الدرس الثالث

فضيلة الشيخ د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

12400 11
الدرس الثالث

ملحة الإعراب (1)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وحياكم الله وبيّاكم في هذه الليلة ليلة الأربعاء السابع عشر من شهر محرم من سنة ثمانٍ وثلاثين وأربعمائة وألفٍ.

ونحن في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، ونعقد هذا الدرس من مدينة الرياض حرسها الله.

وهذا هو الدَّرسُ الثَّالثُ من دروس شَرحِ مُلْحَةِ الإِعْرَابِ للحريري البصري عليه رحمة الله.

كنا توقفنا في آخر الدَّرس الماضي على الكلام على الفعل الماضي، فذكر الحريري رحمه الله تعالى زمانه وذكر حركته، وشرحنا ذلك، وفي آخر الدَّرسِ قلنا الخلاصة في ذلك بسرعةٍ، نريد أن نعيدها لكي نركز على جزئيةٍ منها لم نركز عليها في الدَّرسِ الماضي.

قال الحريري رحمه الله تعالى فيما قرأناه في الدَّرسِ الماضي في باب قِسمةِ الأفعالِ:

فكلُّ ما يَصلُحُ فيهِ أَمسِ
 

فإنهُ ماضٍ بغيرِ لَبْسِ
  

وحُكمُهُ فَتحُ الأخيرِ منهُ
 

كَقولِهِم سَارَ وبَانَ عنهُ
  

شرحنا ذلك وقلنا: إنَّ الخُلاصَة في حركة الفعل الماضي أنَّ الفعل الماضي مبنيٌّ على الفتح دائمًا، إلا أنَّه يُبنى على الفتح الظاهر، ويُبنى على الفتح المقدر.

فيُبنى على الفتح الظاهر: كقولك: "ذهب"، و "دحرج"، و "انطلق"، و "استخرج"، وكذلك "كان" و "ليس" و "ظنَّ".

ويُبنى على الفتح المقدر في ثلاثة مَواضع، أشار إليها النَّاظِمُ وشرحناها:

الموضع الأول: إذا كان الفعل الماضي مختومًا بألفٍ، كـ "دعا"، و "رمى"، و "قضى"، و "هدى"، فإنه يكون حينئذٍ مبنيًّا على "الفتح المقدر"، والمانع له من الظهور "التعذر"، والمراد بالتعذر الاستحالة؛ لأن الألف في العربية مُلازمةٌ للسكون، فلهذا صار تحريكها بأي حركةٍ، بالفتحة أو الضمة أو الكسرة مُتعذرًا، أي: مُستحيلًا؛ لأنك لو حركتها بفتحةٍ أو ضمةٍ أو كسرةٍ فإنها ستنتقل من الألف -أي: الألف المدية- إلى الهمزة، وهو حرفٌ آخر؛ فلهذا صار تحركيها متعذرًا مستحيلًا فيقولون: منع من ظهور الحركة التعذر.

الموضع الثاني لبناء الفعل الماضي على الفتح المقدر: إذا اتصل بالفعل الماضي واو الجماعة، كقولك: "ذهبوا"، و "دحرجوا"، و "انطلقوا"، و "استخرجوا"، و "كانوا"، ونحو ذلك.

فيقولون: إنَّ الفعل الماضي حينئذٍ مبنيٌّ على الفتح المقدر؛ لأن الأصل في "ذهبوا"، "ذهب" ثم أسندتَه وصلتَه ب "واو الجماعة"، إذن فـ "ذهبوا" كلمتان الكلمة الأولى، "ذهب"، والكلمة الثانية "واو الجماعة"، و "واو الجماعة" كما تعلمون ضميرٌ ساكنٌ.

فكان القياس المهجور الذي تركته العرب أن يقال: ذَهَبَ ثم يؤتى بالواو الساكنة "واو الجماعة" فيقال: ذَهَبَوا، هذا ممكنٌ، ليس متعذرًا، مستحيلًا، ولكنه ثقيلٌ، الثِّقل حدث هنا من كون الواو لم تُسبق بما يناسبها وهو الضَّمُّ، تخلصت العرب من هذا الثقل بضمِّ ما قبل الواو يعني بضمِّ آخر الفعل الماضي، وهو الباء في ذهب، فالذي حدث أنَّ آخِرَ الفعل "ذهب"، عندما قالت العرب: "ذهبوا"، اجتمع عليه حركتان:

  • الحركة الأولى الفتح، حركة البناء "ذهب".
  • والحركة الثانية: الضم، الحركة المناسبة للواو، ولا يمكن أن تظهر الحركتان على آخر الفعل، فالذي حدث أنَّ حركة المناسبة غطت حركة البناء ومنعتها من الظهور.

فحركة البناء إذا قلت: ذهبوا موجودةٌ، إلا أنَّ حركة المناسبة غطتها ومنعتها من الظهور.

لماذا نقول: إنها موجودةٌ؟

لأنها حركة البناء، الفعل الماضي مبنيٌّ على الفتح، فالحركة موجودةٌ، لكن الضم المجلوب للمناسبة غطى الفتح ومنعه من الظهور، فلهذا يقولون عند إعراب ذهبوا، فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح المقدر منع من ظهوره حركة المناسبة.

فبان من ذلك أنَّ الضم في ذهبوا حركة بناءٍ أم حركة مناسبةٍ؟

حركة مناسبةٍ، ونحن نسأل الآن ونبحث عن حركة البناء، الفعل الماضي يُبنى على ماذا؟

على الفتح، إذن هنا مبنيٌّ على الفتح المقدر.

الموضع الثالث لبناء الفعل الماضي على الفتح المقدر: إذا اتصل به "تاء المتكلم" كـ "ذهبتُ"، أو "ناء المتكلمين"، كـ "نحن ذهبنا"، أو "نون النسوة"، نحو: "النسوة ذهبن اليوم"، أو "الطالبات درسن".

فالعرب تقول: "ذهبتُ"، و "ذهبتُ" كلمتان، الكلمة الأولى: الفعل الماضي "ذهب"، والكلمة الثانية: "تاء المتكلم" وهو ضميرٌ، لكنه متصلٌ.

وكان القياس المهجور الذي تركته العرب أن تقول: "ذهب" ثم تصل به تاء المتكلم، "ت" فتقول: "ذهبتُ"، "أنا ذهبتُ"، هذا القياس المهجور المتروك، لماذا هجرته وتركته العرب؟

طبعًا ليس للتعذر، ننطلق به الآن، ولكنه للثقل، الثقل هنا نشأ من ماذا؟

نشأ من توالي أربع متحركاتٍ فيما هو كالكلمة الواحدة، ليس في كلمةٍ واحدةٍ كلمتان، ذهب والتاء، لكن التاء هنا ضميرٌ متصلٌ، فيتصل بالكلمة، فلهذا يأخذ حكم الكلمة الواحدة.

فهذا الثقل الذي حدث من توالي أربع متحركاتٍ تخلصت العرب منه في إسكان آخر الفعل الماضي، وهو الباء في ذهب.

فقالت بدل ذَهَبَتُ: "ذَهَبْتُ"، إذن فاجتمع على آخر الفعل الماضي "ذهب" في "ذهبت" الفتح، حركة البناء "ذهب"، والسكون المجلوب للتخلص من توالي أربع متحركاتٍ، ولا يمكن أن تضع على الحرف فتحةً وسكونًا، أن تنطلق الحرف بفتحةٍ وسكونٍ.

الذي حدث أنَّ السكون المجلوب للتخلص من توالي أربع مُتحركاتٍ غطى الفتح حركة البناء ومنعها من الظهور.

فلهذا نقول في الإعراب في ذهبْتُ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتح المقدر منع من ظهوره السكون المجلوب للتخلص من توالي أربع مُتحركاتٍ.

ظهر من ذلك أنَّ الفعل الماضي مبنيٌّ على الفتح دائمًا، إلا أنَّ هذا الفتح إمَّا أن يكون ظاهرًا إذا لم يكن هناك مانعٌ، وإمَّا أن يكون مُقدرًا في ثلاثة مواضع وهي التي شرحناها قبل قليلٍ.

هذا هو قول النحويين المحققين.

هناك قولٌ آخر يذكر في بعض الكتب التعليمية، وهو أنهم يقولون: إن الفعل الماضي مبنيٌّ على حركة آخره، فـ "ذهب" مبنيٌّ على الفتح، و "ذهبْتُ" مبني على السكون، و "ذهبُوا" مبني على الضم.

هذا المذهب في حقيقته هو مذهبٌ تعليميٌّ، ليس مذهبًا علميًّا، لم يقل به عالمٌ، يقول هذا هو القول الصحيح الراجح الذي تدل عليه الأدلة، لا، القول الصحيح في المسألة الحقيقة أن الفعل الماضي مبنيٌّ على الفتح، لكن بعض النحويين في الكتب التعليمية لكي يسهل الأمر على الطلاب يقول إن الماضي مبنيٌّ على حركة آخره.

فهذا كل مَا يتعلق بالفعل الماضي، لننتقل جميعًا إن شاء الله إلى الكلام على الفعل القادم وهو فعل الأمر.

نخرج الأبيات على الشاشة ويتفضل الأخ سعد بقراءة ما قاله الحريري البصري رحمه الله في باب فعل الأمر.

{الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد..

فاللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وجميع المسلمين..

قال الحريري رحمه الله:

والأمرُ مبنيٌّ على السُّكُونِ
 

مِثَالُهُ احذَرْ صَفْقَةَ المَغبُونِ
  

وإنْ تَلاهُ أَلِفٌ وَلامُ
 

فَاكسِرْ وقُلْ لِيَقُمِ الغُلامُ
  

وإنْ أَمَرتَ مَنْ سَعى ومَن غَدَا
 

فأَسقِطِ الحَرفَ الأخيرَ أبَدَا
  

تقولُ يا زيدُ اغدُ في يومِ الأحَدْ
 

واسعَ إلى الخَيراتِ لُقِّيتَ الرَّشَدْ
  

وهكذا قَولُكَ في ارمِ مِنْ رَمَى
 

فَاحذُ على ذلكَ فيما اسْتُبهِما
  

والأمرُ مِنْ خَافَ خَفِ العِقَابَا
 

ومِنْ أجَادَ أجِدِ الجَوَابَا
  

وإن يكُن أمرُكَ للمُؤنَّثِ
 

فقُلْ لهَا خَافي رِجَالَ العَبَثِ}
  

نعم، كما رأيتم ذكر في باب الأمر عدة أبياتٍ مع أنَّ الأمر أسهلَ مِن ذَلك، إلا أنَّه رحمه الله كما ذكرنا في أول الدرس يُطيل في ذِكرِ الأمثلة، وتوضيح المسألة.

ذكر في هذه الأبيات -رحمه الله تعالى- شيئًا واحدًا وهو حركة فعل الأمر، وكان من قبل ذَكَرَ علامته المميزة التي تُميزه عن غيره، عن أخويه، وكذلك عن الاسم والحرف، وسبق أنها الدلالة على الأمر مع كونها مشتقًّا، وشرحنا ذلك.

أمَّا هنا فذكر أنَّ فعل الأمر مبنيٌّ على السكون، حركته أنه يُبنى على السُّكون، معنى ذلك أنه كالفعل الماضي، من جملة المبنيات التي لا تتأثر بالإعراب.

وهذا قوله رحمه الله:

والأمرُ مبنيٌّ على السُّكُونِ
 

مِثَالُهُ احذَرْ صَفْقَةَ المَغبُونِ
  

المثال الذي ذكره هو فعل الأمر، "احذرْ"، نقول في إعرابه: فعل أمرٍ مَبنيٌّ على السُّكونِ.

ومثال ذلك أيضًا: "اذهبْ" و "أكرمْ"، و "انطلقْط، و "استعلمْ".

إذن فعل الأمر يُبنى على ماذا؟ على السكون، آخره يكون ساكنًا.

فإذا لقي آخِر فعل الأمر الساكن ساكنًا بعده؛ فإن هذا سيؤدي إلى التقاء ساكنيْن، فسنحتاج إلى التَّخلص من التقاء الساكنين بتحريك آخِر فعل الأمر بكسرةٍ يسمونها كسرة التخلص من التقاء الساكنين.

مثال ذلك أن تقول: "اذهبِ اليوم"، الأصل: "اذهبْ" فعل أمرٍ مبنيٌّ على السكون، جاء بعده كلمة "اليوم"، و "اليوم" مبدوء بــ "ال"، و "ال" كما تعرفون تتكون من همزة الوصل واللام، أما همزة الوصل فتسقط في وسط الكلام، فتكون الكلمة حينئذٍ إذا سقطت الهمزة تكون مبدوءةً بــ "اللام"، و "اللام" كما تسمعون اليوم، ساكنةٌ.

فالخلاصة أن:

"اذهب" ستكون مختومةً بساكنٍ، و "اليوم" إذا حذفت الهمزة ستكون مبدوءةً بساكنٍ، فيلتقي ساكنان، فتتخلص العرب من ذلك بكسر آخر فعل الأمر، فيقول: "اذهبِ اليوم".

وكذلك: "أكرم" .. نقول: "أكرمِ الرجل"، وانطلق: "انطلقِ الآن"، وهكذا.

فعل الأمر ما زال مبنيًّا على السكون، لكن السكون الظاهر أم المقدر هنا؟

سيكون مقدرًا؛ لأن حركة التخلص من التقاء الساكنين غطت السكون، ومنعته من الظهور، فنقول في إعراب اذهب من: "اذهب اليوم": فعل أمرٍ مبنيٌّ على السكون المقدر منع من ظهوره حركة التخلص من التقاء الساكنين.

وهذا هو قول الحريري:

وإنْ تَلاهُ أَلِفٌ وَلامُ
 

فَاكسِرْ وقُلْ لِيَقُمِ الغُلامُ
  

مثاله الذي ذكره، هو: لِيَقُمِ، "لِيَقُمِ" هذا فعلٌ مختومٌ بالميم الساكنة، وجاء بعده الغلام، فالتقى ساكنان، فكُسر آخر الفعل فقيل: "لِيَقُمِ الغلام".

اللام في لِيَقُمِ هذا حرف أمرٍ يجزم الفعل الْمُضَارِع، و "يَقُمِ" فعل مضارعٍ مجزومٌ بلام الأمر وعلامة جزمه السكون الظاهر أم المقدر؟

المقدر منع من ظهور حركة التخلص من التقاء الساكنين.

ومثال الناظم على ذلك دقيقٌ أم ليس دقيقًا؟

ليس دقيقًا، لأن المثال المذكور هنا مثالٌ للفعل الْمُضَارِع، والكلام على فعل الأمر، نعم التخلص من التقاء الساكنين يكون في الماضي ويكون في الأمر، ويكون في الْمُضَارِع المجزوم، هذا صحيحٌ، لكن الكلام الآن على فعل الأمر.

فبان من ذلك أن فعل الأمر يُبنى على ماذا؟

على السكون، هذا هو الأصل، الأصل في فعل الأمر أنه يُبنى على السكون إلا في حالتين، فإنه يبنى على غير السكون:

- الحالة الأولى: إذا كان آخر فعل الأمر حرف علةٍ، وحروف العلة كما تعرفون هي: "الألف والواو والياء" مجموعة في قولك: "واي".

فالمختوم بالواو كفعل الأمر "ادعُ" من: "دعا يدعو"، والمختوم بالياء في قولك: "اقضِ" مِن: "قَضَى يقضي"، والمختوم بالألف كما في قولك: "اسعَ"، من: "سعى" "يسعى".

ففعل الأمر إذا كان مختومًا بحرف علةٍ فإنه يُبنى على حذف حرف العلة، فتقول في الأمر من دعا يدعو: "ادعُ"، ومن قضى يقضي: "اقضِ"، ومن سعى يسعى: "اسعَ".

نقول في إعرابها: فعل أمرٍ مبنيٌّ على حذف حرف العلة.

فإذا وقفتَ فإنك ستسكن آخر الفعل على القاعدة أن الوقوف يكون بالسكون، فإذا وصلتَ فإنك ستحرك الحرف الموقوف عليه بحركته التي كانت له في الْمُضَارِع.

نحن في يدعو، نبنيه للأمر بحذف الواو فقط، العين وحركة العين لا علاقة لنا بهما، العين حركتها الضم، يدعو، طيب احذف الواو في الأمر نقول: ادعُ، والعين تبقى على ضمها، فإن وقفت ادع وإن وصلت ادعُ إلى ربك.

طيب يقضي، الضاد مكسورةٌ، وفي الأمر نحذف الياء فقط، الضاد وكسرتها لا علاقة لنا بهما، نقول: اقض، فإذا وصلنا اقضِ بالحق.

يسعى، العين مفتوحةٌ، في الأمر نحذف الأمر والعين وفتحتها لا علاقة لنا بهما، إن وقفنا بالسكون، وإن وصلنا بحركتها في الْمُضَارِع، نقول اسعَ إلى الخير.

- والحالة الثانية التي يبنى فيها الأمر على غير السكون: إذا اتصل بفعل الأمر "ياء المخاطبة"، كـ "خافي"، أو "واو الجماعة"، كـ "خافوا"، أو "ألف الاثنين"، كـ "خافا".

فحينئذٍ يبنى فعل الأمر على حذف النون.

فما فعل الأمر من خافوا يخافون: خافوا، هذا فعل الأمر من ماذا؟ من خافوا يخافون، ففعل الأمر خافوا نقول فعل أمرٍ مبنيٌّ على حذف النون.

وإذا قلت: "خافا يا رجلان"، فخافا فعل الأمر من خاف يخافان.

وإذا قلت: "خافي يا هند"، فهذا فعل الأمر من تخافين.

ففعل الأمر هنا مبنيٌّ على حذف النون، فإذا قيل لك: أين النون التي في خافوا وخافا وخافي، وحذفت؟

نقول: هي النون التي كانت في الْمُضَارِع؛ لأنَّ القاعدة تقول: إنَّ الأصل في الأفعال الفعل الماضي، ومنه يؤخذ الفعل الْمُضَارِع، ومن الفعل الْمُضَارِع يؤخذ فعل الأمر، فأنت في "تخافون" ستأخذ فعل الأمر، فعل الأمر يكون بحذف حرف الْمُضَارِعة، "يخافون".

احذف حرف الْمُضَارِعة فكان ينبغي أن يقال: "خافون"، إذا حذفت حرف الْمُضَارِعة، خافون، النون موجودةٌ، ثم حذفنا حرف النون لبناء فعل الأمر على حذفها، فنقول: خافوا، وهكذا في خافا وخافي.

وهذا الذي ذكره الحريري رحمه الله تعالى فقال:

وإنْ أَمَرتَ مَنْ سَعى ومَن غَدَا
 

فأَسقِطِ الحَرفَ الأخيرَ أبَدَا
  

تقولُ يا زيدُ اغدُ في يومِ الأحَدْ
 

واسعَ إلى الخَيراتِ لُقِّيتَ الرَّشَدْ
  

وهكذا قَولُكَ في ارمِ مِنْ رَمَى
 

فَاحذُ على ذلكَ فيما اسْتُبهِما
  

الأمثلة التي ذكرها هنا: "اغدُ" من "غدا يغدو"، و اسعَ" وهو من: "سعى يسعى"، و "ارم"ِ وهو من: "رمى يرمي"، وكذلك ذَكَرَ "احذُ" وهو من: "حذا يحذو".

نقول في إعرابها جميعًا: أفعال أمرٍ مبنيةٌ على حذف حرف العلة.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ [الصافات: 174]، مِن: تَوَلَّى يَتَولَّى، ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: 27] مِن: تَلى يَتلو، ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ [طه: 72] مِن: قَضَى يَقضِي، وتقول: "اتق الله"، من: "اتقى يتقي".

فلا تقل: "فتولى عنهم"، ولا تقل: "واتلو عليهم"، ولا تقل: "فاقضي ما أنت قاضٍ"، بل يجب حذف حرف العلة؛ ليكون فعل الأمر مبنيًّا على حذفه.

وقال الحريري أيضًا، في بيان ما يُبنى عليه فعل الأمر:

وَإِن يكُن أمرُكَ للمُؤنَّثِ
 

 

فقُلْ لهَا خَافي رِجَالَ العَبَثِ
 

هذا الموضع الثالث، الذي يُبنى فيه فعل الأمر على حذف النون، فذكر أنَّ فعل الأمر إذا اتصلت به ياء المخاطبة، نحو خافي، وكذلك واو الجماعة، كخافوا، وألف الاثنين كخافا، فإنه يُبنى على حذف النون.

مثاله: خافي، وخافوا، وخافا، نقول: أفعال أمر مبنية على حذف النون.

وأما قول الحريري -رحمه الله تعالى:

والأمرُ مِنْ خَافَ خَفِ العِقَابَا
 

 

ومِنْ أجَادَ أجِدِ الجَوَابَا
 

فعل الأمر هنا خف، وأجد، وهذان من أفعال الأمر المبنية على السكون، يعني: ليس فيه بناءٌ جديدٌ، لكنه أراد أن يُبَين حُكمًا تصريفيًّا في نحو هذه الأفعال بسبب التقاء ساكنيْن، فإنَّ فِعلَ الأمر مِن: "خاف يخاف" يكون بإسكان آخره، يعني: بإسكان الفاء، ثم إنَّ هذه الفاء الساكنة، سيكون قبلها الألف يخاف.

قلنا: الأمر يؤخذ من الْمُضَارِع، والْمُضَارِع يخاف، نحذف ياء الْمُضَارِعة، صارت: خاف، سكن الفاء للأمر، الفاء الساكنة للأمر سُبقت بألف، والألف أيضًا ساكنة فالتقى ساكنان، فنحذف الألف لالتقاء الساكنين، فيكون فعل الأمر حينئذٍ خف، خف عقاباً، فعل أمرٍ مبنيٌّ على السكون.

ثم إن خف، قد يأتي بعده ساكنٌ، كما شرحنا ذلك من قبل، كأن تقول: خف العقاب، فستحرك الفاء بكسرة التخلص من التقاء الساكنين، فنقول في الإعراب: خف في خف العقاب، فعل أمرٍ مبنيٌّ على السكون المقدر، منع من ظهوره حركة التخلق من التقاء الساكنين.

وكذلك فعل الأمر مِن: "أجاد"، الأصل أنَّها "جاد"، ثم سنحذف الألف؛ لأنها ساكنةٌ، والدال ساكنةٌ للأمر فالتقى ساكنان، فنحذف الألف، فسنقول حينئذٍ:

"أجد" فعل الأمر من أجاد، الأصل أجاد يجيد، ثم نحذف حرف الْمُضَارِعة، فسيأتي الدال الساكنة، والياء الساكنة في يجيد، فتحذف الياء، فحينئذٍ سيبقى فعل الأمر على أجد من أجاد.

وكذلك "أجد" إذا جاء بعده ساكنٌ، ستكسر الدال، في نحو أجد، أجدِ الجواب، فيقال فيه ما قيل في الكلام السابق.

ومن ذلك أيضًا أن تقول: قمْ، قمِ الليل، وصمْ، صمِ النهار، وخفْ، خفِ الله، ونحو ذلك.

الخلاصة:

الخلاصة في بناء فعل الأمر، أنَّ فعل الأمر يُبنى على ثلاثة أشياءٍ:

يُبنى على السُّكُونِ، وهذا هو الأصل إذا كان صحيح الآخر، كقولك: اذهب، وانطلق، واستخرج، وقم، وخف.

ويُبنى على حذف حرف العلة، إذا كان آخره حرف علةٍ، كادعُ، واقضِ، واسعَ.

ويُبنى على حذف النون، إذا اتصلت به ألف الاثنين، كخافا، أو واو الجماعة، كخافوا، أو ياء المخاطبة كخافي.

بهذا نكون قد انتهينا من فعل الأمر، والحمد لله.

لننتقل بعد ذلك إلى الباب التالي، وهو باب الفعل الْمُضَارِع، تُخرج الأبيات على الشاشة، لكي يقرأها الأخ الكريم سعد، تفضل يا أخي.

{قال -رحمه الله:

وَإِن وَجدتَ همزَةً أَو تَاءَ
 

 

أَو نُونَ جَمعٍ مُخْبِرٍ أَو يَاءَ
 

قد أُلحِقَتْ أوَّلَ كلِّ فِعلِ
 

 

فإنهُ الْمُضَارِع المُستَعلي
 

وليسَ فِي الأفعالِ فِعلٌ يُعرَبُ
 

 

سِواهُ والتّمثيلُ فيهِ يَضرِبُ
 

والأحرُفُ الأربَعةُ المُتَابَعَهْ
 

 

مُسَمَّياتٌ أحرُفَ الْمُضَارِعهْ
 

وسِمطُهَا الحَاوي لهَا نَأَيْتُ
 

 

فاسمَعْ وَعِ القَولَ كَمَا وَعَيتُ
 

وضَمُّها مِن أصلِهَا الرُّباعي
 

 

مثلُ يُجيبُ مِن أجابَ الدَّاعِي
 

ومَا سِواهُ فَهْيَ منهُ تُفْتَتَحْ
 

 

وَلَا تُبَلْ أخَفَّ وَزنًا أم رَجَحْ
 

مثَالُهُ يذهَبُ زيدٌ ويَجِي
 

 

ويَستَجِيشُ تَارَةً ويَلتَجِي }.
 

يتكلم هنا -رحمه الله تعالى- على ثلاث مسائل في الفعل الْمُضَارِع:

المسألة الأولى: على أحرف الْمُضَارِعة.

والمسألة الثانية: إعراب الفعل الْمُضَارِع.

والمسالة الثالثة: حركة أحرف الْمُضَارِعة.

ذكر أحرف الْمُضَارِعة، وبيَّن أن الفعل الْمُضَارِع مُعربٌ، ثم بيَّن حركة أحرف الْمُضَارِعة.

بدأ بالمسألة الأولى، وهي: أحرف الْمُضَارِعة فقال:

وَإِن وَجدتَ همزَةً أَو تَاءَ
 

 

أَو نُونَ جَمعٍ مُخْبِرٍ أَو يَاءَ
 

قد أُلحِقَتْ أوَّلَ كلِّ فِعلِ
 

 

فإنهُ الْمُضَارِع المُستَعلي
 

يقول: الفعل الْمُضَارِع، هو الفعل الذي زِيد في أوله حرفٌ من أحرف الْمُضَارِعة، وهي: "الهمزة، النون، التاء، الياء"، نحو: "أذهب"، و "نذهب"، و "تذهب"، و "يذهب".

قوله: (مُخْبِرٍ) أَو نُونَ جَمعٍ مُخْبِرٍ، ماذا يريد بِمُخْبِرٍ؟

الذي يُخبر عن نفسه، يريد المتكلم.

(نُونَ جَمعٍ مُخْبِرٍ)، يعني: المتكلمين.

قوله: (المُستَعلي)، الْمُضَارِع المستعلي، يعني: المرتفع؛ لأنَّ الْمُضَارِع أعلى من الماضي وفعل الأمر؛ لأنَّه أقوى مِنهما شبهًا بالاسم، وينفرد عنهما بالإعراب، ولذا سماه النحويون: الفعل الْمُضَارِع.

الفعل الماضي؛ لأن زمانه في الأكثر الزمان الماضي، وفعل الأمر؛ لأنه يدل على الأمر.

والفعل الْمُضَارِع لماذا سُمي مُضارعًا؟

ما معنى مضارع؟ مضارعٌ يعني: مشابهٌ؛ لأنَّه الفعل الذي يُشَابِه الاسم في أشياءٍ كثيرةٍ، منها الإعراب وغيره، فلهذا يرون أنَّه أعلى من أخويه.

نصَّ بعد ذلك -رحمه الله- على اسم أحرف الْمُضَارِعة، فقال:

والأحرُفُ الأربَعةُ المُتَابَعَهْ
 

 

مُسَمَّياتٌ أحرُفَ الْمُضَارِعهْ
 

وسِمطُهَا الحَاوي لهَا نَأَيْتُ
 

 

فاسمَعْ وَعِ القَولَ كَمَا وَعَيتُ
 

فهي تسمى عند النحويين والصرفيين أحرف الْمُضَارِعة، وجمعها كما ذكر في نَأَيْتُ، بتسطير النون، وبعضهم يجمعها في: "أنيت"، بتقديم الهمزة، وبعضهم يجمعها في: "نأتي"، بتقديم النون. المهم هي أربعة أحرفٍ، كالتالي:

الحرف الأول من أحرف الْمُضَارِعة: الهمزة، وهي للمتكلم وللمتكلمة، فالمتكلم يقول: "أنا أذهب"، والمرأة تقول: "أنا أذهب".

الحرف الثاني من أحرف الْمُضَارِعة: النون، وهو للمُتَكَلِّمِينَ، وللمتكلماتِ، وللمتَكَلِّمَينِ، وللمتكلِّمَتَينِ.

الرجال يقولون: نذهب، والنساء يقلن: نذهب، والرجلان يقولان: نذهب، والامرأتان تقولان: نذهب، وقد تستعمل النون للواحد المعظِم نفسه، الواحد المعظَم قد تستعمل معه النون، فتكون للمبالغة، كقوله -سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ [الحجر: 9] فقال: ﴿نَزَّلْنَا﴾، فـ "نا" هُنا طبعًا ليست للجمع؛ لأنه واحدٌ أحدٌ، ولكنها للمبالغة والتعظيم، ومن ذلك قولهم: "نحن ملكنا كذا وكذا"، أو "نأمر بما هو آتٍ"، نأمر وهكذا.

والحرف الثالث من أحرف الْمُضَارِعة: التَّاء. التاء يكون لشيئين: يكون للمخاطب مطلقًا، يعني مذكرًا كان أو مؤنثًا، مفردًا كان أو مثنىً أو جمعًا، تقول: أنت تذهب، وأنتما تذهبان، يا زيدان، وأنتما تذهبان يا هندان، وأنتم تذهبون، وأنتن تذهبن.

وتكون التاء أيضًا للغائبة والغائبتين، تقول عن الغائبة: هي تذهب، هند تذهب، والغائبتين هما تذهبا، بل هندان تذهبان.

والحرف الرابع من أحرف الْمُضَارِعة: الياء، ويكون لشيئين، يكون للغائب المذكر مطلقًا، يعني مفردًا أو مثنىً أو جمعًا، تقول: هو يذهب، محمد يذهب، هما يذهبان، المحمدان يذهبان، وهم يذهبون، المحمدون يذهبون.

ويكون للغائبات، الياء يستعمل مع الغائبات، تقول: هن يذهبن، الهندات يذهبن، والطالبات يدرسن، وهكذا.

والخلاصة:

الخلاصة أن الهمزة تكون للتكلم، باختلاف أنواعه، لا، تكون للتكلم المفردة مذكرًا أو مؤنثًا، والنون أيضًا لا تكون إلا للتكلم ولكنه التكلم غير المفرد، مثنى أو جمعًا مذكرًا أو مؤنثًا، إذن فالهمزة والنون كلاهما للتكلم، وأما التاء فإنها تكون للخطاب، كل الخطاب، وتأخذ بعض الغائب، تستعمل مع الغائبة والغائبتين، وأما الياء فتستعمل مع الغائب المذكر، مفرداً مثنى وجمعًا ومع الغائبات.

إذن فالتكلم يأتي مع الهمزة والنون، والخطاب يأتي مع التاء، والغيبة مقسمةٌ، تكون مع التاء وتكون مع الياء على التفصيل السابق.

كيف يجعل الحريري هذه الأحرف، أحرف الْمُضَارِعة مميزاتٍ للفعل الْمُضَارِع، وهي قد تأتي في أول الفعل الماضي، نحو: "أكل مبدوءٌ بالهمزة، ونثر مبدوءٌ بالنون، ويسر مبدوءٌ بالياء، وتعب مبدوءٌ بالتاء، وأكرم وتعلم وتدحرج، فالجواب عن ذلك أن هذا حكمٌ تقريبيٌّ لا حكمًا كليًّا، يعني حكمٌ تعليميٌّ وليس حكمًا علميًّا.

فإن قلت: ما المراد بالصمت في قوله وصمتها؟

فالجواب: أنَّ الصَّمتَ في اللغة هو الخيط الذي تجمع فيه الخرزات، كخيط المسبحة، فهذا كلامه -رحمه الله- على المسألة الأولى، وهي مسألة الْمُضَارِعة.

ثم انتقل إلى المسألة الرابعة وهي الكلام على إعراب الفعل الْمُضَارِع، فقال: وليس في الأفعال فعلًا يُعرب سواه والتمثال فيه يضرب، وفي بعض النسخ والتمثيل، لكن النسخ العالية والتمثال وهما بمعنى واحدٍ.

سبق لنا عندما تكلم عن الفعل الماضي وفعل الأمر، ذكرنا أن الفعل الماضي وفعل الأمر مبنيان دائمًا، ليس فيهم شيءٌ يعرب، فهما ملازمان للبناء، ولأنهم ملازمان للبناء لا يدخلهم حكمٌ إعرابيٌّ، لا رفع ولا نصب ولا جر ولا جزم، فلهذا إذا قيلت ما الحكم الإعرابي للفعل الماضي؟ ما الحكم الإعرابي لفعل الأمر؟ تقول: ليس لهما حكمٌ إعرابيٌّ، لا نصب ولا رفع ولا جر ولا جزم، وهذا الذي يعبر عنه المعربون بقولهم لا محل له من الإعراب، ما له مكانٌ في الأحكام الإعرابية، يعني ليس له حكمٌ إعرابيٌّ، لا نصب ولا رفع ولا جر ولا جزم، وأما الفعل الْمُضَارِع الذي سماه النحويون والصرفيون الْمُضَارِع لأنه يضارع ويشابه الأسماء في قبول الإعراب، فهو الفعل الذي يقبل الإعراب، أي يقبل الأحكام الإعرابية، والأحكام الإعرابية كما تعرفون الرفع والنصب والجر والجزم، والفعل الْمُضَارِع يقبل منها الرفع والنصب والجزم وليس فيه جرٌّ، وهذا قوله: وليس في الأفعال فعلٌ يعرب سواه، هو الذي يقبل الأحكام الإعرابية.

سيأتي كلامٌ أوسع من ذلك على الفعل الْمُضَارِع، ومتى يُبنى، وتفصيل أحكام الإعرابية، الرفع والنصب والجزم في الباب القادم، باب الإعراب والتفصيل، سيأتي في آخر الملحة -إن شاء الله تعالى.

ثم انتقل -رحمه الله- إلى المسألة الأخيرة في هذا الباب، وهو الكلام على حركة أحرف الْمُضَارِعة، فقال -رحمه الله:

وضَمُّها مِن أصلِهَا الرُّباعي
 

 

مثلُ يُجيبُ مِن أجابَ الدَّاعِي
 

وسِمطُهَا الحَاوي لهَا نَأَيْتُ
 

 

ولا تُبَلْ أخَفَّ وَزنًا أم رَجَحْ
 

مثَالُهُ يذهَبُ زيدٌ ويَجِي
 

 

ويَستَجِيشُ تَارَةً ويَرتَجِي
       

يقول -رحمه الله: حرف الْمُضَارِعة: "الهمزة والنون والياء والتاء"، إما أن تُضَمُّ تارةً وإمَّا أن تُفتَح، فمتى تضم؟ ومتى تفتح؟

يقول: يُضم مع الفعل الرباعي، وضمها من أصلها الرباعي، وإذا أردت أن تعرف هل الفعل رباعيٌّ أو غير رباعيٍّ، فالأصل في ذلك أن ننظر إلى الفعل الماضي، نعد أحرفه ونقول: هل هو رباعيٌّ أو ثلاثيٌّ أو خماسيٌّ أو سداسيٌّ؟

فقولنا: "دحرج"، أربعة أحرفٍ.

و "أكرم" أربعة أحرفٍ، لكن كان ثلاثة أحرفٍ.

و "انطلق" خمسة أحرف.

و "استخرج" ستة أحرفٍ، إذن المراد هنا عدد الحروف، ليس الحروف الأصلية وإنما المراد عدد الحروف، إذا كان الفعل هو المعتبر في ذلك كما قلنا: الفعل الماضي، على أربعة أحرف فإن مضارعه تكون حروف الْمُضَارِعة فيه مَضمومة، مثل:

"دحرج" هذا فعل ماضٍ، ما فعله الْمُضَارِع؟ أُدحرج، نُدحرج، يُدحرج، تُدحرج.

"أكرم"، ما فعله الْمُضَارِع؟ أُكرم ونُكرم وتُكرم ويُكرم، وهكذا، بعثر يُبعثر، أَخرج يُخرج، أَذهبَ يُذهب، وهكذا.

أما إذا كان الفعل غير رباعيٍّ ليس على أربعة أحرفٍ، وهذا يشمل الثلاثي، يعني مثلًا: على ثلاثة أحرف، والخماسي خمسة أحرف، والسداسي ستة أحرف، فإن الْمُضَارِع منها جميعًا يكون حرف الْمُضَارِعة فيه مفتوحًا، فالثلاثي كقولك: في ذهب يذهب وأذهب ونذهب وتذهب، والخماسي كانطلق نقوله مضارع انطلق وننطلق وتنطلق ونطلق، والسداسي كـ استخرج نقوله في الْمُضَارِع استخرج ونستخرج وتستخرج ويستخرج، وهذا قوله وما سواه أي الرباعي فهي منه تفتتح، وقوله: ولا تُبل أخف وزنًا أم رجح يعني لا تُبل هذا فعل الأمر من تبالي، سواء كان الفعل خفيفًا أي: ثلاثيًّا مثل ذهب يذهب، أو كان ثقيلًا يعني خماسيًّا مثل انطلق ينطلق، أو سداسيًّا مثل استخرج يستخرج، فإن حرف الْمُضَارِعة في الخفيف الثلاثي وكذلك في الثقيل الخماسي والسداسي يكون حرف مضارعته في الجميع مفتوحًا.

وأمَّا الأمثلة التي ذكرها -رحمه الله تعالى- فقد مَثَّلَ بالثُّلاثي الخفيف بـ "يذهب" و "يجيء"، وهما مُضارعان لفعلين ماضيين، "ذهب" و "جاء".

وَمَثَّلَ للخُمَاسِي وللسداسي الثقيلين، بـ (يَستَجِيشُ تَارَةً ويَرتَجِي)، فيستجيش مُضارع السداسي "استجاش"، و "يَرتَجِي" مُضارع الماضي الخماسي "ارتجى".

وقوله: (يَجِي .... ويَرتَجِي) أصلهما يجيء ويلتجأ بالهمز ثم خفف الهمزة وسبق الكلام على أنَّ الهمزة المتطرفة تخفف في الشعر، وأنَّ الحريري -رحمه الله تعالى- خففها كثيرًا في الشعر.

بذلك نكون -بحمد الله تعالى- قد انتهينا من أربعين بيتًا من هذه الملحة المباركة.

هل هناك سؤالٌ؟ نأخذ لو سؤالًا، إلا إذا كانت الأمور واضحةً، فالحمد لله واضحةٌ، النحو سهلٌ إذا تفهمه الطالب وعرف الأحكام مع العلل الواضحة، فإنه يتلذذ حينئذٍ بالنحو ويفهمه.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك لنا، وأن يجعل هذا الدرس نافعًا مفهومًا مفيدًا -والله أعلم- وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك