أخرج "اللذان واللتان"، يبقى: "الذي، والتي، والذين، واللاتي، واللائي"، هذه مبنية على حركات أواخرها، تقول: "جاء الذي أحبه"، ما إعراب الذي؟

فاعل في محل رفعٍ مبنيٌّ على السكون.

"جاء الذين أحبهم"، الذين: فاعلٌ في محل رفعٍ مبنيٌّ على الفتح.

"سلمت على الذين أحبهم"، على حرف جرٍ، والذين اسمٌ مجرورٌ أو في محل جرٍّ؟

في محل جرٍّ، مبنيٌّ على الفتح.

قال: سوى المثنى، إذن فـ "اللذان واللتان" معربٌ أو مبنيٌّ؟

معربٌ؛ لأنهما مُتغيرتان، تقول في الرفع: "جاء اللذان أحبهما"، وفي النَّصب: "أكرمت اللذين أحبهما"، وفي الجر: "سلمت على الذين أحبهما".

يعرب إعراب المثنى، "جاء اللذان"، فاعلٌ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الألف.

"سلمت على اللذين"، على حرف جرٍ، واللذين اسمٌ مجرورٌ، وعلامة جره الياء.

ذهبت العشرة وما جاءت الخمسة.

الاسم المبني الرابع: أسماء الاستفهام.

الاستفهام: أسلوبٌ عربيٌّ مشهورٌ معروفٌ، وله أدواتٌ كثيرةٌ، مثل: "هل، والهمزة، ومَن، من أبوك؟ ومَا ما اسمك؟ وكَم مالك؟ ومتى تسافر؟ وأين تسكن؟ إلى آخره... "

أدوات الاستفهام، نعود للضرورة الأولى، أسماء أم حروف؟

كلها أسماء إلا "هل والهمزة"، فـ "هل والهمزة" حرفان.

كيف نعرب هل والهمزة؟

إعراب ما قبل خط الإعراب؟ أو ما بعد خط الإعراب؟

ما قبل خط الإعراب، يعني: إعرابهما ثابتٌ ما يتغير.

"هل" دائمًا حرف استفهامٍ مبنيٌّ على السكون لا محل له من الإعراب.

"أذهب محمدٌ؟"، الهمزة حرف استفهامٍ، مبنيٌّ على الفتح، لا محل له من الإعراب، دائمًا إعرابها هكذا، وبقية أدوات الاستفهام أسماء. إذن تعرب إعراب الأسماء ما بعد خط الإعراب.

يقول: كل أسماء الاستفهام مبنيةٌ إلا "أيٌ"، "أي" أيضًا تأتي استفهامًا، فأنت في "مَنْ" مثلًا، تقول: مَن أبوك؟ سكون.

من عندك؟ سكون.

بمن تمر؟ سكون. بمن مسبوقة بحرف جر.

من عند؟ مبتدأ، من أبوك؟ "مَن" خبر مقدم، من تحب؟ مَن مفعولٌ به مقدمٌ، ومع ذلك لزمت السكون.

ماذا نقول في إعراب: بمن تمر؟ الباء: حرف جر، ومن: اسم استفهام، في محل جرٍّ مبنيٌّ على السكون.

مَن عندك؟ مَن: مبتدأ مرفوعٌ أو في محل رفعٍ؟ في محل رفعٍ، مبنيٌّ على السكون، إلا أي، تقول: أيُّ رجلٍ عندك؟ أيَّ رجلٍ تحب؟ بأيِّ رجلٍ تمر؟ استفهام، لكنها تقبل علامات الإعراب.

في الرفع: أيُّ رجلٍ عندك، مبتدأ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة.

في النَّصب: أيَّ رجلٍ تحب؟ أيَّ مفعولٌ به، مقدمٌ منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة.

بأيِّ رجلٍ تمر، الباء حرف جر، وأي اسمٌ مجرورٌ، وعلامة جره الكسرة.

وإعراب أسماء الاستفهام يحتاج إلى شيءٍ من التركيز، وقد تكلمت على إعرابها في شرحي للموطأ، في بيان طريقة الإعراب، وهو موجودٌ في الإنترنت.

الاسم المبني الخامس: أسماء الشرط.

الشرط أيضًا أسلوبٌ عربيٌّ مشهورٌ، أنت ترتب شيئًا على شيءٍ، إن حدث الأول حدث الثاني، وإلا فلا، وله أدواتٌ كثيرةٌ، مثل:

  • "إن"، إن تجتهدْ تنجحْ.
  • مَن يجتهدْ ينجحْ.
  • مهما تجتهدْ تنجحْ.
  • أي يجتهدْ ينجحْ.
  • متى تسافرْ تستفدْ.
  • أين تسكنْ أسكنْ بجوارك.

طبعًا فيه تشابهٌ بين أدوات الشرط والاستفهام، والفاصل بينهما المعنى، إن كان المعنى استفهامًا فهي استفهامٌ، مَن أبوك؟ وإن كان المعنى شرطًا فهذا شرطٌ، مَن يجتهدْ ينجحْ.

أدوات الشرط أسماءٌ أم حروفٌ؟ كلها أسماء إلا "إن وإذ ما"، حرفان.

كيف نعرب إن وإذ ما؟

إعراب الحروف، إن تجتهدْ تنجحْ، إذ ما تجتهدْ تنجحْ.

تقول: "إن وإذ ما" حرف شرط، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، وبقية أدوات الشرط أسماء، تعرب أعراب الأسماء، مبتدًا، خبرًا، مفعولًا به، مفعولًا مطلقًا، مسبوقًا بحرف جرٍ، وهكذا.

تقول: من يجتهدْ ينجحْ، من مبتدأ، ومع ذلك ساكن.

من تحب أحب، من مفعول به مقدم.

بمن تمر أمر، مسبوقةٌ بحرف جر، ومع ذلك ساكنةٌ، الرفع والنَّصب والجر، تقول: من اسم شرطٍ، مبنيٌّ على السكون، في محل رفعٍ، في محل نصبٍ، في محل جرٍ.

إلا أي، فهي أيضًا تأتي شرطًا، تقول: أيُّ طالبٍ يجتهد ينجح، مبتدأ مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة.

أيَّ رجلٍ تحب أحب، أيَّ مفعول به منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة.

بأيِّ رجلٍ تمر أمر، الباء حرف جر، وأيِّ اسمٌ مجرورٌ، وعلامة جره الكسرة.

الآن شرحنا من الأسماء المبنية، خمسة أسماءٍ، بقيت خمسة أسماء، سنبدأ -إن شاء الله- الدرس القادم بشرحها، ثم نكمل طريقة الإعراب، وجزاكم الله خيرًا على حسن الحضور، والمشاهدين على حسن الإنصات، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل هذا الدرس نافعًا مباركًا مفيدًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك