الدرس الثاني

فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن عبدالله الزامل

إحصائية السلسلة

11573 9
الدرس الثاني

نخبة الفكر

{الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله أعزاءنا المشاهدين، ومرحبا بكم في برنامج (جادة المتعلم) الذي تنظمه (جمعية هداة) الخيرية لتعليم الشرعية.
نسعد بكم في المجلس الثاني من مجالس شرح متن (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر)، للحافظ ابن حجر -رحمة الله عليه-، يقوم بشرحه فضيلة شيخنا/ عبد المحسن بن عبد الله الزامل -حفظه الله تعالى- حياكم الله فضيلة الشيخ وبارك فيكم}.
حياكم الله يا شيخ خالد وجميع إخواني، نسأل الله -سبحانه- التوفيق والسداد.
{آمين، نستأذنكم شيخنا في القراءة
قال الحافظ ابن حجر -رحمة الله عليه: (وَالثَّانِي: الْمَشْهُورُ، وَهُوَ الْمُسْتَفِيضُ عَلَى رَأْيٍ)}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أمَّا بعد، فالحافظ -رحمه الله- قَسَّمَ الخبر كما تقدم، فذكر المتواتر، ثم ذكر هنا المشهور، فقال: (وَهُوَ الْمُسْتَفِيضُ عَلَى رَأْيٍ) وكما تقدم أنَّ هذا الرأي هو المشهور عند الفقهاء، والحديث المستفيض هو المشهور، لكن المشهور الاصطلاحي هو ما رواه ثلاثة فأكثر، ولم يصل إلى حد التواتر.
مثال: لو أنَّ حديثًا رواه أحدٌ من الصحابة، ورواه عنه جمع كثير، ثم رواه عنهم كذلك جمع، يعني: لو أنَّ حديثًا رواه أبو هريرة مثلا، ثم رواه عنه ثلاثة، ثم بعد ذلك رواه عن هؤلاء الثلاثة جمع كثير، وفي الغالب إنه حين يُروى بجمع كثير في الطبقة الثانية ففي الغالب تكون الطبقة الثالثة أكثر، والرابعة تكون أكثر، فننظر إلى الطبقة التي فيها أقل الرواة، ما هي؟
نجد أنَّ الطبقة التي فيها أقل الرواة هي: الطبقة الأولى حيث فيها: ثلاثة رواة، فنقول: هذا حديث مشهور، حتى وإن كان مُتواترًا في طبقة أخرى، كما سيأتي في الحديث الغريب.
مثل: يحيى بن سعيد -رحمه الله- روي عنه وتواتر عنه، وما فوق ذلك غريب.
إذًا الذي يحكم على نوع الحديث هو الطبقة الأقل، أي: في أي طبقة من الطبقات كان عدد الرواة أقل.
{أحسن الله إليكم، هل هذا يشترط أيضًا في طبقة الصحابة، أي: لابد أن يكون ثلاثة حتى يكون الحديث مشهورًا، أم فيما دون الصحابة؟}.
الظاهر والله أعلم أنَّ المشهور والعزيز لابد أن يكون في جميع الطبقات، حتى في طبقات الصحابة، إلا الغريب والله أعلم، وهذا يحتاج إلى تحرير.
مثال: حديث «‏الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَده» رواه أبو موسى الأشعري، ورواه جابر بن عبد الله في صحيح مسلم، وعبد الله بن عمرو في صحيح البخاري، وجاء عن أبي هريرة في سنن الترمذي بإسناد صحيح، وجاء عن عمرو بن عبسة عند أحمد، وعن غيرهما بأسانيد ضعيفة، ولكن له أسانيد صحيحة عن أبي موسى، وعبد الله بن عمرو، وجابر بن عبد الله، والحديث رواه عن كلٍ جماعة، فهذا مشهور على الاصطلاح، لكن أهل الحديث قد يقولون عنه: إنَّه متواتر؛ لأنّه بالنظر إلى مثل هذه الأخبار، تجد أنَّ مسألة التقسيم ترجع إلى من له خبرة ومعرفة بالأخبار، فربما من ينظر في أحد الأخبار يقول: إنَّه مشهور على اصطلاحهم، ولكن ربما آخر ينظر فيه نظر آخر، ويرى أنَّ الخبر رواه أربعة من الصحابة أو خمسة، ورواه عن هذا الصحابي جماعة، مثال: حديث رواه عامر الشعبي، ورواه عن عبد الله بن عمرو، ورواه عن أبي موسى أبو بردة ابنه، ورواه عن جابر أبو الزبير وجماعة، ورواه عن أبي الجبير جماعة، وهكذا الشعبي، وهكذا أبو بردة، وقد يكون رواه عن جابر أيضًا غير أبي الزبير، هو في الاصطلاح يُسمى مشهورًا، أي: على طريقة أهل الحديث، لكن هنا نظر آخر قد يكون مُتواترًا؛ لأنَّ الحديث حين يُروى في كتب أهل الحديث المصنفة في الشرق والغرب، فهذا الكتاب انتشر في الشرق وهذا في الغرب، ومع ذلك تتفق على رواية هذه الأحاديث بطرق مختلفة وبهذا اللفظ، فيكون هذا مما يقطع به، لكن بالنظر إلى جهة الاصطلاح، هم يقولون: هذا مشهور؛ لأنَّ هذا هو حده.
أمَّا عند غير أهل الاصطلاح، فكما تقدم قد تشتهر أحاديث لا أصل لها، ولهذا قد تجد أحاديث مشتهرة ألفت فيها مصنفات كثيرة، بعضها موضوعات، وبعضها ليس له إسناد، وعلى هذا فالحديث المشهور غير الاصطلاحي يُقصد به ما اشتهر على ألسنة الناس على اختلاف أنواعهم.
{أحسن الله إليكم.
(وَالثَّالِثُ: الْعَزِيزُ، وَلَيْسَ شَرْطًا لِلصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ).
العزيز اشتقاقه من عَزَّ، قيل: يعزُّ عِزَّةً، إذا قلَّ، وقيل: من عَزَّ، يَعَزُّ، عزازًا، ومنها: أرض العَزَاز إذا قوي، فاختُلِفَ هل هو من العِزَّة بمعنى: القلة؟ أو من عَزَّ يَعَزُّ عزازًا من العزاز وهو القوة؟ قيل هذا، وقيل هذا.
{ألا يمكن أن يشمل الوصفين؟}.
مسألة القوة هذا واضح، ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس:14]، يعني: أنَّه قَويَ بالطريق الثاني، لكن إذا قيل: من عَزَّ، يعزُّ: يعني قلَّ، فهذا فيه نظر؛ لأنَّ الحديث على هذا كثير، يعني لا يُقال: إنَّ عزيز معناه قليل، لكن من عَزَّ، يَعَزُّ، من القوة، أي أنَّ هذا الطريق قويَ بهذا الطريق، فيكون حديث رواه صحابيان مثلا، وربما يكون رواه عن الصحابي اثنان من التابعين، مثل الحديث الذي مثَّلَ به الحافظ: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ»[1]، هذا لفظ أنس، ولفظ أبي هريرة في الصحيحين: «حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ»، ورواية أنس رواها عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب، فهذا عزيز.
قال: (الْعَزِيزُ، وَلَيْسَ شَرْطًا لِلصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ) وقوله: (خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ) يريد به أبو علي الجُبَّائِي، وهو من أئمة المعتزلة، ومثل هؤلاء فيما يظهر لا ينبغي حكاية خلافهم في هذه المسائل؛ لأنَّهم قَعَّدوا القواعد التي تكون سببًا في إبطال وردِّ الأخبار في هذا الباب، ومعلوم طريقة المعتزلة، لكن البحث الآن في المصطلح، لكن هو -رحمه الله- يقول: "وإليه -أي: إلى أبي علي الجبائي- يومئُ كلام الحاكم، وصرح به ابن العربي في شرح البخاري"، وقوله: إنَّ الحاكم يومئ إليه لكنه ليس صريحًا، وأنا لم أطلع على كلام الحاكم، والحافظ -رحمه الله- يقول: "يومئ إليه"، يعني: لم يصرح به -رحمه الله- لكن من ينظر في كلام الحاكم في المستدرك وغيره، قد يقال: الأمر على خلاف ذلك من جهة تصحيحه لكثير من الأخبار التي ليست على هذا الوصف المذكور.
القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البُخَارِيّ قال ذلك وصرَّح به، فأوردَ عليه حديث: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ»[2]، وهو أول حديث في الصحيح، وآخر حديث في الصحيح: «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ»[3].
الحديث الأول: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ» رواه عمر -رضي الله عنه- وانفرد عنه علقمة بن وقاص الليثي، وانفرد عنه محمد بن إبراهيم، وانفرد عنه يحيى بن سعيد.
وحديث أبي هريرة وهو آخر حديث في الصحيح «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ» رواه محمد بن فضيل عن عمر بن القعقاع عن أبي زُرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة، يعني: في ثلاث طبقات كلهم واحد عن واحد عن واحد.
فقال رحمه الله: حديث عمر لا يرد؛ لأنَّ عمر قاله في مشهد عظيم، ومثل هذا الذي يقال في مشهد لا يكون خبرًا غريبًا. فقيل كيف لا يكون؟ هل يلزم أنه قاله بمحضر من الصحابة على المنبر، وأن يسمعوه؟ لا يلزم، لو أُرخي العِنان وَسُلِّمَ له بذلك؛ قلنا: لا بأس، سُلِّمَ له بذلك، أي أنه لم يسمعه غير عمر -رضي الله عنه- من النبي ، فماذا تقول في علقمة بن أبي وقاص؟
انفرد به، وماذا تقول في محمد بن إبراهيم التيمي؟ انفرد به، ماذا تقول في يحيى بن سعيد؟ انفرد به، إذًا انتَقَضَ هذا.
كذلك حديث أبي هريرة، هو من هذا الباب في جميع الطبقات -الطبقة الأولى والثانية والثالثة- يعني: حديث أبي هريرة ثلاث طبقات، وحديث عمر -رضي الله عنه- علقمة من التابعين ثم محمد بن إبراهيم ثم يحيى بن سعيد، ولا شك أَّن هذا القول ضعيف إن لم يكن باطلا.
قال: (وَلَيْسَ شَرْطًا لِلصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ) يعني: بعضهم قد يتوهم من بعض ما رُوِيَ في بعض الأخبار أنَّ الخبر الواحد يتوقف فيه؛ لأنَّ النبي لَمَّا قال له ذو اليدين: "أنَسِيتَ أمْ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟"، قال: «لَمْ أَنسَ وَلَمْ تُقْصَرْ»[4]. قال ذلك: ذو اليدين وحده، فقال النبي : «أصدَقَ ذو اليدينِ؟» فقالوا: نعم. فقالوا: إنَّ النبي لم يكتف بخبر الواحد.
ويرد عليهم بأنَّ هذا لا يدل على هذا؛ لأنَّه أخبر في مكان وفي مقام الهمم والدواعي تستدعي أن يُقال كما قال، فلهذا استفسر النبي لعله حصل له شيء من النسيان أو الغفلة أو السهو أو ظُنَّ أنَّ الصلاة قد قُصِرَت فصارت ركعتين، ولذلك سأل النبي ، ولا شك أنَّ الإنسان حينما يخبر في جمع عظيم عن شيء هم شاهدوه وهم حاضرون وساكتون، لا شك أنَّ هذا يُحدثُ شيئًا من الريبة، ويحتاج إلى النظر، ولهذا سأل النبي .
أمَّا النبي فكان يكتفي بخبر الواحد، فكان يرسل الرسول الواحد إلى البلاد؛ ليكون حجة عليهم، كما أرسل معاذ بن جبل لأهل اليمن، وأرسل أبو موسى الأشعري وكثير من الرسل أرسلهم إلى البلاد، وكان يكتفي بخبر الواحد، والأخبار في هذا كثيرة في سيرته ، وهكذا كان عمر -رضي الله عنه- مثل: خبر الاستئذان[5] هو من هذا الباب، وأراد أن يتوقع الناس والخبر عن النبي وإلا فعمر -رضي الله عنه- اكتفى بحديث الضحاك بن سفيان الكلابي في أنّه ورث امرأة أشيم جندية في زوجها، وكذلك في غُرَّة الجنين، قال: "لَوْ لَمْ نَسْمَعْ بِهَذَا مَا قَضَيْنَا بِغَيْرِهِ"[6]، وكل هذا يُبين أنهم كانوا يأخذون بخبر الواحد، وأنَّ هذا محل إجماع واتفاق من السلف، وما جاء من أخبار في هذا؛ فإنها لأمور أحاطت بها، أوردت شيئًا من الريبة، فاحتاج السلف إلى النظر والتحقق، أو لسببٍ من الأسباب مثلما وقع لعمر، لَمَّا أراد أن يشدد في الأمر؛ لأنَّه لَمَّا كثر الداخلون في الإسلام ونحو ذلك؛ خشي أن يحصل عدم تأني في نقل الخبر عن النبي والحديث عنه؛ ولذا شدد عمر -رضي الله عنه- في بعض الأحايين في هذا الباب.
{قال المؤلف: (وَالرَّابِعُ: الْغَرِيبُ، وَكُلُّهَا سِوَى الْأَوَّلِ آحَادٌ)}.
الحديث الغريب سيأتي المصنف -رحمه الله- إلى تقسيمه، ولهذا سيؤخر عليه الكلام حتى يأتي الكلام في ذكره، والأحاديث هذه (المشهور والعزيز والغريب) كلها إذا استوفت شروط الحديث الصحيح فهي أحاديث صحيحة، ولهذا كانت هذه الطرق لهذه الأحاديث هي التي تحتاج إلى النظر، وتخضع للصحة والحسن والضعف ولهذا قال: (وَكُلُّهَا سِوَى الْأَوَّلِ آحَادٌ) والآحاد هو ما دون المتواتر، فالمشهور آحاد، والغريب آحاد، والعزيز آحاد، لماذا؟ لأنَّهم دون المتواتر.
{أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله: (وَفِيهَا الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ؛ لِتَوَقُّفِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ رُوَاتِهَا دُونَ الْأَوَّلِ)}.
وفيها المقبول لاستيفاء شروط الصحة؛ لأنَّ هذا الخبر ما دام أنه من أخبار الآحاد؛ فإنَّه يحتمل، فإذا نُظِرَ في الخبر ووجد أنَّه قد استوفى شروط القبول؛ فانه يكون مقبولاً صحيحًا، ثم هذا المقبول الذي هو الآحاد -كما سيأتي- قد يرتفع إلى ما يكون حُكمه حكم الخبر المتيقن، كما سيأتي في قوله -رحمه الله: (وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ بِالْقَرَائِنِ عَلَى الْمُخْتَارِ) لكن هذه الأخبار قد تحتمل القبول وقد تحتمل الرد، القبول لاستيفاء شروط الصحة؛ كما سيأتي في شرط الحديث الصحيح.
(وَفِيهَا الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ) هذا البحث يتعلق بالإسناد؛ لأنَّ البحث إمَّا أن يتعلق بالإسناد وإمَّا أن يتعلق بالمتن، وكلامه الآن فيما يتعلق بالإسناد، وسيأتي كلامه فيما يتعلق بالمتن إن شاء الله.
(وَالْمَرْدُودُ) لفوات شرط من شروط الصحة، مثل: أن يكون مُنقطعًا، أو أن يكون مُعضلاً، أو أن يكون مُرسلا، أو أن يكون مُعلقًا، أو أن يكون شاذًّا، وهكذا من سائر العلل التي ستأتي -إن شاء الله.
(الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ؛ لِتَوَقُّفِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ رُوَاتِهَا دُونَ الْأَوَّلِ) يعني: لابد أن يبحث عن أحوال الرواة.
كيف يبحث عن أحوال الرواة؟
نقول: الرواة -بحمد الله- دُوِّنُوا في كتب الحديث، والبحث في الرواة على مرتبتين:
المرتبة الأولى: تتعلق بمعرفة الضعيف من القوين والمجروح من غير المجروح، وهذا يُعرف بالنظر في كتب الرجال، وكتب الرجال بينت أحوال هؤلاء، وأهل العلم تكلموا على جمع الرواة، والراوي الذي لم تُعلم حاله يكون مجهولاً، على تقسيم المجهول، فهذا يعرف بالنظر في كتب الرجال، وهذه مرتبة سهلة، ممكن أن يصل إليها أي طالب علم، يَرجع إلى كتب الرجال، ثم ينظر هذا الرجل ماذا قيل فيه من: أحمد بن حنبل، والبخاري، وابن المديني، وأبو حاتم، وأبو زُرعة، وغيرهم؟
قد يجتمعون في الكلام عليه، وقد يتكلم عليه بعضهم دون الآخر، لكن إن كانوا قد أطبقوا على الجرح فهذا مردود، وإذا أطبقوا على تعديله فهذا مقبول، وحين يختلفون تأتي رتبة هذا الراوي، المختلف فيه، ما هي رتبته؟ ولهذا يكون الخلاف قويًا في هذه المسألة، كيف تعرف رتبة هذا الرجل؟
هذا فيما يتعلق بالشخص المختلف فيه، أيضًا قد يكون الراوي أطبقوا على الثناء عليه، لكن ثناؤهم عليه ليس بذات الثناء المُبَرِّز، لكنهم يمدحونه بأنه لا بأس به، وصدوق ولا يُجرح، فيكون درجة الوسط مثلا، لكن حين يكون ثناؤهم عليه ثناءً عاليًا بأنه ثقة ثبت، وأنه حُجة، وأنَّه كذا وكذا، فهذا يكون في الدرجة العالية.
إذًا هذه رتب كثيرة، تختلف بالنظر في كتب الرجال، وهذه هي المرتبة التي تميز فيها أهل النظر، وهي تمييز مراتب الرجال، أو تمييز مراتب الرواة، وأكثر الرواة من الرجال، ولكن هناك طبقة كثيرة من النساء، ولهذا يقول الحافظ رحمه الله: (لِتَوَقُّفِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ رُوَاتِهَا دُونَ الْأَوَّلِ) وهو المتواتر، ولهذا كان فيها المقبول؛ لتوفر شروط الصحة، وفيها المردود لعدم توفر شرط من شروط الصحة.
وقوله: (وَفِيهَا الْمَقْبُولُ) يشمل أربعة مراتب، وهي: الصحيح لذاته والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره، وأمَّا (الْمَرْدُودُ) فمراتبه لا حصر لها في الضعف، وقد يقع الاختلاف في بعض هذه المراتب بين أهل العلم بحسب النظر في الرجال، ومراتب هؤلاء الرواة، فقد يُختلف على الراوي، فبعضهم يقول: لا بأس به أو صدوق، وبعضهم يقول: يخطئ كثيرًا أو يهم، فلهذا تجد هذه المرتبة يختلف فيها اختلافًا كثيرًا، لكن -ولله الحمد- الأحاديث التي هي أصول في هذا الباب محفوظة ومضبوطة من جهة الأسانيد، ومن جهة معرفة مرتبة الحديث، وقد يكون الحديث قد اختُلِفَ فيه كثيرًا، لكن إذا كان في أصل من الأصول؛ فإنَّ شواهده الصحيحة تكون كثيرة.
{أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله: (وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ بِالْقَرَائِنِ عَلَى الْمُخْتَارِ، ثُمَّ الْغَرَابَةُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي أصل السَّنَدِ، أو لَ)}.
هل أخبار الآحاد تفيد مجرد الظن أو تفيد العلم اليقيني، يعني: أن نقطع بهذا الشيء؟
يقول الحافظ -رحمه الله: (وَقَدْ يَقَعُ فِيهَ) و (قد) حرف للتحقيق لا محل له من الإعراب، وإذا جاء بعد (قد) فعل مضارع تكون للتحقيق وكذلك للتكثير، و (قد) لها معان كثيرة، فقد تكون للتقليل أو للتكثير أو للتقليل أو للتوفر أو للتقريب.
أمثلة: قد قامت الصلاة، قد أفلح المؤمنون، ولهذا يقول الحافظ -رحمه الله: (وَقَدْ يَقَعُ فِيهَ)، وهنا للتحقيق، أي: أنَّ هذه الأخبار قد يكون فيها (مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ)، لكنه قال: (الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ) لماذا؟ لأنَّه يكون بعد النظر، وذلك أنَّ هذه الأخبار الآحاد بالنظر في طرقها ومخارجها، وتعددها بكثرة أسانيدها، وباختلاف الطرق من هنا ومن هنا؛ فإنها تفيد (الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ) هي ابتداءً، لكن قد لا تُفيده، ولكن حين تنظر في الخبر، الذي رواه جماعة من الصحابة -ثلاثة أو أربعة مثلا- فترى أنَّه قد رواه عن هذا الصحابي جماعة، وهذا الخبر روي في مصنفات كثيرة، صنفت في الشرق وفي الغرب وفي كل مكان، ومع ذلك تتفق على هذا الخبر، فقد (يَقَعُ فِيهَا مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ) بماذا؟ (بِالْقَرَائِنِ عَلَى الْمُخْتَارِ)، فالقرينة بمثابة الخبر، كما في باب الشهادات، فقد تكون هناك قرائن تكون بمثابة الشاهد، والعلماء في هذا الباب جعلوا القرائن لها دلالة، قد تكون أقوى أحيانا من أمور يخبر بها؛ لأنَّ القرينة ظاهرة ولها دلالات قد تشاهد، وهذا -كما ذكروا- لو أنَّ أنسانًا سمع أنَّ فلانًا نال شيئًا على مرتبة علمية ونحو ذلك. سمع هذا الخبر، ثم مر بداره فرأى دلائل على صحته، مثل: أناس يقدمون ويسلمون عليه ويباركون له، هو مجرد رأى، أو رأى مناسبة قد أقيمت، فكل واحدة من هذه تعد قرينة، وكل قرينة تعد بمثابة الخبر، وقد تجتمع عشرين أو ثلاثين قرينة، فينضم بعضها إلى بعض؛ فتكون بمثابة الأخبار الكثيرة التي تقوى، وترفع الخبر إلى درجة العلم، وأولى ما يوقع عليه هذا العلم هو: أخبار الصحيحين، فأخبار الصحيحين عند كثيرٍ من أهل العلم يجعلونها أخبار مقطوع بها، أي: ثابتة، وإن كان الكثير منها أخبار آحاد، يعني: لم يروها مثلاً إلا عددًا من الصحابة، لكن لها طرق كثيرة.
إذًا القطع بأحاديث الصحيحين؛ لأنَّ الأمة أجمعت على صحة هذين الكتابين، هذا أولاً، وأمَّا ثانيًا: فأحاديث الصحيحين رواها الأئمة الكبار بحفظهم وجلالتهم، فهذه القرائن على اجتماعها تُفيد العلم.
قد يقول قائل: لا، بل تفيد الأمل، نحن نسلم أنَّ الناس أجمعوا، لكن نحن نقطع بوجوب العمل بما فيهما. لا العلم. نقول: لو قلنا: إنَّ الإجماع واقع على وجوب العمل لِمَا فيهما لم يكن للصحيحين مزية؛ لأنَّ هذا واقع على غير الصحيحين، كل حديث ثابت صحيح؛ فإنه يقع الإجماع على وجوب العمل به، فإذا قيل: إنَّ هذه المزية لغير الصحيحين لم يكن للصحيحين مزية، وقد أجمع العلماء على أنَّ له مزية باتفاق العلماء على قبولهما، ولهذا جزم كثير من أهل العلم بهذا وقطعوا به، وقالوا: إنما فيهما مما يفيد العلم.
ثم هذا هو محل اتفاق وإجماع السلف المتقدمين، منهم من يقول: هو قول جمهور السلف، ومنهم من يحكي إجماع السلف على هذا، ولهذا يأخذون بهذا الخبر ويقطعون به ما دام أنَّه ثابت عن النبي وخصوصًا مع وجود هذه القرائن، وهذه الدلائل واجتماعها، فكل قرينة بمثابة الخبر الذي ينضم إلى القرينة الثانية، فاذا اجتمعت القرائن كانت بمثابة اجتماع الأخبار، ومثابة كثرة الطرق، فأفاد القطع بذلك، وهذا أمر مشاهد، فالإنسان قد يبلغه مثلا أنَّ فلانًا توفي، يسمع خبرًا واحدًا، فلان توفي، هو لم يشاهده، ولكن بلغه الخبر، ثم مَرَّ بداره، فرأى دلائل تدل على ذلك، مثل من يُعزي، أو من يترحم، ويقول: رحم الله فلانًا كان كذا وكذا، أو غير ذلك من القرائن المعروفة بين الناس والتي تجعله يقطع بأنه توفي، وإن لم يبلغه الخبر إلا من واحد، لكن حين رأى هذه القرائن والدلائل قطع بهذا الخبر، وهذا أمر لا يكاد ينضبط هذا يقع في أشياء كثيرة، مما يقطع الإنسان بأن الخبر صحيح وإن لم يصله إلا عن طريق واحد؛ لوجود الدلائل بهذه القرائن؛ ولهذا جزم الحافظ بذلك، ولكنه قال: (يُفِيدُ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ)، لأنَّ العلم عندهم علمان، علم نظري وعلم ضروري، والعلم الضروري هو الذي يضطرك إلى هذا الشيء بدون أن تنظر، حين يُذكر لك مثلا أي بلد، مكة مثلا أو المدينة فأنت تقطع بوجودهما، يعني أنت شاهدتهما، لكن قد تكون بلاد لم تشاهدها، ولكن حين تذكر لك مدينة من مدن العالم المشهورة، إذا سمعتها تقطع بذلك ولا يحتاج إلى أن تنظر أين هي، بالرغم من أنك لم ترها بعينك أبدًا؟ وبالرغم من ذلك فأنت تقطع بذلك، وهكذا في مسائل كثيرة من هذا الباب.
ولهذا كانت القرائن لها أصل في هذا الباب، فهذا علم ضروري، بينما العلم النظري الذي يحتمل مثلا، لكنه يؤول إلى الضروري بعد البحث، فإذا قلت لك كم نصف الاثنين؟ تقول: واحد وتقطع بذلك، ولا يحتاج إلى أن تفكر.
لكن لو قلت لك: كم نصف سدس اثني عشر؟
يحتاج الانسان إلى أن ينظر وأن يفكر، فسدس اثني عشر هو اثنان، ونصف الاثنين واحد، إذا نصف الاثني عشر هو واحد. فهذا العلم النظري مآله إلى ماذا؟ مآله إلى العلم الضروري والقطع بذلك، فابتداؤه نظري وانتهاؤه ضروري. فكذلك مثل هذه الأخبار هي من هذا الباب، ولهذا قال: (وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ بِالْقَرَائِنِ عَلَى الْمُخْتَارِ) إشارة إلى أن هذه المسألة مما وقع فيها الخلاف عند المتأخرين، أمَّا المتقدمون فإنهم لا يرون هذا التفريق، وإن كانت الأخبار لا شك تتفاوت تفاوتًا عظيمًا.
{لكن الأولون متفقون على أنها تفيد العلم إذا صح الخبر عندهم}
نعم بلا شك، وقد حكى اسحاق بن راهويه وجماعة من أهل العلم الإجماع عليه، وذكر هذا العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كثير من كتبه، مثل: آخر كتابه الصواعق، وفي مختصر السواعد.
{أحسن الله إليك، هل إدخال مثل هذه المصطلحات "ضروري ونظري" في مصطلح أهل الحديث أليست هذه تعتبر دخيلة؟}.
 لا شك هذه أمور دخلت، يعني: حينما يقولون مثلاً: هذا فصل، وهكذا، وقد استخدم هذا الحافظ ابن حجر استخدم في شرحه، يعني: حينما أراد التعبير عن خبر الآحاد قال: هذا جنسٌ. ثم قال: هذا فصل، يعني: الاسم العام ثم الخاص، يعني: تأثرت العلوم هذه بعلم الكلام وعلم المنطق، لكن هناك بعض العلوم لا ضرر فيها أو بعض الكلمات لا ضرر فيها، وهو من باب إيضاح البيان، لكن الشأن إذا ترتب عليها أمور مثل: مسألة خبر الآحاد، وجعل أخبار التي تأتي من طرق كثيرة وهي دون المتواتر تفيد الظن ولا تفيد العلم، إذا ترتب عليه مثل هذا فهو الذي مما يُبين، وأنَّ خلاف ما كان عليه السلف تظهر عليهم، وأنهم كانوا مجرد ما يسمعون الخبر مباشرة يقبلونه.
{هذا الذي جعل المعتزلة وأتباعهم من الأشاعرة الذين يقولون: إنَّ خبر الآحاد لا يكون حُجة في العقائد، وهذه كلها دعاوى باطلة}.
أنا أقول ليتهم سلموا بهذا، ليتهم بقوا على هذا، يعني: لو قالوا لا نحتج بخبر الآحاد، نقول: طيب أنت تقولون هذا، ونريد أن تسلموا بالأخبار المتواترة في العقيدة، يكفي.
هل يلتزمون بهذا؟ هل سلموا بهذا؟
للأسف هذا ليس بصحيح، بل هم يأتون إلى أخبار متواترة يحرفونها، بل أتوا إلى كتاب الله -سبحانه وتعالى- في باب الصفات، وقالوا ما قالوا في باب التأويل، الذي يصل إلى التحريف، ولو وقفوا على مثل هذا وقال: نحن نسلم بالأخبار المتواترة، نقول: كتاب الله هو أعظم ما يقال في هذا الباب من جهات تواتره والقطع به، وكذلك السنة في كثير من الأخبار، مثل: حديث الاستواء، الذي ورد فيه نحو ثلاثين خبر في هذا الباب، فالمسألة ليست في كونه تفريطًا، لو كان مجرد تفريط أي: أنهم يقولون لا نُسلم بهذا؛ لأنَّ غالب الصفات التي وردت في هذا الباب كلها مقطوع بها في باب ثبوتها، حتى على أصولهم، ولكنهم لا يسلمون بها.
{نقول: الحمد لله الذي عافانا، هذا من فضل الله، والحمد لله.
أحسن الله إليكم.
قال رحمه الله: (ثُمَّ الْغَرَابَةُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي أَصْلِ السَّنَدِ، أَوْ لَا.
فَالْأَوَّلُ: الْفَرْدُ الْمُطْلَقُ. وَالثَّانِي: الْفَرْدُ النِّسْبِيُّ، وَيَقِلُّ إِطْلَاقُ الْفَرْدِيَّةِ عَلَيْهِ)
}.
قال رحمه الله: (ثُمَّ الْغَرَابَةُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي أَصْلِ السَّنَدِ) الغريب من جهة الغرابة الاصطلاحية، إلا أنَّ أصل الغربة والتغرب هو البعد والتنحي في اللغة، لكن هو فيه معنى من هذه المعاني من جهة اللغة، والمعنى المراد هنا: هو المعنى الاصطلاحي، ولهذا قال: (إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي أَصْلِ السَّنَدِ) وأصل السند هو: أوله وليس مُنتهاه، أو يقال: مُنتهاه من جهة النبي ، أي: من جهة أعلاه في أصل السند، وأصل السند هو من يَروي عن الصحابي وهو التابعي.
الغرابة تكون من جهتين: أولى يعني: لا تكون في أصل السند، بل تكون في أثنائه، إن كانت في أوله بعد الصحابي فهي الغرابة المطلقة.
(فَالْأَوَّلُ: الْفَرْدُ الْمُطْلَقُ. وَالثَّانِي: الْفَرْدُ النِّسْبِيُّ) هذا يتضح بالمثال، حديث عمر -رضي الله عنه- «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ» رواه علقمة كما تقدم، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ» رواه أبو هريرة، ورواه أبو جعفر عن ابن جرير عنه، وحديث "النهي عن بَيْعِ الوَلاءِ وعن هِبَتهِ"[7]، تفرَّدَ به عبدُ الله بن دينار عن ابن عمر.
حديث «الإيمان بضع وسبعون وشعبة»[8] تفرَّدَ به أبو صالح عن أبي هريرةَ، وتفرَّدَ به عبدُ اللهِ بنُ دينار عن أبي صالح.
حديث «إنَّا قَافِلُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ»[9]، في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو لَمَّا غزا النبي الطائف، ولم يفتحوه فقال: «إنَّا قَافِلُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ» قال: نرجع يا رسول الله ولم نفتح. قال: «اغْدُوا علَى القِتَالِ»، فغدوا فنالتهم رماح ثقيف. فقال: «إنَّا قَافِلُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ» فأعْجَبَهُمْ ذلكَ، فَضَحِكَ . رواه عبد الله بن عمرو ورواه عنه أبي العباس الشاعر، ورواه عنه عمرو بن دينار، ورواه عن عمرو بن دينار سفيان بن عيينة، كل هذه الغرابة وقعت في هذه الأخبار، والغرابة في أصل السند، أي: في أوله.
انفرد علقمة عن عمر، وانفرد أبو صالح عن أبي هريرة، وانفرد عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وانفرد أبو العباس الشاعر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وانفرد عن الشاعر عمرو بن دينار، وحديث عمر -رضي الله عنه- انفرد علقمة، وهذه غرابة في أصل السند، وهذا يسمى (الْفَرْدُ الْمُطْلَقُ).
ما معنى الفرد المطلق؟
أنَّه انفرد بهذه الرواية فلم يروها غير هؤلاء عن الصحابي -رضي الله عنه- في هذه الطبقة، لكن إن تسلسل التفرد في بعض الروايات إلى الطبقة الثانية والثالثة والرابعة كحديث عمر، وكذلك حديث أبي هريرة، وحديث أبي عبد الله بن عمرو، وحديث ابن عمر في طبقة واحدة، وحديث شعيب في طبقتين، أبو صالح انفرد، وعبد الله بن دينار انفرد عن أبي صالح في طبقتين، هو يكفي الانفراد في طبقة واحدة، في تسميته بـ (الْفَرْد الْمُطْلَقُ).
الفرد المطلق لماذا؟ لأنَّه لم يروه أحد غيره، ولم يروه صحابي آخر، فيرويه تابعًا، بل هو انفرد بهذا الحديث في الدنيا.
لكن هل يعتبر لو رواه آخر ضعيف؟
الظاهر أنه لا يعتبر إذا كان هذا ضعيف؛ لأنَّه في هذه الحالة إذا كان ضعيفًا فلا يلتفت إليه. هذا هو (الْفَرْد الْمُطْلَقُ) هذا من جهة الاصطلاح.
قال: (وَالثَّانِي: الْفَرْدُ النِّسْبِيُّ) وقوله: (أَنْ تَكُونَ فِي أَصْلِ السَّنَدِ، أَوْ لَ) يعني: ليست في أصل السند، يعني: في أثنائه، وفي الغالب أنَّ الخبر حين يُروى في الطبقة الأولى يرويه أكثر من واحد، يعني: يرويه أكثر من تابعي، لا شك أنه لا يمكن أن يكون فردًا مُطلقًا. ماذا يكون؟
يكون فردًا نسبيًا.
مثال: حديث يرويه أنس -رضي الله عنه- ويرويه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب مثلا، ويرويه عن أبي هريرة الأعرج مثلا، وأبي صالح ونحوهم، وهكذا، ثم ينفرد راوٍ عن قتادة.
الحديث رواه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب، وانفرد سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وحده مثلا، لكن عبد العزيز بن صهيب انتشر عنه، وقد يكون أيضًا رواه صحابة آخرون، لكن لم يروه عن قتادة إلا سعيد بن أبي عروبة، أو شعبة أو غيرهم مثلا، أو هشام الدستوائي مثلا.
في هذه الحال نقول: هذا (فَرْد نِسْبِيُّ) لماذا فرد نسبي؟ بالنسبة لروايته عن قتادة، وإلا فهو ليس فرد مطلق؛ لأنَّه رواه غير قتادة -توبع قتادة- وكذلك أيضًا رواه عمَّن روى عن قتادة غير قتادة، وروي عنه من طُرق أخرى، في هذه الحالة سُمِّيَ فردًا نسبيًا.
الفرد النسبي قد يكون بالنسبة لشخص، وقد يكون بالنسبة إلى بلد، انفرد به أهل مكة مثلا، انفرد به المرو، هذا يقع في كلام أهل العلم، وله تقاسيم أخرى، لعله يأتي الإشارة إليها -إن شاء الله- نسأل الله -جلَّ وعلا- لنا ولكم التوفيق والسداد.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما قدمتم وأجدتم وأفدتم، والشكر موصول أيضًا لإخواننا المشاهدين، وإلى حلقة جديدة -إن شاء الله- في هذا الشرح الطيب المبارك، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
 --------------------------
[1] رواه البخاري (15).
[2] رواه البخاري، ورواه مسلم (1907).
[3] رواه البخاري (6406).
[4] رواه البخاري (1227)، ومسلم (573).
[5] يراد بذلك حديث البخاري (2062)، والذي فيه أنَّ أبا مُوسَى الأشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ علَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَلَمْ يُؤْذَنْ له، وكَأنَّهُ كانَ مَشْغُولًا، فَرَجَعَ أبو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ، فقالَ: ألَمْ أسْمَعْ صَوْتَ عبدِ اللَّهِ بنِ قَيْسٍ؟ ائْذَنُوا له، قيلَ: قدْ رَجَعَ، فَدَعاهُ فقالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بذلكَ، فقالَ: تَأْتِينِي علَى ذلكَ بالبَيِّنَةِ، فانْطَلَقَ إلى مَجْلِسِ الأنْصارِ، فَسَأَلَهُمْ، فقالوا: لا يَشْهَدُ لكَ علَى هذا إلَّا أصْغَرُنا؛ أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ. فَذَهَبَ بأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، فقالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ هذا عَلَيَّ مِن أمْرِ رَسولِ اللَّهِ ؟! ألْهانِي الصَّفْقُ بالأسْواقِ. يَعْنِي الخُرُوجَ إلى تِجارَةٍ.
[6] يقصد الشيخ الحديث المروي عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أُذَكِّرُ اللَّهَ امْرَأً سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى فِي الْجَنِينِ، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُنْتُ بَيْنَ جَارِتَيْنِ - َعْنِي ضَرَّتَيْنِ-، فَجَرَحَتْ أو ضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودِ ظُّلَّتِها فَقَتَلَتْهَا وَقَتَلَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، فَقَضَى النَّبِيُّ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أو أَمَةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ بِهَذَا مَا قَضَيْنَا بِغَيْرِهِ.
[7] هو حديث "نهى رسول الله عن بَيْع الوَلاءِ وعن هِبَتِه". البخاري (١٤٧) ومسلم (٢١٦).
[8] هو حديث: "الإيمان بِضْعٌ وستون شُعْبَةً. . ." البخاري: (٧) ومسلم: (٤٦).
[9] حَاصَرَ رَسولُ اللهِ أَهْلَ الطَّائِفِ، فَلَمْ يَنَلْ منهمْ شيئًا، فَقالَ: «إنَّا قَافِلُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ»، قالَ أَصْحَابُهُ: نَرْجِعُ وَلَمْ نَفْتَتِحْهُ فَقالَ لهمْ : «اغْدُوا علَى القِتَالِ»، فَغَدَوْا عليه، فأصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللهِ : «إنَّا قَافِلُونَ غَدً»، قالَ: فأعْجَبَهُمْ ذلكَ، فَضَحِكَ . أخرجه البخاري (7480)، ومسلم (1778).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ