الدرس الرابع

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

13456 12
الدرس الرابع

الأصول من علم الأصول

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أما بعد..
فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم في لقاءٍ جديدٍ من لقاءاتنا في قراءة كتاب "الأصول من علم الأصول" للشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين غفر الله له، وأسكنه فسيح جناته..

كنا أخذنا فيما مضى ما يتعلق بمدخل مبحث التكليف، وذكرنا أن الذي يتوجه له الخطاب هو: الإنسان العاقل البالغ، وتكلمنا عن أن خطاب التكليف يشمل الذكور والإناث، ويشمل أيضًا المسلم والكافر، لكن الكافر إذا أسلم في الدنيا فإنه يُعفى عنه ما فاته قبل دخوله للإسلام، لقوله تعالى: ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: 38].
وحديثنا في هذا اليوم عن موانع التكليف.
تلك شروط التكليف، وهذه موانع التكليف، ومن أمثلة موانع التكليف: الجهل والخطأ والنسيان والإكراه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
ولعلنا بإذن الله عزَّ وجلَّ أن نأخذ هذه الموانع واحدًا واحدًا.

المانع الأول من موانع التكليف: مانع الجهل.
فالجاهل لا يتوجه إليه التكليف حال جهله، والمراد بالجهل عدم العلم، هذا الجهل البسيط، تقدم معنا أن الجهل المركب معرفة الشيء، أو ظن الشيء على غير ما هو به، والجهل من موانع التكليف، فإن من كان جاهلًا فلا يخاطب بالخطاب الشرعي.
ودليل ذلك من النصوص قوله -عزَّ وجلَّ: ﴿لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]، فدل هذا على أن النذارة إنما تكون لمن بلغ له، وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُول﴾ [الإسراء:15]، ويدل عليه أيضًا قول الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: 275]، معناه: أنه قبل أن تأتيه الموعظة لما كان جاهلًا بالحكم، فإنه يُعفى عنه.
ومثله في قصة الرجل الذي تكلم في أثناء الصلاة، فأصبح الصحابة يُصمِّتونه، فقال لهم: مالي أراكم تنظرون إلي شذرًا، وما شأنكم تنظرون إليَّ، وهو في الصلاة، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة، لماذا؟ لأنه كان جاهلًا.
والجهل قد يكون في الموانع، وقد يكون في الأحكام والشروط، فالجهل في الشروط والأحكام هذا لا يرتب على الإنسان حُكمًا لكن لا يُسقط القضاء.
وخصوصًا في الوقت، وأمَّا الجهل في المنهيات والموانع، فهذا لا يترتب عليه مُؤاخذةٌ، ويدل على هذا إجماع الصحابة، فإنه لما أوتي بالمرأة التي تقر بالجريمة الحَدية، أمام عمر بمحضرٍ من الصحابة، قال بعضهم: إني لأراها تستهل به استهلال من لا يعرف حكمه، فسألها عن حكمه، أي: عن حكم الزنا، فتبين له أنها لم تعرف المنع منه في الشرع، فدرأ الصحابة -رضوان الله عليهم- الحَدَّ عنها.
وحينئذٍ من ترك واجبًا وهو يجهل وجوبه، فإذا فات وقته لم نطالبه بما مضى، وأمَّا ما لم يفته وقته، فنطالبه بواجب الوقت، ولذلك في حديث المسيء في صلاته، أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعيد صلاة الوقت، ولم يأمره بإعادة ما مضى من الصلوات، لماذا؟
لأنه كان يترك ركنًا من أركان الصلاة وهو جاهلٌ به، ما هو هذا الركن؟ ركن الطمأنينة.
وإنما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصلاة الحاضرة فقط دون الصلوات الماضية.
المانع الثاني من موانع التكليف: النسيان.
قال: هو ذُهول القلب عن شيءٍ معلومٍ، يعني: كان يعرفه سابقًا ويعلمه في ذهنه، لكنه ذُهل عنه، وإذن النسيان غفلةٌ عن شيءٍ كان يعرفه الإنسان وكان يستحضره في ذهنه، فهو كان يعرف الأمر سابقًا لكنه غفل عنه.
ما حكم النسيان؟
النسيان لا يؤاخذ به الإنسان، ما الدليل عليه، قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَ﴾ [البقرة: 286]، قال الله كما في الحديث القدسي: «قد فعلتُ»، فدل هذا على أن النسيان ترتفع به المؤاخذة في باب الإثم، من ترك واجبًا ناسيًا، أو فعل محظورًا ناسيًا تحريمه، لم يؤاخذ بذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، ثم تلا قوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]».
لكن هل يجب عليه ضمانه أو قضاء الواجب إذا نسيه؟
نقول: ظاهر النص أنه يجب عليه القضاء، لقوله: «من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكره».
إذا لجأنا لإنسانٍ وقلنا: فلانٌ يُطَالِبُكَ بمائةِ أَلف ريال وعنده شهودٌ، قال: أنا نسيت هذا الديْن، فحينئذ هل يسقط الديْن؟ نقول: النسيان لا يُسقط حقوق العباد، حقوق العباد لا تسقط لا بجهلٍ ولا بنسيانٍ.
بالنسبة لحقوق الله، هذه على نوعين:
النوع الأول: ما فيه إتلافٌ وهذا يجب ضمانه.
والنوع الثاني: ما لا إتلاف فيه، وهذا لا يجب فيه الضمان.
ونمثل لذلك بمثالٍ: مَن قَلَّمَ أظافره ناسيًا -هذا فيه إتلافٌ- ففيه فدية الأذى، بينما من لبس مخيطًا ناسيًا فخلعه لما ذكر، ما حكمه؟ لا تجب عليه فدية الأذى؛ لأن الأول وهو تقليم الأظافر أو قصر الشعر فيه إتلافٌ، والثاني لا إتلاف فيه.
إذن من الدليل على أن الضمان يجب فيما فيه إتلافٌ، عموم النصوص الواردة، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع شاةٌ، لم يفرق بين حال عمدٍ أو جهلٍ أو نسيانٍ، هو صحيحٌ يسقط عنه الإثم حال النسيان أو الجهل، لكن لا يسقط عنه الضمان.
ويدل على ذلك أنَّ الفدية مُعلقةٌ بالإتلاف، والإتلاف حصل فتجب الفدية، ويدل عليه أيضًا ما ورد في حديث كعب بن عجرة، فإنه كثر القمل عنده حتى أصبح يتصابب من رأسه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بحلق شعر رأسه، وأمره بالفدية.
فهذا الذي حلق رأسه معذورٌ، وهو أولى من عذر ذلك الناسي أو ذلك الجاهل، ومع ذلك لم يُسقط النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الكفارة، فدل هذا على أن هذه الأعذار تُسقط الإثم لكنها لا تُسقط الكفارة.
ويدل على ذلك ما ورد في كفارة القتل، فإن كفارة القتل تجب في القتل الخطأ، مع أنه لا عمد فيه، ولا قصد فيه، فدل هذا على أن من فعل محظورًا فيه إتلافٌ، وجب فيه فدية الأذى، بخلاف من فعل فعلًا من محظورات الإحرام لا إتلاف فيه، فلا يجب فيه الفدية، مثل ماذا؟
{لبس المخيط}
نعم، لبس المخيط، تغطية الرأس، هذه محظوراتٌ لا إتلاف فيها، فمن فعلها ناسيًا أو جاهلًا فإنه لا يجب فيها الفدية.
وأما قول الله -عزَّ وجلَّ: ﴿لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة: 95]، فكلمة ﴿مُّتَعَمِّد﴾ ليس لها مفهوم مخالفةٍ، لأنه إنما أتي بها للتشنيع على ذلك الفاعل، فليس المراد بالإتيان بهذه الصفة إعمال مفهوم المخالفة.
والنصوص التي وردت برفع المؤاخذة في حال النسيان، إنما وردت لرفع الإثم، والخلاف، والنزاع والكلام ليس في رفع الإثم، وإنما في وجوب الضمان.
ويدلك على هذا ما ورد في حديث يعلى بن أمية، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجلٌ فقال يا رسول الله إني تضمختُ في ثوبي، يعني: جاء وقد تطيب، وتضمخ بالطيب، وقال: إني أحرمت يا رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اغسل عنك أثر الخلوق» الطيب اغسله عنك، لم يوجب فديةً فيه، «واخلع عنك الجبة» لم يوجد فيه إتلافٌ، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالفدية لأنه لا إتلاف عنده.
وبالتالي الطيب ولبس المخيط هذه لا يجب على من فعلها ناسيًا الفدية.

المانع الثالث من موانع التكليف: الإكراه.
المراد بالإكراه إلزام الإنسان بما لا يريده، وهو ضد الاختيار.

والإكراه على أنواعٍ:
النوع الأول: الإكراه الملجئ وهو الذي يزول فيه الاختيار بالكلية، كمن أُلقي من شاهقٍ، فوقع على رجلٍ، هل على هذا المَلقى إثمٌ؟
نقول: ليس عليه إثمٌ للحديث السابق، وبالتالي الإكراه الملجئ هذا مانعٌ من موانع التكليف، فلو سقط على رجلٍ فمات، قيل: إنه لا تجب فيه ديةٌ ولا قصاصٌ، لماذا؟
لأنه لا اختيار له في إيقاع الموت بمن وقع عليه.

النوع الثاني: الإكراه بالقتل أو الضرب، أو الإكراه بالضرب والحبس، إذن الإكراه بالقتل والقطع، أو الإكراه بالضرب والحبس، وهذه يسميها الجمهور: إكراهًا غير ملجئٍ.
وهذا الإكراه هل ينتفي معه التكليف؟ نقول هذا فيه تفصيلٌ:
الحالة الأولى: مرةً يكون موجب الإكراه، والتكليف متوافقًا، كمن قال: صلِّ وإلَّا قتلناك، فحينئذٍ لا يرتفع التكليف عنه، ويطالب بأداء الصلاة التي له فيها اختيارٌ، وفي هذه الحال لا يطالب بالقضاء لكونه قد صلاها على جهة الإكراه.
إذن لا يزول الإكراه في هذه الحالة، وهي ما إذا توافق مقتضى الإكراه مع التكليف.
الحالة الثانية: إذا اختلفا، كما لو قال: إذا صليت قتلناك، فحينئذٍ هل ينتفي التكليف بوجود هذا الإكراه، أو بمعنى آخر هل يبقى التكليف على ما هو عليه قبل الإكراه؟ أو يتغير الحكم؟
مثال ذلك: لو قال له: خذ مال فلانٍ وإلا قتلناك. أخذ المال في الأصل محرمٌ، لكن عندما وجد هذا التهديد فحينئذٍ ينقلب حكم أخذ المال من كونه ممنوعًا منه إلى كونه مباحًا إعمالًا لهذه القاعدة.

لكن لا يكون الإكراه مانعًا من التكليف أو مَلغيًا للتكليف السَّابق إلا بشروط.
الشرط الأول: قدرة المهدد على تنفيذ ما وعد به، قال: إن صليت قتلناك، وهو ابن خمس سنواتٍ، لا يلتفت إلى هذا التهديد؛ لأنه غير قادرٍ على تنفيذ ما هدد به.

الشرط الثاني: أن يغلب على ظن المكره أن المكره سيقوم بتنفيذ ما هدد به، لو قال: خذ مال فلانٍ وإلا قتلناك، وغلب على ظنه أنه لن يقتله، في هذه الحال لا يكون الإكراه مانعًا من موانع التكليف.

الشرط الثالث: أن يكون المحظور أقل من موجب الإكراه، يعني لو قال: اقتل عشرةً وإلا قتلناك، نقول ما يقتلهم، لماذا؟ لأن مقتضى الإكراه هو قتل شخصٍ واحدٍ أقل من المحرم الذي هو قتل عشرة أشخاصٍ، وبالتالي لا يكون هذا من مواطن إعمال القاعدة.

الشرط الرابع: أن يزول الإكراه بفعل مَا أُكره عليه، لو قال له: أنا سأقتلك، سأقتلك لكن اقتل فلانًا قبل أن أقتلك، في هذه الحال لا يزول التهديد بفعل ما هُدد أو ما أُلجئ إليه.
وحينئذٍ نعلم أن الإكراه نوعٌ من أنواع الاضطرار، أن الاضطرار يرتفع به التحريم، لقوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: 119] ولقوله جلَّ وعلَا: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ﴾ [النحل: 115]، فدل هذا على أن حال الاضطرار ينتفي معه الحكم الشرعي.
لكن لابد أن يلاحظ الشروط السابقة من جهة أنه لا بد أن يكون الضرر متيقنًا أو محققًا، ومنها أيضًا أن يكون ما هدد به أكبر من موجب التهديد، ومنه أيضًا ألا يأخذ من المحظور إلا بقدر ما تندفع به الضرورة فقط.

ويبقى هنا مسألةٌ هل الاضطرار ينتفي معه التكليف، أو لا ينتفي؟
الصَّواب أنَّ الاضطرار الذي وجدت فيه الشروط لا ينتفي معه التكليف، لكن يتغير الحكم بسبب وجود الاضطرار، مثلًا من كان في جوعٍ شديدٍ، أكل الميتة كان حرامًا، لكن أصبح الآن مستحبًا أو واجبًا، تغير الحكم لوجود حال الضرورة.

عقد المؤلف بعد هذا فصلًا في العام.
الكلام العربي له مدلولاتٌ، كل صيغةٍ من كلام العرب لها معانٍ يفهمها أهل اللغة، وقد تقدم معنا أن الأسماء على ثلاثة أنواعٍ:
الأول: خاصةً وهي التي تصدق على فردٍ أو أناسٍ معينين.
والثاني: ألفاظٌ عامةٌ تستغرق جميع الأفراد.
والثالث: ألفاظٌ مطلقةٌ وهي تستغرق واحدًا شائعًا في جنسه.
نبتدئ اليوم بالحديث عن العام.
العام لفظٌ يستغرق جميع أفراده، أو قال المؤلف: العام هو اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصرٍ؛ لأنه إذا حصر فإنه قد يكون من أسماء الأعداد، مثل مائة، فهنا مائة لفظ مستغرقٌ لجميع أفراده، لكنه محصورٌ، منحصرٌ.
إذن العام هو ذات اللفظ -كما ذكر المؤلف- وليس العام دلالة اللفظ على الاستغراق، كما يقول بعض الأشاعرة.
هناك صيغٌ متى وجدت في الكلام دلت على العموم، بحيث تشمل جميع الأفراد، انتبهوا هذا مهمٌ.
يفهمكم كلام الناس، وفي نفس الوقت يفهمك الكتاب والسنة، وفي نفس الوقت يجعلكم تتحرزون في كلامكم، في مواعظكم وخطبكم.
هناك ألفاظٌ تدل على العموم، ما هي هذه الألفاظ التي تدل على العموم، وتشمل جميع الأفراد؟
هناك عددٌ من الألفاظ:
النوع الأول: "كل وجميع وما ماثلهما"، فهذه الألفاظ تفيد العموم بحسب مقتضى ذلك اللفظ، وإذن كل وجميع وما ماثلهما. من يمثل؟
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن: 26]، عامٌ، أو خاصٌ؟
{عامٌ}
ما فيه بعض الأشخاص لن يفنى وهو على الأرض.. نقول عامٌ.
﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [آل عمران: 93] عامٌ أو خاصٌ؟
عامٌ.
﴿فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: 30]، عامٌ أو خاصٌ؟
{عامٌ}
مما استفدنا العموم؟
{من كلمة كل}.
«كلكم لآدم»
{عامٌ}
«كل ابن آدم خطاء»
{عامٌ}
ومنه ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49].
النوع الثاني: الأسماء المبهمة، مثل: "ما، من، أين، متى"، هذه أسماءٌ مبهمةٌ، لا تدل على معنى في نفسها حتى يكون معها جملةٌ توضح المراد بها.
فالأسماء المبهمة تفيد العموم، سواءً كانت أسماء شرطٍ، كما في قوله تعالى: ﴿مَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197]، ﴿مَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ [الأنفال: 60]، ومنه: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7]، عامٌ أو خاصٌ؟
{عامٌ}
لماذا؟ لأنه من الأسماء المبهمة.
النوع الثالث من ألفاظ العموم، كما قال المؤلف هنا: أسماء الاستفهام، نفس أدوات الشرط هي أدوات الاستفهام وهي في نفس الوقت أدوات الشرط، إذن: أدوات شرطٍ، وأدوات استفهامٍ، وأدواتٌ موصولةٌ.
جميع هذه الأنواع الثلاثة تفيد العموم.
مَثَّل لَه المؤلف بقول الله -عزَّ وجلَّ: ﴿فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ﴾ [الملك: 30]، مَن اسم استفهام فيفيد العموم، ﴿مَاذَا أَجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 65]، ماذا، ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: 26]، أداة استفهامٍ.
وهكذا أسماء الشرط فإنها تفيد العموم بنفسها، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ﴾ [فصلت: 46]، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن: 26]، من، ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197]، ﴿مَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ﴾ [المزمل: 20].
إذن هذه مِن صيغ العموم، ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئ﴾ [النساء: 36]، عمومٌ ولا ما هو بعمومٍ؟ هل تشمل جميع الآلهة، من أين أخذنا العموم، من شيئان:
النكرة في سياق النفي، أو سياق النهي، فالنكرات في سياق النفي تفيد العموم، من يمثل؟
«لا صلاة إلا بطهورٍ»، صلاة نكرةٌ في سياق ...
{لا إله إلا الله}
إله نكرةٌ في سياق النفي، فيكون قوله إلا الله مفيدًا للعموم لأن إله نكرةٌ في سياق النهي..
كذلك من أنواع ألفاظ العمومات النكرة في سياق الشرط أو سياق النهي، إذن عندنا النكرة في سياق الإثبات، النكرة في سياق النفي، النكرة في سياق الاستفهام الإنكاري ونحو ذلك.
أيضًا من أنواع ألفاظ العموم الأسماء الموصولة.
عقد المؤلف عددًا من الأمثلة الدالة على أن النكرة في سياق النفي أو النهي وما ماثلهما تفيد العموم، ومثل له بقوله: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [ص: 65].
أين النكرة؟ هي: إله.
أين أداة النفي؟ هي: ما.
وقوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئ﴾ [النساء: 36]، شيئًا نكرةٌ في سياق النهي، فتفيد العموم.
﴿إِن تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ [الأحزاب: 54]، هنا إنْ ليست من أدوات العموم، لأنه وإن كانت أداة شرطٍ لكنها ليست اسم شرطٍ، والذي يفيد العموم أسماء الشرط وليس حروف الشرط.
قال: ﴿إِن تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ [الأحزاب: 54]، ﴿إِن تُبْدُوا شَيْئ﴾، شيئا نكرةٌ في سياق الشرط، فتفيد العموم.
﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ﴾ [القصص: 71].
النوع الآخر من أنواع الألفاظ الدالة على العموم: اللفظ المعرف بـ "ال"، سواءً كان جمعًا كقوله: ﴿إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب: 35]، ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، وإما أن يكون المعرف بـ "ال" من أسماء الأجناس الدالة على القليل والكثير مثل: الماء، وإما أن يكون من الألفاظ المفردة مثل: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُو﴾ [وَالعصر: 2، 3] .
نوعٌ آخر من أنواع ألفاظ العموم جمعٌ منكرٌ مضافٌ إلى معرفةٍ، فكل الجموع المنكرة المضافة إلى معارف فإنها تفيد العموم، كقوله: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: 11]، أولاد جمعٌ مضافٌ إلى معرفةٍ، فيفيد العموم.
كذلك المعرف بـ "ال الاستغراقية"، المراد بالاستغراقية هنا الشاملة لجميع الأفراد فهذه تفيد العموم، سواءً كان مجموعًا كقوله ﴿المُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: 28]، أو كان مفردًا كقوله: ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيف﴾ [النساء: 28].
أما إذا كانت "ال" للعهد فحينئذٍ تحمل على العهد، سواءً كان قليلًا أو كثيرًا، ولذلك مثل قوله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ [آل عمران: 173]، الناس هنا ظاهرها العموم لكن "ال" هنا ليست للاستغراق، وإنما هي للعهد فقط.
متى نعرف أن "ال" للعهد وأن "ال" للاستغراق؟
نقول: الأصل أن "ال" للاستغراق إلا إذا كانت قبلها قرينة تدل على أن "ال" ليست للاستغراق وإنما هي للعهد.
ولذلك في مراتٍ قد تأتي "ال" مع أسماءٍ خاصةٍ، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيل﴾ [المزمل: 15، 16]، فكلمة الرسول هذه ماذا؟ "ال" للعهد وبالتالي لا يُستفاد منها الشمول والاستغراق.
ومن أمثلته: ﴿فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾، الرسول معرفٌ بـ "ال" لكنها ليست للاستغراق وإنما هي للعهد.
ويشترط أن يكون هناك عهدٌ سابقٌ، قوله تعالى: ﴿يَايَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: 12]، الكتاب هنا فيها "ال" و"ال" هنا على الصحيح عهديةٌ وليست استغراقيةً وبالتالي لا تكون مفيدًا للعموم.
العموم بمجرد وروده يجب العمل به، ما تقول اصبر، يمكن أن يكون هناك ناسخٌ، إذن يجب العمل بعموم اللفظ حتى يثبت تخصيصه، ما الدليل؟
قال: لأن العمل بنصوص الكتاب والسنة واجبٌ على ما تقتضيه دلالتهما حتى لا يقوم دليلٌ على خلاف ذلك.
إذن إذا وردنا عامٌ وخاصٌ، فإننا نعمل بالخاص في محل الخصوص، وبقية الأفراد نحملها على مدلول اللفظ العام.
وينبغي أن يلاحظ أن العمومات إنما يستدل بها الفقهاء أهل الاجتهاد، لكن غيرهم لا يتمكن من فهم ألفاظ العموم، ولا من تطبيقها على أفرادها.
عندنا مسألةٌ جديدةٌ وهي إذا كان عندنا لفظٌ عامٌ نزل في قضيةٍ واحدةٍ، فهل نأخذ بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟
مثال ذلك في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن ماء البحر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه»، ورد في بعض الألفاظ أن قيل: يا رسول الله نكون في البحر فلا نجد ماءً، أفنتيمم؟ فأمرهم أن يأخذوا باجتهاد أنفسهم.
إذن اللفظ العام الأصل أن نجريه على عمومه، إلا إذا ورد دليلٌ يدل على تخصيصه، فحينئذٍ يعمل بالحديث الخاص في محل خصوصه، ويعمل بالعام في بقية الأفراد.
ومن الأمور التي ذكرت في التمثيل آيات الظهار، وآيات كفارة الصيد، وآيات النسك في الحج والعمرة، فالغالب أن هذه الآيات إنما جاءت على أفرادٍ معينين، حينئذٍ نقول العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.
من الأمثلة المتعلقة بهذا الحديث: «ليس من البر الصيام في السفر». هذا الخبر له سببٌ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا قد سقط وظلل الناس عليه، فقال هذا اللفظ، لأنه سأل عنه فقيل له صائمٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ: «ليس من البر الصيام في السفر».
يقابل العام الخاص، والمراد بالخاص ما دل على شخصٍ بعينه، أو دل على عددٍ أو أشخاصٍ معينين، بدون استغراقٍ.
إذا وردنا لفظٌ عامٌ ووردنا لفظٌ خاصٌ، فإننا نقول بالخاص في محل الخصوص، ونقول بالعام في بقية الأفراد، هذا يسمى التخصيص.
وحينئذ التخصيص يكون بإخراج بعض أفراد اللفظ العام عن حكمه، نهاهم عن قتل النمل، ثم أجاز قتل النمل المؤذي، فحينئذ عندنا نصٌ عامٌ بالمنع من قتل النمل، ثم بعد ذلك وردنا دليلٌ خاصٌ بجواز القتل في صورةٍ معينةٍ.
ففي هذه الحال نقول: نخرج أفراد الخاص من الخطاب العام.
هل التخصيص إخراج بعض الأفراد، أو التخصيص بيان أن بعض الأفراد لم تدخل أصلًا؟
هناك منهجان للعلماء في هذه المسألة.
مخصصات العموم أو دليل التخصيص على نوعين، هناك مخصصاتٌ متصلةٌ، مثل: أدوات الشرط، وهناك مخصصاتٌ منفصلةٌ تأتي في خطابٍ مستقلٍ، نتحدث اليوم عن المخصصات المتصلة فنقول:
هناك مخصصاتٌ تأتي في نفس جملة اللفظ العام، فتخص حكمه، ومن أمثلة هذا قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُو﴾ [وَالعصر: 2، 3]، هنا استثناءٌ، حيث أخرج الذين آمنوا من اللفظ العام الإنسان، فإنه معرفٌ بـ "ال" الاستغراقية، ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: 2]، وبالتالي فالاستثناء بيان أن بعض الأفراد لم تدخل في هذا الخطاب، إن الإنسان لفي خسرٍ.
ويكون حينئذٍ ردًّا للشيء إلى بعضه، وبعض الناس يقول: الاستثناء هو بيان أن بعض الأفراد لم تدخل أصلًا، والاستثناء له صيغٌ، في الغالب أن يكون بـ "إلا" وقد يكون بإحدى صيغ الاستثناء، مثل ماذا؟
{غير}
غير، سوى، حاشا..
{حتى}
ما عدا، وليس على لغة.
ما حكم الاستثناء؟
الاستثناء يخرج المستثنى من حكم المستثنى منه، ويثبت له نقيض حكم المستثنى منه، لما قال: لا إله إلا الله، هنا لا إله نفيتُ الألوهية عن جميع الآلهة، فلما قلتَ: إلا الله، فمعناه أنك لا تشركه مع بقية الأدلة في كونه باطلة عبادته، بل أنت استثنيت من النفي، فيكون إثباتًا ففيه إثبات العبودية أو وجوب العبودية لله عزَّ وجلَّ.
ويشترط في الاستثناء حتى يكون مقبولًا عددٌ من الشروط؟
أولها: اتصاله، لو قال له: لك عليَّ عشرةٌ، وبعد أسبوعٍ قال: إلا ثلاثةً، كم يكون الواجب؟ عشرةٌ كاملةٌ، لماذا؟ لأن الاستثناء هنا ليس بمتصلٍ، وبالتالي .. لا المنقطع له معنى آخر، وبالتالي يكون هذا الاستثناء لا يصح.
الشرط الثاني: أن يكون المستثنى أقل من المستثنى منه، لو قال: له علي عشرةٌ إلا عشرةً، كم يكون عليه، عشرةٌ كاملةٌ نلغي العشرة الاستثناء، لأنه لم يوجد فيه شرط الاستثناء.
إذن لابد أن يتصل المستثنى بالمستثنى منه حقيقةً بأن يكون في نفس الكلام أو حكمًا بأن يحصل شيء غير فاصلٍ، مثل كحةٍ وعطسةٍ أو نحو ذلك.
وبعض أهل العلم صحح تأخر الاستثناء إذا كان في المجلس.
الشرط الثالث: ألا يكون المستثنى أكثر من نصف المستثنى منه، كما لو قال: له علي عشرة إلا سبعة، كم يكون؟ نلغي الاستثناء، وبالتالي تجب عشرةٌ كاملةٌ، ويلزمه العشرة كاملةً.
هناك شرطٌ آخر: أن يكون الاستثناء من الجنس، لو قال: له علي عشرةٌ من الإبل إلا ثلاثة أقلامٍ، قالوا: إلا ثلاثة أقلامٍ نلغيها، لماذا؟ لأنها ليست من جنس المستثنى منه.
بالنسبة للاستثناء العدد لا يجوز أن يستثنى الكل بالاتفاق، لو قال: له علي عشرة إلا عشرة، نلغي العشرة الأخيرة، ويبقى عشرةٌ كاملةٌ، لو قال: له علي عشرةٌ إلا ثلاثةً، يصح الاستثناء، فيكون الواجب سبعةٌ.
لو قال: له علي عشرة إلا خمسة، اختلف العلماء في ذلك.
وهذا كله فيما إذا كان الاستثناء من عددٍ، أما كان الاستثناء من صفةٍ، كما لو قال: أكرم التجار إلا الفجار، أكرم التجار هنا صفةٌ الحكم معلقٌ بالصفة، أكرم التجار وليس بعدد، وخرج المؤلف عليه ما ورد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ﴾ [الحجر: 42]، فهنا من اتبع من الغاوين مستثنى من العباد الصالحين، هذا دليلٌ على أنهم هم الأقل..
{....}
نقول: الاستثناء لابد أن يكون بالأقل، بأقل من النصف، هذا في العدد، فلو قال: له علي عشرة إلا سبعة، نلغي السبعة، لأنه لم يكن من عادة العرب استثناء الأكثر، هذا فيما إذا كان الاستثناء بالعدد، أما لو كان بالصفة فلا يستدل فيه بالكثرة والقلة، فلما قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ﴾ [الحجر: 42] قلنا هذا لا يدل على كثرة هؤلاء أو كثرة هؤلاء، لأن الاستثناء هنا من صفةٍ وليس من عددٍ.
من المخصصات المتصلة أيضًا الشرط، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ﴾ [الطلاق: 6]، معنا إذا لم يكنَّ من ذوات الحمل فلا نفقة لهن، وهذا في المطلقة بالثلاث، لا نفقة لها بمقتضى هذه الآية.
والشرط يخصص العموم سواءً تقدم أو تأخر كما في قوله تعالى: ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: 5]، فهذا تخصيصٌ للحكم السابق في قوله: ﴿اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: 5].
وهكذا أيضًا قد يكون الشرط متأخرًا كما في قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوَهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْر﴾ [النور: 33]، إذن عندنا الآية في الإماء والمماليك.
وبعد ذلك أجاز الكتابة، وهو أن يعقد معهم عقدًا على أن يدفعوا مالًا فيكونوا أحرارًا، بشرط أن يعلم فيهم خيرًا، فهذا استثناءٌ بواسطة الشرط.
المخصص الثالث من المخصصات المتصلة: الصفة، فإنه إذا جاء مع العام صفة، فهذا يشعر بأن ما لم يتوافق مع هذه الصفة لا يأخذ حكم العام، كما لو قال: «في سائمة الغنم الزكاة» معناه أن غير السائمة لا زكاة فيها.
ومن مخصصات العموم أيضًا: النعت، كما في قوله: ﴿فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: 25]، لا يجوز أن يتزوج بأمةٍ إلا إذا كان عاجزًا وكانت هي مسلمةٌ.
وقد يكون التخصيص بواسطة: البدل: كما في قوله: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيل﴾ [آل عمران: 97]، ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيل﴾ بدلٌ، خصصت قوله: ﴿عَلَى النَّاسِ﴾.
وقد يكون التخصيص بواسطة: الحال، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّد﴾، متعمدًا حالٌ، ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ [النساء: 93]، فدل هذا على أن غير المتعمد وهو المخطئ لا يدخل في هذه الآية.
إذن هنا مخصصاتٌ تخرج بعض أفراد العام من حكمه.

أسأل الله جلَّ وعلَا أن يوفقنا وإياكم لكل خيرٍ، وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك