الدرس الثامن

فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن عبدالله الزامل

إحصائية السلسلة

11587 9
الدرس الثامن

نخبة الفكر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله أعزاءنا المشاهدين، ونرحب بكم في حلقة جديدة من حلقات شرح متن (نخبة الفكر) في مصطلح أهل الأثر، للحافظ ابن حجر -رحمة الله عليه- يقوم بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد المحسن بن عبد الله الزامل -حفظه الله تعالى- حياكم الله فضيلة الشيخ، وبارك فيكم}.
مرحبا بكم شيخ خالد، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُبارك في هذا اللقاء، ومرحبا بجميع إخواننا.
{جزاكم الله خيرًا، نستأذنكم في قراءة المتن.
قال الحافظ -رحمة الله عليه: (وَإِنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ عَنْ شَيْخٍ وَتَقَدَّمَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ: السَّابِقُ وَاللاَّحِقُ)}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، قال الحافظ ابن حجر -رحمة الله علينا عليه: (وَإِنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ عَنْ شَيْخٍ وَتَقَدَّمَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ: السَّابِقُ وَاللاَّحِقُ) هذا أيضًا من مُلح هذا العلم، وتفَنَّنَ العلماء في مثل هذه المعاني، ولا شكَّ أنَّ هذا فيه فائدة، معرفة من أخذ عن هذا الشيخ قديمًا، ومن تأخر عن ذلك، وهذا له صور، منها:
أن يكون الشيخ أخذ عنه اثنان، وقد يكون أحد الاثنين من شيوخه، وفي الغالب أنَّ الذي يأخذ عنه يكون من تلاميذه، فلو أنَّ شيخًا من المشايخ روى عنه أحد تلاميذه في أول نشره للعلم وجلوسه للعلم، فأخذ عنه أحد طلابه الصغار ثم توفي هذا الطالب، ثم عُمِّرَ الشيخ عُمرًا طويلاً، ثم أدركه بعض صغار الطلبة في آخر حياته، نفرض أنه عمَّر تسعين سنة مثلاً، وأخذ عنه صغار الطلبة، ولم يبلغ الحلم، لكن بعد الفهم والرشد، أو بعد الحلم في سن الخامسة عشرة ونحو ذلك، ثمَّ عُمِّرَ هذا الطالب أيضًا، فَيُنظر ما بين وفاة المتقدم ووفاة المتأخر، فإذا مات المتقدم مثلا في سنة مائة، ثم توفي الشيخ بعد ذلك بسبعين سنة، يعني: مات سنة مائة وسبعين، ثم أخذ الطالب عنه قبل موته بخمس سنين، سنة خمس وستين ومائة مثلا، ثم عاش بعده ثمانين سنة، فيكون مدة طويلة، قد تقارب مائة وثلاثين أو أربعين سنة.
وهم ذكروا أمثلة من هذا أنَّ الحافظَ السَّلَفِيَّ -رحمه الله، أخذ أو سَمِعَ منه شيخه "أَبُو عَلِيٍّ الْبَرْدَانِيُّ" وروى عنه، وتوفي الشيخ أبو عَلِيٍّ الْبَرْدَانِيُّ سنة خمسمائة، وروى عن السَّلَفِيَّ تلميذه أبو القاسم، عبدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَكِّيٍّ، وهو ابن أخته، وتوفي سنة مائة وخمسين، والذي أخذ عنه أولاً تُوفي سنة خمسمائة، وتلميذه هذا الذي أخذ عنه توفي مُتأخرًا، توفي سنة ستمائة وخمسين، أي بين وفاتيهما مائة وخمسون سنة.
ولو ضربنا مثلا بأحد المشايخ والعلماء، كالشيخ عبد العزيز بن باز أو عبد الله بن حميد -رحمة الله عليهم- أو غيرهم من المشايخ، فلو كان الشيخ ابن باز -مثلا- قد روى عنه مُتقدم في أول جلوسه إلى العلم، فتوفي قبل الشيخ -مثلاً- سنة ستين، ثم بعد ذلك أخذ عن الشيخ في آخر حياته، وتوفي سنة ألف وأربعمائة وعشرين، وقبل وفاته بسنة بعض صغار الطلبة، فعاش بعد وفاة الشيخ ثمانين سنة، فإذا حسبت ما بين الستين إلى مئة وعشرين، كان المجموع ستين سنة، وإذا قلت: إنه عاش سبعين سنة أو ثمانين بعد الشيخ، فتضيف هذه إلى هذه، فتبلغ تارة مئة وأربعين، وتارة مئة وخمسين.
المقصود أنَّ هذا يُسمى السابق، فالذي توفي أولاً هو السابق، والذي توفي آخرًا هو اللاحق، فهذا من ملح هذا العلم.
{أحسن الله إليكم.
(وَإِنْ رَوَى عَن اثْنَيْنِ مُتَّفِقَيِ الاسْمِ وَلَمْ يَتَمَيَّزَا؛ فَبِاخْتِصَاصِهِ بِأَحَدِهِمَا يَتَبَيَّنُ المُهْمَلُ)}.
المهمل [1] هو الذي لم يُقيد إلا باسمه الأول، أحمد، ومحمد، وإبراهيم ونحو ذلك، فإذا رَوىَ عن اثنين مُتفقي الاسم، وهذا يقع للبخاري كثيرًا، فيروي عن أحمد وهو إمَّا (أحمد بن صالح، أو أحمد بن عيسى)، وكذلك قد يقول البخاري: عن ابن وهب ولا ينسبه، وكذلك عن محمد، وهو إمَّا (محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، أو محمد بن يحيى الذهلي)، وهكذا.
فالمقصود أنه حين يروي عن اثنين متفقي الاسم، أو مع اسم الأب، أو مع اسم الجد، أو مع النسبة، ولم يتميزا بما يخص كلا منهما، كيف نميز بينهم؟
قال: (فَبِاخْتِصَاصِهِ بِأَحَدِهِمَ)، وهذا يتبين أيضا بشيخه.
مثال: إذا روى وكيع عن سفيان وأطلق، فهو سفيان الثوري.
وإذا روى أبو النعمان "محمد بن فضل السدوسي" أو أبو نعيم "الفضل بن دكين" عن سفيان، فهو الثوري؛ لأنَّ كلاهما يروي عنه
وعفان بن مسلم يروي عن حماد بن زيد، ولكن إذا أطلق فهو حماد بن سلمة، ولا يكاد يذكر "حماد" إلا ويقيده، وهذا كثير.
ولكن إذا كان الذي يَروي عن شيخ لم يدرك الثاني ففي هذه الحالة لا يشتبه، مثال: الحميدي عن سفيان بن عيينة، الإمام أحمد عن سفيان، وهو ابن عيينة، علي بن المديني عن سفيان هو ابن عيينة؛ لأنهم لم يدركوا سفيان الثوري.
(فَبِاخْتِصَاصِهِ بِأَحَدِهِمَا يَتَبَيَّنُ) إمَّا باختصاص أو إذا كان لم يروِ عن الآخر، أيضًا هذا وهذا من هذا.
{أحسن الله إليكم. هل يصلح مثال ابن أبي عمر}
نعم، ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر، وكثير، ومحمد بن يوسف الفريابي عن سفيان هو الثوري، وهذا كثير.
وأبو نعيم قد تقدمت وفاته، وهو من قدماء شيوخ البخاري، ويروي حديث الثوري بواسطة أبي نعيم، الفضل بن دُكين"
{أحسن الله إليكم.
(وَإِنْ جَحَدَ مَرْوِيَّهُ جَزْمًا رُدَّ، أَو احْتِمَالاً قُبِلَ في الأَصَحِّ، وَفِيهِ مَنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ)}.
إذا حَدَّثَ التلميذ عن الشيخ، فقال: شيخنا لا لم أحدثك بهذا. ما الحكم؟
الحافظ -رحمه الله- جعلها على مرتبتين:
إن قال لم أحدثك، أي جزم بذلك (رُدَّ).
وإن قال: لا أذكر، أي لم يجزم، (قُبِلَ في الأَصَحِّ)، وهذا مثل ما روى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ محمدٍ الدَّراوٍرْدِيُّ، عن رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عبدِ الرَّحمنِ، عَن سُهَيْلٍ بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي : «قَضَى بالشَّاهِدِ وَاليَمِينِ»، فأراد الدَّراوٍرْدِيُّ أن يعلو بالسند، فلقي "سُهَيْلَ بن أبي صالح، وذكر له حديث ربيعة الذي حدثه، فقال سهيل: لم أذكر هذا، ولكن سهيل لثقته وقوة يقينه والطمأنينة إلى رواية ربيعة صار إذا حدث ذلك يقول: حدَّثَنِي ربيعةُ عنِّي أَنِّي حَدَّثْتُهُ عَن أَبِي هكذا، لكن هذا ربما يرد أحيانًا، والحافظ -رحمه الله- جعلها مرتبتين.
ومن أهل العلم من قال: إذا كان التلميذ ثقة وجزم، والشيخ كذلك ثقة ونفى، وكان التلميذ أثبت؛ فإنه يقدم المثبت؛ لأنه مثبت، والشيخ إنما ينفي علمه، فقد يكون قد نسي، حتى إن جزم الشيخ بالنفي، وهذا هو الصحيح، وهو ظاهر ما ينقل عن الشافعي، ولعله قول مسلم، وجماعة من أهل العلم.
لكنهم يقولون: إذا جزم بتكذيبه -وهذا يكون بعيدًا- لأنَّه إذا جزم بتكذيبه فقد اتهمه بالكذب، وبالتالي قالوا: يُرَدُّ؛ لأنه ليس تقديم قول أحدهما بأولى من الآخر، ولكن إذا كان جزم بغير تكذيب؛ فالأظهر أنه يُؤخذ قول التلميذ في هذا، وهذا واقع، يعني: كونه يقول: لم يحدثك ويجزم بذلك، والآخر قد جزم، فلعله قد نسي، أو لعله وهم، ونحو ذلك.
قال: (وَفِيهِ: مَنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ) هذا من عناية أهل العلم، وقد أَلَّفَ الدار قطني كتاب: (مَنْ حَدَّثَ وَنَسي)، إذا نسي فهذا واضح أنه لا يُرد قول التلميذ بهذا.
{أحسن الله إليكم.
(وَإِن اتَّفَقَ الرُّوَاةُ في صِيَغِ الأَدَاءِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الحَالاَتِ، فَهُوَ:المُسَلْسَلُ)}.
المسلسل هو التتابع، والتسلسل فيه فوائد، منها: ضبط الرواية، وانتفاء التدليس، وتحقق اتصال السند.
وأنواعه كثيرة، منها: المسلسل بالفقهاء، المسلسل بالمحدثين، ونحو ذلك.
المسلسل بالتواصل، مثل: حدثنا عند باب داره، وهذا واضح باتصاله، أو حدثنا الذي كنا نأكل طعاما عنده، وذكر أنواعًا كثيرة من هذا.
والتسلسل فيه فوائد، ولكن غالب المتسلسلات لا تصح، ولا يصح منها إلا مسلسلات يسيرة، من أشهرها الذي رواه الترمذي، عن محمد بن كثير العبدي، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- في نزول آية الصف، حيث قال كل منهم: فقرأها علي، فعبد الله عبد سلام قال: فقرأ علينا رسول الله ، وقال أبو سلمة: فقرأ علينا عبد الله بن سلام، وقال يحيى بن أبي كثير مثل ذلك، وكذلك قال الأوزاعي، ومحمد بن كثير، والترمذي.
فهذا لا شك فيه إشارة إلى تسلسل السند بهذا السمع، وهو أصح المسلسلات في هذا الباب.
على أي صفة أتى؟
يقول الشيخ: حدثنا وهو مبتسم، وهناك أحاديث يكون التسلسل فيها في نصفها الأول دون النصف الثاني، والمقصود أنَّ التسلسل الذي يحكونه هو التسلسل في جمع السند على صفة أو حال أو نحو ذلك من الصفات.
وقد يتسلسل مثلا بالمحمديين، وقد يتسلسل باسم معين، لكن غالب المسلسلات كما يقول الذهبي: واهية ولا تصح، ولهذا الأسانيد المطلوبة لا يجوز روايتها إذا علم أنها كذب وأنها عن طريق كذاب، وإنما الذي يحتمل هذا ممكنًا، وهناك روايات ثابتة، والثابت فيها نادر، بل ربما لم ينص إلا على شيء يسير أو نادر مثلما تقدم في حديث عبد الله بن سلام.
{أحسن الله إليكم.
(وَصِيَغُ الأَدَاءِ: سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنِي، ثُمَّ أَخْبَرَنِي، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، ثُمَّ أَنْبَأَنِي، ثُمَّ نَاوَلَنِي، ثُمَّ شَافَهَنِي، ثُمَّ كَتَبَ إِليّ، ثُمَّ عَنْ وَنَحْوُهَا.
فَالأَوَّلاَنِ: لِمَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، فَإِنْ جَمَعَ فَمَعَ غَيْرِهِ، وَأَوَّلُهَا: أَصْرَحُهَا، وَأَرْفَعُهَا في الإِمْلاءِ)
}.
هذه صيغ الأداء، والشيخ -رحمه الله- ذكر صيغ الأداء ولم يذكر صيغ التحمل، وذكرا صيغ الأداء؛ لأن المقصود من التحمل هو الأداء.
وصيغ الأداء ثمانية، وصيغ التحمل ثمانية أيضا، فذكرها -رحمه الله- إجمالاً ثم بينها.
(فَالأَوَّلاَنِ) وهي: (سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنِي) تكون (لِمَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ)، فمن قال: سمعت أو حدثني، فالمعنى أنه (سَمِعَ وَحْدَهُ).
(فَإِنْ جَمَعَ فَمَعَ غَيْرِهِ) أي قال: "سمعنا وحدثنا" فمعناه: أنه سمع أو حُدِّث مع غيره، ولكن قد يقول: حدثنا وليس معه أحد، ولكن هذا يكون في الغالب.
لكن قد يقول: حدثني إنسان مثلا، وإذا حدث يقول: حدثنا، وهذا يقع، وقد يكون حدثنا ولم يحدث غيره، لكن هم يقولون: "حدثنا، وسمعت" بالجمع إذا كان في الغالب مع غيره.
قوله: (وَأَوَّلُهَا: أَصْرَحُهَ) يريد الصيغة (سَمِعْتُ)، لماذا؟
لأنها صريحة في السماع من الشيخ.
{أحسن الله إليكم. قوله: (فَالأَوَّلاَنِ) يريد: (سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنِي)}.
نعم، هما لفظتان يؤديان معنى واحدًا، وهاتان الصيغتان هما بمثابة الصيغة الأولى من صيغ الأداء، يعني صيغ الأداء ثمانية، (سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنِي) هاتان بمعنى واحد، لكن (أَوَّلُهَا: أَصْرَحُهَ)، أي: (سَمِعْتُ).
(وَأَرْفَعُهَا في الإِمْلاءِ) أنت حين تمل على طلابك من كتابك مثلا، وكتابك معك، والطالب أيضا يكتب، فأنت متحقق فيما تملي، والطلاب متحققون فيما يكتبون؛ لأنهم يسمعون وأنت تملي، أنت متحقق لأنك لا تملي من حفظك، ولا تحدث بلا إملاء، فجمعت بين الإملاء مع سماع الطلاب ومع كتبهم، فهذا غاية في الضبط من جهة التحقق مما تملي، وتحقق الطالب فيما يكتب، ولهذا قال: (وَأَرْفَعُهَا في الإِمْلاءِ)، وأرفعها أيضَا من وجه آخر، فهي لا تحتمل أرفعه أيضا من وجه آخر، فهي لا تحتمل الواسطة، وهي صريحة في ذلك. هاتان الأوليان.
{أحسن الله إليك.
(وَالثَّالِثُ، وَالرَّابِعُ: لِمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ جَمَعَ: فَكَالخَامِسِ، وَالإِنْبَاءُ بِمَعْنَى الإِخْبَارِ، إِلا في عُرْفِ المُتَأَخِّرِينَ، فَهُوَ لِلإجَازَةِ: كَعَنْ)}.
الثالث والرابع: (أَخْبَرَنِي، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ)، وهما صيغتان بمعنى واحد، (أَخْبَرَنِي، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ) لمن يقرأ على الشيخ، والشيخ يسمع، الطالب بعد ذلك إذا أراد أن يُؤدي وإذا قرأ يقول: أخبرني، ويسمونه العرض، أي: تعرض عليه، أو تقول: قرأت عليه أصرح؛ لأن (أَخْبَرَنِي) محتملا أنه يريد السماع، أو يريد التحديث، ولكن قرأت عليه لا يحتمل.
{بعض المحدثين يستعمل صيغة الإخبار في التحديث والسماع}.
هذا هو الصحيح، وهذا قول البخاري، وسفيان بن عيينة، والحميدي، ولكن قد فرق المتأخرون في هذا، وأهل المغرب لا يفرقون، هذا التفريق يكون عند أهل المشرق، واختاره جماعة، ولكن الصحيح أنه لا فرق بينهما في اللغة، ولكن اصطلاحا جرى على أن الإخبار يكون فيه حاضرًا، وأكثر من يستعمل هذا إسحاق بن راهويه، وهذا مما يميز به، فإذا قال إسحاق: أخبرنا فهو إسحاق بن راهويه.
{ومثله تلميذه النسائي أيضا}.
وقد يستعمله مع الحارث المسكين، للحكاية التي بينهم، وأنه لم يرض أن يسمعه.
(وَالثَّالِثُ، وَالرَّابِعُ لِمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ جَمَعَ) أي بدلا من أن يقول: (أَخْبَرَنِي) قال: أخبرنا، وقرأنا عليه (فَكَالخَامِسِ).
ما هو الخامس؟
قُرِئ عليه وأنا أسمع، فقرئ عليه هذا صريح بأنه قرأ مع غيره أو سمع مع غيره، سمع بعض زملائه يقرأ على الشيخ وهو يسمع، ولهذا قال: (فَإِنْ جَمَعَ: فَكَالخَامِسِ) يعني: قرئ عليه وأنا أسمع.
(وَالإِنْبَاءُ، بِمَعْنَى الإِخْبَارِ) الإنباء هذا هو الأصل، إذا قال: "أنبأنا" أو "أخبرنا" فلا فرق بينهما في اللغة، معناهما واحد، قال تعالى: قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾، فالإنباء بمعنى الإخبار.
(إِلا في عُرْفِ المُتَأَخِّرِينَ: فَهُوَ لِلإجَازَةِ: كَعَنْ) والمتأخرون قد حدَّه بعضهم أنهم بعد القرن الخامس، أي: بعد خمسمائة، فلما بدأ عام خمسمائة استعملوا أنباءنا في الإجازة، إذا أجازه قال: أنبأنا، وهذا في فيه إيهام أنه سمع منهم، ولكن إذا قال بالإجازة، فهذا أيسر، ولهذا قال: (إِلا في عُرْفِ المُتَأَخِّرِينَ: فَهُوَ لِلإجَازَةِ)؛ ولأنه يوهم إذا قال: أنبأنا في الإجازة أنه قرأ عليه الكتاب، سمع منه الكتاب، وإنما غاية الأمر أنه قال: أُجيزك بهذا الكتاب، فهو يجعل قوله: أُجيزك، أي التلفظ بالإجازة، اجعلها كالإنباء، وهذا ليس بصحيح، وفيه تدليس في الحقيقة، لكن لابد من أن يقرن باللفظ ما يدل على أنه لم يسمع منه، وإنما أجازه بهذا الشيء.
{يعني يقول: أنبأنا إجازة}.
هذه أهون ولكن الواجب أن يقول: أجازنا أو رويناه إجازة، ونحو ذلك، هذا هو المعروف في لفظ الإجازة؛ ولأنَّ الإنباء كالأخبار، كما قال الحافظ -رحمه الله.
{أحسن الله إليكم.
(وَعَنْعَنَةُ المُعَاصِرِ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ إِلاَّ مِنَ مُدَلِّسِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ لِقَائِهِمَا وَلَوْ مَرَّةً، وَهُوَ المُخْتَارُ)}.
(وَعَنْعَنَةُ المُعَاصِرِ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ) هذا إذا كان ثقة مأمونًا من التدليس، وهذا من حيث الأصل، أن يكون سالِمًا من التدليس، مع ثقة، مع التلاقي، على الشرط الذي ذكره الحافظ -رحمه الله.
(مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ إِلاَّ مِنَ مُدَلِّسِ) فالمدلس إذا قال: "عن" فهي علة في الخبر، حتى يصرح بالتحديث، وقيل: يشترط ثبوت لقائهما، وهذا الشرط الثالث، وهو الصحيح؛ لأنَّ قول: "قيل" يوهم أنه قول.
قال: (وَهُوَ المُخْتَارُ)، أي قيل على سبيل الحكاية، لكن قد يوهم أنَّ هذا القول قاله قلة، ولكن عند النظر في كلام الحفاظ نجد أنهم يكادون أن يجمعوا على هذا القول، يعني: ظاهر كلام أبي حاتم، وأبي زرعة، والإمام أحمد، ويحيى بن معين، والبخاري، وعلي بن المديني، وبعد ذلك ابن مظفر السمعاني، يعني: تتابع العلماء على ذلك، وإنما العجب كلام الإمام مسلم -رحمه الله- الذي يُوهم أنَّ هذا القول محدث أو مخترع، لكن قد يقال: إنَّ "الإمام مسلم" لم يُرد مُطلق المعاصرة، بل المعاصرة الممكنة، التي يمكن مع اللقاء، وأمَّا المعاصرة يجزم بأنهما متباعدان جدًا، هذا في المشرق، وهذا في المغرب، ولم يلتقيا في حج أو في رحلة إلى بلدا مثلا، فهذا لا يقوله مسلم ولا غيره، وهذا واضح أنَّ الإمام مسلم لا يمكن أن يكون قد أراده، لكن مع الإمكان؛ لأنه قد صرح بهذا، ولكن مع ذلك لابد من ثبوت اللقاء ولو مرة، هذا هو قول البخاري في الظاهر، مع أنَّ كثيرًا من العلماء اشترطوا أكثر من هذا، يعني: لم يكتفوا بلقاء مرة، ولكن الشيء الذي يُثبت صلة اتصال هذا السند مع المعاصرة، أنه لابد أن يلتقي ولو مرة واحدة، وهذا في الحقيقة يظهر وإن لم يصرح به بعض الأئمة في هذا، وتصرف البخاري -رحمه الله- في كتاب التاريخ، وفي التراجم التي يريدها، يدل على هذا، يعني: كثير من التراجم التي يُوردها، يعتني بهذا، أي بقضية اللقاء ويذكر عدم اللقاء، ونحو ذلك، والسماعات ويذكر أنه التقى به، يعني في تراجم ممكن لو تتبعت وجدت في التاريخ الكبير للبخاري كثيرًا، وهو العناية باللقاء، وأنه سمع منه، وهذا يدل على اشتراط أن يسمع منه، وكذلك في الصحيح.
{أحيانا بعض المدلسين يأتي بالرواية بالعنعنة، ثم يُردف رواية أخرى فيها التصريح}.
أحيانًا يفعل هذا، وحتى في غير المدلسين يعتني بمسألة التصريح بالسمع.
{لكن أحسن الله إليك، هنا قال: (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ لِقَائِهِمَ)، وبعضهم زاد مع اللقاء التصريح بالسماع ولو مرة واحدة}.
بالفعل فيها خلاف كبير، هل يكتفى بمجرد اللقاء أو لابد من السماع أو لا بد من طول المجالسة، كل هذا؛ لأنَّ ثبوت اللقاء هو مظنة الشيء، ومظنة الشيء يأخذ حكمه؛ لأنه حين يلتقي به ويقول: حدثني، ويروي عنه، وليس مدلسًا، فهذا واضح ويكفي، فإذا كان قد ثبت أنه التقى به، وحدث عنه، وليس مدلسًا، وهو ثقة، اكتفينا بهذا، وأما أن يُصرِّحَ بالسماع وهو لم يسمع فهذا مدلس. وأما غير مدلس فلا، لكن حين يُعلم أنه التقى به ولم يسمع منه، فهذا يُثبت به عدم اتصال السند، مثل: الأعمش مع أنس، وهذا واقع في رواة كثر، وفي تلاميذ التقوا بمشايخ ولم يسمعوا منهم لأسباب، قد تكون لصغره أو نحو ذلك، مثل بعضهم قد يلتقي بشيخ فيستغنى بالروايات عن مشايخ آخرين، فلم يرو عنه.
{أحسن الله إليكم.
(وَأَطْلَقُوا المُشَافَهَةَ في الإِجَازَةِ المُتَلَفَّظِ بِهَا، وَالمُكاَتَبَةَ في الإِجَازَةِ المَكْتُوبِ بِهَ)}.
قوله: (وَأَطْلَقُوا المُشَافَهَةَ) يعني: لو قال الشيخ لتلميذه أجزتك في هذا الكتاب، شافهه به، أو كتب إليه أجزتك كتابة، فيجوز عندهم أن يقول: شافهني في الأحاديث التي في هذا الكتاب، وهذا إطلاق فيه نظر؛ لأنه يُوهم، فإذا قال: شافهني فيوهم أنه شافهه بالأحاديث، وهم لم يشافهه، وإنما شافهه بالإجازة.
كذلك إذا قال: كتب إليَّ، وساق الأحاديث التي في هذا الكتاب، فيوهم أنه كتب إليه بهذه الأحاديث، وأنه يروي عنه، وهو في الحقيقة لم يكتب له الأحاديث، وكتب له يقول: أجزتك في هذا الكتاب، فلهذا فرق بين من يكتب له الأحاديث التي أجازه مع الكتابة.
إذا قال مثلا: كتب لي بهذه الأحاديث، يوهم أنه كتب الأحاديث، مع أنه الذي كتب هو الإجازة، قد كتب وقال: قد أجزتك في هذا الكتاب.
{لو كان شيخ من شيوخه الذين سمع منهم، وروى عنهم، لكن في بعض الأحاديث كتب الشيخ إلى التلميذ حديثًا أو حديثين، ثم قال التلميذ: كتب إليَّ}.
هذا لا إشكال فيه، فإذا كتب الحديث يقول: كتب إليَّ، وهذا أحد روايات التحمل المكاتبة، وهذه منها.
{أحسن الله إليكم.
(وَاشْتَرَطُوا في صِحَّةِ المُنَاوَلَةِ اقترانَها بِالإِذْنِ بِالرِّوَايَةِ، وَهِيَ أَرْفَعُ أَنْوَاعِ الإِجَازَةِ)}. أرفع أنواع الإجازة إذا ناوله، قال: خذ هذا الكتاب، وقد أجزت لك رواية هذا الكتاب، فاجتمع فيه أمران:
إجازة مع مناولة، وهذا بخلاف الإجازة، يقول: أجزتك في هذا الكتاب بلا مناولة، لكن جمع بين الإجازة والمناولة فهي أرفع أنواع الإجازة، حتى إن بعضهم قد بالغ في هذه؛ لأنه قدمها على بعض السماع الذي يكون فيه بعض السماع، الذي يكون مثلا فيه خلل ونحو ذلك؛ لأنه يجبر خلله بالإجازة، لكن إجازة مع الابن فهذه أرفع أنواع الإجازة.
قد يكن مناولة بلا إذن، وقد يكون إجازة بلا مناولة، والقصة هذه إجازة مع المناولة، أجزتك أن تروي عني هذا الكتاب، وناوله إيَّاه، فهذه أرفع أنواع الإجازة، وهذه أشار إليها، وهي من صيغ التحمل عليك، فإذا أراد أن يروي؛ يروي بهذا، فهي من طرائق الأداء، طرائق التحمل، فحين روى عنه تحمل عنه على هذه الصفة، أو أدى على هذه الصفة؛ لأنَّ الرواية إمَّا أن تكون صيغ أداء أو طرق تحمل، وهذه ثمانية، وهذه ثمانية.
{أحسن الله إليكم.
(وَكَذَا اشْتَرَطُوا الإِذْنَ في الوِجَادَةِ، وَالوَصِيَّةَ بِالكِتَابِ، وَفي الإِعْلامِ، وَإِلاَّ فَلا عِبْرَةَ بِذَلِكَ، كَالإِجَازَةِ العَامَّةِ، وَلِلْمَجْهُولِ، وَلِلْمَعْدُومِ عَلَى الأَصَحِّ في جَمِيعِ ذَلِكَ)}.
هذه كلها من طرق الرواية، (وَكَذَا اشْتَرَطُوا الإِذْنَ في الوِجَادَةِ) والوجادة أن تجد كتابًا مكتوبًا لِمَنْ يُعلم خطه، ولكن ليس فيه إجازة، فأنت حين تروي هذا، لا تقول أجازني. وهل تصح فيها الرواية؟ موضع خلاف، لكن إذا قال وجدت بخط فلان، فهذا لا بأس به، وقد يتعين إذا كان فيها شيء من العلم الذي ينبغي نشره.
{منه قول عبد الله بن أحمد: وجدت بخط أبي، في زيادات المسند، هل هي منها؟}.
والده سمع وأجازه فيما يظهر، وهنالك أشياء مثل ما ذكرت، يقول: وجدت بخط أبي، ولهذا إن كان أجازه فهذا واضح، وإن لم يكن أجازه؛ فيتعين أن يقول: وجدت بخط أبي، وجدت بخط فلان. لكنه حين يروي، لا يقول: أجازني، ما دام أنه لم يُجزه، فإذا لم يكن في الوجادة إجازة، فلا يرويه بالإجازة، إذا لم يكن في الوصية إجازة فلا يروي الوصية، مثل إنسان قال: أوصي بكتابي إلى فلان، فقيل: إن الشيخ فلان قد أوصى بكتابه إليك، هل يرويه بالإجازة؟ لا، لا يرويه إلا أن يوجد إذنٌ منه يجيزه به.
مثلا يقول لك ويعلمك: هذا الكتاب رويته عن مشايخي، أعلمه فقط وما أجازه، ولم يأذن له في هذه، فلا يروي بالإجازة، لكنه ناوله بلا إذن، ولهذا قال: (وَإِلاَّ فَلا عِبْرَةَ بِذَلِكَ، كَالإِجَازَةِ العَامَّةِ، وَلِلْمَجْهُولِ، وَلِلْمَعْدُومِ عَلَى الأَصَحِّ في جَمِيعِ ذَلِكَ)، وهذا فيه خلاف في هذه كلها.
الإجازة العامة فرق بينها وبين الإجازة الخاصة، والإجازة أربعة أنواع، يعني: مشهورة.
الإجازة العامة هو أن يقول: أجزت لجميع المسلمين أن يرووا عني هذا الكتاب، ومنهم من صححها، وإلا فلا عبرة بالإجازة العامة.
(وَلِلْمَجْهُولِ) حين يروي شخص مجهول مثلا، أو (لِلْمَعْدُومِ) يقول مثلا: أجزتُ لابن ابنك، وهو غير متزوج مثلا، لم يوجد إلى الآن، لكن إذا كان تبعًا فلا بأس، يقول: أجزتك لابنك، قال بعضهم: أتحيز لابنه وهو غير موجود؟ قال: ولحبل الحبلة؛ لأنه تابع، والتابع تابع، (عَلَى الأَصَحِّ في جَمِيعِ ذَلِكَ).
{أحسن الله إليكم.
(ثُمَّ الرُّوَاةُ إِن اتَّفَقَتْ أَسْمَاؤُهُمُ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ فَصَاعِدًا وَاخْتَلَفَتْ أَشْخَاصُهُمْ؛ فَهُوَ: المُتَّفِقُ وَالمُفْتَرِقُ.
وَإِن اتَّفَقَتِ الأَسْمَاءُ خَطًّا وَاخْتَلَفَتْ نُطْقًا؛ فَهُوَ: المُؤْتَلِفُ وَالمُخْتَلِفُ.
وَإِن اتَّفَقَتِ الأَسْمَاءُ وَاخْتَلَفَتِ الآبَاءُ، أَوْ بِالعَكْسِ؛ فَهُوَ: المُتَشَابِهُ)
}.
هذا أيضًا من أجل فنون هذا العلم، وهو اتفاق الأسماء؛ لأنَّ الرواة ثلاثة أقسام:
إمَّا أن يتفق الاسم الأول والاسم الثاني، فهذا المتفق، يعني: كما قال: هذا (المُتَّفِقُ وَالمُفْتَرِقُ).
القسم الثاني: (المُؤْتَلِفُ وَالمُخْتَلِفُ).
القسم الثالث: (المُتَشَابِهُ) مثلا عندنا إبراهيم بن يزيد النخعي، وإبراهيم بن يزيد التيمي، هذا مُتفق مُفترق، ولهذا فلو قال: (فَهُوَ: المُتَّفِقُ المُفْتَرِقُ) كان أولى، وهذا ذكره بعضهم، هو (مُتَّفِقُ المُفْتَرِقُ) بلا عطف، فهو متفق المفترق، يعني: إبراهيم بن يزيد اثنان اتفقا في العصر، وفي الشيوخ، وفي التلاميذ، وكذلك في البلد، إبراهيم بن يزيد النخعي، وإبراهيم يزيد التيمي.
إبراهيم بن يزيد النخعي بن قيس، وإبراهيم بن يزيد التيمي بن شريك. اتفقا وافترقا، هذا المتفق والمفترق.
(وَإِن اتَّفَقَتِ الأَسْمَاءُ خَطًّا وَاخْتَلَفَتْ نُطْقًا؛ فَهُوَ: المُؤْتَلِفُ وَالمُخْتَلِفُ)
عصام غنام، عباس وعياش، الخط واحد أليس كذلك؟ الرسم يعني: واحدًا، والنطق مختلف.
بُريد، ويَزيد، مثلا، وأسماء كثيرة، أَسيد، أُسيد، عَقِيلْ، وعُقَيل، عَبِيدَة، وَعُبَيدَة، عَبِيدَة بن حميد مثلا، وعَبيدة السلماني، والباقي عبيدة، وبالكنية أبو عبيدة، فهذا المؤتلف، وسموه المؤتلف ولم يسموه المتفق؛ لائتلافهما واتفاقهما في الشكل أو الرسم، والمختلف أي: اختلف في النطق.
عندنا المتشابه، أن يكون الاسم الأول متفق، والاسم الثاني: مؤتلف، مثل:
مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ -بِفَتْحِ الْعَيْنِ-، ومُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ -بضمِّها.
شُرَيْحُ بنُ النُّعْمَانِ، وسُرَيْحُ بنُ النُّعْمَانِ، إذا كان الاسم الثاني متفق والاسم الأول مؤتلف. شُرَيْحُ بنُ النُّعْمَانِ، وسُرَيْحُ بنُ النُّعْمَانِ.
الاسم الثاني متفق ولا مؤتلف؟ متفق، كلاهما النعمان، والاسم الأول مؤتلف لماذا؟ لأن الشكل واحد، شريج، وشريح، ما في فرق إلا بالنقط، فهذا مُهملة، وهذه مُعجمة.
الأول: شريج بن النعمان من الطبقة العاشرة، وشريح بن نعمان من الطبقة الثالثة، هذا متقدم، لكن الذي يعرف لطبقات، العلم هذا متلازم، الذي يعرف الطبقة، لو جاه غلط، لو قال مثلا من في طبقة أبي داود مثلاً: حدثنا شُريح بن النعمان، يقول غلط هذا، ليس بشريح بن النعمان، بل هو: شريج؛ لأنه يعرف أنَّ أبا داود لم يدرك.
فهذا يعرف بالطبقات وهذا العلم مترابط، ولذلك طالب العلم الذي يختص بعلم الحديث، يجب أن يهتم بعلم الرجال، والأسماء، والكنى، والألقاب}.
ستأتي الكنى، لكن هذا المتشابه متفق، وما أكثر ما يقع في الكتب خاصة المطبوعة، وأذكر أنه في درس الشيخ ابن باز -رحمه الله- كان يأتي من التصحيح الشيء العجيب، مثل أسماء، يعني في نقط، يعني التصحيف يكون كثيرًا، فلهذا ينبغي العناية بها، والرجوع إلى الكتب المصنفة فيها، وهي كثيرة ولله الحمد.
{أحسن الله إليكم.
(وَكَذَا إِنْ وَقَعَ الاتِّفَاقُ في الاسْمِ وَاسْمِ الأَبِ، وِالاخْتِلاَفُ في النِّسْبَةِ)}.
قوله: (وكذ) يعني: كأنه يقول: قد تتفرع أقسام أخرى، قريبة من المتشابه، يكون الاسم واسم الأب واحد، لكن اختلاف النسبة، محمد بن عبد الله الْمَخْرَمِي، ومحمد بن عبد الله الْمُخَرِّمِي، فالشكل واحد، فالأول الاسم واسم الأب من المتفق، والنسبة من باب (المؤتلف والمختلف)، وهذا كما يقع في الأسماء يقع كذلك في النسب، مثل: الأَيْلِي، والأُبُلِّي، قد يشتبه كذاب بثقة، مثل: "يونس بن يزيد الأيلي"، وهو ثقة، و "عقيل بن خالد الأيلي". و"كثير بن هشيم الأُبُلِّي"، لكن كثير بن هشيم من غير طبقته، ليس بعيدًا لكنه من غير الطبقة، وكثير بن سليمان هذا ضعيف أو متروك، وهو أُبُلِّي، وأُبُلِّي كلاهما بلد، وأُبُلِّي هذه في العراق، والأيلي في جهة مصر، يعني: كانت معروفة بالاسم هذا، هذه الأبلي، والأيلي، فالرسم واحد، ولكن يختلف في النقط وفي حركة الحروف.
{أحسن الله إليكم.
(وَيَتَرَكَّبُ مِنْهُ وَمِمَّا قَبْلَهُ أَنْوَاعُ: مِنْهَا أَنْ يَحْصُلَ الْاِتِّفَاقُ أَوْ الْاِشْتِبَاهُ إِلَّا فِي حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْن. أَوْ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ)}.
قوله: (وَيَتَرَكَّبُ مِنْهُ وَمِمَّا قَبْلَهُ أَنْوَاعُ: مِنْهَا أَنْ يَحْصُلَ الْاِتِّفَاقُ أَوْ الْاِشْتِبَاهُ إِلَّا فِي حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْن) الاتفاق تمامًا في الاسم (أَوْ الْاِشْتِبَاهُ إِلَّ) قال: الاشتباه مُشتبها، مثل: عبد الله بن منير، ومنير (ميم ونون وياء وراء) وكذلك عبد الله بن مُنَين.
آخر حرف في منير هو (الراء)، بينما آخر حرف في منين هو (نون) إذًا اتفق (إِلَّا فِي حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْن) يعني: قد يقع مثلا في حرف أو في حرفين.
(أَوْ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ) مثل: عبد الله بن نمير، وعبد الله بن منير، في (نمير) النون قبل الميم، بينما (منير) الميم قبل النون، يعني في نمير، وهو والد محمد عبد الله بن نمير، النون مقدمة، بينما عبد الله بن منير هذا المروزي، وشيخ البخاري، وأحد العلماء الزهاد العباد الميم عن مقدمة على النون.
وفي المتأخرين ابن مُنَيِّر، وهو من الشراح الإسكندراني، لكن هذا من الشراح المتأخرين، فلهذا يحصل في مثل هذا الالتباس، فإذا جاء مُصحفا يتبين من هو، وهذا أيضًا يتبين فيمن رواه.
مثلا: لو جاء عبد الله بن مُنين في كتاب الصحيح، فتقول: لا، لأنَّ ابن منين لم يروِ له البخاري، بل هو عبد الله بن منير، وهكذا فقد تكون بعض الأدلة أو بعض القرائن التي تبين ليست محصورة، لكن هناك ضوابط، وهناك أشياء يعرفها طالب العلم لمعرفته بالرجال.
(أَوْ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ) أيضا التقديم والتأخير قد يكون بالحروف، وقد يكون بنفس الاسم الكامل، مثال: "الأسود بن يزيد"، تابعي كبير، بينما "يزيد بن أسود" صحابي خزاعي، هذا تقديم وتأخير في الاسم.
يزيد بن أسود صحابي، جاء إلى النبي في فجر منى، حديث إذا صليتما في رحالكما.
{أحسن الله إليك، شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما قدمتم، والشكر موصول للإخوة المشاهدين، ونأمل أن يتجدد اللقاء بكم، نستودعكم الله -جل وعلا- الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
-----------------------------
[1] أن يذكر الراوي اسم شيخه، ولا يميزه عن غيره ممن يشترك معه في الاسم أو في الكنية.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ