الدرس الأول

فضيلة الشيخ أ.د. علي بن عبدالعزيز الشبل

إحصائية السلسلة

20861 9
الدرس الأول

رفع الملام عن الأئمة الأعلام

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حياكم الله أعزائي المشاهدين في حلقةٍ جديدةٍ من برنامج "جادَّة المتعلم" يصحبكم فيه فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ علي بن عبد العزيز الشبل.
حياكم الله فضيلة الشيخ}.
وأنا كذلك أرحب بكم وأرحب بإخواني وأخواتي من طلاب العلم وأهل العلم، ومحصِّليه ومبتغيه في هذه المجالس، التي نتذاكر فيها كتابًا جليلًا من كتب أهل العلم، وهو كتاب "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" سائل الله -جَلَّ وَعَلَا- أن يجعله لقاءً طيبًا موفقًا مباركًا، ينفع الله -جَلَّ وَعَلَا- فيه الجميع، وأن يجعله من مجالس العلم الموصلة إلى مرضاته وعوالي جنانه، وأن يحقق به الزلف لديه بالمرضات والقبول، ويجعله خالصًا لوجهه، لا حظَّ فيه لأحد غيره، إنه سبحانه جواد كريم.
{اللهم آمين، بارك الله فيكم فضيلة الشيخ}.
قبل أن نبدأ؛ نعطي فكرة للإخوان ولطلاب العلم عن هذا الكتاب:
فأمَّا الكتاب فهو: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".
وأمَّا موضوعه العام فهو: أدب العلم، تلقيًا ونشرًا، وتعاملًا مع أهله ومع مصادره.
وأمَّا موضوع الكتاب الدقيق أو الخاص فهو: أسباب اختلاف العلماء، هذا المعنى الذي يتأكَّدُ على طالب أن يَفطن له، وكذلك عوام المسلمين إذا وردت عليهم المسائل التي فيها الأقوال المختلفة لأئمة الإسلام وعلمائه، فيراعي هذا الاختلاف بتحري هذا الأمر بأسبابه.
وشيخ الإسلام ألَّف ذلك لَمَّا تنوَّعت وتعدَّدت ملامة الناس على أهلِ العلم؛ كيف يخالفون أحاديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع إجماعهم على تلقيهم العلم عنها، وعن الكتاب العزيز!
فجاء هذا الكتاب وفي سبب تأليفه أنه لدفع هذه اللائمة التي تقع من بعض الناس مِن عوامهم وبعض متعلميهم؛ كيف يخالف الأئمة الأعلام، يعني الكبار المشهود لهم المحسوبون على العلم يخالفون أحاديث ثابتة وصحيحة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
مؤلف هذا الكتاب هو عالمٌ حبرٌ، مِن محققي علماء المسلمين، وهو الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن الخضر بن تيمية الحراني النميري، المولود في حرَّان سنة إحدى وستين من الهجرة، وهي بلدة مشهورة في بلاد الأكراد، وهي التي بُعث فيها الخليل -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إلى أهلها، قبلَ أن تعم دعوته أهل العراق وأهل الشام.
انتقل-رَحِمَهُ اللهُ- بعد دخول التتر إلى بلده حران مع أهله إلى دمشق، يذكرُ أنهم انتقلوا على عجلة يجرها ثورٌ، من شدَّة هروبهم وهجرتهم من بلدهم لَمَّا دهمها هؤلاء التتار الوثنيون، عاش في دمشق وتربى فيها ونشأ في العلم فيها، وتأهل للإفتاء وهو ابن السابعة عشرة من عمره، وجلسَ للتدريس وله أحدى وعشرون سنة، وجلسَ للتفسير في الجامع الأموي وهو منصب لا يتهيأ لكل أحد وعمره ثلاثون سنة، ألَّفَ وصنَّفَ وخدمَ العلم وأهله، وذبَّ مذبَّة عظيمة عن جادة السَّلف واعتقادهم، وبُلي بسبب ذلك حتى شرَّف السجون سبع أو ست مرات، توفي مسجونًا -رَحِمَهُ اللهُ- في سنة سبعمائة وثمان وعشرين، هذا عن المؤلف شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ- وقد لُقِّب بهذا اللقب "شيخ الإسلام"؛ لأنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- من سنته الشَّرعية أن يبعث لهذه الأمَّة من يجدد لها أمر دينها، فاصطلح العلماء على هؤلاء المجددين بأن وُصفوا بهذا الوصف "شيخ الإسلام"
أمَّا الكتاب فهو على اسمه "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" ومضمونه يقوم على وجوب موالاة العلماء، ومحبتهم والثناء عليهم، وألا يُحطُّ من شأنهم، حتى وإن وقعَ منهم ما وقعَ من الخطأ أو الغلطِ الذي ربما كان مقصودًا أو غير مقصودٍ على ما بثه وذكره في كتابه، وجعل هذا الأصل فرعًا عن أصل موالاة عموم المؤمنين، التي هي فرع عن أصل أصيل وهو موالاة الله -جَلَّ وَعَلَا.
بنى كتابه-رَحِمَهُ اللهُ- على ثلاث محاور رئيسة، هي أعظم أسباب مخالفة العلماء للأحاديث:
السبب الأول: اعتقاد العالم أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يقل هذا الحديث، بمعنى أنه لم يثبت عنده.
السبب الثاني: اعتقاد أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله لكن لم يأتِ في هذه المسألة المعينة التي خالف فيها قول هذا العالم حديث النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وخالف فيها مذهبه واختياره ما ثبت عن النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
السبب الثالث: أن يكون الحديث ثابتًا، ولكن إمَّا أنه منسوخٌ أو مخصوص بعموم، أو مُقيد بإطلاق، هذه النواحي التي يعتني بها أهل الأصول، ومثلهم أيضًا أهل علم أصول الحديث وهو المصطلح.
ثم رتَّب -رَحِمَهُ اللهُ- الأسباب التي جعلت مَن جعلت من أهل العلم يخالفون الأحاديث فجمعها في عشرة أسباب، بسطَ فيها الكلام على ما يناسب هذا المختصر، وصارت هذه الرسالة من مختصرات الشَّيخ، ونعتبرُ من التَّوفيق دراسةُ هذا الكتاب لطالب العلم وتفهمه له ليبقى في قلبه إجلال العلماء، ولمس الأعذار لما وقع منهم من مخالفة للأحاديث أو للقول الصحيح.
وبادئ ذي بدء: لابد أن يُفطن إلى أن الخلاف في أصله سائغ وممكنٌ شرعًا وعقلًا وحاصلٌ وواقع، والمذموم في الشرع هو الافتراق، وقد يكون بين الافتراق والخلاف تداخل، وذلك إذا جاء الخلاف في ردِّ النُّصوص الصحيحة في ثبوتها وفي دلالتها، فيكون الخلاف عندئذ خلاف غير سائغ، بل يدخل في دائرة الخلاف المذموم.
والخلاف عند أهل العلم يقسمونه إلى نوعين:
النَّوع الأوَّل: خلاف تنوُّع، وهذا أكثر ما جاء عن السلف-رَحِمَهُم اللهُ- في تفاسير القرآن، أو في شروحهم وتناولهم لأحاديث النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، والتنوع ظاهرةٌ علميَّةٌ صحيحةٌ، وهي تدلُّ على سعة الشريعة.
مثالها: لو أخذناها على هذه الطاولة، يصفها الواصف بأنها طاولة عريضة، ويصفها من يراها من جهته أنها نحيفة، ويصفها آخر أنها طويلة، يصفها رابع أنها مرتفعة، هذه أربع صفات، ما أوجه الخلاف بينها؟ كلها تنوع، لا يضاد كلُّ قول الآخر، وهذا الذي درجَ عليه كلام السَّلف الصَّالح في تفاسير الآيات، وفي استنزاعهم الأحكام من أحاديث النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، ما وقع فيه في خلاف في هذا فهو على باب التنوع.
النَّوع الثَّاني: خلاف التَّضاد، وهذا كثير عند الخلف، وهو كثير عند أتباع المذاهب الإسلامية المتبوعة، والمُجمع عليها أربعة مذاهب، وقد يقعُ من هذا الخلاف خلافٌ في مخالفةِ الأحاديث، وهذا ما تناوله شيخ الإسلام ها هنا في ذكرِ هذا السبب العظيم في وجود هذا الخلاف -خلاف التضاد للأحاديث أو للأقوال المجمع عليها- وسببها على الأسباب الثلاثة الرئيسية، ثم فصلها في الأسباب العشرة.
وفيه اعتبار أن العالم مهما كبُرَ في عِلمه وعظُم في إمامته ليس معصومًا، ولهذا شيخ الإسلام في هذا الكتاب يدفع الملامة والشرهة والعتب الذي قد يوجد عند عوام النَّاس أو عند بعض الطلبة كيف يخالف هذا العالم وهو من هو في علمه وإمامته يخالف حديث النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، لا سيما إذا كان هذا العالم ممن له قولٌ معتبرٌ، ومذهب متبوع أو مذهب كان متبوعًا ثم اندثر، كما في مذهب الليث بن سعد، والأوزاعي قبله، وظفر، وأمثالهم -رَحِمَهُم اللهُ!
وفي هذا الكتاب برهانٌ على أنَّ شيخ الإسلام معظِّمٌ لأهل العلم، حتى وصفهم بأنهم أئمة أعلام "رفع المنام عن الأئمة الأعلام".
والإمام عند أهل العلم: هو الذي له في العلم شأوًا وله أتباع عليه في اختياره وفي قوله، لأن فرض عوام هو أخذ العلم عن مَن يثقون في علمهم ودينهم، ووقع هذا لأئمَّة الإسلام الكبار.
أعلام: جمع علم وهو اسم للجبل -كما قلنا- واسم للنار التي لها ظهور وشنار، والاسم لمن له شأن، فهو يدافع عنهم دفاعًا إجماليًّا في هذا الميدان -ميدان مخالفة الأحاديث التي قد تقع أو مخالفة الإجماع- فهو بهذا يعتذر لهم.
وقبل أن نبدأ؛ ألفتُ هذا الانتباه وأهمسُ في أذن طالب العلم: ألَّا يجعل بين عينيه في علمه مناطحة الكبار، بل يعرف قدره ويعرف لأهل العلم قدرهم وسابقتهم وفضلهم، شيخ الإسلام في هذا التَّصنيف يسير على ركب العلماء، الذين يرون الفضل لمن سبقهم من أهل العلم، فهذا ديانة من جهةٍ ومروءةً وسمو نفسٍ من جهة أخرى، وعكسها: عدم ديانة أو ضعف في الديانة من جهة ولؤم وسوء طبع من جهة أخرى.
ولهذا للأسف هناك مَن إذا أخطأ العالم مهما كان في علمه نسف في اليم نسفًا، واطُّرح ولم يُنظر إلى سابقته والى فضله، وما هكذا كان عليه السَّلف ولم يدرُج على هذا من تبعهم من علماء الخلف.
فنبدأ مستعينين بالله سائليه الهدى والتَّوفيق في مذاكرة هذا الكتاب في معانيه الرئيسة، ومواضعه المهمة.
{أحسن الله إليكم وبارك فيكم.
قال شيخ ابن تيمية-رَحِمَهُ اللهُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى آلَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَاتَمُ أَنْبِيَائِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلَاةً دَائِمَةً إلَى يَوْمِ لِقَائِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمً)}.
هذه المقدمة بحمد الله والثَّناء عليه والصَّلاة على رسوله، ينوعها أهل العلم -رَحِمَهُم اللهُ- بالألفاظ وهي تدورُ على هذه الأسس الثَّلاثة:
أولًا: حمد الله -جَلَّ وَعَلَا- والثناء عليه.
ثانيًا: الثَّناء والصَّلاة على رسله -عليهم الصلاة والسلام- وجماعهما بالشَّهادة بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والشهادة بأن محمدًا عبده ورسوله.
ثالثًا: الترضي على أصحاب النبي وآله وتابعيهم بإحسان، وهذه ميزة أهل الإسلام وأتباع الرسل أنَّ اللاحق يُثني ويمدح ويدعو للسَّابق من أهل الإيمان.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَبَعْدُ: فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ -بَعْدَ مُوَالَاةِ اللَّهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)}.
إذا جاء ذكر النبي يصلى ويسلم عليه كتب أو لم يكتب، وبهذا أدبنا علماؤنا، وإذا جاء ذكر الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- يُترضى عنهم، سواء بأفرادهم بمجموعهم، سواء كتب ذلك في النُّسخ أو لم يكتب.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَبَعْدُ: فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ -بَعْدَ مُوَالَاةِ اللَّهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ. خُصُوصًا الْعُلَمَاءُ، الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ، يُهْتَدَى بِهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ)}.
لماذا يوالى العلماء؟ لأمرين:
الأمر الأوَّل: لأنهم من المؤمنين، والله -جَلَّ وَعَلَا- يقول: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71].
الأمر الثاني: يوالى العلماء لأنه مُجمع على هدايتهم في مجموعهم وعلى درايتهم في الشريعة، وهذا في المجموع، وهدايتهم، والله -جَلَّ وَعَلَا- قال في آية النساء: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرً﴾ [النساء: 115]، والصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- أوَّل من يتناولهم هذا الوصف، ثم التَّابعون لهم ثم تابعوا التَّابعين، ثم من تبعهم من علماء الإسلام.
وقوله: (الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ، يُهْتَدَى بِهِمْ)، النجوم عندهم نوعان:
- نجوم ثابتة: كالجدي، فهو ثابت ويسمونه القطب، وهو معروف في جهة الشمال.
- نجوم متحركة: كالمرزم والثريا وسهيل.
وكلا هذين النوعين من النجوم يهتدى بها، ويعرف بها الجهات، وتعرف بها الأوقات سواء الفصليَّة أو الأوقات في أوَّل الليل وأوسطه وآخره.
فهؤلاء العلماء في هذه الأمة كالنُّجوم في السماء يهتدى بها.
والحديث الذي يروى «أَصْحَابِي كالنُّجومِ، بأيِّهِمُ اقتديْتُمْ اهتديْتُمْ» ، حديث معناه صحيح وإن كان إسناده فيه ضعف، وهذا يأتي، فيأتي الحديث في إسناده مقال لكن معناه صحيح شهدت له الأدلَّة الأخرى.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (إذْ كَلُّ أُمَّةٍ -قَبْلَ مَبْعَثِ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعُلَمَاؤُهَا شِرَارُهَا، إلَّا الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ عُلَمَاءَهُمْ خِيَارُهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ خُلَفَاءُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ، والمحيون لِمَا مَاتَ مِنْ سُنَّتِهِ. بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ، وَبِهِ قَامُوا، وَبِهِمْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُو)}.
هذه جملة مختصرة في فضل علماء الإسلام على علماء أهل الملل قبلهم، فإنه في الملتين قبلنا -اليهودية ثم النصرانية- كثُرَ الانحراف في علمائهم، وإن كان العلماء في اليهودية أكثر، لكنه في النصرانية قلَّة حلَّ محلهم الرهبان، ولهذا باءَ اليهود بغضب من الله؛ لأنهم علموا الحق ولم يعملوا به، وباء النصارى بالضلال؛ لأنهم عبدوا الله على غير هُدى.
أمَّا خُلفاء الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وورثته فإنهم أهل العلم؛ لأنَّ النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لم يُورِّث درهمًا ولا دينارًا، وإنما ورَّثَ العلم، فمَن أخذه أخذ بميراث النبي وأخذ بحظٍّ وافرٍ.
وقد جاء في حديث عمر المروي من غير وجهٍ: «عُلَماءُ أمَّتي كأَنبياءِ بَني إسرائيلَ» ، يعني: كثرة، فيقومون مقامهم في بيان وشرح دين الله.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ -الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا- يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّتِهِ؛ دَقِيقٍ وَلَا جَلِيلٍ. فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)}.
هذه النتيجة التي قررها شيخ الإسلام هي نتيجة مهمَّة، معلوم علم يقيني أنه لم يتعمَّد أحد من العلماء المشهود بهم والمشار إليهم مخالفة حديث النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، قال: (فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّ)، أي: ليس مظنونًا أو مشكوكًا به، على وجوب الانقياد واتباع ما جاء به الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فهذا الإمام أبو حنيفة ثبتَ عنه أنه قال: "إذا جاء الحديث فعلى الرأس وعلى العين، وإذا جاء عن الصحابة فعلى الرأس وعلى العين، وإذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال"، وجاء عن الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، قوله: "كلنا مردود عليه إلا صاحب هذا القبر"، وأشار عن يمينه إلى حجرة عائشة التي دُفن فيها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله: "كلنا" أي: أهل العلم يرد بعضنا على بعض لعدم العصمة، وأمَّا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يجوز أن يُرد عليه حديثه.
الإمام الشافعي-رَحِمَهُ اللهُ- قال: "إذا جاءكم الحديث عن رسول الله فخذوا به واضربوا بقولي عرض الحائط".
وجاء عنه وعن الإمام أحمد أنهما قالا: "أجمع على أن من استبانت له -أي توضحت وتبينت له سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لم يكن ليدعها لقول أحد كائنًا من كان".
فهذا كلام أئمة الإسلام المتبوعة مذاهبهم في هذا الاتفاق اليقيني على وجوب اتباع النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، والتعبد لله بما جاء به، فإذا وجد لأحد من هؤلاء الأئمة الأعلام سواء من الأربعة المتبوعة مذاهبهم أو مَن قبلهم أو أثنائهم أو من جاء بعدهم من علماء الإسلام ما فيه مخالفة لحديث؛ فتأتيه هذه الأعذار بأنه لم يتقصدها، إمَّا لأنه لم يعتقد أن النبي قاله ولم يثبت عنده، أو اعتقاده أنه قال لكن لا يدل على هذه المسألة بعينها، أو اعتقد أن الحكم الذي فيه -وإن صحَّ- منسوخ، أو مقيد بعد إطلاق، أو خاص بعد عام -كما سيأتي التنبيه إليه.

{قال-رَحِمَهُ اللهُ: (وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ)}.
لابد له من عذر، سواء علمته يا طالب العلم -فالحمد لله- وإن لم تعلمه فالخلل من عدم علمك وقصور فهمك، لكن له عذر، إن بلغك فالحمد لله تعذره به، وإن لم يبلغك فاعلم أن هناك عذر لكن قصُر عنه فهمك وعلمك.
إذًا لم يتقصد الأحاديث، وهذا كثيرٌ في مذهب الإمام أبي حنيفة لأنه في زمنه لم تسطَّر الكتب وتثبت، ففاتته أحاديث لم تثبت عنده أو خفيت عليه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَجَمِاعُ الْأَعْذَارِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ)}.
يعني: الأعذار الثلاثة الرئيسة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (أَحَدُهَا: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ)}.
هذا العذر الأول، ألا يعتقد هذا العَلَم من العلماء أنَّ النَّبي قاله بأنه لم يثبت عنده من وجوه صحيحة، أو ثبت عنده لكنه في متنه نكارة أو شذوذ؛ فيدخل في هذه الدائرة أو في هذا الصنف أنه يعتقد النبي ما قاله -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَالثَّانِي: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ إرَادَةَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ)}.
يعتقد هذا المخالف له أن النَّبي ما أراد هذه المسألة في هذا القول.
مثاله: الأئمة الجمهور من الأئمَّة الثَّلاثة الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعية يرون عدم الوضوء من لحم الجزر، أخذًا بحديث: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ» ، والإمام أحمد في روايته يوافقهم، والرواية الثانية وهي المعتمدة في المذهب أنه يتوضأ من لحم الجزور؛ لأنه ثبت عنده حديث جابر وحديث أنس لَمَّا أمر النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بالوضوء من أكل لحم الجزور، فهذه مسألة عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول الذي خالف فيه الدليل.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَالثَّالِثُ: اعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ)}.
الحكم يكون منسوخ، والنسخ إما أنه جاء ما يرفعه كله، أو يرفع بعضه وهو التَّخصيص، فيكون الحكم الخاص مخصص لعموم العام، أو جاء ما يقيِّده بعدَ عن كونه مطلقًا، وهذه يأتي لها شرح كل هذه الثلاثة في أسباب عشرة ذكرها-رَحِمَهُ اللهُ- في أسباب وقوع خلاف التضاد بين أهل العلم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ تَتَفَرَّعُ إلَى أَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ)}.
نفهم من هذا: أن الأسباب الرئيسية جعلها ثلاث أصناف، تفرع عنها أسباب عشرة هي المصطلح عليها عند العلماء بأسباب خلاف العلماء.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (أَن لا يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمُوجَبِهِ)}.
يعني من تحريم حرام أو تحليل حرام، أو إباحة مباح، أو مدلول علمي غيبي، أو مدلول علمي خبري، أو مدلول علمي فعلي؛ فإذا لم يبلغه الحديث فهو معذور، وهذا كثير ما وقع للإمام أبي حنيفة، فيفتي بأقوال ويقول بأقوال تبين بعدُ أنا خالفت الأحاديث، وذلك الأحاديث لم تبلغه، فإن أبا حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي -رَحِمَهُ اللهُ- ولد في سنة ثمانين للهجرة وتوفي وله سنة مائة وخمسين وله سبعون سنة، وكثيرًا من الأحاديث لم تكتب، إنما كانت في عصر الرواية حفظًا وتلقيًا، فيكون فاته شيءٌ كثيرٌ منها؛ فيتناوله هذا العذر الذي أشار إليه شيخ الإسلام أبو العباس.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَهُ -وَقَدْ قَالَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِمُوجَبِ ظَاهِرِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ؛ أَوْ بِمُوجَبِ قِيَاسٍ؛ أَوْ مُوجَبِ اسْتِصْحَابٍ- فَقَدْ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ تَارَةً، وَيُخَالِفُهُ أُخْرَى)}.
هنا ذكر أنَّ فتوى هذا العالم وقوله قد يكون بناه على ظاهر آية، أو حديث آخر غير الحديث الذي خالف في قوله هذا الحديث المنصوص عليه.
قوله: (أَوْ بِمُوجَبِ قِيَاسٍ)، فردُّ النَّظير لنظيره في الحكم وإلحاق الفرع بالأصل في الحكم لعلة جامعة؛ يسمى "القياس الأصولي" أو "القياس التمثيلي".
قوله: (أَوْ مُوجَبِ اسْتِصْحَابٍ)، أي: استصحاب البراءة الأصلية، استصحاب الإباحة؛ لأنَّ الأصل في الأشياء الإباحة، استصحاب التَّحريم وهو الأصل في أشياء كالأبضاع واللحوم والأموال والأنفس المعصومة؛ فالأصل فيها التحريم، كما قال الشيخ ابن سعدي في نظمه:

والأَصْلُ فِي الأَبْضَاعِ واللحومِ ... والنَّفْسِ والأموالِ للمَعْصُومِ
تَحْـــريمُها حَتى يَجيءَ الحِــــلُّ ... فَافْهَمْ هَدَاكَ اللهُ مـا يُمَـــــلُّ

وكأنَّ الشيخ بهذا يشير إشارة ظاهرة إلى الإمام أبي حنيفة، فيما جاء عنده من مخالفة أحاديث ثابتة لم يبلغها علمه وإنما بنى فتواه على هذه الأربع.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَهَذَا السَّبَبُ: هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِ مَا يُوجَدُ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ)}.
لو سألك سائل من هم السلف؟
أصل السلف كل مَن مضى، لكن السلف بـ "أل" العهدية هنا يراد بهم الصَّحابة ثم التَّابعون ثم تابعوهم إلى نهاية المائة الثالثة، القرون الثَّلاثة الذين زكاهم ومدحهم وأثنى عليهم نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديثي ابن مسعود وعمران بن حصين -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- وهذا أمر مهم، وهو ألا يسيء طالب العلم ظنه بهؤلاء السلف، ومن تبعهم العلماء، ونسمع كثيرًا من المشايخ تمثلهم ببيتين كان يتمثَّل بهما الشَّيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب الأضواء -رحمهم الله- فإنه يذكر عن شيخه محمد حنبل الشنقيطي هذين البيتين:
لاَ يُزَهِّدْكَ أَخِي فِي الْعِلْمِ أَنْ ... غَمَرَ الْجُهَّـــالُ أَرْبَابَ الأَدَبْ
زَبَــــــدُ الْبَحْـــرِ تَـرَاهُ رَابِياً ... وَاللآلِي الْغُرُّ فِي الْقَعْرِ رُسُبْ
لاَ تُسِئْ بِالْعِلْـــمِ ظَنّاً يَا فَتَى ... إِنَّ سُـوْءَ الظَّنِّ بِالْعِلْمِ عَطَـبْ

إذًا لابد أن تتَّهم نفسك وقصورك يا طالب العلم، فلا تعود بالملامة والمذمَّة على علماء الإسلام من السَّلف فيما تظنه أنهم خالفوا فيه حديثًا ثابتًا عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما مقتضى محبتهم والثَّناء عليهم واعتقاد علمهم، وتقدُّمهم فيه وجلالتهم في العلم أن تعتذر لهم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِ مِنْ الْأُمَّةِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ؛ أَوْ يُفْتِي؛ أَوْ يَقْضِي؛ أَوْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ؛ فَيَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ مَنْ يَكُونُ حَاضِرًا، وَيُبَلِّغُهُ أُولَئِكَ -أَوْ بَعْضُهُمْ- لِمَنْ يُبَلِّغُونَهُ)}.
كان يُحدِّث في حديثه العام خطبة أو موعظة، ويفتي سائلًا سواء فتوى عامة أو خاصة، ويقضي بين اثنين متخاصمين أو قضاء عامًا، ويفعل الشيء من التَّشريع، فإن التشريع يكون بالقول ويكون بالفعل ويكون بالإقرار، فعندئذٍ يسمعه بعضهم فيبلغه، فيخفى على البعض، لكن لا يمكن أن تخفى أحاديثه وسنته عن مجموع الأمَّة؛ لأنَّ سنته -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ودينه هو شرح وبيان للقرآن، يقول الشيخ المصنف في الواسطية: "فصل: والسنة تفسر القرآن، وتبينه وتدلُّ عليهِ وتعبِّرُ عنه"، فهذه السُّنة بمجموع أقواله وأفعاله وتقريراته -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لا يمكن أن يهملها مجموع الأمَّة، بل تضافروا على نقلها وعلى بيانها، لكن آحادهم وأفرادهم قد يخفى عليه، وهذا هو الواقع عرفًا وهو الأمر المعقول عقلًا، لا يمكن الواحد يحيط بجميع ما جاء عن -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَيَنْتَهِي عِلْمُ ذَلِكَ إلَى مَنْ شَاءُ اللَّهُ تعالى مِنْ الْعُلَمَاءِ، مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ: قَدْ يُحَدِّثُ، أَوْ يُفْتِي، أَوْ يَقْضِي، أَوْ يَفْعَلُ شَيْئًا، وَيَشْهَدُهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَيُبَلِّغُونَهُ لِمَنْ أَمْكَنَهُمْ)}.
من هذا الذي يحدث ويفتي ويقضي في مجلس آخر؟
هو النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فينقل ها هنا المجلس الثاني غير الذي نقله في المجلس الأول.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَيَكُونُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ.
وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ أَوْ جَوْدَتِهِ)
}.
تفاضل الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- كان بكثرة علمهم الذي ورثوه عن النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ومع الكثرة الجودة، علمٌ محفوظٌ ومعقولٌ غير متناقض وغير مضطرب، وهذا ما تميَّز به الصَّحابة، ولهذا لَمَّا ذكر عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- خطبه فما ترك أمرًا من طائرٍ يطير بجناحيه في السَّماء إلا آتاهم منه علمًا، حديث حذيفة بن اليمان: "قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَقَامًا، ما تَرَكَ شيئًا يَكونُ في مَقَامِهِ ذلكَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، إلَّا حَدَّثَ به، حَفِظَهُ مَن حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ" . قالوا: "وكان أعلمنا أحفظنا"، الأعلم منهم الذي حفظ حديثه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَأَمَّا إحَاطَةُ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ قَطُّ)}.
ادَّعاه بعض الناس فخالف المعقول، كما ادَّعته الرَّافضة في علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وكما ادَّعاه بعض المجانين المتعصبة للأئمة في أئمتهم، لكن هذا لا يمكن أن يدَّعيه مدَّعٍ ادِّعاء عامًا قط وهو صادق في هذه الدعوى.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ -رضي الله عنهم- الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِأُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ وَأَحْوَالِهِ، خُصُوصًا الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُفَارِقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَضَرًا وَلَا سَفَرًا، بَلْ كَانَ يَكُونُ مَعَهُ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ، حَتَّى إنَّهُ يَسْمَرُ عِنْدَهُ بِاللَّيْلِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَإِنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا كان يَقُولُ: «دَخَلْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وَ «خَرَجْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»)}.
هذا أمرٌ مُتصور في هؤلاء الخلفاء الراشدين، والخلفاء الراشدون المجمع عليهم أربعة: أبو بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثم عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثم عثمان ذو النورين -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثم علي بن أبي طالب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، من أهل العلم من أضاف إليهم مَن كان راشدًا كعمر بن عبد العزيز، وهذا إلحاق لهم بالفضل، وإلا فالمجمع على الأربعة، هؤلاء اعتبِر بهم فيما كانوا يروونه عن النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، ما أحاط الواحد منهم بكل شيء، فهذا أبو بكر مع أنه مصاحب للنبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حضرًا وسفرًا، ومعه في أكثر أحواله يسمُر معه في الليل في أمور المسلمين، ومع ذلك ما أحاط بكل شيء، وعمر كذلك؛ فإذا كان هذا في الشَّيخين وزيري رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبي بكر وعمر فغيرهم من باب أولى، وهو الذي قال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ» .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثُمَّ إنه -مَعَ ذَلِكَ- لَمَّا سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ قَالَ: "مَالَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وَمَا عَلِمْت لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ، وَلَكِنْ اسْأَلْ النَّاسَ" فَسَأَلَهُمْ. فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مسلمة -رضي الله عنهما- فَشَهِدَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ" وَقَدْ بَلَّغَ هَذِهِ السُّنَّةَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- أَيْضًا.)}.
هذا يسمى عند العلماء بحديث قبيصة في بروع بنت واشق، فإن أبا بكر خفي عليه ذلك الحكم الذي أفتى به النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فلما خفي عليه الحكم وهو ميراث الجدة، والشريعة أنزلتها منزلة الأم عند عدمها، حديث بروع بنت واشق رواه أبو داوود والترمذي وغيرهما، قال أبو بكر: "مَالَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وَمَا عَلِمْت لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ، وَلَكِنْ اسْأَلْ النَّاسَ" فَسَأَلَهُمْ. فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مسلمة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَشَهِدَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ"، أي عند عدم الوالدة، ففيه أن أبا بكر لم يُحط بكل شيء؛ بل خفي عليه، فلما راجع الناس انْبَنَى له علم لم يكن عنده من قبل، والذي بلَّغ هذا الحديث هو عمران بن حصين -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فاشتهر الحديث بنسبته إليه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَقَدْ بَلَّغَ هَذِهِ السُّنَّةَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- أَيْضًا، وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِثْلَ: أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْخُلَفَاءِ -رضي الله عنهم)}.
من هؤلاء الثلاثة؟
هؤلاء الثلاثة المشار إليهم في حديث قبيصة هم: المغيرة بن شعبة، ومحمد بن مسلمة، وعمران بن حصين -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، هم أقل في العلم والفضل من أبي بكر وعمر وعثمان، ومع هذا حصَّلوا علمًا في هذه المسألة المعيَّنة عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحصله أبو بكر قبلهم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثُمَّ قَدْ اخْتَصُّوا بِعِلْمِ هَذِهِ السُّنَّةِ الَّتِي قَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَ)}.
أي: هؤلاء الثلاثة: المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة وعمران بن حصين -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- بعلم هذه السنة في ميراث الجدة، التي اتفقت الأمَّة على العمل بها بعد ذلك في المواريث، مع أنَّ أبا بكر من أعلم الصحابة بالمواريث، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، لكن ليس من شرط العالم أن يُحيط بكل شيء.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ سُنَّةَ الِاسْتِئْذَانِ حَتَّى أَخْبَرَهُ بِهَا أَبُو مُوسَى الأَشْعريُّ -رضي الله عنه- وَاسْتَشْهَدَ بِالْأَنْصَارِ. وَعُمَرُ أَعْلَمُ مِمَّنْ حَدَّثَهُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ)}.
هذا حديث أبي سعيد الخدري رواه البخاري وغيره، فإنَّ أبا موسى جاء يستأذن على عمر، فلما لم يؤذن له رجع، فسأل عنه عمر قالوا: إنه رجع فأرسل وراءه، قال لم رجعت؟ قال لم تأذن لي يا أمير المؤمنين، قال ولِم ترجع؟ قال: لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،أمرنا أن نرجع إن لم يؤذن لنا، قال: اذهب فَأْتِنِي على هذا بمن يشهده -يعني أن النبي قال ذلك-، فهنا خفيت السُّنة على عمر، فذهب أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حتى أتى على مجمع من الأنصار، وقال: من منكم سمع النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يأمر بالرجوع عند عدم الإذن؟ فقام معه رجال، فخفيت هذه السُّنة على عمر وهو أفضل من أبي موسى الأشعري وهو من الأنصار -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ -رضي الله عنه- أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، بَلْ يَرَى: أَنَّ الدِّيَةَ لِلْعَاقِلَةِ، حَتَّى كَتَبَ إلَيْهِ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ أَمِيرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الْبَوَادِي، يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ- رضي الله عنه- مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَ)}.
الحديث رواه أهل السنن في حديث الضحاك بن سفيان الكلابي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وكان عمر قبل ذلك يرى أنَّ المرأة لا ترث من دية زوجها، وإنما الدية على العاقلة، والعاقلة تتحمَّل ما ترثه، فخفيَت عليه هذه السُّنة حتى أُعلم بها من رجل من أطراف الصحابة، يمكن بعض طلاب العلم ما يعرف الضحاك بن سفيان الكلابي، فضلًا على أن يعرف فضله وأنه من الصحابة، فخفيت على عمر هذه السُّنة حتى أعلمه بها الضحاك-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَتَرَكَ رَأْيَهُ لِذَلِكَ، وَقَالَ: "لَوْ لَمْ نَسْمَعْ بِهَذَا لَقَضَيْنَا بِخِلَافِهِ").
عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في خلافته اتَّسعت الدولة الإسلامية، ولهذا ندَّت مسائل خفي فيها العلم على عمر، منها إرث المرأة من دية زوجها في العاقلة، ومنها مسألة الجزية وأخذها من المجوس حتى نبهه إلى ذلك عبد الرحمن بن عوف، ومنها ما جاء في حديث الاستئذان، ابن عمر خَفَتْ عليه سنة اتباع الجنائز وما فيها من القراريط حتى استثبتها من عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- بأن أرسل إليها يسألها.
إذًا ليس من شرط العالم من الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- في أئمتهم أو مَن دونهم أن يحيطوا بكل شيء.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ حُكْمَ الْمَجُوسِ فِي الْجِزْيَةِ، حَتَّى أَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»)}.
الحديث رواه البخاري عن عبد الرحمن بن عوف.
قوله: «سَنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»، أي سُنوا بأهل المجوس عبَّاد النار أهل الثنويَّة سنة أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ لأنَّ لهم شبهة كتاب، وهذا -والله أعلم- كما في عظيمه المشهور الزرادشت، حتى جاء ماني بن فاتك؛ فزنْدَقَ عليه وحرَّفَ تعاليمه بكتابه "زنداماني" الذي وُصف مَن كان على طريقته بأنه زنديق ثم تُرجم وانتقل هذا المصطلح من المجوس إلى المسلمين.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلَمَّا قَدِمَ سَرْغ وَبَلَغَهُ أَنَّ الطَّاعُونَ بِالشَّامِ، اسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ مَعَهُ)}.
هذا منزل في الأردن الآن بين تبوك وبين المغبثة، لما بلغَ هذا الموضع سمع بالطاعون نزل فيه بلاد الشام.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثُمَّ الْأَنْصَارَ، ثُمَّ مُسْلِمَةَ الْفَتْحِ، فَأَشَارَ كُلٌّ عَلَيْهِ بِمَا رَأَى، وَلَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ بِسُنَّةٍ، حَتَّى قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)}.
يعني الصحابة لما شاورهم كل أتى برأيه، والذي جاء بسنة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو عبد الرحمن بن عوف في حديث خفي على عمر وعلى غير عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قال عبد الرحمن بن عوف سمعت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في الطاعون: «إذَا وَقَعَ بِأَرْضِ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضِ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ».
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ بِسُنَّةٍ، حَتَّى قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَخْبَرَهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ، وَأَنَّهُ قَالَ: «إذَا وَقَعَ بِأَرْضِ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضِ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ»)}.
حديث عبد الرحمن بن عوف في الصحيحين.
نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح الذي يهدي به قلوبنا، ويجمع فيه فرقتنا، ويحق علينا به مرضاته لا يسخط علينا أبدًا، اللهم صلِّ وسلِّم على عبد الله ورسوله نبينا محمد.
{بارك الله فيكم وشكر الله لكم، شكرًا لكم أيها الإخوة المستمعون، ونلقاكم في حلقة قادمة بإذن الله تعالى}.
 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك